قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر

تأنقت في ثياب شبه رسمية وهي تسير بخطوات متعجلة نحو مدخل الفندق، للحظة شعرت أن هناك أعين ما تراقبها، فالكل يطالعها بنظرات غريبة، حافظت فرح على ثباتها متابعة سيرها السريع حتى بلغت الاستقبال، تسمرت قدماها حينما اعترض طريقها أحدهم قائلاً بجدية:
-أستاذة فرح
نظرت له بنظرة شاملة وهي ترد متسائلة:
-ايوه، في حاجة؟
أومأ برأسه متسائلاً:
-في حاجة ناقصة سيادتك أجيبهالك؟
ضاقت أعينها نحوه وهي ترد بتجهم كبير:
-لأ.

أشار لها بيده متابعًا بابتسامة سخيفة:
-طيب، حضرتك تقدري تتفضلي فوق
ارتفع حاجباها للأعلى معبرة عن اندهاشها مما قاله توًا وكأنه يأمرها ولكن بلغة أكثر تهذيبًا، لوت ثغرها مرددة بصدمة:
-افندم
رد موضحًا بجدية:
-عندنا أوامر تمنع سيادتك من الخروج
صاحت محتجة بانفعال ملحوظ:
-أوامر مين دي إن شاء الله؟
أومأ برأسه قائلاً بهدوء:
-المقدم يزيد جودة
انفرجت شفتاها معلنة عن صدمة أكبر وهي تقول:
-ده بجد؟

كورت قبضة يدها لتضغط على أصابعها وهي تكمل بغيظٍ:
-هو مافيش كلام بيمشي هنا إلا كلامه
تجاهل غضبها الواضح ببرود هادئ وهو يرد بإصرار:
-اتفضلي يا فندم
لوحت بيدها في الهواء صائحة باحتجاج:
-أنا محدش يقولي أعمل ايه
ضبط انفعالاته أمامها مضيفًا بجدية رسمية:
-يا أستاذة دي أوامر عليا، وأنا هنا مطلوب مني أنفذها، فمن فضلك اطلعي ارتاحي فوق ولو ناقصك حاجة احنا هنجيبهالك.

رمقته بنظرات حانقة قبل أن توليه ظهرها وتعود من حيث أتت متوعدة إياه بغيظ:
-طيب يا يزيد، هاتشوف، مش إنت اللي هاتمنعني أجيلك
اتجهت فرح نحو المصعد تضرب زر استدعائه بعنف، سمعت صوتًا يقول من خلفها بجدية:
-مع الأستاذة يا عسكري!
نظرت له من طرف عينها بحدة وقد تضاعف حنقها بداخلها من تصرفات زوجها الرسمية والجافة معها، لكنها لن ترضخ بسهولة لما يمليه عليها.

عادت فرح إلى غرفتها تتمتم بكلمات غاضبة ورغم ما يفعله معها إلا أنه لم يثنيها عن عنادها، وقفت أمام خزانة الملابس تختار وبدقة ما يجعلها تبدو غير مرئية للمتواجدين بالأسفل، فإن كانت محاصرة من قبل رجاله فستستخدم أساليب التخفي والهروب للتسلل من الفندق، وقعت عيناها على كنزة رياضية خضراء ذات غطاء رأس عريض، وكذلك سترة رمادية داكنة ستفيدها في تخبئة وجهها، بدلت ثيابها ببنطال جينز وارتدت الكنزة والسترة معًا، ثم قامت بنثر خصلات شعرها لتحجب جزءًا كبيرًا من وجهها، لفت حول عنقها سماعة حديثة لتبدو كمن يستمع للأغاني أثناء تجوله، طالعت هيئتها في المرآة، وتأكدت من تغيير ملامحها بصورة جذرية، تنفست عدة مرات بعمق لتقدم على الخطوة التالية.

فتحت باب غرفتها بحذر ثم علقت على المقبض بالخارج لافتة رجاءً عدم الإزعاج، تسللت بخفة نحو الممر ومنه إلى الدرج الجانبي، هبطت عليه متعمدة الظهور بمظهر رياضي كامل، وصلت إلى الاستقبال وبقي أمامها فقط اختراق البوابة، استشعرت أنها لن تنجح في مهمتها إن سارت بمفردها، عليها أن تندس وسط مجموعة ما لتتمكن من الخروج، تلفتت حولها بنظرات شمولية باحثة عن الهدف المناسب لاستغلاله، وقعت عيناها على عائلة ما تقضي وقتها بالفندق يستعدون للانصراف، تقوس فمها بابتسامة عابثة، نكست رأسها قليلاً لتضمن تحرك خصلاتها نحو جانبي وجهها، شدت غطاء الرأس للأمام ليختفي جبينها، تحركت فرح بخفة حتى بلغت تلك العائلة وسارت معهم فتمكنت من الخروج دون أن تلفت الأنظار إليها، خدمها في تلك المسألة أيضًا هو ميعاد تبديل ورديات الخدمة، فلم يتعرف عليها أحد.

وما إن تأكدت من ابتعادها عن الفندق حتى وقفت عند الناصية تستقل سيارة أجرة، هتفت بصوت شبه لاهث وهي تشير للسائق بيدها:
-اطلع لو سمحت.

امتثل الأخير لطلبها وأدار سيارته في اتجاه الوحدة العسكرية التي لم تكن تبعد كثيرًا عن الفندق، ظلت محدقة مليًا في الطريق أمامها تتوعد يزيد بالتوبيخ اللاذع لأسلوبه الغير لائق معها وكأنها فرد يعمل تحت إمرته وليست زوجته، حفزت غضبها منه فانعكس على تعبيرات وجهها، توقفت سيارة الأجرة عند أخر نقطة مسموح بالتواجد فيها لتترجل منها بعد ذلك مكملة سيرها نحو الأفراد المتواجدين عند الحاجز المعدني الموضوع أمام البوابة الرئيسية، زفرت فرح بقوة قبل أن تستطرد حديثها:.

-عاوزة أقابل المقدم يزيد جودة
طالعها أحدهم بنظرات حادة متأملاً هيئتها الغريبة وهو يرد بجمود:
-الزيارة غير مسموحة دلوقتي يا ست
ردت بإصرار وهي ترفع رأسها للأعلى في تعالٍ طفيف:
-حضرتك أنا مراته مش حد غريب، ومتواجدة في فندق تبعكم قريب من هنا
نظر لها بقوة قائلاً بعدم اكتراث:
-معندناش أوامر ندخل حد بعد مواعيد الزيارة
أزعجها منعه لها من الدخول أو حتى التواصل معه فهتفت بإلحاح عنيد وهي تقف قبالته بتحدٍ كبير:.

-وأنا مش هامشي من هنا إلا لما أتكلم معاه!
بدت نبرتها نوعًا ما مهددة وهي تضيف:
-فيا ريت تبلغه من فضلك لأنه لو عرفت إني جيت ومادخلتش جايز يعملك مشكلة
استشعر المجند الضيق من تهديدها الضمني فتجنبها ليتداول حديثًا جادًا مع أقرانه للحظات في شأنها قبل أن يعاود القدوم إليها قائلاً بنبرة رسمية:
-استني هنا واحنا هنبعت حد يبلغه.

نظرت إلى حيث أشار بعينيها ثم أومأت برأسها موافقة وهي تبتسم بغرور، اتجهت فرح نحو الرصيف الموازي للحواجز المعدنية الموضوعة لتقف إلى جواره مترقبة خروج زوجها.

تمدد باسترخاء على فراشه بعد أن بدل زيه العسكري ببنطال رياضي أسود و فانلة من نفس النوع لكنها بيضاء أبرزت عضلاته المشدودة، شبك ساعديه خلف رأسه ليغمض عينيه وهو يستمع بعدم تركيز لثرثرة رفيقه الذي يقول:
-احنا نطلع من المناورة دي نقضيلنا يومين فرفشة، نجدد شبابنا كده و...
قاطعه يزيد بصوت شبه ناعس:
-حل عند دماغي خليني أنام
رد عليه آدم بتذمر وهو يحك مؤخرة رأسه الحليق:
-ما أنا زهقان ومش لاقي حد أكلمه غيرك.

تقلب يزيد على جانبه مرددًا بنبرة آمرة:
-روح ارغي مع مراتك
رد رفيقه ساخرًا:
-الشاويش عطية مش هاترحمني أسئلة، وأنا معنديش خلق ليها
زفر يزيد بصوت مسموع وهو يعتدل في نومته قائلاً بتحذير شديد اللهجة:
-بأقولك ايه، أنا...
بتر عبارته مضطرًا حينما سمع تلك الدقات الثابتة على باب غرفته والمصحوبة بقول:
-سيادة المقدم.

نهض عن الفراش طاردًا النوم من جفنيه ليتجه نحو الباب، فتحه متسائلاً بضجر وهو يرمق المجند بنظراته الصارمة:
-في إيه؟
أدى له الأخير التحية العسكرية وهو يرد بحذر:
-أسفين يا باشا على الإزعاج، بس في واحدة مستنياك عند البوابة وبتقول إنها المدام!
شخصت أبصار يزيد مرددًا بعفوية وقد اكتسى وجهه بعلامات مذهولة:
-فرح
حلت تعبيرات الصدمة على قسمات رفيقه الذي وقف خلفه هامسًا بتوجس كبير:
-يا وقعة سودة.

تابع المجند مضيفًا بهدوء ومتحاشيًا التجاوز في نبرته معه:
-احنا حاولنا نمشيها بس هي رافضة يا باشا، حضرتك فاهم إن...
قاطعه يزيد بصرامة:
-أنا جاي وراك، اسبقني
أدى له التحية العسكرية من جديد قائلاً بخنوع:
-تمام يا فندم
انتظر يزيد لثوانٍ حتى انصرف المجند من أمامه ليهدر بعصبية:
-شايف المجنونة
رفع آدم كفيه في الهواء قائلاً بابتسامة مرحة:
-مش أجن منك الصراحة.

ضرب بقبضته بعنف على الجدار متابعًا بغيظ وقد استشاطت نظراته:
-بتخالف أوامري وجيالي هنا
هز آدم كتفيه مبررًا تصرفها الأرعن:
-أكيد وحشتها، شوف قلبها قلب خساية و...
رفع يزيد سبابته أمام وجهه صارخًا بصرامة:
-اسكت
ضغط آدم على شفتيه مانعًا لسانه من التفوه بأي عبارات إضافية متوقعًا ردة فعل عنيفة منه، همس لنفسه بتوجس:
-سترك يا رب، مش هالحق أفرح بطلوعي على المعاش المبكر!

كتفت ساعديها أمام صدرها منتظرة خروجه في أي لحظة وهي تهز ساقها بتوتر ملحوظ، انتبهت لتلك الجلبة البسيطة بالداخل فأرخت مرفقيها والتفتت برأسها نحو البوابة، رأته يظهر لها من خلف البوابة المعدنية فابتلعت ريقها شاعرة بنغصة مزعجة أسفل معدتها خاصة أن تعابير وجهه المتجهمة أوحت بالكثير، استجمعت جأشها لتواجهه بشجاعة، وقف يزيد أمامها يطالعها بأعين مشتعلة يكاد شررها المتطاير منها يحرق من يقف على مقربة منه لعشرات الأمتار، ابتسمت قائلة بتفاخر:.

-عرفت أجيلك!
تحركت خطوة نحوه لتقلص المسافات أكثر بينهما وهي تضيف بتحدٍ خطير:
-أوامرك مامشتش عليا يا سيادة المقدم
كظم غضبه منها متسائلاً بصوتٍ متشنج:
-جاية هنا ليه؟
نظرت مباشرة في عينيه دون أن يرتد لها طرف وهي تسأله بحنق:
-عاوز أفهم عملت فيا كده ليه؟
رد متسائلاً بجمود وقد احتدت نظراته نحوها:
-قصدك إيه؟
أجابته بنبرة ذات مغزى وهي تشير بعينيها:
-عن اللي حصل في الفندق
نظر لها بازدراء قائلاً:.

-وده يستدعي إنك تسيبيه؟
أجابته بحدة وقد تشنج جسدها من الانفعال:
-ايوه، ما هو أنا مش واحدة لاقيها في الشارع تاخد غرضك منها وتعاملها ميري
أزعجه ارتفاع نبرتها أمام المتواجدين على مقربة منه، قبض على ذراعها ليسحبها بعيدًا عنهم وهو يحذرها بشراسة رغم انخفاض نبرته:
-مش وقت الكلام ده هنا
انتزعت ذراعها من يده بقوة وهي ترد متسائلة بعصبية:
-ليه؟ بيجرحك؟
لهثت أنفاسها وهي تضيف بنبرة مختنقة ملوحة بذراعها:.

-أنا زيك حرقني أوي اللي عملته معايا
باغتها بالإمساك بها من معصمها ضاغطًا عليه بقوة، كز على أسنانه يحذرها بصرامة:
-فرح، اتعدلي في كلامك وأرجعي الفندق دلوقتي
كتمت ألمها ولم تحاول إظهاره أمامه، ردت بعناد:
-لأ مش هامشي!
سحب يزيد نفسًا عميقًا ليسيطر به على عصبيته قبل أن تخرج الأمور من يده، لكنها تعمدت الصراخ قائلة لتضاعف من اشتعاله داخليًا:
-طالما قصدت تجيبني هنا وتشغلني يبقى ماتستغلنيش.

تلفت حوله ليجد الأعين تراقبه دون تدخل منهم، استفزته حينما تابعت بحنق:
-أنا مش جارية عندك تقضي معاها وقت وترميها وتمشي
برزت حدقتاه المتقدتان غضبًا وهو يصرخ بقوة:
-فرح!
احتدت نبرتها أكثر وهي تكمل بطيش دون اكتراث بتبعات ما تتفوه به:
-فاكر إن بكده أثبت رجولتك
شدد من قوة ضغطته على رسغها هاتفًا من بين أسنانه:
-بلاش تخليني أتهور
نظرت له بغيظ وهي ترد:.

-هاتعمل إيه يا باشا؟ فاكر إني هاخاف منك، لأ، إنت مش عارفني كويس، أنا ممكن أهد المعبد على اللي فيه
ذكرته نبرتها تلك بنفس التهديدات السابقة لطليقته هايدي وطريقتها في استفزاز رجولته وإشعاره بالاحتقار والدونية، ناهيك عن تعاليها المفرط وتلميحها الصريح بإفساد حياته، أظلمت عيناه قائلاً بغموض مخيف:
-يبقى إنتي الجانية على نفسك!

تعقدت تعبيراتها محاولة تخمين المقصد من وراء تهديده المريب، جذبها يزيد من رسغها ليسحبها معه نحو البوابة، قاومته قدر استطاعتها لكنه استدار بجسده نحوها لينظر لها بأعين مخيفة، شعرت بدقات قلبها تصم أذنيها، ومع ذلك حافظت على ثباتها، سألته بنبرة شبه مرتجفة:
-إنت بتعمل إيه؟
رد بشراسة:
-اللي المفروض يتعمل!

أمسك بغطاء الرأس المتدلي من سترتها وجذبه على وجهها ليخفي معظمه ثم لف ذراعه حول عنقها ليتمكن من تكميم أنفها، لم تتمكن فرح من الصراخ من حركته المفاجئة تلك والتي لم تتعدَ ثوانٍ معدودة، قام بإحناء رأسها للأسفل مستخدمًا قوة ذراعه لتبدو كمجرم يتم تقييد حركته وهو يجر قسرًا في المخفر، لم تستطع الإفلات منه، شعرت بالظلام يغلف أعينها، وأجبرت على السير معه دون أن ترى شيئًا أو حتى تتمكن من الصراخ، بدت مقاومتها له معدومة، قبض على معصمها الأخر وضمه إلى صدرها ليقوم بتكتيفها جيدًا فلا تجد أي فرصة للخلاص منه، تفاجأ الجميع بما يفعله وقبل أن يبادر أحد بسؤاله هدر عاليًا:.

-سجل عندك يا عسكري، الأستاذة هربانة من الوحدة بدون تصريح، وهتتحول فورًا للتحقيق والحبس!

صدمت مما قاله وحاولت التملص منه والصراخ لكنه شل حركتها تمامًا، وجرجرها معه نحو الداخل متوعدًا إياها بعقاب رادع مدعيًا فرارها، كان بالفعل من يراه وهو يسحبها معه يعتقد أنه مجند قد تسلل خلسة دون أن يحصل على إذن من قائده فتم الإمساك به، أفسح له المجندين المجال ليمرق دون أن يعترضوا طريقه فيما عدا آدم الذي هتف مشدوهًا:
-بتعمل إيه يا يزيد؟
رد بصرامة وقد تصلبت قواه أكثر على جسدها المستميت في مقاومته:.

-مالكش فيه
نظر آدم إلى فرح التي تتلوى بكامل جسدها للتخلص منه وهي تحاول الصراخ مستشعرًا كارثة ستحدث بكل المقاييس إن لم يتدخل على الفور ويمنعها، توسله قائلاً برجاء:
-طب اهدى بس، اللي بتعمله هنا...
قاطعه يزيد بقوة وقد قست نظراته:
-أنا هاتعامل ميري مع المدام!
سأله بذعر وقد اتسعت مقلتاه:
-هتعمل فيها إيه؟
رد بغموض أفزع فرح المحاصرة بين ذراعيه:
-عقوبة اللي بيهرب من خدمته إيه يا باشا؟
ابتلع آدم ريقه قائلاً:
-الحبس.

هز يزيد رأسه بالإيجاب وهو يؤكد بنبرته الجامدة:
-بالظبط
رمش آدم بعينيه غير مصدق لما ينتوي رفيقه فعله في لحظة انفعال طائشة، هتف متسائلاً بصدمة:
-إنت بتكلم جد؟ هتحبس مراتك هنا؟ يزيد اعقل ده اسمه جنان و...
قاطعه بجمود شرس:
-تستحمل بقى!
وضع آدم قبضتيه على ذراعي رفيقه محاولاً تخليص زوجته منه وهو يقول:
-أنا مش هاسيبك تعمل كده.

اضطر يزيد أن يرخي قبضته عن معصم فرح ليتمكن من دفعه بشراسة من كتفه وهو يهدده بصيغة آمرة:
-ابعد يا سيادة المقدم بدل ما تاخد جزا فيها
استغلت فرح تلك اللحظة لتضربه هي الأخرى بكوعها في صدره بكل ما أوتيت من قوة لتسبب له الألم، نجحت في التحرر منه مستعينة بمساعدة آدم للإمساك به، تحول يزيد لكتلة من الغضب المستعر حينما رأها تفلت منه، هدر بها باهتياج:
-فرح!

استعادت زمام نفسها واستدارت بجسدها لتركض هربًا منه، شحذ قواه ليدفع رفيقه بعنف للخلف ليتمكن هو الأخر من الركض خلفها، لم تسعفها قدماها المرتعشتان في الهروب منه إلا لعدة أمتار، لحق بها يزيد وألقى بثقل جسده عليها ليطرحها أرضًا، ارتطمت رأسها بقوة بالأرضية الصلبة مما سبب لها جرحًا في جبينها وبعض السجحات في بشرتها، بالإضافة إلى ارتجاجة عنيفة عصفت بها، تأوهت متألمة بشدة وتكورت على نفسها، فعند تلك النقطة تحديدًا استنفذت قواها بالكامل ولم تستطع تعبئتها من جديد ضده مستسلمة لما سيفعله بها.

أطبق يزيد على مؤخرة عنقها بيده، وباليد الأخرى قبض على كتفها، جذبها من أسفل ذراعها ليجعلها تنهض قائلاً لها بحنق:
-بتجري مني يا فرح!
ترنحت في وقفتها المقيدة ونظرت له بأعين زائغة وهي ترد:
-اعمل اللي إنت عاوزه، مش فارقة
رد بحنق أكبر وهو يجرها معه:
-يعني مش همك؟
وقف آدم أمامهما يعترض طريقهما من جديد وهو يقول بضيق:
-اهدى شوية، كده بهدلت مراتك معاك، مايصحش يا يزيد!
رد بزمجرة قوية:
-أل يعني فارق معاها، دي...

أمعن آدم النظر في ملامح وجهها التي تلوثت بدماء جرحها، هتف مقاطعًا بتلهف:
-استنى بس، وشوف وشها الأول
ثم أخفض نظراته نحو وجهها ليسألها باهتمام وهو يتفقده بدقة:
-فرح إنت كويسة؟
أومأت برأسها إيجابًا دون أن ترد، في حين ضغط يزيد على كتفها هاتفًا بنفاذ صبر:
-مبسوطة دلوقتي بنفسك؟!
ردت عليه بخفوت وهي تنظر له بنصف عين مهددة:
-هاشتكي عليك لنقابة الصحفيين!
نظر لها بأعين محتقنة من ردها الجريء صائحًا بحدة:.

-دي لسه بتأوح، عاوزني أسكتلها؟
هتف آدم مازحًا وهو يشير بقبضة يده المتكورة:
-هي دي روح الرياضية، مغلوبين ومكملين!
تجمدت أنظار يزيد على رفيقه الذي يستخف بالأمر كثيرًا، توعده قائلاً بغلظة:
-هنتحاسب على ده بعدين يا آدم!
اكتفى الأخير بالابتسام المرح وهو يرد ساخرًا وماسحًا على رأسه عدة مرات:
-شكل جوزك مش هايدورني مكتب، مش بعيد يوديني مجاهل أفريقيا، جايلك يا جلبرتو...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة