قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والثلاثون

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والثلاثون

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والثلاثون

لن أعود...
عجبًا لحنين قتال، في القلب توًا مولود
من خلف أنيني يراقبني، من جوف الأمل المسدود
و خيال خصب يغرقني، يغريني بالعود المحمود
كم كانت تسبر غاياتي، بخطيئة جرم مشهود
و عبير شذاها يراودني، بخليطة عطر مورود
لكن خيانتها توخزني، قد سفكت قلب بجحود
جاءت قاتلتي تطلبني، هيهات تحرك جلمود
لن أعود
بقلم إيهاب سليمان.

قالت جورية بجزع:
تطلب إيدى من جدى إيه بس؟مش هيرضى طبعا، إنت ناسى إنك متجوز؟
رمقها خالد بإبتسامة هادئة دون أن ينطق بحرف، لتضرب بقدمها الأرض في حنق قائلة وهي تذهب إليه تسحبه من ذراعه لينهض معها وهي تقول:
إنت دلوقتى تقوم تمشى من هنا قبل ما حد يشوفك، مفهوم؟
لتتجه إلى بوابة المنزل تسحبه وراءها وهي تستطرد قائلة:.

وعشان خاطرى متجيش هنا تانى، أنا ياسيدى مش موافقة على جوازنا، مبحبكش ولسة بحب فهد، إرحمنى بقى ياخالد.
توقف فجأة ليوقفها معه، إلتفتت تنظر إليه لينظر إلى عمق عينيها قائلا:
بصى في عينية وقوليلى تانى إنك مبتحبنيش.

نظرت إلى عيونه تشعر بالتيه، لا تجد في نفسها القدرة على نطق تلك الكلمات، ليبتسم بداخله وهو يمسك بيدها، يرفعها إلى ثغره يقبلها مغمض العينان ثم أنزلها وهو مازال متمسكا بها، يفتح عيناه يواجهها بنظراته الغائمة وهو يقول بمشاعر ظهرت في نبراته:
لو إنتى فعلا مبتحبنيش زي ما بتقولى، طب فسريلى رعشة إيدك جوة إيدى دلوقتى.
ليمد يده الحرة ويضعها على خافقها مستطردا:.

وفسريلى كمان نبض قلبك اللي زاد مع نبض قلبى في اللحظة دى.
كادت جورية أن تذوب عشقا لهذا الرجل، تضرب عرض الحائط بكل قرارتها وتستسلم لعشقه لتندفع إلى حضنه في التو واللحظة لتشعر بالإكتمال، ولكنها تركت يده وتراجعت خطوة إلى الوراء وسط حيرته، تبتلع ريقها بصعوبة، ثم تنظر إلى عينيه بثبات قائلة:.

مفيش حاجة من اللي بتقولها حقيقية، كلها أوهام في دماغك بتحاول تقنع بيها نفسك عشان تفسر رد فعل طبيعى من واحدة بيقرب منها راجل.
أمسك خالد كتفيها يقربها منه فجأة، يهمس أمام شفتيها قائلا بحدة:
بس أنا مش أي راجل وإنتى عارفة.
ليتأمل ملامحها القريبة جدا منه لتلين نبراته وهو يقول بعشق:
أنا الراجل اللي بيحبك وإنتى بتحبيه ياجورى.

لفحتها أنفاسه فغمرتها عشقا، حاولت الإبتعاد عنه فلم تستطع، أغمضت عيناها تخفى ملامحه التي تسحرها، وتزلزل كيانها الذي يضعف الآن بين يديه، ولكن تبدلت صورته في عيونها لصورة ريم فوجدت لديها القوة لتدفعه بعيدا قائلة:
قلتلك، مبحبكش، مبحبكش.

زفر بقوة وهو يجول بناظريه في الحديقة يمرر يده في شعره بعصبية فلقد كاد منذ لحظة واحدة أن يقبل ذلك الثغر الذي ينطق الآن بالأكاذيب، لتتوقف عيناه عند تلك النقطة ويعقد حاجبيه بشدة، فهناك وبين الأشجار يوجد كوخ، أدرك أنه مألوف لديه وبشدة، ليقول بحيرة:
الكوخ ده بتاع مين؟
أغمضت عينيها بقوة ثم فتحتهما مجددا تقول بثبات:.

بتاع البواب، من فضلك ياخالد إمشى بقى قلتلك، متعمليش مشاكل مع جدى، ده لسة قايم من أزمة قلبية وأنا خايفة عليه.

تجاهل كلماتها كلية وهو يتجه إلى الكوخ، لتتبعه جورية وهي تدعوا الله أن لا يذكره هذا الكوخ بشئ آخر، ليتوقف خالد أمام الكوخ وصور تتراءى له، وتتوالى في عقله، ليغمض عيناه ويدعها تتدفق إليه، يرى من خلال تلك الصور قصة لرجل يشبهه، ولكنه أكثر بساطة وسعادة، ورأى أن هذا الرجل عاشقا لحبيبته، يكتب عنها كلمات العشق كل ليلة ثم يمزقها ولا يمنحها إياها، يرى جورية ترتب منزله، يراقبها من تلك النافذة الصغيرة بعشق ملك جوارحه، ثم رآها وسط النيران، وهو ينتشلها منها، مسرعا.

إلتفت ينظر إليها عاقدا حاجبيه ثم إقترب منها يمد يده ويرفع جانب شعرها الأيمن ليرى أثر ذلك الجرح الذي أدرك مكانه على الفور وكأنه رآه من قبل، ليبعد يده عن شعرها وهو ينظر إليها في دهشة قائلا:
أنا إزاي عارف مكان الجرح ده وعارف سببه كمان، وإزاي بشوف أدامى دلوقتى قصة حب عشتها وياكى مكنتش فاكر منها غير ملامح باهتة ودلوقتى بقت واضحة، وإزاي قادر أوصف الكوخ من جوة وكأنى شفته قبل كدة وعشت فيه؟

أطرقت برأسها ليتأملها للحظة قبل أن يلتفت مقتربا من الكوخ، ليدخله، وتتبعه جورية مضطرة في صمت وهو يقول:
عارف إن فيه سرير وطرابيزة صغيرة وكرسيين، ومطبخ وحمام، ودفاية في الركن الشرقى من الكوخ.
دار بعينيه في المكان ليجد كل شئ كما قال تماما، ليلتفت إليها قائلا:
مينفعش دلوقتى تسكتى ياجورى، لازم تتكلمى وتفسريلى اللي بيحصلى، عيونك كانت دايما بتقولى إن عندك تفسير لكل اللي بيحصل ده.

أطرقت برأسها تخفى عنه عيونها، تود من كل قلبها لو تخبره ولكن ما يمنعها هو وجود ريم وشاهيناز في حياة حبيبها، تخشى أن يتذكر فيتخلى عن زوجته وتدمر أسرته التي لاذنب لها حين أحب عائلها، وهو في حالة من النسيان...
وجدت صوتها لتقول بضعف:
تناسخ أرواح زي ما بتقول، متحاولش تدى الأمر أكبر من حجمه ياخالد.
لترفع عيونها إليه قائلة:
إرجع لبيتك ولعيلتك وإنسى المكان ده خالص وإنسى كمان سكانه.

إلتمعت عيناه وهو ينظر إلى نقطة ما بجانب السرير، ليقول بثبات:
لأ مش تناسخ أرواح ياجورى، أنا كنت عايش هنا معاكى، والدليل على كدة هناك أهو...
ليتجه إلى الكومود القابع بجانب السرير يأخذ شيئا من عليه، يرفعه أمام وجهها لتبتلع جورية ريقها بصعوبة، تدرك الآن أن أمرها قد كشف للتو، وأنها على وشك الإعتراف بكل شئ.

إستيقظ مؤيد يشعر بوجع في رأسه، ليفتح عينيه ببطئ، ينظر إلى محيطه، إتسعت عيناه بقوة، وهو يدرك أنه في هذا المنزل الذي إختطف فيه لين من قبل، ليتذكر مختطفته الصهباء، ويعقد حاجبيه بشدة يتساءل كيف عرفت الطريق إلى هذا المكان، وكيف أحضرته إلى هنا، ولماذا؟
أفاق من أفكاره على صوت دخول لين إلى الحجرة، تبتسم برقة قائلة:
حمد الله على سلامتك يامؤيد.

ليدرك أنها تقتبس كلماته التي قالها لها في موقف مماثل، وهي تستطرد قائلة:
نورت بيتك ياحبيبى، ياريت الإقامة فيه تعجبك بجد، ما هي لازم تعجبك، لإنك هتنورنا هنا، كتير.
نظر إليها قائلا بسخرية:
طول عمرك تلميذة شاطرة يالين وبتقدرى تبهرينى، بس ممكن أعرف إيه هدفك من اللعبة السخيفة دى؟
تجاهلت سخريته اللاذعة وهي تقول بإبتسامة:.

تحب تاكل إيه على الغدا النهاردة؟يلا، أطلب وإتمنى، انا اللي هطبخلك زي زمان، فاكر زمان يامؤيد؟
إختفت ملامحه الساخرة لتحل مكانها القسوة وهو يقول بحدة:
قول للزمان إرجع يازمان، زمان كنت فاكرك حاجة وطلعتى حاجة تانية خالص، زمان كنت بحبك، دلوقتى مش فارقة معايا ومتهمنيش على فكرة، أنا مش هستنى هنا لحظة واحدة، وهمشى حالا، مفهوم؟
نظرت إليه لين للحظات قبل أن تقول بثبات:
مستنى إيه؟إتفضل إمشى.

عقد حاجبيه وهو ينظر إليها للحظات قبل أن يتجه للخارج بخطوات غاضبة، أوقفه صوتها وهي تقول بسخرية:
بس هتروح ماشي.
إلتفت إليها لترفع يدها بالمفاتيح تلوح بهم قائلة:
لإن مفاتيح العربية معايا أنا.
قال في برود:
هاتى المفاتيح يالين.
إبتسمت بهدوء قائلة:
مش هجيبهم يامؤيد، العربية دى أنا اللي مأجراها ومأجراها عشان أروح بيها الحتة اللي أنا عايزاها، والحقيقة أنا حابة أقعد هنا، إنت اللي عايز تمشى، تمام، إمشى.

أصابه الحنق ليقول بتهديد:
لين، قلتلك تنسى لعبتك السخيفة دى وتدينى المفاتيح عشان أمشى، أنا ورايا طيارة بكرة الصبح ولازم أخلص كل حاجة النهاردة قبل ما أسافر.
قالت لين بهدوء:
الظاهر الطيارة هتفوتك يامؤيد لإنى مش هسمحلك المرة دى تبعد من غير ما أقولك على كل اللي في قلبى، و...
قاطعها مؤيد قائلا بغضب:.

وأنا مش عايز أسمعك، مش عايز، وزي ما حرمتينى من فرصتى زمان، هحرمك من فرصتك دلوقتى، أنا خلاص مبقتش عايز أي حاجة تربطنى بيكى وكلامك مش هيفرق معايا في حاجة، غير إنه هيقلل من صورتك في نظرى، لإنك في نظرى مش هتكونى أكتر من واحدة بائسة بتشحت الحب من واحد خلاص كرهها ومبقاش طايق يشوفها.

رغما عنها، أغروقت عينا لين بالدموع تشعر حقا بأنه يعنى كلماته، لقد كرهها بالفعل وفات الأوان على إصلاح مابينهما، تبا كم يؤلمها هذا، شعر مؤيد بالندم على كلماته الجوفاء، وكاد أن يتراجع عنها ولكنه خشي ضعفه ليقول بصوت حاول أن يجعله باردا فلم يستطع وخرج مهتزا رغما عنه وهو يقول:
المفاتيح.
مدت يدها إليه بهم ليأخذهم بهدوء، ثم يلتفت مغادرا ولكنه ما لبث أن توقف وهو يستدير إليها قائلا:
مش هتيجى معايا أوصلك؟

هزت رأسها نفيا قائلة بصوت مخنوق بالعبرات:
ملوش لزوم، أنا حابة أقعد شوية، وكدة كدة كانت سها جايالى آخر النهار، هستناها.

هز رأسه بهدوء ثم غادر بخطوات سريعة، لتترك لين دموعها تتساقط بغزارة على وجنتيها، تشعر بالألم لفقدانه ربما للأبد، فقد أغلق كل السبل في وجهها حين أخبرها أنها تشحذ الحب منه وأنه يكرهها، حقا كم هو مؤلم ذلك الشعور الذي ينتابها الآن، وهي تسمع صوت إنطلاق السيارة تعلن رحيل مؤيد عن حياتها تلك المرة للأبد، ولكن مع ضيق تنفسها، أدركت أن هذا الألم الذي تشعر به في صدرها ليس ألم نفسي بل هو ألم حقيقي، إهتزت وكادت تسقط، ولكنها تحاملت على نفسها لتصل إلى حقيبتها وتأخذ منها دواءها، ولكنها ما إن غادرت الحجرة حتى سقطت أرضا ولم تعد قدماها قادرتان على حملها لتدرك أنها الآن في طريقها لفقدان حياتها، لم يؤلمها أن ترحل عن تلك الدنيا فبعد رحيل مؤيد لا يوجد سبب لتعيش من أجله ولكن ما آلمها أنها حين حانت لحظة موتها لم تكن كما تمنت دائما، بين أحضان حبيبها، مؤيد.

نظرت جورية إلى هذا الخاتم الفضي ذو الفص الأزرق اللامع والذي يشبه في لونه لون عيون صاحبه، تلعن غبائها الذي جعلها تترك خاتمه على الكومود في زيارتها الأخيرة للكوخ الذي جددته بنفسها بعد الحريق، ليعود كالسابق تماما، ذلك الخاتم خاصته والذي أهداه إياها ليلة رحيلة منذ ما يقارب من أربعة سنوات، إنتفضت على صوت خالد وهو يقول:
الخاتم بتاعى بيعمل إيه هنا ياجورى؟، جاوبينى، ردى علية.

إنهارت جورية كلية وعيونها تغشاها الدموع، لتجلس على السرير خلفها، تطرق برأسها، وهي تقول من بين دموعها المتساقطة:
إنت اللي إديتهولى ليلة ما سافرت من أكتر من ٣ سنين، وقلتلى إنك بالخاتم ده بتربطنى بيك طول العمر، وإنى أحتفظ بيه لغاية ما ترجع وألبسهولك وإنت بتلبسنى دبلتك.
رفعت إليه عيناها تنظر إلى تلك الصدمة على ملامحه لتومئ برأسها قائلة بمرارة:.

أيوة إنت فهد، خطيبى وحبيبى، قابلتك من سنين، في مستشفى الوادى، كنت عامل حادثة و فاقد الذاكرة، سميتك فهد وجبتك هنا المزرعة، وإشتغلت فيها، وواحدة بواحدة قربنا من بعض بس عمرنا ما حكينا لبعض عن مشاعرنا لغاية قبل ما تسافر بيومين، الكوخ اتحرق وانت أنقذتنى وساعتها إعترفتلى بحبك وطلبت إيدى من جدى، بس كان لازم عشان نتجوز تجيب ورق يثبت هويتك، سافرت مصر لظابط عرفته هنا في الوادى ومن ساعتها مرجعتش، عشت على أطلال حبك، وبعدين بدأت أألف روايات وأحط عليها صورتك، وجوة الروايات دى كانت هناك حاجات من مواقف ياما حصلت بينا، لغاية ما قابلتك من تانى، وإنت عارف الباقى.

تأملها للحظات يدرك أن كلماتها تفسر له كل مامر به معها، ذكرياته معها والتي تتراءى له من وقت لآخر، مشاعره تجاهها منذ اللحظة الأولى للقاءهما من جديد والتي تجددت تلقائيا عندما تقرب منها، كل ما رآه في عينيها وإحتار دوما في تفسيره فقد تباينت مشاعرها ما بين عشق وشوق، عتاب وخوف، ألم دفين لم يفهم سببا له سوى الآن، وهو يشعر بألمها في صدره، يهتز جسدها باكيا فيزلزل أركان قلبه حزنا، تتناهى إليه شهقاتها فيجد نفسه متقدما منها على الفور جاثيا على ركبتيه أمامها، ممسكا يديها لترفع عيونها إليه، عيون رغم حزنهما وتلك العبرات العالقة برموشها، إلا أنهما سحرتاه ليتأملهما قائلا بحنان:.

وليه خبيتى علية؟ليه مصارحتنيش؟
قالت بصوت متهدج:
عشان خفت، خفت تفتكر مشاعرك ناحيتى، وتأثر على حياتك وعيلتك.
إبتسم قائلا:
أولا جوازى كان منهار من الأول، وكدة كدة مكنتش هكمل فيه، سواء حبيتك أو لأ، خصوصا بعد اللي عرفته، ثانيا، من غير ما إفتكر كل اللي كان بينا فأنا وقعت في حبك من جديد، وجه الأوان عشان أمشى ورا قلبى بعد ما مشيت ورا عقلى كتير.
نظرت إليه في حزن قائلة:
مش هينفع، على الأقل عشان خاطر ريم.

ترك يدها وهو يقف قائلا في حنق:
إنت ليه مصممة تحسسينى إن الناس كلها عندك أهم منى؟، ريم، شاهيناز، طب وأنا، ومشاعرى وحبى ليكى، كل ده ملوش قيمة في نظرك.
نهضت بسرعة تمسك يده بيدها قائلة:
إنت فاهمنى غلط، أنا مفيش في الدنيا دى كلها حد أهم عندى منك، أنا عمرى ما حبيت غيرك ولا ممكن هحب حد أكتر منك.
ضم يدها بيده بمشاعر حب جلية واضحة على محياه، لتستطرد قائلة:.

أنا لو خفت أفرقك عن عيلتك فمش عشانهم أكتر ما هو عشانك لإنى عارفة ومتأكدة إنك مش هتكون مبسوط، ولا مرتاح وإنت بعيد عن ريم.
إبتسم خالد قائلا:
من الناحية دى إتطمنى خالص، المشكلة دى لقيتلها حل خلاص.
عقدت جورية حاجبيها قائلة:
حل إيه ده؟
إنتفضا سويا على صوت الجد الصارم وهو يقول من خلفهما:
أنا كمان عايز أعرف، حل إيه ده؟

إلتفتا إليه سويا، يطالع خالد جدها بنظراته القوية الثابتة، بينما حاولت جورية أن تسحب يدها من يد خالد فلم تستطع وقد تمسك بها أكثر، ليقول خالد بثبات:
أنا طلقت شاهيناز.
نظرت إليه جورية في دهشة، بينما لانت ملامح الجد قليلا، لينظرا إليه سويا في جزع وهو يقول مستطردا:
أنا عايزكم تعرفوا حاجة كمان، ريم هتفضل في رعايتى، لإن للأسف، شاهيناز ماتت.

إبتسمت ليلة وهي تطالع ريم التي تلهو في الحديقة بحنان، قبل أن تلتفت إلى فراس الجالس بجوارها على تلك الأرجوحة الموجودة بالحديقة، يطالع هاتفه ويكتب رسالة إلى أحدهم، لتقول برقة:
تفتكر طلب منها الجواز ولا لسة؟
نظر إليها في حيرة قائلا:
هو مين ده؟
قالت ليلة بحنق:
ركز معايا يافراس وسيب الموبايل من إيدك، هيكون مين يعنى؟، خالد طبعا.
إبتسم وهو يغلق هاتفه قائلا:.

وآدى التليفون يا ستي قفلته، أما بقى من خلال معرفتى بجورى وخالد أخوكى فأحب أطمنك، وأقولك إننا هنتجوز ونخلف وهم لسة معترفوش لبعض بمشاعرهم أصلا.
هزت رأسها نفيا قائلة:
معتقدش، إنت مشفتش النظرة اللي كانت على وش خالد وهو مسافر، نظرة واحد بيحب وقرر خلاص يهد كل الحواجز اللي بينه وبين حبيبته، ده غير إنه بقى حر وده هيسهل كل حاجة بالنسبة له.
أومأ فراس برأسه قائلا:
معاكى حق.

ليلاحظ إنحسار شالها عنها، ليقوم بضمه عليها قائلا بحنان:
ما تيجى تطلعى أوضتك أحسن، الجو برد وده غلط عليكى، ولا الحب مدفيكى؟
وكزته قائلة في خجل:
بس بقى يافراس.
تنهد فراس قائلا:
قلب فراس وربنا، المهم قوليلى ياشرلوك هولمز، تفتكرى جورية هتقوله على ماضيه معاها؟
عقدت ليلة حاجبيها قائلة:.

دى حاجة بقى أعتقد هتترهن بالظروف، يعنى لو خالد افتكر حاجات كمان أكيد هتقوله، لكن لو ما ألحش في إنه يلاقى تفسير لذكرياته معاها واللي بتلاحقه من يوم ما رجع، يبقى جورى هتحط الماضى ورا ضهرها وهتبتدى مع خالد صفحة جديدة.
تأملها في حب قائلا:.

إنتى إزاي بتجمعى بين كل شئ ونقيضه بالشكل ده؟، العقل والرومانسية، المنطق والخيال، خدتى قلبى بشخصيتك الفريدة، ومش عارف ألاقى حدود لإعجابى بيكى وقوة مشاعرى من ناحيتك، أنا بحبك أوى ياليلة.
أطرقت ليلة رأسها بخجل ليقول بإبتسامة:
طيب مفيش وأنا كمان بحبك يافراس.
هزت رأسها نفيا وهي مازالت مطرقة الرأس بخجل ليمد يده إلى ذقنها يرفعها لتتواجه عيناها مع عينيه، قال برقة:.

أوعى تانى تخبى عيونك عنى، عيونك دول حبايبى، واللي نظرتهم لية بتحيينى ياليلتى.
تاهت ليلة بين ثنايا عينيه، تدرك أنها تذوب عشقا، لتتنحنح قائلة:
إحمم، هي، لين فين؟
إبتسم يدرك تهربها منه لخجلها ليقول بهدوء:
مش إنتى قلتيلى إنها خرجت من الصبح بدرى عشان وراها مشوار مهم.
ضربت بيدها على رأسها بخفة قائلة:
صحيح، إزاي نسيت بس؟
إبتسم قائلا:
اللي آخد عقلك يتهنى بيه ياليلة.

إبتسمت تقول في نفسها، يارب فأنت يافراس من أخذ عقلى وقلبى معا، ليقول فراس:
بس صحيح، لين راحت فين؟
نظرت إليه ليلة قائلة بغموض:
مشوار مهم أوى، هتصلح فيه
غلطة كبيرة غلطتها زمان، ويارب تلحق تصلحها قبل فوات الأوان.

كان مؤيد يقود سيارته بإتجاه المدينة، يشعر بالإختناق، فلديه يقين بأنه يرتكب خطأ جسيما بهروبه ذاك وإبتعاده عنها، نعم لقد أخطأت ولكنها إعتذرت، ربما لم يثق بها وبشعورها بالندم من قبل ولكن إختطافها له، هو خير دليل على ندمها وتمسكها به، لما لم يستمع إلى ما لديها لتقوله؟لما لم يجاريها في لعبتها؟هل خشي أن يضعف، تبا، فليضعف، بل وليدع حصونه تنهار، فما لديهما يستأهل إنهيار تلك الحصون، لديهما قصة عشق يعلم كليهما أنها تمر في العمر مرة واحدة، فرصة واحدة للسعادة، فإن عبرت ولم يقتنصاها، ذهبت بلا رجعة، وأصبحا تعيسان للأبد، كلا، لن يترك فرصته في السعادة تضيع من بين يديه، سيعود وسيمنحها تلك الفرصة التي أرادتها، يدرك وبكل قوة أن الحياة معها وشبح الخوف يرفرف على علاقتهما، أفضل ألف مرة من حياة بلا نبض أو روح قد يعيشها بدونها، لينحرف بسيارته بسرعة في الإتجاه المعاكس، يقود بأقصى سرعة بإتجاه هذا المبنى القديم والذي تمكث فيه حبيبته، ليصل في دقائق معدودة، إندفع إلى الداخل، يسرع إلى تلك الحجرة التي تركها بها، ليتوقف متجمدا، تتوقف نبضاته بجزع وهو يراها هناك، أمام الحجرة ملقاة على الأرض مغمضة العينين، شاحبة الوجه تماما، كالموتى.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة