قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل الخامس

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل الخامس

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل الخامس

دلفت نسمه بخُطي وئيدة إلى الغرفه تنظر حيث أشارت نيروز، قطبت ما بين حاجبيها بإستغراب لتقول نيروز بطفولة واضحة: عمو دا؟!

هبطت نسمه للأسفل حيث مستوي قامة الصغيرة، بادلتها إبتسامة حزينة حيث وضعت رأس نيروز بين كفيها لتردف بنبرة مُختنقة: دا اسمه عاصم، أخر مرة جاب ليّ شيكولاته كانت من أربع سنين، كُنت أتمني جدًا إن هو اللي يبقي جايب لك دي، كُنت أتمني إنه يكون عايش معايا وجنبي. أنا عارفة إن نيروز بنت جميله وذكية، بس المرة دي إنتِ غلطانة، علشان هو سابني من زمان، من زمان أوي.

سقطت عَبرة ساخنه علي وجنتها، مدت نيروز أصابعها ناحية وجنة نسمه تمحو هذه القطرة برفق شديد فيما إبتسمت لها نسمه لتردف بحنو: بس شكل البوكس مُغري، تعالي نفتحها وناكل منها سوا.
أومأت نيروز برأسها في سعادة تقول وهي تُقدم الصندوق إلى نسمة: ناكل كُله.

قهقهت نسمه وهي تُطالع نيروز بحنو، شرعت في نزع لفافة الصندوق ومن ثم قامت بفتحه لتفوح رائحة من داخله تعرفها جيدًا، بل تتلاصق بكُل ذكرياتها مُنذ اليوم الأول لغيابه...

في تلك اللحظه فتحت عينيها علي وسعهما، أخذت تُقرب فوهة الصندوق من أنفها تتنشق هذا العطر حتى تتأكد بأنها لا تتوهم، أبعدته علي الفور، ألقت بالصندوق جانبًا لتنهض بدورها وهي تُردد بنبرة مُضطربة: لأ، مستحيل يكون البرفيوم اللي في البوكس دا مُجرد صُدفة، في حاجه غريبة بتحصل حوليا. هتجنن بجد.

وضعت رأسها بين كفيها تدور الدُنيا بها، قاربت علي الإنهيار ولكنها ذأبت ناحيه باب الغرفة تترجل منهُ ثم أخذت تهتف بنبرة مرتعدة: سليم، سليم؟!، ألحقنننننني.
هرول سليم إليه وقبل أن تسقط أرضًا كان قد أمسك بها، أسندها بذراعيه ثم تابع بقلقِ جليّ: نسمه إنتِ كويسه!، مالك؟!

ترجلت نيروز خارج الغرفه تحمل هذا الصندوق بين يديها فيما أشارت نسمه إليه قائلة ببكاء مرير: برفيوم عاصم جوا الصندوق دا، ولمّا سألت نيروز مين اللي جابه، شاورت علي صورة عاصم. صدقني يا سليم، أنا مش مجنونة، والله العظيم ما مجنونة.

رمقها سليم بنظرة حانية، أومأ برأسه عدة إيماءات خفيفة ليردف قائلًا بهدوئه المُعتاد: ممكن تهدي؟!، انا لازم أتكلم معاكي شويه في مكتبي.
نوراي بتلعثمِ: لمّا نتطمن عليها الأول يا سليم!
جاءت السيدة خديجه في هذه الأثناء تتسند علي ذراع إبنتها لتقول بنبرة مرتجفة: مالها نسمه يا سليم؟!، كانت بتصرخ ليه!
نسمه بنبرة مُجهدة: أهدي يا أمي أنا كويسه، شوفت كابوس مش أكتر.

عاونها سليم حتى إستقامت في مشيتها، إتجه بها إلى غرفة مكتبه وفور دلوفهما قد أحكم سليم غلق باب الحجرة وما أن أجلسها علي الأريكة حتى تابع بهدوء بعد أن سحب مقعدًا وجلس أمامها: إحنا عايشين مع بعض أديلنا قد أيه يا نسمه؟!
جدحتهُ نسمه بإستغراب من سؤالهُ، ثم تابعت بهدوء: من يوم ما وعيت علي وش الدُنيا وانا عايشة معاكم.

سليم بإبتسامة صافية: يعني إنتِ أُختي وبنتي، زيّك زيّ روفيدا بالظبط، أنا اللي ربيتك وأعتبرتك أختي وهتفضلي كدا لحد ما أموت. اللي عاوز أقوله لك إني بفكر في سعادتك إنتِ وأمي وروفيدا في كُل ثانية، ولمّا بتضحكوا بحس إني أديت واجبي علي أكمل وجه، وإنتِ عارفة كويس إن عمري ما خذلتك ولا هخذلك. ف أنا ليّا طلب عندك، وياريت تسمعيني للآخر، وتأكدي تمامًا إن اللي هقوله دا، فيه كُل الخير ليكِ.

رمقته نسمه بتركيزِ شديد، أردفت بنبرة خافته: قول اللي إنت عاوزه يا سليم.

سليم بثبات وهو يتفحص معالم وجهها: في شخص متقدم لك، ولو أنا مش واثق منهُ او مش عارف أنه خير ليكِ، صدقيني ما كونتش كلمتك في الموضوع دا أبدًا، أدي لنفسك فرصة تعيشي الحياة من تاني وتحبي وتتحبي وتكوني أُم، راحت فين نسمه اللي كان نفسها دايمًا في تؤام. تاهت مننا كُلنا، بقيت أضعف كائن علي وجه الأرض، نسيت أزاي تواجه ظروفها وتدوس عليها وتعدي، مع أنك أكتر شخصية عندك عزيمة وإرادة تتحدي العالم، مش كفاية يا نسمه وترجعي لينا بقه؟!، عاوز أشوف نسمه اللي كانت حابه الحياه وبتضحك من قلبها. وعُمرها ما شالت للدُنيا هم...

نسمه بشبح إبتسامة: ما أنا بضحك أهو!
سليم بحنو: شكل دموعك ليها رأي تاني؟!، لسه موجوعة يا نسمه من جرح اربع سنين؟!

نكست نسمه ذقنها للأسفل لتهطل الدموع منها بغزارة وكأنها أختزنتها لهذه اللحظة لتقول بنبرة مكسورة: وحشني يا سليم، ما كونتش أتخيل إني هحب أصلًا، أو هلاقي حد يحبني بشكلي اللي كُنت عليه، كُنت زيّ أي بنوتة بتحلم بواحد يحب روحها، بس عُمر ما حد حب روحي غيركم. وهو، هو حب روحي، رضي بيّا بكُل عيوبي. ضحكت من قلبي معاه بجد، قدمته له علي طبق من فضة علشان كُنت واثقه إنه مش هيخذلني. دا انا حتى ما أحتفظتش بحاجة لنفسي، علشان كدا ما بقيتش عارفة أسند نفسي أبدًا. مش عارفه أقوم يا سليم، ومش عاوزة أصدق أنه مات. مش عاوزه.

إبتلع سليم غصة في حلقهِ، مال إليها ليلثم جبينها بحنو جارف ثم قال بثبات: نفسك عاصم يكون عايش دلوقتي يا نسمه؟!
نسمه بوجع: أوي. وعلشان عارفه إنه مش هيرجع، نفسي أنا أروح لهُ، علشان ما شبعتش منهُ.
سليم بعينين لامعتين: ولا هتشبعي، علشان اللي بيحب أوي كدا، ما بيشبعش، أسأليني انا. علشان خاطري فكري في مستقبلك، وخليكي واثقة في إختياري ليكي. قولتي أيه يا نسمه؟!

نسمه وهي ترفع بصرها إليه بإستسلام: اللي تشوفه يا سليم، ما بقيتش فارقه.
تنحنح سليم قليلًا قبل ان يردف بنبرة متوترة: بس العريس عاوز كتب كتاب وفرح علي طول؟
نسمه بدون أي ردة فعل: ماشي.
حدق سليم بها، فنبرتها أقلقته بشدة، الاستسلام أضمر خلاياه داخلها، ليتابع سليم بتركيز شديد لتفاصيل وجهها: وكتب الكتاب هيكون بعد يومين؟!
نسمه بإرهاق بالغ: اللي تشوفه يا سليم.

في صباح اليوم التالي،
فين نسمه؟!، مش هتفطر ولا أيه!
أردف سليم بتلك الكلمات وهو يلوك الطعام في فمهِ بنهم شديد، فيما تابعت روفيدا بهدوء: أنهار طلعت تصحيها، شكلها لسه نايمة.
أومأ سليم برأسه في تفهم، وضع شوكته جانبًا ثم استقام واقفًا ليردف بنبرة هادئه للغاية: عاوزة أبلغكم. إن في عريس جاي بُكرا علشان نسمة.
السيدة خديجه بسعادة غامرة: علي خير يارب، بس هي ما تقفش في الجوازة.

إِفتر ثغر سليم عن إبتسامة هادئة، أغلق سُترته بكُل هدوء ثم رفع بصره إليهم قائلًا: لأ يا أمي، المرة دي غير كُل مرة. العريس إتقدم قبل كدا وانا وافقت وجاي بكرا علشان هنكتب الكتاب.

فغر الجميع فاهه في آن واحد، عقد قران في منزلهم دون علم لهم، تبادلوا نظرات تساؤلية فيما بينهم ليبرر سليم هذا قائلًا: بما إنها وافقت، ف أنا قولت أستعجل في كتب الكتاب، قبل ما ترجع في كلامها. ف ياريت يا أمي تجهزوا اليلا بشكل عائلي إستعدادًا ل بُكرا.

أومأت السيده خديجه رأسها إيجابًا، إستدار سليم مُتجهًا ناحية باب اليلا، ينوي حضور ميعاد أنتظرهُ كثيرًا ليجد زوجتهُ تضع أصابعها بين أصابعه قائلة بهدوء: سليم بلاش مشاكل أو عصبية علشان خاطري، وكُل حاجه هتتحل بأمر الله. ماشي حبيبي!
توقف سليم عن السير في هذه اللحظه، قرّب وجهه منها ثم طبع قُبلة حانية علي وجنتها قائلًا: أدعيلي إنتِ بس يا عملي العسل في الدُنيا.

وقفت نوراي علي أطراف أصابعها، لترفع جسدها لأعلي قليلًا حتى أصابت هدفها حينما طبعت قُبلة طويلة علي أنفه قائلة بهيام: بدعيلك يا بطلي.
علي الجانب الاخر وبالأخص داخل غرفة نسمه،
إنت يا بابا فؤاد اللي بتقول كدا، عاوزني أنسي عاصم وأتجوز بالسهولة دي، انا مش عارفه أنا وافقت أزاي؟!

عَبرت قسمات وجهها عن الصدمة وهي تنظُر للبعيد، تتحدث إلى السيد فؤاد هاتفيًا والذي بدي عليه تقبله الشديد لهذا الزواج، فيما تابع هو بنبرة حانية: انا ما بقولكيش أنسيه يا نسمه، انا بقول أدي لنفسك فرصة، مش يمكن يكون زيّ ما كُنتِ بتحلمي وهو دا نصيبك في الدُنيا.

إبتلعت نسمه غصة في حلقها، أخذت تجهش في البُكاء ضامة ساقيها إلى صدرها وقد وضعت صورته أمامها: مش عاوزاه. مش عاوزه النصيب دا. انا أيه خلاني أقبل أصلًا، ساعدني يا بابا فؤاد، كلم سليم وقوله إنك مُعترض.

فؤاد بثبات: حبيبتي، انا هعترض بناءً علي أيه؟!، من حقهم يفرحوا بيكِ، وإنتِ زعلك علي عاصم طال أوي. استعيني بالله يا بنتي، وربنا ما بيجيبش غير كُل خير.

أغلقت نسمه الهاتف معه، رفعت الصوره إليها أخذت تمرر أصابعها علي وجهه قائلة بألم جارف: فاكرين إن ذكرياتي معاك هتخلص لحد هنا. مش عارفين إنك محفور جوايا، مكان ما هروح هتكون معايا.
مالت إلى الصوره تُقبلها، وقد أطالت القبلة هذه المرة لتسقط عبره عليها، وهنا قبضت نسمه راحتها ثم رفعتها أمام عينيها تنظُر إلى هذا الوشم بحُزن وحسرة: هتفضل جوايا، أوعدك.

وجدت نسمه أحدهم يقوم بفتح باب الحجرة، أطلت أنهار من خلف الباب تمسك بذراعيها هذين الطفلين، أردفت بنبرة هادئه قبل ان تخطو أي خُطوة للداخل: تسمحي ليّ أدخل يا أبلة نسمه، ولا ما ينفعش.
أومأت نسمه برأسها إيجابًا، سارت أنهار إليها وقد سبقها الطفلين ليردف رامي بنبرة طفولية: أبلة إنتِ بتعيطي؟!
رمقتهُ نسمه بحنو، لتجد الأُخري تردد بطيبة قلبها المألوفة: زعلانة من سيم؟!

إلتفتت نسمه إليها، لتفتح ذراعيها علي وسعهما فيما قفز الطفلين إليها لتقول من بين دموعها: هو في حد يزعل من سليم يا نيروز؟!، ياريت كُل الناس زيه.
لاحظت أنهار هذه الصورة القابعة جانب نسمه، مالت إليها تلتقطها، تنظُر إلى هذا الشاب شديد الوسامة بحُزن شديد، تستعجب من هذا الحُب الذي لم تري مثيلهُ من قبل. فقد إمتلأت الغرفه بصور لهُ، أدق التفاصيل معه، تسعي لإحيائها. حقًا ما هذا الحُب؟!

أنهي سليم عمله داخل مؤسسته الخاصة، فقد استبدل طاقم الأطباء بآخر علي قدر من المسؤليه وكذلك عاونه أوس في ذلك والذي أصبح المسؤل الثاني بعدهُ ومُدير هذه المؤسسه في غيابه. لم ينس سليم بدأ تحرياتهُ في هذا الموضوع، فقد علم بطريقته المعهودة في تتبع مصادر الشك بأن أمجد العزالي قد قدم أموال طائلة للأطباء العاملين بالمؤسسه لتزوير إمضاء سليم النجدي علي أوراق موافقه لبيع أعضاء الاطفال بالمؤسسه. ف كُل ما بيع بالمال، يُبتاع بالمال كذلك...

سار سليم في الطُرقة مُتجهًا إلى الباب الرئيسي للمؤسسه، وقف أمام سيارته ثم طلب من السائق الترجل خارجها: أخرج يا راشد. انا اللي هسوق.
راشد بقلقِ: اللي تشوفه يا فندم.
دلف سليم داخل سيارته، أشعل المقود حتى أنطلقت السيارة بقوة وقد أصدرت صريرًا عاليًا، زفر عدة زفرات مُحاولًا السيطرة علي نفسه، ف الآن اجتماعه ب رئيس الوزراء، وسيكشف عن دنائة أمجد العزالي فور الإلتقاء به.

أوقف سيارتهُ أمام مبني الوزارة، ترجل خارجها ليقف أمام صرحًا كبيرا، قد رفعت الأعلام اعلاهُ، أستعجب الحرس، كيف لوزير أن يتنقل دون حراستهُ الخاص، أتجه سليم صوب الباب علي الفور ليُفتح إلكترونيًا.

سار علي عجالة من أمره ناحية المصعد الإلكتروني فقد تجهمت معالم وجهه كُليًا، وما أن وقف أمام مكتب رئيس الوزراء حتى تابع مساعده الخاص بنبرة ترحيبية شديدة: أهلًا يا معالي الوزير. لحظة واحدة أبلغ رائف بيه.
غاب المساعد لفترة قليلة قبل أن يفتح الباب ثم يردد بهدوء: إتفضل يا معالي الوزير. في إنتظارك.

أومأ سليم برأسه مُتفهمًا، سار للداخل، حتى وقف أمام مكتب رأئف العدوي الذي تابع بثبات وهو يُصافحه: أهلًا معالي الوزير. خير. ايه المشكلة اللي بتواجهك في الوزارة!
سليم بثبات ومازال يقف أمامه: أمجد.
قطب رائف ما بين حاجبيه ثم جلس من جديد قائلًا بتساؤل: أمجد العزالي بتاعنا.

سليم بإبتسامة ساخرة: هو بعينه. العقبة الوحيدة في حياتي من يوم ما مسكت الوزارة. بس شايف معاليك مستغرب أوي من كلامي وكأنك مش عارفه كويس؟!

رائف بصرامة: تقصدك أيه يا سليم؟!

إقترب سليم من المكتب، مال بجذعة العلوي للأمال قليلًا ضاغطًا بكفيه علي سطح المكتب: دي الشكوي التالتة منه. والتالتة تابتا، الأولي لمّا قدم رشوة للظابط علشان يخرج عزيز المرشود براءة، بحكم أنهم أصدقاء وإن عزيز عضو في البرلمان وعنده حصانة تمنعه أنه يتسجن. السؤال هنا، هل الحصانة قوتها أكبر من رئيس عصابة بيخطف الأطفال ويقتلهم ويتاجر في اعضائهم، ومش بس كدا لأ دا بيهرب هيروين في جسمهم. كُفرررر. أه والله كُفررر ونجاسه. جاوبني يا باشا لحد فين قوة الحصانة دي؟!

نهض رائف من مكانه ضرب بكفيه علي سطح المكتب بقوة لتتلاقي رؤوسهم، جدحه سليم بإصرار فيما قال الأخر بحدة: فوق يا سليم وشوف إنت بتكلم مين؟

رفع سليم شفته قليلًا ليرد بلا مُبالاة: أمجد العزالي، ما سكتش لحد هنا. لأ، لقي نفسه مفتقد الظلم والقذارة ف راح للغلابة وأصدر أوامر بهدم بيوتهم بحجة أنها منطقة مِلك الحكومة، مع أن الحكومة عندها كتير ومش محتاجة تبص لمكان تحت خط الصفر زيّ دا، بس هي دماغه طلبت كدا. لأ وأيه لف بقه علي المؤسسه اللي بنيتها بدم قلبي وشقايا وتعبي قبل ما أشرف هنا، بنيتها علشان أعالج الأطفال اللي محتاجين عناية خاصة. علشان يكونوا أحسن، قام هو قدم رشوي بردو للدكاترة علشان يتاجر في أعضاء الأطفال دي، يقول لهم هنروح نتفسح وياخدهم أودة العمليات ويطلعوا ناقصين عضو. قولي يا باشا، أيه رأيك في الكلام دا؟!، قولي أنا غلطت في أيه أو أذيته في أيه!

رفع رائف ذراعه للأعلي ثم هتف بسليم قائلًا بهدوء: ممكن تهدي يا سليم، أقعد لازم نتكلم.

رمقه سليم بنظرة قاسية أعقبها إبتسامة باردة، ليقول وهو يهزّ رأسهُ سلبًا: كُنت عارف إن عزيز المرشود واطي وقاتل ووافقت علي براءته، عارف إن أمجد حرامي مش شخص أمين أنه يبقي وزير ووافقت لأنك شبههم. حماس الشاب اللي كان من سنتين مات، ودي بقه استقالتي. مش هستني انتهاء فترتي. هو شهر واحد هنهي فيه المشاريع اللي بدأت فيها وخلص كلامي علي كدا. وساعتها بقه هعمل اللي انا عاوزه، ما انا خلاص ما بقيتش وزير، يعني حُر وصدقني مش هرحم حد.

رائف بعصبية بالغة: اللي بتعمله دا اسمه جنان يا سليم!
رمقه سليم بحنق ثم استدار مُتجهًا ناحية باب الحجرة وبنبرة صارمة تابع: دا عين العقل.

انا مش فاهمه دا مشرف في النادي بإستمرار ليه؟!، تصرفاته غريبه وحتى نظراته.

أردفت نوراي بتلك الكلمات وهي تنظُر بحنق إلى هذا الكائن الذي يتقدم نحوهما فيما تابعت روفيدا بتساؤل: أمجد العزالي!، غريب؟!
نوراي تجدحها بتحذير ونبرة خافتة: اسكتي. جاي علينا.
أهلًا يا سيداتي؟!، أخبار سليم باشا إيه؟!
نوراي بإبتسامة لم تصل إلى شفتيها: بخير. بس ليه بشوف حضرتك في النادي بإستمرار. المفروض إن حضرتك مش فاضي بسبب المشاريع الجديدة.

أمجد بثبات: لأ الحقيقي، انا واخد أجازة من الوزارة. بريح دماغي شوية، وكُنت حابب أتكلم معاكي شوية يا مدام نوراي ينفع.

نوراي بتوتر وهي تنظر لروفيدا ثم تعيد النظر إليه: أسفة جدًا. بس نيروز خلصت التمرين ولازم نرجع اليلا حالًا.
إلتفت ببصره ناحية روفيدا ليقول بثبات: بعد أذنك يا مدام. ممكن تسيبينا علي إنفراد شوية.
أومأت روفيدا برأسها في توترِ، فقد أربكتها نظراته وكذلك أسلوب حديثهُ. مشت بضع خُطوات ولكنها لم تبتعد كثيرًا.

رمقها أمجد بإبتسامة خبيثة. جال ببصره في سائر جسدها من أعلي رأسها إلى أخمص قدميها ليقوم بإعجاب واضح: إنتِ إتجوزتي سليم عن قصة حُب ولا جواز عادي!
رمقته نوراي شزرًا، وقد إرتجفت أوصالها لتظهر رجفتها في نبرة صوتها ف تراجعت للخلف قليلًا لتعرقل الطاولة حركتها، ف مالت للخلف قليلًا فيما قام هو بإلفاف ذراعه حول خصرها...

حدقت نوراي إلى ذراعه الملفوفة حولها، فبدأت تستقيم في وقفتها تبعد يده عنها بينما أحكم هو قبضته علي خصرها ليقربها منهُ أكثر، وهنا هتفت نوراي بصراخ عال: إنت مجنون؟، أيه اللي إنت بتعمله دا؟!
هرولت روفيدا إليها ما أن سمعت صراخها، فقد وجدتها فرصة للإقتراب، بينما تابع هو بنبرة صارمة: عيب يا مدام، هو دا مُقابل مساعدتي ليكي. بعد إذنكم.

وما أن أستدار حتى ألقت هي بصقة خلفة، ترمقة بنظرة كارهة وأخذت تردد بحنقِ: بني آدم حقير. انا لازم أقول ل سليم علي المريض دا.
في تلك اللحظه وجدت نوراي إبنتها وهي تُهرول ناحية أمجد، ومن ثم ضربت برأسها أسفل بطنه قائلة بغضب طفولي: مامي لأ. كلب ووحش.
فغرت روفيدا فاهها في دهشة فيما هتف أمجد بها وهو يدفعها بعيدًا عنهُ: هي ناقصة إعاقة.

هرولت نوراي إلى ابنتها التي وقعت أرضًا أثر دفعته، ألتقطتها علي الفور بين أحضانها ثم صرخت به في حدة: الإعاقة عُمرها ما كانت إعاقة جسم. دي إعاقة عقل وقلب يا مُحترم. ولازم تفهم إني مش هسكت عن اللي حصل لبنتي دا. إنت فاهم؟!
أمجد ببرود: أبقي سلميلي علي سليم باشا.
إبتعد من أمامهم يمشي مُختالًا وكأنه صاحب حقًا وكأنه لم يقتُل يومًا او يسلب فقيرًا مأواه، يمشي ك الذي أعطي كُل حقًا حقه، ف سلم قلبهُ...

قامت نوراي بتقبيل ابنتها وهي تهتف بنبرة حانية: حبية مامي، كويسة؟!

يا ماما إلهام ردي عليا؟!، كلميني. أقفي جنبي انا محتاجه لك. عاوزين يجوزوني. طيب وعاصم؟!
أردفت نسمه بتلك الكلمات وهي تُعطي العقاقير للسيدة إلهام فرغم ما أثقل قلبها وكاهلها ولكنها لا تفرط بها أبدًا، أنهت ما تفعلهُ لتنظُر لها بخيبة أمل. وما هي إلا لحظات حتى وجدت يد إلهام تمتد إليها وهنا تحولت دموعها إلى إبتسامة ثم ألقت بنفسها بين أحضانها وكأنها تستنجد بها...

نوراي فين يا أمي؟!
أردف سليم بتلك الكلمات وهو يقف في مُنتصف حديقه اليلا وقد أخرج هاتفه من جيب بنطاله فيما تابعت السيدة خديجه بهدوء: لسه ما رجعتش من تمرين نيروز. مش هتدخل يا بني جوا؟!
سليم بإبتسامة صافية وهو يُقبل يد والدته: لا يا حبيبتي. أسبقيني إنتِ وأنا هستني نوراي لمّا ترجع.

إنصاعت خديجة لحديثه، دلفت للداخل تستكمل إجراءات الغد علها تستطع الإنتهاء من هذه التجهيزات قبل الموعد، رفع سليم سماعة هاتفة إلى أذنه ومن ثم أخفضها مُجددًا عندما وجدها تدلف من الباب الرئيسي لليلا...
في تلك اللحظه تابع ماجد الذي سار بجانبهما بنبرة خافتة: صدقيني يا نوراي لو ما قولتيش ل سليم عن اللي حصل. انا بنفسي اللي هقول.

إبتلعت نوراي ريقها بصعوبة، تحول وجهها من العبوس إلى إبتسامة مُشرقة لتردد بخفوت: هقوله يا ماجد. بس بعد كتب الكتاب. مش عاوزة أضايقه، هو فيه اللي مكفيه لو سمحت!
ماجد بضيقِ: ماشي.
ذأبت نوراي في سيرها إليه ومن ثم ألقت بنفسها بين أحضانه وراحت تقول بنبرة مهمومة: وحشتني!
سليم رابتًا علي ظهرها بحنو: مش أكتر مني.

مرّ اليوم بحلوه ومره، مرّ يحمل في جوف ليله نفوس مهمومة وأُخري باكية بينما هو يبكي قلبه جبروتًا من الفساد حوله...

( في مساء اليوم التالي ) (عقد القران )،
تحول الحفل العائلي الذي من المنطقي ان يتوج بالزغاريد والموسيقي الغنائية، ولكنه أصبح حالة من الإنهيار والخوف والصدمة، سَكن المكان كُليًا جلس المأذون إلى الأريكة ينظُر إلى حالات الإغماء التي تأتي تباعًا. فيما هتف سليم به قائلًا: كمل إجراءات العقد، العريس موجود وأنا وليّ العروسة.

المأذون بقلقِ: بس يا بني إنت مش شايف اللي بيحصل. هو العريس فيه حاجة غريبة لا سمح الله.
ماجد بشدوه: غريبة بس!، منك لله إنت وهو. البيت كُله في الإسعافات الأولية.
أطلق ذاك الجالس قبالة سليم قهقه بسيطة ليضع كفه بكف سليم فيما بدأ المأذون بإتمام مراسم العقد،.

ولكن هُناك من تقف في البعيد ومازالت مُتماسكة من أثر الصدمة. سارت نحو الدرج ك المومياء حتى صعدته نحو غرفة نسمه وما أن دلفت للداخل حتى رمقتها نسمه بضيقِ قائلة: كتبوا الكتاب يا أنهار؟!
أنهار بضحكة بلهاء وهي تُشير إلى الصورة المُعلقة بالحائط: اه. مبروك كتب كتابك علي المرحوم، يا صلاة العيد.

سقطت في الحال مُغشيًا عليها، فتحت نسمه عينيها علي وسعهما تنظر إليها بقلقِ، هرولت إليها تضرب وجنتها بخفة قائلة بحيرة: المرحوم؟!، ايه الجنان دا!
دلف سليم إلى الغرفة في تلك اللحظه ولم يستغرب من إغماء هذه الأخيرة، فهو يعلم السبب تمامًا. نظر إلى نسمه بحنو قائلًا: يالا يا نسمه أمضي.
نسمه ترمقهُ بإستغراب: سليم، إنت مش شايف اللي مغم عليها دي!

سليم بإبتسامة ثابتة: اه شايفها. أمضي علشان أخدها معايا، لأن العريس عاوز يقعد معاكي شوية.

لوت نسمه شدقها بإستنكار، إلتقطت منه القلم ومن ثم خطت موافقتها علي عقد القرآن، لترفع عينيها إليه قائلة بوجوم: بس انا مش عاوزة. أقابل حد دلوقتي.
مال سليم بجذعه للأسفل، خبط علي وجنة أنهار بخفة لتفتح الأخري عينيها في ألم قائلة: هم اللي بيموتوا. بيصحوا تاني ولا أيه!
مسح سليم علي وجهه بهدوء وقد كتم ضحكته، ليسندها حتى استقامت واقفه ثم إتجه بها خارج الغرفة قائلًا: جوزك هيدخل دلوقتي يا نسمه.

إستدارت نسمه علي الفور. إتجهت ناحية شرفة الحجرة، رفعت عينيها للأعلي ثم رددت بنبرة أشبه للبُكاء: يااااارب. رضيت بقدرك، ف أرضيني.
سمعت في تلك اللحظة صوت أزيز الباب وهو يُفتح، أغمضت عينيها دون أن تلتفت للقادم، أخذت نفسًا عميقًا داخلها، تنوي وضع الحدود بينهما.

هدوء عم الغرفة، لتجد ذراعين يحاوطان خصرها من الخلف، ولكنها تعرف هذه اللمسة جيدًا. فهي شفرة جسدها الوحيدة نحو السعادة، فتحت عينيها علي وسعهما. تنفي ما أحسته، تنشقت هذه الرائحة التي عشقتها مُنذ أمد بعيد لتجد عطره يقترب منها بل جسده بأكمله ليميل إلى عُنقها ثم يُقبله في لهفة. ومازالت هي ك الصنم. تجمدت من هذه البوادر الغريبة وليقطع شكها، صوته وهو يردف بصوتِ عاشق: وحشتيني. فراقنا طال أوي، مش كدا؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة