قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الخامس عشر

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الخامس عشر

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الخامس عشر

قد ظننت يوما ان العشق يحمل في طياته املا، بهجة، وضياء.
فخاب ظنى حين وجدت نيرانه تحرق اجنحتى، وتسيل الدماء.
وقفت أفكر في السبيل لتحرير أسرى، فضاعت كل أفكارى هباء.
نظرت الى أسفل قدمى، أتأمل تلك الأرض الكبيرة اليابسة الصماء.
ونظرت الى أعلى، الى حلمى البعيد عنى، فسالت دموعى الحمقاء.
أدركت أنى لأتحرر يجب أن أتخلى عن عشقى وتلك فكرة مؤلمة، مرفوضة، هوجاء.

أدركت أنى مريضة بعشقى، ولا أدرى حقا أين أجد لى دواء؟

إلتف الجميع حول طاولة الطعام يتناولون طعامهم في صمت مطبق، لم يقطعه سوى صوت الملاعق والسكاكين، لتترك فجأة ليلة الملعقة من يدها قائلة:
إنت بعت حد لبيتنا في شرم يشوف لين ياخالد، ويشوف تليفونها كمان مقفول ليه؟
وضع خالد ملعقته جانبا بدوره قائلا:
أيوة ياليلة، النهاردة الصبح، الحقيقة أنا كنت هروح بنفسى بس ورايا إجتماع مهم معرفتش أأجله، هشوف حسام بس هيرد علية ويقول إيه وعلى الأساس ده هتصرف.

قالت ليلة بقلق:
أنا مش قادرة أصدق إنها قفلت تليفونها وهي عارفة أد إيه ده بيقلقنا.
قال خالد بحنق:
وعلى الرغم من إنى محذرها فعلا وطلبت منها متعملش كدة، فالتفسير الوحيد اللي أدامى دلوقتى إن تليفونها باظ أو...
قاطعه صوت شاهيناز وهي تقول بشرود قلق:
أو يمكن مع حد ومش عايزة تعرفنا أو حد خطفها.
نظرت إليها ليلة بصدمة بينما نظر إليها خالد بحدة قائلا:
قصدك إيه ياشاهي؟حد مين ده؟

أفاقت شاهيناز على صوت خالد الحاد لتدرك أنها تفوهت بتلك الكلمات بصوت عال، لتقول بإرتباك:
ها، لأ، مقصدش حاجة.
لتقول ليلة موجهة حديثها إلى خالد:
لين مش ممكن تخبى علينا حاجة، لو مع حد كانت على الأقل هتقولى، لكن إحنا إزاي مفكرناش في الإحتمال ده؟ممكن فعلا يكون حد خطفها.
قال خالد بهدوء حازم:
مستحيل، مفيش حد في الدنيا يقدر يقرب لحد من عيلتى، إنتوا إخوات خالد نصار واللي يقرب منكم يبقى كتب نهايته بإيده.

قالت شاهي في نفسها، بل يوجد أيها الغبي، يوجد من لديه الجرأة والقوة لفعل كل ما يحلو له، ولهذا أحببته وسأحبه دوما.
تلاقت عيناها في تلك اللحظة مع عيني خالد الحادة المتفحصة لها، لتخشى ان تكون قد قالت كلماتها بصوت مسموع، لتطمئن قلبها بأن هذا مستحيلا، فلو سمعها خالد حقا، ما كانت تجلس الآن بينهم فربما كان قد قتلها على الفور، لتخشى هذا المصير وتقف بتوتر قائلة:.

أنا مضطرة أمشى، ورايا مواعيد وشغل كتير النهاردة في المكتب، عن إذنكم.
تابع خالد إنصرافها ببرود، بينما رقت عيناه حين إلتفت إلى ليلة التي قالت بقلق:
أنا كمان مضطرة أمشى بس قلقانة على لين ومش هعرف أركز خالص في المحاضرة قبل ما أتطمن عليها.
قال خالد بحنان:
إتطمنى ياليلة، النهاردة بالليل لين هتكون منورة البيت من تانى.

نظرت إلى عينيه الحانيتين، تستمد القوة من نظراتهما الثابتة الواثقة، لتهز رأسها، ثم تنهض لتغادر الحجرة، قبل ان يستوقفها صوت أخاها المتردد وهو يقول:
ليلة، هي، هو...
إلتفتت إليه ليلة ليستطرد قائلا بإرتباك:
إحمم، هو رقم جورية معاكى؟
إشتعلت عينا ليلة وشعت بسعادة طاغية ظهرت على ملامحها وهي تقول:
أيوة معايا.
لاحظ خالد سعادتها فقال بهدوء:
طيب إبعتيهولى في رسالة.

أمسكت هاتفها وجرت أصابعها على أرقامه بسرعة، قبل أن تنظر إليه قائلة بسعادة:
تم ياكبير، قوللى بقى عايز رقم تليفونها ليه؟
قال وهو يحاول أن يظهر بصوته بعض اللامبالاة:
عايز أكلمها آخد منها ميعاد عشان نتقابل ونتناقش في موضوع أغلفة رواياتها.
شعرت ليلة بالإحباط لتقول:
أغلفة الروايات.
قال خالد:
أيوة ياليلة، أنا عايز أخلص من الموضوع ده بقى.
قالت ليلة بحزن:
عموما هتضطر تأجل المقابلة دى شوية.
عقد حاجبيه قائلا بقلق:.

ليه يعنى؟
قالت ليلة:
لإن جورية سافرت لجدها، وهتقعد هناك فترة.
سافرت، إبتعدت عنه، إلى أين ذهبت؟ليترجم تساؤلاته إلى كلمات وهو يقول:
سافرت ليه ومكان جدها ده فين ياليلة؟
نظرت إلى عمق عينيه قائلة:
كانت مخنوقة شوية وحبت تبعد وتريح أعصابها، ومكان جدها هناك، في الوادى ياخالد.

مخنوقة، مم؟شعر بالضيق، ثم توقف وهو يتعجب من حاله، لم يدرى لما دق قلبه عند سماعه تلك الكلمة، الوادى، يتساءل في حيرة، عن مدلولها بالنسبة إليه، يدرك في قرارة نفسه أن هناك علاقة تربطه بهذا المكان الذي لم يذهب إليه مطلقا رغم سفره إلى العديد من البلاد، داخل مصر، وخارجها.

تأمل مؤيد ملامحها الجميلة و التي يعشقها في برود يخفى ألما بقلبه، فاليوم سيتركها تعود لأهلها وسيغلق صفحتها للأبد، فقد يأس من عنادها، ليقول بهدوء:
جاهزة؟
اومأت برأسها بهدوء دون أن تنطق، ليستطرد قائلا:
يبقى يلا بينا، مفيش داعى نضيع وقت أكتر من اللي ضيعناه.
لم يمنحها فرصة للرد وإلتفت مغادرا ليوقفه صوتها المتهدج ألما وهي تقول:
مؤيد.
إلتفت يطالع ملامحها الحزينة وعيونها التي ترقرقت بالدموع وهي تقول:.

إنت ليه عملت كدة فينا؟ليه فرقت ما بينا وخليتنى عايشة ومش عايشة طول السنين اللي فاتت دى؟
عقد حاجبيه قائلا:
أنا، أنا اللي عملت كدة يالين؟، أنا اللي صممت على الطلاق من غير سبب ولما ضغط عليكى عشان أعرف ليه، عايرتينى بإنى مقدرتش أخليكى أم.
نزلت دموعها على وجنتيها وهي تقول بمرارة:.

عشان أحمى قلبى منك، عشان أبعدك عن حياتى من غير ما أسمع أكاذيبك اللي هتبرر بيها عملتك، ما هو غصب عنى هصدق كل اللي كنت هتقولهولى عشان متبعدش عنى، عشان مضعفش قصادك كدبت، بس مبقتش قادرة أكدب، محتاجة تفسير لخيانتك لية، محتاجة تقوللى أنا قصرت معاك في إيه؟عشان أكرهك بجد وأكمل حياتى بعدك، حياتى اللي من يوم ما غبت عنها وهي فقدت روحها ونبضها.
قال مؤيد في صدمة:.

إنتى بتقوللى إيه، وخيانة إيه اللي بتتكلمى عنها دى؟
قالت لين بمرارة:
خيانتك لية واللي شفت الدليل عليها بعينى، شهادة DNA بتقول إن فيه بنت من لحمك ودمك إتولدت، وإنك أنكرتها وأنكرت مامتها لغاية ما ماتت الأم، والبنت إترمت في ملجأ.
قال مؤيد بصدمة:
إيه الكلام الفارغ ده، ومين اللي قالك عليه؟
قالت لين بألم:
حد قريب مننا مقدرش أكذبه وملوش مصلحة في اللي قالهولى.
قال مؤيد بغضب:.

يعنى صدقتيه هو وكدبتينى أنا من قبل حتى ما تسألينى، يااااه، للدرجة دى ثقتك فية معدومة، للدرجة دى كان حبك وإيمانك بية ضعيف.
قالت لين بحزن:
يامؤيد إنت كنت قبل الجواز...
قاطعها مؤيد قائلا بغضب:.

إنتى قولتيها بنفسك، كنت، كنت، كنت طايش ومتهور وربنا هدانى على إيديكى، يشهد ربى إنى من يوم ما شفتك ولحد النهاردة مقدرتش واحدة غيرك تلفت إنتباهى او تهز شعرة فية، يشهد ربى إنى حبيتك من كل قلبى ومن ساعة ما عرفتك لغاية النهاردة ملمستش غيرك، يشهد ربى إنى كنت مخلص ليكى وعمرى ما خنتك لا قبل الجواز ولا أثناء الجواز ولا حتى بعده.
قالت لين بصدمة:.

إنت بتقول إيه؟يعنى كل الكلام اللي شفته بعينية ده كان كدب، طب إزاي، أنا وديت العينات لمركز طبى بتاع واحدة صاحبتى، يعنى النتيجة مستحيل تكون غلط.
قال مؤيد وقد تحولت ملامحه إلى البرود:.

أنا قلتلك اللي عندى بس إنتى قايلة من الأول إن دى مجرد أكاذيب، ومش هتصدقيها، حكمتى علية من قبل ما تسمعينى، ظلمتينى زمان ومصرة تظلمينى دلوقتى، بس أنا هثبتلك الحقيقة، وساعتها بس هخرج من حياتك وأنا مش ندمان، لإنك فعلا متستاهليش حبى.
نظرت إليه بألم، تستجدى الحقيقة الظاهرة بعينيه ولكن كلماته الأخيرة أدمت قلبها فصمتت ولم تنطق بحرف ليستطرد هو قائلا:.

ياريت تسبقينى على العربية عشان أوصلك لأهلك، لإنى مستعجل أوصل للحقيقة وأخلص بقى من العذاب اللي عشت فيه سنين طويلة مع واحدة زيك.
ثم تركها مغادرا لتنساب عبراتها، تدرك أن لديه كل الحق في غضبه وكلماته المحتقرة لها إن كان بريئا كما يقول، إن كان؟، أمازال لديها شك، تبا لها، فحروفه ومرارتها تنطق بصدقه، لتحتار لين في ماض، لا تدرى من أين جاءت خطاياه وماالذى حدث به وأدى لخسارة اليوم، ويالها من خسارة.

كانت جورية تتنقل بين أحواض الأزهار في الحديقة، لتتوقف عند شجرة الريحان، لتعود إليها الذكريات مرة واحدة، فقد زرعها فهد أو خالد كما إتضح أن هذا إسمه، زرعها قبل سفره بفترة قصيرة، وكانت هي معه لحظة بلحظة تشاركه العمل وهي تستمع إليه وهو يحكى بشغف عن قرائته لفوائد تلك الشجرة العطرية والتي ذكرت في القرآن لما لها من مميزات، لتصبح مهمتها الإعتناء بها فقط لإنها تذكرها به، حتى بعد سفره، لمستها برقة ثم وقفت على أطراف أصابعها لتقطف ورقة منها، قربتها من أنفها وهي تغمض عينيها تستنشق عبيرها الرائع، لتفتح عينيها وهي تنظر إلى تلك الشجرة بإستحسان، تشعر بالإمتنان لخالتها جليلة التي إعتنت بتلك الشجرة بعد إهمالها لها ورحيلها، بل نسيانها أمرها كلية، فلقد إبتعدت عن كل ما يذكرها به، ولكنها عادت مجددا لتعود معها كل الذكريات، حية كما لو كانت حدثت فقط بالأمس.

إنتفضت على صوت جليلة وهي تقول بحنان:
إيه رأيك فيها؟
إلتفتت إليها جورية قائلة بإبتسامة رقيقة ممتنة:
تجنن ياخالتى جليلة، أنا مش عارفة أشكرك إزاي على إنك أخدتى بالك منها في غيابى، كنت هزعل أوى لو جرالها حاجة.
تقدمت جليلة لتقف بجوار جورية تنظر إلى الشجرة قائلة:
تشكرينى على إيه بس؟ما إنتى عارفة إن النبات ده عشقى، لو كان بإيدى كنت مليت الدنيا كلها ورود.
إبتسمت جورية قائلة:.

من غير ما تقولى، فاكرة طبعا، ومش ممكن أنسى كل مناسبة كانت تمر علينا، كان البيت بيتحول لمشتل مليان بالورود، أصحى ألاقى على سريرى ورد وفى الدولاب بين الهدوم، وفى الحمام وعلى السلم، لغاية ما أوصل لليفنج، ساعتها بقى بكون ماشية في بستان ورود بجد.
قالت جليلة بإبتسامة:
متبالغيش أوى كدة، ده بيحصل في عيد ميلادك بس.
قالت جورية بإبتسامة ذات مغزى:.

وعيد ميلاد جدى، نسيتيه؟ده عيد ميلاده ده بيبقى الورد كله لون واحد، أحمر، وياريته بيفهم.
قالت جليلة تنهرها:
بس يابنت، إختشى.
نظرت جورية إليها قائلة بمزاح:
وأنا قلت إيه بس؟مش الحقيقة، حبيبة قلبى جليلة بتحب جدى، وجدى لسة مش حاسس بيها، ده تقريبا كل الدنيا عرفت وهو لسة، بيبقى نفسى أقولهاله، فوق ياجدى وشوف حب خالتى قبل ما تيأس منك وتروح من إيدك.
قالت جليلة في حزن:
وهروح فين بس ياجورى؟ما أنا قاعدة معاكم أهو.

نفضت جورية مزاحها وهي تقول بجدية:
لحد إمتى ياخالتى؟انا شايفة إن كفاية أوى سكوت لحد كدة، لازم تصارحيه، لازم يحس بيكى، ولو متكلمتيش هتكلم أنا.
قالت جليلة بجزع:
لأ ياجورى، أوعى.
قالت جورية بحيرة:
يعنى هتفضلى تحبيه وراضية تعيشى جنبه وهو مش حاسس بيكى ولا شايفك أساسا.
قالت جليلة بحزن:.

الحب مش بالغصب ياجورى، ومادام مشافنيش ولا شاف اللي في قلبى ليه لحد النهاردة، يبقى مش مكتوبلنا نكون مع بعض كحبيب وحبيبة، وأدينا أهو مع بعض عايشين، مونسنى ومونساه، هعوز إيه أكتر من كدة؟
قالت جورية في شرود حزين:.

كتير، كتير ياخالتى، إزاي بس يبقى أدامك طول الوقت وهو مش حاسس بيكى ولا شايف حبك، إزاي يبقى قصادك وناسى كل حاجة تخصك، غصب عنك هتتعذبى، لإنك هتعوزى نظرة منه تحسسك إنك نبض قلبه اللي عايش بيه زي ما هو نبضك، هتعوزى كلمة تطمنك إنك مش لوحدك وإنك وقت ما تحتاجيه هتلاقيه، محتاجة همسة حب تحنن عليكى قسوة أيامك، وتبدل حزنك بفرح، محتاجة حضنه يضمك جواه، ويضم كل مشاعرك اللي بتناديله في كل ثانية، محتاجاه هو ياخالتى، هو وبس، يعترف إنك روحه زي ما هو روحك بالظبط.

تفحصت جليلة ملامح جورية وهي تقول:
إحنا لسة بنتكلم عنى أنا وجدك ياجورى ولا بقينا بنتكلم عنك إنتى وفهد.
قالت جورية في مرارة:
خالد.
عقدت جليلة حاجبيها لتستطرد جورية في سخرية مريرة قائلة:
أصل نسيت أقولك إن إسمه مطلعش فهد، طلع خالد، خالد نصار، من أغنى أغنياء القاهرة، ومتجوز كمان.
لتتسع عينا جليلة في، صدمة.

كانت شاهيناز تجوب غرفة مكتبها جيئة وذهابا في عصبية، تتساءل عن مكان لين الآن؟وهل حقا ذهبت مع مؤيد أو إختطفها كما تظن أم أن إختفائها هذا عاديا، وكل مايدور في مخيلتها لا أساس له من الصحة؟، ولكن بماذا تفسر أيضا إختفاء مؤيد، فلقد سألت عليه البواب البارحة مجددا فأخبرها أنه لم يعد للمنزل منذ أن غادره، هل هي صدفة بحتة؟تبا، تكاد الأفكار تثير جنونها، تخشى كشف المستور، وفضيحتها التي ستؤدى إلى حتفها، لو كانت فقط إجتمعت بمؤيد قبل أن يرى لين مجددا، لإستطاعت أن تنجح في مسعاها، فبعد أن ترك لين إختفى تماما، حتى ظهر مجددا في الأيام الماضية، تبا، ياله من حظ عاثر ماتعانيه لكي تصل إلى هدفها، حبها الأول والأخير والدائم، مؤيد.

توقف مؤيد بسيارة لين أمام منزل عائلة نصار، تبدو ملامحه جامدة خالية من التعبير تماما وهو يتطلع أمامه دون ان ينطق بكلمة، طالعته لين بشئ من التردد، لقد حاولت طوال الطريق أن تتحدث معه ولكن صمته وملامحه الحادة الغاضبة، منعتاها من التفوه بكلمة، ومن الواضح الآن انه ينتظر نزولها من السيارة، لتقول بتردد:
إحمم، مؤيد، أنا...
قاطعها قائلا بصرامة دون أن ينظر إليها:
إنزلى يالين.
قالت بإضطراب:
إسمعنى أنا...

نظر إليها قائلا بحدة:.

مش هسمعك، ولحد ما أثبت برائتى أدامك لا عايز أشوفك ولا أسمع صوتك، كل اللي بينا إنتهى بجد في اللحظة اللي عرفت فيها إنك بعتينى فيها عشان أوهام في دماغك، طب كنتى إسألينى، حاسبينى، قوليلى زي النهاردة إنت ليه عملت كدة يامؤيد، لكن لأ، إنتى إخترتى تعيشى دور الضحية، تمام، خليكى عايشاه لغاية ما أثبتلك إنك الجانية وساعتها بس هسمعك، هسمعك وإنتى بتعتذريلى وندمانة على فراقنا اللي كنتى السبب فيه، ندمانة على العذاب اللي عيشتهولى وعشتى فيه، ساعتها بس هتخرجى بجد من حياتى وللأبد يالين.

اغروقت عينا لين بالدموع فشعر بوجع في قلبه، تبا، مازالت دموعها تؤثر فيه، وتوجعه، مازال قلبه ينبض بعشقها، رغم جرحها الغائر لقلبه حين لم تثق به وإستمعت إلى أكاذيب فارغة عنه وإفتراءات، أشاح بوجهه عنها ينظر إلى الأمام يبعد الوجع عن قلبه، وهو يرسم قناعا باردا على ملامحه، بينما تأملته لين للحظات بحزن، لتدرك أنه لا فائدة الآن من الحديث معه، أطرقت برأسها ألما، وكادت أن تهبط من السيارة لتسمعه يقول بصرامة:.

هبعتلك عربيتك أول ما أوصل البيت.

أومأت برأسها ثم هبطت من السيارة تمشى بخطوات بطيئة منكسرة حتى وصلت إلى البوابة، لتسمع صوت إنطلاق السيارة الخاصة بها بسرعة جنونية، أغمضت عينيها ألما ثم فتحتهما وهي تمد يدها تمسح دموعها المتساقطة على وجنتيها قبل أن تدخل إلى المنزل، لحسن حظها لم يكن هناك أحد موجود به، لتصعد إلى غرفتها على الفور، ترتمى على سريرها وتفرغ دموعها التي سالت من عيونها مجددا على وجنتيها، تشعر بأنها اليوم، واليوم فقط خسرت مؤيد.

قالت ليلة بحيرة:
مش عارفة ياخالد، من ساعة مارجعت وكل ما أدخلها الأوضة ألاقيها نايمة، شئ غريب أوى، مع إن لين نومها قليل.
قال خالد بهدوء:
أنا حاسس إنها نفسيا مش متظبطة، عموما، بكرة الصبح هكلمها وأشوف أخبارها إيه، الحمد لله إنها رجعت وإتطمنا عليها.
قالت ليلة براحة:
فعلا الحمد لله.
ثم نظرت إليه قائلة بتردد:
خالد، أنا، يعنى، كنت عايزة أكلمك في موضوع مهم.
نظر إليها خالد بتمهل. يحيره إرتباكها، ليقول بقلق:.

إتكلمى ياليلة، أنا سامعك.
أطرقت برأسها تفرك يديها بخجل قائلة:
الحقيقة، فيه واحد متقدملى، وحابب ياخد منك ميعاد عشان...
قاطعها خالد قائلا بحزم:
مش هينفع ياليلة.
رفعت ليلة رأسها تواجهه بنظراتها الدهشة قائلة:
هو إيه ده اللي مش هينفع ياخالد؟
نهض خالد ودار حول مكتبه وهو يقول:
إن حد تانى ييجى عشان يخطبك منى؟
عقدت حاجبيها قائلة:
حد تانى؟
قال خالد وهو يجلس على الكرسي أمامها:.

أيوة حد تانى، الحقيقة كان المفروض أقولك الكلام ده في عيد ميلادك الجاي، بس انتى بقى اللي إستعجلتى، يلا، أهو كل حاجة قسمة ونصيب.
إزداد إنعقاد حاجبيها قائلة لى حيرة:
أنا مش فاهمة حاجة، إنت تقصد إيه؟
قال خالد بإبتسامة:
أقصد إن إبن عمك سمير طلبك منى من سنتين وأنا وافقت بس أجلنا كل حاجة لغاية ما تخلصى جامعتك عشان تركزى في دراستك يادكتورة.
نهضت ليلة وهي تقول في صدمة:.

إنت بتقول إيه؟أنا مش موافقة طبعا، سمير مش اكتر من أخ بالنسبة لى ومستحيل أتجوزه.
قال خالد بحزم:
إهدى كدة، وأقعدى وإسمعينى، سمير دكتور محترم وإبن عمك وهيعيشك في المستوى اللي إنتى عايشة فيه، وهو أولى بيكى من الغريب.
نظرت إليه وكأنما نبت له رأس أخرى وهي تقول بحنق:.

إيه الكلام الغريب اللي بسمعه منك ده ياخالد؟بقيت بتتكلم زي شاهيناز بالظبط، آسفة ياخالد، هقولهالك تانى، أنا مش موافقة، اللي هتجوزه لازم أكون بحبه وبما إن الحب برة معادلاتك فعمرك ماهتفهمنى.
نهض خالد بدوره يقول بحدة:
قلتلك قبل كدة، الحب ده كلام فارغ بيضحكوا بيه الكتاب على عقولكم، الحقيقة مش كدة أبدا، الحقيقة تكافؤ وإتفاق، وساعتها الجواز بينجح.
قالت ليلة بسخرية:
زي جوازك كدة إنت وشاهى.
هدر بها خالد قائلا:.

ليلة، انا مسمحلكيش.
قالت ليلة بحدة:
وانا كمان مسمحلكش، أنا اللي هتجوز، وده حقى، لازم اختار شريك حياتى وإن كنت مصمم إنى مش هتجوز غير سمير، يبقى أحسنلى إنى افضل من غير جواز خالص وده آخر كلام عندى.

لتتركه مغادرة الحجرة بخطوات غاضبة، يتبعها بعيون حزينة، يدرك أن لديها حق طبيعي في إختيار شريك حياتها ولكنه يخشى عليها من سوء الإختيار، كما فعلت أختها لين تماما، ليزفر بقوة وهو لا يدرى إن كان على خطأ أم صواب ولكن كل مايدركه الآن، أنه يفعل ما يراه صالحا لها، وهذا يكفيه ويريح ضميره.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة