قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث عشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث عشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث عشر

وقف كلاهما بجوار البوابة الخاصة بالوحدة العسكرية في انتظار مجيء آدم بسيارته، ورغم وجود الصمت بينهما إلا أن لغة العيون وحدها كانت كفيلة بالتعبير عن مكون حبهما العميق، قطع حبل تأملهما صوت تلك السيارة الصغيرة التي مرقت من البوابة، حدقت فيها فرح باستغراب، فلم تكن سيارة زوجها بل إحدى السيارات الصغيرة التابعة للجيش –ذات اللون الأبيض- والتي تعرف فيما بين الأفراد بالاسم الدارج نيفا، فرك يزيد مؤخرة رأسه وهو يتساءل مستفهمًا:.

-فين عربيتي؟
أجابه آدم بهدوء وهو يطل برأسه من النافذة الضيقة:
-الفرد نايمة على الأرض، فقولت أتصرف!
دنا منه حتى بات قبالته، هتف باستنكار وقد امتعض وجهه:
-ملاقتش إلا النيفا
غمز له رفيقه قائلاً بابتسامة متسعة:
-فرصة عشان تاخد مراتك في حضنك
لمعت عيناه بوميض خبيث وهو يدير رأسه في اتجاهها متمتمًا بخفوت:
-تصدق!
عاد يزيد إلى زوجته ليقول بابتسامة غير مريحة:
-يالا يا حبيبتي.

أشارت فرح بسبابتها نحو السيارة الصغيرة متسائلة بتهكم:
-وهو أنا هاركب الكوباية دي؟
أجابها يزيد بفخر واضح عليه:
-دي أحسن وسيلة مواصلات!
بينما أضاف آدم بغرور واثق وهو يحاول إخفاء بسمته:
-ايوه، مجبناش زيها، ده حتى اللي اخترعها مات مشلول من فرحته بيها
نظرت إليهما بحدة ثم وضعت يدها على منتصف خصرها لتسأل بجدية:
-واحنا هنقعد فين؟
أجابها آدم مازحًا:
-هنطلع بالدور التاني قريب، احنا رمينا الأساسات ومستنيين التراخيص.

زوت ما بين حاجبيها مستنكرة ما يقول فأكمل بحذرٍ:
-معلش قضيها زي ما يكون
أمسك يزيد بكف يدها ليسحبها منه قائلاً:
-تعالي يا فرح، إنتي هاتقعدي على رجلي
توردت وجنتاها من مجرد طرحه للفكرة، شعرت بدقات قلبها تتسارع بحرجٍ من تنفيذه لذلك، لهذا هزت رأسها نافية وهي تقاومه مبدية اعتراضها بتبرم:
-لأ مش هاينفع، أنا ممكن أمشيها عادي و...
قاطعها يزيد بنبرة جادة:
-ممنوع أصلاً نتواجد بالزي العسكري برا الوحدة.

زفرت باستياء فهي لا تريد أن توضع في موقف حرج مثل ذلك، خاصة في وجود رفيقه، هتفت مرددة باحتجاج مستخدمة ذراعها في الإشارة:
-طيب والمفروض نعمل ايه؟ إنت مش شايف هي صغيرة خالص وأنا...
رد آدم مقاطعًا بنبرة عالية:
-نسع بعض يا جدعان، مافيهاش حاجة يعني، اعتبروها مكروباص، خمساية وهنوصل
أشار يزيد بعينيه لزوجته قائلاً برجاء لطيف:
-يالا يا حبيبتي، أهي أي حاجة توصلنا والسلام، مش هنتخانق على دي كمان.

عضت على شفتها السفلى في ارتباك ملحوظ، ظلت نظرات يزيد الراجية تحاصرها فاستسلمت لتأثيرها عليها، واضطرت أن توافق على طلبه، سبقها في خطواته ليستقلها أولاً، أشار لها بيده لتجلس على حجره قائلاً بجمود مصطنع محاولاً إخفاء تلك الابتسامة الخطيرة التي تقاتل للظهور على محياه:
-يالا.

بتوتر أكبر تحركت نحوه منحية برفق للأسفل لتتمكن من الدخول، استقبلتها أحضان زوجها فجلست بارتباك على حجره، لف ذراعه حول خصرها ليزيد من توترها الحرج، رمقهما آدم بنظرات سعيدة وهو يقول:
-والله إنتو الاتنين دماغو رايقة
استندت فرح بكفيها على كتف يزيد الذي كان يهدهدها بمزاح ليثير أعصابها، حدجته بنظرات محذرة فهمس لها بعبث:
-هو في أحلى من كده توصيلة!

لم تعلق عليه واكتفت بنظراتها القوية ليكف عن إزعاجها، هتف آدم مازحًا وهو يدير عجلة القيادة لتتحرك السيارة نحو الطريق الرئيسي:
-أنا حاسس إن رجلي هاتطلع من تحت الفرامل
رد عليه يزيد مبتسمًا:
-ما إنت اللي طويل
تحركت فرح قليلاً محاولة إفساح المجال لنفسها كي تتمكن من الجلوس باسترخاء على ساقيه، لكن بدا الأمر عويصًا بسبب ضيق المساحة، فتعذر عليها التحرك قيد أنملة، همست من بين شفتيها المضغوطتين:.

-وسع شوية يا يزيد
رد بخفوت وهو يضمها إليه:
-هو أنا عارف أخد نفسي
رفعت حاجبها للأعلى قائلة بضيق ملحوظ:
-قصدك تقول إني تخينة؟
أجابها بابتسامة عريضة:
-لأ، ده أنا اللي كرشي عريض حبتين
تغنجت بكتفيها بدلال قليل مرددة بغرور:
-ايوه كده
بدت سرعة السيارة بطيئة نسبيًا، فضغط آدم على الدواسة لزيادة سرعتها مرددًا:
-النيفا عاوزة زقة!

نظرًا لضعف الإضاءة بالمكان فلم ينتبه لذلك المطب الصناعي فاصطدم به رغمًا عنه مما جعل رأس فرح ترتطم بوجه زوجها فألمته بقوة، تأوه الأخير قائلاً:
-بالراحة يا فرح
تحسست جبينها برفق هامسة باعتذار:
-سوري
التفت آدم ناحيتهما قائلاً:
-عندي دي
حذره يزيد بجدية وهو يفرك جانب وجهه المتألم:
-خد بالك، المرة الجاية مش وشي بس اللي هايطبق!
فهم تهديده الضمني فتنحنح قائلاً بمرح:.

-ماهو المطب أكبر من العربية يا باشا، أنا هاوصي المرور يعملولنا واحد محندق على أدنا
لكزه يزيد في كتفه ليكف عن السخرية ويلتزم الجدية طوال المسافة المتبقية من الطريق رغم تمنيه أن تطول قدر الإمكان لتظل هي باقية في أحضانه مستشعرًا حرارة جسدها وقربها الملهب للحواس.

ترجلت من السيارة شاعرة بألم في ركبتيها بسبب تلك الجلسة الغير مريحة، أطلقت آنات خافتة وهي تعتدل في وقفتها حتى تسترخي عضلاتها المتيبسة، على عكس يزيد تمامًا الذي بدا حزينًا لتركها لأحضانه، استدارت فرح بجسدها لتودعه عند مدخل الفندق قائلة بابتسامة صغيرة:
-ميرسي على تعبك
نظر لها بحدة وقد اكتست تعبيراته بالعبوس قائلاً:
-ميرسي
أومأت برأسها متابعة:
-سوري إن كنت عملتلك قلق.

رد بجدية غير قابلة للتفاوض وهو يشير بيده:
-أنا هاوصلك لفوق
ظنت أنها عدم ثقة منه فيها، فزمت شفتيها قائلة بتذمر:
-اطمن، مش هازوغ تاني، خلاص اتعلمت الدرس
برقت أعينه بوميض عابث وهو يقول بإصرار:
-برضوه، لازم أطمن بنفسي
التفت برأسه للخلف متابعًا حديثه لرفيقه:
-استناني شوية يا آدم
حك الأخير طرف ذقنه مرددًا بضجر:
-حاضر، ما أنا سواق أبوك
التقطت أذناه برطمته الخافتة فسأله بجدية:
-بتقول حاجة؟

رسم ابتسامة بلهاء على ثغره وهو يقول بسعادة مصطنعة:
-خد راحتك يا باشا، معاك للصبح، أنا قتيل النيفا الليلادي!
لوح بيده له يودعه وهو يحاوط زوجته من كتفيها ليسير معها نحو الداخل، تباطأت في خطواتها قائلة بامتنان:
-كتر خيره آدم دايمًا بنتعبه معانا
رد بفتور وهو يشدد من قبضته الملفوفة حول كتفيها:
-هو عمل حاجة، ده شوية بنزين حرقهم
رفعت أعينها لتنظر له بجدية وهي تقول مؤكدة:
-بس صاحب جدع.

هز رأسه موافقًا إياها هاتفًا بإيجاز:
-فعلاً
تابعت فرح مادحة باقي عائلته:
-ومراته وبنته زي العسل و...
قاطعها يزيد بنفاذ صبر وقد بدا على وجهه العبوس:
-هو احنا هنقضيها كلام عنه؟
ابتسمت قائلة باقتضاب:
-لأ خلاص
ضغط يزيد على زر استدعاء المصعد ليستقله الاثنان معًا، لحظات وكانا على مقربة من باب غرفتها بالفندق، التفتت فرح نحوه مخرجة تنهيدة عميقة من صدرها وهي تقول بابتسامة رقيقة:
-وصلنا، تصبح على خير.

نظر لها بغموضٍ غير مريح، رفع حاجبه للأعلى متسائلاً:
-بس كده؟
ردت عليه بتساؤل مريب:
-عاوز إيه؟
أمسك بكفيها بين راحتيه يلاعبهما بإبهاميه، أخفضت نظراتها لتحدق فيه بتوتر، شعرت بملمس أنامله الخشنة على يديها، رجفة خفيفة تسللت إلى خلاياها لتزيد من تلاحق نبضاتها، ازدردت ريقها وهي تعاود التحديق في أعينه التي تعكس شغفه بها، جذبها إليه ليهمس لها بتنهيدة تحمل الأشواق والأحلام:
-أصلح غلطي!

ردت بخجل مستشعرة تلك السخونة المتفجرة في وجنتيها:
-ما إنت اعتذرت
هز رأسه بالإيجاب مضيفًا:
-ايوه، بس...
بتر عبارته عمدًا ليضاعف أكثر من ارتباكها الذي يحفزه أكثر للتمادي معها، سألته بنظرات متوترة:
-بس إيه؟
أحنى رأسه على أذنها ليهمس لها:
-محتاج أطمن على كل حاجة.

وصلها إحساس كلماته الموحية بأفكار جامحة تجعلها تحلق فوق السحاب، فتوترت أكثر من طريقته الماهرة في استدراجها نحو بحور عشقه، لف ذراعه حول خصرها ليقول بعبث:
-لازم كشف هيئة، ده أنا واخدك مقص على الأرض!
حدجته بنظرات حادة مغتاظة من تصرفه المتجاوز معها قائلة بتبرم:
-ايوه، البهدلة إياها
انحنى على جبينها يقبله مطولاً فاستشعرت حرارة الأشواق تجتاح جسدها، همس لها بندمٍ:
-حقك عليا!

أبعد رأسه للخلف ليطالعها بنظرات هائمة، انحنى قليلاً للأسفل بجذعه ليضع ذراعه أسفل ركبتيها ليحملها، شهقت بخفوت وهي تطوق عنقه بذراعيه، ابتسم لها قائلاً بمكر:
-ورانا دلوقتي مهمة قومية، هيترتب عليها مصاير الأمة
حركت فرح ساقيها في الهواء هامسة بخجل وهي تعض على شفتها السفلى:
-يا سلام؟
هز رأسه بالإيجاب مضيفًا بجدية لا تتناسب مع ذلك الموقف الحرج:.

-طبعًا، ده غير كشف الهيئة لازم أعاين الكدمات والجروح وبالتفصيل الممل، مش جايز فاتني خروبش!
قطبت جبينها مرددة:
-ايه؟ خروبش؟
مازحها باستخفاف:
-على وزن خرطوش!
عبست بوجهها وهي تضرب أرنبة أنفه بسبابته كنوع من التوبيخ الرقيق وهي تقول:
-مش حلوة
ضمها أكثر إليه قائلاً بتنهيدة حارة جعلت قلبها يرقص بين ضلوعها:
-كفاية إنك في حضني
عاودت تطويق عنقه بقوة وهي تهمس له:
-حبيبي.

أكمل سيره نحو باب الغرفة مسلطًا أنظاره على تلك الورقة الصغيرة المتدلية من المقبض، التوى ثغره بابتسامة مراوغة وهو يقول:
-كويس إنك سايبة البتاعة دي برا
نظرت أمامها لتمعن النظر فيما يحدق به، عاودت التطلع إليه قائلة بتحدٍ متدللة عليه:
-هاشيلها
رمقها بنظرات عميقة وهو يشدد من ضمه لها، شعرت بقبضتيه تقضي على بذرة أي مقاومة في منشأها، همس له بثقة وغرور لا يليق إلا به:
-مش هايحصل، ده أمر واجب النفاذ...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة