قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون

بقلب محطم أدرك مابك حبيبة الفؤاد
لكن لا تخشى شيئا فأنا إلى جوارك كالعماد
سنجتاز عثراتنا وسننهض من جديد، وسنكون لما يفرقنا بالمرصاد
فإبتسمى حبيبتى فأنتى عشقى، أهدانى إياك رب العباد.

قالت شاهيناز بإصرار:
يامؤيد صدقنى مش هينفع، يعنى أجيلك بيتك في الميعاد ده بس إزاي؟ وأقول إيه للى في البيت هنا؟
كاد مؤيد أن يطلق ضحكة ساخرة ولكنه حبسها بداخله وهو يقول بهدوء لم يظهر أثرا لتهكمه في نبراته:.

قوليلهم إنك رايحة حفلة زي أي حفلة بتحضريها ياشاهى، مع إن معتقدش إن شاهى اللي أعرفها ممكن تخاف من حد أو تعمل حساب لأي حد، أو تفسر تصرفاتها لمخلوق، شاهى اللي أعرفها بتعمل اللي هي عايزاه وقت ماتعوزه، إتغيرتى ياشاهى ولا إيه؟
تمددت شاهيناز على سريرها
وهي تقول بإبتسامة:
لأ يامؤيد أنا لسة زي ما أنا، بس...
وصمتت، ليقول مؤيد بحدة:
بس إنتى يابتدلعى علية يامش مآمنالى ياشاهى مش كدة؟
إتسعت إبتسامتها وهي تقول:.

لأ طبعا، كل الموضوع إنى محتاجة شوية وقت أظبط فيه الدنيا هنا، يعنى على بكرة مثلا، إيه رأيك؟

كاد مؤيد أن يغلق السماعة بوجهها يدرك بخبرة رجل كان في ما مضى زيرا للنساء، أنها بالفعل تتلاعب به، وتتدلل عليه لا أكثر، تريد أن تحرقه شوقا لها، ظنا منها أنه يحمل لها مشاعر بداخل قلبه أو ربما شوقا لها، لا تدرى أنه ما كره في حياته قط مثلها، وما نفر من قرب أحد كنفوره من قربها، ولكنه مضطر والمضطر كما يقولون يتحمل الصعاب، ليقول بصوت حاول أن يظهره غاضبا:.

شاهيناز، أنا مش مراهق عشان تتعاملى معايا بالأسلوب ده، أنا عايز أشوفك ودلوقتى حالا، حابة تيجى أهلا وسهلا، مش عايزة، يبقى إنسينى خالص، أنا هقفل معاكى وهنزل أتفسح في أي حتة والبنات زي ما إنتى عارفة زي الهم على القلب، يعنى مش هغلب.
إعتدلت تقول في جزع:
إستنى يامؤيد، تنزل فين بس؟وبعدين بسهولة كدة هتسيبنى، هتسيب شاهى حبيبتك وتدور على واحدة من الشارع تحل محلى.
قال مؤيد بحدة:.

ومن إمتى مؤيد الحسينى بيعرف أي واحدة ياشاهى؟
إبتلعت ريقها تقول بتوتر:
طيب، طيب، متزعلش، أنا غلطانة، وبتأسفلك، بس عشان خاطرى متنزلش وأنا هحاول أجيلك.
قال مؤيد بصرامة:
مفيش حاجة إسمها هحاول، أدامك ساعة بالظبط وتكونى عندى، ياإما...
قاطعته قائلة بلهفة:
مفيش ياإما، أقل من ساعة وهكون عندك، سلام.
أغلق مؤيد هاتفه، وهو ينظر إلى نبيل الذي تابع مكالمته قائلا بتوتر:
هتيجى؟
أومأ مؤيد برأسه في هدوء، ليستطرد نبيل قائلا:.

إنت لسة مصمم على اللي هتعمله؟
أومأ مؤيد مجددا برأسه دون ان ينطق، ليقول نبيل بقلق:
بصراحة مش مطمن، ومش حاسس إنها ممكن تعترف بالحقيقة وخايف إنك...
ليصمت وهو ينظر إلى مؤيد الذي إبتسم بسخرية قائلا:
خايف إنى أضعف أدام إغرائها، وخصوصا إنى في فترة أنا فيها من أضعف ما يمكن، مش كدة؟

نظر إليه نبيل دون أن يتحدث ولكن صمته كان إقرارا بصحة ما يقوله مؤيد، ليقول مؤيد وقد إختفت إبتسامته الساخرة لتحل القسوة في ملامحه وهو يقول:.

مستحيل طبعا، مش عشان شاهيناز ست متجوزة وأنا عمرى ما قربت من واحدة متجوزة، وخصوصا لو كانت متجوزة حد أنا بحترمه وبقدره زي خالد، لأ، عشان أنا مكرهتش في حياتى حد أد ما كرهت شاهيناز لإنها فرقت بينى وبين لين، ده غير إنى لسة بحب لين ومش هقدر أبص لغيرها قبل ما بجد أنساها وأنسى حبها اللي ساكن جوة في قلبى.

متقلقش يانبيل، مؤيد بتاع زمان، اللي كان مستهتر ومبيهمهوش غير نفسه وبس مات، مات لما عرف الحب على إيديها، ورغم كل اللي عملته فية بس عمرى ماهنسالها إنها خلقت منى بنى آدم جديد، بنى آدم رفض القذارة اللي كان عايش فيها لما عرف قيمة النضافة وحسها، رفض يكون كل يوم مع واحدة من غير إحساس لما جرب يكون مع واحدة بكل إحساسه.
إبتسم نبيل قائلا:
طول عمرى كنت شايف فيك البنى آدم ده يامؤيد، وكنت مستنى بس تشوفه في نفسك.

إبتسم مؤيد إبتسامة باهتة مريرة وهو يقول:
للأسف شفته فعلا، بس بعد فوات الأوان، بعد ماحياتى زمان أثرت على تفكير البنى آدمة الوحيدة اللي حبيتها وخليتها تصدق بسهولة إنى مطلعتش من مستنقع الخيانة اللي كنت عايش فيه.
نظر إليه نبيل قائلا:
الكل بيغلط يامؤيد، محدش فينا معصوم من الغلط، ولازم نسامح مادام بنحب.
نظر إليه مؤيد قائلا بمرارة:.

مش قادر أسامحها، غصب عنى، أنا كنت بموت من غيرها، كنت بموت وأنا حاسس إنها إتخلت عنى عشان فية نقص ومش قادر أديها الحاجة اللي إتمنيتها هي زي ما إتمنيتها أنا كمان، الأطفال، ودلوقتى بعد ما أثبتتلى إن معندهاش أي ثقة فية، مش هقدر أكمل حياتى معاها وأنا خايف في أي لحظة إنها تتخلى عنى بسبب غلطة عملتها في الماضى، الماضى اللي هي عارفة ومتأكدة إن مكنش لية أي ذنب فيه، ما أنا مش ذنبى إنى إتربيت مع أب كل شوية كان بيتجوز ويطلق، بيغير في الستات زي ما بيغير في هدومه، مش ذنبى إنه ربانى على إن الستات خاينين وبياعين وملهمش أمان، بس لما شفتها عرفت الفرق وإتجوزتها علطول، وهي عند أول إختبار في مواجهة الماضى بتاعى، إتخلت بكل سهولة عنى، خلاص يانبيل، مبقاش بينا الأمان والثقة اللي كنت حاططهم في علاقتى بيها.

ربت نبيل على يده قائلا:
في يوم هتعذرها وهتسامحها، أنا واثق من كدة، قلبك بيحبها ومن جواك متأكد إنك من غيرها مش هتقدر تعيش.
يدرك مؤيد أن ما يقوله صديقه صحيح فهو بالفعل لا يشعر بالإكتمال وهو بعيد عنها، لا يستطيع أن يتخيل أن يعيش مجددا بدونها ولكنه لابد وأن يحاول، لذا تجاهل كلماته وهو يسأله بهدوء قائلا:
المهم، قوللى، الكاميرات في مكانها؟
أدرك نبيل محاولات صديقه في الهروب من مشاعره ليقول بهدوء:.

كل شئ تمام وفى مكانه، وأنا كمان شوية وهنزل عشان أسهلك الأمور.
ليعقد حاجبيه مستطردا:
بس إنت مش قلت إنك كنت هتكلم خالد عشان يكون موجود ويسمع كلامها.
تنهد مؤيد قائلا:
خالد مسافر والله أعلم هيرجع إمتى وأنا عايز أخلص من الموضوع ده، لما يبقى الموضوع يخلص هبقى أوريله الشريط وأعتذر منه لإنه أكيد هيزعل إنى مقلتلوش، بس انا واثق إنه هيسامحنى وهيقدر موقفى.
مط نبيل شفتيه قائلا:.

معتقدش، واحد زي خالد هيكون رد فعله مختلف خالص لما يعرف إنك مقلتلوش ومخدتش رأيه في اللي بتعمله، ربنا يستر.
تسلل القلق إلى قلب مؤيد ولكنه نفض قلقه، فإن إستسلم لتفكيره فلن يفعل ما هو مقبل عليه، مطلقا.

إقترب خالد من تلك الحجرة التي أخبره فراس عن رقمها ومكانها، ليجد فراس جالسا أمام باب الحجرة يضع رأسه بين كفيه في وضع مزق قلب خالد قلقا، ليقترب منه بسرعة ناطقا بإسمه في قلق...
ليرفع فراس رأسه ينظر إلى خالد وما إن رآه حتى نهض بسرعة قائلا:
كويس إنك جيت بسرعة ياخالد، أنا مش عارف أقولها إيه ولا أتصرف إزاي؟أنا تايه، تايه ومش عارف أعمل إيه.
قال خالد وقد بلغ القلق به منتهاه:
فيه إيه يافراس، ليلة مالها؟

أطرق فراس برأسه أرضا ليقول خالد بحدة:
ماتنطق يافراس، إتكلم، ليلة مالها؟
نظر فراس إلى عيون خالد وقد أغروقت عيناه بالدموع:
ليلة عندها كانسر ياخالد.
لتتسع عينا خالد في، صدمة.

كانت جورية تنام في سريرها متخذة وضع الجنين، تتساقط دموعها على وجنتيها بغزارة، تتذكر كلمات جدها القاسية التي ألقاها على مسامعها، لأنها أخفت عنه كل ما يحدث، يؤنبها وبشدة على ضعفها أمام عشقها، وهي تدرك أن فهد قد عادت له ذاكرته وأنه أصبح خالد نصار، هذا الثري المتزوج ولديه طفلة، ومع ذلك أحضرته إلى هنا من جديد، وعندما أقسمت له أنها بريئة من هذه الإتهامات، وأنها لم تحضره إلى الوادى بل تفاجأت مثله تماما بقدومه، لم يصدقها، لامها وبشدة وأخبرها أن تنسى أمر هذا الخالد تماما، خاصة وأنه أسرع بالهرب ما إن عنفه الجد وطلب منه الإبتعاد، إستسلم بسهولة وتخلى عنها، للمرة الثانية.

عند تذكرها لتلك النقطة زاد نحيبها، فنعم هو ذهب بسهولة تاركا إياها دون وداع أو حتى إبداء رغبة بسيطة منه في البقاء معها ولو قليلا، لقد أخبرها بأنه يحمل في قلبه مشاعر لها، يشعر بأنه فهدها وأن مكانها الطبيعي بين ذراعيه، إذا لماذا إبتعد بتلك السرعة؟ألم يرغب في معرفة الحقيقة؟ألم يطالبها بتفسيرا؟إذا لماذا غادر دون أن يحصل على هذا التفسير؟لماذا؟..

شعرت بالباب يفتح وأحدهم يدخل إلى الحجرة بهدوء، لتمد يدها تمسح دموعها بسرعة ظنا منها بأن القادم هو جدها عزيز، تتظاهر بالنوم، ليجلس هذا القادم على السرير، ويمد يده يربت على ظهر جورية، لينساب إليها صوت خالتها جليلة تقول في حنان:
أنا عارفة إنك صاحية، صوتك وإنتى بتبكى واصلى لحد أوضتى.
إعتدلت جورية تنهض جالسة تنظر إلى جليلة بعيون دامعة قائلة:
أنا صاحية فعلا، ومش عارفة أنام.
قالت جليلة في شفقة:.

وتنامى إزاي بس بعد اللي سمعتيه من جدك؟لازم تزعلى طبعا ومتعرفيش تنامى ياحبة عينى.
مدت جورية يدها تمسح دموعها وهي تقول بأسى:
مش كلام جدى اللي زعلنى ومخلانيش عارفة أنام؟
عقدت جليلة حاجبيها، وهي تقول:
أومال إيه اللي مزعلك بالشكل ده؟
تنهدت جورية قائلة بحزن:
خالد.
قالت جليلة في حيرة:
ماله؟
قالت جورية بحزن:.

مشى من غير مايودعنى، يادوبك فتحت عينى مشى ومستناش حتى يطمن علية، أول ماجدى طرده مشي علطول، فراس قاللى إنه حاسس إن خالد بدأ يحبنى، وأنا كمان حسيت بكدة بس الظاهر إن إحنا الإتنين كنا غلطانين، ورغم إنى كنت عايزاه فعلا ينسانى ويكمل حياته مع عيلته، بس إن ده فعلا اللي قرر يعمله و إنى أحس إنى ولا حاجة بالنسبة له، وجعنى، وجعنى أوى ياخالتى.
ربتت جليلة على يدها قائلة بحنان:.

ومين قالك إنه فعلا مبيحبكيش؟خالد بيحبك زي ما حبك فهد.
نظرت إليها جورية بحيرة لتستطرد جليلة قائلة:.

أنا أكتر واحدة بتحس باللى بيحبوا لإنى بحب ياجورى، وأظن إنى عرفت إنك بتحبى فهد من غير ما تقوليلى وقلتلك على مشاعر فهد ليكى من قبل ما تحسيها، والنهاردة أنا شفت الحب في عيونه ليكى، شفت لهفته وخوفه عليكى ساعة ما أغمى عليكى وكأننا بنرجع في الزمن ٣ سنين لورا، بيتكرر المشهد من جديد، ولإن جدك حس بمشاعره وخاف منها، خاف خالد يعلقك بيه من جديد وتفترقوا مرة تانية، وعشان كدة إتصرف بالشكل ده.
لتتنهد مستطردة:.

أنا مش معاه طبعا في اللي عمله، بس عارفة ومتأكدة إن اللي عمله حب وخوف عليكى.
أغمضت جورية عيونها قائلة بألم:
الاتنين بيحبونى، واحد سابنى والتانى بيلومنى ويزعقلى، وأنا في النص تعبانة، تعبانة ومش مرتاحة، ومش عارفة هكمل حياتى إزاي بالشكل ده؟
قالت جليلة بشفقة:
إرمى حمولك على ربنا، قادر يريح قلبك ياجوري.
فتحت جورية عيناها وهي تتنهد قائلة:
ونعم بالله.
قالت جليلة في حنان:.

حاولى تنامى ياحبيبتى وبكرة هيكون أحلى بإذن الله.
أومأت جورية برأسها قبل أن تضجع بجانبها واضعة رأسها على وسادتها ومغمضة عينيها، لتنهض جليلة تميل مقبلة رأسها بحنان ثم تدثرها بالغطاء جيدا قبل أن تغادر الحجرة بهدوء وتغلق الباب خلفها، لتجد عزيز يقف خارج الحجرة ينظر إليها في قلق قائلا:
أخبارها إيه دلوقتى؟طمنينى ياجليلة.
قالت جليلة بهدوء:
نامت خلاص.
ثم نظرت إليه في عتاب ظهر في نبرات صوتها وهي تقول:.

بس لما إنت قلقان عليها أوى كدة ياعزيز، كنت بتضايقها ليه بكلامك؟
قال عزيز بحزن:
خايف عليها ياجليلة، مش عايزها تمشى ورا قلبها وفى الآخر يضيعها زي ما ضيع مامتها قبل كدة.
قال جليلة:
لا جورية تبقى سهيلة يا عزيز ولا خالد زي فريد.
نظر عزيز إلى عينيها قائلا:
بس نفس الحكاية بتتكرر أدامى، نفس القصة ونفس الأحداث، وخايف تنتهى بنفس المصير.
قالت جليلة:.

وتفتكر باللى إنت عملته نهيت الحكاية، انت بس أجلت أحداثها، الحكاية واضحة زي الشمس، قدر ونصيب، مش هنقدر نتدخل فيه، ولا نمنعه.
قست عينا عزيز وهو يقول بصرامة:
لأ همنعه، صدقينى همنعه، ما أنا مش هقف أتفرج عليها وهي بتضيع منى زي ما ضاعت سهيلة قبلها، المرة دى هقف قصاد القدر وهتحداه كمان.
ثم تركها وإبتعد تتابعه بعينيها قائلة بأسى:.

أستغفر الله العظيم، مفيش فايدة، عزيز هيفضل عزيز ومش هيتغير، فوقى بقى ياجليلة وإقضى على الأمل اللي جواكى، إعترفى إنك خسرتى في رهانك مع نفسك على إنك ممكن تغيريه، إعترفى إن مش بس جورى النهاردة اللي خسرت حبها، إنتى كمان خسرتى الأمل، لأول مرة تحسيها، وللأسف مش هتكون آخر مرة.

جلس خالد على أقرب مقعد له، فلم تعد قدماه قادرتان على حمله، يقول بصوت مصدوم:
ليلة، أختى أنا عندها كانسر، طب إزاي؟
جلس فراس بجانبه قائلا بحزن:.

لما أغمى عليها النهاردة وجبتها على المستشفى، طلبت من الدكتور يعملها كل التحاليل والأشعة الل ممكن تطمنى عليها، ونتيجة التحاليل طلعت وساعتها الدكتور صدمنى بالخبر، من وقتها وأنا مش عارف أعمل إيه، عايز أجرى عليها وآخدها في حضنى وأطمنها إنى معاها وجنبها وفى نفس الوقت مش قادر أواجهها بحالتها، ولا أقولها عن مرضها، خبر زي ده محتاج أقرب حد ليها يقولهولها، ملقتش أدامى غيرك، إنت وبس اللي ممكن تكلمها.

نظر خالد إلى وجه فراس وهو يقول بضياع:
أقولها إيه بس؟أقولها إنها مريضة بأبشع مرض ممكن يصيب إنسان، أقولها إنها هتعانى من آلام تفوق إحتمال البشر، أقولها إنها ممكن تموت وتروح مننا في عز شبابها، إزاي بس عايزنى أصدمها بالكلام ده؟
ربت فراس على يد خالد قائلا:
عشان ليلة مبتحبش في الدنيا أدك، عشان إنت سندها وأقرب حد ليها، عشان ليلة مش هتتقبل الخبر ده غير منك إنت، إنت وبس ياخالد.

نظر خالد إلى عيون فراس ليومئ له فراس برأسه مؤكدا وهو يقول مستطردا:
لو ضعفنا هتحس بضعفنا وساعتها هتضعف هي كمان، ليلة محتاجانا جنبها نقويها على مرضها ونعديها من محنتها، وبعدين فيه حاجة إسمها علاج، ليلة في المرحلة الأولى من المرض وبإذن الله بعد العلاج تبقى كويسة، ولو فيه علاج برة هنسفرها، ولآخر نفس فينا مش هنستسلم.

كانت كلمات فراس داعم كبير لخالد، أخرجته من حالة الصدمة التي إعترته ومنحته القوة لينظر إلى فراس بإمتنان قائلا:
معاك حق، طول ما فية نفس مش هستسلم، هعرضها على أكبر دكاترة جوة وبرة، وهتخرج ليلة من محنتها أقوى إن شاء الله.
قال فراس بتأكيد:
بإذن الله ياخالد، بإذن الله.
تنهد خالد قائلا:
أنا لازم أدخلها وأقولها على الخبر ده.
قال فراس:
أنا جاي معاك.
هز خالد رأسه نفيا قائلا:
مش هينفع، لازم أكون لوحدى معاها.

أومأ فراس برأسه متفهما، ليعقد خالد حاجبيه قائلا:
بس لازم الأول أعمل مكالمة لسمير وأبلغه بالخبر ده.
عقد فراس حاجبيه قائلا بصدمة:
سمير، سمير تانى ياخالد، إنت إمتى هتفهم إن ليلة مش ممكن تكون لحد غيرى؟، إمتى هتفهم إنى من اللحظة دى إعتبرتها مراتى ومحدش ممكن يكون جنبها في محنتها غيرى أنا وإنت ولين وبس؟
لتقسو عيناه وهو يستطرد قائلا:.

بص ياخالد، أنا مستحيل هخلى سمير ده يقرب منها أو يكلمها ولو فيها حياتى، مفهوم ياخ؟
قال خالد في غموض:
متقلقش، لو طلع اللي بفكر فيه صح، فكل اللي بتقوله هيحصل يافراس، وده وعد منى ليك.
نظر إليه فراس عاقدا حاجبيه في حيرة ليربت خالد على كتفه مطمئنا، ليشعر فراس بالراحة لحركته تلك، مؤقتا.

إرتمت ليلة في حضن أخيها، تسيل دموعها على وجنتيها بصمت ليربت خالد على ظهرها قائلا بحنان:
عيطى ياليلة وخرجى كل اللي في قلبك، بس أنا مش عايزك تخافى أو تقلقى، أنا هعرضك على أكبر الدكاترة برة مصر، وبإذن الله هتبقى كويسة وربنا هينجيكى من المرض ده، وإحنا كلنا معاكى، وجنبك ياحبيبتى.
قالت ليلة من وسط دموعها:
أنا مش خايفة من المرض ياخالد، ولا خايفة من الموت نفسه.

أبعدها عن محيط ذراعيه يمسك وجهها وهو يقول بلهفة إمتزجت بالحزن وهو يرى وجهها الملئ بالعبرات:
بعيد الشر عنك ياليلة.
نظرت إلى عيونه قائلة:
صدقنى ياخالد، أنا مش خايفة على نفسى، أنا خايفة عليكم إنتوا، خايفة حياتكم من بعدى يملاها السواد والحزن، أنا مش عايزاكم تزعلوا لما أموت، عايزاكم تفتكرونى بإبتسامة، وتكونوا متأكدين إنى بقيت في مكان أحسن.
أغشيت عينا خالد بالدموع وهو يضمها مجددا قائلا بحزم:.

مش هتموتى ياليلة، هتتعالجى وهترجعى أحسن من الأول، مرضك لسة في المرحلة الأولى، بإذن الله وبعملية بسيطة هنقضى عليه، وهتخفى، أنا عايز بس إيمانك بربنا ميضعفش، هو قادر ينجيكى من اللي إنتى فيه.
أغمضت عيناها وهي تقول:
ونعم بالله.
لتفتح عيناها بقوة على صوته الذي يزيد من خفقاتها وهو يقول بمرح جاء باهت النبرات يبرز حزنه رغما عنه الذي إستشعرته ليلة في صوته:
ما تبعد عنها شوية ياعم خالد، أنا بغير على فكرة.

إبتعدت ليلة عن حضن خالد تطالعه بعينيها الدامعتين، ليطالعها هو بعينين عاشقتين، لينقل خالد نظراته بينهما، يبتسم بإرتياح في داخله وهو يقول بهدوء:
تغير متغيرش، مش شغلى، ليلة هتفضل أختى وهيفضل حضنى مكانها، اللي بترتاح فيه.
أبعد فراس ناظريه عنها بصعوبة وهو ينظر إلى خالد قائلا بمرح:
طيب بالراحة كدة متزقش.
قال خالد:
ماشي ياخفيف.
رن هاتف خالد لينظر إلى شاشة هاتفه وتلتمع عيناه ليقول لفراس بهدوء:.

إستنانى هنا على ماأروح أجيب حاجة نشربها، أنا جاي من سفر وريقى ناشف.
نظر فراس إلى عيون ليلة التي لم تبعدها عنه قائلا:
لأ براحتك، خد وقتك.
قال خالد بإستنكار:
نعم.
قال فراس بإرتباك وهو ينظر إليه:
قصدى يعنى متتأخرش.
رمقه خالد بنظرة ذات مغزي قائلا:
آااه، بحسب.
ثم وجه كلماته إلى ليلة الصامتة قائلا:
لو ضايقك رنى علية، هاجى وأعلقهولك.

أومأت ليلة برأسها في هدوء، ليخرج خالد من الحجرة بخطوات واسعة لتنظر ليلة إلى عيون فراس الذي نظر إليها بدوره بحب، لتقول ليلة بصوت حزين:
فراس أنا...
قاطعها قائلا بهدوء وهو يجلس إلى جوارها:
آسف مش هينفع.
نظرت إليه بحيرة قائلة:
هو إيه ده اللي مش هينفع؟
إبتسم وهو يمسك يدها قائلا بحب تنطق به نظراته:.

هتقوليلى سيبنى وإنسانى وأنا مبقتش أنفعك ودور على واحدة تانية والكلام الفارغ اللي كل مرة بتقوليهولى ده، وأنا بقولك آسف، مش هينفع.
أطرقت ليلة برأسها قائلة بحزن:
بس المرة دى غير كل مرة.
مد يده يرفع ذقنها إليه لتواجهه عيناها الدامعتان ليقول هو بثبات:
بالظبط، المرة دى غير كل مرة، المرة دى معايا موافقة شبه مبدأية على إرتباطنا من أخوكى.
قالت بحزن:
عشان عرف بمرضى وأكيد مش حابب يزعلنى.

إبتسم وهو ينظر إلى عيونها بعشق قائلا:.

وليه متقوليش إنه أخيرا حس إنى بحبك بجد ومستعد أتحدى الدنيا كلها عشان تكونى لية، لو حتى هتحدى نفسك اللي بتحاول دلوقتى تبعدك عنى، بأوهام ملهاش أي لازمة، فريحى نفسك من كل الأفكار والكلام اللي هتقوليهولى، لإنى بقولهالك من دلوقتى ياليلة، أنا مش هبعد عنك أبدا ومش هسيبك وهفضل معاكى لحد آخر يوم في عمرى، مرضك مش آخر الدنيا، لأ، دى عقبة بس في طريقك ومعايا هنتحداها ونعديها، وعلى فكرة أنا مش هستنى لغاية ما تعملى العملية وتبقى كويسة عشان نتجوز، لأ، أنا هسافر معاكى بصفتى جوزك، يعنى هنتجوز حالا، ولما تقومى بالسلامة هعملك أحلى فرح يليق بأجمل ليلة في حياتى.

أغشيت عيون ليلة بالدموع وكادت أن تقول شيئا ولكن فراس أسرع ووضع يده على فاهها قائلا:
وحياة أغلى حاجة عندك توافقى ياليلة، وحياة خالد، اللي أول ما هيرجع هكلمه في موضوع كتب كتابنا، قولى أيوة، عشان خاطرى ياليلة، وافقى على جوازنا وأنا أوعدك إنك عمرك ما هتندمى على القرار ده.

نظرت ليلة إلى عيونه التي ترجوها ان لا تخيب رجاءه، لتومئ برأسها موافقة وعيونها تبتسم في سعادة، ليبتسم فراس بدوره وهو ينزل يده يمسك كفيها بين يديه يرفعهما ويقربهما من فمه يطبع عليهما قبلة عشق أطاحت بكيان ليلة التي وإن كانت أحبته قبل اليوم، فمنذ لحظات ذابت به عشقا...

ليغلق خالد الباب على هذين العاشقين، يتنهد بإرتياح، بعد أن كان سيدخل الحجرة منذ قليل فإستوقفته كلمات فراس التي أكدت له أن العشق هو أساس كل العلاقات الناجحة وأن العقل من الممكن أن يخطئ ولكن قرارات القلب دائما هي الأصوب، فقد إختار خالد سمير بعقله ليتزوج ليلة بينما إختارت ليلة فراس بقلبها، فتخلى عنها سمير الآن في هذا الإتصال الهاتفي والذي أخبره فيه خالد بحقيقة مرض أخته ليعتذر سمير عن الحضور بل عن الخطبة بأكملها، بينما تمسك بها فراس في محنتها تلك ومنحها القوة لتبدأ رحلة علاجها، هكذا أدرك اليوم الفرق بين العقل والقلب، ليفوز القلب، وبجدارة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة