قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والعشرون

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والعشرون

رواية هي و الربان للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والعشرون

تفرست فيها بنظرات لم تشعرها بالارتياح، ربما لذلك الوقار المهيب البادي عليها أو لتعبيراتها الصلبة التي توحي بالقوة، لكنها أبقت فرح في مكانها تطالعها بحذرٍ، تسرب إليها إحساسًا بالخوف من مجهول ما متربص بها، نظرات مفيدة الجامدة نحوها أكدت ذلك الشعور، رمشت فرح بعينيها بارتباك قلق انعكس في نظراتها إليها، أخرجها من تحديقها المطول فيها صوتها المردد بهدوءٍ يحمل النبرة الآمرة:
-سلمي عليا يا بتي!

ثم صمتت للحظة لتضيف بنبرة ذات مغزى:
-متخافيش مش هاكلك
احتقن وجهها بحمرة حرجة من تلميحها الصريح وكأنها تشير إلى كونها تأنف من الاقتراب منها، دافع يزيد عن فرح التي تحرجت منها بصورة بائنة قائلاً بودٍ محاولاً إذابة حاجز الجليد بينهما:
-معلش هي بتكسف شوية
دفعها من ظهرها برفق لتقترب منها، فتحت لها مفيدة ذراعيها متابعة بحماس مقلق:
-تعالي في حضني يا مرات الغالي.

ضمتها فرح إلى صدرها كنوعٍ من الترحيب بها وهي تقول بنبرة مهتزة:
-ميرسي يا طنط
تعمدت مفيدة احتضانها بقوة لتشعرها بصحتها رغم كبر سنها، أبعدتها عنها وهي تعاتبها بجدية:
-إيه الكلام الماسخ ده، إنتي تجوليلي (قوليلي) يا أماه، يا حاجة، يا ستنا، لكن عوجة البوج (بؤ/ فم) دي ماتمشيش إهنه!

عبست فرح بوجهها مستنكرة ما تدعيه عليها، هي فقط غير معتادة على تلك النوعيات من الترحيب الزائد، التفتت برأسها إلى يزيد ترمقه بنظراتها الحائرة فتدخل في الحوار مبررًا طبيعة شخصيتها:
-مش واخدة لسه علينا يا مرات عمي
مصمصت شفتيها قائلة بتهكم واضح على حركة فمها وإيماءاتها:
-بكرة تتعود.

تنحنح بصوتٍ خفيض محافظًا على تلك البسمة الباهتة المتشكلة على ثغره، أشار ل فرح بعينيه بنظرات ضمنية آملاً أن تفهم ما يرمي إليه، لكنها لم تستطع تقبل تلك المعاملة الجافة التي تحمل نوعًا من الازدراء لها، حتى وإن لم يكن الأمر مصرح به علنًا، أضاف يزيد قائلاً ليغير مجرى الحوار:
-مبروك لبنت عمي، وإن شاء الله ربنا يتمم على خير
ردت عليه مفيدة بامتنان:
-الله يبارك فيك يا غالي.

ثم سلطت أنظارها على وجه فرح لتضيف بنبرة موحية:
-وعجبال (عقبال) مانفرحوا بعوضكم
لوت الأخيرة ثغرها مرددة بجدية اتسمت على ملامحها:
-لسه بدري، احنا...
قاطعتها مفيدة بحدة ومصدومة من ردها
-بدري كيف؟ ده اللي زيك معاهم 2، و3 وبطنها جدامها (قدامها)، ولا إنتي فيكي عيب وما نعرفش؟

فغرت فرح فمها بذهول كبير، لم تتوقع تلك الفظاظة في الرد والوقاحة في التعبير، وما زاد الطين بلة حينما وجهت حديثها لزوجها لتضمه إليها في موقفها قائلة:
-ما تجولها (تقولها) يا ولدي، الحريم اللي زيها معاهم أد إيه
اشتعلت نظراتها من طريقتها الساخطة نحوها وكأنها وضعتها في قائمة أعدائها دون سابق إنذار رغم عدم معرفتها به، حاول يزيد أن يخفف من حدة الموقف قائلاً بلطفٍ:
-مرات عمي مش وقته الكلام ده!

رفعت مفيدة حاجبها للأعلى متسائلة باستنكار:
-هي ناوية تعمل زي مرتك الأولى ولا إيه؟
شعرت فرح أنها ستنفجر غضبًا بين لحظة وأخرى، فهي تتعمد استفزازها لأقصى الحدود، وهي تستهلك قدرًا كبيرًا من طاقتها لتضبط انفعالاتها، لكن تلك المرة تجاوزت معها الخط الأحمر، فردت عليها صائحة بتشنجٍ:
-لأ، أنا مش زيها!

بدا صوتها مختنقًا أكثر منه متعصبًا، كورت قبضتها بغيظ وهي ترمقها بنظراتها المحتدة، تجاهلت مفيدة ردها وحتى ردة فعلها متابعة ببرود جليدي لتضاعف من حنقها:
-العمر بيجري يا ولدي، وعاوزين نفرحوا بعيل من صلبك
رد عليها يزيد بجدية:
-ربنا مأذنش لسه، وخلاص يا مرات عمي، نقفل على السيرة دي
مصمصت شفتيها من جديد لتقول بعدها:
-براحتك!
ثم نظرت بطرف عينها ل فرح لتضيف بتأفف:.

-وهي بجى (بقى) اللي جالتلك (قالتلك) متعزمش أهلك على فرحك؟ إيه بتستعر مننا؟

اعتلت الصدمة الجلية نظراتها فانفرجت شفتاها في عدم تصديق من فجاجتها، ألجمت المفاجأة لسانها، فلم تستطع لحظيًا الدفاع عن نفسها وإنكار اتهاماتها الباطلة والتي تلقيها جزافًا دون حتى أن تكلف نفسها عناء تحري ما تدعيه عليها أو حتى انتقاء ما تلفظه بلسانها بشكل أفضل ليبدو مقبولاً، رد يزيد موضحًا قبل أن يسوء الوضع ويفقد كليًا السيطرة عليه:.

-لأ يا مرات عمي، كل حاجة جت على السريع، ده غير إن أم فرح ماتت قبلها، ومعملناش حاجة
قوست فمها لتتحدث من زاوية فمها بعدم اقتناع:
-الله يرحم الجميع
أضافت ببرود متعمدة إشعال النيران بداخل فرح:
-لو كنت شورتني كنت جوزتك واحدة من إهنه، حاجة تليق بيك
شخصت أبصار فرح على الأخير مصعوقة مما تسمعه، بدت كما لو كانت في كابوس مهلك للأعصاب يختبر مدى صلابة قوتها، أتى رد يزيد كالبلسم محاولاً إخماد ما قد يشتعل فجأة:.

-أنا بأحب فرح، وهي أغلى حاجة في حياتي
مطت فمها مرددة بازدراء:
-بتحبها؟
-ايوه، ومقدرش أستغنى عنها، ربنا يباركلي فيها، ادعيلنا يا مرات عمي
تنهدت مفيدة قائلة بفتور عابس:
-ربنا معاك يا ولدي
تابع مضيفًا بهدوء وهو يوزع أنظاره بين وجهي كلتاهما:
-اسبقيني يا مرات عمي، هافرج فرح على الأرض و...
قاطعته الأخيرة بجفاءٍ وهي تنظر لزوجته بطرف عينها لتشعرها أكثر بالدونية والاحتقار:
-وماله، دي حاجتك يا ولدي!

وضع يزيد قبضته على ذراع فرح ضاغطًا عليه برفق كي لا تنفعل وتتحامل على نفسها ريثما تنصرف زوجة عمه، وما إن ابتعدت حتى انفجرت فيه بغضبٍ مبررٍ:
-هو لسه في ناس بتفكر بالشكل ده؟
مسد بيديه على جانبي ذراعيها ليربت عليهما برفق كوسيلة للتهوين عليها وامتصاص غضبها، استأنف حديثه قائلاً بحذرٍ:
-معلش يا حبيبتي، هي ست كبيرة وبتفكر زي زمان و...
قاطعته هادرة بتشنج وقد تصلب وجهها من شدة العصبية:.

-دي كان ناقص تعملي كشف هيئة تشوف إن كنت هانفع ولا لأ
ضغط بأصابعه على عضلات ذراعيها هامسًا بجدية:
-اهدي بس، وكله هايعدي
نفضت قبضتيه هاتفة بحدة وقد بدا عليها الغضب واضحًا:
-قول إنك جايبني هنا عشان أتهزأ؟
دافع عنها وهو يضغط على شفتيه ليتحكم في ضيقه:
-والله ما تقصد
ما أوصلها لذروة عصبيتها وضعها في موقف المقارنة مع طليقته السابقة، تابعت صراخها مستنكرة ذلك بشدة:.

-وبعدين أنا مالي ومال اللي كنت متجوزها، بتقارني ليه بيها
مسح يده على كتفها برفق معللاً:
-عندك حق في كل كلمة هاتقوليها، بس هي مرات عمي، ولازم احترمها حتى لو...
قاطعته باستياء محبط وكأن همومها قد تضاعفت جبالاً:
-بجد أنا مش عارفة هاتعامل ازاي معاها
رد بجدية:
-هما يومين، قضيها بالطول ولا بالعرض وخلاص.

أغمضت فرح عينيها متجنبة التحديق في أي شيء، أرادت أن تحط الدماء الثائرة في عروقها لتهدأ قليلاً، تنفست بعمق لعدة مرات فتوسم يزيد خيرًا، ابتسم مداعبًا وجنتها بإصبعيه:
-عشان خاطري أنا، كله هايعدي، خلاص.

فتحت جفنيها لتحدق فيه بوجهها المتجهم، طالعها بنظراته الرومانسية التي أرخت تعبيراتها المشدودة، بدأ في مغازلتها بكلمات معسولة أشعرتها بأنوثتها وجعلت البسمة تعرف الطريق إلى ثغرها من جديد، تنفس الصعداء لنجاحه في تخطي الأمر بسلاسة، لكن ما لم يدعه في الحسبان هو أعين زوجة عمه التي تراقبها كالصقر من النافذة المطلة عليهما، امتعض وجه الأخيرة على الأخير، واغتاظت من رؤيته في تلك الحالة الحالمة مع زوجة لا تليق به من وجهة نظرها، خاصة أن تجربة زواجه السابقة لم تأتِ بخير، وانعكس تأثيرها عليه لفترة طويلة، للحظة ظنت أن فرح تحيك حبائلها الأنثوية وتكيد له كالشيطان لتضمن خنوعه وركوعه عند قدميها، فيصير كالخاتم في إصبعها، احتقنت نفسها منها، وشحذت قواها الغاضبة الكارهة لها ضدها، لذلك حسمت أمرها بإذاقتها ما لا تطيق لتفسد ما بينهما، حدثت نفسها قائلة بغلٍ:.

-بناجص (بناقص) منها الجوازة المجندلة دي، أنا هاشوفله الأحسن منيها
سارت بخطوات واثقة تدب الأرض حتى وقفت عند باب المنزل الكبير لتصيح بصوت جهوري يلفت الانتباه:
-إيه يا ولدي، هاتفضل مجضيها (مقضيها) إكده لازم في المحروسة؟

حملت نبرتها الإهانة رغم عدم استخدامها لما يشير إلى ذلك، لكن يكفي التطلع إلى وجهها لترى البغض مرئيًا على تعبيراتها، التفتت فرح بأعينها نحو يزيد متوقعة منه ردًا رادعًا يمنعها من التمادي أكثر معها، لكنها تفاجأت به يقول بابتسامة سخيفة وهو يلوح بيده:
-احنا جايين
استشاطت نظراتها على الأخير من رده الفاتر، لكزته في ذراعه حينما مده ناحيتها صائحة بحنق:
-حاسب يا يزيد، ولا كلمة زيادة.

نفخ بضيق مبديًا هو الأخر اعتراضه على تصرفات مفيدة المستفزة، تمتم مع نفسه بسخط مزعوج:
-شكلها هتولع نار، استر يا رب...!

بدت الحيرة واضحة عليه بسبب أفعال زوجة عمه الغير متوقعة، كان متوسمًا فيها استقبالاً ودودًا يشعر زوجته بالانتماء والمحبة، لكنها خالفت توقعاته وأشعرتها بالدونية والازدراء، هو يحاول جاهدًا أن يرمم الصدع في علاقتهما المتأرجحة، وفي نفس الوقت يجاهد كي لا يفسد العلاقات الأسرية الطبيعية، بات يزيد بين مطرقة مفيدة، وسندان فرح، وعليه أن يتخذ القرار ليخمد الفتنة بينهما قبل اشتعالها، حدث نفسه قائلاً:.

-الحكاية مش ناقصة تتعقد
ركز عينيه على زوجته متابعًا بقلقٍ مزعوج:
-ده احنا ممكن نطلق فيها.

شعر بمرارة في حلقه لمجرد التفكير في ذلك الاحتمال المخيف، ابتلع ريقه بتوجس ونفض عن عقله تلك الأفكار السوداوية، تحركت فرح بخطوات أقرب للعصبية حتى بلغت الدرج الأمامي لبوابة المنزل الكبير، اهتاجت الدماء في عروقها بسبب كلمات مفيدة المحفزة للغضب والانفعال، عكس وجهها قدرًا قليلاً مما يغلي بداخلها، ربما ضبط الأعصاب في ذلك الموقف يعد مكسبًا كبيرًا، لكن مع مثيلاتها الردع الصارم هو الخيار الأمثل لوضع الأمور في نصابها الصحيح، وقفت أمام مفيدة تحدجها بنظراتٍ مغلولة على الأخير، تنفست بعمق لتتمكن من السيطرة على نبرتها وهي تقول:.

-هو مش متجوز واحدة أي كلام، ولا أنا هاقبل بأي إهانة تحصلي هنا، المكان اللي مش مرحب بوجودي، مافيش داعي أكون فيه، أنا هاخد شنطي وأحجز في أي فندق
التوى ثغر الأخيرة بابتسامة مغترة قائلة ببرود:
-وحد جالك (قالك) حاجة ولا إنتي اللي مش عاجبك الحال هنا
-أنا برضوه؟
-ايوه، ده
قاطعها يزيد بصوته الأجش وبقوة بعد أن وقف خلف زوجته:
-مراتي معاها حق يا مرات عمي.

التفتت فرح للخلف غير مصدقة ما قاله توًا، للحظة شعرت بالانتشاء لكونه قد دعم موقفها ووقف إلى جوارها معيدًا لها كرامتها التي أهدرت على يد سليطة اللسان تلك، تفاجأت مفيدة بدفاعه عن زوجته محطمًا أول مخططاتها لإفساد علاقتهما الودية، أضاف يزيد بتفاخر ليشعر زوجته باهتمامه بها ومعززًا من موقفها:
-أنا بأحبها ولو في حاجة هتضايقها يبقى مافيش داعي منها، احنا جايين هنا عشان نقوم بالواجب.

حل الوجوم الشديد على وجه مفيدة، هتفت بتلهف مبررة عباراتها:
-لا يا ولدي، أني بس ب...
قاطعها من جديد مشيرًا بيده:
-دي ضيفة عندك، وإكرام الضيف واجب
ثم لف ذراعه حول كتفي فرح ليحاوطها، ركز أنظاره الوالهة عليها وهو يتابع بابتسامة ساحرة:
-كفاية إنها مستحملة كل حاجة مني!

بددت كلماته التي أثلجت صدرها وأطفأت نيرانها المشتعلة كل غضب مشحون بها، طالعته بنظراتها الممتنة والتي لمعت ببريق محبب له، تقوس ثغرها بابتسامة صغيرة أشعرتها بقوة بحبه الصادق لها، أدار يزيد رأسه في اتجاه مفيدة متسائلاً:
-ها يا مرات عمي، نقعد ولا...؟
شحب وجهها الواجم متوقعة رحيله إن أصرت على اتباع طريقتها الفظة في التعامل مع فرح، ردت بتلهف وهي تبتلع ريقها:
-ده بيتك يا ولدي، اتفضلوا.

أفسحت له المجال ليمر للداخل، هز رأسه بامتنان وهو يسير بجوار زوجته دون أن يرخي ذراعه عن كتفيها لتشعر الأخيرة بالأمان والاحتواء في أحضانه، تجمدت أنظار مفيدة عليهما مرددة في نفسها:
-شكلك واعرة جوي (أوي)، بس أني الحاجة مفيدة.

تأملت فرح بنظرات شمولية خاطفة المنزل بالداخل وهي تصعد على الدرج، لم تنكر أنه لفت انتباهها بتفاصيله العريقة التي تحمل علامات الزمن بين جدرانه، ارتسمت علامات الإعجاب على ثغرها فهمست بصوت رقيق:
-بيتكم حلو
شدد من ضمه لها مرددًا بصوته الخفيض رامقًا إياها بنظراته العاشقة:
-عينيكي اللي حلوة عشان شيفاه
تورد وجهها بتلك الحمرة المغرية متأثرة بغزله لها، تابعت بامتنان:
-حبيبي، ربنا يخليك ليا.

أشار لها بيده المحررة لتسير في الرواق حيث تتواجد غرفته في نهايته، أمسك بالمقبض ثم أداره لتلج هي أولاً للداخل، أوصد الباب خلفه متأملاً إياها وهي تنظر بتفحص لمحتويات الغرفة القديمة، لم يتغير أي شيء بها، فزوجة عمه اعتنت جيدًا بما يخصه، فقط الشراشف والأغطية كانت جديدة، شعرت فرح بيده توضع على عنقها تدلكه، اقشعر بدنها من لمساته الرقيقة عليه، أغمضت عينيها مستسلمة لذلك الشعور المريح الذي منحه لها نازعًا كل تلك التوترات منها، وما إن انتهى حتى حاوطها بذراعيه ليلتصق ظهرها بصدره، احتواها كليًا فلحظة فشعرت أنهما اندمجا من جديد كروح واحدة، أسند يزيد رأسه على كتفها ليهمس لها في أذنها عن قرب مستشعرة سخونة أنفاسه على بشرتها:.

-إنتي مراتي، أغلى حاجة عندي، بأحبك، وكرامتك من كرامتي، فاطمني أنا مش هاسمح لحد يجي عليكي
استمتعت بتأثير كلماته المطمئنة على روحها التي تألمت لبعض الوقت، خاصة أنها كانت مصحوبة بملاطفات عابثة منه عليها، أدارها ببطء دون أن يفلتها لتلتقي الأعين العاشقة ببعضها البعض، عاتبته هامسة برقة وهي تطوق عنقها بذراعيه:
-بس إنت سكت في الأول لما...
قاطعها واضعًا إصبعه على شفتيها:
-شششش، انسي اللي فات!

شهقت مصدومة بخفوت حينما انحنى قليلاً ليحملها بين ذراعيه، تعلقت أكثر به وهي تضحك بإغراء يلهب الحواس ويؤجج المشاعر المتقدة لحبٍ أكثر عمقًا، دنا من الفراش قائلاً بتسلية:
-لازم نحط بصمتنا هنا و...
ابتلع باقي جملته في جوفه حينما سمع الدقات القوية على باب الغرفة لتحل الصدمة على كلاهما، أعقبها صوت مفيدة الهاتف:
-جول (قول) لمرتك يا ولدي تنزل مع الحريم، هما عاوزينها معاهم.

امتعض وجه فرح على الأخير وانزوى ما بين حاجبيها بشدة، ركلت بساقيها هامسة بغيظٍ واضح وهي تكز على أسنانها:
-نزلني يا يزيد، دي مستقصداني والله
همس لها بهدوء ليسيطر على انفعالاتها قبل أن تفجر، وتلك المرة حتمًا لن تكون النتائج مبشرة بأي خير:
-استني، أنا هاتصرف
رفض تركها وظل حاملاً إياها وهو يقول بنبرة عالية تمكن من بالخارج من سماعه:
-معلش يا مرات عمي، فرح تعبانة ومش هاتقدر تنزل دلوقتي، المشوار تعبها خالص.

ردت عليه مفيدة باستنكار:
-هي أول مرة تسافر؟ ما الحريم مع اجوازتهم من بعد الفجر في الغيطان، وبعدها بيطلعوا يساعدوا في الدار
صاح معللاً سبب امتناعها:
-دول الستات هنا، فرح مش زيهم، ليها وضعها يا مرات عمي
أتاهما صوتها من الخارج قائلاً:
-ماشي يا ولدي، اللي تشوفه
صمت كلاهما حتى خبا وقع أقدامها، التوى ثغر يزيد بابتسامة عابثة وهو يقول متباهيًا:
-ها إيه رأيك فيا؟
رفعت حاجبها مرددة بإعجاب مبتسمة له:
-برافو عليك.

عبس بوجهه متسائلاً بنبرة ذات مغزى:
-كده على الناشف؟
فهمت المقصد من حديثه اللاهي، أحنت رأسها عليه لتتمكن من تقبيل صدغه بقبلة مطولة مليئة بالكثير فأطلقت العنان لمشاعره الرجولية التي تأججت مع أحاسيسها الواضحة، تراجعت عنه مطوقة عنقه من جديد بذراعيها لتزيد من دلالها عليه، أشار لها بعينيه متسائلاً:
-بس كده يا فراشتي؟
همست له بمكرٍ مدروس:
-اومال عاوز إيه تاني؟

اقترب من الفراش ليمددها عليه، جثا فوقها مستندًا بكفيه على طرفي الفراش، ضحكت بخفوت وهي ترمقه بنظراتها العابسة، انحنى عليها متابعًا:
-هاقولك يا حب عمري!
دفعته من صدره بكفيها لتبدي احتجاج زائف على اقترابه الخطير وهي تتحداه بدلالٍ محفزٍ:
-مش عاوزة
رد متحديًا بخشونة طفيفة:
-أنا يتقالي لأ؟
أومأت برأسها وهي تكركر ضاحكة ليضيف بجديةٍ:
-هانشوف!

وهنا بدأ يزيد في عزف مقطوعة الحب بطريقته الاحترافية على أوتار قلبها، فتحولت الضحكات إلى تأوهات استمتاع دمجت روحيهما معًا، وأشبعت وجدانهما بعواطفٍ فياضة.

تملك منها التعب فلم تستيقظ إلا في صبيحة اليوم التالي، تثاءبت فرح بتأويهة خافتة وهي تتقلب على الفراش، مدت يدها نحو يزيد متوقعة وجوده إلى جوارها، لكنها وجدت مكانه باردًا، فتحت جفنيها بسرعة لتنفض بقايا النعاس منهما، تلفتت حولها باحثة عنه في أرجاء الغرفة فلم يكن له أي أثر، انقبض قلبها بقلقٍ وهي تزيح الغطاء عنها لتنزل قدميها عن الفراش، سارت ببطء حتى بلغت المرآة، تأملت هيئتها الغير مرتبة وشعرها المبعثر للحظات، امتقعت تعبيراتها باستنكار، أخفضت نظراتها لتحدق في ندوبها البائنة في عنقها، وضعت يدها عليها تتلمسها بحذرٍ فشعرت برعشة تنتابها، أغمضت عينيها للحظات لتستعيد ليلة أمس في عقلها، وكيف برع زوجها في إشعارها بأن تلك الندوب ما هي إلا لوحة فنية ضاعفت من جمالها، حيث انهال على كل جزء فيها بالقبلات العميقة و المطولة لتشعر مع لمساته أنها تصعد إلى عوالم وردية، تلألأت حدقتاها تأثرًا بشغفه الواضح، ابتسمت عفويًا وهي تهمس باسمه:.

- يزيد.

أكملت باقي تأمل ثوب نومها الأبيض بابتسامة سعيدة، شعرت كما لو كانت عروسًا جديدًا تزوجت بالأمس، فما اختبرته الليلة الماضية كان حلمًا مكتمل الأركان، أفاقت من شرودها ماسحة بأطراف أناملها عبراتها الفرحة العالقة عند طرفي مقلتيها متذكرة عدم وجود زوجها بالغرفة، ظنت أنه نزل ليجلس قليلاً بالأسفل بصحبة أقاربه، مطت فمها باستهجان، فهي اليوم عليها مجابهة الفظة زوجة عمه وتحمل وقاحتها وأسلوبها الرخيص في التعامل معها، عاهدت نفسها قائلة:.

-مش هاديها الفرصة تستفرض بيا، هطلعها غلطانة لو فكرت تدوسلي على طرف!

استدارت بجسدها باحثة عن حقيبة سفرها، وجدتها موضوعة عند زاوية الغرفة، تثاءبت مجددًا بإرهاق وهي تسير في اتجاهها، انحنت لترفعها على المقعد العريض ثم فتحتها لتخرج منها ثيابًا لائقة ترتديها، انتفضت فرح في وقفتها مذعورة حينما وجدت من يقتحم عليها الغرفة دون استئذان، احتدت نظراتها وتلونت بغضبٍ مبرر عندما رأت مفيدة أمامها تنظر إليها بوقاحة غير واضعة أي ضوابط لقواعد احترام الخصوصية، صاحت فيها بعصبية وقد تشنجت قسماتها:.

-إيه ده؟
وضعت قطعة الثياب على صدرها تغطي مفاتنها وهي تتابع بنفس النبرة المنفعلة:
-في حاجة اسمها نستأذن الأول قبل ما ندخل
رمقتها مفيدة بنظرات جريئة ووقحة لم تراعِ فيها انكشاف جسدها من أسفل ثوبها الشفاف، لوت ثغرها قائلة بعدائية أجفلتها:
-هاتعلميني الأصول في بيتي يا مصراوية...؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة