قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والعشرون

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والعشرون

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والعشرون

وعلى عكس ما طلبته منه، فضلت البقاء بالمشفى لبضعة أيام مدعية إرهاقها، لم يعترض عليها يزيد رغم عدم حاجتها للتواجد أكثر من هذا، لكن ربما في ذلك فرصة طيبة لتصرف عن ذهنها أي أفكار خرقاء، عاد إلى غرفتها ليجدها غافلة، دنا من فراشها ليلقي عليها نظرة طويلة متأملة، مسح على وجنتها بنعومة ورفق هامسًا لها بعتابٍ:
-بلاش تتعبيني معاكي وتضيعي كل حاجة!
حرك إبهامه نحو شفتيها يتلمسهما وهو يضيف:.

-أنا بأحبك وإنتي كمان بتحبيني، بلاش تنسي ده!

رمقها بنظرة أخرى مودعة قبل أن يتركها وينصرف، فتحت فرح جفنيها دون أن تحرك ساكنًا رافضة الانسياق وراء مشاعره الحميمية التي تذيب أقوى الحصون، انتظرت لبعض الوقت حتى نهضت عن الفراش لتتوجه بعدها إلى الطبيب المتابع لها لتطلب منه تصريحًا بالذهاب، ورغم تعجبه من طلبها المناقض لما رغبت فيه مسبقًا إلا أنه لم يعترض، شعرت بالارتياح لقرب عودتها إلى منزلها القديم، أخفت عن يزيد موعد خروجها عمدًا لتتمكن من الذهاب دون أن يعوق طريقها أو يمنعها، كانت بحاجة للتفكير فيما ستفعله لاحقًا بعد ما مرت به ودون وجود أي ضغوطات خارجية، وربما في ابتعادها فرصة مثالية لرؤية الأمور من منظور مختلف، اهتز يقينها بأن زيجتهما قائمة على الحب ولا شيء غيره، استعادت في ذاكرتها مواقفهما مؤخرًا، وفي أغلبها كانت تنشب مصادمات حادة بينهما تنتهي باستدراجها إلى أحضانه ليحصل على متعة جسدية معها، ربما كانت تستحقها لكنها بغضت أن يكون تفكيره نحوها منحصرًا في تلك المسألة فقط، أغضبتها تلك الفكرة كثيرًا وعززت رغبتها في الابتعاد عنه كي لا تكون تحت تأثيره.

لفت فرح حول عنقها وشاحًا حريريًا لتغطي به ذلك الشاش الطبي وكي لا تلفت الأنظار إليه، جمعت ما تبقى من ثيابها الموضوعة بالخزانة الصغيرة الملحقة بغرفتها في حقيبتها لتنتهي بعد ذلك من غلقها، حملتها بيدها متجهة نحو باب الغرفة لتجده مرابطًا بالخارج، لم يقاطع خلوتها واكتفى بانتظارها بالخارج، وما إن رأته حتى شهقت مصدومة، لم تأتِ الرياح معها كما تشتهي السفن، وباءت محاولاتها بالتملص منه بالفشل الذريع، ارتسمت علامات الاندهاش على تعبيراتها وهي تسأله بحدة:.

-إنت بتعمل إيه هنا؟
أجابها ببرود يليق به وهو يعتدل في وقفته:
-مستنيكي
سألته بنفس النبرة المصدومة:
-إنت مامشتش؟
-لأ، كنت شاكك إنك ناوية على حاجة!
رمشت بعينيها بتوترٍ وحاولت إخفاء ارتباكها أمامه وهي ترد محتجة:
-أنا أقدر أعمل آ...
قاطعها وهو ينحني قليلاً نحوها ليجذب من يدها حقيبتها قائلاً بصرامة:
-يالا بينا، بيتك مستنيكي.

انتفضت من جذبه لحقيبتها عنوة منها، عجزت عن منعه فاستشاطت نظراتها غضبًا من تحكمه بها واتخاذه لقراراتٍ فردية بالنيابة عنها، هتفت معترضة بشراسة:
-أنا مش هاروح معاك في حتة، هو أنا ملياش رأي؟!

تحرك يزيد خطوة نحوها لتتلاشى المسافات تقريبًا إلا من بضعة سنتيمترات معدودة على أصابع اليد، توترت من اقترابه المفاجئ منها وتراجعت عفويًا للخلف معتقدة أن لديها فرصة ثمينة للهرب منه قبل أن يحاصرها، تبخر ذلك الأمل البائس حينما وجدت ظهرها يلتصق بالحائط، تضاعف ارتباكها كثيرًا، والتفتت برأسه نحوه تنظر له بأعين قلقة، رأت في حدقتيه نظرات متحدية ومخيفة في آن واحد، ازدردت ريقها تحذره بقوة زائفة رغم اهتزاز نبرتها بصورة ملحوظة متوهمة في نفسها أنها لديها شجاعة لحظية لمواجهته:.

-أنا عاوزة أكون لوح...
ابتلعت باقي جملتها في جوفها شاهقة بخوفٍ حينما رأته يرفع ذراعه الأخر المتحرر للأعلى ليسنده على الحائط ليزيد من حصاره لها، مال برأسه نحوها لتشعر بأنفاسه تضرب وجنتها، حدقت مباشرة في عينيه المقتربتين منها بصورة مهلكة، رأته وهو يشير لها بحاجبه سائلاً إياها بهدوءٍ بارد يحمل الثقة وقد اشتدت تعابير وجهه صلابة:
-تحبي تمشي على رجلك معايا ولا أشيلك على كتفي؟

اكتسى وجهها بحمرة جلية فتابع دون اكتراثٍ:
-مش هاتفرق كتير بالنسبالي!
اتسعت عيناها مصدومة من جرأته الوقحة والتي ربما تسبب لها الإحراج أمام ذلك التواجد الغفير من الأطباء والمرضى والممرضين، زادت حمرة بشرتها مع نظراته الغير مريحة بالمرة، استأنف حديثه مهددًا:
-لحد دلوقت أنا بتكلم بالعقل، لكن إنتي عرفاني كويس، لما بتطلع حاجة في دماغي بأعملها، فبلاش تختبري صبري
تحدته بصوت خفيض متشنج:
-إنت متقدرش تعمل...

أوقفها عن الاسترسال في حديثها مقاطعًا بتهديد مخيف دون أن يرف له جفن:
-تحبي تشوفي؟
شعرت بجفاف كبير يجتاح حلقها وهي تقرأ ما تخفيه أعينه من أمور تفهمها جيدًا، حرك يزيد يده ليلامس بأنامله جانب وجهها متابعًا بهمسٍ خطير:
-إنتي مرات المقدم يزيد جودة، وأنا مش أي حد، ماتنسيش ده يا، مدام!

ارتجفت من لمساته الحذرة وشعرت بتلك الرعشة الرهيبة تتسلل إلى خلاياها، استجمعت شجاعتها لتبدو صلبة أمامه، وقوية الشكيمة، ضغطت على شفتيها بقوة كاتمة في نفسها رغبتها في الثورة أمام وجهه وحتى دفعه لتفر من أمامه، اضطرت أن ترضخ له دون أن تجرؤ حتى على التفوه بكلمة حتى لا ينفذ تهديده، فقد أوحيت نظراته نحوها بجدية ما ينتوي فعله، التوى ثغر يزيد بابتسامة مغترة متأكدًا من نجاحه في فرض سطوته عليها، أخفض ذراعه منتظرًا تأبطها في يده، جمدت أنظارها على يده الممدودة لها، هتف لها ليخرجها من تأملها الشارد فيه:.

-يالا ولا عندك رأي تاني؟
لم تستطع الرفض ووضعتها في راحته مجبرة لتجد أصابعه تقبض بقوة عليها وكأنه تصريح ضمني منه باستبعاد ما قد يفرق بينهما، سار الاثنان سويًا إلى خارج المشفى ليجدا آدم في انتظارهما وبصحبته زوجته، رمقتهما شيماء بنظرات متفرسة، لكن ما داعب فضولها هي تلك الحالة الواجمة المسيطرة على وجه فرح، فقد بدت أكثر انزعاجًا وضيقًا، حتى في مشيتها إلى جوار يزيد، هتفت بنبرة عالية وهي تلوح بيدها:.

-حمدلله على السلامة، احنا مستنيكم من بدري
رد يزيد ممتنًا وهو يشدد من قبضته الممسكة على يد زوجته قائلاً:
-تسلموا على تعبكم، معلش أخرناكم
ابتسم آدم قائلاً بلطف:
-ولا يهمك
اقترب أكثر منه متابعًا وهو يمد ذراعه ليلتقط منه الحقيبة:
-عنك، أنا هاحطها في الشنطة
-تسلم
قالها يزيد وهو يستدير برأسه نحو فرح ليكمل بصيغة آمرة:
-اركبي يا فرح.

رمقته بنظرات حانقة لم تجاهد حتى في إخفائها، ظل العبوس متشكلاً على ملامحها وهي تستقر في المقعد الخلفي إلى جوار شيماء التي لم تتوقف عن الثرثرة المتحمسة وعما قد تكون افتقدته أثناء رقدتها بالمشفى، لم تبالِ فرح بحديثها الفراغ فقد كان بالها مشغولاً بالتفكير فيما يمكن أن يقدم عليه يزيد إن استمرت هي معه على حالة الرفض.

لاحقًا حينما وصلت السيارة إلى البناية المتواجد بها منزله أصرت فرح على صعود آدم وزوجته للأعلى متعللة برغبتها في القيام بواجب الضيافة معهما لتمهل نفسها الفرصة للاستعداد ذهنيًا وبدنيًا للبقاء بمفردها معه بعد أن رسخت في نفسها رغبة قوية في الانفصال عنه، وافقها يزيد الرأي قائلاً:
-مايصحش تيجوا لحد هنا وماتطلعوش
رد آدم مبتسمًا:
-يا باشا نخليها وقت تاني، إنتو محتاجين ترتاحوا.

أضافت شيماء هي الأخرى بحماسٍ ظاهر في نبرتها وهي تناول فرح علبة مغلفة بغطاء بلاستيكي:
-شدة وتزول بأمر الله، أنا قولت بمناسبة رجوعكم البيت أعملكم حاجة حلوة كده يا رب تعجبكم
رد عليها آدم مادحًا:
-طبعًا الشيف شيماء أجدع من العسكري اللي ماسك الميس، مع إنه ساعات بيفلت منها حاجات بس...
رفعت حاجبها محذرة وقد امتقع وجهها من طريقته الساخرة منها:
-احنا هنهزر؟

تراجع سريعًا عن مزاحه معها قبل أن توبخه مرددًا بتخوفٍ مصطنع:
-لأ يا فندم، هو أنا أقدر!
رد يزيد بامتنان:
-متشكرين أوي يا جماعة، نردهالكم في الأفراح
هز آدم رأسه قائلاً:
-بإذن الله و...
قاطع حديثهما صوت رنين هاتف يزيد المحمول، دس الأخير يده في جيبه قائلاً بجدية:
-ثواني أرد على التليفون.

ضجرت فرح من بقائها هكذا بالسيارة، لو كان الأمر بيدها لما عادت إلى منزله حتى ترتب أمور حياتها وتستقر على رأي أخير حاسم، للحظة أربكتها فكرة تواجدهما معًا بمفردهما ليحاصرها من جديد بطريقته الماكرة ويسحبها إلى بحور عشقه فتستسلم له وتخضع لرغباته الوقتية، فكرت في فكرة متهورة، ربما ستمنحها الفرصة للهروب منه دون أن يتوقع ذلك منها، ترجلت من السيارة متنهدة بإرهاق زائف، راقبته وهو يتحدث قائلاً:.

-ازيك يا مرات عمي، أنا الحمدلله بخير، الجماعة عاملين ايه؟
تلفتت حولها لتدرس المكان بنظرات شمولية خاطفة لتحدد وجهتها، انتبهت لصوته الهاتف بحماسٍ:
-بجد، ألف مبروك، أكيد هاحاول أرتب أموري وأجيلكم مع فرح مراتي.

انزعجت أكثر واحتدت نظراتها وهي تراه يتخذ قرارًا ما أولاً دون الرجوع إليها أو حتى استشارتها، شحنت قواها الغاضبة بداخلها لتمدها بالطاقة والقوة لتنفذ ما عقدت العزم على فعله، وعند اللحظة المناسبة، تراجعت فرح خطوة للخلف مبتعدة عن السيارة لتتمكن من الركض على الرصيف، تفاجأ آدم وهو يطالع المرآة الأمامية للسيارة من ركضها، فتساءل مندهشًا وهو يزوي ما بين حاجبيه مدققًا النظر في انعكاس صورتها:.

-هي فرح بتجري ليه؟
هتفت شيماء هي الأخرى مذهولة من تصرفها المريب:
- فرح!
تصلبت حواس يزيد على الفور، وشخصت أنظاره وهو يدير رأسه في وجه رفيقه ليحدق فيه مصدومًا مذعورًا، لم يستغرقه الأمر أقل من ثانية ليستوعب ما فعلته، ترجل على الفور من السيارة ليركض خلفها منهيًا المكالمة فجأة وهو يقول:
-بإذن الله، سلام دلوقتي!
صاح بعدها بصوتٍ جهوري وهو يوجه أنظاره نحوها:
- فرح.

توقف عن الركض ملتفتًا برأسه نحو سيارة رفيقه ليأمره بقوة:
-لف بالعربية وتعالى ورايا يا آدم
لم يكن أمام الأخير بدًا من الاعتراض أو حتى التساؤل عما يحدث بينهما، انصاع على الفور لأمره الصارم وأدار محرك السيارة ليلحق به.

على الجانب الأخر، نجحت فرح في الركض بأقصى سرعتها مستغلة ارتدائها لحذائها الرياضي الذي أفادها كثيرًا في هذا الموقف، عبرت إلى الطريق المقابل غير عابئة بالسيارات التي تقطعه بسرعات متفاوتة، كانت أصوات الأبواق المتذمرة والأصوات المحتجة على طيشها والمختلطة ببعض السباب تصدح من حولها، لم تلقِ لهم بالاً واستمرت في ركضها، تخطت على قدر استطاعتها ما اعترض طريقها من عربات طعام متجولة، وكذلك المارة، وبعض المنتجات المعروضة على الأرصفة، لهثت بشدة فتوقفت للحظات لتلتقط أنفاسها، استندت بيدها على أقرب لوحة للإعلانات متلفتة حولها، رأته من على بعد فشهقت مذعورة، أكملت ركضها الهارب منه وهي تحفز نفسها على المواصلة وعدم التراخي، شعرت بآلام تجتاح قدميها وتبطئ من حركتها، هي لم تمارس العَدو منذ فترة فسبب ذلك لها أوجاعًا سريعة، أتاها صوته الغاضب من خلفها يصرخ فيها:.

- فرح!

ارتعدت أطرافها من اقترابه المحتوم، بالطبع لم يحتاج لبذل جهد مضاعف للحاق بها، فشخص عسكري مثله دومًا يمارس الرياضة، تعجب المارة من حالة الفر الدائرة نصب أعينهم ولم يتمكنوا من تفسيرها، اعتقد بعضهم أن هناك فيلمًا يتم تصويره في الأجواء، وأن ما يدور هو مشهد مقتطع من ضمن الأحداث الخاصة به، لذلك لم يتدخلوا واكتفوا بالمشاهدة، بحثت فرح بعينيها بهلعٍ وهي تدير رأسها نحو الجانب عن مخرج لها، تحركت نحو الناصية الجانبية، وكان ذلك خطئها، تعثرت قدمها ولفت ساقها حول الأخرى، انكفأت على وجهها متأوهة بصراخ متألم لتمنح يزيد ثوانٍ زائدة ليقترب منها، عاودت النهوض مستعيدة طاقتها المستنفذة لتبدأ الركض من جديد، لكن تلك المرة كان زوجها قد بلغها مستغلاً خلو الطريق من معظم المارة، صرخ بانفعال:.

-استني يا فرح!
اخترق صوته المتعصب آذانها فصرخت عفويًا وهي تجاهد للفرار منه قبل أن تطالها يده، رغمًا عنها تباطأت خطواتها بسبب الألم الذي يضرب قدميها، وكالعادة وصل إليها ملقيًا بثقل جسده المندفع نحوها عليها وهو يمد ذراعه في اتجاهها ليتمكن من طرحها أرضًا، كانت الصدمة قوية على كلاهما، لكنه تلقى الجزء الأكبر منها، صرخت فرح بألم حقيقي، اعتدل يزيد في رقدته ليقول لها بتعنيف:.

-إنتي اتهبلتي يا فرح؟ إيه أمور الجنان بتاعتك دي
ركلته في معدته مستخدمة ركبتها ليتفاجأ من ردة فعلها، صاحت مستنجدة بمن حولها وهي تدفعه بذراعيها:
-حد يلحقني!
اندهش من تصرفها، وأسرع بوضع يده على فمها يكممها وهو يقول بغيظٍ:
-إنتي بتعملي إيه؟
تلوت بكامل جسدها محاولة إزاحته بعيدًا عنها، لكنه كان كالجبل المرابط عليها، فاسُتهلك ما تبقى من قوتها، احتقنت نظرات يزيد على الأخير متابعًا بوعيد غاضب:.

-فكرك جنانك ده هايمنعني أرجعك معايا؟ ماشي!
اعتدل في وقفته جاذبًا إياها من ذراعها الذي قبض عليه دون أن يحرر فمها، لفه حول خاصرتها ليتمكن من رفعها عن الأرضية الصلبة، التفت برأسه في كافة الاتجاهات باحثًا عن سيارة آدم، لمحه الأخير من على بعد فاتجه إليه مستديرًا بحرفية عالية بها ليصفها أمامه، ترجل سريعًا من السيارة قائلاً بتوجسٍ:
-اعقل يا يزيد، مافيش داعي للعصبية، أكيد هي...
قاطعه رفيقه بغلظة:.

-ماتبررش حاجة
ضغط آدم على شفتيه ممررًا أنظاره عليها بحرجٍ واضح، في حين نظرت لها شيماء بذهول وهي تطل برأسها من النافذة، هتفت متسائلة بنبرة مصدومة ظلت مسيطرة عليها:
-عملتي كده ليه بس يا فرح؟
صاح بها يزيد بصوتٍ أجش منفعل:
-اركبي جمب جوزك.

أومأت برأسها معلنة عن امتثالها له، فأي جدال معه في تلك اللحظة قد يؤدي لما لا يُحمد عقباه، ترجلت من السيارة وهي تنظر بأسف إلى فرح التي كانت تتشنج بجسدها وهي تقاوم يزيد، أحكم الأخير قبضته كليًا عليها، فتح الباب على مصراعيه ليتمكن من دفعها إلى داخل المقعد الخلفي بعصبية، صدر منها أنينًا مكتومًا، أبعد يده عن فمها لتواصل صراخها المهتاج، لم يهتم بلفتها للأنظار من حولهم، اندفع ورائها مقيدًا رسغيها بقبضته، وحاوط بالأخرى عنقها ليكمم فمها من جديد.

أشار آدم إلى زوجته لتركب إلى جواره في المقعد الأمامي، ثم تحرك بالسيارة وسط استغراب المتواجدين بالمنطقة هامسًا لنفسه:
-زمان الناس مفكرانا عصبجية وخطافين حريم!
شعرت فرح بذراعي يزيد تعتصرها وهي واقعة تحت قوته الجسمانية، استمعت إلى همسه لها:
-حسابنا في البيت!
تذمرت من تهديده الصريح مدعية شجاعتها وهي مستمرة في التلوي بجسدها، تابع هامسًا وهو يكز على أسنانه بغيظٍ:
-بقى بتهربي مني أنا!

استشعرت من نبرته المكتومة تلك توبيخًا حادًا منه إن لم يكن عقابًا عنيفًا، عاودت الكَرَّة من جديد لتتخلص منه، هزها بقوة وهو يقول بصوته الخفيض:
-متحاوليش!
خبت مقاومتها اليائسة مع استمراره في تشديد قبضتيه عليها، حركت عينيها محاولة رؤية أين هم تحديدًا، لم تكن قد قطعت شوطًا بعيدًا عن البناية، فعاد بهم آدم إليها في دقائق معدودة، ترجل من السيارة أولاً ليحدث رفيقه بتحذير:
-عشان خاطري أنا بلاش تضغط عليها و...

قاطعته زوجته مضيفة بتوسلٍ راجٍ لتدعم موقفه:
-أكيد فرح مكانتش تقصد، دي وزة شيطان
وكأنهما يتحدثان لشخصٍ أتٍ من عالم أخر، لم يصغِ لهما وانشغل بسحب الوشاح من حول عنق فرح ليقيد معصميها به، جرها إلى خارج السيارة قابضًا على كتفيها بذراعٍ، وبالأخر مكمم لفمها، توجست شيماء خيفة من طريقته الخشنة في التعامل مع زوجته، سلطت أنظارها عليه وهو يقول بقسوةٍ:
-متشكر لحد كده وكتر خيركم
اعترض آدم طريقه مرددًا بارتباك:.

-يا يزيد استنى بس
جمد أعينه الملتهبة عليه وهو يرد بنبرة أخافته:
-ماتكلمش معايا في حاجة، سيب شنطة فرح معاك، هابقى أخدها بعدين
لم يجرؤ على إضافة المزيد، وقف في مكانه يطالعه وهو يجر فرح معه نحو الداخل، لكزته شيماء في كتفه قائلة بحنق:
-إنت هاتسيبه كده؟ جايز يتجن عليها ولا يموتها
رد باستياءٍ وهو يلوح بيده:
-يعني عاوزاني أعمله ايه؟
صاحت مستنكرة بنبرة منفعلة وقد تصلبت تعابير وجهها:.

-اتصرف، امنعه، هو احنا هانسيب الغلبانة دي معاه، جايز يتهور عليها ولا...
قاطعها بامتعاض:
-هو حر مع مراته
اغاظت من تلك الكلمة التي تبرر تصرفات الرجال العنيف مع زوجاتهن متحججين بحقهم في تأديبهن إن ارتكبت خطأ ما، هدرت به بعصبية مبررة:
- آدم
سحبها من ذراعها نحو السيارة قائلاً بفتور:
-يالا بينا، وربنا يستر!
رفعت حاجبيها للأعلى صارخة بضيق كبير:
-إنت برضوه هتمشي؟
هز رأسه بإيماءة صريحة وهو يرد بعبوسٍ:
-أيوه.

حركت شيماء شفتيها لتنطق لكنه ألجمها محذرًا ومشيرًا بسبابته:
-ماتقوليش حاجة، ماشي!

لم يكن السير بالنسبة لها خيارًا متاحًا فقد وصل بها إلى الطابق المتواجد به منزله محمولة على كتفه، تذمرت فرح من وقاحته ومن نظرات الجيران لطريقته البربرية في اقتيادها نحوه، ركلت بساقيها في الهواء صائحة باحتجاج:
-نزلني بقى، فرجت الناس علينا!

دس المفتاح في القفل الخاص به متجاهلاً صياحها ليلج بها إلى الداخل، أوصده بإحكام خلفه ثم أنزلها عن كتفه لتقف على ساقيها، تراجعت للخلف مبتعدة عنه كردة فعل طبيعية وهي ترمقه بنظرات تحمل مزيجًا من الخوف والغضب، ألقى بالمفاتيح على الطاولة كإشارة صريحة لتحديه لها بالاقتراب منهم وأخذهم، تعلقت أنظارها بهم لكنها عاودت التحديق في وجهه الصارم، ابتلعت ريقها هاتفة بتشنجٍ:
-قولتلك مش عاوزة أرجع معاك!

اختنق صوتها واختلط مع عبراتها التي انهمرت دون سابق إنذار من طرفيها، تابعت مضيفة:
-ليه ماسبتنيش أروح بيتي؟ أنا مخنوقة من كل حاجة، مش قادرة خلاص تعبت من اللي أنا فيه!

تحرك صوبها دون أن ينبس بكلمة مما زاد من رجفتها، رأته وهو يمد يده نحوها فتوقعت أن يصفعها في لحظة مباغتة كعقابٍ لها، أغمضت عيناها بقوة لكنها شهقت حينما شعرت بقبضته تمسك برسغيها المقيدين وتجذبها منهما نحوه، فتحت عينيها لتنظر له من بين عبراتها، أمسك بفكها بقبضته مرددًا بعتاب:
-ليه بتعذبينا احنا الاتنين يا فرح؟
ظلت دمعاتها تنساب بغزارة على وجنتيها لتبلل كفه، تنهد قائلاً بإحباط:.

-اللي حصل كان مش بإيدي، وقولتلك إدينا فرصة نصلح اللي فات
أبعد يده ليحاوطها بذراعه ويضمها إليه، مسح على ظهرها برفق مطلقًا تنهيدة مليئة بالكثير من صدره وهو يقول لها بصدقٍ:
-أنا بأحبك يا فرح
دفنت رأسها في صدره تبكي بحرقةٍ، هي في حالة تخبط تدفعها للتفكير بصورة مشوشة وبجنون في بعض الأحيان، انقبض قلبها بقوة وارتعشت أوصالها بتوترٍ رهيب حينما سمعته يقول لها بنبرة ذات مغزى:.

-بس اللي عملتيه ده مش هايعدي على خير...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة