قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل السادس

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل السادس

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل السادس

انتفض جسدها ومازالت تقف علي حالها كمَن فقد احساسه بمن حوله. ثبتت مُقلتي عينيها ناحبة النافذة ورغم عنها خانتها دموعها لتسقط علي وجنتيها فيما تابع هو عندما وضع كفيه علي كتفها ثم قام بإدارتها إليه حتى تلاقت أعينهما. رمقتهُ بعينين جاحظتين دون أن تنبس ببنت شفةٍ ليقول هو بحنو بالغ: نسمه!، بلاش يغم عليكِ إنتِ كمان.

تحركت مقُلتيها بين تفاصيل وجهه، وبحركة إنسان آلي لا روح فيه قامت برفع ذراعيها إلى وجهه لتتفحص ملامحة المنحوته الجذابة بأطراف أصابعها، لتردف وأخيرًا بنبرة مهزوزة: مش معقول!، لأ لأ،
أخذت تهزّ رأسها عدة إيماءات، تنفي ما تراه أمامها، إبتعدت عنهُ بخطوات وئيدة للخلف لترفع كفيها حتى غطت بهما وجهها ثم صرخت هلعًا وبعدها بثوانِ سقطت مُغشيًا عليها.

جشأ قلبهُ فزعًا عليها، أسرع يلحقها بين ذراعيه قبل أن تسقط أرضًا. جثي علي رُكبته يحتضنها بلهفة، يتفحص ملامحها الساكنة بحُزنِ طائل وهنا قام بحملها بين ذراعيه حتى سار بإتجاه فراشها ومن ثم دثرها به وبدأ يربت علي وجنتها بهدوء مردفًا:.

نسمه؟!، علشان خاطري فوقي. مفتقدك جدًا علي فكرة، الأيام كانت صعبة أوي من غيرك وما تتعاش، وما كانش بإيدي غير إني أقبل بفراقنا دا. انا مش عارف لحد دلوقتي انا غلطت في حقك ولا اللي عملته دا صح.

تنهد بعمقِ قبل أن يمد راحته إليها بعد أن رشها بعطره ليضعها علي أنفها الصغير وهنا بدأت نسمه تُحرك أهدابها بخفة، رمقها عاصم بتركيز وكأنه يُريد أن يُشبع نظراته بها لتفتح الأخري عينيها وتجده ينظر لها بإهتمام، عاودت غلق عيناها من جديد وأخذت تردد بنبرة ذات همة فاترة:.

ع عاصم!، هو انا مُت وروحت الجنه عنده، يارب!، انا مُت صح؟!، أصل أيه اللي هيجيبه قدامي كدا تاني!، عُمر أمنياتي ما هترجعه. اللي بيموت ما بيرجعش. يبقي أكتر حاجه منطقية أني أنا أكون مُت.

أخذت تهذي بهذه العبارات ومازالت مُغمضة العينين، إِفتر ثغرهُ عن إبتسامة جذابة يُطالعها بإشتياق ولوعة ليبدأ بتمرير أصابعه علي وجنتها لتفتح عيناها من جديد وهي تنظُر له بخوفِ...
إعتدلت في نومتها جالسة، تحدق به في هلع ومن ثم تحول فزعها لصراخ تردد صداهُ في الغرفة بأكملها ليهتف عاصم بها بصرامة: نسمه، ممكن تهدي لو سمحتي!
نسمه بنبرة مُضطربة: إنت مين؟!

فغر عاصم فاهه يطالعها بقلقِ ليمد يدهُ قابضًا علي ذراعها وبلهجة ثابتة تابع: انتِ مصدومة ولا فاقدة الذاكرة؟!، أنا هقدم لك نفسي. انا عاصم الدالي جوز حضرتك. اهلًا وسهلًا تشرفنا!

نسمه بنبرة لا روح فيها: بس عاصم مات وسابني لوحدي من زمان، إنت شبهه صح؟!، قولي إنك شبهه وريحني!، خليني اتأكد إني ما أتجننتش. هو وعدني أنه هيفضل جنبي، بس ربنا ما أرادش دا. وانا بحبه هو ومش عاوز حد غيرهُ، ولا حتى شبيه لهُ. علشان انا بحبه هو وبس!

تزحزح عاصم من مكانة قليلًا مُقتربًا منها ليضع رأسها بين كفيه وبنبرة حانية تابع: نسمه إهدي علشان خاطري، انا عاصم. مش شبيهه، انا ما موتش. فوقي بقه، إحنا لازم نتكلم.
إستحال لون وجهها في هذه اللحظه إلى الإصفرار القاس، حينما أدركت انها أوشكت علي الجنون، دفنت نفسها وهي حيه تُرزق حدادًا علي غائب ظنته فارق دُنياها. أزاحت كفيه بحركة ضارية، أبعدت الغطاء عنها لتبتعد عن الفراش وهي تصرُخ بوجعِ أرهقها:.

عايش؟!، وانا كُنت بموت علشان مين؟!، راجع بعد اربع سنين تقولي عايش. حرام عليك. إنت مستحيل تكون الشخص اللي حبيته. انت أكتر واحد أذيتني في حياتي. دمرتني، إنت دمرتني.

أخذت تصرخ به في مرارة وقد إنهارت كُليًا مشي بخطواته إليها فيما إتجهت إليها وظلت تضربه بقبضتيها لكي تشمله نيران قلبها الدامي لتصرخ بحدة: أنا بكرهك. سامع بكرهك، إنت ميت بالنسبه لي، ميت.

تناول عاصم قبضتيها بكف وبالأخر أحاط خصرها ليقربها منهُ، مال إليها ليلثم جبينها وبنبرة مهمومة قال: خرجي كُل اللي في قلبك، من حقك. مش هعاتبك صدقيني، طيب أدي لنفسك فُرصة تسمعيني. مش يمكن تكوني ظلماني، انا واحشني حضنك أوي.

طالعته في هذه اللحظه بنظرة كارهةٍ، تلاقت أعينهما، قرأ هو تبعات غيابه عنها في عينيها من كرهٍ وبغضٍ عليه ولكن هنا في زاوية ما بؤرة حُب تكنها لهُ رغم صدمتها التي لم تتخطها حتى الآن، شرد في سحر عينيها ليفاجأ بها تدفعه بعيدًا عنها ومن ثم هرولت ناحية باب الغرفة تحاول فتحه ليقول هو بثبات: قفلته يا نسمه وبالمفتاح.

رمقتهُ بعين شزراء لتهرول ناحية المرحاض، لم يستطع اللحاق بها لتغلق هي الباب خلفها، مسح عاصم علي وجهه بضيقِ مما فعله بها ولا عتاب عليها أبدًا ليردف بهدوء: نسمه أفتحي الباب. فوقي بقه من الصدمة، إحنا لازم نتكلم. انا مقدر حالتك، بس إنت لازم تسمعيني.

خارت قواه كُليًا في تلك اللحظه لتجلس إلى الأرض، أجهشت في البُكاء المرير لتمد يدها ناحية محبس المياة لتفتحه وتبدأ قطرات المياة تتساقط عليها، قامت بضم ساقيها إلى صدرها ومن وسط بُكائها إنفرج ثغرها عن إبتسامة حانية وهي تقول بخفوت: عاصم عايش!

تجهم وجهها من جديد لتبكي بنبرات متقطعة، فقد نالت منها الصدمة وجعلتها بلا شعور فقد تبللت ملابسها وسال الكحل من عينيها وأصبحت حالتها لا يُرثي لها، فيما تابع هو بعد أن جلس أمام الباب وقد أسند رأسه إليه قائلًا بإختناق: نسمه انا ما بعدتش بإرادتي. اوقات بيكون في ظروف أكبر مني ومنك. إنتِ دلوقتي شيفاني عاصم بتاع زمان ومافيش أي حاجة أتغيرت فيا وطبعًا بتسألي نفسك انا سبتك ليه، بس انا ما كونتش زيّ ما إنتِ شيفاني دلوقت. كُنت مشوه، النار دمرتني، خوفت ترفضيني في حياتك تاني. وخوفت أكتر لا تنسيني وتعيشي بعدي وتكوني لحد غيري، أربع سنين تعبان من غيرك. ايوة أنا حاصرتك من كُل الجهات، كُنت عاوزك تفضلي فكراني كُل لحظة. طلبت من أبويا أنه يقربك مني ومن اسمي ويكتب املاكي باسمك. طلبت من سليم يحفظك ليّا، علشان كُنت خايف تضيعي مني، والله ما بعدت بإرادتي، أنا مش وحش يا نسمه. انا واحد تعب من الفراق. واحد تعب وهو بيشوف حبيبته قدام عينه ومش قادر يلمسها ولا ينول حتى نظرة منها، من حقك تكرهيني. بس ما تحرمنيش من حُضنك، أنا محتاجك أوي.

إحترق داخلها وهي جالسة بأرضية المرحاض وقد أحكمت غلق الباب لتصرخ به بكُل وجع ما عانته من سنين:
انت شايفنى ممكن استحمل لحد فين؟ ولا انت اصلآ مبتسألش نفسك السؤال ده. تكسرني ليه وعلشان أيه؟!، من أمتي الشكل عندي كان أهم حاجة. من أمتي كانت علاقتنا شكل وبس، علشان أخاف من شكلك؟!

وضع عاصم رأسه بين كفيه، لقد أعمته كبريائه عن إدراك جوهرها الحقيقي، فهي ليست كذلك. ما قالته هو صحيح ولا غبار عليه ولكن كيف لعاصم الدالي الذي أدرك الحُب مؤخرًا ان يسمح لأحد بأن ينظُر لهُ بعين الشفقه حتى لو كانت من عشقته، شتان بين أن نُدرك الحُب وأن نكون علي دراية بجوهره. إنهمرت الدموع منهُ يتذكر ما حدث قبل أربعة سنوات...
#Flashback ,.

فتح عينيه لينظُر إلى سقف هذه الغرفة الغريبة عليه، جال ببصره داخل تفاصيلها البسيطة بنظرة فزعه. حاول النهوض عنه ليجد وجعًا قد كبل جميع أطرافه فيما دلفت إحدي الممرضات إلى الغرفه قائلة بإبتسامة هادئه: حمدلله علي سلامتك يا أستاذ!
أحس عاصم بأن هُناك نارًا أضمرت في وجهه، لينظر إلى يده ومن ثم صرخ بهلع مُتذكرًا الحادثة: لا مستحيييييل. انا أتحرقت!، اتحرقت صح. انا كُنت سايق العربيه وإنفجرت.

أتعبه الصراخ ليلهث بألم جارف وقد إستسلم كُليًا لما حدث فيما تابعت الممرضة بقلقِ: إهدي يا فندم دا غلط علشانك. حضرتك في غيبوبة من تلات أيام. لقيناك مرمي جوا أرض ذراعيه علي الطريق الدائري. وطبعًا صاحب الأرض جابك هنا وكانت حالتك صعبة جدًا ومافيش أي هوية شخصية نقدر نوصل بيها لأهلك.

أراح رأسه علي الوسادة، ذرف الدموع من جانب عينيه لتسقط علي وسادته، فقد أصبح الجزء الأيمن من وجهه مشوه كُليًا. أصبح قبيحًا يخاف الناس منهُ، ظل يتذكر ذهابهم لشراء الدبلة لطلب يد حبيبته عندما وجد أن أحدهم قام بقطع فرامل السيارة وبدأت تسرب الوقود منها وفجأه سمع جهاز الإنذار بها ليهتف بفزع بهم أن يترجلوا خارج السياره، حيث وجد كومة من الرمال ليتجه إليها مانعًا السياره من الحركة، ولكنها بدأت تحفر في الرمال وإزداد صوت جهاز الإنذار إرتفاعًا. ترجل سليم ومعه زوجته للخارج. كذلك تذكر صراخ سليم به ليخرج منها بأقصي سرعه له ولكن الرمال قد عرقلت فتح الباب، أخذ يضرب الباب بكامل قوته وما أن نجح في ذلك وبدأ يترجل خارجها حتى سمع صوت الإنفجار يدوي في المكان وبالفعل قد طالته النار وأصابت أجزاء به...

إبتلع عاصم غصة في حلقه. ليردف بألم فاتر وبنبرة ضعيفة لم يعتدها أبدًا: هات لي تليفون عاوز أكلم أهلي.
أومأت الممرضة برأسها في تفهم، جاء الطبيب المُشرف علي حالته ومعه الهاتف الذي طلبهُ ليبدأ في تدوين هذا الرقم والإتصال بصاحبه الذي أجاب بنبرة ضعيفة: الو، مين؟!
الطبيب بثبات: حضرتك فؤاد الدالي؟!

أكد فؤاد علي حديثه ليخبره الطبيب بأن ابنه مازال علي قيد الحياه بعد أن أقام له العزاء وأتم صلاة الغائب عليه كذلك فقد صرحت الشرطة بأن الشخص الثالث قد هُلك داخل الإنفجار فلم يجدوا أثرًا له سوي بطاقته الشخصية وسُترته التي تهرتلت وصارت رمادًا.

قَدم فؤاد إليه، لا يصدق ما سمعه حتى رأي ابنه بعينه، ولكن تسايرت السعادة عن وجهه وهو يري شخصًا آخر مُلقي علي الفراش لا حول له ولا قوة. لم يهدأ عاصم حتى أخبر سليم بأنه لم يمت، رغب في أن يختفي تمامًا وكأنه مات بالفعل، فقد آثر الموت علي أن يواجه الناس بقبحه هذا، فقد أوصي سليم بأن يحفظ له من أحب فهي الدافع الوحيد له حتى يستعيد عافيته، سافر إلى ألمانيا ليبدأ علاجه هناك. تشتاق روحه لها ولكنه يخاف من رفضها لهُ. خائفًا من أن يُجرح كبريائه، فقد أوهمته أوجاعه بأنها ستنفر منه لا محال، وقد تناسي بأن الروح النقيه لا تعشق إلا روحًا مثلها، فقد أخطأ. ولكن حجم الألم الذي عاناه أوقعه في هذا الإثم ولكن لم يمنعه من أن يُعافر حتى يشفي، حتى تستقر عيناهُ بلقياها...

Back ,
كُنت خايف ما تحبنيش، أو ترفضيني وأبقي خسرتك. ما كانش عندي القوة أواجهك وانا كدا، لأني لو كنت شفت نظرة شفقة في عنيكي كُنت هتوجع أكتر ما أنا موجوع. وأديني أهو أتعالجت ورجعت لك، انا مستني اليوم دا من أربع سنين. مستني تاخديني في حُضنك علشان وجعي يخف. سامحيني؟!

في تلك اللحظه وجد الباب يُفتح، نهض هو علي الفور ينظُر لها بعينين ذابلتين فيما تابعت هي بنبرة واجفة بعد أن فتحت ذراعيها لهُ: تعالي.
تساير الحُزن عن وجهه وقد تهللت أسارير وجهه ليلقي بنفسه بين أحضانها، حاوط خصرها بذراعيه وأخذ يُقربها منه أكثر مرددًا بنبرة باكية: سامحيني. لو كُنت وجعتك من غير قصد، ف انا بحبك. واللي بيحب بيغفر، أغفري لي ذنب أنا ما أرتكبتهوش بإرادتي.

هدأت نسمه قليلًا، بدأ وجهها في العبوس لتبتعد عنه بثبات وقد ركزت نظراتها داخل بؤبؤي عينيه مُباشرة قائلة: انا سامحتك. وحققت لك اللي كُنت عاوزه، حضنتك يعني. ف إنت كمان واجب عليا تنفذ لي اللي انا عاوزاه. انا عاوزاك تطلقني وترجع من مكان ما جيت. انا أتعودت علي فراقك، وطالما إنعدام ثقتك فيك وصلتك إنك تفارقني سنين وحكمت عليا بحاجه مش فيّا، ف خليك بعيد. لأن اللي إتهد بيننا عُمره ما هيتصلح.

تجهمت ملامحه وساءت حالتهُ في تلك اللحظه، فقد جُن في غيابها ولن يسمع بفراق آخر وما كُسر في قوانينه يعود كما في السابق، قبض علي ذراعها بشراسة أربكتها ليقول بحدة: أنسي. وفوقي بقه لنفسك. انا ما موتش، انا جوزك. وانتِ من حقي وليّا ومش برضاكي. دا غصب عنك. وياريت تتعودي علي وجودي وإنك مراتي وهتبقي أم لأولادي، زيّ ما إتعودتي علي غيابي بالظبط يا مدام.

إنت شوفته صح يا ماجد؟!، شوفت عاصم اللي حضرنا عزاه من أربع سنين. كان قاعد جنب سليم وعاوز يتجوز نسمه!، قولي إني كُنت بحلم عادي. حلم زيّ كُل الأحلام!

أردفت روفيدا بتلك الكلمات وهي قابعة بين ذراعي زوجها ترمقهُ بنظرة حائره، فيما تابع هو قائلًا بنبرة حنونة: لا يا روفيدا. عاصم ما ماتش. عاصم سافر ألمانيا يتعالج من إنفجار العربية بتاعته، ولمّا خف، رجع علشان يتجوز البنت اللي حبها. يعني هو واحد مننا، حي يُرزق.

إبتلعت روفيدا ريقها في شدوه فيما تابعت السيده خديجه التي جلست علي سجادة الصلاة قائلة بنبرة حزينة: لا حول ولا قوة إلا بالله. وليه يخبي عننا أنه عايش، ليه وجع القلب دا بس؟!، دي نسمه كانت بتموت قدامي. قبل عليها كدا إزاي!

زياد بهدوء: خلاص يا جماعة. قدر الله وما شاء فعل. المهم نسمه تتقبل دا. كفايه إتوجعت بما فيه الكفاية.
آلاء مؤيدة حديثه: وياريت يا جماعة ما حدش يحسسها بإندهاشه من ظهور عاصم، ساعدوها تتقبل رجوعه. لازم نقدر ظروفه بردو، ما هو إتوجع زيها بالظبط. ربنا العالم ب اللي كان حاسه ساعتها.

في تلك اللحظه دلفت أنهار تحمل بين أصابعها كوبًا من عصير الليمون الطازج لتهتف بنبرة قلقة: إنت كويسة يا أبلة روفيدا. مافيش هنهون ضحايا. ما هو مش معقول واحد يصحي ونفقد قصاده واحد.

ماجد ضاحكًا: والله إنتِ مسخرة يا أنهار. دا إنتِ إتصدمتي أكتر من صدمة نسمه نفسها.

أنهار وهي تضع كوب العصير علي الطاولة وبنبرة قلقة تابعت: أصل بصراحة. ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم. اللي بيموت ويرجع دهون بيبقي عاوز ينتقم. بس أول مرة أشوف واحد بيموت ويرجع تاني علشان يتجوز. شكله نسي الخطوة دي، فقال أما أرجع أعملها، نيهاهاهاهاي، بس تصدق وتؤمن بالله كُنت مستخسراه في التُراب. أصله حليوه أوي، يالا ربنا يرحمه ويديله الصحة.

عَلت القهقهات من جديد داخل هذه الغرفة بعد أن تحول الحفل إلى مأتم. تقبل الجميع عودته مقدرين ما عانه في غُربته إلا هي. ف كُل إبن آدم خطاء، فما بالكم بموجوع أخطأ؟!..

علي الجانب الاخر،.

خارج هذه الغرفة التي شهدت اجواءً عائلية متنوعة، جلس سليم بصحبة أوس وبعض الأطباء، حيث بدأ في إملاء قواعد المؤسسه دون التخلي عن قيد منهم، فلن يكرر خطأهُ هذه المرة، ولن يترك زمام الأمر يخرج من بين يديهِ، حيث تابع سليم بثبات: وبكدا نقدر نبدأ شغلنا علي صفحة بيضا. مش عاوز أي تقصير، لأني مش هتهاون في أي غلطة دي أرواح ناس. وربنا سخرنا علشان نكون طوق نجاة ليهم. لأن من حقهم يحسوا انهم زيّ أي حد فينا.

أوس بنبرة إعجاب: عندك حق يا معالي الوزير. وإن شاء الله نكون عند حُسن ظنك.
سليم بإبتسامة هادئه: انا هنا مش معالي الوزير. في شغلنا انا واحد عادي، او صاحب المكان بصفة خاصة. بلاش تكلف. علشان نقدر نتعامل.

إنتهي إجتماعهم وبدأوا في مغادرة اليلا، وقف في الحديقة يشاهد ذهابهم ب بصيص أمل داخلهُ، ليجدها تحاوطه بذراعيها من الخلف حيث أسندت رأسها علي ظهره تقول بنبرة حانيه: خير إن شاء الله بُكرا كُل حاجه تتصلح، علشان اللي زيّ قلبك، ما ينفعش يمسه وجع.

إلتفت سليم لها في تلك اللحظه، حاوط خصرها بحُب أفلاطوني قد قواه الزمن وعاونه علي ذلك صلابة أساس هذه العلاقة التي لا تسقط أبدًا. قرّب جبهة رأسه من جبهتها ليقول وهو ناظرًا ل عينيها الخضراوتين الذي وقع أسيرًا فيهما: بحبك. يا كُتلة أمل وسعادة بتجري في عروقي.

داهمتها في تلك اللحظه إبتسامة عريضه علي شفتيها المكتنزتين وقد صبغتهما باللون الكرزي، مال ليقبلها وقد نسي أين هما!، فهي قد أنسته مَن يكُن. ليجدا صوت نيروز وهي تقف في المنتصف بينهما تُطالعهما بنظرة سعيده قائلة بطفولة: سيم بتعمل أيه!
سليم رافعًا أحد حاجبيه: هو انا عارف أعمل حاجه منك!، تعالي يا قسمتي ونصيبي!

مال عليها ليلتقطها بين ذراعيه وهنا قطع حديثهم أضواء تنبعث من سيارة ما، وقفت هذه السياره أمامهم مُباشرة وقد أدرك سليم ماهية صاحبها، ترجل أمجد العزالي من سيارته بكُل ثقة، سار بخطواته إليهما، رمقه سليم ببرود فيما تابع هو:
أهلًا يا سليم باشا، أنا لقيتك ما عزمتنيش علي كتب كتاب أنسه نسمه، فقولت أجي بنفسي وأعمل الواجب. مهما كان إحنا زمايل في نفس العمل.

رمقه سليم شزرًا، وعلت إبتسامة باردة علي ثغره ليقول بإستخفاف: ما عزمتش معاليك. لأنها حفلة عائلية، وكُلك نظر بردو.

إبتلعت نوراي ريقها بصعوبة. فقد أخفق قلبها وجلًا ولكنه وصل إلى ذروته عندما نظرت إلى ابنتها لتجدها ترمق هذا ال. أمجد، بغضب قاطبة حاجبيها. ولم تمر ثانية من رؤية إبنتها علي هذه الحالة، حتى وجدتها تطيح أمجد بقدمها الصغيرة قائلة ببراءة طفلة لا تعرف الكره ولكنها أدركته حينما مس والدتها بسوء: وحش. سيم، دا وحش.

تأوه أمجد قليلًا وقد صر بأسنانه بطريقه غير واضحة، فيما قامت نيروز بمسك ذقن والدها ليعيرها الإهتمام وهي تقول بضيقِ وسط نظراته المصدومة مما فعلت: سيم. دا وحش.
قام سليم بإنزالها علي الفور ليهتف بها بصرامة شديدة: عيب يا نيروز. اللي عملتيه دا غلط، يالا إتأسفي!
عقدت نيروز ذراعيها أمامها، إحتقن وجهها غضبًا لتصرخ باكية: مامي لأ. مامي عيط ودا وحش.

عضت نوراي علي شفتها السُفلي في خوفِ، فقد أدركت الآن بأن ما سيرتب علي هذا لا يُحمد عُقباه أبدًا، حيث أمسكت بكف ابنتها لتقول بنبرة مضطربة: ب بب بعد أذنكم!

أسرعت نوراي للداخل، واضعة يدها علي قلبها في هلع، شرد سليم فيما قالته الصغيرة، فهو يعلم بأن صغيرته لا تكره أحدًا، إلا إذا عاشت تجربة آلمتها منهُ. كظم غيظه قليلًا فهو لا يعلم بعد ما سبب غضب إبنته، فيما قاطعه أمجد بتوترِ جاهد في إخفاؤه: استأذن انا بقي. شكل الحفلة عائلية فعلًا.

إستدار أمجد ليغادر، ليقطع سيره حديث سليم وهو يقوم بصرامة وتهديد بيّن: أبعد عن المؤسسه يا أمجد. لو مش عاوز الحرب تقوم بينّا. انا ما عرفش بنتي كرهاك ليه؟!، بس هعرف وساعتها. مش بس الحرب هتقوم عليك، لأ دا إنت هتبقي من ضحاياها.

أنهي حديثهُ ليتجه داخل اليلا وقد صفق بابها خلفهُ، إتجه ناحية الدرج وقد أكل درجاته كالفهد الجريح، قام بفتح الحجرة الخاصه بأطفاله ليجدها تجلس إلى جانب الصغيرة. وهنا تابع وهو يقف أمامها بصوتِ أجشٍ:
أيه الكلام اللي سمعته من نيروز دا؟! أمجد إتعرض لك يا نوراي وما قولتيش ولا انا فهمت غلط؟!

عَلت نبرة صوته بشكل أخاف نيروز التي نظرت له وجلًا، ولكنه لم يهدأ ليتجه إلى زوجته قابضًا علي ذراعها بشراسة ومن ثم جذبها إليه حتى وقفت قبالتة وأخذت تردد بتلعثم: كُنت هقولك والله العظيم.
سليم بصوت جهوري: بس ما قولتيش؟!
إقتربت نوراي منه أكثر لتردد بنبرة خافتة تحثه علي إنهاء هذا الصخب أمام صغيرتهما: علشان خاطري، مش قدام البنت. والله هفهمك كُل حاجه.

رمقها سليم بجمود ليترك ذراعها علي الفور، فيما توجهت هي ببصرها ناحية نيروز ومن ثم إبتسمت لها قائله بحُب بعد أن جلس بجانبها تُقبلها: حبيبة مامي هتنام دلوقتي، يالا فين بوسة مامي!
قبلتها نيروز بدورها لتقوم نوراي بدثرها داخل الفراش وقد طلبت من أنهار المبيت معهما، وما أن ترجلا خارج الغرفة حتى قبض سليم علي ذراعها من جديد يدفعها داخل غرفتهما.

إرتعشت أطرافها خوفًا، لا تعلم بماذا تُخبره. فالأمر ليس بهذه البساطة، فقد أصبح ما تعرضت له يندرج تحت مسمي تحرش ولا شيء آخر. وهذا كفيل بأن يُحول زوجها إلى قاتل دون تأنيب ضمير البته. سليم بحدة: أمجد العزالي عمل أيه؟!، ومن غير ما تفكري. ومش عاوز كدب. إنتِ سامعة!

إنهمرت الدموع منها، حاولت أن تتخلص من قبضته المشدوده عليها ولكن دون جدوي لتقول بخوفِ: كان بيضايقتي بالكلام. مش أكتر!، لو سمحت يا سليم ما تكبرش الموضوع.

سليم وهو ينظُر إلى عينيها: كدابه!، أول مرة عينك تقولي إنك كدابة. وإنتِ عارفة إن الكداب مالوش في حياتي مكان. ولآخر مرة هسألك أمجد عمل أيه؟!، خلي نيروز كرهاه وإنتِ خايفة منه كدا!، علشان لو اكتشفت إنك كدبتي عليا حتى لو علشان تحميني زيّ ما عملتي زمان. ف صدقيني، هتخرجي من حياتي.

نوراي ببكاء: يعني أيه!
سليم وهو يرمقها بغضبِ وقلبه يتآكل لإدراكه لما تعرضته له زوجته ويحاول إنكاره: هطلقك يا نوراي لو كذبتي عليّا.
أسرعت نوراي بوضع كفها علي فمه، وقد أجهشت بالبكاء قائلة بنبرة خائفة: ما تقولش كدا يا سليم. وحياة ولادنا!
سليم مكررًا سؤاله: عمل لك أيه؟!
نوراي بنبرة مُرتعشه تنظُر صوب عينيه: اتحرش بيّا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة