قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل السابع عشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل السابع عشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل السابع عشر

نعمت بحمام هانئ بعد نيلها غرضها منها، فبذكائها الفائق تمكنت من إدارة دفة الأمور لصالحها فتحولت من المدانة إلى المجني عليها، خرجت ديما من المرحاض وهي تلف شعرها المبتل بالمنشفة القطنية، دنت من الفراش بغرفتها الفندقية لتسحب حذائها المسنود أسفله، جلست وهي ممسكة به لتنزع شيئًا خفيًا من أسفل كعبه، ألقت بالحذاء بعد أن فرغت منه على الأرضية لترفع نصب أعينها الشريحة الغريبة التي استخرجتها منه، التوى ثغرها بابتسامة ماكرة وهي تحدث نفسها:.

-مفكرة إنك راح تغلبيني، لك شو غبية!
انتزعت المنشفة من أعلى رأسها لتبدأ في نفضه في الهواء متابعة بغرور واثق:
-بدي هاتف لأتواصل معهم، وهالشيء مو صعب!
وقفت ديما أمام المرآة تتأمل تعبيرات وجهها الشيطانية بنظرات أكثر شراسة، مالت برأسها للأمام وهي تتحسس تلك البثرة الصغيرة التي نبتت أسفل ذقنها، عبست قائلة:
-بدي أخلص منك متل ما راح أعمل بهالوقحة!

كركرت ضاحكة بغطرسة واضحة عليها وهي تولي ظهرها للمرآة لتشرع في تبديل ثيابها قبل أن تنطلق في مهمتها الجديدة.

أسندل النادل كأس المشروب المثلج أمام فرح قبل أن يضع فنجان القهوة على الجهة المقابلة لآدم الذي طلب مقابلتها في بهو الاستقبال الملحق بالفندق كمحاولة ودية منه لإقناعها بالاعتذار لديما بعد أن فشل يزيد في ذلك مبررًا عصبية كلاهما في التعامل مع الموقف، انتظرت صامتة على أعصاب متلفة مسبقًا قبل أن ينصرف النادل لتكتف ساعديها أمام صدرها قائلة بتجهم عابس:
-لأ يا آدم، يعني إنت ترضاها لمراتك؟

ارتشف القليل من قهوته قبل أن يرد بنبرة عقلانية:
-بصي، شيماء روحها في مناخيرها، وفي قط قاعد عليه، لأ وبتتشنج على الهايفة والمليانة، بالظبط النسخة الأصلية للست المصرية الأصيلة، بس في الحاجات دي لازم نحكم عقلنا
تحدثت من زاوية فمها قائلة بعنادٍ:
-وأنا مش هاتأسف لواحدة زي دي كدابة وملاوعة، يا آدم والله العظيم شكلها مخبي حاجة، إنت مشوفتش طريقتها كانت عاملة ازاي
رد موافقًا إياها الرأي وهو يومئ برأسه:.

-ماشي، إنتي عندك حق في ده كله، وأنا فاهمه كويس، ومقدر عصبيتك، بس إنتي محتاجة تمايني أمورك عشان الليلة تعدي
-لأ
-بلاش الله يكرمك الدماغ الناشفة دي
-يووه
-يا ستي اعتبريني أخوكي وبأنصحك
تنهدت مضيفة بامتعاض وهي تشير بيدها:
-ايوه، ما هو الباشا مقدرش يقنعني فقال يبعتك إنت
رد مبتسمًا:
-أومال، مقدرش على الحمار اتشطر على البردعة
قطبت جبينها مرددة بضيقٍ:
-نعم؟!
تنحنح بصوت خفيض ليقول بمزاحٍ:.

-قصدي، هو اعتبرني محل ثقة ومانجة وفراولة و...
انزعجت من دعاباته المتواصلة فصاحت محذرة وقد اشتدت تعابير وجهها:
-آدم، من فضلك
تنهد الأخير قائلاً:
-يا ستي بأهزر معاكي عشان تفُكي كده وتروقي، بصي انسي الهبل اللي قولته قبل شوية، وخلينا نتكلم جد
اعتدل في جلسته ليتابع بهدوءٍ لكن حملت نبرته الجدية:.

-احنا عاوزين نلم الموضوع، إنتي صحفية وفاهمة الأبعاد بتاعته لو كبر ووصل للسفارة والخارجية، هنتردم علينا كلنا في الأخر
ردت بعدم اكتراث وقد قست نظراتها:
-أنا هاخلي مستر عبد السلام يتصرف طالما البيه جوزي اتخلى عني
استاء من تفكيرها الضيق، أشاح بوجهه للجانب للحظات وهو يزفر على مضض ثم التفت محدقًا بها وهو يقول:.

-يا فرح ماتبقيش زي النعام وتدفني راسك في التراب، حتى عبد السلام بتاعك ده هايقولك نفس كلامي، طاطي للريح المرادي، وبعد كده خدي حقك منها بس بالعقل
ردت بعندٍ:
-مش قابلة خالص، بلاش تضغط عليا
أشار لها بيده مكملاً
-أنا مش بأضغط بس...

لم تصغِ فرح لباقي جملته بسبب تلك الصدمة الجلية التي شتت تركيزها معه، ارتفع حاجباها للأعلى مبدية ذهولها التام حيث تفاجأت بقدوم زوجها بثيابه الغير رسمية وبصحبته ديما التي كانت تتغنج في مشيتها لتثير أعصابها أكثر، بدا الاثنان كما لو كانا في نزهةٍ خلوية يقضيان سويًا متعة لا توصف خاصة أن ثيابها الكاشفة كانت لافتة للأنظار بدرجة مستفزة، فغرت شفتيها باندهاش أكبر حينما رأتها تتدلل عليه وصوت ضحكاتها الرنانة يصدح في المكان، اشتعلت نظراتها واحتقنت دمائها على السريع، استدار آدم برأسه ليحملق فيهما هو الأخر، فسر الآن تلك التعبيرات المنعكسة على قسماتها، صاحت فرح باستنكار متعصبٍ وهي تهب واقفة من جلستها:.

-إيه ده؟ بتحطوني قدام الأمر الواقع
نهض آدم من مقعده قائلاً بقلق طفيف:
-مش بالظبط، بس ال...
احتقنت نظراتها على الأخير، واشتعل وجهها بحمرة غاضبة من ذلك التصرف الذي استفزها، قاطعته بتوعدٍ وهي تكز على أسنانها:
-بقى كده يا يزيد، ماشي!
لملمت سريعًا أشيائها من على الطاولة، وعلقت حقيبة يدها على كتفها استعدادًا لانصرافها، اعترض آدم طريقها هامسًا بتخوفٍ:
-استني يا فرح، رايحة فين دلوقتي؟

ردت بحنق وقد برزت أعينها الحمراء:
-طالما بتتصرفوا من دماغكو وبتخدوا قرارات عني، فمافيش داعي لوجودي من الأساس
توسلها هامسًا وهو يتعمد حجب الرؤية عنها:
-يا فرح اهدي واسمعي، متخليهاش تشمت فيكي
هزت رأسها معترضة وهي تهمس له بغيظٍ:
-لأ، حاسب لو سمحت يا آدم
أشار لها بحاجبه متابعًا بصوت خفيض يحمل الرجاء:
-عشان خاطري بس
نفخت بصوت مسموع فأقنعها بطريقة أخرى:.

-استهدي بالله كده واغزي الشيطان، متخليهاش تغلبك، ده إنتي فرح عبد الحميد، بقى تخلي واحدة زي دي تعلم عليكي، لالالا، مكانش العشم!

جمدت أنظارها الملتهبة عليه، فواصل استخدام طريقته تلك، وبالفعل نجح بمكر في استفزاز مشاعرها فتوقفت في مكانها مجبرة بسبب توسلاته ورجائه، بالإضافة إلى اقتناعها بعدم ترك ساحة الحرب خاوية لغريمتها اللدودة لتعثو فيها كيفما تشاء، شددت من انتصاب جسدها لتبدو ثابتة أمامها وكأن ما فعلته لم يؤثر بها، توجس يزيد خيفة من تلك المواجهة بينهما لكنه تمنى أن ترضخ فرح لحدة التيار وتحكم عقلها لينهي تلك المسألة بأقل الخسائر، حركت ديما كتفيها بطريقة مائعة متعمدة التمايل ناحية يزيد لتقول بتعالٍ وقد رفعت أنفها للأعلى:.

-هاي
رمقتها فرح بنظرات نارية لا تبشر إلا بمعركة يدوية وشيكة، بينما التفت آدم ناحيتها مرددًا بمرح:
-يا هلا والله
مدت يدها لتصافحه قائلة بدلال مبالغ فيه:
-كيفيك؟
بادلها آدم التحية هاتفًا بحماسٍ:
-تمام
تنحنح يزيد بصوت خشن دون أن يبعد أنظاره عن فرح التي كانت تحدجه بنظرات مغتاظة تحمل العتاب، ساد صمت لحظي بينهما لكنه تضمن في طياته الكثير، قطعه آدم هاتفًا بحماسٍ لا يليق بالموقف وهو يشير بيديه:.

-اتفضلوا يا جماعة، مش معقول هانفضل واقفين
نظرت ديما باستعلاء لفرح لتشعلها أكثر، ثم تعمدت أن تتعثر في خطواتها لكي ترتطم بيزيد عمدًا، تحول وجه فرح لقنبلة موقوتة بسبب أفعالها الصبيانية المكشوفة للجميع، تحرجت هامسة بدلالٍ وهي تعتدل في وقفتها:
-بأعتذر منك.

لوى ثغره دون أن يعقب عليها مكتفيًا بالابتسام المجامل، سحب آدم المقعد لديما لتجلس عليه، فشكرته ممتنة، وبالطبع لم يفعل أي أحد لها بالمثل فاستشاطت غضبًا، جلست بعصبيةٍ على المقعد المقابل لهما ملقية بحقيبتها على الطاولة لتحدث الأخيرة صوتًا مزعجًا، جلس يزيد في المنتصف بينهما وسلط يزيد أنظاره الحادة عليها وهو يسألها بهدوء رغم التشنج الطفيف الظاهر في نبرته:
-مش هتسلمي على مدام ديما؟

عبست ملامحها كليًا وامتزجت مع حمرة بشرتها لترد بحدة ملحوظة وهي تنظر بسخط:
-كفاية إنت تسلم عليها
رفع حاجبه للأعلى محذرًا:
-فرح احنا اتفقنا على إيه؟
رسمت الأخيرة ابتسامة سخيفة للغاية وهي تدير رأسها في اتجاه ديما لتردد بعدها بامتعاض:
-هاي، ازيك يا بيبي
نظرت لها ديما بتكبر قبل أن ترد عليها ببرود متقن:
-هلأ صرت مليح.

ثم التفتت بعينيها نحو يزيد لترمقه بنظرات والهة أججت أكثر من غيرة فرح المتقدة بداخلها، تنهدت بحرارة وهي تقول:
-لولا إنك حكيت معي ما بأعرف كان شو صار
حافظ يزيد على جديته معها قائلاً:
-مدام ديما آ...
أشارت له بسبابتها وهي تميل بجسدها نحوه:
-بيكفي ديما وبس، أنا ما بحب هيك ألقاب بينا
تراجع للخلف متحاشيًا اقترابها الموتر للأجواء قائلاً بنبرة متصلبة:
-معلش الاحترام واجب.

ابتسمت بطريقة مغيرة تثير غرائز الرجال لكنه تجاهل ما تفعله مديرًا وجهه للجانب ليضيف بجدية:
-النهاردة جايين نشيل أي خلاف حصل أو سوء تفاهم ونرجع الود بينكم
وضعت ديما ساقها فوق الأخرى ليظهر جزءًا كبيرًا منهما بطريقة ملفتة للأنظار، لفت خصلة من شعرها حول إصبعها قائلة:
-بس المدام مو حابة
انتصبت فرح في جلستها ترمقها بنظرات شرسة وهي ترد بتبرمٍ:
-طالما دي رغبة الباشا يزيد، فأكيد أنا مش هاعرضه.

مد يزيد ذراعه نحو زوجته ليضع كفه على كتفها، فركه برفق وهو يقول مبتسمًا:
-تسلمي يا حبيبتي
رغم انزعاجها مما يفعله إلا أنها لم تترك الفرصة لها لتظفر بزوجها، وضعت يدها على كفه تمسح عليه قبل أن تبعده عنها ببطءٍ، تابعت ديما بنظرات ثاقبة ما يحدث بينهما مرددة بنبرتها الناعمة:
-راح اتنازل عن حقي كرمالك يزيد بيك!
التفت ناحيتها قائلاً بامتنان:
-شكرًا لذوقك.

انحنت نحوه بعد أن أنزلت ساقها لتتمكن من وضع يدها على ذراعه هامسة له:
-الشكر إلك إنت، كتير تعبت معي مشان ترضيني
انزعج من حركتها المتجاوزة والتفت سريعًا نحو فرح ليتأمل ردة فعلها البائنة، كانت كمن يحترق على جمر من النيران، رفع يده على رأسه ليمررها بين خصلات شعره الحليقة كمحاولة لصرف الأنظار عنه، اقترب منهم النادل في الوقت المناسب متسائلاً بروتينية معتادة:
-تؤمروا بإيه؟

أجابه آدم بنبرة عالية وهو يشير بيده:
-حاجة ساقعة للهوانم
اعترضت فرح هاتفة بحدةٍ:
-لأ، عاوزة قهوة سادة
زوى يزيد ما بين حاجبيه بتعجب، مال عليها متسائلاً باستغراب:
-هو إنتي من امتى بتشربي قهوة؟
نظرت له بأعين مغتاظة وهي ترد:
-من دلوقتي، عندك اعتراض؟
ابتسم من زاوية فمه قائلاً:
-لأ، براحتك
تمتم آدم من بين شفتيه مازحًا بصوت خفيض:
-أكيد دي على روح المرحومة اللي هاتقوم تجيب أجلها.

دون النادل ما يريدون شربه في الورقة التي بحوزته ثم استأذن بالانصراف لتشرع بعدها ديما في الحديث قائلة بدلالٍ:
-سيادة المقدم، بدي أتفرج على آلكس، ما لحقت أتجول فيها
رد بحذرٍ:
-ربنا ييسر.

طرقت فرح بأصابع يدها على الطاولة متابعة توددها الزائد عن الحد بأعصاب من حديد كي لا تكرر خطئها مرتين، أنبئها حدسها أنها تتعمد فعل ذلك لتوقعها في المحظور لذلك نظرت لها بحدة مرتدية قناع الجمود على وجهها، راقب آدم المشهد بنظرات متفرسة، أدرك حجم المأزق الموضوع به يزيد، فمن تتلاعب بهم هي جاسوسة محنكة تحتاج لحرفية عالية في التعامل معها، هتف فجأة عاليًا بعد أن طرأ بباله فكرة ما:.

-أنا عندي فكرة حلوة، إيه رأيكم نطلع جولة بحرية في مركب، أهوو نشم هوا البحر، وبالمرة تشوفي القلعة
رد عليه يزيد معترضًا بنبرة جادة:
-صعب يا آدم، إنت ناسي اللي ورانا، ده غير التكليفات و...
قاطعته ديما بعبوس رقيق:
-عنجد كتير حلو، تعا معنا سيادة المقدم، راح نستمتع كتير
أضاف آدم بحماس وهو يوزع أنظاره بين أوجه ثلاثتهم:
-أنا بأقترح إن فرح تكون معاكي، أنا متأكد إنكم هتتبسطوا سوا، وأهي فرصة تنسوا أي حاجة حصلت.

ثم التفت برأسه ناحية فرح متابعًا:
-صح، وما محبة إلا بعد عدواة؟
سألها يزيد بترقبٍ:
-ها يا فرح عندك مانع؟
تجمدت أعينها على ديما لترمقها بنظرات قوية، لم يكن أمامها بدًا من الاعتراض أو الرفض، اعتدلت أكثر في جلستها وهي تقول قاصدة الضغط على كل كلمة فيها:
-لأ، بالعكس أنا مبسوطة أوي إني هاطلع معاكي.

اكتفت ديما بالابتسام بطريقة هادئة أظهرت بياض أسنانها المتناسقة، لكنها أخفت ورائها الكثير من الغموض الملبك للأبدان...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة