قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثامن عشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثامن عشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثامن عشر

تم رصد المكالمات التي أجريت مؤخرًا عن طريق شريحتها الغامضة لتتجمع الخيوط معًا، كانت غرفة ديما بالفندق مزودة بأحدث الكاميرات الخفية التي أُخفيت بعناية فائقة كي لا تلفت أنظارها نحوها لتصدق أكذوبة أنها بالفعل مراسلة حربية مكلفة بتغطية أخبار المناورة البحرية مع بقية طاقم المراسلين العرب، ظل حديثها الغامض حول مصير فرح موضع شكوك وقلق القيادات العليا، والذين عمدوا لإخفاء ما يتعلق بها عن زوجها كي لا يُحدث الأخير ضجة في حالة معرفته بما حيك ضدها، لذا قاموا بتشديد المراقبة عليها كي تظل تحت حمايتهم طوال الأربع وعشرين ساعة وليضمنوا سلامتها الخاصة.

انتهى الجميع من تناول المشروبات وسط أجواء شبه متوترة، لكن نجحت فيها فرح ببراعة في التحكم في أعصابها لتبدو كلوح الثلج أمام تلك المستفزة، أشار آدم بيده للنادل قائلاً:
-الحساب يا كابتن
أجابه الأخير وهو ينحني قليلاً باحترام:
-حاضر يا فندم، لحظة!
سلطت ديما أنظارها على يزيد قائلة بدلال مصطنع:
-مايتشبع منك، كتير مهضوم
رد الأخير باقتضاب متعمدًا الإشاحة بوجهه بعيدًا عن أنظارها المركزة عليه:
-شكرًا.

هتف آدم بنبرة مرحة وهو ينهض من جلسته:
-يالا عشان مش عاوزين نتأخر
ردت برقة وهي تهز كتفيها:
-أوكي!
تراجع يزيد بمقعده للخلف لينهض قبل أن تقوم زوجته من مكانها، سحب مقعدها في حركة لبقة منه استفزت ديما، مال نحوها متسائلاً ببسمة صغيرة رسمت على محياه:
-جاهزة يا حبيبتي؟
ورغم نظرات الضيق الواضحة في أعينها إلا أن فرحت بادلته ابتسامة لطيفة وهي ترد:
-أكيد
التقط كفها بيده متابعًا:
-تمام، أنا واثق إنك هتتبسطي.

ردت عليه وهي تشير بحاجبها:
-هيبان!
علقت فرح حقيبتها على كتفها وبدأت تخطو للأمام، تفاجأت بذراع يزيد تلتف حول خصرها وتحاوطها، نظرت له باستنكار، فابتسم لها قائلاً بهمس:
-وحشتيني
لم ترغب في إزاحة يده كي لا تمنح تلك السمجة الفرصة لإظهار شماتتها لها، شبت على قدميها لتصل إلى أذنه ثم همست له:
-لينا كلام سوا بعدين
التفت برأسه نحوها مقلصًا المسافات لدرجة خطيرة بين شفتيها مرددًا بصوت خافت:.

-ماشي، وأنا معاكي في أي عتاب
طبع يزيد قبلة صغيرة على وجنتها فتحولت بشرتها لحمرة مغرية، صدمت من فعلته الجريئة أمام أعين الجميع، وحاولت أن تتصرف بطبيعية كي تخفي ارتباكها، على الجانب الأخر اشتعلت ديما غضبًا من تلك الرومانسية الودية بينهما، كم تمنت أن تفسد ما بينهما لكن ذهبت أحلامها أدارج الرياح، حدثت نفسها متابعة بوعيد:
-راح نترحم عليكي قريب!

لاحقًا، توجه الجميع للمرفأ حيث تتواجد القوارب الصغيرة التي يتم استئجارها لزوار الإسكندرية لتمضية أوقات طيبة بالبحر، أسرع آدم في خطواته أولاً ليتفق مع مالك أحدهم على تخصيص واحدة لهم فقط دون وجود غرباء معهم، لكن تعذر عليه فعل ذلك لمحدودية القوارب وكثرة عدد المتواجدين من الزوار، زم فمه قائلاً بامتعاض:
-يعني هي جت علينا احنا، ماشي أمورك معايا
رد مالك القارب قائلاً بإصرار وهو يشير بيديه:.

-يا باشا زي ما حضرتك شايف احنا في موسم، يعني يرضيك نقول للعالم اللي واقفة دول استنوا، ده حتى البطران سكته قطران
فرك آدم طرف ذقنه متابعًا وهو يغمز له:
-ما أنا هراضيك
رد الأخير بنفس العقلية العنيدة:
-يا باشا لو كان ينفع معزهاش عليك
لاحظ يزيد من على بعد الحوار الدائر بينهما، فتوقعت وجود مشكلة ما لذلك اقترب منهما متسائلاً باهتمام وهو يوزع أنظاره بينهما:
-إيه المشكلة؟

زفر آدم بصوت مسموع وهو يدير رأسه في اتجاهه، ثم أجابه بنبرة مزعوجة:
-مش نافع أفضي مركب مخصوص لينا
حك يزيد عنقه متفهمًا حالته، فقد كان يطمح هو الأخر في أن يحظى ببعض الخصوصية ليتمكن من مراقبة ديما مراقبة حثيثة لكن فشلت خططه، بدت فرح متعجبة من ردة فعلهما العابسة فهتفت بعدم اكتراث:
-وإيه اللي يضايق في كده؟ ما تخلونا سوا وخلاص، مش هايحصل حاجة يعني.

نظر لها يزيد مطولاً بنظرات غامضة أثارت فيها الفضول، لكن امتقع وجهها سريعًا حينما نطق قائلاً:
-بس عشان خاطر ديما و...
قرأ في نظراتها غضبًا جليًا توجس خيفة من توابعه، تدللت ديما في مشيتها أمامه لتقف بجواره قائلة بميوعة:
-ما تحمل همي، أنا عادي طالما راح نكون سوا
ضغطت فرح على شفتيها بقوة مانعة نفسها من الخروج عن وقارها الزائف والهجوم عليها وتسديد اللكمات العنيفة في وجهها المستفز، ابتسم آدم هاتفًا بمرح:.

-الله عليكي
همت فرح بالرحيل لكن قبض يزيد على ذراعها ضاغطًا بأصابعه عليه وهو يهمس لها من بين أسنانه:
-استني يا فرح
اعترض طريقها بجسده فحجب عنها رؤية ديما اللي تحركت في اتجاه القارب بصحبة آدم، أخفضت فرح نظراتها المشتعلة قائلة بتشنجٍ دون أن ترفع من نبرتها:
-أنا جبت أخري خلاص، عمالين تدلعوا وتهننوا فيها ومش فارق معاكو اللي واقفة بتولع هنا
وضع يزيد قبضتيه على كتفيها يفركهما بتريث وهو يقول:.

-عشان خاطري، كملي للأخر
رفعت أعينها في عينيه لتجده يطالعها بنظراته الدافئة التي امتصت غضبها، تنهدت قائلة بإحباط:
-أنا تعبت والله، دي عاوزة تموتني مفروسة
تلمس يزيد طرف ذقنها بظهر كفه فاقشعر بدنها من لمسته تلك، التوى ثغره بابتسامة هادئة وهو يطلب منها:
-ماتديهاش الفرصة تشمت فيكي، إنتي زي الفل والله!
أمسك بيده الأخرى كفها مكملاً بنبرة تشعل القلوب:.

-وبعدين أنا بأحبك يا فراشتي، وماينفعش أبص لواحدة تانية غيرك، ناسية ده ولا إيه؟
ظل يملي على أذنيها بمعسول الكلام الذي يذيب حواجز الغضب والضيق، استجابت له بإيماءة صغيرة من رأسها فتابع برفق:
-ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي، لف ذراعه حول عنقها ليضم رأسها إلى صدره، استكانت للحظات عليه مستمعة إلى دقات قلبه التي كانت تدق بحركات سريعة، اعتدلت في وقفتها حينما أردف بجدية:
-ثواني بس أرد على التليفون.

نظرت له بوجهٍ خالٍ من التعبيرات لكنها استمعت إلى حديثه القائل بجدية عبر الهاتف المحمول:
-أيوه يا فندم، أنا مع سيادتك
بدت كلماته غامضة ومقتضبة لكن عكست تعبيرات وجهه ضيقه، أنهى مع المتصل المكالمة قائلاً:
-تمام يا فندم، مع السلامة
زوت فرح ما بين حاجبيه متسائلة:
-في ايه؟
حك جبينه لثانية قبل أن يجيبها بحذرٍ:
-هو بصي للأسف احنا لازم نمشي دلوقتي
توترت من جملته تلك فسألته بتخوف:
-ليه؟ هو حصل حاجة؟

أجابها بتنهيدة مطولة:
-استدعاء
رمشت بعينيها مرددة بتساؤل مريب:
-مش إنت المفروض في أجازة؟
صحح لها قائلاً:
-لأ، دي مش أجازة، قصدي يعني ده وقت الراحة بتاعي
مدت ساقها للأمام قليلاً لتهز بعصبية كتعبير عن سخطها مما يحدث وهي تسأله:
-يعني هتمشي؟
تلمس ذراعها بقبضته قائلاً بابتسامة سخيفة كمحاولة فاشلة منه للاعتذار عن ذهابه المفاجئ:
-غصب عني يا فرح والله
نفضت يده عنها مرددة بعبوس:.

-أوكي براحتك، وسيبني أنا مع العقربة دي
رفع يديه أعلى رأسه ليضغط عليه قبل أن ينزلهما ويقول برجاءٍ:
-فرح، لو سمحتي ممكن نعقل وبلاش...
قاطعته بحدة طفيفة:
-أنا لحد دلوقتي بأتصرف بالعقل، أكيد ماطلعتش جناني عليها يعني، ولا إنت ليك رأي تاني.

ابتسمت لانفعالها المبرر، فديما تفننت بحق في استفزازها بشتى الطرق لكنها ضبطت انفعالاتها ببراعة لتفسد محاولاتها بالكامل، اقترب يزيد خطوة منها، ثم وضع قبضتيه برفق على جانبي ذراعيها، مسح عليهما برفق محبب هاتفًا بامتنان:
-أنا عارف ده ومقدره أوي، وعايزك تفضلي كده لحد نهاية اليوم ده
تحدثت من زاوية فمها قائلة:
-ربنا يسهل
أخفض ذراعيه حتى بلغ كفيها، عاود الإمساك بهما متابعًا بغموض مثير:.

-وأوعدك هاعوضك إن شاء الله، ماشي يا حبيبتي؟
نظرت إلى أصابعه التي تداعب كفيها قائلة:
-طيب
رمقها بنظرات والهة هامسًا بها بعشقٍ لا ينتهي:
-بأحبك
تورد وجهها من تغزله فيها وإضعافه لمقاومتها له، استدار برأسه للخلف ليبحث بعينيه عن آدم، رأه جالسًا بجوار ديما على متن أحد القوارب، فلوح له بيده صائحًا بنبرة عالية:
-آدم، يا ريس تعالى شوية.

أشار له الأخير بذراعه قبل أن يميل على ديما ليهمس لها بشيء ما، ثم هبط عن القارب ليركض في اتجاه يزيد وزوجته، سأله بصوتٍ شبه لاهث:
-خير يا باشا، مش هانطلع ولا إيه، ده أنا قعدت الصاروخ اللبناني على المدفع، قصدي في المقدمة!
رد عليه بجدية واضحة:
-فرح هتفضل معاها بس
سأله بعدم فهم:
-واحنا هنروح فين؟
أجابه بهدوء:
-القيادة عوزانا
تقوس فم آدم للجانب مبديًا سخطه، زفر قائلاً باستياء:
-وده وقته، نحس دكر بصحيح.

ربت يزيد على كتفه متابعًا بصيغة شبه آمرة:
-يالا يا آدم، هي مش ناقصة
نكس رأسه بحزن وهو يرد:
-على رأيك، هاروح أودع المزة وأرجعلكم
-طب أوام
-ماشي
التفت يزيد نحو فرح، نظر في عينيها محذرًا بجدية:
-خلي بالك من نفسك يا حبيبتي، مش هاوصيكي، لو حصل حاجة كلميني على طول
هزت رأسها قائلة بنبرة مطيعة:
-حاضر
انضم إليهما آدم بعد لحظات مرددًا بمرحه المعتاد:
-انجوي يا فرح، احنا مالناش بخت.

رد عليه يزيد باستنكار ملحوظ وهو يرمقه بنظراته الجادة:
-اللي يشوف كده يقول شيماء مكدراك
ضحكت فرح قائلة بتهديد مازح:
-فكرني يا سيادة المقدم أحكي لشيماء على اللي حصل
عبس آدم بوجهه معاتبًا:
-ترضيها لأخوكي؟ هاتبقى هي والزمن وسيادة اللواء!
ردت بابتسامة متسعة:
-يا حرام، خلاص مش هاقول حاجة
تهللت أساريره هاتفًا:
-الله عليكي يا ست الكل، وربنا فرح دي مالها زي
حذره يزيد بصرامة وقد قست أعينه:.

-بطل معاكسة في مراتي قدامي بدل ما ألبسك في الحيطة
تنحنح آدم متمتمًا بصوتٍ خفيض:
-أنا بأقول نمشي أحسن.

التفت يزيد نحو زوجته يودعها بمحبة واضحة عليه، كان مزعوجًا من تركها بمفردها معها وخاصة لكونه يعلم بحقيقتها المخيفة، ناهيك عن خوفها المسبق من كل ما له صلة بالمياه، ورغم يقينه بتغلبها مؤخرًا على تلك المخاوف إلا أنه لا يضم تجاوزها لذلك إن تعرضت لضغوط شديدة، أحنى رأسه عليها يقبلها من أعلى جبينها ثم أوصاها مجددًا بضرورة الانتباه، انتظرته حتى استقل السيارة وانصرف من المرفأ فعاودت التحديق في القارب، رأت زوج الأعين النارية التي تراقبها من الأعلى، نظرت لها فرح باستعلاء مغتر وهي تسير بخيلاء نحو القارب لتصعد على متنه، لحظات معدودة وكانت تجلس بجوار ديما التي رمقتها بنظرات شبه احتقارية وهي تقول بتكبرٍ:.

-ما كنت بتوقع إني راح إطلع معك
استرخت أكثر في جلستها وهي ترد ببرود محنكٍ:
-بختك بقى
مالت عليها ديما لتهمس له بنبرة أجفلتها قليلاً:
-لعلمك أنا ما بانسى أبدًا
ابتعدت فرح عنها رامقة إياها بنظرات حادة، استجمعت جأشها لترد بقوة:
-ولا أنا، واللي عملتيه مش هايعدي بالساهل!
قهقهت ديما ضاحكة وهي ترد ساخرة منها:
-بالله
أومأت فرح برأسها مؤكدة:.

-ايوه، الهبل اللي عملته من شوية كان عشان خاطر جوزي وبس، مش حابة إنه يتأذى بسببي
صفقت لها ديما بيديها قائلة بسخرية صريحة منها:
-أوه، رومانتيك
ثم وضعت ساقها فوق الأخرى لتضيف بغطرسة وهي ترفع أنفها للأعلى:
-شوفي يا حب، راح احكيكي بالمصري
جمدت فرح أنظارها عليها فاستأنفت حديثها:
-أنا اللي يدوسلي على طرف راح إدعسه!
تحدتها الأخيرة بعدم مبالاة:
-وأنا مستنية أشوف هاتعملي ايه
غمزت لها ديما قائلة بثقة أقلقتها:.

-ما راح اتركك تنتري كتير!

انطلق القارب يشق أمواج البحر وسط غناء وتصفيقات راكبيه الذين استمتعوا بتلك الجولة البحرية فيما عدا ديما التي كانت تركز كامل تفكيرها في استغلال الفرصة للتخلص من فرح، في حين بقيت الأخيرة تتلفت حولها بنظرات شبه قلقة، كانت تخشى من انقلاب القارب بصورة مفاجئة، خاصة أن ربانه كان يتعمد الارتطام بالأمواج ليثير حماسة الركاب ويزيد من تفاعلهم معه، شعرت بانسحاب أنفاسها لأكثر من مرة مع ميل القارب للجانب، ظلت تتنفس بعمق لتحافظ على هدوئها الزائف أمام غريمتها التي كانت تنظر لها باهتمام مراقبة ردة فعلتها المثيرة للفضول، مطت فمها للجانبين بحركة مثيرة قبل أن تسألها بهدوء صياد يدبر للإيقاع بفريسته:.

-ليش أعدة هيك؟
أجابتها فرح بابتسامة باهتة عكست اهتزاز نبرتها:
-عادي يعني
تفرست في قسمات وجهها المشدودة وهي تقول بعبث:
-شكلك ما بيحب هيك طلعات
نظرت فرح ناحيتها بانزعاج لترد بعدها:
-ممكن تخليكي في حالك؟

ابتلعت ريقها في حلقها الجاف وهي تشيح بوجهها بعيدًا عنها محاولة تركيز أبصارها في التطلع في أوجه المقابلين لها، تفرست ديما في وجهها جيدًا ليعلو ثغرها بعد ذلك ابتسامة انتصار جلية، فقد سهلت لها دون قصد فرصة ذهبية للتخلص منها دون أن تكبدها العناء، استندت بذراعيها على حافة القارب مرددة لنفسها بغرور واثق:
-مافي أسهل من الغرق...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة