قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل العاشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل العاشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل العاشر

ظلت تضرب بيديها على فخذيها وهي عاقدة لعصبة ما حول رأسها عل الصداع الذي يعصف بها يهدأ قليلاً، مالت كريمة بجسدها للجانبين تندب سوء حظها بعد أن فشلت خطتها في إتعاس فرح وإفساد حياتها لتنقلب الطاولة عليها وتصبح في موضع الاتهام، اقتربت منها ابنتها حاملة كوبًا به مشروب الليمون البارد لتقدمه لها قائلة:
-اتفضلي يا ماما، اشربيه هايروق دمك ويهديكي
تناولته منها وهي ترد على مضض:.

-ودمي هايروق ازاي وبنت الإيه هتسجني!
ارتشفت منه القليل لتروي عطشها ثم أسندت الكوب على الطاولة المجاورة لها، راقبتها كاميليا في صمت مبدية حزنها بسبب أزمتها القانونية الحالية، تنهدت قائلة وكأنها تفكر بصوت مسموع حينما استمرت أمها في الندب والتحسر:
-احنا قولنالك من الأول يا ماما بلاش السكة دي مع فرح!
ضربت بكفيها معًا وهي ترد بانفعال:
-وأنا إيش عرفني إنها مسنودة من الظابط إياه، أتصرف أنا ازاي دلوقتي؟

لطمت بكفيها من جديد على فخذيها لتردد متحسرة:
-على أخر الزمن يترفع عليا قضايا!
رفعت يديها عاليًا مكملة بحرقة واضحة في نبرتها:
-إلهي ربنا ينتقم منك ويعكنن عليكي عشتك!
عبست كاميليا بوجهها وهي تنهرها بحذر:
-حرام يا ماما، كفاية الله يكرمك، احنا...
قاطعتها كريمة بغضب متعصب:
-بس اسكتي، أنا هاموت منها، لأ وأبوكي منفض دماغه وشال إيده من الموضوع خالص، تقوليش ماصدق يخلص مني
ثم التفتت برأسها للجانب لتبصق هامسة:.

-راجل ناقص بصحيح!
لم تلتقط أذني ابنتها تلك السبة الخافتة فواصلت حديثها المسترسل موضحة بجدية:
-بصي يا ماما، أنا هاقولك على حاجة وأتمنى إنك تسمعيها مني، من الأخر حل الموضوع ده في إيد فرح نفسها، يعني لو احنا كلمناها كده واتفهمنا معاها بالراحة جايز تتنازل ونبقى في غنى عن كل المشاكل والقضايا دي
رفعت كريمة حاجبها للأعلى معلنة عن رفضها الساخط لاقتراحها، هدرت فيها بانفعال كبير موبخة إياها بشراسة:.

-بقى إنتي عاوزاني على أخر الزمن أروح أتذل للبت دي؟ ترضهالي يا بنت أبوكي!
ضغطت ابنتها على شفتيها مبتلعة تعنيفها على مضض قائلة:
-لا ذل ولا حاجة، مش أحسن من البهدلة وقلة القيمة
لكزتها والدتها في كتفها صائحة بزمجرة:
-شوفيلي حاجة غير دي! مش هايحصل أبدًا أروح للبت الفقر دي وأسترجاها!
لوت كاميليا ثغرها للجانب مرددة بيأس:
-خلاص اسألي المحامي وهو يقولك.

نظرت كريمة لها شزرًا قبل أن تعاود اللطم على فخذيها مرددة بنبرة مغلولة:
-منك لله يا بعيدة، أشوفك والعة قصادي!
هزت كاميليا رأسها للجانبين مستنكرة تحامل والدتها عليها رغم كونها المخطئة منذ البداية في حقها، لم تتحمل المزيد فنهضت من جوارها تاركة إياها بمفردها تسبها وتلعنها بحنق أكبر.

لم تصدق استسلامها السريع لتأثيره الطاغي وكأنه يحثها على إدمان عشقه لها بإعطائها جرعات زائدة من حبه اللا محدود لترتشفها باستمتاع عجيب لتغرق أكثر في أبحر غرامه، باتت لحظاتهما الحميمية خالدة وغير قابلة للمحو من الذاكرة، ضمها يزيد إلى صدره بقوة لتنعم بأحضانه ماسحًا بيده الأخرى على بشرتها برفق، طبع قبلة على جبينها وهو يهمس لها:
-بأنسى الدنيا كلها وأنا معاكي.

داعبت فرح صدره العاري بأناملها بنعومة، رفعت رأسها لتحدق في أعينه التي تطالعها بشغف صريح، عبست بوجهها متسائلة بعتاب رقيق:
-طب ليه المعاملة الناشفة دي معايا؟
تنهد قائلاً بهدوء:
-أنا عاوزك تفرقي بين شغلنا وحبنا يا فرح
عقدت ما بين حاجبيها مستغربة رده، اعترضت قائلة بتذمر:
-صعب ده يحصل، أنا مقدرش أفصل مشاعري عن...
قاطعها مرددًا بجدية:
-في شغلتنا دي اتعلمنا نعمل كده، وإنتي المفروض تبقي زيي.

اعتدلت فرح في نومتها لتبتعد عنه قائلة بإصرار:
-مش بالساهل ده يحصل!
كان مقتنعًا باعتقاده الذي يناقض تفكيرها بوضوح، ومع ذلك لم يجادلها كثيرًا، فهو ليس بحاجة إلى إفساد أوقاته المميزة معها، جذبها مجددًا من معصمها إلى أحضانه بقوة فسقطت على صدره، حاصرها بذراعيه هامسًا:
-سيبك من ده دلوقتي، وخلينا أسلم عليكي قبل ما أمشي يا فراشتي.

لم تستطع الإفلات منه فاستندت بمرفقيها على صدره، نظرت في عينيه وهي تسأله بضيق انعكس على تعبيرات وجهها:
-إنت مش هاتفضل معايا؟
أجابها مبتسمًا:
-لأ
تجهمت قسماتها أكثر وهي تضيف بتساؤل عابس:
-طب ليه؟
زفر قائلاً بضيق طفيف:
-فرح إنتي مش مركزة معايا، صعب نكون سوا
استخدمت قوتها لتتراجع عنه متحررة من قبضتيه التي ارتخت عنها لتهتف معترضة:
-وإيه الصعب في ده؟
اعتدلت في جلستها لتتابع بحدة:.

-ما احنا زمان كنا سوا وفي نفس الوحدة وحتى الفرقاطة أنا كنت معاك فيها
لوى ثغره قائلاً بهدوءٍ حذر:
-قبل كده مكونتيش مراتي
قطبت جبينها متسائلة:
-ودي مشكلة؟
رد موضحًا بنبرة عقلانية علها تفهم الغرض من إبقائها بعيدة عنه:
-مش حابب يا فرح حد يفهم وجودك غلط ويفكر بس إني جايبك هنا عشانك مراتي، لأني ساعتها مضمنش هاعمل إيه
بدت غير مقتنعة بمبرره فردت بامتعاض ظاهر على نبرتها ونظرتها إليه:
-للدرجادي.

التقط كفها بيده يداعبه بأصابعه وهو يقول بجدية:
-أيوه، إنتي ماتتصوريش أنا ممكن أعمل ايه
قربه من فمه ليقبله بحنو وهو يطالعها بنظراته التي تعشقها، تنهدت منسحبة من جدالها معه، فحتمًا مهما حاولت إقناعه بالعكس لن يقبل بتواجدها معه، هو حسم أمره وانتهت المناقشة فيه، ابتسم قائلاً ليمحو أثر أي ضيق:
-فراشتي!
ردت بوجهٍ خالٍ من التعبيرات:
-نعم
أكمل بهدوء:.

-رجالتنا في الفندق هنا تحت أمرك، أي حاجة هتعوزيها هتلاقيها مجابة، وكل حاجتك موجودة هنا، أنا خليت شيماء تجهزلك شنطتك وآدم حطها في العربية
ابتسمت قائلة بسخرية:
-ده إنت مخطط لكل حاجة
تجاهل تهكمها الواضح في عبارتها الأخيرة متابعًا بجدية:
-ركزي بس في اللي طلبته منك، قومي بشغلك كصحفية ومصورة، وراقبي الموجودين معاكي
أشاحت بوجهها للجانب لترد ساخرة:
-على أخر الزمن هاتشغلني جاسوسة.

اعتدل يزيد في جلسته ليبدو أكثر قربًا من وجهها الذي أدارته بعيدًا عنه، وضع إصبعيه أسفل ذقنها ليديره نحوه، ابتسم قائلاً بعبثٍ:
-أحلى جاسوسة عندي
مال على شفتيها ليختطف قبلة أخيرة مطولة وعميقة ليبث في أوصالها حبه العاصف فأشعل حواسها وألهب قلبها من جديد، ابتعد عنها ليتأملها فوجدها مغمضة العينين تلهث بخفوت من انحباس أنفاسها، احتضن وجهها براحتيه قائلاً بصوت خفيض:
-هتوحشيني اليومين اللي هاتغيبي عني فيهم.

فتحت عينيها سريعًا لتحدق فيه مصدومة وهي تسأله:
-هو أنا مش هاروح الوحدة
هز رأسه نافيًا وهو يقول:
-لأ، اليومين دول أنا مضغوط ومش هاكون فاضي حتى أهرش
بدا الإحباط واضحًا في نظرتها إليه، لم يكن بيده أي حيلة، فتلك هي طبيعة وظيفته العسكرية، حافظ على ثبات ابتسامته وهو يضيف:
-متزعليش يا حبيبتي!

قبلها تلك المرة من أرنبة أنفها قبل أن يربت على وجنتها برفق، ظلت فرح عابسة الوجه وهو ينهض عن الفراش ليتجه إلى المرحاض، تابعته بأعين مستاءة محدثة نفسها بامتعاض:
-بجد حاجة بايخة أوي!
استغرق يزيد بعض الوقت لكي يغتسل ويعاود ارتداء ثيابه من جديد، ظلت هي متمددة على الفراش حتى انتهى من إعداد نفسه ليقول بعدها محذرًا:
-أتمنى إنك ماتعمليش أي مشاكل هنا لأن زعلي وحش.

رفعت فرح حاجبها للأعلى متعجبة من التحول السريع الذي بات عليه شخصه، فقبل دقائق كان يهيم في وادي العاشقين مادحًا حبهما، والآن هو ذلك الفظ الغليظ الذي يملي عليها أوامره، رمشت بعينيها غير مصدقة أنه يتغير بين لحظة وأخرى، هتفت قائلة باستنكار:
-ده اسمه إيه ده كمان؟
ضبط يزيد من سترته العسكرية ليقول ببرود:
-أوامر يا مدام فرح!

لوح لها بإصبعيه وكأنه يؤدي التحية العسكرية لها وهو يبتسم لها بغرور مستفز قبل أن يتركها بمفردها لينصرف من الغرفة دون أن يتحدث بالمزيد، تلون وجهها بحمرة مغتاظة منه، شعرت أنه يستغلها عن عمد فقط للحصول على متعة وقتية معها، تغلغلت تلك الفكرة في عقلها، نفثت دخانًا من أذنيها هاتفة بحنق:
-ماشي يا يزيد، ابقى قابلني لو ده حصل تاني!

عاد إلى وحدته العسكرية لينزوي بمكتبه هناك ليفكر بجدية في تصرفاته معها، هو يعلم أنه قد بالغ معها بعض الشيء، وربما سينعكس ذلك بالسلب على علاقتهما العاطفية ويوثر عليها نوعًا ما، لكنه كان يأمل أن يجعلها ذلك تتخلى عن أحزانها تمامًا وتنسى ما مضى، تخبطت أفكاره من كثرة إرهاق عقله لوضع كل الاحتمالات في أسوأ الظروف وأفضلها، أخرجه من تفكيره العميق رنين هاتفه المحمول، التفت نحوه ليلتقطه ضاغطًا على زر الإيجاب بعد أن قرأ اسم المحامي يصدح على شاشته، استطرد حديثه متسائلاً:.

-خير يا أستاذ؟
أجابه الأخير بحماس:
-كل خير يا سيادة المقدم، أنا بأطمن حضرتك في إجراءات القضية، جلستين تلاتة بالكثير وهاتكون خلصانة
انتصب في جلسته قائلاً بجدية وقد قست نظراته على الأخير:
-عظيم، عاوزهم يتربوا، ويعرفوا هما غلطوا مع مين
أتاه رده مؤكدًا:
-هايحصل يا باشا
تابع يزيد بسخطٍ وهو يضرب بقبضته المتكورة على سطح مكتبه:
-مش مراتي اللي تتبهدل على أخر الزمن وأسكت عن حقها
-متقلقش يا باشا.

أنهى معه المكالمة قائلاً:
-لو في جديد تاني عرفني
-حاضر يا سيادة المقدم!
ألقى يزيد بعدها بالهاتف بفتور على سطح مكتبه معيدًا ظهره للخلف، وضع يديه أعلى رأسه يضغط عليه بقوة محاولاً التوقف عن التفكير في الانتقام ممن تسبب في حزنها، ولج إليه آدم متأملاً علامات الانزعاج الواضحة عليه باهتمام وهو يسأله:
-إيه الأخبار؟
رفع وجهه في اتجاهه ليتحدث من زاوية فمه قائلاً:
-عادي.

سحب آدم المقعد إلى جوار رفيقه، جلس عليه متسائلاً بجدية:
-فرح كويسة؟
سحب يزيد نفسًا عميقًا زفره دفعة واحدة وهو يرد:
-ايوه، سايبها في الفندق
ابتسم رفيقه مضيفًا:
-زمانتها بتضرب أخماس في أسداس من اللي بتعمله فيها
رد بعبوس ملحوظ:
-خليها تفوق وتركز معايا أحسن
حذره آدم قائلاً بنبرة جادة وهو يشير بعينيه:
-يا خوفي تقلب ب...
قاطعه الأخير قائلاً بلهجة شبه آمرة:.

-سيبك دلوقتي، أنا مش هوصيك تتابعها اليومين الجايين في غيابي، إنت عارف هابقى ملبوخ في الدورة اللي قبل المناورة
أومأ آدم برأسه بالإيجاب مرددًا:
-تمام، دي مرات أخويا، يعني مش محتاجة وصاية
رن هاتف يزيد من جديد فنظر بطرف عينه نحوه ليلمح اسم فرح مضيئًا عليه، نكس رأسه بإنهاك متجاهلاً الرد عليها مما أثار فضول رفيقه الذي سأله بنزق:
-إنت مش هاترد عليها؟
ظل مطأطأ الرأس وهو يقول بفتور:
-لأ.

بدا آدم قلقًا على حال رفيقه الذي لم يكن طبيعيًا بالمرة، تشدق متسائلاً بجدية:
-مالك يا يزيد؟ إنت تصرفاتك غريبة اليومين دول
رفع رأسه ليجيبه على مضض وهو يجاهد للحفاظ على هدوئه:
-مضايق يا آدم، مخنوق من جوايا
-ليه كده؟
أجابه بتشنج شبه ملحوظ وقد احتدت نظراته:
-إنت مش متخيل موضوع الزفت اللي كانت متجوزاه عامل إيه فيا، مخليني عاوز أولع في عيلته كلها
فرك آدم طرف ذقنه مضيفًا بامتعاض:.

-إن جيت للحق طلع عيل، ، لعب عليها صح!
تشنجت تعبيرات وجه يزيد وهو يقول:
-فرح ماتستهلش ده، وخايف عليها من كتر الصدمات تنهار تاني
حذره آدم من مغبة التمادي في تصرفاته قائلاً:
-بس طريقتك معاها ممكن...
رد مبررًا:
-أنا بأرجعها لفرح بتاعة زمان
ابتسم رفيقه مازحًا:
-وإنت الصادق إنت رجعت يزيد بتاع زمان اللي بيشخط وينطر و...
قاطعه مبتسمًا وهو يدفع مقعده للخلف لينهض عنه:.

-سيبها على الله وبينا نروح نرتاح، الأيام الجاية كلها محتاجة تركيز!
-ماشي
قالها آدم وهو يعيد وضع المقعد في مكانه السابق ليتحرك بعدها خلف رفيقه مكملاً معه ثرثرته الروتينية عن العمل المطلوب إنجازه.

ذرعت الغرفة جيئة وذهابًا تجوبها بعصبية واضحة بعد أن تجاهل اتصالاتها المتكررة وكأنها نكرة لا تعنيه شيئًا ليرسخ أكثر في ذهنها فكرة استغلاله لجسدها دون الاكتراث بمشاعرها، استشاط داخلها غضبًا فجلست على طرف الفراش تهز ساقها بعصبية وهي تكز على أسنانها قائلة بوعيد:
-بقى كده يا يزيد، طيب هاتشوف فرح هاتعمل إيه معاك بعد كده.

انتبهت فرح لرنين الهاتف الذي اهتز في يدها من جديد فنظرت له بتلهف معتقدة أنه هو، أصيبت بإحباط مضاعف حينما خاب أملها وكانت المتصلة هي رفيقتها إيلين، ألقت الهاتف على الفراش رافضة الحديث معها، نهضت من مكانها قائلة بعنادٍ:
-أنا مش هافضل كده في مكاني أكل في نفسي، هو مفكرني إيه؟ ده أنا مراته، هاروحله واللي يحصل يحصل!

اتجهت نحو خزانة الثياب تنتقي منها ما ترتديه سريعًا لتذهب إليه وهي مشحونة مقدمًا بغضب يصعب السيطرة عليه...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة