قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والعشرون

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والعشرون

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والعشرون

اغتاظ من فعلتها السخيفة التي ربما كانت ستؤذيه بطريقة أو بأخرى رغم كونها عفوية إلا أنه أراد إخافتها قليلاً حتى وإن كان فقط يمازحها ويقضي وقتًا طيبًا معها، وقف يزيد أمام باب الغرفة يدقه وهو يقول بهدوء مريب:
-افتحي يا فرح مش هاعملك حاجة
استندت بيديها على الباب معتقدة أنها بذلك تشدد من غلقه بتدعيمه بثقل جسدها، هدرت برفض قوي:
-لأ إنت معاك الفار!
رد نافيًا:
-والله العظيم أبدًا، أنا رميت السبت باللي فيه.

صاحت به رافضة تصديقه:
-دي اشتغالة منك، ووقت ما أفتح هلاقيه في وشي
لم تكن لتقتنع أبدًا بسهولة أنه لا يريد إيذائها، فرك طرف ذقنه قائلاً بنبرة مستنكرة:
-مش للدرجادي يعني
سعل بصوت خفيض قبل أن يكمل مازحًا:
-يا شيخة ده أنا اللي كلت معاه مش إنتي
ردت عليه بقلقٍ واضح في نبرتها:
-ماهو عشان كده هاتكون عاوز تنتقم مني
ابتسم مضيفًا وهو يومئ برأسه:
-لأ خلاص، المسامح كريم
ردت عليه بتوجسٍ:
-طب إحلف.

حك مؤخرة رأسه بيده وهو يقاوم تلك الابتسامة العابثة التي تظهر على محياه ليضيف باقتضاب وبصوت خفيض:
-والله
لم تقتنع بنبرته الخافتة، استشعرت عدم جديته فهتفت بإصرار:
-لأ، احلف بجد
استنكر عدم تصديقها إياه، عبست ملامحه مرددًا:
-هو ده كان بهزار؟
تابعت موضحة:
-يعني قول والله العظيم مش معاك أي فيران
رد بنفاذ صبرٍ وهو يدق الباب بقوة جعلته يهتز:
-يا بنتي مش بأكدب، افتحي بقى خليني أنام
هللت قائلة بعناد مستفز:.

-لأ، نام برا
اغتاظ من تجاهلها المتعمد له، حاول تحريك المقبض عله يتمكن من فتحه قائلاً:
-وده ينفع؟
قبضت بيديها على المقبض لتمنعه من تحريكه وهي ترد معاندة إياه:
-لأ مش هافتح
فكر للحظة أن يلاعبها قليلاً، إذ ربما تنطلي عليها خدعته، انحنى يزيد للأمام واضعًا يده أسفل معدته وهو يتأوه متألمًا:
-آه، ايه المغص ده!
لم تتجاوب في البداية معه، ولكن حينما تكرر الأمر بصراخ مكتوب هتفت متسائلة بقلقٍ:
-مالك يا يزيد؟

تراجع مبتعدًا عن الباب لتستمع إلى وقع أقدامه وهو ينصرف فيزداد توجسها عليه، أجابها بعد ذلك بأنينٍ:
-مش عارف مالي يا فرح
سألته بخوفٍ استشفه من نبرتها رغم عدم رؤيته لتعابير وجهها المذعورة:
-حصلك حاجة؟
أجابها بنبرة موجوعة:
-بطني، آه
سألته بتلهفٍ:
- يزيد، اوعى يكون جالك تسمم؟
ارتفعت نبرته الصارخة بعد أن تأكد من تصديقها إياه:
-الظاهر الفار، آه، هاموت.

لم تستطع تجاهله أكثر من ذلك، سمع صوت المفتاح وهو يدار في قفله لينفتح الباب وتخرج منه راكضة نحوه، كان قد استقر على الأرضية جاثيًا على ركبتيه ومنكسًا رأسه على صدره ليبدو مقنعًا في تمثيله، جلست فرح إلى جواره تربت على ظهره وهي تسأله بخوفٍ حقيقي:
- يزيد، إنت كويس؟

اقشعر بدنه من لمساتها الحانية عليه واشتعلت حواسه بمشاعره التي يكنها لها، أمسك بها من رسغها قابضًا عليه فشهقت مصدومة، رفع وجهه إليها يطالع عينيها اللاتين ترمشان بتوتر بنظرات معاتبة، رفع حاجبه مرددًا بنبرة غير مريحة:
-بقى أنا تخليني أكل مكان الفار؟!
ارتعدت من طريقة إمساكه به، ابتلعت ريقها وحاولت أن تبدو قوية وهي تعنفه بتجهم مصطنع لكن خرجت نبرتها مرتعشة:
-بتضحك عليا.

جذبها بسهولة إليه لتسقط في أحضانه، استندت بكفها المحرر على صدره محاولة النهوض والابتعاد عنه لكنه قيد حركتها بقبضتيه لتصبح محاصرة كليًا منه، جمد أنظاره المتسلية عليها قائلاً بعبثٍ:
-على أخر الزمن إنتي تحوري عليا
توترت منه وهي تبرر موقفها:
-مش قصدي!
تابع مضيفًا باستنكار جلي دون أن ترف عيناه:
-سيادة المقدم يزيد جودة بجلاله قدره ياكل بواقي الزفت ده.

ردت عليه بارتباك وهي تتلوى برسغيها لتخلصهما من يديه المحكمتين حولهما:
-ما أنا قورت حوالين بؤه يعني
اغتاظ من عدم اعترافها بخطئها فهتف بها وهو يكز على أسنانه:
-كده أنا أطمن، صح؟
توسلته برجاء:
-اسمعني بس، أنا...
قاطعها مقلدًا إياها في نبرتها ومقوسًا فمه ليبدو مضحكًا:
-وعمالة بس تقوليلي اديني مساحتي، حريتي معرفش إيه، أنا تعبت، وكلام كبير كده.

رمشت بعينيها مستشعرة وجود تبعات خطيرة لاحقة بسبب طريقته المريبة تلك، رمقها بنظرات أكثر غموضًا وهو يضيف:
-وأول ماشميتي نفسك طلعتيهم عليا وأكلت مكان الفار!
لم تعرف بماذا تجيبه، خاصة أنها تقاوم رغبتها في الضحك ساخرة على تعبيرات وجهه الناقمة بطريقة تثير الرغبة في فعل ذلك، همست له من بين شفتيها:
-هي جت كده والله!
نهض من رقدته جاذبًا إياها معه دون أن يحررها وهو يكمل بوعيدٍ لا يبشر إلا بكل خيرٍ:.

-تعملي مغمى عليكي، شهيدة الغرام، مش هاصدق أي حاجة!
كانت مقاومتها معدومة بالنسبة لقوته الجسمانية، استجدته بارتباك مضاعف:
- يزيد
أوقفها قبالته على قدميها قائلاً بغموض يحمل في طياته العبث:
-هما كانوا بيقولوا ايه في الأفلام، أيوه الليلة يا عمدة!
سألته بصوت شبه لاهث:
-ليلة إيه؟
أحنى جسده للأمام ليتمكن من رفعها، ثم ألقاها على كتفه قائلاً بلهوٍ خطير:
-هتعرفي دلوقتي يا، حفيظة!

ركلت بقدميها في الهواء تتوسله أن يتوقف عما ينتوي فعله، ولج بها إلى داخل غرفة النوم ثم ألقاها على الفراش ليبدأ في دغدغتها في أجزاء متفرقة من جسدها لتعلو ضحكاتها وتجلجل في أركان الغرفة متناسيًا كلاهما ولو لحظات تلك الأحزان التي عكرت الصفو بينهما لليالٍ طوال، لم يفعل يزيد أكثر من ذلك، أراد فقط أن يسمع ضحكاتها، أن يرى وجهها مشرقًا بابتساماتها الساحرة، أن تلمع حدقتاها بوميض متلألأ، استمر كلاهما على تلك الحالة لبعض الوقت حتى خبت قواها وتعبت من كثرة الضحك، تمدد الاثنان على الفراش ليحدقا في سقفية الغرفة، مال يزيد برأسه للجانب ليطالعها بنظراتٍ شغوفة، همس لها بحب لم ينبع إلا من فؤاده:.

-بأحبك
أدارت رأسها في اتجاهه لتتأمل عينيه بوله العاشقين، تنهدت هامسة بحرارة:
-وأنا كمان
تقلبت على جانبها لتتعلق أنظارهما ببعضهما البعض، وضع يزيد يده على بشرة وجنتها يتلمسها برفق، وباليد الأخرى جذبها إلى أحضانه لتشعر بدقات قلبه التي تنطق باسمها هي فقط، حاوطته هي الأخرى بذراعها ليصبح صدر زوجها المأوى لها في نهاية المطاف.

عاد يزيد إلى وحدته العسكرية مضطرًا لكنه أخذ العهد من زوجته على بقائها في منزله طوال فترة غيابه، وافقت برحابة صدر مستغلة تلك الفرصة في التفكير في خطواتها التالية، لم تنقطع زيارات شيماء وصغيرتها سلمى عنها، وفي بعض الأحيان كانت تبيت معها ليلاً لكي لا تكون بمفردها فتدور برأسها الهواجس، كذلك كانت تعمل كحلقة الوصل – في الخفاء - بينها وبين زوجها القلق دومًا عليها لتنقل أخبارها إليه أولاً بأول ويطمئن عن طريقها على أحوالها دون أن تشعر أنها محاصرة منه، كذلك التقت بها إيلين وطفلتها مارسيل ليتناول الجميع الغذاء سويًا مختبرة من جديد مهاراتها في طهي الطعام لتتأكد من تحسينها لأجله، وتلك المرة حرصت على عدم وجود أي فئران قد سبقتها أولاً في تذوق ما ستعده.

انتهت شيماء من تنظيف الصحون المتسخة لتقول بإعجاب وهي توجه حديثها إلى رفيقة فرح التي اقترحت شيئًا مفيدًا:
-عندك حق يا إيلين، دي فرصة فعلاً يا فرح عشان تكتبي عن الصعيد والحياة هناك
وافقتها فرح هي الأخرى الرأي مرددة بامتنان وهي تعيد رص ما فرغت من تنظيفه في الخزانة:
-ماهو أنا مش هاعرف أخلع من الزيارة دي، فممكن أشغل وقتي بده
أضافت إيلين بجدية:
-وبكده مستر عبد السلام مضايقش من غيابك عن الجرنال.

ضحكت فرح متابعة بمزاحٍ متهكمٍ:
-شكله هايرفدني في الأخر، الكام شهر اللي فاتوا دول مكانوش ظابطين خالص معايا
ربتت إيلين على كتفها قائلة بودٍ:
-معلش يا بنتي، الظروف بقى، هو حد كان عارف إيه اللي هايحصل
أومأت برأسها متفهمة، ثم حركت رأسها في اتجاه شيماء التي سألتها باهتمام:
-صحيح، ناويتي علي إيه في موضوع عملية التجميل؟
أجابتها بعد تنهيدة طويلة:
-حددنا ميعاد مع الدكتور أخر الشهر وربنا يسهل.

ابتسمت لها شيماء مرددة بحماسٍ:
-إن شاء الله يا حبيبتي ترجعي زي الأول وأحسن
أضافت إيلين هي الأخرى بجدية:
-أيوه الطب أتقدم كتير الأيام دي، وخصوصًا جراحات التجميل!
مالت نبرتها إلى المزاح وهو تكمل مبتسمة:
-إنتي مش شايفة اللي عمالين يشفطوا وينفخوا لحد ما هيفرقعوا
ردت عليها شيماء بمرحٍ:
-غش تجاري يا فرح، احنا الأصل!
غمزت لها إيلين مضيفة بابتسامة ودودة:
-طبعًا، ومين يشهد للعروسة.

تعالت ضحكاتهن في المطبخ وهن يثرثرن بأريحية زائدة حتى حان موعد انصراف إيلين، وبصعوبة بالغة تمكنت من إقناع ابنتها بترك سلمى وتوديعها على وعد بمقابلتها مرة أخرى، تمكنت شيماء بسهولة من تدثير ابنتها في الفراش بعد أن مرحت طول اليوم مع صديقة جديدة تكبرها قليلاً، استغلت بعد ذلك الفرصة لتفاتح فرح في موضوع هام قد أجلته مضطرة، جلست إلى جوارها على الأريكة بالصالة مستطردة حديثها:.

- فروحة عاوزة أحكيلك عن حاجة كده
قطبت فرح جبينها متسائلة باهتمام وقد بدا على تعبيراتها الجدية:
-خير يا شيمو؟
أجابتها بترددٍ طفيف:
-فاكرة الأستاذ بركات، أبو كريم، جوزك الأولاني
حل الوجوم على قسماتها وردت بانزعاج مقتضبٍ:
-ماله؟
ردت مجيبة بحذرٍ:
-جالي المدرسة وكان قاصدني في خدمة.

تجهمت فرح للغاية بسبب تلاحق ذكرياتها في عقلها مع تلك العائلة التي أهانتها واستغلتها واستغفلتها دون اكتراث لمشاعرها ناهيك عن الإساءة الزائدة عن الحد معها والاتهامات الباطلة التي نالت منها بسببهم، امتعض وجهها بشدة وهي ترد بغضبٍ مبررٍ:
-أنا معدتش ليا لي علاقة بيه ولا بأي حد من عيلته، كفاية البهدلة والكدب و...
تفهمت شيماء ردة فعلها فقاطعتها معللة:
-أنا فاهمة ده كله، بس هو استرجاني عشان أكلمك.

صمتت فرح عن الكلام لتزفر بصوت مسموع، شعرت بمرارة تجتاح عقلها لمجرد استعادتها للقليل مما عاشته واختبرته؛ الخداع والكذب والإهانة هي أبرز ما مرت به معهم، طال صمتها فتوجست شيماء من ردة فعلها المجهولة، حاولت أن تخفف من حدة الأمر فأردفت قائلة بارتباك:
-بصي هو براحتك طبعًا توافقي أو ترفضي، بس أنا هابلغك باللي طلبه مني
استاءت الأخيرة مما تلقيه على سمعها فهتفت متسائلة بنفاذ صبر:
-عاوز إيه؟

أجابتها بتريث وهي تراقب ردة فعلها:
-كان عاوز يقابلك يكلمك ولو لخمس دقايق، وعشمان إنك توافقي على طلبه ده
-ليه؟
-معرفش، بس أنا وعدته إني هاعرفك
جمدت فرح أعينها المحتقنة غضبًا على وجهها قائلة بنبرة شبه مختنقة:
- شيماء، اللي عملوه فيا مش قليل!
وضعت الأخيرة يدها على كفها تضغط عليه برفق وهي تتوسلها بابتسامة باهتة:
-اسمعيه، جايز يكون فعلاً عنده حاجة مهمة، إنتي مش هاتخسري حاجة.

سحبت يدها من أسفل قبضتها لتتطلع أمامها بقسوةٍ، لم تتمكن من إخفاء ذلك الألم الذي نغص عليها سكينتها الحالية، عبست بوجهها رافضة بجدية:
-مافيش داعي، كمان يزيد لو عرف إني قابلت حد من العيلة دي هيضايق، وأنا مش عاوزة مشاكل، كفاية وضعنا!
هزت شيماء رأسها مدعمة رأيها وهي ترد:
-عندك حق، بناقص منه الموضوع ده!

استمرت كلتاهما في التحديق في شاشة التلفاز للحظات قبل أن يقطع متابعتهما للفيلم المعروض عليه اتصالاً هاتفيًا ب شيماء، نهضت لتتمكن من الرد عليه دون أن تثير انزعاج فرح التي شردت تفكر في ماضيها بكل ما فيه، أخرجها منه صوت شيماء القائل بلطفٍ:
-بأقولك ايه، عاوزاكي في خدمة كده لأختك حبيبتك، بس أمانة عليكي ما تكسفيني.

خشيت أن تعيد عليها ذلك الطلب المزعج من جديد، فهي لن تتراجع عن الرفض، زمت شفتيها متسائلة على مضض وهي مسلطة أعينها عليها:
-ها، إيه تاني؟
جلست من جديد إلى جوارها تثني ركبتها أسفل جسدها لتسترسل في حديثها قائلة:.

-بصي يا ستي احنا في المدرسة عاملين فان داي للأطفال، والمصور اللي اتفقنا معاه اعتذر، وبصراحة مش لاقيين حد نثق فيه ويكون بروفيشنال يغطي الحفلة دي، وخصوصًا إنها بكرة الصبح، يعني مافيش وقت ندور على حد يلحقنا، ده غير إن أغلب المصورين بيكونوا نايمين أو بيعتذروا عشان عاوزين فلوس أكتر و...
قاطعتها دون تفكير مطول:
-معنديش مانع
اتسعت عيناها غير مصدقة وهي تردد بصدمة بائنة في نبرتها:
-بجد؟

ردت عليها فرح ببسمة ودودة تعكس نواياها الصافية وقلبها الرقيق:
-أيوه، إنتي عارفة أنا بأعشق التصوير أد ايه
على الفور احتضنتها شيماء بذراعيها قائلة بامتنان كبير:
-ربنا يخليكي يا فرووح، مش عارفة أقولك إيه والله
تراجعت عنها ترمقها بنظراتها الصافية وهي تقول:
-ولا حاجة، احنا إخوات...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة