قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والعشرون

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والعشرون

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والعشرون

وما إن استقرت حالتها الصحية نسبيًا حتى تم نقل فرح إلى المشفى العسكري بالقاهرة لتستكمل باقي العلاج هناك، وأشرف أكفأ الأطباء على متابعة التطور الصحي لها، لم يفارقها يزيد للحظة، وظل ملازمًا لها يتابع بتلهف أي جديد يطرأ عليها، ورغم تحديد موعد الزيارة إلا أنه لم يلتزم بالقوانين وبقي مرابطًا أمام غرفتها بالعناية الفائقة يراقبها بنظراته الدامعة من خلف الزجاج، ضغط آدم بيده على كتفه قائلاً برجاء:.

-روح البيت ارتاحلك شوية، إنت بقالك على الحال ده كتير
أبعد يده مرددًا بحزنٍ بائن في نبرته:
-مش هاسيبها وأمشي
ضغط آدم على شفتيه مكملاً:
-بس...
قاطعه بإصرار عنيد:
-ما تضغطش عليا لو سمحت
امتثل رفيقه لطلبه هاتفًا بتنهيدة يائسة:
-حاضر
تركه واقفًا في مكانه واتجه إلى المقعد القريب ليجلس عليه، أدار رأسه للجانب ليجد بعضًا من زملاء فرح بالعمل، نهض من جديد ليصافحهم، تساءل أحدهم بجدية:
-ايه الأخبار؟
أجابه آدم بهدوء:.

-لسه مافيش جديد
أضاف أخر بنبرة متفائلة:
-إن شاء الله تطمنوا عليها
رد عليه:
-يا رب
انضمت إليهم إيلين التي كانت تمسح المخاط عن أنفها الباكي وهي تقول بشهقات مختنقة:
-مش قادرة أصدق إن فرح يجرالها ده كله
وأضاف زوجها أمير الذي أتى بصحبتها قائلاً:
-قلبنا معاكو
ابتسم آدم متمتمًا بودٍ:
-شكرًا، مكانش ليها لازمة تتعبوا نفسكم
ردت إيلين بحزنٍ جلي:
-دي فرح أكتر من أختي، ربنا اللي عالم محبتها عندي عاملة إزاي!

تساءل أمير باهتمام:
-والمقدم يزيد حالته ايه؟
التفت آدم برأسه نحو رفيقه، حدق فيه للحظات وهو يرد بأسف:
-زي ما إنت شايف، من يوم ما عرف باللي حصلها وهو على الحالة دي
هز رأسه متفهمًا حزنه المبرر على زوجته التي يحبها وهو يرد:
-ربنا معاه.

كان يزيد منفصلاً بالمعنى الحرفي عما يدور خلفه، هو فقط مسلط لأنظاره على زوجته الراقدة بالداخل يراقبها بنظراتٍ مطولة، لم يكن يرى سواها أو يسمع صوتًا غير دقات قلبه التي تهتف بين ضلوعه باسمها، استند بكف يده على الزجاج مدققًا النظر في وجه حبيبته الهادئ، تنفس بعمق لافظًا عن صدره مع الزفير الذي أخرجه منه أثقالاً تتعبه، همس من بين شفتيه بندم:
-حقك عليا، أنا السبب في ده من الأول!

مسح بظهر كفه تلك العبرات العالقة عن طرفي مقلتيه، سحب نفسًا مطولاً من جديد ليسيطر على انفعالاته الحزينة بداخله، انتبه لتلك الشدة الصغيرة في بنطاله، فأخفض أعينه وهو يدير رأسه للجانب ليجد الصغيرة سلمى تطالعه بنظراتها الشقية ووجهها الطفولي، لم يكن به من الطاقة ما يحثه على حملها أو حتى مداعبتها كالسابق، اكتفى فقط بالربت على رأسها برفق، عبست ملامح الصغيرة فركضت نحو والدتها التي احتضنتها وحملتها على ذراعها، هزت رأسها مستنكرة حالة الضيق البادية على يزيد، مالت على زوجها تهمس له بتساؤل مزعوج:.

-هو هيفضل كده كتير؟
أجابها آدم بامتعاض:
-الله أعلم، ارجعي البيت إنتي كمان
اعترضت متسائلة بوجه شبه متجهم وهي ترفع حاجبها للأعلى:
-عاوزني أسيبك لوحدك؟
رد باستنكار متذمر:
-يعني هاتخطف يا شيماء، خدي لوما وروحي!
هزت رأسها نافية وهي تقول:
-قلبي مش مطاوعني، وخصوصًا بعد اللي حصل
زفر قائلاً:
-مالوش لازمة الرغي هنا
مصمصت شفتيها مرددة بأسفٍ:
-عيني عليها والله، حظها قليل أوي، كل شوية تتعرض لمصيبة أكبر من اللي فاتت.

حك آدم طرف ذقنه قائلاً بعبوس:
-بلاش الله يكرمك الرغي الكتير ده، أنا مش ناقص!
ثم التفت برأسه نحو يزيد ليجده على نفس الحالة الواجمة، اقترب منه من جديد ليطالعه عن قرب، كان شاردًا ومحدقًا فيها، تأهبت حواسه عندما لاحظ حركة رأسها الخفيفة، تجمدت أنظاره عليها وانتفض في وقفته حينما تكرر الأمر من جديد، هتف بحماسٍ متلهف لفت انتباه من حوله:
- فرح بتتحرك، شكلها بتفوق.

تهللت أساريره بدرجة كبيرة معتقدًا أنها على وشك استعادة وعيها، واصل صراخه المتحمس مرددًا بصوتٍ مرتفع:
-يا دكتور، فرح اتحركت، تعالى شوفها.

ركضت إحدى الممرضات لتستدعي الطبيب، بينما دلفت أخرى من غرفتها لتتفقدها، كان مجبرًا على الانتظار بالخارج ريثما يتم فحص مؤشراتها الحيوية للتأكد مما رأه، حبس أنفاسه مترقبًا بأعصاب تشتعل على جمرات من النيران ما يحدث بالداخل، توجس خيفة أن يكون قد أصابها مضاعفات خطيرة، توتر كثيرًا وتسارعت دقات قلبه من فرط القلق، لحظات وخرج إليه الطبيب ليطمئنه قائلاً بهدوئه المعتاد:
-متقلقش، المدام هاتبقى كويسة.

سأله يزيد بتلهفٍ كبير:
-يعني هي فاقت؟
أجابه موضحًا:
-مش بالظبط، بس أنا عاوزك تطمن، أنا متابع حالتها
لم يعِ جيدًا ما الذي يقصده فسأله بعصبية ملحوظة:
-رد عليا يا دكتور، هي هاتفوق ولا اللي شوفته ده كان خيال و...
قاطعه الطبيب بحذرٍ وهو يضع يده على ذراعه:
-ايوه، بس بالتدريج، اهدى إنت شوية
تدخل آدم في الحوار قائلاً:
-اطمن يا يزيد، أكيد الدكتور فاهم شغله كويس وعارف ازاي هيتعامل مع حالتها.

أومأ برأسه عدة مرات قائلاً بتنهيدة مزعوجة وهو يعاود التحديق وجه فرح الغافل من خلف الحائط الزجاجي
-استر يا رب.

جلس على طرف فراشها بعد أن سُمح له بالدخول، ثم مد يده ليمسك بيدها بين كفيه، ظل يزيد يمسح على أصابعها برفق وهو يطالعها بنظراته المتلهفة لها، شعر بتلك الاهتزازة الخفيفة لكفها فتحمس كثيرًا لرؤيتها تفيق، راقب تشنجات وجهها منتظرًا باشتياق فتحها لجفنيها، أصاب حدسه وبدأت فرح تستعيد وعيها، رمشت بعينيها لعدة مرات لتعتاد على الإضاءة بالغرفة، شدد من قبضتيه على يدها لتشعر به بجوارها، أدارت رأسها في اتجاهه فرأته يبتسم لها، حركت شفتيها لتسأله بصوتٍ خافت ومتحشرج:.

-هو حصل إيه؟
وضع يده على جبينها يتلمسه بحذرٍ وهو يجيبها:
-حمدلله على سلامتك يا حبيبتي
سألته من جديد بنبرة حائرة وقد شعرت بذلك الألم القوي في حلقها:
-أنا بقالي كتير هنا؟ و...
وضع سبابته على شفتيها كي يمنعها عن الكلام مرددًا بابتسامته السعيدة:
-بلاش تجهدي نفسك يا فراشتي، أنا جمبك مش هاروح لحتة
اكتفت بالابتسام له، فأكمل معاتبًا نفسه:
-لو كنت أعرف بإن كل ده هايحصل مكونتش وافقت من الأول.

ضاقت نظراتها الحائرة نحوه وهي تحاول تحليل ما قاله، لكن تعذر عليها التفكير بذهنٍ صافٍ وذلك الإرهاق يعتريها، عاودت الاستسلام من جديد لخدر النوم المسيطر عليها، لم يتركها يزيد بل نهض من مكانه لينحني عليها ليقبلها أعلى جبينها، تراجع عنها لسنتيمتراتٍ معدودة ليهمس لها:
-ارتاحي إنتي بس، وبعدين هاحكيلك كل حاجة بالتفصيل.

لاحقًا، حينما استعادت قدرًا من عافيتها سرد لها يزيد تفاصيل تلك المهمة التي كلف بها، وكانت هي جزءًا منها، انزعجت فرح كثيرًا من إخفائه للأمر عليها وتحولت جلستها المسترخية على الفراش لانعكاس ملحوظ لضيقها الممتزج بغضبها، احتقن وجهها وتشنجت تعبيراتها إلى حد كبير، زوت ما بين حاجبيها بعبوس صريح ثم سألته بصوتٍ مبحوح:
-مافكرتش للحظة إنها ممكن تموتني؟
أجابها مبررًا أسبابه:.

-يا فرح احنا كنا عاملين حسابنا كويس، ووجودك معايا كان ضمن الخطة من الأول، يعني استحالة كانت تلمسك طول ما إنتي جمبي، وبعدين الأوامر كانت بتحتم عليا أخبي أي حاجة حتى عنك إنتي شخصيًا
كتفت ساعديها أمام صدرها مبدية عدم اقتناعها بحججه التي اعتبرتها واهية رغم يقينها منها، لوت ثغرها للجانب وهي تشيح بوجهها بعيدًا عنه لترد بامتعاض:
-اه طبعًا، ما أنا المغفلة اللي لبست الليلة كلها.

زفر بصوت مسموع كتعبير عن استياءه من تفكيرها الضيق، رد بحذرٍ وهو يدور حول فراشها ليغدو قبالتها:
-ماتقوليش كده
لاح في عقلها مشهد الاعتذار الذي أجبرت عليه مع تلك الجاسوسة فاستشاطت غضبًا، لم يسعفها صوتها للهتاف بحدة وهي تقول:
-لأ وكمان سمحتولها تبهدلني وطلعتوني كدابة
جلس يزيد على طرف الفراش بجوارها مقلصًا المسافات بينهما، التقط كفها بيده ثم رد باستعطاف:.

-غصب عني والله، صدقيني يا فرح، مكانش ينفع نكشف كل حاجة قصادها، كنا مضطرين نعمل كده، بس أنا كنت مصدقك من الأول و...
لم تستطع مسامحته ولم تتقبل منه تخليه عنها في وقت كانت تتحرى فيه الصدق منه، وما عقد الأمور بينهما هو تعرضها في الأخير لمحاولة اغتيال، سحبت يدها بقوة من كفه، نظر لها بأعين مزعوجة من تصرفها ذلك، تجاهلت تودده اللطيف لها لتقول بجفاءٍ:
-خلاص يا يزيد، مش قادرة أتكلم.

تفهم ما تفعله، وتحمل تصرفاتها العصبية بعقلانية مقبولة، ابتسم لها قائلاً:
-أنا مقدر اللي إنتي فيه، بس والله ماكونتش هاقبل أبدًا إني أعرضك للخطر!
اقترب منها ليضع يده على وجنتها ثم مسح عليها برفق وهو يغازلها:
- ده إنتي الحب كله يا فراشتي
انزعجت من لمسه لها فابتعدت بوجهها عنه قائلة باقتضابٍ:
-يزيد، أنا تعبانة.

ورغم نفورها الواضح منه إلا أنه حافظ على هدوء أعصابه معها، أعاد يده إلى جواره مرددًا بنبرة جادة وقد احتدت نظراته نحوها:
-حاضر يا فرح، براحتك
نهض من جوارها ملتفتًا برأسه للخلف ليجد الممرضة تلج للغرفة وهي تقول بنبرة روتينية:
-لو سمحت يا فندم، الدكتور هايجي يغير للمدام على الجرح، وأنا لازم أجهز المريضة
أشار لها بيده وهو يرد:
-تعالي
التفت برأسه نحو فرح ليقول بنبرة رسمية:
-هاجيلك لما تخلصي.

ردت عليه بجفاءٍ قاسٍ:
-ماتتعبش نفسك، أنا هاكون نمت
احتقن وجهه من ردها الأخير، والذي أحرجه أمام الممرضة كثيرًا، رمقها بنظراتٍ امتلأت بالعتاب، ثم زم فمه قائلاً:
-براحتك.

تركها مع الممرضة لينصرف وهو مشحون بغضبٍ محتد أراد ألا يحرره أمامها فيفعل ما قد يندم عليه لاحقًا، راقبته بأنظارٍ لا تحمل إلا الضيق حتى اختفى من أمامها، وضعت يدها على الجرح المغطى تتحسسه بحذرٍ شديد، رفعت أعينها نحو الممرضة تسألها بتلك البحة الواضحة في نبرتها:
-هو أنا صوتي هايفضل كده كتير؟
أجابتها الأخيرة بابتسامة مصطنعة:
-مقدرش أفيدك دلوقتي، الدكتور هيقرر ده بعدين.

لم تشعر بالارتياح من ردها الغامض، فهي تخشى من تبعات ما تعرضت له مما قد يؤثر عليها بصورة أو بأخرى.

تجول معه في الحديقة الملحقة بالمشفى ليستفيض معه في الحديث بعيدًا عن الجميع كي لا ينفجر بضيقه المحبوس بصدره، زفر عدة مرات قبل أن يتابع يزيد حديثه قائلاً:
-فرح مضايقة أوي مني، وأنا محتار معها
رد عليه آدم بحماسٍ يتناقض مع الانزعاج الكبير الظاهر على رفيقه:
-يومين وهاتفك، إنت عارف دماغ الستات، يحبوا يقفوا على راس الحاجة، ماينفعش تخبي عليهم كلمة.

توقف عن السير ليستدير نحوه، ثم صاح مستنكرًا تبريره لجفائها وهو يلوح بذراعه في الهواء:
-هو بمزاجي، دي أوامر عليا، هو احنا بنلعب يا آدم
ربت آدم بيده على كتفه مفسرًا:
-هما مالهومش في الكلام ده، إن شاء الله يكون مين اللي منبه عليك، العقلية واحد يا باشا!
سأله يزيد بنفاذ صبر:
-طب أراضيها ازاي دي؟
غمز له قائلاً بمرحٍ:
-خروجة حلوة، كلمتين متنقيين، بوستين جامدين، وهوب الليلة تمشي.

حدجه يزيد بنظرات محتدة وهو يرد بتجهم:
-والله إنت فايق ورايق
اتسعت ابتسامة رفيقه مكملاً حديثه الواثق:
-أنا بأقولك على التركيبة السحرية اللي تمشي مع أي ست، جربها ومش هاتندم!
فرك يزيد مؤخرة عنقه عدة مرات وهو يغمغم مع نفسه بعدم اقتناعٍ:
-على الله تجيب بس نتيجة مع فرح!

توالت عليها الزيارات من كل المعارف والأصدقاء والزملاء في الجريدة للاطمئنان عليها، وكذلك أتى لرؤيتها بعض قيادات القوات البحرية للثناء على دورها البطولي وتضحيتها خلال تلك المهمة الخطيرة التي كانت جزءًا هامًا فيها، ابتسمت فرح لمدحهم لها وردت بلطافة شاكرة بامتنان مجيئهم إليها، لكن لم يشفع ذلك لزوجها لكي يعود الود بينهما، استمرت في تجاهلها له رافضة منحه الفرصة لإعادة الوفاق بينهما، ورغم ذلك لم يضغط عليها عملاً بنصائح رفيقه لترك الفرصة لها لتصفى من ناحيته. رفضت فرح وبشدة حضوره معها حينما حان الموعد النهائي لإزالة الشاش الطبي عن عنقها، كاد أن يتسبب ذلك في حدوث مشاجرة بينهما، لكنها لم تكترث بتبعات قرارها، أرادت أن ترى بمفردها أولاً أثار ما تركته ديما عليها، انتظر بالخارج مضطرًا كحل وسطي، بينما ولجت بمفردها إلى الداخل، توترت إلى حد كبير وتضاعفت مخاوفها مما هي مقبلة علية خاصة بعد أن اعترض الطبيب على رؤيتها للجرح في وقت سبق، استشعرت من تحذيره الصارم بعدم كشفه أو حتى تعريضه للهواء بأنه يخفي عنها شيء ما، راقبت بتخوفٍ إزاحته له حتى بات عنقها مكشوفًا، اقشعر بدنها وارتجفت وهي تشعر بالهواء يضرب جلدها، نهضت من مكانها متوجهة نحو المرآة الطويلة الموضوعة في الجانب لتحدق في تلك الندوب التي حفرت فيه بأعين جاحظة، تحولت نظراتها المرتاعة إلى نظرات مذعورة، بات عنقها بالفعل مشوهًا، حركت يدها المرتجفة نحوه لتتلمسه لكنها لم تستطع، بقيت يدها متصلبة في مكانها عاجزة عن تحريكها، انفصلت لحظيًا عمن حولها وهي تتأمل بشاعته، ترقرقت العبرات سريعًا في مقلتيها تأثرًا بما سيظل معها للأبد، لم تقاوم رغبتها في البكاء، تهدجت أنفاسها صارخة بعدم تصديق:.

-دي مش أنا، مش أنا
هتف الطبيب الذي أسرع ليقف خلفها قائلاً:
-يا مدام اهدي
ردت صارخة بانفعال وهي ترتجف بقوةٍ:
-لأ، أنا ماينفعش أكون كده!
أشار لها بيده لكي تهدئ قائلاً برجاءٍ:
-بالراحة يا مدام فرح، خليني أوضحلك حاجة مهمة
على إثر صراخها الهائج اقتحم يزيد غرفة الطبيب متسائلاً بحدةٍ وهو يبحث بعينيه عن زوجته:
-فرح، حصل ايه؟
استدارت بجسدها كليًا نحوه مشيرة بيدها المرتعشة إلى عنقها وهي تصرخ فيه بهيسترية:.

-شايف جرالي ايه، بصلي كويس!
جمد يزيد أنظاره على ندوب عنقها الواضحة، انعكس تأثير ذلك على نظراته ففسرتها بطريقة خاطئة لتكتمل منظومة معاناتها النفسية، هدرت بعصبية وهي تدنو منه:
-قرفان ليه؟ مش إنت اللي عملت فيا كده؟
تألم لرؤيتها على تلك الحالة الهائجة، وما زاد من الطين بلة تحميلها إياه للذنب بالكامل، اقترب منها واضعًا كفيه على ذراعيها قائلاً بارتباكٍ:
-حبيبتي، أنا...

نفضت يديه عنها متراجعة للخلف وهي تصرخ فيه ببكاءٍ:
-متقربش مني، مش عاوزة حد يلمسني
أضاف الطبيب قائلاً بجدية محاولاً تهدئتها بعد أن خرجت الأمور منها عن السيطرة وباتت في حالة عصبية مقلقة:
-يا مدام في عمليات تجميل بتتعمل، كل ده ممكن يتغطى و يتعال...
لم تمهله الفرصة لقول المزيد حيث قاطعته صارخة بجنون وهي تضع قبضتيها حول عنقها:
-أنا بقيت مشوهة.

قامت بخدش ندوبها بأظافرها وكأنها تحاول انتزاع ذلك الجلد متابعة صراخها الهيستري:
-أنا عاوزة أرجع زي ما كنت
اتجه يزيد نحوها ليمسك بها من رسغيها، انتزعهما بقوته عن عنقها الذي جرح بشدة مما فعلته به، أدارهما خلف ظهرها ليقيد حركتها وهو يقول:
-فرح اهدي، كل حاجة هترجع زي الأول!
انتفض جسدها بقوة وهي تقاتل للتحرر منه، نظرت له بأعين محتقنة مرددة بصراخٍ:
-إنت السبب...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة