قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الرابع

استقبلها رئيس الجريدة في مكتبه لتناقشه في تلك المسألة الحرجة قبيل انصراف القوة الأمنية بلحظات لكونها تمس أمهر الصحفيات فيها، أصغى لشكواها باهتمام كبير دون أن يقاطعها، نهض عبد السلام واقفًا من مقعده ليدور حول مكتبه، وقف قبالة إيلين ليستأنف حديثه الجاد قائلاً:
-اطمني، احنا مش هانسيبها، وارد إن يرتفع قضايا ويتعمل محاضر ضد الصحفيين بتوعنا، لكن احنا في ضهرهم
لمعت نظراتها بحزن واضح وهي تضيف مبررة:.

-مستر عبد السلام، فرح بتمر بأزمة نفسية صعبة، وحضرتك شايف شغلها عامل ازاي!
أشار لها بسبابته قائلاً:
-أنا مش محتاج لشهادتك عنها، أنا واثق منها
تنفست الصعداء لكونه يشكل دعمًا قويًا لأمثالهم من الصحفيين المجتهدين، هتفت قائلة بامتنان حقيقي:
-بجد ميرسي أوي يا مستر عبد السلام على وقوفك معانا
تابع مضيفًا بجدية:.

-أهم حاجة خليكي جمبها، وأنا هاكون معاكي على اتصال مباشر، وإن شاء الله مش هاسمح إنها تتحبس، هاطلعها مهما اتكلف الموضوع
أومأت برأسها عدة مرات وهي ترد مبتسمة:
-اوكي يا مستر، ويا ريت متوصلش لكده!
استأذنت بالانصراف لتتوجه فورًا إلى المشفى النفسي لتلحق بالضابط الذي سبقها إلى هناك لتكون حاضرة وتبلغ رئيسها بالجديد أولاً بأول.

اعتلى ثغرها ابتسامة متشفية بعد إنهائها لتلك المكالمة الهاتفية مع أحد أقربائها من ذوي الصلات القوية، أوصته باستخدام نفوذه الشخصي للتأثير على القائمين بالتحقيق في المحضر المقام ضد فرح ليعجل بإلقاء القبض عليها، ورغم المخاطر المحدقة بتلك الخطوة الجريئة منها إلا أنها لم تعبأ بتبعات فعلتها، جلست كريمة باسترخاء تام على الأريكة متطلعة أمامها بنظرات متشوقة لإفشاء حقدها في تلك التعيسة، نظرت لها كاميليا بعتاب وهي تقول:.

-والله يا ماما الموضوع ده هايقلب بمشاكل
لوت أمها ثغرها بتأفف واضح فتابعت موضحة خطورة الموقف:
-صدقيني إنتي اللي هاتضري فيها، مكانش ليه لازمة ده كله
نظرت لها شزرًا قائلة بتجهم:
-اطلعي منها زي أبوكي، أنا مش نقصاكي
ردت عليها ابنتها برجاء كبير:
-أنا خايفة عليكي
تمطت بكتفيها في جلستها قائلة بتفاخر جلي:
-اطمني، أنا مسنودة كويس أوي! وقريبي اللي كلمته قال هايعمل معاها الواجب وزيادة!

رفعت كفيها للسماء مكملة بنبرة مغلولة:
-إلهي يطفحوها الدم ويخربوا بيتها
انزوى ما بين حاجبيها بضيق واضح من تصرفها الغير مدروس، وسألتها مستفهمة:
-ليه بس بتكرهيها، فرح طيبة وماتستهل...
قاطعتها كريمة بحدة:
-ماتجبيش سيرتها قصادي، سامعة!
يئست كاميليا من إقناعها بالعدول عن قرارها الخاطئ مرددة باستسلام:
-براحتك يا ماما، بس افتكري كلامي
أولتها ظهرها لتتحرك في اتجاه غرفتها متابعة بصوت خفيض:
-ربنا يستر من اللي جاي.

ظن في البداية أنها مزحة سخيفة من أحدهم ليتلف أعصابه المشدودة مسبقًا، لكن بالطبع ليس الأمر هكذا وخاصة حينما يتعلق بالمسائل القانونية، مرر أعينه المحتقنة على وجه الضابط الذي كان يطالعه بنظرات جادة للغاية، هتف يزيد معترضًا على ما قاله بحدة واضحة:
-إيه الكلام ده؟ يعني ايه مراتي طالعلها أمر ضبط وإحضار؟

كتمت شيماء شهقة مصدومة كانت على وشك الخروج من جوفها موزعة أنظارها المذهولة بين وجه زوجها ورفيقه المنفعل، دقق الضابط النظر في زيه الرسمي وأدرك سريعًا أنه يتعامل مع أحد أفراد القوات البحرية فانتصب في وقفته قائلاً بنبرة رسمية:
-يا فندم أنا بأنفذ القانون، وزي ما حضرتك ليك شغلك، أنا كمان جاي أقوم بشغلي هنا، والمدام مطلوبة للتحقيق!
هتف فيه محتجًا بعصبية وهو يشير بيده للخلف:.

-إنت مش شايف وضعها عامل إزاي؟ هي أعدة بتلعب؟!
أضافت شيماء صائحة بنبرة حادة وهي تتحرك صوبه:
-إيه الظلم ده، فرح في حالها ومالهاش دعوة بحد!
منعها زوجها بذراعه من الوصول إليه محذرًا إياها بنظراته القوية، فتوقفت مجبرة عن الحركة والحديث، استشاطت أعين يزيد متابعًا بغيظ:
-مراتي محدش هياخدها من هنا
رد عليه الضابط بتريث عقلاني:
-حضرتك فاهم في القانون كويس، وده اسمه...
قاطعه بانفعال غير مكترثٍ:.

-ولا يفرق معايا، أنا اللي أقرر ايه اللي يخص مراتي
تنحنح آدم قائلاً بخشونة:
-اهدى بس يا يزيد، الأمور ماتدختش قفش
حدجه بنظرات نارية هادرًا فيه:
-ملكش دعوة يا آدم
في تلك اللحظة ظهرت إيلين من خلف الضابط مبدية أسفها لكونها سببًا في ذلك الموقف الحرج، فقد وصلت لتوها لتجد المشهد محتدًا، بدت تعبيراتها مزعوجة وهي تقول بخجل:
-أنا أسفة يا سيادة المقدم، مقدرتش أمنعهم و...
قاطعها الضابط مشيرًا بعينيه:.

-لو سمحتي يا أستاذة استني شوية
رد عليه يزيد بقوة وقد احتدت نظراته:
-بص يا حضرت الظابط، الموضوع ده في لبس أكيد، مراتي استحالة تعمل حاجة مخالفة
أضاف آدم هو الأخر مؤكدًا بثقة:
-عنده حق، هي مش من ال...
قاطعهما الضابط مرددًا بنبرة رسمية مستخدمًا ذراعه في التلويح:
-والله يا فندم ده هيبان في القسم
رد عليه يزيد متحديًا بعناد:
-وأنا مش هاسمح إنها تطلع من هنا.

وقف الضابط قبالته قائلاً بجمود دون أن تهتز عضلة واحدة من وجهه:
-مع احترامي لشخصك، الدكتور بتاعها اللي يقرر!

قام آدم باستدعائه فورًا لإبداء رأيه في مسألة إخراج فرح من المشفى من عدمه، بدا الطبيب حائرًا في الاختيار وهو يجوب بأنظاره على أوجه المحدقين به خارج غرفتها، هي على الأرجح ليست مريضة تعاني من حالة نفسية مستعصية ووجودها وسط العامة لن يشكل ضررًا، فما تمر به يعد أزمة يسهل التعامل معها إن تهيأت الظروف لمعالجتها، كان عليه حسم قراره فأردف قائلاً بارتباك رغم هدوء صوته:.

-ماظنش إن حالتها تستدعي إنها تأجل التحقيق
كور يزيد قبضة يده ضاربًا الحائط المجاور له بعنف كنوع من التعبير عن سخطه الشديد واستنكاره للأمر برمته، هتف آدم قائلاً بغموض:
-واضح إن الموضوع متوصي عليه جامد
رد عليه رفيقه بانفعال:
-مش هاسيبها
أضافت إيلين قائلة بجدية:
-أنا هاروح معاها يا سيادة المقدم، واطمن مستر عبد السلام هايبعت محامي الجرنال للقسم، جايز للموضوع علاقة بشكوى أو حاجة من التحقيقات اللي بنعملها.

فركت شيماء طرف ذقنها بإصبعيها متسائلة بغرابة:
-اللي مستغرباه إن الظابط مش عاوز ينطق بحرف عن الموضوع، تقولش سر حربي
رد عليها زوجها بامتعاض:
-هانعرف كل حاجة يا شيماء، ده غير...
قطم عبارته مجبرًا بسبب صراخ فرح المرتفع، لم ينتظر يزيد كثيرًا حيث اندفع بلا تفكير للداخل مقتحمًا الغرفة ومسلطًا أعينه القلقة عليها، هتف صائحًا بتلهف وقد تجمدت نظراته عليها:
-فرح!

تجاهلت ندائه لها في البداية لتجهش ببكاء مرير، أسرع نحو فراشها ليمسك بكف يدها مرددًا:
-فرح، إنتي معايا؟
استدارت ببطء نحوه لتحدق فيه بعينين باكيتين، هي أفاقت من جديد على الحقيقة المرة التي ظنت أنها وهمًا، توفيت والدتها وتركتها بمفردها في لحظة غادرة وبات عليها أن تصدق أن ذلك الأمر حتمي حتى لو أنكره عقلها للأبد، تصارعت المشاهد الصاخبة بعقلها وكأن كل شيء قد حدث بالأمس، همست من بين بكائها:.

-ليه مخلتنيش أصدق إنها عايشة؟
شعر أنها تحمله الذنب بكلماتها المعاتبة فابتلع غصة عالقة في حلقه قائلاً بحذر ممتصًا ثورتها الغاضبة:
-حبيبتي، أنا معاكي ومش هاسيبك!

تمنت شيماء لو عاد بها الزمن للوراء لما تسبب أبدًا فيما حدث خلال مراسم عقد القران، هي متورطة بشكل أو بأخر في ذلك، ورغم مسامحة والدتها لها إلا أنها عاهدت نفسها على تعويض ابنتها بقدر ما تستطيع، بدت أعينها مليئة بعبرات رقراقة فجاهدت ألا تلفت الانتباه لها، ومسحت ما علق في أهدابها بأناملها سريعًا، هتفت فرح متسائلة بحزن جلي باحثة عن كذبة تريح قلبها المفجوع لفراقها:
-هي مش راجعة تاني، صح؟!

تدخلت شيماء في الحوار محاولة التهوين عليها بعد أن رأت حالتها النفسية قائلة:
-ادعيلها بالرحمة، مامتك كانت إنسانة طيبة والكل بيحبها
ردت عليه بصوتٍ متشنج:
-بس ملحقتش أشبع منها
وقبل أن تواسيها بالمزيد من العبارات المدعمة ولج إلى الغرفة الضابط هاتفًا بجمود:
-أستاذة فرح عبد الحميد، معانا أمر ضبط وإحضار ليكي!

تجمدت العبرات في مقلتيها مصدومة من تصريحه الغريب، التفتت برأسها نحو زوجها لتظهر حيرتها جلية في أعينها، تعلقت أنظارها بوجهه وهو يقول بصلابة مستنكرًا تدخله السافر بدون أي مقدمات:
-لحظة واحدة، هي مش هتهرب يعني
رد عليه ببرود:
-أنا بأقوم بشغلي، وأظن لو سيادتك مكاني هتعمل ده
بدا التحدي بينهما واضحًا فتحفز كلاهما للأخر بصورة مقلقة، أراد آدم أن يلطف حدة الأجواء فهتف بحذر وهو يشير بيده:.

-ادينا بس دقايق نفهم المدام على الوضع بالظبط
رغم عدم اقتناعه إلا أنه ترك لهم مساحة من الخصوصية لتستوعب ما الذي يدور معها، وانسحب بهدوء ليقف بالخارج، أطلق يزيد سبة خافتة ثم التفت ناحية زوجته، مد يديه ليحتضن وجهها الباكي براحتيه، مسح بإبهاميه عبراتها قائلاً بقوة:
-متخافيش يا فرح، أنا معاكي يا حبيبتي!
لم تتعافَ بعد من صدمتها لتجد المصائب تتوالى فوق رأسها تباعًا، سألته بخوف واضح في نظراتها:.

-هو إيه اللي حصل؟ إيه الكلام ده؟
رد عليها بهدوء رغم احتقان غضبه بداخله:
-لسه مش عارفين
حاول أن يبث الطمأنينة في نفسها المضطربة، فتكالب الظروف عليها في ذلك الوقت العصيب قد يؤثر عليها أكثر ويفقدها إحساسها بالأمان بالإضافة إلى ما تعانيه حاليًا من مشاعر الوحدة واليتم، هتفت شيماء من الخلف قائلة بابتسامة باهتة:
-كلنا معاكي يا حبيبتي، مش هانسيبك
ابتسمت إيلين مرددة بمرح زائف علها تطمئنها هي الأخرى:.

-تلاقيها شكوى كيدية ولا حاجة، ما إنتي عارفة في مهنتنا دي بنشوف العجب!
ظلت أنظارها معلقة بوجهه الذي لم يفارقها بنظراته الثابتة مؤكدًا لها أنه درعها الذي سيحميها من أي خطر تتعرض له، أدار رأسه في اتجاه آدم صائحًا بصيغة آمرة:
-كلم حبايبنا من الموجودين هنا وفي أجازات يحصولنا
لم يخرج عن دهشته وهو يسأله باستغرابٍ:
-قصدك مين؟ اوعى تقولي الكتيبة!
التوى ثغره بابتسامة غير مريحة على الإطلاق وهو يرد مؤكدًا:
-أيوه.

اضطرت أن تستقل سيارة الشرطة رغم خوفها تنفيذًا لأوامر القانون، انكمشت في مقعدها ملتفتة برأسها للخلف لتجد زوجها من خلفها ومعه آدم وزوجته ورفيقتها إيلين، أشعرهم وجودهم حولها بنوع من الاطمئنان، تذكرت ما مرت به من موقف مشابه حينما استدعى لها زوجها الشرطة العسكرية مدعيًا هروبها من أداء مهامها المكلفة بها، ابتسمت لنفسها محاولة إبعاد أي أفكار سوداوية عن عقلها المنهك مسبقًا بسبب ما تمر به من ضغوطات قاسية، لاح في مخيلتها وجه والدتها البشوش، وبسمتها الناعمة، فترقرقت العبرات سريعًا في حدقتيها متأثرة بفقدانها، اعتقد الضابط لوهلة أنها مضطربة بسبب القبض عليها، لكن حينما رأى بسمتها المتناقضة نظر لها بفوقية وهو يستطرد حديثه قائلاً بسخرية ملحوظة:.

-افتكر واحدة زيك مش هيأثر فيها حاجة زي كده
كفكفت عبراتها بظهر كفها قبل أن تنهمر على وجنتيها عقب جملته الغامضة تلك، ثم عقدت ما بين حاجبيها بضيق واضح وهي تسأله:
-مش فاهمة حضرتك!
التفت برأسه للخلف موضحًا:
-يعني جوزك وعيلتك معاكي، شكلك هاتطلعي منها قبل ما نوصل هناك!
اغتاظت من تلميحه الضمني بكونها تسيء استخدام وظيفة زوجها لمصالح خاصة فسألته بتذمر لتتأكد من شكوكها:
-قصدك إني مسنودة؟

تحولت نظراته للازدراء قائلاً:
-تقدري تنكري ده؟
احتقن وجهها بحمرة منفعلة وهي ترد مدافعة عن نفسها بقوة:
-وحد قال لسيادتك إني متهمة في قضية مخلة بالشرف ولا حاجة؟ إذا كان أنا رايحة معاك القسم ومش عارفة مقبوض عليا ليه
أشار لها بيده بطريقة تحقر من شأنها وهو يرد:
-بطلي دوشة، هناك هتعرفي!
رمقته بنظرات حادة متمتمة مع نفسها بضيق كبير:
-قلة ذوق.

أشاحت بوجهها بعيدًا عنه لتحدق بأعين شاردة في الفراغ أمامها، أربكها أن تكون في موضع الاتهام دون أن تعرف أسباب ذلك، فربما الأمر أبسط من ذلك بكثير، لكن طريقة تعامل الضابط معها بغلظة فظة وعدم تقديره لظرفها النفسي الحرج ضاعف من فضولها...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة