قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثالث والعشرون

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثالث والعشرون

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثالث والعشرون

دموع تتحجر في عيون امرأة سرقها الزمن.
ضاعت أحلامها، بهت جمالها، حتى ضحكاتها، أصابها الوهن.
لتنزل دمعة خائنة تسألها بقسوة، الآن تستفيقين بعد أن أصبحت الوحدة هى السكن؟
فمنذ البداية أدركتى النهاية لتستمرين بالحكاية وتدفعين الثمن.

رن هاتف جورية، ليوقظها من النوم، مدت يدها وأمسكت هاتفها تنظر إلى شاشته، لتجده رقم فراس، عقدت حاجبيها وهي تدرك أنه يتصل بها في هذا الموعد، لتخشى أن يكون الأمر خطيرا، أجابت هاتفها على الفور وهي تقول في قلق:
ألووو.
قال فراس:
صحيتك؟
قالت جورية:
مش مهم، أكيد فيه شئ خطير، قوللى علطول ومتخبيش عنى حاجة.
تنهد فراس قائلا:
أنا هتجوز كمان شوية.
إتسعت عينا جورية في صدمة، لتعتدل قائلة:
هتتجوز إزاي يعنى؟

قال فراس بهدوء:
هتجوز زي الناس ياجورى، بمأذون وشهود...
قاطعته قائلة بنفاذ صبر:
إنت عارف إنى مقصدش كدة.
زفر فراس بقوة أثارت قلق جورية حتى النخاع، ثم قال بحزن:
ليلة تعبانة أوى ياجوري، عندها كانسر.
إتسعت عينا جورية في صدمة، وهي تقول بجزع:
كانسر؟
أسرع يقول:
في مراحله الأولانية، بس ضعفها وقلة أكلها اليومين اللي فاتوا أثروا عليها، هي هتسافر تعمل عملية بكرة في فرنسا، وأنا صممت تكون على ذمتى قبل ما نسافر.

قالت جورية بحزن وألم:
لا حول ولا قوة إلا بالله، ياحبيبتى ياليلة، ربنا يشفيها ويعافيها يارب، والله يافراس، أنا مش عارفة أباركلك ولا أقولك ربنا يعينك.
إبتسم فراس قائلا:
لأ باركيلى ياجورى، جوازى من ليلة حلم هيتحقق، وإن كان على مرضها، فبإذن الله مع بعض نعديه، وبعد العملية تكون زي الفل بإذن الله.
إبتسمت جورية قائلة:
هو ده فراس اللي أنا أعرفه، إنتوا فين دلوقت؟
قال فراس:.

في مستشفى الحياة، لما أغمى عليها جبتها هنا وكلمت خالد اللي جه علطول من السفر، وبعدين وافق على جوازنا كمان.
إذا هذا السر وراء مغادرة خالد بتلك السرعة، ليرتاح قلبها قليلا، بعد أن كان يتمزق حزنا، لتقول بإبتسامة واسعة:
أوعى تكتب الكتاب قبل ما آجى، مفهوم؟
قال فراس في دهشة:
إنتى هتيجى؟
إتسعت إبتسامتها وهي تنظر إلى ساعتها قائلة:.

طبعا جاية، مش ممكن أفوت كتب كتابكم أبدا، هاخد أول طيارة، وبإذن الله مش هتأخر، بس إبعتلى العنوان.
إبتسم فراس قائلا:
حالا، هستناكى، سلام.
لتغلق الهاتف وهي تسرع بتبديل ملابسها، لتسافر بأقصى سرعة.

جلست شاهيناز على الأريكة تتأمل شقة مؤيد بهدوء، فتلك هي المرة الأولى التي تدخل فيها شقته على الإطلاق، فقد كرهت تلك الشقة التي جمعت بين مؤيد وغريمتها فلم ترغب في رؤيتها أبدا وكلما أراد منها خالد أن تحضر معه لرؤية لين ومؤيد، تحججت بأي حجة، تقول له مثلا أنها تعانى ألما في رأسها أو أن إبنتها مريضة أو عندها إجتماع لا يؤجل، وهكذا، حتى فقد خالد الأمل فيها ولم يعد يدعوها إلى الذهاب معه، فكان يزورهما وحده هو وريم، نهضت وإقتربت من هذا الرف فوق المدفأة ترى بعض الصور التي تكمن بين أطر جذابة، هاهو مؤيد يقف مبتسما في جاذبية تخلب الألباب، وهاهو في صورة أخرى يلعب بكرة المضرب، تبا، وسامته تزداد وجاذبيته أيضا في هذا اللباس، لتتجمد كلية وهي ترى صورة تضم مؤيد مع غريمتها، إنتابها غيظ شديد وغيرة حارقة، كادت أن تمسك الصورة وتضرب بها عرض الحائط لتكسرها إلى فتات، ولكنها تمالكت نفسها وهي تسمع مؤيد يقول من خلفها بتهكم:.

عاجباكى الصور؟
إلتفتت إليه تقول بإبتسامة:
هيعجبنى فيها إيه يعنى؟أكيد مش لين؟
إتسعت إبتسامته الساخرة...
ليظهر الحقد في صوتها رغما عنها وهي تقول:
أنا بس مستغربة، إيه اللي مخليك محتفظ بصورتها لحد دلوقتى؟
ناولها كأس العصير قائلا:
قصدك صورها، دى ليها صورة كبيرة في أوضة النوم، تحبى تشوفيها؟
ظهر الغضب على ملامحها وهي تقول:
إنت بتستفزنى يامؤيد؟
إبتسم وهو يقرب كأس العصير من شفتيها قائلا:.

إشربى بس العصير وتعالى نقعد، وأنا هفهمك.
فتحت ثغرها ترتشف منه رشفة وهي تنظر إلى عينيه، ليمسك كفها يرفعها إلى الكأس يجعلها تمسك به بدلا منه ثم يسحب يدها الأخرى ويمشى بها إلى حيث الأريكة ليجلس ويجلسها، قبل أن يقول بهدوء:.

أنا من يوم ماسابتنى لين، مادخلتش الشقة دى، سافرت علطول، ولما رجعت، صممت مبعدش صورها عنى، عشان طول ما أنا شايفها، النار اللي في قلبى من ناحيتها مبتبردش، بالعكس، بتقيد أكتر وأكتر، وبكرهها أكتر.
نظرت إليه في لهفة قائلة:
بجد يامؤيد، بجد بتكرهها.
إبتسم قائلا:
أد حبى ليها كرهتها ياشاهى.
ليتراجع بظهره يستند إلى الأريكة خلفه بكسل، شابكا أصابع كفيه وواضعا إياهم خلف رأسه، قائلا:.

بس أنا لية أسبابى اللي مخليانى بكرهها من قلبى، إنتى بقى ياشاهيناز، أسبابك إيه علشان تكرهيها؟
نظرت إلى الأمام قائلة بنبرات يملؤها البغض:
بكرهها عشان أخدتك منى، حققت معاك حلمى، مش بس خدت إسمك لأ خدت كمان مشاعرك، مكرهتش حد قبلها، ولو كانت فضلت على ذمتك مش بعيد كنت قتلتها، لحقت هي نفسها منى وباعتك بسرعة، من غير ماتتأكد حتى.
إعتدل مؤيد يقول بهدوء:
من غير ماتتأكد من إيه؟
نظرت إليه بإضطراب قائلة:.

ها، لا، مفيش، قصدى يعنى من غير ماتتأكد من إنكوا ممكن تخلفوا، ولا الأمل مستحيل فعلا.
عقد مؤيد حاجبيه فقد كادت أن تفصح عن بعض الحقيقة ولكنها تداركت نفسها في اللحظة الأخيرة، كاد أن يقول شيئا ولكن رنين هاتفها المتواصل قاطعه، لتنظر إلى شاشته وتصيب ملامحها الإضطراب وهي تشير لمؤيد بالصمت مجيبة هاتفها قائلة:
ألوو.
إستمعت إلى محدثها وهي تعقد حاجبيها بشدة قبل أن تقول بسرعة:
تمام، أنا جاية حالا ومش هتأخر.

ثم أغلقت هاتفها وهي تنهض بسرعة تبحث عن معطفها وحقيبتها ليقول مؤيد وهو يعقد حاجبيه:
رايحة فين؟
نظرت إليه قائلة:
خالد طالبنى أروحله حالا.
إزداد إنعقاد حاجبيه وهو يقول:
إنتى مش قلتى إنه مسافر؟
أومأت برأسها قائلة:
رجع وفى المستشفى.
قال مؤيد بقلق:
جراله حاجة؟
نظرت إليه في ريبة قائلة:
يهمك أوى؟
تمالك مؤيد نفسه كي لا يثير شكها وهو يقول بلا مبالاة:.

مش أوى يعنى، بس عايز أطمن بس، مهما حصل ما بينا، فإحنا كلنا مع بعض عيش وملح.
قالت بسخرية:
لأ فيك الخير الصراحة، عموما مش هو، دى أخته.
سقط قلب مؤيد بين قدميه، وكادت أن تفضحه ملامحه الجزعة ولكن نظرات شاهيناز المتفحصة لملامحه جعلته يتمالك نفسه بيد من فولاذ، ليقول بلا مبالاة مصطنعة:
لو على لين، يبقى في ستين داهية، خدت الشر وراحت.
ظهر الإرتياح على ملامح شاهيناز وهي تقول:.

لأ مش لين، دى ليلة، والظاهر حالتها صعبة، هو مقالش مالها، بس صوت خالد بيقول كدة.
رغم الإرتياح الذي غمر قلبه لمعرفته بأن لين بخير، إلا أن معرفته أيضا بأن ليلة بخطر، مزقت قلبه، فهو يحمل لتلك الرقيقة كل الإحترام والحب والتقدير، لذا فقد سمح لحزنه أن يظهر عليه وهو يقول:
لا حول ولا قوة إلا بالله، ليه كدا بس؟دى ليلة مفيش أرق وأطيب منها، أول ما توصلى طمنينى عليها ياشاهى.
ظهرت الغيرة على صوت شاهيناز وهي تقول:.

إن شاء الله، سلام يامؤيد، وتتعوض.
نظر إليها مبتسما وهو يقول:
ياريت، وفى أقرب وقت.
ليمسك كفها يرفعه إلى فمه يلثمه بنعومة قائلا:
هتوحشينى.
إبتسمت قائلة بنعومة:
هتوحشنى أكتر.
لترفع نفسها وتقبل وجنته بنعومة ثم تقول:
سلام ياحبيبى.
وإلتفتت مغادرة يتابعها بعينيه حتى إختفت عن الأنظار، ليغلق الباب وهو يمسح وجنته بإشمئزاز قائلا بغضب:.

حقيرة فعلا، للأسف كان فاضل شوية وتعترفى بكل حاجة، بس النصيب بقى، معلش، تتعوض زي ما قلتى، وساعتها، هودعك وداع يليق بيكى ياشاهى.

ليعقد حاجبيه فجأة يتساءل عن حالة لين الآن عندما علمت بمرض أختها، هو يدرك أن لين قوية وتستطيع تحمل كل شئ، ولكنه يدرك أيضا حبها لعائلتها الذي سيضعفها الآن بالتأكيد مرض أحدهم، ليشعر بالتخبط، يتمزق بين نارين، أن يكون الآن بجوارها يساندها في محنتها ويمنحها القوة، أو يتجاهلها تماما، وهذا ما لا يستطيع أن يفعله، أبدا.

ضم خالد لين إلى صدره لتنساب عبراتها بصمت، يدركه من اهتزازات جسدها الضعيفة، ليربت على ظهرها قائلا:
كدة أنا هزعل منك على فكرة، إحنا مش قلنا متعيطيش، وإن ليلة هتتعالج و هتبقى كويسة، مش قلنا إنها محتاجة دعمنا مش بكانا.
خرجت لين من حضنه، تنظر إليه قائلة:
غصب عنى ياخالد، مش قادرة أتخيلها وهي بتتألم، مش قادرة أتخيل بكرة لو العملية...
صمتت لا تستطيع أن تكمل عبارتها ليقول خالد بنبرة قاطعة:.

مش هيحصل بإذن الله، ليلة هتعمل العملية وهتتخلص من المرض ده خالص زي ما الدكتور قالنا، وهترجع أحسن من الأول كمان، وده وعد منى يالين.

نظرت لين إلى عيون خالد التي بثت الثقة في عروقها، لتومئ برأسها في صمت، بينما كادت تلك الجالسة تتابع مايحدث في نفاذ صبر، أن تموت غيظا، من هذا الذي لا يظهر مشاعره سوى لأخواته، أما هي فيتعامل معها ببرود مطلق، ربما هي لا تهتم، لا، بل تهتم، والدليل على ذلك حنقها الذي تشعر به الآن، ربما لا تحب خالد ولكنها كانت تبغى مشاعره لتعوضها عن حرمانها من عشقها الوحيد مؤيد، بدلا من أن تعيش تلك السنوات في هذا الجفاف العاطفي، نظرت إلى هذا الذي يمد يده يمسح بأصابعه برقة دموع أخته من على وجنتها، لتقول بعصبية:.

هو إحنا هنفضل واقفين هنا وسايبين اللي إسمه فراس ده قاعد مع ليلة لوحدهم؟
عقدت لين حاجبيها بغضب بينما قال خالد ببرود:
هو أنا مش قلتلك إنه دلوقتى خطيبها وإن المأذون جاي كمان شوية عشان يكتب كتابهم؟
نهضت شاهيناز قائلة بغضب:
وأنا مش موافقة.
قالت لين بعصبية:
وإنتى مالك إنتى توافقى أو متوافقيش؟، ولا إنتى مصرة تفرقى بين كل إتنين بيحبوا بعض.
قال خالد بحزم:
إستنى إنتى يالين.
ليقترب من شاهيناز التي قالت بعصبية:.

سامع أختك بتقوللى إيه ياخالد؟
رمقها بنظرة جليدية وهو يقول ببرود:
بصراحة معاها حق، أنا مسألتكيش ولا طلبت موافقتك، أنا ببلغك قرارى، أنا موافق وده كفاية، مش عاجبك، روحى على البيت ومتحضريش كتب الكتاب.
قالت بحنق:
ده اللي أنا هعمله فعلا.
ثم أخذت حقيبتها وهي تبتعد بخطوات غاضبة ليتابعها خالد بعينيه قبل أن يلتفت إلى لين التي قالت بغضب:
أوووف، إيه البنى آدمة دى، أنا مشفتش في حياتى حد بالشكل ده.

قال خالد بلامبالاة:
كبرى دماغك منها، ومتشغل...
قاطعه صوت سها التي قالت بقلق:
لين، حبيبتى، طمنينى على ليلة.
إلتفتت لين في دهشة إلى سها قائلة:
سها، إيه اللي جابك في وقت زي ده يامجنونة؟
إحتضنتها سها قائلة:
مقدرتش أسيبك لوحدك وأنا عارفة هتبقى عاملة إزاي.
ضمتها لين وهي تقول:
إنتى مفيش منك ياسها.
لتخرج سها من حضن لين قائلة:
سيبك منى وطمنينى على ليلة.
إبتسمت لين قائلة:
ليلة هتتجوز بعد شوية.

إتسعت عينا سها بصدمة قائلة:
ليلة مين؟هو فيه إيه؟
إتسعت إبتسامة لين قائلة:
تعالى بس نقعد وأنا أحكيلك.
لم تتحرك وهي مازالت تنظر إليها مشدوهة، لتسحبها لين من يدها قائلة:
تعااالى.
بينما إبتسم خالد على تلك الفتاة المجنونة صديقة أخته لين ومديرة مكتبها والتي لم تلقى عليه التحية حتى، ولكنه يدرك أن خلف جنونها قلب طيب مخلص، لذا هو مطمأن تماماعلى أخته لين...

رن هاتفه لينظر إلى الرقم على شاشته ويبتسم بهدوء قبل أن يجيبه قائلا:
إزيك يامؤيد.
إستمع إلى محدثه ثم قال بغموض وهو ينظر إلى لين الجالسة مع صديقتها قبل أن يقول:
الحقيقة أنا رجعت من السفر، وإحنا في المستشفى دلوقتى يامؤيد، هنكتب كتاب ليلة بعد شوية، إيه رأيك تكون شاهد على العقد؟
ليستمع إلى مؤيد قبل أن يبتسم بهدوء قائلا:
تمام، هستناك، هبعتلك العنوان في ماسيدج، سلام.

ليغلق المحادثة وتجرى أصابعه على أزرار هاتفه قبل أن يستمع إلى رنة إرسال الرسالة، ويقرأ على شاشته، لقد تم إرسال الرسالة، بنجاح.

كانت جورية في طريقها إلى المستشفى، تتطلع بضيق إلى الطريق، مازالت غاضبة وبشدة من كلمات جدها الأخيرة لها، والتي طالبها فيها بعدم الرجوع مجددا إلى الوادى، حين صممت على السفر في مثل هذا الوقت المتأخر، لتتذكر كلماته القاتلة آنذاك...
...
غشيت عيونها بالدموع وهي تقول برجاء:.

ياجدى عشان خاطرى إفهمنى، ده كتب كتاب فراس على صاحبتى واللي فهمتك ظروفها وإنها هتسافر الصبح عشان تعمل العملية وفراس عايز يسافر معاها بصفته جوزها، مش هينفع محضرش كتب الكتاب ولا ينفع مشوفهاش قبل السفر.
قال جدها بغضب:
أنا قلتها كلمة ياجورى ومش هرجع فيها، لو سافرتى دلوقتى، إعتبرينى مت ومترجعيش هنا تانى.
قالت جليلة بجزع:
متقولش كدة ياعزيز، إنت كدة بتحطها في إختيار صعب و...
هدر بها عزيز قائلا:.

متدخليش ياجليلة، الكلام بينى وبين حفيدتى، أنا سكت عليكى كتير، لازم تعرفى إن إنتى مش أكتر من أخت مراتى الصغيرة واللي كانت عايشة معانا أيام الله يرحمها ماكانت عايشة، ولما ماتت صعبتى علية ومرضيتش تعيشى لوحدك وخصوصا إنك لا إتجوزتى ولا خلفتى ولا ليكى حد غيرها.

تراجعت جليلة خطوة للوراء في صدمة، بينما أغمضت جورية عيناها بألم ثم فتحتهما على مصراعيهما، تنظر إلى ملامح خالتها الشاحبة في شفقة وقلق، ثم تنظر إلى جدها بلوم وعتاب ليتحاشى نظراتها وهو يشيح بوجهه، قالت جورية بحزن:
خالتى جليلة.
نظرت إليها جليلة وقد خلت ملامحها من أي تعبير، قائلة بهدوء:
أنا جاية معاكى يا بنتي، إستنينى ثوانى.

لتغادر جليلة بخطوات تبدو هادئة ولكن إرتعاشة جسدها كان دليل واضح على بكاءها، ظهر الألم على وجه عزيز وهو يتابعها بعينيه، لتقول له جورية بحزن:
ليه كدة بس ياجدى، حرام عليك، خالتى جليلة متستاهلش منك كدة.
إختفت ملامح الألم من وجه عزيز وإرتسمت القسوة على ملامحه وهو يلتفت إليها قائلا:
إنتى السبب ياجورى، إنتى السبب، أنا بحذرك لآخر مرة، لو مشيتى انتى وهي، مترجعوش هنا تانى.
جاءه صوتها من خلفه يقول ببرود:.

متقلقش، أنا عن نفسى مش راجعة هنا تانى.
لتمشى جليلة بإتجاه باب المنزل بخطوات حازمة، نظرت جورية إلى جدها بخيبة أمل ظهرت على ملامحها قبل أن تتبع خالتها بخطوات منكسرة...

ليبتعدا عن الوادى في ألم، أوصلت جورية خالتها لمنزلها وقد رفضت الحديث مطلقا، تؤجله للغد، وتفضل النوم، لتدرك أن خالتها تبغى الوحدة في تلك اللحظة، فتركتها تلملم جراحها وتهدأ قليلا، وها هي في طريقها للمستشفى، تحاول أن تبعد عن ذهنها كل ضيق وحزن، لتفرح بفراس وليلة، ولتدع الحزن والضيق للغد.

كانت لين تقف مع سها بعد أن بدلا لليلة ثيابها بفستان رقيق، جلست ليلة على السرير بخجل، تبدو السعادة على ملامحها، بينما يقف فراس إلى جانب خالد يتحدثان بهدوء، ليطرق الباب ويدخل مؤيد بإبتسامة هادئة، توقفت دقات قلب لين وهي تتطلع إليه، تجرى عيونها على ملامحه الوسيمة، بينما تجاهلها هو تماما وهو يخاطب خالد قائلا:
ممكن أدخل؟
إبتسم خالد وهو يتقدم منه يرحب به قائلا:
طبعا إتفضل يامؤيد.
قال مؤيد:.

معايا الشاهد التانى.
إتسعت إبتسامة خالد وهو يقول:
خليه يتفضل طبعا.
دخل نبيل لتنظر إليه سها في دهشة، وقعت عيناه عليها في الوقت ذاته، ليظهر الغضب للحظة في عيينه، ثم يتلاشى وهو يسلم على خالد، لتدرك سها أنه غاضب منها، وأن تلك الليلة لن تنتهى على خير أبدا.

قال خالد بإبتسامة:
كدة كله تمام وتقدر تبدأ ياسيدنا الشيخ.
قال فراس بغموض:
لأ لسة، ناقصنا حد.
نظر إليه خالد عاقدا حاجبيه وهو يقول:
مين اللي ناقصنا؟
نظر فراس إلى ليلة التي تعلقت عيناها بعينيه، ليبتسم قائلا:.

حد مكنش ينفع ميكونش موجود النهاردة، وفى اللحظة دى بالذات، حد كان السبب في تعارفنا أنا وليلة، حد أول ما عرف صمم ييجى عشان يبارك لليلة ويهنينى، حد كان لازم يكون شاهد على إتحادنا، وفرحتنا مكنتش بجد هتكمل من غيره.
إتسعت عينا ليلة في سعادة لتنظر إلى فراس غير مصدقة، ليومئ لها برأسه تأكيدا على ذلك الشخص الذي خطر في بالها للتو، لينقل خالد بصره بينهما في حيرة قائلا:
ومين هو الشخص ده؟ وهو فين طيب؟

إتسعت إبتسامة فراس وهو ينظر إلى نقطة خلف خالد قائلا بغموض:
قصدك، مين هي؟
كاد خالد ان يتحدث ولكنه تجمد تماما، حين إستمع إلى صوتها من خلفه، و الذي يعزف على أوتار قلبه، تقول برقة:
مساء الخير على الجميع.
إلتفت خالد ببطئ يطالعها بعينيه لتلتقى عيناها بعينيه في تلك اللحظة ويدق القلبان، بقوة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة