قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

استعان به ليكون إلى جواره حينما تأزم الوضع لديه، فقد كان انهيارها وشيكًا وهو خشي من عدم قدرته على التصرف، لم يتردد رفيقه آدم في الحضور إليه أو دعمه، هاتف يزيد الطبيب الذي أتى خصيصًا للكشف عليها، ووقف يترقب خروجه من داخل غرفة النوم، بالطبع لم يكن ليتركه بمفرده فقد بقيت شيماء معه تعاونه إن طلب منها شيء ما، تنهد قائلاً بضيق وهو يدير رأسه في اتجاه باب الغرفة المنغلق:
-أنا بجد مابقتش فاهم حاجة.

رد عليه آدم بهدوء:
-فرح بقالها كام يوم متغيرة، وإنت بنفسك لاحظت ده
ضغط على شفتيه قائلاً باحتجاج:
-بس مش للدرجادي، احنا ملحقناش نعمل حاجة أصلاً
وضع آدم يده على كتف رفيقه يربت عليه وهو يضيف:
-اصبر عليها شوية، دلوقتي يطلع الدكتور يقولنا مالها
زفر بصوت مسموع وهو يدس يديه في جيبي بنطاله، لحظات وخرج الطبيب من داخل الغرفة فانتصب يزيد في وقفته متسائلاً بتلهف:
-خير يا دكتور.

حك الطبيب مقدمة رأسه بإصبعيه مرددًا بهدوء معتاد:
-زي ما توقعت بالظبط، المدام بتعاني من حالة نفسية ممكن نقول عليها مجازًا الهروب من الواقع
سأله آدم بعدم فهم وهو ينظر له بغرابة:
-ده اللي هو ازاي؟
التفت برأسه نحوه ليجيبه بنبرة علمية:
-بمعنى أحيانًا الإنسان نتيجة التعرض لصدمة عصبية حادة لو مقدرش يتجاوزها إنه يلجأ لإنكار الحقيقة دي ويتعايش على إن الموضوع محصلش من الأساس
سأله يزيد بجدية واضحة على تعبيراته:.

-بس ده ممكن يعمل مشكلة بعدين
أومأ الطبيب برأسه بالإيجاب موضحًا:
-بالظبط، وده اللي حصل مع المدام، هي توهمت إن والدتها لسه عايشة، وماتقبلتش حقيقة موتها، وتعاملت مع الوضع من المنطلق ده، إنها هاتشوفها وهي موجودة، ولما تم مواجهتها بالحقيقة ماستحملتش
شرد يزيد يفكر بتعمق فيما قاله للحظات ليفيق سريعًا منه على سؤال رفيقه:
-طب والعمل ايه دلوقتي؟
أجابه دون تردد:.

-لازم تتنقل مستشفى متخصص يقدر الدكاترة فيه يأهلوها على الأقل الفترة الجاية بحيث تتقبل الوضع ومايحصلش انتكاسة، في بعض الأحيان الموضوع ممكن يوصل لمضاعفات
ارتفع حاجبي آدم للأعلى مرددًا باندهاش:
-للدرجادي؟!
أوضح الطبيب خطورة الموقف قائلاً:
-يا فندم الطب النفسي ليه دوره المهم حاليًا، وكتير من المشاكل اللي بتحصل بسبب الجهل بده
مد يزيد يده ليصافح الأخير قائلاً بجدية وقد عبست قسماته:.

-طيب، أنا هاتصرف، شكرًا يا دكتور
بادله المصافحة مبتسمًا وهو يقول:
-العفو، وأنا في الخدمة!

لاحقًا استجاب يزيد لتوصيات الطبيب وقام بإيداع فرح في أحد المشافي النفسية الحديثة للتعامل مع وضعها الحالي، ولازمها لأغلب الوقت رافضًا التخلي عنها، ورغم فساد عطلته الزوجية إلا أن رغبته في تماثلها للشفاء كانت الأهم، أخرج تنهيدة حزينة من صدره تحمل الكثير من الهموم وهو يعود بذاكرته إلى الوضع الحالي، رمقها بنظرة أخيرة قبل أن ينحني على رأسها ليقبلها، خرج من الغرفة لينتظر خارجها محاولاً ضبط انفعالاته، فقد أتعبه رؤيتها على تلك الحالة الرافضة للواقع، وخشي من استمراره معها، شعر بأنه مكتوف الأيدي عاجزًا عن التصرف، أتت رفيقتها المقربة إيلين لرؤيتها فتوسم خيرًا من قدومها، علها زيارتها تفيد في تحسن حالتها، أنهت من زيارتها لها والحزن يكسو تعبيراتها، مسحت العبرات العالقة بأهدابها لتقول بنبرة آسفة وهي تغلق الباب خلفها:.

-حبيبتي، قلبي كان حاسس إن في حاجة مش مظبوطة فيها
نظر لها يزيد دون أن يعلق عليها، فتنهدت قائلة بحزن معاتبة نفسها:
-ازاي مخدتش بس بالي منك يا فروح!
رد عليها بضيق بائن:
-محدش فينا كان يعرف، كلنا فكرنا إن تصرفاتها عادية!
اعتقدت أنه سيتعامل معها بخشونة بحكم بعض المواقف السابقة بينهما، فرفعت رأسها لتطالعه بنظرات متعشمة وهي تستعطفه:
-سيادة المقدم، أنا بأرجو من حضرتك إنك تكون حنين معاها وتتفهم اللي...

فهم تلميحها فأشار بكفه مقاطعًا بجدية:
-يا أستاذة اطمني، دي مراتي مش حد غريب، فمش محتاج حد يوصيني عليها
هزت رأسها عدة مرات متابعة بتوضيح:
-أنا عارفة، بس اللي فرح شافته واتعرضلته مش قليل وخصوصًا إنها مرت بأزمة نفسية كبيرة لما مات كريم وكان صعب عليها أوي!
حل الوجوم المصحوب الانزعاج على تعابير وجهه الصارمة بعد ذكرها لاسمه، لاحظت تبدل ملامحه سريعًا فتنحنحت قائلة بحرج:.

-احم، أنا أسفة مقصدش، بس هي كانت بتحبه ومتعلقة فيه أوي، كان بالنسبالها...
لم يزد حديثها إلا سوءًا، فأغاظه حديثها المسترسل عن حبيبها المتوفي وجعله يبلغ ذروة ضيقه في لحظات، لم يتحمل المزيد من الترهات عن علاقتهما السابقة فصاح مقاطعًا بعصبية:
-تمام، ممكن نقفل على السيرة دي
استشعرت تصرفها الخاطئ فردت باقتضاب:
-حاضر.

فركت حقيبة يدها بأصابعها مدركة تسرعها الأهوج في الحديث عنه، عمدت إلى تغيير الموضوع قبل أن يتأزم الأمر لكن منعها من التطرق إلى شيء أخر وصول رفيقه الأخر، اعتذرت بلباقة قبل أن تنصرف قائلة:
-إن شاء الله هاجي تاني أشوف فرح وأطمن عليها
حرك يزيد رأسه بالإيجاب مرددًا بامتنان:
-شكرًا يا مدام إيلين على تعبك ووقفتك معاها
ابتسمت قائلة بود:
-على ايه بس؟ دي أكتر من أختي!

راقبها يزيد حتى ابتعدت عنهما فزفر مع نفسه بضيق واضح، لم يستطع إخفاء انزعاجه البادي عليه بسبب حديثها عن حبيبها الأسبق، تلون وجهه بحمرة غاضبة أثارت انتباه آدم الذي طالعه بنظرات متفرسة وهو يسأله:
-مالك؟
أجابه بصوت محتد:
-أنا مخنوق وعلى أخري
-من ايه؟
ضاقت نظراته واحتدت وهو يرد محذرًا:
-مش طالبة معايا تحقيق
رفع كفه أمام وجهه متراجعًا عن سؤاله:
-خلاص يا سيدي!

سحب آدم نفسًا عميقًا لفظه دفعة واحدة وهو يعيد سؤاله باهتمام:
-قولي ناوي على ايه بعد كده؟ وبعدين إنت المفروض أجازتك أد ايه؟
نظر له شزرًا وهو يرد بتهكم:
-هو كان في أجازة أصلاً؟!
حك آدم مؤخرة رأسه موافقًا إياه في رأيه قائلاً:
-في دي عندك حق
تابع يزيد قائلاً:
-أنا هاجهز نفسي وهارجع الوحدة
سأله رفيقه بجدية:
-طيب وفرح؟
التفت ناحية باب غرفتها بالمشفى ليطالعه بنظرات شاردة قبل أن يجيبه:.

-مش عارف لسه، بس أكيد وجودها هنا هيفيدها!
فكر آدم في أمر ما لكنه لم يرتب لحدوثه بعد، ورغم ذلك اقترحه عليه على أي حال، هتف قائلاً:
-ايه رأيك لو خليتها تقعد مع شيماء
بدا حديثه مبهمًا وإلى حد ما غامضًا، فردد بجدية:
-مش فاهمك، وضح كلامك شوية!
تابع آدم وهو يشير بيده:.

-قصدي يعني فرح محتاجة تغير جو، وهي بترتاح مع مراتي وسلمى، والاتنين مش هيتأخروا عنها في أي حاجة، غير إن شيماء زي ما إنت عارف اجتماعية وتعرف طوب الأرض ف...
قاطعه يزيد هاتفًا بضجر:
-مش لما تفوق من اللي هي فيه الأول
ربت آدم على كتفه صائحًا بحماس:
-إن شاء الله هاتبقى كويسة، خليك متفائل، هي مش أول حد يتعب!
لوى ثغره قائلاً بتنهيدة متعبة:
-ربنا يسهل!

عاتبها زوجها لتصرفها الأرعن للإشارة عن زوج رفيقتها المتوفي وما له من تأثير سلبي في النفوس مع زوجها الحالي، ورغم صدق نواياها إلا أن إيلين رفضت تحمل اللوم ودافعت عن موقفها مبررة:
-ماهو لازم يعرف عشان يقدر الظرف
صف أمير سيارته بجوار مقر جريدة الضحى ليدير رأسه في اتجاه زوجته وهو يتابع بتعنيف رقيق:
-وهو الراجل اتأخر عنها، بس مايصحش برضوه يطلع الكلام ده منك
زمت شفتيها قائلة بتبرم:.

-يووه، أمير إنت عاوز تطلعني غلطانة وخلاص
أشار لها بحاجبيه موضحًا:
-أنا بأقولك الحقيقة ولازمي تعرفي إنك اتسرعتي
هزت كتفيها مرددة بعبوس:
-أهو اللي حصل!
تنهد مضيفًا بهدوء:
-عمومًا هنتكلم بعدين، أما تخلصي عرفيني وأنا هاعدي أوصلك
تحولت نظراتها العابسة إلى الإشراق وهي ترد بحماس:
-واو، إيه الدلع ده كله؟
غمز لها بطرف عينه هامسًا بنبرة ذات مغزى:
-مش مراتي
بادلته نظرات والهة وهي ترد بصوتٍ خفيض:
-حبيبي يا ميروو.

لفت أنظاره تجمعًا لبعض الأفراد ممن يرتدون الزي الشرطي، سلط أنظاره عليهم متسائلاً باستغراب:
-ايه ده؟
التفتت برأسها للجانب لتحدق فيما ينظر إليه، تعجبت هي الأخرى من وجودهم، ثم ردت قائلة:
-مش عارفة، هاروح أشوف
ترجلت من السيارة سائرة بخطوات متعجلة نحوهم وهي تلقي بحقيبة يدها على كتفها، دفعها فضولها للاقتراب منهم لتفهم ما يدور، وصل إلى مسامعها صوت أحد الموظفين وهو يرد بجدية:.

-لا مجاتش النهاردة، الأستاذة في أجازة جواز
ظنت بحدسها الصحفي أن للأمر علاقة بفرح، فمعظم حديثهم المقتضب يشير إليها تحديدًا، انخرطت بينهم متسائلة بنزق وكأنها تفكر بصوت مسموع:
-هما بيسألوا عن مين؟
أجابها زميلها دون تردد:
-عن الأستاذة فرح عبد الحميد
كتمت شهقة مصدومة خرجت من جوفها ليدها قبل أن تتمالك نفسها لتسأل أحدهم بتخوف واضح في نبرتها:
-ليه في حاجة؟

تفرس الضابط في تعبيراتها القلقة باهتمام كبير، رد عليها بتساؤل جاد:
-إنتي تعرفي مكانها؟
أجابته وهي تبتلع ريقها:
-أيوه، بس ليه؟
قست ملامح وجهه وهو يرد بجمود:
-في أمر ضبط وإحضار ليها!
اتسعت حدقتاها على الأخير مصدومة مما سمعته، رفيقتها الأقرب في موضع اتهام دون أن تعرف الأسباب، وقبل أن تفيق من ذهولها الصادم تابع الضابط محذرًا بجدية مخيفة:
-ويا ريت يا أستاذة توصلينا ليها وإلا هانعتبر سيادتك بتتستري عليها.

ارتجف بدنها من تهديده الضمني، فردت بفزع:
-ايه؟!

أعد عدته للرحيل والعودة إلى وحدته العسكرية، لكن قبل أن يسافر قرر يزيد أن يقوم بزيارة أخيرة لها، سبقه إليها صديقه آدم وزوجته، ألقى الجميع عليها نظرات حزينة لكن بعثت ابتسامة شيماء التفاؤل في الأجواء وهي تخرج عن الصمت المشحون بالألم مرددة:
-خلاص يا جماعة، دي مش أخر الدنيا، بكرة هاتروق وتحلى
هتف آدم بمرح وهو يشير لزوجته بنظراته:
-مش هنوصيكي عليها يا شيمو
عبست بوجهها بضيق زائف وهي ترد:.

-دي أختي، وحقها عليا!
عادت ابتسامتها الصافية تلوح على ثغرها وهي تكمل بنبرة متحمسة:
-ده غير بقى إن لومة هاتفرح أوي لما تلاقيها وسطنا وأعدة معانا
رد عليها آدم مؤكدًا:
-اه طبعًا، ماهتصدق، بنتي وأنا عارفها!

التوى ثغر يزيد للجانب معلنًا عن ظهور ابتسامة باهتة على محياه من حديثهما المرح، كان بحاجة إلى مثل تلك الأجواء لتخفف من حدة التوتر السائدة، لم يدم الأمر طويلاً فقد اقتحم الغرفة الطبيب المعالج لها، التفت ثلاثتهم نحوه وهو يقول بحرج:
-سيادة المقدم
طالعه يزيد بنظرات ممعنة متعجبًا من طريقته المريبة في النظر إليه، سأله بنبرة خشنة وجادة:
-في ايه يا دكتور؟
أطرق رأسه بحرج واضح وهو يجيبه بتلعثم:.

-أنا مش عارف أقول إيه، بس، ممكن كلمتين برا
تضاعفت ريبته من طريقته الغريبة في الحديث، فاقترب منه متسائلاً بحدة طفيفة:
-في ايه؟
فتح الباب على مصراعيه ليظهر في الخلفية عدد من الضباط وبعض الأفراد فمرر يزيد أنظاره عليهم، اكتست تعبيراته بالاندهاش والحيرة، هتف أحد الضابط قائلاً بنبرة رسمية
-من غير لف ولا دوران، معانا أمر ضبط وإحضار للمدعوة فرح عبد الحميد فرغلي!

حل الذهول على قسماته المشدودة، وبرزت مقلتاه في محجريهما وهو يرد مصدومًا:
-نعم...؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة