قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

انزوى ما بين حاجبيها معلنًا عن حيرة صريحة ممزوجة بالاندهاش والفضول، لم يرد على أسئلتها المتكررة مشيرًا لها بيده لتترجل من السيارة وهو يتراجع مبتعدًا عنها، لحقت به فرح بوجه عابس محاولة الوصول إليه، دققت النظر في أوجه الضباط والمجندين الذين ألقوا عليه التحية العسكرية حينما مرق من جوارهم، أسرعت أكثر في خطواتها لتصل إليه هامسة:
-يزيد، لو سمحت استنى وفهمني قصدك ايه؟

أبطأ في سيره مستديرًا نحوها بجسده المنتصب بشموخ ليقول بغموض أكبر:
-هنتكلم في مكتبي
رأت في نظراته نحوها تسلية واضحة وكأن في إصابتها بالحيرة متعة خفية لا تفهمها، ردت باقتضاب دون أن تتبدل تعبيراتها المزعوجة:
-طيب
تعمد السير بخطوات أسرع لتبدو هي كمن يركض خلفه حتى بلغ مكتبه، توقف فجأة ليلتفت نحوها فارتطمت بصدره نتيجة اندفاعها السريع، وضع قبضتيه على ذراعها قائلاً بابتسامة صغيرة:.

-الكلام ده ماينفعش هنا، ولا إنتي ايه رأيك؟
نظرت له بغرابة قليلة في البداية، فهي لم تفهم مقصده، لكن نظراته الموحية وطريقته في الابتسام أوصلت لها المغزى المخجل منه، تجهمت قسماتها أكثر وهي ترد بانفعال طفيف:
-عيب كده!
رد بلهوٍ:
-إنتي فهمتي إيه بالظبط؟
اشتعل وجهها بحمرة ملفتة للأنظار، فاتسعت ابتسامته مع خجلها الواضح، غمز لها قائلاً:
-واضح إن...

شحذت فرح قواها بالكامل لتتراجع بغضب للخلف متحررة من قبضتيه ومستنكرة تفكيره المتجاوز وإفصاحه عن ذلك علنًا صائحة بتحذير ومانعة إياه من إكمال جملته:
-يزيد!
رد بصرامة أدهشتها:
-هنا مافيش يزيد، في سيادة المقدم!
هتفت بذهول بعد أن اكتسى وجهها بعلامات الاندهاش:
-نعم
قست تعبيراته وهو يضيف بقوة تعرفها جيدًا:
-الرسميات أساس التعامل بينا من هنا ورايح!

استنكرت طريقته الجافة في التعامل معها خاصة بعد تلك اللحظات الحميمية التي سادت بينهما، تساءلت بتعجب وقد زاد عبوسها:
-أومال اللي حصل عندي في البيت كان إيه؟
رد ببرود وهو يدس يديه في جيبي بنطاله:
-كان حاجة طبيعية لازم تحصل بين أي اتنين متجوزين يا مدام فرح
استشعرت أنه استغلها بطريقة ماكرة ليحصل على مراده منها فردت بعصبية طفيفة:
-مش فاهمة كلامك!
تنهد قائلاً بفتور ليثير حنقها:
-بعدين نتكلم في ده، مش وقته.

كظمت غيظها منه لتمنعه من التلاعب بأعصابها، كتفت ساعديها أمام صدرها متسائلة بتذمر:
-اوكي، سيادتك جايبني هنا ليه بقى؟
أخرج يده من جيبه ليفرك بها طرف ذقنه قائلاً بغموض مقتضب:
-شغل!
سألته مستفهمة بوجه متشنج:
-ايه هو؟
رد بحذرٍ:
-تغطية لمناورة، بس المرادي مش لوحدك
سألته بلهجة شبه آمرة وقد فاض بها الكيل للحصول على إجابات شافية لتساؤلاتها المنطقية في وضع كهذا:
-وضح أكتر
استخدم يزيد يده في الإيضاح قائلاً:.

-في طاقم مراسلين عرب هايكون معاكي لأن المناورة دي مشتركة مع بعض الدول العربية، احنا عملنا تزكية باسمك للقادة عشان تكوني زي المرشدة ليهم، وهما وافقوا
لوت ثغرها مرددة باعتراض ملحوظ:
-نعم؟
تابع ببرود وكأن عصبيتها المرئية لا تعنيه شيئًا:
-هاتقومي بدورك الصحفي عادي، بس مكلفة بمتابعتهم ومراقبة أي تجاوزات تحصل، يعني زي العصفورة كده.

وكأنه يتعمد التحقير من وظيفتها بطريقة شبه لبقة، أرخت ساعديها لتلوح بذراعها في الهواء وهي تهتف باحتجاج:
-معلش في حاجة كده مش وصلالي، ازاي أنا هابقى مسئولة عن الناس دول وأنا صحفية زي زيهم
تحرك خطوة للأمام نحوها ليقف قبالتها، رمقها بنظرات ثابتة أشعرتها بقوته وهو يرد بصرامة:
-مش من حقك تسألي، إنتي تنفذي الأوامر وبس
تحدته قائلة بشجاعة:
-لأ من حقي، إنت مش...

رفع سبابته أمام وجهها محذرًا بلهجة شديدة وقد احتدت نظراته:
-خدي بالك من لهجتك، إنتي هنا مش مراتي، إنتي تحت أمري، وأي مخالفة فيها جزا، ومش هارحم أي حد يقصر
فغرت شفتيها مشدوهة من أسلوبه الجاف في التعامل معها، ليس ما قاله مزاحًا، بل إن تعبيراته ونبرته وحتى نظراته تؤكد لها جدية ما يقول، سألته بعدم تصديق وهي ترمش بعينيها:
-ده بجد؟
انتصب في وقفته ليبدو أكثر شموخًا عن ذي قبل قائلاً:.

-هو في هزار هنا، وأظنك مجرباني
هزت رأسها مصدومة من عودته لأسلوبه القديم متناسيًا ما بينهما من روابط حالية، تابعهما آدم من على بعد متوقعًا حدوث المزيد من المشادات والتحديات في الأيام القادمة بين الاثنين، حك مؤخرة رأسه هامسًا:
-واضح كده إن يزيد أعلن الحرب، وفترة الهدنة فركش!
أشار يزيد بيده لفرح قائلاً بصيغة آمرة:
-تعالي ورايا.

ضغطت على شفتيها مانعة نفسها من التفوه بأي حماقات وتبعته بخطوات متعصبة إلى داخل غرفته، سحب مقعده للخلف ليجلس عليه متباهيًا وواضعًا ساقيه على سطح مكتبه، نظرت له فرح بضيق مبدية انزعاجها من تصرفه الفظ معها، اقتربت من المقعد لتجلس عليه لكنه أوقفها صائحًا بجفاء:
-أنا أمرتك تقعدي
تجمدت في مكانها مصدومة من رده المباغت، نظرت له بأعين متسعة وهي تقول بذهول تام:
-افندم؟!
نظر لها بغرور متابعًا بعجرفة واضحة:.

-شغل العشم والمحبة برا مش هنا
وضعت يدها على منتصف خصرها قائلة بازدراء:
-هي بقت كده
أنزل يزيد ساقيه عن مكتبه ليهب واقفًا وهو يقول بصلابة:
-أيوه، لازم تفرقي بين علاقتنا برا ووجودك هنا، إنتي زيك زي أي حد مجند ومكلف بشغل!
هزت جسدها بعصبية قائلة بامتعاض:
-في تعليمات تانية ولا اتفضل أروح أوضتي
تقوس ثغره بابتسامة مغترة قائلاً:
-نسيت أقولك، إنتي مش هتفضلي هنا
ضاقت نظراتها وانزوى ما بين حاجبيها متسائلة بتجهم:.

-اومال هاقعد فين؟
أشار لها بحاجبه ليزداد انفعالها فصاحت بتهكم وهي تشير بيدها:
-اوعى تكون ناوي تخليني أنام في العنبر مع العساكر بتوعك، ماهو إنت...
قاطعها هاتفًا بصرامة مهددًا إياها حينما استشعر من حديثها إساءة لشخصه:
-اقطمي الكلام لحد كده أحسنلك!
تحر يزيد ليقف قبالتها يحدجها بنظرات أقلقتها، بادلته نظرات مزعوجة وهي ترد بعبوس:
-شكرًا على ذوقك
هتف قائلاً بسخرية:
-مش للدرجادي، أنا مغلطتش في البخاري يا مدام!

ضاقت ذرعًا من أسلوبه المستفز والمثير في نفس الوقت لأعصابها، هتفت بنبرة متشنجة رغم بذلها مجهودًا ليخرج صوتها هادئًا:
-يزيد لو سمحت بلاش الطريقة دي معايا
رد ببرود مغتر:
-اسمي المقدم يزيد
يئست من الحديث معه، وأدركت أن أي جدال حاليًا لن يجدي نفعًا، تنهدت قائلة باستسلام:
-طيب، ممكن أمشي بقى؟
لمعت عيناه بوميض خفي وهو يقول بمكر:
-مش لما تعرفي الأول هاتقعدي فين!

توجست خيفة من كونه يدبر لها شيء ما سيزعجها، فسألته باقتضاب وقد تركزت أعينها عليه:
-فين؟
أشار لها بسبابته وهو يدفعها من كتفها ليتحرك نحو باب الغرفة:
-تعالي ورايا
تأوهت من قوة ضربته المتعمدة واضعة يدها على كتفها تتحسسه، نظرت له شزرًا كاتمة غضبها منه في نفسها، لحقت به هامسة بوعيد:
-طيب.

انتظرهما آدم بالخارج حتى ينتهيا من الحديث سويًا، لكن حينما لمحهما يخرجان من الغرفة اعترض طريقهما متسائلاً باهتمام:
-على فين كده؟
أجابه يزيد بجدية وهو يسير بخطوات شبه سريعة وثابتة:
-هوديها الإمداد والتموين
أومأ آدم برأسه مرددًا بنبرة عادية:
-أها، مع الوفد اللي هايقعد هناك.

نظرت له فرح باندهاش قليل، فلم يبدو على رفيقه أي علامات للاستغراب، إذًا فالموضوع معروف لديه مسبقًا، انتبهت لصوته القائل الذي أخرجها من شرودها المؤقت حينما قال بمرحٍ:
-انجوي يا فرح، هناك أرحم من هنا بكتير!
أبطأت من خطواتها لتهمس له بضيق واضح عليها:
-صاحبك رجع لعادته القديمة معايا، أنا مش هاستحمل الأسلوب ده
ابتسم لها ابتسامة سخيفة محاولاً امتصاص ضيقها وهو يقول مدافعًا عنه:.

-قلبي كان حاسس بده، بس مش هاتقلب بغم على طول!
نظرت له بحدة قائلة:
-بجد، كده أنا ارتحت
اتسعت ابتسامته مضيفًا:
-أنا مش عاوز أقلقك، واطمني أنا في ضهرك لحد ما أتحول للتحقيق!
-ميرسي على ال support (دعم) بتاعك
رد متباهيًا وقد انتصب بكتفيه العريضين:
-طبعًا ده أنا رياضي قديم
التفت ناحيتهما يزيد ليرمقهما بنظرات محذرة فصمت كلاهما عن الحديث ليتبعا خطاه دون التفوه بالمزيد.

لاحقًا، ولج يزيد إلى داخل إحدى الغرف الفندقية الخاصة بفندق (الإمداد والتموين) التابع للقوات المسلحة متفقدًا محتوياتها بدقة، تبعه أحد المشرفين قائلاً بابتسامة صغيرة امتزجت مع نبرته الرسمية وهو يشير بيده موضحًا:
-دي يا فندم غرف الإقامة الخاصة بالنزلاء هنا!
مط فمه للأمام مبديًا إعجابه بها وهو يقول:
-تمام!

ولجت فرح هي الأخرى لداخل الغرفة تتأملها بنظرات خاطفة لكنها شمولية، بالطبع المكوث في مكان كهذا أفضل بكثير من البقاء في وحدة عسكرية تقيد حريتها، لكنها كانت تطمح للتواجد بالقرب من زوجها كي تعتاد أكثر على حياتهما معًا، تبخرت أحلامها بسرعة البرق مع صرامته الغريبة التي عادت للطوف من جديد لتؤثر على علاقتهما، انزوت عند أحد الأركان متابعة تفقد الغرفة بتنهيدة متعبة، أكمل يزيد تجوله بالمكان حتى بلغ الشرفة، أزاح الستائر جانبًا لينظر إلى المشهد الطبيعي الخلاب الذي تطل عليه الغرفة متابعًا بجدية:.

-الأوامر مشددة على الضيوف اللي جايين، مش عاوز تقصير معاهم
رد المشرف بثقة:
-اطمن يا فندم، ده شغلنا، ومعروف عامل إزاي
تساءلت فرح بفتور رغم سذاجة طبيعة السؤال:
-هو أنا هبات هنا؟
استدار يزيد ناحيتها قائلاً:
-ايوه، أكيد مش جايبك هنا منظرة!
تجاهلت رده السخيف مولية إياه ظهرها وهي ترد بتعالٍ:
-اوكي، مش بطال.

أشار يزيد للمشرف بعينيه لينصرف، فامتثل الأخير لأمره بصمت تاركًا مفتاح الغرفة على الطاولة، تحرك نحو الخارج مغلقًا الباب خلفه ليتركهما معًا، ورغم شعوره بضيقها الزائد منه نتيجة صلابته المفتعلة معها إلا أنه لم يظهر لها أي تعاطفٍ، استطرد حديثه متابعًا بجدية:
-طبعًا هتلاقي ملخص عندك بالمواعيد والمطلوب منك بالظبط!
التفتت برأسها نحوه ترمقه بنظرات مطولة فأكمل محذرًا:
-أتمنى ماتستغليش إنك مراتي وتكسفيني.

استشاطت نظراتها من إتهامه الباطل بسوء الاستغلال فهتفت محتجة بغضب:
-على فكرة إنت كده بتقلل مني
رد ببرود استفزها على الأخير:
-وجايز إنتي تقللي مني
احتقن وجهها بحمرة مضاعفة من طريقته تلك، هدرت فيه بتشنج وقد برزت عروقها من جانب عنقها:
-خلاص بناقص منها، أنا هاقدم اعتذار، مافيش داعي إننا...
قاطعها ببرود أكبر وهو يلوي ثغره للجانب:
-مرفوض
صاحت فيه بانفعال:
-هو بالعافية
رد متحديًا بهدوء استثارها بشدة:.

-ايوه، وأي اعتراض معناه مخالفة الأوامر
تشنجت عضلاتها من أسلوبه الفظ، كورت قبضة يدها ضاغطة على أصابعها بقوة وهي تردد هامسة في محاولة بائسة منها لتهدئة ثورتها التي تشتعل بداخلها:
-استغفر الله العظيم يا رب
راقبها يزيد مستمتعًا بكل ما يفعله معها ليدفعها لإثبات نفسها من جديد وانتشالها من بوتقة الأحزان التي كادت تلقي بنفسها فيها، مد يده يتلمس بظهر كفه وجنتها الملتهبة بحمرتها الغاضبة قائلاً:.

-بس شكلك حلو وإنتي متعصبة
أزاحت يده عنها مبعدة رأسها للخلف وهي تقول بتشنج:
-لو سمحت إيدك!
زادت ابتسامته العذبة مغازلاً إياها بهدوء:
-بأحب عينيكي وهي هتطق شرار كده
رمقته بنظرات حادة وهي تقول بضيق:
-دي معاكسة يا سيادة المقدم؟
غمز لها قائلاً بهمس عابث:
-لأ، ده استدراج
توترت نظراتها وهي تسأله بعدم فهم:
-لإيه بالظبط؟
توهجت عيناه بوميض العاشقين قائلاً بصوت خفيض أربكها:
-لحاجات ماينفعش تتقال.

ازدردت ريقها مرددة بارتباك:
-مش فه...
مد يده ليمسك بكفيها بنعومة قضت على تلك الخشونة الزائدة معها في لحظة غريبة، أخفضت نظراتها لتحدق فيه بصدمة، أحنى رأسه على وجهها هامسًا بتنهيدة حارة:
-بأحبك
رمشت بعينيها غير مصدقة ما يفعله الآن، كان على النقيض تمامًا، عاد إلى طبيعته السابقة، شعرت بوجود خدعة خفية في الأمر، فحاولت أن تسحب كفيها منه قائلة بتبرم:
-إنت فيك حاجة.

تجاهل محاولاتها الفاشلة للتملص منه ليسحبها إلى أحضانه وهو يحاوطها من خصرها بذراعه متمتمًا بنبرة أقرب للهمس متأملاً وجهها بنظرات متيمة:
-مش مصدق إنك معايا تاني!

خفق قلبها بقوة لمجرد ضمه لها، شعرت بقوته وتأثيره الطاغي المسيطر على حواسها يتسلل عبر جلدها ليصل إلى خلاياها، بدت ضعيفة للغاية وهي تستسلم لمعسول كلماته المتغزلة بها والتي تذيب أي حواجز جليدية صنعها بطريقته، وضعت فرح يديها على صدره تدفعه قدر استطاعتها لتتخلص من حصاره لها وهي تقول باضطراب
-سيادة المقدم، إنت...
قاطعها واضعًا إصبعه على شفتيها:
-هنا مافيش إلا يزيد حبيبك وبس!

آمال رأسه أكثر عليها لتزداد أنفاسه سخونة على وجنتها وهو يضيف:
-ده مش وقت كلام.

اختطف قبلة صغيرة من على شفتيها شعرت معها بتهديد صريح باجتياح مشاعرها، حاولت دفعه من جديد ومقاومة ما يقدمه لها فاستخدم يديه في الإمساك بمعصميها، أدارهما خلف ظهرها ليلصق جسدها بصدره، لم تستطع الهروب من حصاره، أحنى من جديد شفتيه على شفتيها معمقًا من قبلته الثانية لها ليتضاعف من خلالها تلك المشاعر الحسية التي عرفت الطريق إلى قلبها وحواسها التي اشتعلت في لحظة، وما هي إلا ثوانٍ معدودة حتى فرض سيطرته عليها ليسحبها كليًا معه بحنكة مقاتل محترف إلى عالم العشق والغرام...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة