قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

أضعت تفاصيلي كاملةً،
ومازال قلبي الأعمى فيك نابضاً.
لاتقترب أكثر وتشعل عود ثقابك
أنا نار...
هل رأيت يوما ناراً تُحرَقُ؟
لملم أعاصيرك الهوجاء من حولي
فأنا وإن بدوت صحراء مسالمة
أستطيع إغراقك كلياََ برملي...
لا تركن إلى الخداع مرة أخرى
إحذر صمتي...
لم أعد أنا هي أنا...
فقد خاصمت جميع أطهار ملائكتي
و تعاقدت سراً مع أعتى الشياطينِ.
بقلم، سميرة البهادلي.

كانت سها تتحرك في عصبية وهي تتجه إلى سيارتها، تلعن قرارها الغبي اليوم بمصاحبة لين إلى هذا الحفل، فهي لا تحب تلك الحفلات بتاتا، تشعرها بالتوتر، تظن بأن العيون كلها تكون مركزة عليها، يستنكرون ماترتديه دائما من بنطال فضفاض وبلوزة قطنية، ورغم انها تبدو رائعة في هذا الزي إلا انه بالتأكيد لا يتوافق مع حفل كهذا يرتدون فيه الفساتين القصيرة التي تكشف أكثر مما تستر.

تعجبت سها في نفسها كيف اصبحت لين تهوى تلك الحفلات وهي التي كانت تشبهها تماما في النفور منهم، وكيف إرتضت بإرتداء تلك الفساتين، لتهز رأسها يمنة وشمالا وهي تدرك ان تجربتها الأليمة مع مؤيد هي ما حولتها بتلك الصورة، ليهيأ لسها في بعض اللحظات ان تلك الفتاة ليست بصديقتها على الإطلاق، لتعود وتدحض افكارها وهي تدرك ان بداخل تلك المرأة التي تظهر للجميع قوية مستقلة ولايهمها أي شئ، تقبع تلك الفتاة الخجولة الرقيقة التي لطالما عرفتها سها،.

توقفت تلعن حظها حين إنكسر كعب حذائها الأيمن، لتتجمد تماما وهي تسمع صوت يأتى من خلفها يقول بهدوء:
روقى، مش مستاهلة، بتحصل على فكرة.
إلتفتت إليه سها تطالعه بعيون ضاقت على ملامحه، تحاول ان تستشف موقفه، هل يسخر منها ام ان كلماته عادية يبغى بها مؤازرتها فحسب؟لتجد ان ملامحه خالية من السخرية تماما فإطمأن قلبها، وزفرت قائلة بتلقائية:.

آدى اللي بناخده من الحفلات دى، بهدلة وخلاص، همشى إزاي للعربية؟حقيقى مش عارفة.
تأملت عيناه ملامحها بمهل أربكها، وجعل الحمرة تغزو وجنتيها ثم إقترب منها بهدوء، لتشعر بدقات قلبها المتسارعة، تطرق جسدها بعنف، خاصة عندما توقف أمامها تماما وهو يمد يده إليها قائلا بهدوء:
هاتى الفردة التانية.
إتسعت عيناها في دهشة قائلة:
أفندم؟
أعاد كلماته أمامها بتروى قائلا:
بقولك هاتى الفردة التانية.

لم تدرى كيف إستجابت لطلبه وخلعت عنها حذائها ثم رفعته تمنحه إياه، وسط هالة تبدو ساحرة النسمات، فعينا كل منهما لم تبرح الآخر، كليهما غارق في تلك النظرات، ليقطع هو تلك الهالة السحرية آخذا منها الحذاء ووسط ذهولها قام بكسر الكعب الآخر دون أن يغمض له جفن، ليناولها إياه مجددا قائلا بهدوء:
كدة أكيد أحسن.
أخذت الحذاء منه كالمسحورة، ثم إرتدته لتشعر بالراحة فعلا، رفعت عينيها إليه قائلة بإمتنان:.

فعلا، معاك حق، متشكرة أوى.
إكتفى بإبتسامة بسيطة زادته وسامة، لتتيه في ملامحه، لثوان قبل ان تفيق من سحره وهي تتنحنح قائلة:
احمم، عن إذنك.
قال بإبتسامة مازحا:
طب على الأقل قوليلى إسمك، إحنا بينا عشرة عشر دقايق وكعب جزمة مكسور.
نظرت إليه تبتسم وهي تقول بمشاكسة:
يمكن مرة تانية، بس دلوقتى، أكيد لأ، سلام.

لتتركه واقفا وتغادر ينظر في إثرها، تتسع إبتسامته، إنها مميزة تلك الفتاة، لا تشبه هؤلاء الموجودات في هذا الحفل البغيض، ولكنها تركته ومضت دون ان تمنحه أي معلومة عنها قد تسهل له الطريق إليها، تماما كسندريلا، ولكنها السندريلا خاصته، لذا سيبحث عنها وسيجدها ووقتها لن تكون لسواه.

ظلت لين صامتة، تنظر إلى مؤيد بصدمة، تتساءل منذ متى جاء إلى مصر فآخر أخباره التي وصلتها هو سفره إلى فرنسا منذ اعوام، هل إزداد وسامة عن الماضى؟، تبا لقد فعل، لتفيق من أفكارها على صوت مؤيد وهو يقول بسخرية:
إيه يالين؟مش هتقوليلى إزيك؟عيب عليكى، ده إحنا حتى كان بينا عيش وملح وكرواسون.
إستفزتها سخريته لتنفض صدمتها وتنحى مشاعرها الضعيفة تجاهه جانبا وهي ترسم قناعا من البرود على وجهها قائلة:.

عايز إيه يامؤيد؟
هز مؤيد رأسه يمنة ويسارا قائلا:
تؤ تؤ تؤ، يعنى بعد المدة الكبيرة دى كلها متقوليليش حتى إزيك؟
قالت في برود:
وأقولك إزيك ليه ماإنت أدامى أهو، ماشاء الله واضح إنك زي الفل وعايش حياتك بالطول والعرض، ولا إيه؟
إختفت السخرية من ملامحه لتظهر خالية التعبير تماما ولكن هيئ للين انها رأت لمحة حزن سريعة عبرت عينيه ولكنها لم تظهر في صوته الخالى تماما من المشاعر وهو يقول:.

إنتى كمان، واضح إنك مبسوطة في حياتك، الظاهر إن فيها حد جديد معيشك الحالة دى.
أدركت لين أن مؤيد يقصد هذا المليونير محمود عزمى، والذي دارت الشائعات مؤخرا عن قصة إرتباط قريب بينهما، إذا هو يتابع أخبارها، فليكن، وليظن ما يريد فهي لن تهتم،
أفاقت من أفكارها على صوته يقول وقد عادت إليه سخريته:
مقلتليش، أخبار محمود عزمى إيه؟ياترى مبسوطة معاه؟
إبتسمت ببرود قائلة:.

جدا، الصراحة مش عارفة أقولك إيه، إنسان أخلاق وذوق، ورقيق وحنين، حقيقى جنتل مان.
قبض مؤيد على يديه بقوة كي لا يتهور ويصمت تلك التي تتحدث عن غريمه، تعدد صفاته الرائعة، بقبلة تخطف أنفاسها وتتركها تبحث عن حرف تخرجه من بين تلك الأنفاس، فلا تجد، ولكنه نحى مشاعره جانبا وهو يقول:
وهو فين دلوقتى؟مش معقول يسيبك في حفلة زي دى بالمظهر ده وميكونش موجود.
قالت بغيظ:
محمود مسافر، وبعدين ماله مظهرى ها؟

نظر إليها مؤيد ببرود لا يعكس حنقه أبدا من نطقها إسم غريمه بأريحية، ومن هذا الفستان التي ترتديه لين والذي يظهر جسدها القشدي الرائع للعيان، لتلتهمها العيون أينما ذهبت، لقد راقبها من اول الحفل وأكثر من مرة كاد أن يقتل أصحاب تلك العيون التي تعرى جسدها أمامه، ليمنع نفسه في اللحظة الأخيرة، منبها نفسه أنها لم تعد تخصه ولكن تبا كم تؤلمه تلك الغيرة الحارقة عليها، ليدرك وبكل قوة أنه وفى أعماق قلبه مازال يحمل لها مشاعر قوية.

ليقول بسخرية:
مظهرك، وهو فين المظهر ده؟انا تقريبا شايفك أدامى عريانة، ده حتى قميص النوم كان أرحم من اللي إنتى لابساه ده.
إتسعت عيناها بصدمة قائلة:
إنت بتقول إيه، ها؟إنت أكيد إتجننت؟
مال عليها يقول ببرود:
إتجننت عشان بقولك الحقيقة، على فكرة انا جوايا كلام أسوأ من كدة، بس مش عايز أجرحك أكتر.
ليستطرد مستعيرا كلماتها وهو يقول:
لإنى بجد جنتل مان.

إلى هنا وكفى، هل يريد ان يجرحها أكثر؟، كيف وجراحه لها كانت قوية بما يكفى؟، حتى أنها مازالت تؤلمها حتى تلك اللحظة، لتقول بعصبية:
عموما إنت ملكش دخل في لبسى ولا حياتى، إحنا إتطلقنا، يعنى كل واحد دلوقتى راح لحاله وكل واحد حر في تصرفاته.
نظر إليها نظرة غامضة وهو يقول:.

صحيح إتطلقنا بس صدقينى، من النهاردة خلاص مش هتكونى على حريتك ولا هتقدرى تقولى أنا حرة، واللي مش عاجبه برة، من النهاردة إنتى خلاص هتدخلى عرين الأسد، ومش هتخرجى منه، وهتبقى الحكاية ياقاتل يامقتول، ودلوقتى أدامك بالظبط عشر دقايق تكونى سايبة الحفلة وماشية مع صاحبتك اللي مشيت دى وإلا قسما عظما هعملك فضيحة هنا في المكان ويحصل اللي يحصل.
عقدت حاجبيها قائلة بحدة:
إيه الكلام الفارغ ده.
إبتسم مؤيد قائلا:.

ده مش كلام فارغ، ده كلام مؤيد الحسينى، ياريت متنسيش بس إنى حذرتك، سلام يا، ياقطة.

وإبتعد مغادرا تتبعه عيناها بحنق، كادت ان تتحداه وتنتظر في الحفل ولكنها تعرف مؤيد جيدا لتدرك أنه لا يلقى تهديداته جزافا، لا يفعل ذلك مطلقا، لتقرر الإستسلام مؤقتا لتهديده مع وعد منها برد أفعاله عليه، والإنتقام منه، ولكن بالتأكيد ليس هنا وليس الآن، لتضرب بقدمها الأرض بغيظ قبل ان تغادر بخطوات حانقة تتبعها عينا مؤيد الذي إبتسم لأول مرة منذ زمن، بإرتياح.

دخلت شاهيناز إلى حجرتهما بعصبية، يتبعها خالد الذي قال بحدة ما إن أصبح داخل الحجرة:
ممكن أعرف المدام متعصبة كدة ليه وإزاي تكلمينى أصلا بالأسلوب ده أدام أختى، إنتى أكيد إتجننتى.
إلتفتت إليه شاهيناز قائلة بحنق:.

إتجننت؟أيوة أنا إتجننت، لما جوزى يزعقلى أدام ناس غريبة لازم أتجنن، لما يتساهل مع واحدة إستغلت شهرته عشان مصلحتها الشخصية، يبقى لازم أتجنن، لما لغاية دلوقتى بسمع لومه وعتابه مش إعتذاره يبقى لازم اتجنن.
تأملها خالد ببرود قائلا:
خلصتى؟
نظرت إليه بغضب قائلة:.

لأ مخلصتش، أنا عايزة أفهم إنت بتعاملنى كدة ليه ها؟عملت فيك إيه؟من يوم ما رجعت من السفر وإنت مش على طبيعتك معايا، مشاعرك بعيدة عنى، وكأن بينا جبال وسدود، مبقتش خالد اللي حبيته وعرضت عليه الجواز وحطيت تحت إيده فلوسى وكل ما أملك، مش إنت خالد أبو بنتي ريم، انا عايزة أعرف خالد ده راح فين؟

نظر إليها في برود لا يعكس مشاعره المضطربة وهو يسأل نفسه كل تلك الأسئلة، ماالذى حدث له؟، منذ عاد إلى منزله من جديد وهو يشعر بأنه ليس خالد نصار الذي يعرفه، أصبح داخله فارغا، وكأنه ليس هو، هناك شخصا آخر بعقله وقلبه يرغب بالصراخ عاليا، يطالب بالخروج والتعبير عن نفسه، شخص لا يهوى التجارة ولا الأعمال، بل شخص يهوى التأمل والغوص في الطبيعة، ربما يظهر قاسى القلب بارد النبضات ولكن بداخله طفل صغير يحتاج فقط إلى الأمان والإهتمام والحب، شخص لم يجد ما يحتاجه بين جوانب شركته الكبيرة، ولا بين جنبات منزله الواسع متعدد الحجرات ولا بداخل حضن زوجته، بل وجد راحته داخل أحلامه مع تلك الفتاة التي تثير كيانه وشغفه، تشعره بقوة الحياة، ليعقد حاجبيه وهو يتذكر تلك الكاتبة التي تدعى جورية، إن بها بعض ملامح بطلة أحلامه الغامضة، نفس الشعر ولكن لونه يختلف قليلا، نفس البشرة، الطول، القوام، ربما هذا ماجذبه إليها اليوم وأرسل تلك القشعريرة في جسده، وسارع نبضاته وهو بجوارها، أو ربما هو جسدها الرقيق الذي حمله بسرعة حين أغشي عليها، وما أثاره عطرها الرقيق المميز في حواسه أو ربما هي رقة جسدها الصغير بين يديه، أو هو صوتها الملائكي النبرات والذي جذبه بقوة ليصبح أسيرا له، لا يدرى حقا ماالذى جذبه إليها ولكنه يدرك بالتأكيد أنها تبدو مألوفة لديه بشكل يثير الإضطراب، أفاق من أفكاره على صوت شاهيناز وهي تقول بحدة:.

ماترد علية، خالد جوزى راح فين؟
نظر إليها قائلا ببرود:.

أنا موجود، لسة زي ماأنا، وقبل ما تبتدى الإسطوانة المشروخة بتاعة كل مرة على إنى بطلت أحبك وإنى أهملتك والكلام الفارغ ده عن إنى مشغول بواحدة تانية فأحب أوفر عليكى كل ده وأقولك إن دى كلها اوهام في دماغك ملهاش أي أساس من الصحة، حابة تصدقى براحتك، مش حابة إنتى حرة، بس ياريت تبطلى تفكرى في الكلام الفارغ ده وبدل ما تحطينى تحت عنيكى وتاخدى بالك من تصرفاتى، خدى بالك من تصرفاتك إنتى، وحطى بنتك تحت عنيكى وإهتمى بيها، لإن إهمالك ليها بدأ يعصبنى، وإهتمامك بشغلك وحفلاتك مبقاش مخليكى فاضية لحد غير نفسك.

كادت ان تعترض وقد ظهر الحنق على ملامحها، ليشير إليها بالصمت وهو يقول بصرامة:
كلمة زيادة وانتى اللي هتندمى بجد، لإنى بجد مريت بيوم صعب ومش هكون مسئول دلوقتى عن رد فعلى.
صمتت وقد ظهرت عروق جبهتها غضبا وإزدادت قتامة عيونها الدخانيتين، ليقول بهدوء:
انا داخل الحمام وياريت لما أخرج تكونى فكرتى كويس في الكلام اللي أنا قلته، ده لو حابة بجد نكمل مع بعض عشان خاطر ريم.

ليتجه إلى الحمام ويدلف إليه مغلقا بابه بهدوء، لتزفر شاهيناز بقوة وهي تقول بغضب:
ريم، ريم، ريم، عارفة إن الحاجة الوحيدة اللي مخلياك مكمل معايا هي ريم، ولولا كدة أنا كنت...
لتصمت وقد جزعت من تلك الكلمات التي كادت ان تفلت من بين شفتيها لتواريها داخل صدرها بقوة، وهي تقول بحسرة:.

لو كانت حياتى مشت زي ما انا عايزة، مكنتش هبقى واقفة دلوقتى مذلولة ليك ياخالد يانصار، بس مش شاهيناز حسان اللي تخسر حربها أدام حد، ومش شاهيناز حسان اللي تنذل ومتاخدش بتارها، أصبر علية ياخالد، بس ألاقيه من تانى، وهتشوف أنا ممكن أعمل فيك إيه، صدقنى ساعتها هتتمنى أكمل معاك وانا اللي هرفض، والمفاجاة اللي محضرهالك هتضربك في مقتل، أصبر بس وهتشوف.

لتبتسم بشر وقد إلتمعت عيناها وهي ترى هذا اليوم، تتخيله كما لو كان حقيقيا أمامها، من يدرى، ربما كان هذا اليوم قريبا، قريبا جدا.

إقترب مؤيد من سيارته ليجد نبيل جالسا بها ينتظره، ليدخل إليها ثم ينطلق بها بهدوء، ليقول نبيل:
ها عملت إيه طمنى؟
قال مؤيد بوجه خال من التعبير:
قابلتها،
قال نبيل يستحثه قائلا:
ها وبعدين؟
إستدار مؤيد حول هذا الملف الدائرى متجها بسيارته إلى شقته ببرود، ولكن نبيل إستشعر به الألم الذي ينبض بقلبه، ليستحثه قائلا:
ها، إيه اللي حصل؟، ما تحكى يامؤيد.
قال مؤيد في جمود:.

زي ما توقعت، إتغيرت اوى عن زمان، مبقتش تشبه لين اللي حبيتها غير في الملامح وبس، لبسها، كلامها، نظرتها، كل ده إتغير يانبيل.
قال نبيل بهدوء:
وهتعمل إيه طيب، هنرجع فرنسا من تانى؟
قال مؤيد بحنق:
أرجع إزاي بس وأنا لسة مشفيتش غليلى منها، أرجع إزاي وأسيبها تحقق كل أحلامها وتبقى سعيدة كمان؟
لتقطر المرارة من فمه وهو يقول:.

طب وأنا، وأحلامى معاها، أحلامى اللي دمرتها كلها، حياتى اللي لخبطتها وسعادتى اللي حرمتنى منها، كل ده يبقى من غير تمن تدفعه وتكفر فيه عن ذنبها؟مستحيل طبعا، لازم أدفعها تمن كل ذنب أذنبته في حقى، لازم اخليها تندم على كل حاجة عملتها معايا، لازم.
قال نبيل بقلق:
يعنى هتعمل إيه يامؤيد؟، فهمنى.
قال مؤيد بغموض:.

هعمل اللي كان لازم أعمله من ٣ سنين وللأسف معملتوش، بس ملحوقة، أصبرى علية يالين، هانت وهتكونى بين إيدية وساعتها مش هرحمك.
ليقع قلب نبيل بين قدميه مع سماعه لكلمات مؤيد ونبرات صوته المتوعدة والتي لا توحى بالخير، أبدا.

جلست لين على مقعد بشرفتها تتأمل سواد الليل أمامها، نظرت إلى السماء قليلا، إلى تلك النجوم التي تلألأت على صفحتها، لتقتحم ذاكرتها فجأة أحداث الماضى و كيف كانت تتشارك تلك الليالى مع مؤيد يعدون النجوم ويطلقون عليها الأسماء أيضا، غشيت عيناها الدموع وهي تتذكر كم كانت سعيدة بذلك الوقت، كان مؤيد عطوفا محبا يمنحها الحب والحنان وتبادله مشاعره بسخاء، فحبهما كان من اول نظرة، رأته لأول مرة حين ذهبت مع أخيها وأختها لخطبة شاهيناز، فكان هو هناك، مؤيد إبن الزوج الاخير لوالدة شاهيناز، حاصرها بنظراته يوم الخطبة ثم بعدها طاردها بعشقه حتى إستسلمت كلية له ووافقت على الزواج، ليعيشا أجمل أيام العمر، يظلل العشق جنبات حياتهم، ويملأها بنفحات السعادة، حتى بدأ القلق يكتنف تلك الحياة مع تأخرهم بالإنجاب، طرقا جميع أبواب الأطباء، لا فائدة، ليس بهما أي مانع يحرمهما من الإنجاب ولكنه فقط النصيب، القدر، قدرهما أن يحرما من تلك النعمة، أربعة سنوات حاولا فيها المستحيل للإنجاب فلم يستطيعا، حتى...

نفضت رأسها بقوة والدموع تتلألأ بعينيها ترفض الإستطراد في ذكرياتها المريرة، ترفض كلية أن تستعيد ذلك الألم الذي يصيب قلبها كلما غاصت في تلك الذكريات، زفرت بقوة، تتساءل لماذا ظهر أمامها ليثير فيها تلك الذكريات مجددا، لماذا عاد وعاد معه الشوق والحنين والألم، لماذا يتابع أخبارها؟وماذا يريد منها الآن؟ألا يكفيها مانالها منه في الماضى، ألا يكفيه ما آلت إليه بسببه؟حسنا، فليعد مجددا إلى حياتها ولن تهتم، ستتجنبه فقط، وإن حاول مضايقتها ستكون له بالمرصاد، وستكيل له الصاع صاعين، وأبدا لن تضعف ولن ترحم، فلم تعد أبدا كما كانت بالماضى ولن تعود مجددا، أبدا.

نفضت جورية غطائها ونهضت من سريرها فالنوم خاصم عينيها وجافاها مع تلك الصدمة التي أصابتها اليوم، كانت تدرك أنها يوما ما ستجده من جديد، ستسأله لماذا تخلى عنها وما الذي فعلته ليكون جزاؤها الهجران دون سبب، كان لديها أمل أن يكون لديه سبب مقنع لإبتعاده عنها، وأنها ستسامحه ويكملان قصة عشقهما الأبدي كما أخبرها بالماضى...

وبالفعل كان اللقاء ولكنه لقاء مرير، صادم، فلم تكن تتوقع أبدا أن يظهر لها كرجل متزوج ولديه طفلة، لم تكن تتوقع أن يغير إسمه، أم أن هذا هو إسمه الحقيقى؟هل أراد أن يعيش تجربة مختلفة فإدعى ما إدعاه وقتها؟أم أن هناك خبايا تظلل حياته؟زفرت بقوة، أيا كان ماحدث بالماضى فقد كان وهما، سرابا لا بد أن تنساه وتكمل حياتها وهي على يقين بأنه إنتهى من حياتها للأبد، وأن الحياة يجب أن تستمر، ربما قلبها مجروحا بقوة وجروحه تنزف ولكنها ستضمد جراحه بنفسها وستستعيد روحها الضائعة، وستنسى بالتأكيد هذا الرجل، خالد نصار...

، كم يختلف كلية عن هذا الرجل الذي أحبته ومنحته كيانها بالكامل، فهد، هكذا منحته هي الإسم، وهكذا تتذكره، وسيم، حنون، عطوف، رائع بكل معنى الكلمة وليس تلك الكتلة الباردة خالية المشاعر والتي ظهرت في كل تصرفاته وكلماته اليوم، إقتربت من ذلك البورتريه المجاور لسريرها والذي رسمته لفهد في الوادى في ذلك اليوم الذي إعترفت فيه لنفسها بحبه، تتأمل ملامحه بشوق، بحنين إلى تلك الأيام التي كانت تعيشها معه، تلك السعادة التي كانت تغمرها بذلك الوقت، لتتدفق الذكريات إلى عقلها، تتجسد أمامها، منذ اليوم الأول للقاءها به، وياله من لقاء...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة