قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني عشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني عشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني عشر

جرجرها إلى مكتبه بخطوات سريعة نسبيًا فتعثرت لأكثر من مرة في مشيتها، لم يشفق بها بسبب غضبه الأعمى الذي كان مسيطرًا عليه وقتها، ظلت محتفظة بتعبيراتها المتجهمة كنوع من الرد على أسلوبه الفظ والحاد في التعامل معها، فلا يحق له بأي حال من الأحوال إهانتها بتلك الطريقة والتعامل معها بكل ذلك العنف خاصة أمام الغرباء، شعرت لوهلة أنه أهدر كرامتها، أنه أساء إليها بشدة، دفعها يزيد إلى داخل غرفة مكتبه قائلاً بنبرته الآمرة:.

-اترزعي هنا
ردت فرح بتذمر مبدية استنكارها لطريقته الفجة:
-نقي كلامك معايا شوية، اسمها اتفضلي اقعدي
نظر لها بأعين ملتهبة وهو يقول مغتاظًا:
-هنبدأ تاني؟
تدخل آدم بينهما قائلاً بنبرة شبه عالية ومستخدمًا ذراعيه في الإشارة:
-تايم أوت! كفاية خناق بقى الله يكرمكم فرجتوا كل اللي في الوحدة علينا.

كان محقًا في ذلك، ففي لحظة تهور هوجاء استخدم رفيقه أسلوب عدم التفاهم والحدة مع زوجته ثأرًا لرجولته المهانة منها حتى وإن لم تقصد ذلك، تبادل الجميع نظرات مزعوجة وتحمل الكثير، جلست فرح على الأريكة الجانبية مطلقة آنات خافتة وهي تتحسس فقرات ظهرها وجانبها بيدها، اتجه يزيد نحو الخزانة المجاورة لمكتبه باحثًا عن شيء ما بداخل ضلفتها، لم يجد ما يريده بها فالتفت إلى رفيقه قائلاً:
-خليك معاها لحد ما أرجع.

حرك آدم رأسه بالإيجاب قائلاً:
-تمام
انتظر للحظات حتى انصرف من الغرف فاتجه نحو فرح وجثى على ركبته أمامها ليتأمل وجهها وهو يسألها باهتمام:
-إنتي كويسة؟
رفعت أعينها المغتاظة نحوه قائلة بسخط:
-بعد اللي عمله فيا صاحبك أكيد لأ!
ضغط على شفتيه متمتمًا بأسف:
-ألف سلامة، معلش، هو ميقصدش!
أعادت فرح رأسها للخلف لتضيف بامتعاض:
-مش معقول تكون دي طريقة واحد عاقل!
وافقها الرأي قائلاً:
-معاكي حق.

تحسست جبينها متابعة باستنكار شديد:
-بقى عاوز يحبسني أنا مراته؟ لأ وكمان يجرجرني زي المجرمين بالشكل ده!
رد عليها آدم بحيرة وهو يعتدل في وقفته:
-والله أنا ما فاهم طريقته دي، بس للأمانة وعلى حسب كلامه معايا هو عاوز يخرجك من بوتقة الأحزان اللي كنتي فيها، يعني يعطف ويلطف وكده يعني.

نظرت نحوه تطالعه بنظرات غريبة متعجبة مما قاله، فلا يعقل أن تكون تلك هي الطريقة المثلى للتعامل مع ما تمر به من أزمة نفسية أو حتى مشكلة مستعصية، ليس العنف والشدة هو الأسلوب الأمثل لإخراجها مما تعانيه، كان عليه أن يكلف نفسه ليبحث عن أسلوب أخر أكثر ملائمة عن ذلك الذي يجيده، هتفت محتجة على أسلوبه المتجاوز:
-بذمتك ده شكل واحد عاوز يخرجني من بوتقة الأحزان؟
رد آدم مازحًا وهو يبتسم لها:.

-ولا بئر الحرمان وحياتك، ده واحد مجنون عاوز يدفنك بالحيا اسأليني أنا
كتفت فرح ساعديها أمام صدرها لتعبس أكثر بوجهها وهي تقول:
-يا ريته حتى بيتفاهم معايا كويس، ده كان ناقص يهرسني تحت إيده
حك آدم طرف ذقنه مبررًا تصرفه العنيف:
-هو ماشي بمبدأ لا يفل الحديد إلا الحديد!
-ده مش أسلوب مقبول خالص
-أي حاجة تقوليها أنا موافق عليها
سحبت فرح نفسًا مطولاً لفظته مرة واحدة قائلة بعدها بامتنان:.

-عمومًا أنا عاوزة أشكرك على اللي بتعمله معايا، إنت صاحب جدع
تحرج من إثنائها عليه هاتفًا:
-على إيه يا ست الكل، إنتي زي أختي، وده واجبي!
انحنى قليلاً نحوها ليضيف برجاء:
-مش عاوزك بس تزعلي ولا تضايقي منه، إنتي أعقل من كده بكتير، وبعدين يزيد مش غريب عليك، المخ الصعيدي لما بيقفل بيبقى صعب شويتين
هتفت مستنكرة بضيق:
-يعني حلال ليه اللي عمله فيا؟
رد بحذرٍ:.

-أنا مش بأدافع عنه والله، وعارف إنه غلطان، بس نيته خير، صدقيني!
-مش ده الأسلوب، بلاش تبررله
عاد يزيد إلى غرفته مجددًا حاملاً في يده علبة صغيرة خاصة بالإسعافات الأولية فتوقف كلاهما عن الحديث، مرر أنظاره المحتدة عليهما متسائلاً بتجهم:
-بتقولوا إيه؟
أجابه آدم بهدوءٍ:
-أنا بأطمن عليها، مش إنتي تمام يا فرح؟
هزت رأسها بالإيجاب وهي ترمق زوجها بنظرات متحدية:
-أه تمام.

حدجها بنظرات نارية وهو يقترب منها ليدفع بكتفه رفيقه للخلف قليلاً مرددًا:
-تممتوا على بعض خلاص، وسع شوية!
أشار له آدم بيده قائلاً بابتسامة لطيفة:
-اتفضل يا باشا، ده مكتبك، أنا ضيف عندك
تحرك بعدها ليقف بالقرب من عتبة الباب مراقبًا من بالخارج، أشاحت فرح بوجهها بعيدًا عنه متجاهلة عن عمدٍ التطلع إليه، جثى يزيد على ركبته لينظر إليها بضيق وهو يأمرها:
-وريني وشك
هزت كتفيها رافضة باقتضاب:
-لأ
حذرها قائلاً بصلابة:.

-فرح!
التفتت ناحيته مضطرة لتقول بانزعاج واضح عليها:
-إيه وشي وأنا حرة فيه!
وضع يزيد يده على فكها ليثبته أمام أعينه التي بدأت في تفحص ما به من خدوش وجروح سطحية، حلت ذراعيها لتمسك بقبضته، حاولت إبعاد وجهه لكنه شدد من قبضته عليه هامسًا من بين أسنانه المضغوطة:
-اركزي معايا
عبست أكثر وهي تقول بصوت خفيض:
-مش عاوزة منك مساعدة
رفع حاجبه للأعلى هامسًا بصرامة:
-فرح، أنا قولت إيه!

اختلس آدم النظرات نحوهما مستمتعًا بحالة الشد والجذب بينهما قائلاً بمرح:
-يا سلام! هو في أحسن من كده معاملة، ميري!
زفر يزيد بصوت مسموع وهو يقول على مضض:
-متزعليش
حدجته بنظرات حادة قائلة بغيظٍ:
-بجد؟ مزعلش، بعد البهدلة دي كلها، ده إنت مسحت بيا البلاط
ضغط على شفتيه متابعًا بندمٍ:
-أنا أسف يا ستي، عارف إني كنت تور معاكي!
لوت ثغرها مرددة بتأفف:
-كويس إنك عارف نفسك
حاول يزيد الابتسام متابعًا:
-خلاص بقى، متزعليش.

عبست فرح أكثر مرددة بتوبيخ حاد:
-أبدًا مش مسمحاك، بقى أنا تعاملني زي...
قاطعها قائلاً بابتسامة عذبة:
-حقك عليا!
ثم نهض من مكانه لينحني عليها وهو يحتضن وجهها بين راحتيه مكملاً:
-وأدي راسك أهي
جاهدت لتتملص من قبلته التي يريد طبعها على جبينها هاتفة باحتجاج:
-لأ إبعد، مش عاوزاك...
كركر آدم ضاحكًا وهو يقول مداعبًا:
-جوز كناري يا ناس، تتحسدوا يا خواتي!

التفت يزيد بوجهه نحوه محدجًا إياه بنظرات قوية ومحذره، أردف قائلاً بلهجة آمرة:
-دور وشك الناحية التانية يا آدم!
لوح له بكف يده مازحًا:
-تمام، اعتبروني ضرير معاكو، مش شايف حاجة!
أدار آدم وجهه للناحية الأخرى وابتسامة عريضة تغزو محياه، لكن تحولت تعبيراته في ثانية للتوتر والقلق حينما لمح قائد الوحدة قادمًا من على بعد في اتجاه غرفة المكتب، هتف بلا وعي وقد سيطر عليه الارتباك:.

-أوبا، روحنا في الكازوزة، الباشا بنفسه جاي علينا
رفع يزيد رأسه في اتجاهه متسائلاً بجدية بعد جملته المبهمة تلك:
-في إيه؟
أجابه وهو يبتلع ريقه بتوجسٍ:
-قائد الوحدة بسلطاته ببابا غنوجه، أما أروح أجهز مخلتي، أنا عارف مش مكتوبلي أكمل هنا السنادي!
للحظة طرأ ببالها استغلال تلك الفرصة في تهديد يزيد نظير ما ارتبكه في حقها من مذلة، اعتلى ثغر فرح ابتسامة ماكرة وهي تقول بجرأة:
-تحب أقوله عليك؟

نظر لها مليًا مستشعرًا عزيمتها على فعل ذلك، لم يمانعها قائلاً:
-اللي يريحك، مش هاقولك لأ، أنا كنت غبي معاكي
بادلته نظرات غامضة لم يستطع تفسيرها لكنه كان يأمل أن ترفق به وتعفو عن تجاوزه العنيف معها، نهضت بحذر من جلستها لتقف قبالته ترمقه بتلك النظرات المقلقة، اشتد جسده وانتصب في وقفته حينما سمع آدم يردد بنبرة رسمية:
-تمام يا فندم
مرر قائد الوحدة العسكرية أنظاره على من بالغرفة متسائلاً:.

-خير يا سيادة المقدم
تجمدت أعينه على الواقفة إلى جوار يزيد فتساءل بجدية:
-مين دي؟
رسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها وهي تجيبه بصوت خافت:
-أنا فرح عبد الحميد، صحفية و...
قاطعها يزيد مضيفًا بصوتٍ جاد وهو يشد من كتفيه:
-دي المدام يا فندم
التفت القائد برأسه نحوه ليسأله باهتمام:
-وبتعمل ايه هنا دلوقتي؟
أجابته فرح دون تردد وقبل أن يبادر زوجها بالتفوه بأي شيء:.

-أصل أنا عملت حادثة في مكان قريب من هنا وكلمت جوزي عشان يلحقني
نظر لها متعجبًا من تلك الكذبة التي اختلقتها من أجله، شعر بالإطراء لكونها قد تغاضت عن تهوره الأهوج، تابع موضحًا:
-هي يا باشا محررة عسكرية واخدة تصريح عشان تتابع أخبار المناورة والإشراف على طاقم المراسلين العرب
عاود التحديق في هيئتها الغير مهندمة، فتوجس خيفة أن يكشف أمره فهتف بنزق:.

-بأعتذر يا فندم إني استضفتها من غير ما أبلغ سيادتك، هي في الأساس أعدة في الإمداد والتموين و...
أضافت فرح هي الأخرى لتدعم حديثه:
-أنا كلمته بدون ما أفكر وكان ده أقرب مكان ليا
تنحنح يزيد مرددًا بخشونة:
-أسف يا باشا
رد عليه القائد بنبرته الهادئة:
-هنتكلم في ده بعدين يا سيادة المقدم، ألف سلامة يا مدام
أومأت فرح برأسها قائلة بلطف:
-ميرسي
سألها القائد مجددًا باهتمام مشيرًا بيده:
-مافيش حاجة خطيرة؟

هزت رأسها نافية وهي تقول:
-لأ، أنا بخير
لوح بكفه متابعًا بنفس الصوت الهادئ:
-تمام، سلامتك مرة تانية
اتسعت ابتسامتها قليلة وهي تضيف:
-ميرسي أوي لذوقك
لف القائد ذراعيه خلف ظهره ليشبك كفيه معًا قائلاً بجدية:
-وصل المدام لما تخلص، مايصحش ترجع لوحدها
رد عليه يزيد بخنوع تام:
-حاضر يا فندم، وشكرًا لسيادتك على تفهم حضرتك وسعة صدرك
حرك قائده رأسه بإيماءة خفيفة ثم استدار ناحية آدم ليقول بصيغة آمرة:.

-سيادة المقدم آدم عاوزك برا
انتصب الأخير أكثر في وقفته قائلاً:
-تحت أمرك يا باشا
انتظرت فرح خروج الجميع من الغرفة لتلتفت إلى زوجها الذي استرخى في وقفته قائلة بغرور:
-كان ممكن أشتكي عليك للريس بتاعك، بس صعبت عليا
رمقها بنظرات حادة فتابعت بغطرسة أكبر:
-وشكله صعب يعني ممكن مايعديش اللي حصل ده بالساهل و...
أزعجه تماديها في الأمر فقاطعها قائلاً بامتعاض:
-تحبي أناديهولك تبعبعي معاه باللي انتي عاوزاه؟

استنكرت تلك الكلمات السوقية التي يستخدمها في الحديث معها مرددة:
-أبعبع؟
رد على مضض وقد تعقدت ملامحه:
-ايوه، تلكي معاه، عشان نبقى خالصين!
تنهدت قائلة بإرهاق:
-لأ، الطيب أحسن
نظر لها بغيظ دون أن يضيف المزيد، ثم أكمل جمع الأدوات الخاصة بعدة الإسعافات الأولية ليضعها في أحد الأدراج بالخزانة، دنا من فرح ليمسك بها من ذراعها فتأوهت من الألم مرددة بعتاب:
-آه، بالراحة شوية.

أرخى أصابعه عنها لتسير أمامه بخطوات متمهلة وهو يتمتم بصوت خفيض:
-ماشي يا فرح!
توقفت عن السير لتستدير نحوه فجأة وهي تقول بضيق:
-اتفضل قولي دلوقتي شكلي هيبقى عامل ازاي قصاد عساكرك اللي بهدلتني قدامهم؟ محدش بعد كده هيحترمني!
رد بقوة وقد قست نظراته:
-محدش يقدر يفتح بؤه عنك
لوت ثغرها قائلة بتهكم:
-مش لازم يقولوا قدامك يا سيادة المقدم.

مد يزيد يده ليتلقط كفها، نظرت له بحدة وقد انزوى ما بين حاجبيها بسبب حركته المباغتة تلك، احتضن يدها بين راحتيه ضاغطًا عليها برفق، تنهد بصوت مسموع قائلاً بندم:
-فرح، أنا غلطت، وبأعترف بده، شوفي إيه الترضية اللي تعجبك وأنا مستعد أعملهالك
-ممممم
رفع حاجبه للأعلى محذرًا:
-بس يعني ماتفتحيش على الرابع!
سحبت يدها من كفيه قائلة بجدية:
-والله أنا حرة!
هز رأسه بتفهم وهو يحك مؤخرة عنقه، تابع مضيفًا:.

-طيب قبل ما أنسى المحامي طمني على قضيتك
نظرت له فرح باهتمام فأكمل مبتسمًا بثقة:
-وقريب أوي هاجيبلك حقك
شبكت ساعديها أمام صدرها لتمط فمها بعدها وهي تقول:
-أوكي
فتح يزيد راحته أمامها متسائلاً بابتسامة عذبة:
-ممكن إيدك لو سمحتي؟
تراجعت خطوة للخلف متسائلة بقلق طفيف:
-ناوي تكسرها؟
ضحك بخفوت وهو يجيبها:
-لأ، هامسكها بس.

بامتعاض واضح على تعبيراتها المشدودة أرخت ساعديها ليتمكن هو من احتضان كفها بأصابعه، سارت إلى جواره بخطوات متمهلة حتى اقترب من البوابة الرئيسية حيث يحرسها عدد من المجندين، تعمد التحديق في وجوههم التي تطالعهما في صمت وهو يرفع كف يدها إلى فمه ليقبله بودٍ، أبعدوا أنظارهم بحرج منه، بينما تفاجأت فرح من فعلته تلك، برزت مقلتاها المصدومتان بوضوح وهي تسأله بعدم تصديق:
-إنت عملت إيه؟

رد مبتسمًا وبنبرة عالية قصد بها أن تصل إلى مسامعهم:
-أنا أسف يا حبيبتي، كانت مفاجأة حلوة منك، وأنا فهمتك غلط!
وكأنه يتعمد استعادة كرامتها التي أهدرها أمامهم بالاعتذار الصريح لها دون أن ينتقص ذلك من مكانته شيئًا، فإن عَلَى شأنه وأخطأ في تصرفه، فيجب عليه أن يبدي أسفه لمن يستحق ذلك ولن يقلل من قدره مطلقًا، تمنى فقط في نفسه أن يكون قد أصلح ما أفسده بسبب طيشه وألا تحمل في قلبها أي ذرة ضغينة نحوه...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة