قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل السادس عشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل السادس عشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل السادس عشر

اعتلى ثغرها ابتسامة انتصار لكونها قد أفسدت عليها وقتها وعكرت صفو نهارها العملي، هكذا ظنت في نفسها، ابتعدت فرح عن غريمتها وهي ترمقها بنظرات متباهية، لكنها لم تعلم أنها قد زجت بنفسها في متاعب لا حصر لها لكونها لم تضع في الحسبان ردة فعلها، ظلت أنظار ديما مسلطة عليها تفكر مليًا في طريقة لرد اعتبارها والخلاص منها، بالطبع لم تكن بحاجة لمجهود كبير لتحسم أمرها وتوقعها في مكيدة محكمة – من وجهة نظرها – لتضمن ابتعادها عنها، همست لنفسها قائلة بوعيدٍ:
-راح تشوفي كيف راح أدعسك!
لمحت بطرف عينها بعض المجندين وهم يتابعون ما دار بينهما فعمدت إلى استغلال ذلك بحرفية تجيدها، أجهشت بالبكاء المصطنع وتوجهت إلى مركز القيادة بالميسترال مدعية بالباطل هجوم فرح العدواني عليها دون أي تبرير، ومحاولتها لإيقاعها من الأعلى من أجل التسبب في إلحاق الأذى الشديد بها، أصرت على تحرير شكوى رسمية ضدها لإساءتها المتعمدة لشخصها، ولجأت أيضًا إلى اختلاق الأكاذيب مستخدمة كيدها الأنثوي في تدعيم موقفها والاستشهاد ببعض الأفراد المتواجدين وقتها، ولم يخلُ الأمر من تهديداتها شديدة اللهجة باللجوء لسفارتها لتصعيد الأمر إن لم يتم اتخاذ إجراء صارم ضد المعتدية عليها، قام أحد الضباط المسئولين بتسجيل أقوالها والبدء في التحقيق عن تلك الواقعة المسيئة، جلست ديما باسترخاء مترقبة على أحر من الجمر نتائج ما تلفظت به ضدها، همست لنفسها بإعجاب:
-هلأ راح تعرفي مين أنا!

لبرهةٍ راقبت أمواج البحر المتلاطمة وهي تتحطم على مقدمة الميسترال بنظرات طويلة متأملة، مازالت تحتفظ بتلك الرهبة الخفية منه ومن عمقه المظلم الذي ابتلع والدها منذ زمن بعيد، أقنعت فرح نفسها بأنها قادرة على هزم مخاوفها، الأمر فقط يحتاج منها للدعم النفسي والثقة بمقدرتها على التغلب عليه، تنفست بعمقٍ قبل أن تتحرك من مكانها لتبحث عن زوجها، هي بحاجة للحديث معه، ولجت إلى داخل قمرة القيادة باحثة عنه، رأته وهو يعطي تعليماته المشددة لضباطه التابعين له، تابعته بإعجاب ملحوظ على محياها حتى انتهى مما يفعله، التف مصادفة للخلف ليجدها تطالعه بتلك الطريقة الغريبة، اقترب منها متسائلاً بفضول وهو يتفرس وجهها:
-شكلك مروق على الأخر، في حاجة جديدة حصلت؟
ردت بابتسامة متسعة وهي تداعب أذنها بيدها:
-بصراحة مبسوطة إني فشيت غلي
لم يفهم يزيد بالضبط المقصد من جملتها الغامضة تلك، تعقدت تعابيره نوعًا ما وهو يتابع أسئلته التحقيقية:
-في مين يا ترى؟ اوعي تكوني عملتي كارثة من ورايا، فرح أنا محذرك و...
هزت كتفيها مقاطعة في عدم مبالاة:
-لأ، ماتخدش في بالك، دول كلمتين بأقولهم كده بس
ساورته الشكوك من طريقتها، فحذرها قائلاً بصرامة وقد قست ملامح وجهه:
-فرح، أنا منبه عليكي مش عاوزين قلق هنا، ده مش هزار ولا...
مدت يدها لتضعها على ذراعه قائلة بنعومة:
-اطمن يا حبيبي
ورغم كونه تصرفًا عفويًا منها نحوه، إلا أنه لم يرغب في تماديها بذلك الشكل متناسية تنبيهاته الشديدة، ضاقت أعينه نحو يدها الموضوعة عليه هاتفًا من بين شفتيه المضغوطتين:
-فرح
زوت ما بين حاجبيها مرددة بعدم فهمٍ:
-في ايه؟
أزاح يدها برفق وهو يجيبها:
-ماينفعش الكلام ده هنا
-كلام ايه؟
أوضح لها هامسًا:
-يعني زي ما عملتي، إيديكي تتحط عليا، المفروض نحافظ على الرسميات بينا
أبقت يدها إلى جانبها قائلة بامتعاض طفيف انعكس سريعًا على تعبيراتها:
-أوكي، فهمتك خلاص
سألها يزيد مهتمًا وقد دس يديه في جيبي بنطاله العسكري:
-ها قوليلي كله تمام معاكي؟
أومأت برأسها قائلة باقتضاب:
-ايوه
أزعجه أن يفسد لحظتهما الودية فسألها مجددًا باهتمام أكبر:
-والدوخة؟
تنهدت قائلة بهدوء:
-أنا خدت برشام قبل ما أطلع عشان مايحصلش زي المرة اللي فاتت ويجيلي دوار البحر
أومأ لها بعينيه مادحًا بإعجاب:
-بيعجبني فيكي ذكائك، غير طبعًا الحاجات التانية
توردت بشرتها من غزله الضمني، وردت بدلالٍ يحمل الغرور:
-دي أقل حاجة عندي
رفع حاجبه مرددًا:
-بجد؟
-طبعًا، تقدر تقول غير كده
-هو أنا أقدر؟
انتصبت أكثر في وقفتها متابعة بتفاخرٍ قليل:
-أكيد ...
لم ينتبه يزيد لباقي جملتها بسبب تلك الحركات الغير عادية على مقربة منه، التفت برأسه للجانب ليعرف ما الذي يدور، لم يكترث للأمر في البداية لكن اشتدت تعابير وجهه صلابة حينما تفاجأ بعددٍ من الضباط يقتربون منه رافعين أسلحتهم أمام صدورهم، قطب جبينه متسائلاً بجدية وهو يمرر أنظارهم الحادة عليهم:
-في حاجة جدت؟
أجابه أحدهم برسمية شديدة وهو يشير برأسه نحو فرح:
-الأستاذة مطلوبة للتحقيق
ارتسم على وجه فرح علامات الذهول، فغرت شفتيها مصدومة ورمشت بعينيها مبدية اندهاشها التام، التفتت برأسها نحو يزيد تطالعه بأعين حائرة دون أن تنبس بكلمةٍ، هتف الأخير متسائلاً بنبرة مزعوجة وشبه متعصبة:
-إنت بتقول ايه؟ تحقيق! إنت اتجننت، دي ...
قاطعه الضابط متابعًا بشراسة:
-يا فندم دي أوامر عليا، الأستاذة فرح عبد الحميد مطلوبة للتحقيق فورًا
حل الوجوم الشديد على تعبيراتها وهي تسأله بارتباك:
-تحقيق ايه بالظبط؟ حضرتك أنا ملتزمة هنا بكافة التعليمات وتقدر تتأكد بنفسك
صاح به يزيد بنبرة شبه منفعلة وقد احتدت نظراته على الأخير:
-كلمني أنا، التحقيق ده تبع مين وعشان ايه؟
رد الضابط بهدوءٍ جاد:
-معنديش تفاصيل يا فندم
شعرت فرح بتقلصات تضرب أسفل معدتها من فرط التوتر، هي معتقدة أنها لم تتصرف بما يخالف طبيعة مهمتها هنا، وعلى قدر المستطاع هي ملتزمة بما أملاه عليها زوجها، أفاقت من شرودها السريع على صوت الضابط الذي هتف آمرًا وقد بدت نظراته مليئة بالاتهامات:
-من فضلك يا أستاذة اتفضلي معانا دلوقتي بهدوء
ابتلعت ريقها وهي تضع قبضتها على ذراع يزيد لتهمس له بخوفٍ:
-يزيد
شعر بتلك الرجفة الخفيفة التي أصابت بدنها، وضع يده على قبضتها مشددًا عليها ليبث لها القوة وهو يقول بتشنجٍ:
-ماتقلقيش يا فرح، أنا هاعرف بالظبط في ايه
تشبثت أكثر بذراعه وكأنها تحتمي به، توسلته بنبرة أقرب للبكاء وقد لمعت عيناها بقوةٍ:
-يزيد ماتسبنيش
حاول طمأنتها ليهدأ من روعها بعد أن رأى حالة التوتر التي سيطرت عليها، لم يختلف حاله عنها كثيرًا رغم ادعائه العكس أمامها، كان مزعوجًا للغاية بسبب ذلك الاستدعاء الغامض، هتف الضابط من جديد بتجهمٍ:
-يالا يا أستاذة
رد يزيد بجدية وهو يشير بعينيه لها:
-روحي معاهم وأنا هاحصلك
أدركت فرح أنه لا مهرب لها من الذهاب معهم، شعرت بجفاف حلقها وباضطراب ضربات قلبها وهي تتبعهم بقلقٍ مُرتاب، حاول يزيد التصرف سريعًا لكي يلحق بها دون أن يؤثر غيابه على سير المناورة التدريبية لكونه عضوًا فعالاً فيها ومسئولاً عن تنفيذ مهامٍ بعينها.

ما أشعرها بالإهانة حقًا هو طريقة استبعادها من على الميسترال، بدت أمام أعين المراقبين لها وهي تنتقل لزورق تابع للقوات البحرية ليعود بها إلى الميناء كالمتهمة التي ارتكبت جريمة نكراء وتم إلقاء القبض عليها توًا، حافظت فرح على ثباتها وهي تصعد على متنه، لكن تلك النظرة تحديدًا والتي كانت موجهة لها شخصيًا جعلتها تدرك حجم الكارثة التي تنتظرها، رأت غريمتها ديما وهي واقفة بشموخ وواضعة ليديها على منتصف خصرها في تحدٍ واضحٍ لها، خمنت أن تكون بالفعل وراء ذلك، اغتاظت من تلويحها المستفز لها بيدها في إشارة موحية لها بأنها نجحت في طردها من المناورة بعد إذلالها، لم يدم استغرابها طويلاً، فور وصولها للقاعدة البحرية وبدء التحقيق معها في الاتهامات الموجهة لها تيقنت من حدسها، وأن تلك اللئيمة حاكت حولها مؤامرة وضيعة، ما أدهشها أيضًا هو مدى الافتراء الكاذب الذي لجأت إليه تلك الحقيرة، ومع ذلك لم تنكر محاولاتها للاعتداء عليها مما وضعها في موقف حرج، تابع المحقق العسكري حديثه موضحًا:
-الأستاذة طالبت بتصعيد الأمر للسفارة، ده غير إنها عاوزة تلجأ للمنظمات الدولية و...
قاطعته فرح بانفعال مبررٍ:
-والله العظيم كدابة، أنا مقربتش منها أصلاً، دي كان معاها موبايل وبتكلم فيه بلغة غريبة كده، أنا سمعتها وكانت مش على بعضها
نظر لها مطولاً وهو يسألها بهدوء:
-وفينه الموبايل ده؟
شعرت بنغصة في صدرها تؤنبها لتسرعها الأحمق، فلو تريثت قليلاً لكان الآن بحوزتها دليل براءتها، ضغطت على شفتيها قائلة بندمٍ:
-للأسف رميته في البحر، بس قسمًا بالله كان معاها
بدا من نظراته نحوها أنه غير مقتنع بحديثها، زفر المحقق متسائلاً على مضضٍ:
-عندك شهود بالكلام ده؟
أجابته بضيق كبير:
-كنا لوحدنا
تابع مضيفًا:
-أستاذة فرح حضرتك صحفية وعارفة كويس إن اللي حصل ده مش في صالحك، وللأسف موقفك سيء من غير وجود دليل يدعم كلامك
صاحت بعصبية:
-ماهو أنا أكيد مش هاقرب منها من نفسي
رد بجدية وقد انزوى ما بين حاجبيه:
-يا أستاذة فرح افهمي، عشان نقدر نصدقك كان لازم يكون معاكي الموبايل ده، لأن حتى لو سألناها تاني طبيعي تنكر وجوده معاها لأن مافيش ما يثبت كلامك
وضعت فرح يدها على جبينها ضاغطة عليه، تهدل كتفيها في حيرة وهي تسأله:
-طب والعمل ايه دلوقتي؟
رد بجمودٍ:
-هانكمل باقي التحقيقات وهانشوف
استشعرت بقوة غبائها المستحكم الذي أوقعها في تلك الشاكلة، تنهدت بتعب لتسأله بقلق واضح في نبرتها ونظراتها نحوه:
-يعني أنا هايكون وضعي ايه ... ؟؟

ثارت ثائرته حينما علم بتفاصيلٍ أكثر عن إلقاء القبض عليها، ناله بعض التوبيخ والإيحاءات بكونه متورطًا بصورة مباشرة في التسبب بتلك الفضيحة الحرجة، بالإضافة إلى تعريض المهمة الأخرى الخطرة والخاصة بالكشف عن شبكة التجسس التي تعمل في الخفاء بالإفشال، تحمل يزيد كل ذلك في سبيل ضمان عدم توريط زوجته، تمت مراجعة أشرطة المراقبة الموضوعة على الميسترال في التوقيت الخاص بالمشاجرة ليتم اكتشاف ما حدث بالضبط، أصدر قائده عددًا من الأوامر أملاها عليه لكنها أغضبته، كور قبضة يده قائلاً باعتراض:
-بس كده هي هتظلم
رد القائد بلهجة شديدة:
-ده الأحسن، وإلا مجهود شهور هايضيع
احتقن وجهه بشدة وهو يقول محاولاً إقناعه بالعدول عن قراره:
-يا فندم دي...
قاطعه بصرامة أشد:
-مقدم يزيد، مافيش نقاش، دي أوامر عليا
أومأ برأسه هاتفًا بجدية:
-تمام يا فندم
استأذن بعدها بالانصراف ليتجه نحو الخارج، كان في انتظاره آدم الذي أقبله عليه متسائلاً بتلهفٍ:
-ها عملت ايه؟
أجابه بعبوس جلي:
-ولا حاجة، تفتكر كانوا هيرجعوا في قرارهم؟
سار معه بعيدًا عن القيادة ليتمكن من الرد عليه قائلاً بضيق واضح عليه هو الأخر:
-لأ
سأله بعد ذلك باهتمام أكبر محاولاً سبر أغوار عقله ومعرفة فيما يفكر في فعله لاحقًا:
-طب هاتعمل ايه مع فرح؟
نزع يزيد قبعته العسكرية ليحك رأسه عدة مرات وهو يقول بانزعاج حائر:
-مش عارف والله
فرك آدم طرف ذقنه مكملاً:
-يعني معنى كده إنها برا الليلة كلها؟
زادت ملامحه عبوسًا وهو يرد:
-ايوه، ده غير اعتذار رسمي منها لديما عشان نضمن إن الموضوع اتلم
ارتفع حاجباه للأعلى مرددًا:
-أوبا، دي لو استحملت الطرد مش هاتقبل أبدًا بالأسف
ضغط يزيد على شفتيه متابعًا وهو يزفر في ضيقٍ:
-فرح هتعند
ركل بقدمه حجارة صغيرة اعترضت طريقه مكملاً بتبرمٍ:
-كان لازم تمسك أعصابها شوية
رد عليه آدم مبررًا تصرفها الأرعن:
-الستات مش مضمونين في تصرفاتهم، وخصوصًا لما يكون في الموضوع واحدة ست
اتسعت ابتسامته مضيفًا بمزاحٍ:
-لأ ومش أي واحدة، حاجة متفصلة زي الكتاب ما قال
لم يكن يزيد في حاجة مزاجية تسمح له بتقبل أي نوع من الدعابات لذلك حذره بوجهه الممتقع:
-آدم، ماتخلنيش أطلع ضيقتي عليك
رفع كفه أمام وجهه قائلاً:
-يا سيدي بأهزر معاك عشان تفك شوية
التزم الاثنان الصمت لبعض الوقت يفكران في طريقة لإبلاغ فرح بالعقوبات التي وقعت عليها، ظل يزيد يتحرك بخطى متعصبة أثناء عودته إلى غرفته بوحدته العسكرية محدثًا نفسه:
-أنا محتار أقول لفرح ازاي
رد عليه آدم بخفوت:
-ده إن مكانتش عرفت بده
رفع نبرته قليلاً ليسأله:
-صحيح هي فين دلوقتي؟
أجابه دون تفكير:
-في الفندق
سأله مستفهمًا:
-طب هاتروحلها؟
رد باقتضاب:
-شوية كده
أضاف آدم محذرًا وهو يشير بسبابته:
-أهم حاجة تخليك هادي وإنت بتكلمها، الموضوع مش ناقص
رد بحذرٍ وهو يسحب مقعده ليجلس عليه بعد أن ولج إلى داخل غرفة مكتبه:
-طيب

توقعت أن يكون قد أحرز تقدمًا في قضيتها، لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، هبت واقفة من جلستها على الفراش مبدية سخطها التام على تلك الإجراءات التعسفية التي اتخذت ضدها من أجل تلك المراسلة السمجة، لم تستوعب فرح كيفية تراخي زوجها عن الدفاع عنها باستماتة مثلما كانت ستفعل معه إن وضعت في نفس الموقف، نظرت له بأعين حانقة وهي تصيح منفعلة:
-وإنت صدقتها؟
لم يعلق عليها واكتفى بالتحديق الصامت فيها، كذلك عمد إلى إخفاء الجزء المتعلق بالتسجيلات المرئية كي لا تزداد ثورتها الغاضبة، وضع يديه على ذراعيها قائلاً:
-اهدي بس يا حبيبتي، الحكاية مش كده
نفضت ذراعيها بقوة لتنزع يديه عنها وهي تصرخ فيه:
-اومال ايه بالظبط؟
لم يستطع الرد عليه، بدا في موقف حرج للغاية، لم يرغب أبدًا في رؤيتها هكذا، لكن ما باليد حيلة، عليه أن يلتزم بالقوانين حتى معها شخصيًا، ترقرقت العبرات المستشاطة بداخل حدقتيها وهي تواصل صراخها المتشنج:
-يعني دي أخرتها، أطلع أنا الغلطانة؟ طب فين دفاعك عني؟ وفين...
قاطعها موضحًا وهو يقف قبالتها:
-فرح إنتي عارفة كويس إن الموضوع ده أكبر من سلطتي
ضاقت أعينها المشتعلة غيظًا منه نحوه، ثم صاحت فيه بصوتها المحتد:
-بس كان ممكن تتدخل، تعمل أي حاجة عشاني
زفر قائلاً باستياء من لومها الزائد عليه:
-صعب يا فرح
انفعلت من بروده معها فهدرت فيه بصراخٍ محتد:
-ليه؟ فين وعودك إنك هاتكون سندي وفي ضهري؟
تحكم بصعوبة بالغة في أعصابه كي لا تنفلت ويخرج عن عهده الذي ألزم به، راقبت جمود تعابيره وحدة نظراته بتفرس، أيقنت أنه لن يفعل لها شيئًا، رمقته بنظرات تحمل العتاب قبل أن توليه ظهره لتقول بنبرة مختنقة:
-شكرًا يا سيادة المقدم
سحب يزيد نفسًا عميقًا ليطفئ به نيرانه المتأججة بداخله، ألمه أن يقف هكذا أمامها مكتوف الأيدي عاجزًا عن التصرف، تحرك ليقف خلفها ثم وضع يده على كتفها ليديرها نحوه وهو يقول:
-اسمعي بس
انتفضت من لمسه لها وكأن حية لدغتها توًا لتصيبه حركتها تلك بالانزعاج، ضاقت أعينه نحوها ليرمقها بنظرات أكثر حدة كاظمًا غضبه في نفسه، ابتعدت فرح عنه قائلة:
-أنا تعبانة
تفهم ردة فعلها الغاضبة ناحيته، وحاول قدر الإمكان أن يبدو هادئًا أمامها، تنهد مطولاً قبل أن يكمل بتريث:
-فرح، الموضوع لسه مخلصش لحد كده
كتفت ساعديها أمام صدرها لتسأله بعبوس متجهم:
-في ايه تاني؟
أجابها بهدوء متوقعًا انفجارًا وشيكًا منها:
-مطلوب منك تعتذري لديما
أرخت ساعديها مصدومة مما قاله، كان معتقدة أن الأمر سيتوقف عند مسألة إقصائها من تغطية أخبار المناورة، لكنه تخطى ذلك بكثير، لم تتحمل المزيد فصرخت باهتياج وقد احتقنت بشرتها بحمرة غاضبة:
-كمان
رغم إدراكه لحجم العصبية المبررة لتصرفها معه هكذا إلا أنه أكمل موضحًا ببرودٍ وهو يجبر نفسه على إخفاء ضيقه:
-القيادة شايفة إن ده من مصلحـ...
تحركت بخطوات متشنجة لتقف قبالته، رمقته بنظرات متحدية مقاطعة إياه بإصرار عنيد:
-لو أخر يوم في عمري مش هايحصل
انتصب في وقفته أمامها ليزداد طولاً وهو يحذرها:
-بلاش تركبي دماغك في حاجة تافهة زي دي
اغتاظت من استهانته بما يخصها فصاحت منفعلة:
-بالنسبالك تافهة، بس عندي لأ!
رد بقوة أجفلت بدنها:
-ماهو إنتي السبب يا فرح، لو كنتي من الأول اتصرفتي صح مكوناش بقينا في الورطة دي
هدرت صارخة وهي تلوح بيدها في الهواء:
-برضوه هاتطلعني الغلطانة؟
أجابها بنبرة غليظة وهو يلكز جبينها:
-عشان اتصرفتي بغباء!
احتقنت نظراتها نحوه لكنه تابع بحدةٍ:
-لاقيتي معاها موبايل وبتتكلم وخدتيه منها، روحي سلميه، أو حتى بلغي عنها، مش ترميه وتحطي نفسك في موضع شبهة
صاحت فرح صارخة بعصبية وقد اهتاجت الدماء في عروقها
-دلوقتي بقيت المتهمة وهي الملاك البريء؟
رد بجمود:
-إنتي بتفسري الأمور على هواكي
لوحت بيدها قائلة بتشنجٍ:
-ماشي أنا كنت متسرعة، بس ده مش معناه إني أروح أقولها سوري يا بيبي وحقك عليا والهبل ده كله، استحالة أعمل كده
قبض على ذراعها هاتفًا من بين أسنانه المضغوطة وهو يحذرها:
-لو الحكاية كبرت إنتي اللي هاتتبهدلي
نفضت ذراعها بقوة من يده لتسأله بنبرة ذات مغزى:
-إنت معايا ولا معاها؟
أدرك المقصد من وراء سؤالها، بأنها تحدد له اختياراته، فإن أجابها بغير المتوقع ستكون ردة فعلها مبالغًا فيها، تنفس بعمق ثم أجابها بتمهلٍ مدروس ليخبت ثورتها:
-معاكي يا حبيبتي وعشان كده بطلب منك تحليه ودي
انفعلت من عدم تدعيمه لها، فهدرت فيه بتهور جامح:
-متقولش حبيبتي، إنت مابتفكرش فيا بس غير لما مزاجك يطلب ده
فهم سريعًا المغزى من كلماتها الموحية والتي تشير إلى كونه يسعى خلفها فقط تلبية لغرائزه وشهوته وليس لأنه زوجها الذي يحبها ويشاركها مشكلاتها حتى يصل معها للحل المناسب، برزت عروقه من جانب عنقه وهو يصيح محذرًا ومشيرًا بسبابته:
-فرح خدي بالك من كلامك معايا!
تجاهلت كافة تحذيراته متابعة بصياح غاضب:
-إنت لو عاملي كرامة ولا حتى على الأقل معتبرني مراتك بجد مكونتش قبلت البهدلة دي ليا
رد بصوت جهوري خشن:
-أنا عملت اللي عليا يا فرح وزيادة، بس ده جيش، مش شغل أهلي عشان أتصرف فيه بمزاجي، افهمي بقى!
استشعرت من نبرته التي ازدادت قوة تهديدًا خفيًا بالانفجار في وجهها، تراجعت عنه مولية إياه ظهرها لتقول بوجه مكفهر:
-سيبني دلوقتي يا يزيد
نظر لها بأعين محتقنة قائلاً:
-ماشي، بس اعملي حسابك هتعتذريلها
التفتت ناحيته قائلة بعندٍ:
-مش هايحصل
رد متحديًا بنبرة لا تقبل النقاش:
-لأ هايحصل وده كلام نهائي يا فرح
نظرت له بأعين مشتعلة وهو ينصرف مبتعدًا ليصفق الباب خلفه بقوة بعد أن خرج من الغرفة، عاودت فرح الجلوس على الفراش وهي تهز جسدها بعصبية، نفخت قائلة بإصرار أشد عندًا:
-أنا مش رايحة لو اتطربقت السماء على الأرض ... !!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة