قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الخامس عشر

تجنبت التواجد إلى جوارها كي لا تعطيها الفرصة لاستثارة أعصابها أكثر، ابتعدت عنها لتقف عند الطاولات المخصصة لتقديم أطباقًا خفيفة من الطعام كنوع من الترحيب بالزوار، التفتت فرح برأسها للجانب لتختلس النظرات نحو زوجها الذي انزوى عن الحضور ليتحدث مع قادته، عاودت التحديق في صحن الطعام الذي تملأه بالمأكولات الخفيفة، انتفضت بخفة حينما سمعت صوتًا يقول من خلفها:
-منورة القاعدة كلها.

استدارت للجانب لتجد آدم يطالعها بنظراته المرحة، عاتبته قائلة:
-كده برضوه، ينفع تخضني بالشكل ده؟
ابتسم لها معتذرًا بود:
-حقك عليا يا مرات أخويا
أومأت برأسها قائلة بابتسامة صافية:
-ماشي، مقبولة منك
التقطت بأصبعيها قطعة من الحلوى المخبوزة لتدسها في فمها، سألها آدم باهتمام وهو يتناول قطعة مثلها:
-ايه الأخبار معاكي؟
أجابته بفتور:
-عادي.

وقعت أنظارها على ديما فرأتها تتعمد التغنج بجسدها واصطناع الدلال مع من حولها لتحصل على انتباههم الكلي، تبدلت تعبيراتها للسخط والانزعاج، فقد بدا ما تفعله زائدًا عن الحد المسموح، والغريب أنها لا تلقى أي اعتراض من الأخرين، لاحظ آدم ذلك التغير الحادث على قسماتها فسألها مستفهمًا:
-مال وشك، شكل الأمور مش ولابد معاكي
أجابته بامتعاض:
-لأ، أبدًا.

احتدت نظراتها بصورة واضحة حينما رأت ديما تقترب منها قاصدة إياها، التفت آدم نحو ما تحدق فيه زوجة رفيقه، انفرجت شفتاه هامسًا بإعجاب وهو يطالع صارخة الجمال بنظرات مشدوهة:
-إيه الصاروخ اللي داخل علينا ده
لوت ثغرها مرددة بتجهم:
-قصدك ديما
اشتد في وقفته ليبدو أكثر شموخًا وطولاً وهو يتابع بمدحٍ:
-هو في كده
رأت ديما نظرات الإعجاب جلية في ذلك الضابط الواقف قباله فرح، فتعمدت التدلل أكثر وهي تقول برقة:.

-هاي، أنا ديما، ما بتعرفيني فرح على الزلمة
مد يده سريعًا لمصافحتها هاتفًا بنزق:
-أنا المقدم آدم الجزار يا مزة
بادلته المصافحة بتلمس أصابعه برقة أكثر لتثير غرائزه بتلك الطريقة المفتعلة، همست قائلة بلطف وهي تبتسم له ابتسامة خطيرة:
-ياهلا فيك
سألها آدم باهتمام دون أن يبعد أنظاره عنها:
-إنتي مش مصرية بقى
أجابته بغرور يليق بدلالها:
-أنا من لبنان.

انزعجت فرح من استرسالهما في الحوار دون مراعاة لوجودها، وعلى قدر الإمكان جاهدت لتضبط انفعالاتها كي لا تظهر لها ضيقها، تهللت أسارير آدم أكثر وهو يقول بلا تفكير:
-بجد، شو أحوالك، شو أخبارك، شو تسوي؟
ثم غمز بطرف عينه لفرح ليضيف مداعبًا:
-جملتين حافظهم من الأفلام
تحولت نظراتها للحدة وهي تحذره بغلظة:
-خف يا آدم، دي صحفية معانا هنا!
وكأنها لم تنطق شيئًا، فتجاهلت ديما ما رددته لتضيف بنعومة:.

-إنت كتير مهضوم! راح نكون رِفقات
اتسعت ابتسامة آدم على الأخير وهو يرد:
-طبعًا
نفخت فرح بصوت مسموع لتبدي سخطها واستنكارها مما يحدث بينهما، التفتت ديما نحوها لترمقها بنظرة متهكمة من طرف عينها قبل أن تقول بهدوء رقيق:
-بدي أتركك مع المدام فرح، شكلها كتير معصب
اعترض آدم طريقها قائلاً بضيق:
-لأ استني، احنا مالحقناش ناخد وندي بشكل ودي
ابتسمت له قائلة:
-عندي إيشي مع رفقاتي، بدك تعذرني.

تنهد آدم مضيفًا باستسلام أمام إصرارها على الذهاب:
-ماشي، وأنا موجود لو ناقصك أي حاجة
غمزت له قائلة بابتسامة مغرية:
-يسلملي ها الرِجال
لوحت له بأطراف أناملها تودعه ثم أولته ظهرها لتسير مبتعدة عنهما، همس آدم من بين شفتيه بانبهار:
-هو في كده
وبخته فرح بجدية:
-آدم، ماينفعش كده!
التفت ناحيتها مرددًا باعتراض وقد عبست ملامحه قليلاً:
-هو حد يقول للنعمة لأ
حدجته بنظرات قوية وهي تسأله:.

-هي فيها إيه زيادة عننا عشان الكل يريل أول ما يشوفها؟
أجابها مبتسمًا:
-دي امرأة بلا قيد
تركت فرح ما بيدها من صحن على الطاولة لترد بجدية شديدة:
-والله
مال عليها هامسًا:
-أيوه، يعني فرصة حلوة لتقريب الثقافات وتبادل الخبرات.

انتبه كلاهما لصوت تلك الضحكة العالية فتحولت أنظارهما على ديما التي كانت تضحك مع بعض المراسلين، التقت أنظارها بآدم فلوحت له من بعيد، أشار لها بكفه مرددًا بنفس الابتسامة البلهاء التي تعلو ثغره:
-يؤبرني ها الحلو
استاءت فرح من تصرفاته هو الأخر، فقست تعبيراتها على الأخير وهي تهتف بصرامة:
-آدم
استدار ناحيتها متسائلاً:
-شو؟
هددته قائلة بلهجة حادة:
-طيب أنا دلوقتي هاتصل بشيماء وأقولها على اللي بتعمله!

تلاشت الابتسامة من على محياه ليحل الانزعاج والضيق من جديد على تعابيره، ازدرد ريقه قائلاً بامتعاض انعكس على نبرته:
-خلاص، أنا مش ناقص عكننة!
عاود التطلع إلى ديما متأملاً تمايلها الصارخ وهي تنحني لربط حذائها الرياضي، تنهد قائلاً:
-منورانا يا فرح، نورك غطا على معركة الصواري كلها
حركت أعينها لتحدق هي الأخرى فيها، وردت باستنكار:
-ده بجد
استأنف آدم حديثه قائلاً:
-عليكي شوية طوربيدات إنما إيه تفجر المحيط.

فهمت المغزى العابث من جملته الأخيرة فحذرته بصلابة:
-آدم
تنحنح قائلاً بخشونة:
-ده أنا بأراجع معاكي التاريخ، معركة إغراق المدمرة إيلات!
أشارت له بعينيها متابعة بنبرة آمرة:
-امشي يا آدم بدل ما...
قاطعها بخوف:
-هامشي يا ستي!
ودعها ليتحرك في اتجاه رفاقه الأخرين، أشار ليزيد بيده هاتفًا بجدية:
-سيادة المقدم، عاوزك في كلمتين
التفت الأخير نحوه مرددًا:
-تمام
وقف إلى جواره يسأله باهتمام:
-في إيه يا آدم؟
أجابه بغموض:.

-اللي إنت طلبته حصل، بس خد بالك فرح شايطة من المزة اللبناني
تحدث يزيد من زاوية فمه قائلاً على مضض:
-شغل غيرة ستات!
اتسعت ابتسامة آدم مضيفًا بحماس:
-والتانية الصراحة هتدخلنا جهنم الحمرا بعمايلها، محدش أدها الصراحة
حذره يزيد بصرامة:
-اركز، قولنا إيه
ربت آدم على صدره قائلاً بجدية زائفة:
-اطمن يا باشا!
-والله أنا ما شايل هم إلا منك!

كركر آدم ضاحكًا من استخفاف رفيقه به، وظل يتبادل معه حديثًا تنوع ما بين الجدية والمزح، في حين راقبت فرح من تفتعل الأنوثة الطاغية بأعين كالصقر متجاهلة ما يدور حولها، همست من بين أسنانها تتوعدها:
-واضح كده إنك مش هاتجبيها لبر، وأنا مش هاسكت عن المسخرة دي!
أخرجها من تفكيرها الانتقامي صوت يزيد الهاتف:
-فرح.

التفتت نحوه لتجده مقبلاً عليها، شعرت بالارتياح لقربه منها وكأن بحضوره سحرًا ما، اعتلى محياها بسمة رقيقة وهي تهتف باسمه:
-يزيد
تأمل وجهها بنظرات ملية وهو يسألها:
-في حاجة نقصاكي يا حبيبتي؟
هزت رأسها نافية:
-لأ، كله تمام
وضع يزيد قبضته على ذراعها يتلمسه متابعًا بجدية:
-بصي لو قلقانة من طلعة البحر إنتي ممكن تغطي من هنا، أنا عارف إنك...

رقص قلبها طربًا لاهتمامه الحاني بها، هو لم ينسَ رهبتها السابقة من البحار، مازال متذكرًا لتلك التفصيلة الهامة، اجتهدت هي لتتغلب عليها مستشعرة وجوده الأمن بجوارها، ابتسمت مؤكدة:
-اطمن يا حبيبي، أنا مستعدية
مسح على ذراعها قائلاً بهدوء:
-ماشي يا فرح، وأنا جمبك متخافيش من حاجة
أومأت برأسها مرددة بابتسامة لطيفة:
-اوكي.

لم تكن لتتركهما نظراتها المتقدة للتعرف على شخص مثله، هو لفت انتباهها منذ حديثه، استشعرت من تأملها المتفحص له ما لديه من قوى جسمانية، هي بحاجة للتعرف على شخص مثله، فدومًا في جولاتها الصحفية تلتقي بالأبرز والأقوى بل والأشجع في عالم الذكور، وكأن في ذلك إشباعًا لغريزتها الأنثوية، لم تتردد كثيرًا في التودد إليه وبسط شباكها عليه، خطت مسرعة نحوه لتقول بنعومة زائدة:
-بونجور، أنا ديما.

نظر يزيد إلى يدها الممدودة شزرًا، من الطبيعي لديه أن يصافح من يمد يده إليه، لكن في حالتها تلك ومع نظرات فرح المزعوجة لها أثر أن يشبك يديه خلف ظهره وهو يقول بنبرة رسمية:
-أهلاً وسهلاً
استندت ديما بيدها على ذراعه لتثير في نفسه رعشة مزعوجة من تصرفها الغير لائق، شعرت بما اعتراه، فالتوى ثغرها بابتسامة ماكرة وهي تقول:
-اكتير متشوقة أتعرف عليك.

فغرت فرح شفتيها مصدومة مما يحدث، فتلك الوقحة تتصرف بعدم حياء مع زوجها وكأنه مستباح لها، اصطبغ وجهها بحمرة كلية محاولة منع تدفق الدماء المغلولة في عروقها والتي تحثها على الإمساك بها من شعرها وجذبها منه أسفل قدميها لتنهال عليها بالركلات لتجرؤها على زوجها، تراجع يزيد خطوة للخلف ليبعد يدها عنه، بل وبدا أكثر جدية وخشونة وهو يرد:
-ليه؟
أجابته بغرور واثق:.

-من فرح، عم تحكي عنك ليل نهار، ما تكسفي حبيبتي، من حقه يعرف
هتفت فرح باستنكار وقد انفجرت غضبًا:
-محصلش، ماتقوليش حاجة على لساني كدب!
أدرك يزيد أن زوجته في حالة شبه منفعلة فلف ذراعها حول كتفها ليحتضنها دون اكتراث بمن حوله قائلاً بتفاخرٍ:
-شكرًا، أنا مش محتاج مراتي تقول ده، أنا بأحس بقلبها، صح يا حبيبتي.

رأت فرح من طريقته احتوائًا سريعًا لنوبتها المتعصبة، ابتسمت له بامتنان تشكره بنظراتها على تصرفه الحكيم، مسح برفق على ذراعها ليضيف باقتضاب:
-هاسيبكم مع بعض، عن اذنكم
اعترضت ديما طريقه قائلة بتحدٍ وكأنه تتعمد إغاظة فرح وإلهاب عواطفها:
-راح نتقابل أكيد
نظر لها بازدراء دون أن يعلق عليها قاصدًا إحراجها، ثم تحرك مبتعدًا عن الاثنتين، تحولت نظرات فرح للقتامة وهي تقول:
-بيتهيألي أنا...
قاطعتها ديما بغطرسة:.

-أنا ما عملت إيشي لسه، بيبي!
نفثت فرح دخانًا من أذنيها بسبب أسلوبها المستفز وتصنعها للبراءة والدلال، لقد بدت أقرب لكونها تخفي شيئًا ما، ولن تتراجع فرح عن كشفه حتى لو في ذلك هلاكها.

توقف الجميع على مقربة من المرسى استعدادًا للانتقال بالزوارق –كل على حسب مهمته- إلى القطع البحرية المختلفة، كان من نصيب فرح التواجد على إحدى حاملات الطائرات الميسترال، انبهرت بضخامة تلك القطعة البحرية الهامة، والتي يتجاوز طولها المائة وتسعة عشر مترًا، كانت قد قرأت عنها مسبقًا، لكنها المرة الأولى التي تكون على متنها، الميسترال مخصصة لحمل الدبابات، والمدرعات، ومركبات القتال بالإضافة إلى الطائرات الحربية وتخزين طائرات نوع الهل وتمويلها بالوقود، هي مجهزة للبقاء في مياه البحار لمدة تتخطى السبعين يومًا، فتعد من أهم القطع في الأسطول البحرية، هي تفوق الفرقاطة حجمًا وشكلاً، تلاشت رهبتها مع إعجابها بضخامتها، كان في استقبالها زوجها الذي بدا وسيمًا في زيه العسكري، لم تستطع إخفاء نظرات عشقها له، مدت يدها لتصعد على الدرج المعدني فأمسك بها يعاونها في صعودها، ابتسمت له بنعومة وهي تقول:.

-ميرسي
رد بهدوء مقاومًا ابتسامته الساحرة:
-نورتي الميسترال، خدي بالك، مش هاوصيكي
أومأت برأسها قائلة بنعومة أكبر:
-حاضر يا حبيبي
حذرها بنظراته من عدم استخدام سلاحها الأنثوي الجذاب في التدلل عليه مؤكدًا من جديد:
-قولنا إيه
لوحت بإصبعيها مرددة بجدية مصطنعة:
-تمام يا سيادة المقدم.

سار الاثنان معًا يتفقدان الحاملة، أبدت فرح اهتمامها بكل ما يمليه عليها زوجها من معلومات هامة ومفيدة في تقريرها، ولم تكف عن التقاط الصور المميزة لبدن الحاملة والأسطح المختلفة بها، ظلت الأوضاع هادئة نسبيًا حتى وقعت أنظار يزيد على تلك المتغنجة والقادمة نحوهما، هتف بامتعاض:
-وإيه اللي جاب دي كمان؟
التفتت برأسها حيث ينظر متسائلة بعدم فهم:
-مين دي؟

تجمدت أعينها على وجه ديما التي كانت تبتسم بسخافة، اتسعت مقلتاها بذهول واضح، تمتمت من بين شفتيها بصدمة:
-مش ممكن
لوحت لهما ديما بيدها وهي تقول بتصنع:
-هاي، مو معقول هاي الميسترال، كتير بتعقد، هاي دي أول مرة بتواجد عليها
امتقع وجه فرح على الأخير واكفهرت تعبيراتها من أسلوبها المثير للأعصاب لم تستطع ضبط انفعالاتها، فزفرت بامتعاض وهي تقول:
-كده كتير بجد، ممكن كلمة على جمب يا سيادة المقدم.

شعر يزيد بما يعتريها فأشار لها بعينيه لتتبعه بعيدًا عن تلك السمجة المتطفلة التي تستفزها، هتفت بعصبية رغم انخفاض نبرتها:
-ازاي تسمحولها تيجي معايا؟ المفروض تروح تغطي في مكان تاني، كده...
فهم على الفور سبب تعصبها الواضح فقاطعها قائلاً بجدية وقد قست تعابير وجهه:.

-فرح مش أنا مسئول التوزيع، أكيد المنسق الإعلامي اللي اختار مكانها، وبعدين إنتو طاقم مراسلين، يعني طبيعي تتواجدوا في كل مكان عشان تغطوا المناورة
ردت بحدة وقد احتدت نظراتها:
-عمومًا عتابنا مش هنا
حذرها بجدية وقد بدا منزعجًا من افتعالها للمشاجرات:
-هو إنتي هاتعملي مشكلة من لا شيء؟
توترت علاقتهما نوعًا ما فلاحظت ديما ذلك، أرادت أن تستغل الفرصة لتفرض نفسها عليهما، اقتربت منهما متسائلة:
-شو؟

توقف الاثنان عن الجدال ليرمقاها بنظرات حادة، استطرد يزيد حديثه قائلاً بنبرة رسمية:
-أستاذة فرح هاتكون معاكي
اعترضت عليه ديما قائلة بعبوس لطيف:
-بس عندي كتير تساؤلات، بدي مساعدتك إنت
نظر لها بقوة وهو يرد بجمود:
-زي ما قولتك، أستاذة فرح تحت أمرك
رمقته ديما بنظرات ذات مغزى، ادعت إصابتها بدوار البحر، فاستندت عن قصد بذراع يزيد متعلقة به وهي تقول بحرج زائف:
-بأعتذر منك، كتير الجو شوب، وأنا مو متحملة.

فغرت فرح شفتيها مشدوهة مما تفعله، حدقت فيها تنتوي إحراقها حية لتعمدها التجاوز معه، أبعدها يزيد عنه قائلاً باقتضاب:
-ألف سلامة
تراجع خطوة للخلف ليضيف بجدية:
-رأيي تركزي مع أستاذة فرح أحسن! سلام!
ابتسمت له قائلة بتسلية:
-ميرسي، بس عنجد إنت اللي بدي إياك مو هي.

وكأنها تتعمد إضافة الزيت على النيران المستعرة لتزيد من تأججها، قبضت فرح على ذراعها لتديرها نحوها وهي تقول بشراسة واضحة في نبرتها وكذلك في أعينها المستشاطة حنقًا منها:
-عاوزة إيه؟
نفضت يدها عنها قائلة بتأفف قاصدة تجاهلها:
-مو هلأ!
حذرتها فرح بحدة وقد توهجت نظراتها على الأخير:
-بصي يا ديما، واضح كده إنك ناوية على مشاكل معايا، فأحسنلك تبعدي عني، لأني مش هاسكت عن اللي يخصني.

ابتسمت لها بتهكم وهي ترد بنبرة ذات مغزى:
-حبيبتي، إنتي بعدك ما شوفتي إيشي مني!
اقتربت منها حتى وقفت قبالتها، حدجتها بنظرات تحمل العدائية الصريحة لتتابع بعدها بنفس الأسلوب الساخر:
-أنا ديما غازي مو فرح ما بأعرف شو!
تفاجأت فرح بما تتفوه به، لم يأتِ بمخيلتها أن تتحداها بتلك الفجاجة، استخدمت ديما سبابتها في لكزها من كتفها عدة مرات وهي تواصل تهديدها الضمني قائلة بتهديد أشد شراسة:.

-فبدك تعمليلي مليون حساب مو واحد بس...!

استشاطت نظراتها نحوها بعد تهديداتها الصريحة لها، اشتعل وجهها بحمرة غاضبة، فإن كانت تتعمد تلك السمجة استفزازها فقد نجحت في ذلك وببراعة، أوصلت فرح لقمة غضبها المستعر منها، فلم ترغب في تركها دون الرد عليها، لذلك انتصبت في وقفتها الشامخة، رمقتها بنظرات مهينة شملتها من رأسها لأخمص قدميها قبل أن تستطرد حديثها قائلة بقوة لا تعرف من أين أتتها لكنها نبعت من حنقها عليها:
-شوفي بقى يا، ديما.

نظرت لها الأخيرة شزرًا مبدية انزعاج طفيف من لكنتها التي تحوي القليل من التهكم، تابعت فرح بثباتٍ قوي:
-إن كنتي فاكرة بالكلمتين دول هاخاف، تبقي غلطانة
ابتسمت ديما قائلة بتهكم:
-لك شو...
قاطعتها مشيرة بسبابتها وقد احتدت نظراتها:
-سيبك من الهري اللبناني ده، ولا يأثر فيا
تحركت خطوة للأمام نحوها مكملة بشجاعةٍ:
-بس اعرفي كويس إني لا بأخاف ولا بأتهدد، مش عشان أنا صحافية ولا غيره.

رمقتها ديما بنظرات متحدية مستمتعة بما تردده فرح من تهديدات غير قابلة للتصديق – من وجهة نظرها – متعمدة السخرية منها، ابتسمت بتهكم أكثر لتتأكد من وصول المغزى من استخفافها بها إليها، لم تكترث فرح بما تفعله من تصرفات غرورية تستفزها واستأنفت حديثها قائلة بثقة أكبر:.

-اللي بتكلمي عنه ده يبقى جوزي، ومش هاقولك ده خط أحمر ولا حتى خطين حُمر، كفاية إنك تعرفي كويس إن اللي هاتقرب منه هاقرقشها بسناني، جايز إنتي مجربتيش الست المصرية اللي بتحب جوزها وبتغير عليه ممكن تعمل ايه، فاحسنلك إنتي تخافي مني!
كركرت ديما ضاحكة كتعبير عن استهزائها بها وهي تقول:
-بالله، راح انجلط من الرعبة
لكزتها فرح بكتفها بقوة وهي تندفع للأمام هاتفة لها بازدراء وقاصدة تقليدها:.

-شور يا بيبي، هتنجلطي وعلى إيدي!
تأوهت ديما من الألم المباغت، وتابعت بأنظارها الحادة فرح وهي تنصرف مبتعدة عنها حتى اختفت من أمامها، كتفت ساعديها أمام صدرها محدثة نفسها بتحدٍ سافر:
-إنتي ما بتعرفيني بعد
توقفت عن تحديقها بها حينما سمعت صوتًا يقول من خلفها:
-اتفضلي معانا يا أستاذة
التفتت ديما برأسه لتجد أحد الضباط يشير لها لتتبعه، سألته مستفهمة:
-لَوين؟
أجابها بجدية:.

-المقدم يزيد مبلغني إن حضرتك المفروض هاتتواجدي على السطح عشان زاوية التغطية
هزت رأسها بتفهم، فقد كان يقصد بذلك مكان تواجدها أثناء إدارة المناورة لتتمكن من المتابعة والتصوير بحرفية أكبر، ابتسمت له قائلة برقة:
-راح إجي معك
سارت خلفه وابتسامة ماكرة تعلو ثغرها، فقد باتت متحمسة للقيام بمهامها الرسمية، والغير رسمية أيضًا.

-ملقاش حاجة خالص
قالها آدم وهو يستند بيده على الحافة المعدنية في الزاوية القصوى بالجزء الخلفي للميسترال وقد ركز أعينه على وجه يزيد الواقف إلى جواره، سحب الأخير نفسًا عميقًا لفظه ببطء ليرد بعدها بنبرة جادة وقد ضاقت نظراته المسلطة على نقطة ما بالفراغ:
-أكيد مش هاتسيب حاجة وراها هناك في الفندق
أضاف آدم مؤكدًا:.

-طبعًا، هما اللي زيها عبط، دول مدربين على النوعية دي من المهمات، ورجالتنا ماسبوش خرم إبرة في الأوضة إلا وفتشوه
أخفض نبرته ليتابع بعبث:
-كان ناقصني أفتشها بنفسي تفتيش ذاتي!
رد عليه موضحًا:
-هي جاية عشان غرض معين، ولولا المخابرات مكوناش عرفنا مين هي
حك آدم ذقنه الحليقة قائلاً باستنكار:
-ايوه، ديما فايجوسكي، وشوف بنت اللذينة عاملة فيها لبنانية وتقولك يؤبرني وما أدري شو، بس على مين مايخلش عليا!

فرد يزيد كتفيه مضيفًا بجدية:
-كل ده عشان ماتلفتش الانتباه، دول بيبقى معاهم أكتر من لغة وأكتر من جنسية وبيتنكروا في حاجة متعرفش تشك فيها
هز رأسه مؤيدًا إياه:
-ايوه
تابع يزيد قائلاً:
-وكون إنها مراسلة حربية هيخليها تتواجد في أخطر المناطق ومع قوات الجيش وتنقل على الطبيعة اللي بتشوفه للي مشغلينها
أشار آدم بيده وهو يقول:
-يا ريت نقدر نكشف عن طريقها شبكة التجسس اللي هنا
أومأ يزيد برأسه قائلاً:.

-هايحصل إن شاء الله، احنا مسكنا طرف الخيط، وأكتر من جهاز مشترك معانا في العملية دي، وقريب أوي هنوقعهم!
حذره آدم بقلق طبيعي:
-بس فرح مش هاتسلك معاها، إنت شايف الوضع عامل ازاي بينهم
حرك يزيد رأسه في اتجاهه ليضيف بجدية:
-وجود فرح مهم عشان تغطي علينا وإلا في احتمال نتكشف
ابتسم آدم مازحًا:
-ماهي المناورة أونطة، وكل اللي بنعمله ده بلح
رمقه يزيد بنظرات محذرة كي يكف عن الحديث قائلاً:
-اهدى عشانها جاية.

اعتدل الأخير في وقفته ورسم على محياه ابتسامة بلهاء وهو يهتف بحماس:
-أهلاً بمرات أخويا
لم تبشر تعبيراتها المشدودة بخيرٍ على الإطلاق، استشف يزيد من عبوسها وجود خطب ما بها، وضع قبضته على يدها يسحبها بعيدًا عن آدم ليسألها بهدوء رغم جدية نبرته:
-خير يا فرح؟
أجابته بتشنج لم تتمكن من ضبطه:
-بأقولك ايه أنا مش طايقة اللي اسمها ديما
سألها ببرود:
-ليه؟

اغتاظت من تغاضيه عن تصرفاتها المتجاوزة وكأنه لا يراها، هتفت مستنكرة بانفعال مستخدمة يدها في التلويح بعصبية:
-إنت مش شايف بتتعامل معاك ازاي ولا بتتمحك فيك بطريقة مستفزة
نظر لها بقوة قائلاً بنبرة رسمية:
-ايدك جمبك يا فرح، احنا مش في بيتنا.

كورت قبضتها ضاغطة على أصابعها بغل، كظمت غضبها في نفسها مضطرة، وأرخت ذراعها إلى جانبها، فقد أشار لها مسبقًا بضرورة الحفاظ على الرسميات بينهما خاصة حينما يتواجدان معًا، تابع قائلاً بنفس الهدوء الانفعالي المحنك:
-حبيبتي، إنتي عارفة ان كل اللي هي بتعمله ده مايكولش معايا، فكبري منها، وبعدين أنا مش بأحب إلا انتي وبس
امتقع وجهها صائحة بضيق:.

-وأنا مش عاوزة أكمل معاها، خليها تروح مكان تاني وإلا هانشبك في بعض!
حذرها بصلابة وقد قست نظراته:
-امسكي أعصابك شوية يا فرح، مش واحدة زيها هتخلي ثقتك في نفسك تتهز، هو أنا اللي هاقولك الكلام ده؟
ارتفع حاجباها للأعلى في استنكار عقب جملته الأخيرة، وتلون وجهها من جديد بحمرة منفعلة، سألته بنبرة شبه محتدة رغم خفوتها:
-قصدك ايه؟
أجابها ببرود:.

-يعني أنا فاهم إنك عاوزة تقولي إنها حلوة شويتين، عندها إمكانيات مش عندك، جايز صاروخ أرض جو عابر للقارات، بس أنا مش باخد بالي من ده كله
وكأنه يؤجج إحساسها بالغيرة أكثر بداخلها متعمدًا اللعب على أنوثتها أكثر، هتفت بعصبية تحذره:
-يزيد!
انتصب في وقفته أمامها ليبدو أكثر رسمية عن ذي قبل، ردد بجمود:
-فرح، احنا هنا في التزام، مافيش وقت للكلام الفارغ ده، ركزي في اللي وراكي.

ضغطت على شفتيها قائلة بتحذير شديد اللهجة:
-اوكي، هالتزم، بس حسك عينك أشوفك معاها
سألها بفضول:
-هاتعملي ايه يعني؟
ردت بغموض أزعجه قليلاً:
-مش هاقولك، هاتعرف وقتها
نظرت له بغيظ قبل أن تتابع بامتعاض:
-عن اذنك يا سيادة المقدم
أولته ظهرها وهي تسرع في خطواتها مبتعدة عنه لكنه لم يصرف أعينه عنها، زفر مستاءً من وضعها في مثل ذلك الموقف لكنه كان بحاجة إلى مساعدتها الخفية دون أن تدري، انضم إليه آدم هاتفًا بتوجس:.

-أوبا، مش بأقولك فرح هتولع فيها
رد باقتضاب وقد استدار بجسده ليواجه أمواج البحر المتلاطمة:
-ربنا يستر!

تحركت القطع البحرية في اتجاه نقطة البدء، واتخذت موقعها على حسب المتفق عليه، تأهب الجميع في مراكزهم الحيوية استعدادًا للاشتباك، وبالفعل بدأت المناورة بالتصدي لمجموعة من العائمات المعادية والتي كانت تحاول اختراق المياه الإقليمية، أظهر الضباط والجنود كفاءاتهم الواضحة في التعامل مع الموقف ببراعة مشهودة، ونجحوا في إبعادهم والتصدي لتلك المحاولة الفاشلة، وبالطبع سجلت عدسات الكاميرات الثابتة والمتحركة تلك المشاهد من زوايا مختلفة، انتقت فرح لنفسها موقفًا بالمقدمة تلتقط فيه بعدستها ما تراه بحسها الصحفي مناسبًا لتقريرها، التفتت برأسها للجانب لتختلس النظرات نحو غريمتها التي كانت تتفنن في عملها بطريقة أصابتها بالغيرة، أقنعت نفسها أنها على نفس القدر من الكفاءة، لا ينقصها شيء، واستمرت في التقاط المميز من الصور، مر الوقت سريعًا مع انتهاء الجزء المخصص من المناورة لتهدأ الأوضاع بعدها وينشغل جميع الضباط والجنود في الاستعداد للمهمة التالية.

عاودت فرح التحديق بها، رأتها تتحدث فيما يشبه الهاتف المحمول، انزوى ما بين حاجبيها باستغراب، فقد بدت مريبة نوعًا ما وهي تستخدمه، تذكرت أنهم تلقوا تعليمات مشددة بترك هواتفهم النقالة بالقاعدة البحرية قبل الصعود على متن قطع الأسطول، وهي خالفت ذلك وأحضرته معها للميسترال، التوى ثغرها بابتسامة ماكرة، فقد طرأ ببالها العبث معها وتلقينها أول دروس معاداة الزوجة المصرية، وبخطوات حذرة اقتربت منها مدعية تركيزها في التقاط الصور، أصبحت على بعد خطوتين منها، ولم تنتبه ديما لها، بدا تركيزها منصبًا على المكالمة فقط.

وقفت فرح خلفها كي لا تراها، فسمعتها تهمهم بلكنة ليست انجليزية، وحتمًا ليست من المعروفة لها، ارتابت منها محدثة نفسها بنبرة تحمل الشك:
-مش هما مانعين الموبايلات ومنبهين على ده، طب دي بتكلم مين وبلغة غريبة كمان؟!

استرقت السمع نحوها فلم تفهم كلمة مما تقول، لكنها عقدت العزم على أخذه منها، ظلت تحتسب خطواتها لتتأكد من نجاح خطتها البسيطة، وفي غفلة منها انتشلته من بين أصابعها في سرعة وخفة لتتفاجأ ديما بما فعلته ويتوقف عقلها لثانية عن التفكير لتستوعب الصدمة، التفتت نحوها بوجهٍ شاحب يختلف عن تلك الحيوية المغرية المعتادة منها، صاحت فيها بغلظة:
-شو عملتي انتي؟

قبضت فرح على الهاتف بيدها مبعدة إياه للخلف وهي ترد بتساؤل جاد:
-ده بيعمل إيه معاكي؟
صاحت فيها ديما بعبوس مخيف:
-ما بيخصك
ثم مدت يدها نحوها متابعة بصيغة آمرة وهو تدنو منها:
-اعطيني إياه؟
تراجعت فرح للخلف قائلة بغرور:
-لأ مش هتاخديه
لمعت عيناها أكثر وهي تكمل مهددة:
-وهابلغ عنك كمان!

عند تلك الجملة تحديدًا بلغت ديما ذروة انفعالها، لن تخاطر بكشف أمرها في لحظة غباءٍ منها وعدم تقدير للموقف واستهانتها بتلك الطفيلية الغبية، هجمت على فرح تنتوي استرداده قسرًا منها، فتفاجأت الأخيرة بانقضاضها المباغت والشرس عليها ملقية بثقل جسدها نحوها، ارتدت كلتاهما للخلف وسقطتا على ظهريهما بسبب عدم اتزانهما، تأوهت فرح من الألم الشديد فقد ارتطم جسدها بعنف على الأرضية الصلبة، ورغم ذلك لم تترك الهاتف من قبضتها وتحاملت على نفسها لتنهض من رقدتها الموجعة، لم تترك لها ديما الفرصة، حيث جثت فوقها محاولة انتزاعه منه مما جعل الأخيرة تشحذ قواها الغاضبة ضدها لتدفعها عنها، نجحت في التخلص منها بعد أن منحتها صفعة قوية مصحوبة بجذب عنيف من خصلات شعرها، مما أجبر ديما على التراجع، منح ذلك فرح ثوانٍ لتزحف على أربع لتنجو بنفسها منها، تمكنت من الوقوف على قدميها، ثم استدارت نحوها لتواجهها قائلة:.

-مش هاخليكي تاخديه يا ديما
رفعت الأخيرة وجهها نحوها ترمقها بنظرات مغلولة، اعتبرت فرح المسألة تحديًا معها، فتغاضت عن الإبلاغ عن حوزتها إياه لتقرر في لحظة طيش منها التخلص منه فقط لإغاظتها، وبلا تفكير عقلاني قذفت الهاتف بكل قوة نحو البحر ليهوى الأخير في مياهه الزرقاء غارقًا في القاع، فغرت ديما شفتيها مصدومة، وقبل أن تفيق من صدمتها تابعت فرح قائلة بشماتةٍ:
-لو عاوزاه نطي وراه يا، بيبي!

احتقنت عيناها على الأخير، كانت تطلق شررًا مستطرًا من محجريهما، توعدتها هاتفة بعدائية من بين أسنانها المضغوطة:
-راح تشوفي هاعمل فيكي إيه
وقفت فرح قبالتها تنفض يديها وهي ترد بابتسامة مغترة:
-مش هاتقدري
قست نظرتها وهي تضيف بتهديد صريح:
-احمدي ربنا إني مش هابلغ عنك، واعتبري ده قرصة ودن ليكي
طالت نظرات ديما العدوانية لها، وردت عليها بنبرة خالية من الحياة ولا تنذر بالخير أبدًا:.

-المعركة بلشت بينا، وراح تشوفي تمن هيك...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة