قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل العشرون

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل العشرون

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل العشرون

لكُل شيء ذكاه، وذكاة القلب حُزنه ، الحُزن يموج بيننا وكُل منا يتعامل معه حسب مفهومه عنهُ، تختلف ذواتنا من شخص لآخر وربما تختلف ذات نفس الشخص، تناهيد ينتفض لها القلب ألمًا ومشاعر تلفظ أنفاسها الأخيرة، فمن سيترك الحُزن يقتل مشاعره ومن سيعافر باحثًا عن قشة الأمل...

صعد علي متن هذا الدرج الحديدي ذا الإرتفاع المُتوسط، جلس إلى أخر درجة به، أخذ يجوب ببصره علي كُل زاوية بالحائط في شرود فيما هتفت هي بنبرة متسائله: سليم إنت كويس؟
انتبه لسؤالها المُترقب لينزل بعينية حيث تقف هي في الأسفل، أومأ برأسه في ثبات فيما ناولته العلبة البلاستيكية (البويه)، إلتقط منها العلبة بإبتسامة حنونة ل تقرب هي الدرج الخاص بها حتى تلاصق بالاخر ومن ثم صعدته لتجلس كما فعل هو،.

أمسك سليم الفرشاه بين يده وبدأ يجلي الحائط بهمة فاترة في تلك اللحظه رمقتهُ نوراي بشك لتقول بعد تنهيدة مُطولة قد أثقلت صدرها: سليم بجد إنت مش طبيعي النهاردا؟!
باغتته بسؤال أخر لم يكُن يتوقعه منها أو بالأحري لم يكُن يرغبه أبدًا لتقول بتساؤل فضولي: سليم إنت صورت المخزن بتاع عزيز إزاي!
شرد سليم لوهلة وقد تجهمت معالم وجهه في برود صقيعي، تنحنح قليلًا بعد ان عاد بعقله لها ليلطخ أنفها بالفرشاه قائلًا:.

وإنتِ مالك إنتِ يا ست أوشين؟، وبعدين تعالي هنا إنتِ لسه ما أخدتيش عقابك من إمبارح، مُنشكحة أوي ياختي وهم بيطلبوا إيدك من جوزك.

أطلقت نوراي قهقة عالية، قد أنساهُ الحُزن والمصائب مدي روعتها وبهجة قلبه عند سماعها، طفلة صغيرة تضحك ملء شدقيها وأجمل ما يعشقة منها عندما يُداعب راحتيها وأسفل إبطها فتدخل في نوبة ضحك هستيرية، هبط للأسفل. رمقها بنظرة عابثة يُخالطها التهديد ليمسك بذراعها حتى هبطت للأسفل لتتوالي عليها هجماته بإستخدام سلاح الدغدغة، سقطا أرضًا لتبدأ نوراي في صُراخها الطفولي قائله: لأ لأ لأ، بغير. بغير يا سليم.

سليم بظفر وهو يبعد خُصلات شعرها عن وجهها: أسمع، انا أسفة؟!
نوراي بقهقة أسعدته: أسفه، خلاص بقي.
أبعد قبضتيه عنها، إعتدلت جالسة وقد تشعثت خُصلاتها لتصبح غير مُرتبة، قطبت ما بين حاجبيها لتقول بنبرة مُغتاظة: بُكرا ألاقي لك، نقطة ضعف يا سليم، ماشي!
مدّ سليم ذراعيه إليها، حاصر وجهها بين كفيه ومن ثم قربه منه ليردف بحُبه المعهود لها: إنتِ نقطة ضعفي.

توردت وِجنتها وهي تنظُر صوب عينيه لتري صورتها بهما فيما تحول هو متابعًا بنبرة جامدة لم تتوقعها: ولو شوفتك بتضحكي ل راجل غيري أو بتكلمي راجل غيري، هقتلكم إنتوا الإتنين ولمّا أجي أدفنكم هبقي أحط حيطة سد ما بينكم علشان أنا بغير.

نوراي تنظُر لهُ بعينين جاحظتين: أيه الرومانسية اللي كُلها بلطجة دي؟!
إِفتر ثغرهُ عن إبتسامة خبيثة ليقترب منها ثم يلثم وِجنتها بعشق بالغ ليقطع هذه اللحظه،.

أحم أحم، السيام عليكم ويحمه اللة وبيكاته، يؤسفني أقويكم إنكم مش في القصي، البيت دهون طاهي (طاهر).

إلتفت لهُ سليم يرمقهُ بنظرة جامدة، صر علي أسنانه بحنق أرعب رمضان الذي وقف مُنتظرًا هجمته، فيما أردف سليم قائلًا بغيظ وهو يلتقط شبشبه المُلقي علي الأرض: انا سمحت لك تدخل البيت ياض؟
رمضان وهو يتفادي الضربه بإعتراض طفولي: يعني هو انا هستأذن علشان أدخي بيتي، ما بياحة يا سليم بيه.
نوراي بإحراج وهي تتجه للغرفة الأخري: أحم. طيب أنا هعملكم شاي.

نهض سليم من مكانه، نفض الغبار عن ملابسه ثم تابع بنبرة ثابتة متوجهًا بحديثه إلى رمضان: ها يا رمضان إديت للراجل فلوسه؟
رمضان وهو يهز رأسه بثقة: أيوة تمام.
لحظات صمت بينهما، إقترب سليم منهُ ثم ربت علي كتفه يُعزز من موقفة ف رمضان أجدر ثقةً من غيره، عاد بذهنه لموقف سابق جمعهما حين...
Flashback ,,
أنا جنبك وسيك (سرك) هيفضل بينّا، يمضان ما يخونش حد حبه وفيحة (فرحه) لحظة.

أردف رمضان بتلك الكلمات وهو يجلس إلى طرف الأريكة بجانب سليم الذي يضع رأسه بين كفيه في همّ ويميل للأمام قليلًا، ربت علي كتفه بحنو، نحا سليم ببصره إليه ثم بادله إبتسامة هادئه لنطفة النقاء داخل رمضان وصدق حُزنه عليه،
سليم بهدوء عكس ما بداخله: رمضان إنت إشتغلت مع عزيز المرشود أد أيه؟!
رمضان مُجيبًا عليه بصدق: خمس سنين عيشان أصيف علي نفسي.

ضيق سليم عينيه بتفهم ليباغته بسؤال آخر: طيب وكُنت عارف إن عزيز، عندهُ مُنتجعات وكدا وأيه دور نرجس بالظبط؟!
أكمل رمضان بإستطراد دون تفكير منهُ: انا عميي ما قابيته بس صاحبي كان بيشتغي في المنتجع دا وهو كيمني عنه، اما نيجس ف هي شيشوحة شوية بس مش بتضي حد وما بتقولش عن شغيها (شغلها ) حاجه لحد.

سليم وقد لمعت فكرة ما في عقله: صاحبك بيشتغل أيه في المُنتجع بتاع عزيز؟!
رمضان باستئناف: كان قايي انه شغاي طباخ هناك.
إِفتر ثغر سليم عن إبتسامة ماكرة، ها بدأت المعركة، لم يكُن ليث جريحًا كما ظن البعض بل أسدًا يعرف من أين تبدأ الهجمات. تحول ببصرهُ إلى رمضان الذي ينظر إليه مُتعجبًا من إبتسامته تلك ليقاطعه سليم قائلًا بهدوء واجب: طيب أنا عاوز منك خدمة؟
رمضان بترحيب وافر: إنت تؤمي (تؤمر).

قام رمضان بإستدعاء صديقهُ ليطلب منهُ تصوير مخزن المُنتجع الخاص بتخزين البضائع والأطعمة، إستغرب الرجل طلبهُ في باديء الأمر في حين أن رمضان لم يترك له فرصة التفكير عندما أعلمه بالرقم الذي قد يتقاضاه من مهمة صغيرة كهذه ولأنه صديقه مُنذ الطفولة وقد تربا بالحي معًا، لم يرد لهُ طلب...

أعطاهُ رمضان كاميرا ذات جودة عالية، وطلب منه تصوير المخزن بأكمله دون أن يراهُ أحد وبالفعل هذا ما تم، ليبدأ سليم في إرسال هذه الصور ل وسائل الإعلام والصفحات الإلكترونية عبر بريد مجهول لتحدث بلبلة في الوسط تدُل علي نجاح سليم في ضربته الأولي دون أن يبذل جُهدًا جسديًا بها، فقط إستخدم عقله ليبدأ رمضان في التنفيذ...
Back ,,
طيب إنت واثق ومُتأكد إنه مش هينطق بحاجه حتى لو إتضغط عليه؟

رمضان بتاكيد: متخافش، إنت بيا (برا) الموضوع أصلًا.

(في الغابة )،
تلألأ ضوء القمر في المكان وكذلك تشابكت أغصان الأشجار ف الساعة قد قاربت علي الرابعة فجرًا بتوقيت (الولايات المُتحدة الأمريكية )، بعكس التوقيت في مصر الذي قارب علي العاشرة صباحًا ف الفارق الزمني بين البلدين (6 ساعات)،.

شعرت ببرودة قارصة بعض الشيء، ظهر ذلك واضحًا علي شفتيها المكتنزتين واللاتي أصبحتا باللون الوردي القاتم، رمقها بنظرة حانية لينزع عنهُ سترته ومن ثم يضعها علي جسدها قائلًا: كُنت فاكر إني كدا بحطك قدام الأمر الواقع علشان نتصالح، بس بدأت أخاف من شكلك وإنتِ بردانه، أوعي تروحي مني دا انا ما صدقت إتصالحنا.

إِفتر ثغرها عن إبتسامة هادئه، أخذ بضع دقائق مُحاولًا اشعال بعض قطع الخشب داخل الخيمة لينجح في ذلك،.

إتجه ناحيتها مُجددًا، استدار ليجلس خلفها فيما عادت هي للوراء قليلًا لتُلقي برأسها علي صدره تستمد دفأها منهُ، أخذ يدثرها جيدًا ب سترته وكذلك بدأ يضمها وكأنه هو من يشعر بالبرودة وفي لحظة هادئة تابع بنبرة ظهر عليها الإشتياق كثيرًا: تعرفي إن نسمه بتاعة زمان وحشتني؟، وحشني هزارك وضحكتك اللي ما كانتش بتقف، فاكرة لمّا كُنتِ بتفرضي نفسك عليّا لم...

أبتعدت قليلًا لتستدير هاتفة بنبرة مُغتاظة قائله: أنا ما بفرضش نفسي علي حد، هو اللي يحب حد يبقي بيفرض نفسه عليه؟!

إمتدت يدهُ إليها ليحتضنها من جديد قائلًا: إنك تحبي واحد ما يتحبش وتفرضي نفسك عليه علشان تغيريه ويكون شخص صالح، ف دي نقطة تُحسب لك. فاكرة أخر هدية جبتها لك قبل الحادثة؟!

أومأت نسمه برأسها إيجابًا لتقول بشرود وقد طغت إبتسامة حانية علي شفتيها: بوكية الكنتاكي؟ والورد؟، إنت مجنون بجد، بس كُنت فرحانة أوي بيه، عارف يا عاصم؟!

عادت تلتفت له من جديد حتى تلاقت أعينهما وبنبرة مُتألمة وقد حبست الدموع في عينيها: ما كانش قصدي أقسي عليك، صدقني؟، بس كُنت موجوعة لكن انا بحبك. فاكر لمّا كُنت بتقولي انا بحبك كدا وانتِ تخينه ولمّا كُنت بتقولي إني حلوة رغم إن التُخن كان موحشني، ولمّا كُنت بتقولي صوتك حلو وانا أقعد أغني بصوت عالي رغم ثقتي إن صوتي وحش، أنا أه علمتك تحب الحياه وتسامحك بس إنت كمان علمتني أحب عيوبي، علشان كدا بحبك لأن الحُب إنك تهرب من العالم كُله في شخص، مُستحيل يخذلك، وانت عملت دا، خليك جنبي علشان فرحتي بتتلخص في وجودك.

سالت عَبرة ساخنة علي وجنتها لتعاكس الطقس من حولها فيما مرر أصابعه علي وِجنتها الناعمة ليمحو الدموع عنها، إقترب منها بهدوء ثم طبع قُبلة حانية علي جفنيها فهو يعرف تمامًا عشقها لهذه القُبلة،.

عاصم وهو يغمز لها بحُب: طيب مش عاوزه تشوفي الدبلة اللي جبتها لك؟
أومأت نسمه برأسها في حماس، مد يدهُ في جيب بنطاله وما أن إلتقطها بين أصابعه حتى تابعت نسمه بسعادة: الله. تُحفه، ربنا يخليك ليّا.
تشبثت به تحتضنه في سعادة غامرة، وضع ذراعيه حول خصرها وبنبرة عاشقة تابع هامسًا بجانب أذنها: إحنا مش هنجيب عيال ولا أيه؟
نسمة بخجل وهي تُغمض عينيها ومازالت تحتضنه: إتلم، إحنا مش في بيتنا علي فكرة.

يالا يا روحي علشان بابا هياخدنا ل السوبر ماركت نجيب كُل اللي نفسنا فيه.
أردفت آلاء بتلك الكلمات وهي تُهندم من ثوب (ورود) الوردي، لتنفرج أسارير وجه الصغيرة مُرددة بمرح: يعني هنجيب نوتيلا وباستا وكولا؟
آلاء وهي تُقبل وجنتيها بشغف: وكُل اللي ورود تشاور علية.

وهنا نحت ببصرها إلى زوجها الذي يقف في شُرفة الغرفة يتحدث هاتفيًا مع سليم، فقد إشتاقت ل عائلتها بشدة ولكن نهتها الطبيبة عن الجلوس في أجواء متوترة وأن تظل جليسة الفراش فقد إقترب ميعاد فحص الحمل، إسبوع لا أكثر. تتوق نفسها لهذا اليوم عندما تعلم بأن هُناك روحًا تتنفس داخلها...

أنا أسف يا سليم، غصب عني وربنا العالم، وبإذن الله هروح النهاردا اتطمن علي ماما خديجة والبنات، عايزك بخير، مع السلامة.

دلف للداخل لتستقبله آلاء بسؤالها المُتلهف عن حالة سليم فيما تابع هو بنبرة يشوبها الحُزن قليلًا: هو بخير، بس انا هفرح أكتر لمّا يكون وسط أولاده.
في تلك اللحظه قطع حديثهما طرقات عنيفة علي باب الحجرة، حتمًا قد وصلت الأنباء ل والدتهِ. إبتلع ريقه بصعوبة خشيةً من حديث والدته والذي قطعًا ستعلم به زوجته، ذأب ناحيه الباب يفتحه ليجد والدته تهتف به بنبرة هادرة: ممكن تفهمني، أيه اللي إنت هببته دا؟!

زياد بتوتر وهو يدفعها برفقِ خارج الغرفة: تعالي بس يا أمي خلينا نتكلم برا.
سكينة بعصبية مُفرطة: وليه ما نتكلمش قدام السنيورا، ولا خايف علي مشاعرها.

زياد ب ضيقِ جمّ بعد أن أغلق الباب مُتجهًا بها إلى حجرة الصالون: أسمعي يا أُمي. انا مش هتجوز علي مراتي، بحبها علي عيبها وماعنديش مُشكلة مع ضعف حملها لو ربنا أراد ف نعمه وفضل من عندهُ ولو ما أرادش ف هي وورود يغنوني عن الدُنيا كُلها. وبعدين إنتِ عارفة إننا لجأنا للدكاترة وقريب هيحصل حمل.

سكينة بنبرة عالية جدًا قد إخترقت أُذن آلاء: يحصل حمل إزاي ياخويا، هي الأرض البور بتتزرع؟!
هتف بها زياد في عصبية مُفرطة فلأول مرة يعلو صوته فوق صوت والدته: أيوة الأرض البور بتتزرع. لو إهتمينا بيها وبطلنا نغلط في حقها ونتأقلم إنها بور، وبعدين مراتي مش أرض بور، مراتي طول عُمرها بتدي، هاجي انا أدوس عليها علشان في مرة ما إدتنيش؟!

لم ينتظر إجابتها بل صدح صوته في الأرجاء باسمها، أطلت هي من خلف باب الغرفة وقد تشبثت ورود في كفها خوفًا، فيما جذبها هو مُنطلقًا خارج الشقة،.

نزل الثلاثة إلى الشارع، إلتفت إليها يتفحص ملامحها ليجدها تنظُر له بنظرة هادئه ليقول بحُزن واضح في نبرته: تحبوا نروح فين؟
ورود بتلقائية: السوبر ماركت.
إقتربها منها في تلك اللحظه ألف ذراعه حول كتفها ومن ثم قرب جبينها يُقبله بإختناق وما زالت هي صامته لا تنبس ببنت شفةٍ...

ولجوا إلى داخل (السوبر ماركت )، أخذت ورود تدور بين البضائع تنتقي منها ما يحلو لها. وكذلك بدأت آلاء تجوب بعينيها بين البضائع في شرود وما أن انتهتا حتى وُضعت البضاعة أمام طاولة الحساب (الكاشير)، بدأ العامل يحسب أثمان البضائع وهنا لفت إنتباه آلاء صوت طفل يبكي بالقُرب منها، حيث يتابع باكيًا وهو يتحدث إلى والدهُ،.

أنا عاوز شيبسي من دا يا أبويا؟
الأب بهدوء ثابت: الفلوس اللي معايا ما تكفيش يا بني، أول ما يكون معايا فلوس هجيب لك شيبسي كبير.

الولد بإصرار طفولي وهو يهز رأسه مُعترضًا: لا انا عاوز شيبسي.
تنهدت تنهيدة عميقة داخلها وقد أغمضت عينيها تبتلع وجع هذا المشهد فيبدو من هيأة الرجُل أنه من الطبقة الفقيرة نسبيًا يعمل حارس لإحدي العمارات، قادتها قدماها إليهما بعد أن إلتقطت كيسًا من الشيبسي، إبتسمت إبتسامة واهنة لتحدث والد الطفل وسط نظرات زياد المراقبة لها:
ممكن أجيب له أنا الشيبسي، إعتبرها هدية مني ل الجميل دا؟

رمقها الرجُل بحُزن لا تعلم اسبابه، ليهتف بنبرة ثابتة عزيزة النفس: شُكرًا يا هانم. انا بكرا هقبض وهاجي أجيب له كُل حاجه نفسه فيها.
آلاء بحنو: أنا عارفة إن حضرتك أكيد هتعمل كدا، بس انا حابه أقدم له هدية. أصلي أنا بحب الأطفال وعُمري ما كُنت أُم.

الرجُل بحُزن واضح: ربنا يكرمك بالذُرية الصالحة يا هانم، بعد إذنك.
لم يتقبل الرجل هديتها، ف عزة النفس لا يُرضيها بلسم الكلام، سالت الدموع علي وِجنتيها ليهرول زياد إليها فيما أخذت تبكي هي دون صوت قائله: أنا كُنت عاوزه أجيب له الشيبسي، كان نفسه فيه.
زياد وهو يحتضنها مُتألمًا وقد تغاضي عن وجود الناس: خلاص يا حبيبتي الولد مشي؟

آلاء وقد علت شهقاتها رويدًا رويدًا: ليه خلاص؟، ليه بتبعدوا كُل الأطفال عني يا زياد. هي الأرض البور ماينفعش تحس ب شوية ماية يرجعوا لها روحها؟

رمقتهما ورود في حُزن لتبكي ل بُكاء (آلاء) ومن ثم هرولت تضمهما مُتشبثة بأخصارهما، ليتابع زياد هامسًا لها: آلاء كفاية حبيبتي، إهدي!

تم إستدعاء (عزيز المرشود ) إلى أحد أقسام الشُرطة للتحقيق معه في قضية الشكاوي الأخيرة ضده، أنكر علمه بهذا الأمر وأنه يترك زمام الإدارة ل بعض المسؤلين عنها ولا يأتي إلا من حين إلى حين، قادته الشكوي لدفع غرامة نقدية هائلة نسبيًا ثم تسجيل هذه المحاضر في ملفهُ الخاص لتُرفع إلى أحد الأرفف دون ان يُلتفت لها مرة أُخري، ولكنه لن يهرب من فضيحته حتى لو حاول أن يُنكر عمره كُله...

ما تزوقيني يا ماما، قوام يا ماما. دا حبيبي هيغديني شاورما سوري يا ماما.

راحت تُدندن وهي تقف أمام منضدة الزينة، فساعة واحدة فقط تفصلها عن لقائه. تزينت في أبهي صورة لها. أعلن هاتفها عن وصول رسالة منه يحثها علي النزول فهو علي مقربة من باب القصر.

هرولت تهبط الدرج في سعادة غامرة، وما ان تجاوزت الدرج ببضع خُطوات حتى وجدت رامي يهتف بثبات طفولي: إنتِ رايحة فين يا نهر. خُديني معاكِ.
أنهار رافعة أحد حاجبيها: أمشي يا ولد من هنا.
مشت خُطوتين دون أن تكترث له ليهتف صارخًا صرخات رجت أنحاء القصر: يا ماما، بابا، عااااا.
هرولت روفيدا إليه في فزع أخذت تربت علي ظهره محاولة إسكاته فيما تابع هو مُجيبًا علي سؤال والده بتعيط ليه؟

نهر رايحة تتفسح مع لموني ومش راضية تاخدني معاها انا ونيرو.
فغرت أنهار فاهها فهي لم تتحدث بالخطأ أمامه، إِفتر ثغر روفيدا عن إبتسامة مصدومة بينما تابع رامي وهو يحتضن راحة نيروز:
يالا يا نيرو. وهاجيب لك شيكولاته، علشان أنا بطلك زيّ أونكل سليم بيقول كدا لطنط أوشين.

أنهار وقد إنكمشت ملامحها كالتي أوشكت علي البُكاء: اطفش أروح فين بس ياربي، لو ما كنش الإنتحار حرام، كُنت انتحرت.

رامي بضحكة خفيفة: انتحري لما نرجع.
أطلق ماجد قهقة عالية أثر حديث طفله في حين تابعت روفيدا تنهره: ولد عيب اللي بتقوله دا؟!
وضع رامي ذراعه في خصره لتفعل نيروز نفس الشيء إقتداءًا به في حين تابع بنبرة تهديدية بحت:
لو ما خرجتش انا ولمونتي، زيّ ما نهر هتخرج مع لمونها. هعمل بِيبِي عشر مرات في اليوم.

أنهار بصراخ طفولي: عااااا. ارحموني يا عالللم، الواد مش بني آدم، دا راجل كبير ومُفرق جماعات كمان.

رفع رامي حاجبه بثبات وكأنه ينتظر ردها في حين صرت علي أسنانها وهي تُشير ناحية باب القصر قائله: يالا يا قدري ونصيبي دا انا هنفخك، زمان الراجل اتخلل من الإنتظار زيّ الزيتون كلاماتا.

بحبه علشان سَندي وضهري، علشان بيستحمل حركاتي الطفولية وغيرتي الزايدة عليه، وبيعتبرني بنته قبل ما اكون حبيبته، بيحب أولاده أوي هو اللي خلاني عشقت الحياة، هو مش بيساعدك إنتِ ورمضان بس علشان يعرفكم، لأ هو حنين كدا. دا طبع في شخصيته.

أردفت نوراي بتلك الكلمات وهي تُتابع بشرود حالم في تفاصيل زوجها مُجيبة علي سؤال نعمة لها أثناء جلوسهما سويًا لإنتقاء أحد الفساتين من المجلة الخاصة ب نوراي، وكان السؤال المُدون علي الورقة: ليه بتحبي جوزك اوي كدا؟!

تعلم نعمة تمامًا سبب هروبهما وقد تعاهدت امام الله ثم (رمضان ) أن تحفظ السر دائمًا وأبدًا فرغم فقدانها لحاسة النُطق ولكنها مُثقة ببراعة، لاحظت نوراي إهتمام نعمة بمعرفة المزيد عن سليم لتردف بنبرة عفوية:
أديلك ساعة يا نعمة بتسأليني عن سليم، لا انا بغير علي جوزي وكدا هزعل منك؟!

إبتسمت نعمة إبتسامة واسعة وقد دار في رأسها شيء ما ولكن فلتحتفظ به لنفسها، بينما إبتسمت لها نوراي مُجددًا وهي تقول ناظرة ل (الكاتالوج) بين يديها: يالا بقي خلينا نختار الفستان.
علي الجانب الاخر
أنزل كوب الشاي علي الطاولة بعد أن إرتشف منه جُرعة لا بأس بها، رمقها بنظرة ثابتة أذابتها وهي تجلس أمامه مُباشرةً مصوبة بصريها إليه: الصراحة بقي انا كُنت زعلانه منك، بس مجيتك عندي دي بالدُنيا وما فيها يا كُبره.

تنحنح سليم قليلًا ليردف غامزًا لها: انا يفرق معايا زعلك جدًا، إنتِ غالية علينا بردو.
توترت قليلًا وأخذت تفرك كفيها، لم يكُن خجلًا أبدًا بل تظاهر بذلك، فهي لا تعرف للخجل معني،
باغتها سليم قائلًا بنبرة خبيثة: ما قولتليش يا نرجس. واسمحي لي طبعًا أقولك يا نرجس. إنتِ بتشتغلي أيه؟!
جدحته بنظرة ثاقبة، إبتلعت ريقها قبل ان تتابع بتلعثم: يعني مش شُغل ثابت. اللي بييجي قدامي بشتغله وكدا؟

سليم متظاهرًا بالدهشة: يعني ما عندكيش شُغل ثابت؟!
أومأت هي رأسها سلبًا لتردف بنبرة رقيقة مُعاكسة لطبيعتها: هو إنت يعني، آآ. مُرتبط؟!

رمقها سليم بنظرة ثابتة ليفتر ثغرهُ عن إبتسامة خبيثة ليجيبها بنبرة باردة كُليًا: كُنت.
نرجس بتساؤل فضولي: وليه سيبتوا بعض؟
سليم وهو يتجاوزها بنظراته للبعيد: كانت بتكذب عليّا.

زاغت ببصرها قليلًا، أخذت تبتسم في بلاهة وكأنها تستحضر شيء ما في عقلها ليفاجأها بسؤاله: أنا بصراحة كدا ناويت أتجوز تاني بس لسه ما لقيتش بنت الحلال، يعني علشان مافيش شغلانه أفتح بيها بيت. ف بما إنك معلمة وواصلة، ما تشوفيلي شُغلانة معاكِ.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة