قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

مدقوق بالأوتاد أرضًا بالأربع
أتلوى ألمًا مكتوفًا بالعجز أتضوع
و صراخي يشق فراغي من المنبع
أغلال تنخر رسغاي، آه أتوجع
و قفير يحويني وحدي، أين المصرع
استغاثاتي تتهدج بصوت متقطع
هل من منقذ من هذا السجن المفجع
من هذا الحد القاطع يشق الجسد المتمنع
من تلك النار الشعواء تكوي جنبي المتضلع
من ذاك الجلمود يدثرني بات المهجع
فيا ليتني كنت ترابًا من ذوات الأربع
لا ألوي على شيء من دنيا و لا مطمع.

أيا غربتي المريرة كيف السبيل إلى خلاص فقد جف المدمع
بقلم، ايهاب سليمان.

دخل خالد إلى حجرة الطعام ليجد ليلة ولين جالستان يتناولان طعامهما في صمت، ألقى تحية الصباح بهدوء، ثم جلس يتناول طعامه بدوره في صمت، نهضت لين قائلة بسرعة:
أنا ماشية، سلام.
توقف خالد عن تناول طعامه وهو يقول:
لأ إستنينى يالين، هنروح مع بعض.
هزت رأسها نفيا قائلة:
مش هينفع، انا مش رايحة الشركة، ورايا ميتنج مهم مع عميلة.
قالت ليلة بدهشة:
غريبة اول مرة تقابلى عميلة برة الشركة.
هزتت لين كتفيها قائلة:.

مش غريبة ولا حاجة، بتحصل بس مش كتير، على حسب راحة العميل، ويلا بقى مضطرة أمشى عشان متأخرش، سلام.
قال خالد:
سلام.
غادرت لين بينما نهضت ليلة بدورها قائلة:
أنا كمان همشى، عشان ورايا محاضرة بدرى النهاردة، سلام.
قال خالد بهدوء:
إستنى ياليلة، أنا عايزك، أقعدى.
عقدت حاجبيها بحيرة وهي تعاود الجلوس مجددا قائلة بحيرة:
خير يا خالد؟
تراجع خالد في مقعده وهو يقول:
الحقيقة فيه موضوع مهم عايز أكلمك فيه.

نظرت إليه ليلة ولم تعقب، ليميل إلى الأمام قائلا بحزم:
جورية.
إزداد إنعقاد حاجبيها وهي تقول:
مالها؟
نظر إلى عينيها مباشرة وهو يقول:
مش عايزك تقربى منها، حكايتها خلصت خلاص، وياريت نقفل موضوعها ده خالص.
قالت ليلة بحيرة:
بس أنا حبيتها ياخالد ومش حابة أبعد عنها، أنا بحسها زي لين وسها بالظبط، انت ليه بس عايز تبعدنى عنها؟جورى طيبة أوى ياخالد، صدقنى، دى ملاك والله.

قال خالد في نفسه، أنها لا تحتاج لأن تقسم فهو يدرك بكل قوة أنها حقا تبدو كالملاك، وأن بها براءة ورقة تجذبانه بشدة، لا تحتاج لأن توضح له ما هو واضح فعلا كالشمس، فها هو ينجذب إليها وبشدة وهو لم يلقاها سوى مرتان، يشعر بأنها خلقت له، وهو خلق لها، يجمعهما شئ روحاني لا يتكرر، فهي تجسيد لأحلامه وربما هو تجسيد لأحلامها التي خطتها على ورق، هذا الورق الذي أربكه، أخافه، وجعله يقرر قرارا مصيريا لا رجعة فيه، سيغلق صفحتها للأبد، فلا مكان في قلبه لضعف يجلبه العشق، لا مكان في حياته للمشاعر، حياته قد رسمها بعناية، وداخل تلك الصورة لا مكان لجورية أبدا، والتي بمجرد ظهورها في حياته، جعلت تلك الصورة باهتة ودون ملامح، ليدرك أنه ليستعيد حياته السابقة، يجب أن ينساها، يمحوها من أحلامه وحياته للأبد، ربما لن يستطع أن يقوم بذلك، ولكنه بالتأكيد سيحاول.

أفاق من شروده على صوت ليلة وهي تقول:
بص يا خالد، أنا عمرى ما إعترضت على أي قرار أخدته، وعمرى ما قلتلك لأ على حاجة، بس حقيقى في الموضوع ده مش هقدر، جورية من ساعة ما عرفتها وأنا حسيتها قريبة منى، شبهى، ومش بس كدة، هي غريبة في بلدى وملهاش صاحبات، يمكن أكون أول صاحبة ليها هنا من سنين، ده غير إنها بجد مريضة ومحتاجة حد يكون جنبها وإنت مربتنيش على إنى أتخلى عن حد محتاجلى.
لتنهض مستطردة بحزم:.

بعد إذنك، إتأخرت عن المحاضرة وفعلا مضطرة أمشى، سلام.
تأملها وهي تغادر بهدوء، يدرك أنها على حق تماما، ولكنه كان يود لو أغلق هذا الباب تماما ليرتاح باله، ولكنه ومع الأسف ظل مواربا، ليخشى أن يفتح على مصراعيه ليدخل منه رياح عاتية لا قبل له بها.

أنهت لين إجتماعها مع العميلة وقد إتفقتا على كل شروط العقد، وإتفقتا على إمضاء العقود أيضا في الشركة في اليوم التالى، خرجت من المطعم وإتجهت إلى سيارتها بخطوات رشيقة، ثم ركبت في المقعد الخلفى وهي تمسك هاتفها تقول لسائقها بهدوء وهي تجرى إتصالا بسها:
على الشركة علطول ياعم مختار.
إلتفت إليها السائق قائلا بإبتسامة:
تحت أمرك يافندم.

تجمدت أصابع لين التي تضغط أزرار هاتفها وهي تستمع إلى صوت السائق تدرك أنه بكل تأكيد ليس صوت سائقها الذي تعرفه، وإنما هو صوت آخر تعرفه، تعشقه، وفى نفس الوقت تهابه، يثير الإضطراب في جسدها ويشعل مشاعرها المتناقضة كلية، رفعت وجهها إليه، لتتسع عيناها بصدمة وهي تطالع عيناه العسليتان لتبتلع ريقها بصعوبة وهي ترى إبتسامته الساخرة ليتوجس قلبها خيفة من الآتى، تدرك أن وراء تلك الإبتسامة شئ غير مستحب بالكامل بالنسبة إليها، كادت أن تتحدث ولكن هذا الرذاذ من تلك العلبة في يده والذي إنطلق في وجهها، جعل الرؤية أمامها غير واضحة، أرادت الصراخ، الإستنجاد بأحدهم، ولكن صوتها لم يسعفها، فقد ثقل لسانها وأحاط بها السواد تدريجيا، لتغرق في سبات عميق، ألقى عليها نظرة تأمل فيها ملامحها الرقيقة الهادئة الآن تماما، لتختفى إبتسامته الساخرة تماما وتظلل ملامحه سحابة من الألم، يكره ما سيفعله بها ولكنه مجبر على فعله، يجب أن ينتقم لكرامته الجريحة، يجب أن يخضعها له، ثم سيخرجها من حياته إلى الأبد.

قال فراس بحيرة:
غريبة نزوله فجأة من غير ما ياخد أخته معاه أو حتى يستأذن منكم، ممكن مثلا يكون إفتكر حاجة لما جه البيت هنا؟
هزت جورية رأسها نفيا وهي تقول:
لأ طبعا مستحيل، إنت هتقول زي ما ليلة قالت؟، ما إنت عارف إن حكايتنا كلها كانت هناك، في الوادى، وإنى جيت هنا بعد ما إختفى، يعنى البيت هنا مش ممكن يفكره بحاجة أبدا.

هل فكرت ليلة مثله؟، ياالله، حتى معرفته تلك أسعدته، فقد أصبح كل ما يخصها يسعده حتى لو كان شيئا بسيطا مثل ذلك، يتعجب من إنجذابه الشديد إليها رغم قصر مدة معرفته بها، أفاق من شروده على صوتها وهي تقول بحيرة:
أنا كمان مستغربة نزوله المفاجئ، ومش قادرة أفسره رغم إنى إرتحت كتير لنزوله، وجوده في المكان كان موترنى، كان مخلينى...

توقفت عن الكلام وعيناها تقع على هذا الدفتر الخاص بها، إنها على يقين من أنها لم تضعه على الطاولة الجانبية تلك، بل تركته على الأريكة بعد أن كانت تتصفح رسماتها التي تذكرها بأيامها الجميلة معه، ترى...؟لا، لا يمكن، إن صح ظنها، فماذا ستقول له وكيف ستواجهه، ربما لن تفعل مجددا، بل يجب أن لا تفعل مطلقا.
تابع فراس نظراتها المنصبة على دفتر رسمها ليقول بهدوء أخرجها من أفكارها البائسة:
شافه، صح؟

نظرت إليه جورية قائلة بحزن:
ممكن، وده يفسر نزوله المفاجئ، يمكن فكرنى واحدة مهووسة بيه، أو حس إن فيه حاجة غلط.
قال فراس وهو يرفع حاجبه الأيسر قائلا:
ويمكن إفتكر؟
نظرت إليه جورى للحظة في أمل مالبث أن خاب وظهر الحزن على وجهها مجددا وهي تقول:.

معتقدش، خالد لو إفتكر مكنش نزل بالشكل ده، كان هيواجهنى ومش بعيد ياخدنى في حضنه وتتحول ملامحه الباردة اللي بتقتلنى لملامح حبيبى فهد، يردلى روحى الضايعة منى، غالبا هو إفتكرنى مهووسة بيه، وده يفسر تصرفه الغريب يومها.
اومأ فراس برأسه وكاد أن يتحدث مجددا حين رن جرس الباب ليعقد حاجبيه قائلا:
إنتى مستنية حد؟

هزت رأسها نفيا لينهض على الفور ويتجه إلى باب الشقة ينظر من عين الباب ليرى كيسا أبيضا كبيرا أمامه يخفى ملامح حامله، عقد حاجبيه ثم فتح الباب ليرى ذلك الكيس الأبيض ترفعه حاملته أمام وجهها قائلة بنبرة صوت مرحة خلبت لبه:
الديليفرى جه يافندم، شبيكى لبيكى، ليلة بين...
لتنزل الكيس وتظهر ملامح وجهها الرائعة وهي تقول بإبتسامة واسعة:
إيديكى.

لتتجمد البسمة على شفتيها ثم تختفى وهي تغمض عينيها ثم تفتحهما تتمنى ان يكون هذا حلما وأن من يقف أمامها الآن يراها تلعب هكذا بطفولية، هو شخص آخر غير، فراس.

قالت شاهيناز في عصبية:
مستنتنيش الصبح ليه عشان آجى معاك الشركة؟
تأملها خالد في برود قائلا:
مكنتش فاضى أستنى سيادتك على ما تخلصى، ساعة بتختارى لبسك وساعة في الحمام وساعة أدام المراية، مش عارف إحنا رايحين شغل ولا حفلة.
نظرت إليه في حنق قائلة:
لأ جايين الشركة اللي بقابل فيها عملا كتير، ولازم مظهرى يكون كويس أدامهم.
تجاهل خالد حديثها وهو يغير الموضوع قائلا:.

على فكرة ريم عندها بكرة أول حفلة ليها في المدرسة وطبعا لازم نحضر، ياريت تلغى كل مواعيدك بكرة الصبح، وتتفرغى للحفلة دى، أعتقد إن الحفلة دى أهم من أي حفلة تانية بتحضريها، ولا إيه؟
وضعت يدها على جبهتها قائلة بضيق:
إزاي نسيت بس.
لتنزل يدها وهي تنظر إليه قائلة:
عندى ميتنج مهم بكرة مع شركة السيوفى، ومش هينفع أأجله.
نظر إليها خالد قائلا بلهجة لا تقبل المناقشة:
تلغيه، وجودك جنب بنتك في حفلتها أهم، مفهوم؟

قالت شاهيناز بتوتر:
مش هينفع صدقنى، أنا طلعت عينى، عشان آخد ميعاد مع مديرهم، لأنه علطول مسافر ولو لغيت بكرة، فده معناه إنى هستنى ٣ شهور كمان عشان نحدد ميعاد تانى وده مستحيل، إحنا محتاجين الماتريال دى من عنده في أسرع وقت عشان نخلص الشغل الجديد وإلا مش هنلحق نعرضه في السيزون الجديد.
نظر إليها دون تعبير لثوان، لتشعر هي بالإضطراب، ثم قال بهدوء:.

بالنسبة لى، مفيش حاجة أبدا أهم من بنتي ولا حتى الشغل، مش مهم نعرض الشغل الجديد في السيزون ده، لو معناه متكونيش موجودة مع ريم بكرة، عموما، اللي إنتى شايفاه صح إعمليه، أنا عن نفسى هكون موجود معاها بكرة الصبح.
قالت شاهيناز:
وأنا هحاول أخلص بسرعة وأجيلكم.
تجاهلها خالد وهو ينظر بأوراقه قائلا:
براحتك، تقدرى تتفضلى على شغلك.

لم يعجبها صرفه إياها بهذا الشكل وكأنها عاملة لديه، وليست شريكة له، ولكنها غادرت بهدوء، مغلقة الباب خلفها، ليرفع خالد عينيه إلى هذا الباب المغلق، يتساءل بصمت، لو كانت جورية مكان شاهيناز، هل كانت لتترك إبنتها في أول حفل لها بالمدرسة وتفضل العمل؟، مستحيل، فهي ستكون أم رائعة كما يبدو عليها، نفض أفكاره التي تدور حولها، يرفض إقتحامها الدائم لعقله وقلبه، فلقد إتخذ قراره، وإنتهى الأمر.

قالت ليلة وهي تنهض لتضب الطاولة:
لو كنت أعرف إن أستاذ فراس هياكل معانا كنت زودت الأكل.
قال فراس بإبتسامة:
تزودى إيه بس؟، ده أنا مش قادر أقوم من مكانى من كتر ما كلت وشبعت.
إبتسمت جورية وهي تنهض بدورها تساعد ليلة في ضب الطاولة قائلة:
وأنا كمان، من زمان مكلتش بالشكل ده، الأكل في اللمة حلو أوى، فكرتونى بلمتنا على السفرة في بيت جدى.
قالت ليلة بمرح:.

لأ، مادام الحكاية كدة، أنا أجيب الأكل كل يوم ونيجى ناكل مع بعض بقى.
قال فراس بلهفة:
ياريت.
تلاقت عيناها بعينيه ليختفى المرح من عينيها ويسكن فقط الخجل بين طياتهما، بينما عجز فراس عن مفارقة عيونها وهو يتأمل خجلها بقلب زادت دقاته، لتقطع جورية تلك اللحظات السحرية قائلة:
إيه رأيكم نشرب القهوة في التراث؟، الفيو من هناك يجنن.
إبتسمت ليلة وهي تهز رأسها موافقة، تقول برقة:.

بس انا اللي هعملها، إسبقونى على هناك وأنا هحصلكم.
قالت جورية:
هاجى معاكى عشان اوريكى مكان الحا...
قاطعتها ليلة قائلة بمرح:
متقلقيش هعرف أتعامل، بس روحى إنتى وأقعدى مع فراس، قصدى أستاذ فراس، إنتى لسة تعبانة ومحتاجة راحة.
هل إزداد إسمه جمالا على لسانها أم يهيأ له ذلك؟تساءل فراس وهو يتأمل تلك الجميلة التي كلما عرفها، أدرك أنه يقع في حبها، وبكل قوة.

إستيقظت لين، تفتح عيونها ببطئ، تتأمل محيطها بدهشة، فقد كانت ممددة على سرير، في حجرة فارغة باردة تماما، إعتدلت وهي تمسك الجسر مابين حاجبيها بأصابعها السبابة والإبهام، تشعر بوجع في رأسها، آخر ما تذكره هو وجودها في السيارة مع...

إتسعت عيناها بشدة، تستوعب ما يحدث، لقد إختطفها وأحضرها إلى هذا المكان المقفر، تتساءل برعب عن أسبابه وما الذي ينوى أن يفعله بها، يرتعش قلبها خوفا ممن كانت لا تأمن سوى بجواره ولكنها الآن وبعد فعلته الأخيرة بها وتخديرها ثم خطفها لم تعد تدرى نواياه وخبايا سريرته، لقد تغير حقا، تغير كثيرا، أو ربما كان هكذا منذ البداية وهي فقط لم ترى حقيقته تلك، لقد كانت شاهيناز محقة حين قالت لها كم مخادع قد يستطيع مؤيد أن يكونه.

إنتفضت على صوت مقبض الباب وهو يفتح، ليظهر مؤيد على الباب، ناظرا إليها بوجه خال تماما من المشاعر، إبتلعت ريقها بصعوبة وهي تراه يقترب منها بهدوء، حتى توقف أمامها تماما، ليقول بإبتسامة ساخرة:
نورتى بيتك ياحبيبتى، ياريت الإقامة فيه تعجبك بجد، ما هي لازم تعجبك، لإنك هتنورينا هنا، كتير.
لتتسع عينا لين في، جزع...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة