قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والعشرون

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والعشرون

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والعشرون

انتظر بالخارج ريثما ينتهي الطبيب من إجراء فحصه عليها خاصة بعد تأزم حالتها النفسية، جن جنونه حينما خرجت عن شعورها وثارت أمامه لتشعره بمدى حماقته وغبائه لتوريطه إياها في مسألة لا تخصها من البداية، ربما إن استمع لنصائح غيره بإقصاء العائلة عن تلك النوعية من المهام لما وصل به الأمر إلى ما هو عليه الآن، ندم يزيد لترشيحه لزوجته منذ البداية للقيام بتلك المهمة معتقدًا أنها الأكفأ للتغطية دون أن تثير الريبة أو الشبهات، فلو ترك الأمر لمن هم أعلى رتبة وتفكيرًا منه ربما لم يكن قد وقع الاختيار عليها، تنهد بإحباط ضاربًا بكف يده الحائط وهو يعنف نفسه قائلاً:.

-إزاي عملت فيها كده؟ إزاي؟!
خرج الطبيب نازعًا عن يده القفاز الطبي فالتفت نحوه وهو يسير في اتجاهه متسائلاً بتلهف:
-ها يا دكتور، فرح عاملة إيه دلوقتي؟
أجابه بحذرٍ وهو يرمقه بنظرات شبه غامضة:
-مخبيش عليك، حالتها النفسية صعب أوي
ضغط يزيد على شفتيه مرددًا بحنقٍ:
-بسببي طبعًا
تابع الطبيب حديثه مضيفًا:
-للأسف آثار الجروح اللي في رقبتها خلتها تحس إنها هاتكون مشوهة، رغم إن الموضوع ممكن يتعالج بعمليات تجميل.

احتقن وجهه بدمائه المستثارة موبخًا نفسه:
-دي غلطتي من الأول
رد الطبيب بجدية وهو يشير بكفه:
-ده مش وقت عتاب، المدام محتاجة معاملة من نوع خاص الفترة دي، محتاجة ترجع ثقتها بنفسها من جديد
انتصب في وقفته هاتفًا دون تفكيرٍ:
-دلني على المطلوب وأنا هاعمله
رد الطبيب بهدوءٍ موضحًا له مقصده:
-أنصحك بالتواصل مع دكتور نفساني، يعني هو هيفهم حالتها كويس وهيقدر يتعامل معها بخبرة وحرفية
-ماشي.

-وأنا عندي أسماء دكاترة مميزين في عمليات التجميل،
-تمام، أطمن عليها الأول وأظبط معاك كل حاجة
ابتسم الطبيب متابعًا بهدوءٍ:
-وأنا معاك يا سيادة المقدم، هاستأذنك
-اتفضل.

قالها يزيد وهو يدير رأسه في اتجاه غرفتها، تنفس بعمق قبل أن يزفر بصوت مسموع، حك مؤخرة رأسه وعنقه كمحاولة منه للتنفيس عن انفعالاته المكتومة بداخله، استعد للعودة إلى غرفتها من جديد، ولج بهدوءٍ إلى الداخل ساحبًا المقعد المعدني إلى جوار فراشها، جلس عليه ممررًا أنظاره على وجهها الساكن أمامه، أخفض أعينه ليحدق في جرحها المغطى بالشاش الطبي، كور قبضة يده متألمًا لرؤيتها هكذا، ثم مدها نحوها ليتلمس بحذرٍ وجنتها، مسح عليها برفق وهو يهمس لها:.

-كله هيبقى تمام، وهترجعي زي الأول وأحسن!
أبعد يده ناحية كفها المسنود إلى جوار جسدها، التقطه بين راحتيه ضاغطًا عليه برفقٍ وهو يتابع حديثه بصوتٍ خفيض:
-أنا مقدرش استغنى عنك يا فراشتي!
ظل مرابطًا لبعض الوقت إلى جوارها يحدثها في أمور عامة آملاً أن تستعيد وعيها في أقرب وقت، نهض يزيد من جلسته لينحني على رأسها، مسح على جبينها ثم طبع قبلة صغيرة أعلاه مضيفًا:
-وقريب هتنسي ده كله!

ألقى عليها نظرة وداع أخيرة مطولة قبل أن يتركها وينصرف متعهدًا في نفسه أن يجعل القادم أفضل بالنسبة لها ويعوضها عما فات.

أنهت تصحيح ما وُضع أمامها من مذكرات للطلبة قبل أن ترتشف الجزء الأخير المتبقي من كوب الشاي الساخن الموضوع بجوارهم، حكت شيماء مقدمة رأسها بإصبعيها محدثة نفسها بامتعاض بائن على وجهها العابس:
-بجد أنا مشوفتش واحدة منحوسة كده زيها
التفتت رفيقتها مريم نحوها متسائلة باستغراب وقد انعقد ما بين حاجبيها بدرجة ملحوظة:
-إنتي يا بنتي بتكلمي نفسك؟
ردت بتنهيدة مطولة وهي تهز رأسها نافية:.

-لأ يا مريم، بس دماغي ملبوخة حبتين
استشعرت زميلتها وجود موضوع هام يشغل تفكيرها، فحثها فضولها على معرفته، لذلك تابعت مرددة باهتمام
-فضفضي يا حبيبتي، أنا سمعاكي!
بدا على وجهها الحيرة وهي تحاول الهروب من إلحاحها الفضولي، لذلك ردت بارتباك قليل:
-مشاكل عادية في البيت، ما إنتي عارفة
مصمصت الأخيرة شفتيها مكملة بتأكيد:
-هي المشاكل بتخلص، طول ما في عيال لازم تلاقي هم وقرف و...

قاطع ثرثرتهما الروتينية صوتًا مألوفًا تعرفاه كلتاهما جيدًا، التفتت الاثنتان نحوه حينما كرر من جديد:
-مس شيماء
اعتلت الدهشة تعبيرات وجه الأخيرة متعجبة من حضوره شخصيًا بعد فترة الغياب المطولة، بدا على ملامحه المجعدة الإرهاق والتعب، أفاقت من تحديقها المصدوم فيه مرددة باندهاش:
-أستاذ بركات
هبت من مكانها واقفة لترحب به لكنه باغتها قائلاً بجدية شديدة:
-ينفع أتكلم معاكي كلمتين على انفراد.

تحرجت مريم من وجودها الغير مرغوب به في غرفة المعلمات، تنحنحت بصوت خفيض متمتمة بابتسامة مصطنعة:
-أنا هاروح أشوف الإشراف بتاعي وراجعة كمان شوية
أومأت شيماء برأسها ممتنة تفهمها لرغبته، ابتسمت قائلة بودٍ:
-شكرًا يا مريم
أشارت بيدها متابعة بنفس النبرة اللطيفة:
-اتفضل يا أستاذ بركات
ولج إلى الداخل ليجلس على أقرب مقعد شاغر، التقط أنفاسه مستطردًا حديثه بهدوءٍ حذر:
-أعذريني إن كنت هاتطفل عليكي
ردت مبتسمة:.

-أنا فاضية دلوقتي يا أستاذ بركات
تردد في كيفية مفاتحتها فيما جاء إليه، أكمل حديثه قائلاً بحيرة ظاهرة في نبرته:
-ازي أحوالك الأول
نظرت له بتمعنٍ متفرسة تعابيره الغامضة، فحتمًا وجوده هنا والآن وراءه سببًا قويًا، ردت عليه بنفس الهدوء دون أن تخفي ابتسامتها عن ثغرها:
-الحمدلله في نعمة
أسند بركات مرفقه على الطاولة مضيفًا بجدية تلاءمت مع نظراته نحوها:
-عشان مطولش عليكي أنا هاخش في الموضوع على طول
-يا ريت.

سحب نفسًا عميقًا قبل أن يحرره بعد ثوانٍ ليقول:
-ابني كريم الله يرحمه كان كاتب كتابه قبل ما يسافر السعودية على بنت...
ردت مقاطعة جملته قبل أن يكملها:
-ايوه فرح، أنا عارفة الحكاية كلها
تنهد مضيفًا بارتياح:
-طيب الحمدلله، كده إنتي وفرتي عليا كتير
نظرت له بغرابة بسبب عدم قدرتها على سبر أغوار عقله، سألته من جديد بجدية أكبر:
-بس برضوه مش فاهمة، إيه علاقتي بالموضوع ده؟
أجابها بتمهلٍ مدروس:.

-أنا سألت وعرفت حاجة كده وكنت جاي قاصدك في خدمة، بس يا أتمنى ماتكسفنيش
هزت كتفيها مؤكدة وهي تعقد كفيها معًا:
-لو في استطاعتي أكيد مش هتأخر
هز بركات رأسه بإيماءات خفيفة ومتابعة وهو يقول:
-وده العشم برضوه.

مرت عدة أيام تلقت فيها فرح الرعاية الطبية ممن حولها حتى استعادت عافيتها وأفاقت من حالة الهياج العصبي التي سيطرت عليها لتعود إلى اتزانها النفسي الطبيعي، ورغم ذلك وضعت تحت الملاحظة الشديدة بأوامر من طبيبها النفسي المعالج لها، في البداية رفضت التعامل معه معتقدة أنه يصنفها كالمجانين، لكن ليس الأمر هكذا هو يؤهلها نفسيًا لتجاوز تلك العقبة وتقبل ما مرت به حتى تتمكن من تخطيه، ظل زوجها يتابع تطورات حالتها دون تدخل مباشر منه حتى سمح له الطبيب بزيارتها، ومع ذلك قام بتأجيل تلك الخطوة لبعض الوقت ليطمئن أولاً على تجاوبها مع غيره قبل أن يحدث الصدام بينهما من جديد، خشي من ردة فعلها، وربما تدهور حالتها فيضيع ما حققته من تقدم ملحوظ مع الطبيب هباءً، استعان برفيقتها في العمل إيلين لتقوم بزيارتها، فجاءت الأخيرة وبصحبتها البعض من زملائها في الجريدة لرؤيتها، أسندت باقة الورد على طرف الفراش مرددة بحماس:.

-ألف سلامة عليكي
استقبلتهم فرح بترحاب ودود، فقد مر وقت ليس بالقليل على رؤية المقربين منها، ردت قائلة بسعادة انعكست في نظراتها:
-ميرسي يا جماعة على تعبكم
ردت إيلين معاتبة بعبوسٍ زائف:
-على إيه يا بنتي، ده إنتي بقيتي بطلة قومية، أيقونة لكل اللي في الجرنال
اتسعت ابتسامتها قائلة وهي تجوب بأعينها على وجوههم التي تطالعها بنظرات بشوشة:
-شكرًا ليكم
أضاف أحدهم قائلاً بجدية امتزجت مع نبرته المتحمسة:.

-اجمدي بقى عشان ترجعي الشغل قريب
ردت فرح مبتسمة:
-إن شاء الله
تبادلت معهم حوارًا شيقًا عرفت فيه أخر المستجدات على الساحة الإخبارية فتضاعفت رغبتها للعودة من جديد للعمل مستنكرة إضاعة المزيد من الوقت ملازمة للفراش، قطع حديثهم المسترسل دقات يزيد على باب الغرفة وهو يطل برأسه قائلاً:
-صباح الخير
نظرت له بوجهٍ خالٍ من التعبيرات رغم الحدة التي ظهرت في نظراتها نحوه، ردت عليه إيلين ببسمة ودودة وهي تشير بيدها:.

-اتفضل يا سيادة المقدم
سار بخطوات ثابتة مقتربًا من فراشها مسلطًا أنظاره الحنون عليها، اعتلى ثغره بسمة صافية وهو يسألها:
-أخبارك إيه النهاردة؟
أجابته باقتضاب وهي تشيح بوجهها بعيدًا عنه:
-تمام
علقت إيلين حقيبتها على كتفها قائلة:
-طيب احنا هنستأذن يا فرح ونجيلك وقت تاني
زوت ما بين حاجبيها مرددة باستغراب:
-إنتو ملحقتوش، خليكوا شوية
مسحت رفيقتها على كتفها برفق قائلة بنبرة مجاملة:.

-هنجيلك تاني لما ترجعي بيتك بالسلامة
يئست من إقناعها هي ورفاق العمل بالبقاء لبعض الوقت مرددة باستسلام:
-اوكي.

اصطحبهم يزيد إلى الخارج شاكرًا إياهم على القدوم ودعم زوجته، ثم عاد إليها ليجلس على طرف الفراش مقلصًا المسافات بينهم، أبعدت وجهها عن أعينه المحدقة بها ثم كتفت ساعديها أمام صدرها متعمدة تجاهله، تفرس في تعبيراتها المشدودة بوضوح للحظات في صمت قبل أن يسألها بلطف قاصدًا كسر ذلك الحاجز الجليدي بينهما:
-ازيك يا حبيبتي
زمت شفتيها مرددة بعبوس قوي:
-كويسة.

لم يتحمل جفائها معه فمد يدها نحو مرفقها ليحله عن الأخر، قاومته لكنها لم تصمد كثيرًا، قبض على كفها بيده مقربًا إياه منه وهو يعتذر منها:
- فرح، أنا أسف.

لم تجبه واكتفت بمحاولات بائسة لتحرير يدها من قبضته المحكمة على أصابعها، نهض ليقترب أكثر منها متعمدًا الالتصاق بها، حاولت الابتعاد عنه لكنه لم يمهلها الفرصة، حاوطها من خصرها فشعر بتلك الرعشة الخفيفة تجتاحها، ابتسم لتأثرها به، أبعد يزيد بيده تلك الخصلات التي تحجبه عن رؤية وجهها هامسًا لها:
-أنا مقدرش أبعد عنك يا فراشتي
نفخت بصوت مسموع وهي ترد بتجهم:
-وأنا تعبانة وعاوزة ارتاح.

رد بجدية مؤكدًا رفضه لنبذها الغير مبرر له:
-مش هاتعرفي تهربي مني
أخفض أعينه ليحدق في ندوبها المغطاة بالشاش الطبي، انقبض صدره متألمًا لرؤيته لذلك، فأكمل بحذرٍ:
-أنا خدت عنوان أشطر دكتور تجميل في مصر كلها عشان يعالجك
ذكرتها كلماته بما مرت به من محاولة الاغتيال التي كادت تودي بحياتها وكيف وقف في صف تلك الوضيعة القاتلة، نفضت تلك الذكرى الأليمة عن عقلها متسائلة بنفاذ صبر وهي تدير رأسها في اتجاهه:.

-يزيد، إنت عاوز ايه؟
طالعها مطولاً بنظراته العاشقة لها، كم ودَّ أن يعود بعقارب الساعة للوراء ليرفض من البداية توريطها في أمر يفوق قدرتها فقط من أجل سلامتها، تنهد بعمق ثم مد يده ليتلمس وجنتها، أبعدت وجهها عن أصابعه فانزعج من نفورها منه، رد بحدة طفيفة مستنكرًا قسوتها معه:
-صدقيني يا فرح أنا مكونتش أعرف إن كل ده هايحصل
انفعلت قائلة وهي تتملص من حصاره:
-وأهو حصل.

ثم وضعت يدها على الشاش الطبي لتنزعه بعصبية وهي تتابع بنبرتها المتشنجة:
-ودي النتيجة، شايفها؟
برزت ندوبها من أسفله أمام أعينه، احتدت نظراته واحتقن وجهه مما رأه، قبض على أصابع يدها ليبعدها عنهم قائلاً:
-هترجعي زي الأول وأحسن كمان.

تحجرت الدمعات في عينيها رغم تلألأهما بقوة، لم ترغب في البكاء أمامه والظهور بالضعف من جديد لتحصل على شفقته، تناست حبه الصدوق لها معتقدة في نفسها أن ما يفعله معها بدافع الشعور بالذنب وتأنيب الضمير، وصله إحساسها نحوه، ولكنه لم ييأس من المحاولة بجدية مرة أخرى، هي تستحق بذل المزيد من الجهد والعناء لاستعادة ثقتها، وضع إصبعيه أسفل طرف ذقنها ليدير وجهها برفق نحوه، رمقها بنظرات تذيب بحنانها الزائد أقسى الثلوج، شدد من ذراعه المحاوط لخصرها ليضمها إليه أكثر، شهقت بتوتر مما يفعله، واستندت بكفيها على صدره لتبعده عنها، قرب رأسه منها لتشعر بأنفاسه الحارة وهو يقول بصوت خفيض:.

-حبيبتي، أنا عارف إن احنا مرينا بفترة صعبة وأنا على أد ما بأقدر بأحاول أخرجك من ده كله، بس غصب عني، وأنا قدامك أهو بأوعدك من تاني إن اللي جاي هايكون أحسن
قاومت حصاره قائلة بجمود:
-أنا عاوزة أخرج من هنا
نظر لها متعجبًا ذلك البرود الذي يعتريها حاليًا، لم يرغب في الضغط عليها أكثر من ذلك، فتنهد قائلاً باستياء وهو يحررها:
-تمام، الدكتور يدي الأوكيه وعلى طول هاخرجك ونرجع بيتنا.

نهض من جوارها واضعًا يديه في جيبي بنطاله، رمقته بنظرات قاسية وهي تصحح له مقصده:
-لأ، أنا هارجع على بيتي
اغتاظ يزيد من تكرارها لتلك الجملة المستفزة للأعصاب، والتي دومًا تشعره بعدم اكتراثها بزيجتهما، وكأن الزواج لعبة لا قدسية له، ضبط انفعالته بصعوبة كي لا ينفجر فيها فيفسد كل روابط الود واللطف، امتقع وجهه وهو يقول بجدية صارمة:
- فرح، إنتي مش هتخرجي من هنا إلا على بيتك، اللي هو عندي، وده أخر الكلام!

اعترضت قائلة بإصرار:
-لأ، أنا...
قاطعها بقوة تعكس شخصيته المتعصبة ومشيرًا بسبابته نحوها:
-مش هاقبل نقاش في حاجة زي دي، انسي!
احتقنت نظراتها نحوه فواصل حديثه بنفس النبرة الجادة وقد برزت عروقه من جانب عنقه:
-مش كنتي عاوزة ترتاحي، نامي يا فرح!
دنا منها متابعًا بتحذير:
-ويا ريت تستعيذي بالله من الشيطان اللي راكب دماغك ده.

كانت على وشك فتح فمها لترد لكنها انتفضت في جلستها الغير مسترخية حينما رأته يقبض على فكها، اتسعت حدقتاها بتوتر متوقعة لكمة شرسة منه موجهة لها، وضعت يديها على ذراعه القوي آملة أن تتمكن من إزاحته، ارتفع حاجباها مع اقترابه منها، خابت توقعاتها باحتمالية نشوب شجار بينهما، بل وصدمت أكثر حينما أحنى رأسه عليها ليقبل شفتيها مانحًا إياها عاطفة قوية اختزنها بداخله لفترة ليست بالقليلة، انقطعت أنفاسها للحظات مستشعرة ما قدمه لها باستفاضة حفزت حواسها وأججت مشاعرها، ابتعد عنها مبتسمًا بغرور واثق، لهثت وهي تطالعه بتلك الأعين المدهوشة، غمز له بطرف عينه وهو يربت على وجنتها برفق، تراجع خطوة للخلف، ثم لوح لها مودعًا إياها كما لو كان يودع أحد قادته العسكريين قائلاً بثقة أربكتها:.

-سلام يا مدام يزيد جودة
اتسعت ابتسامته أكثر وهو يوليها ظهره ليسرع بعدها في خطاه إلى خارج الغرفة، لم تبعد أعينها المصدومة عنه وهي تراقبه مرددة لنفسها بعدم تصديق:
-هو كده طبيعي...؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة