قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث

إلتفوا معًا حول مائدة الطعام الكبيرة، تبادلوا الأحاديث المُمتعة وسط قهقهات الجميع التي غمرت يلا النجدي بسعادة معهودة وكذلك يعلو صوت صخب الأطفال أثناء لعبهم، توجه سليم ببصره ناحية زياد الجالس قبالته ثم تابع بنبرة لائمة: ايه يا عم زياد، إنت محتاج عزومة مني علشان تيجي تشوف أهلك وناسك!

إِفتر ثغر زياد عن إبتسامة حانية أعقبها بعبارة تنفي ما قاله سليم لتوة: أبدًا والله، الشغل واخدني، دا غير إن أمي جاية تعيش معانا ف بنجهز لها أودتها.

السيدة خديجه بتدخل: فرحتني يابني بالخبر دا، وأهو تبقي جنبك طول الوقت، وقلقك عليها يخف. ربنا يبارك لكم في بعض ويفرح قلبك يا زياد علي قد ما بتفرح آلاء.
آلاء وهي ترمقها بعينين لامعتين ينبعث منهما الحُب: ويبارك لنا فيكِ يا ماما خديجه.
في تلك اللحظه هرولت نيروز ناحية والدها تجذبه من تلابيبه كي تلفت إنتباهه لها ومن ثم هتفت بنبرة طفولية: بابي، سيم!

إلتفت بكامل جسده ناحيتها، وقد أشرقت إبتسامة علي مُحياهُ حين قام بإلتقاط قبضتها ثم قبل باطن يدها قائلًا: عيونهُ!
ضحكت نيروز بسعادة وبعدها لاحت بقبضتها الأُخري وهي تمسك بقطعة كبيرة من الشيكولاته المُغلفه فيما تابع رامي بفخر: انا اللي جبت لنيرو الشيكولاته دي، علشان انا راجل البيت الصغير وبخلي بالي منها.

قهقه عالية صدرت من افواه الجميع لخفة ظله ورجاحة عقله الطفولي كذلك، فيما تابعت نوراي بمرح: أتفضلي يا روفا، إبنك عينهُ من البنت!
وسط تبادل الأحاديث بينهم هتفت نسمة عاليًا وقد قطبت ما بين حاجبيها بشكِ: عاصم صحي!، هروح أشوفه.
سليم بإستغراب: تعالي كملي أكلك، أنهار موجودة معاه.
نسمه وهي تهرول ناحية الدرج بنبرة مُتعجلة وحاسمة: لأ انا عاوزه أكون جنبه.
ماجد بضحك متوجهًا بحديثه إلى سليم: ابنك جننها.

تركت السيدة خديجه ملعقتها علي الفور، عَبرت قسمات وجهها في هذه اللحظه عن أسفها لرؤية صغيرتها تتآكل وجعًا وتسعي لإحياء ماضيها بكُل جوارحها...

نظرت روفيدا إلى والدتها لتجدها علي هذه الحالة، فهمت حُزن والدتها البادي علي معالمها فما كان منها إلا أن ربتت علي ظهر والدتها بحنو تُعزيها...

مساء الجمال، علي أبو عيون جُمال، امم انت نسخة طبق الأصل من سليم، وهذا الشبل من ذاك الأسد.
قالتها نسمه وهي تُقبل وجنتي الصغير الذي ما أن إحتضنته حتى غفا بين ذراعيها من جديد، طالعته بكُل حُب وهي تري خُصلات شعره الكثيفه الناعمة وكذلك بشرته القمحية وكأنها تري سليم بنفسه وهو صغير.

رمقتها أنهار التي أستفاقت من غفوتها وهي تجلس بجانب الصغير، فتحت فمها تتثاءب بكُل أريحية لتردف بنبرة هادئه: إنتِ هنا من أمتي يا أبلة نسمة؟
ضيقت نسمه عينيها، صرت بأسنانها وقد برز لونهما الأبيض أمام أنهار التي راقبتها بقلقِ: انا قولت حاجه لا سمح الله!
نسمه بغيظِ: البيبي بيعيط من أمتي!، أيه دخلتي في غيبوبه!

نهضت أنهار عن الأريكة علي الفور، أخذت تربت علي كتف نسمه قائلة بنبرة مُضطربة: لا بقولك أيه يا أبلة، إهدي كدا وما تتعصبيش، إنتِ لسه صغيرة وشابة، كُل ما في الموضوع، إن أنا بحكم (ضكترتي)، كُنت محتاجة انام بس ما كانش جايلي نوم، وطبعًا انا أرفض المُنومات وبشدة لأضرارها ف قررت بقه أيه؟!، أكل فحل بصل، ولقيته مرة واحدة كتم علي نفسي ونمت.

باغتتها نسمه بإبتسامة ذات مغزي، تحركت ببُطء تضع الصغير في فراشة، إستقامت من جديد ثم إلتفتت إليها وأخذت تردد من بين أسنانها بتوعدِ وهي تتسحب للإقتراب منها: فحل بصل؟!، وبحُكم ضكترتك!
مدّت يدها أمامها تتفادي هجومها، فتحت عيناها علي وسعهما وهي تجد نسمه تكور قبضة يدها بإنفعال لتصرخ أنهار بها بفزع:.

والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ، إلهي يسترك إهدي، عارفة إن عاصم خط أحمر، طيب أعملك ليمون بيروق الأعصاب. ط طط طيب بلاش عض، بالله.

أنهت أنهار حديثها لتجد نسمه قد أطبقت أصابعها علي إحد أذنيها قائلة بتحذير جليّ: لو سمعته بيعيط تاني، هقتلك يا أنهار يا غيبوبة إنتِ.
انهت كلامها لتُبعد ذراعها فورًا، تنفست أنهار الصعداء وهي تتابع بأريحية: يخربيت اللي يزعلك يا شيخة.
طرقات صدحت علي باب الغرفة أعقبها دلوف سليم بصحبته نوراي، ألقي عليهما السلام فيما تابعع نوراي وهي تقترب ناحية طفلها: نايم من بدري!
أنهار بتلعثم: اه، ايوة.

أومأ سليم برأسه مُتفهمًا، فيما إقتربت منه نوراي من جديد ليحاوط كتفها بذراعه قائلًا بنبرة حانية: يالا يا بنات، تصبحوا علي خير. ولو أي حد من الولاد صحي ياريت تبلغي نوراي يا أنهار.

أنهار وقد اومأت برأسها عدة إيماءات دليل علي إدراكها لما قاله: حاضر يا مستر سليم.
دلف سليم بصحبة زوجته إلى غرفتهما بعد يومٍ شاق لكليهما. ينبيء بالكثير نتخبط بين مدّ وجزر، ولا نعلمُ متي مراسينا ،.

تتفاذفنا الأوجاع، ك أرواح مُحمله بالوجدٍ تتخبط بين لهفة الماضي والاستسلام للواقع، وما تزيدنا الذكري سوي، إيلامنا منها، رغم أن الحاضر ما هو إلا المتمم لماضيه، رفض، كبرياء، شموخ. ولكن يبقي اصرار الحُب والحرب، المنهي في معركة الحياه المليئه بشغف الانتقام، أدركت نوراي بعد هذا اليوم العصيب أن القادم أقوي من إعصار تسونامي في حد ذاته.

بدلت ملابسها بشرود تام، وجدته مُستلقي في الفراش واضعًا ذراعيه أسفل رأسه. ف الهم الذي بداخلها هو نقطة في بحر همومه، ليس بيدها سوي أن ترسم البسمة علي شفاهها، تمددت إلى جانبه في الحال وكذلك قامت بوضع رأسها علي صدره تقول بهدوء شارد: سليم، عاوزة أطلب منك طلب، ممكن!
قام بطبع قُبلة حانية علي جبينها يرمقها بإهتمام شديد ليردف بحب: طلباتك مُجابة.

عدلت نوراي من وضعية نومها جالسة، نكست ذقنها قليلًا تضغط علي شفتها السفلي إرباكًا لتقول: ما ظنش إن المرة دي مُجاب، زيّ ما بتقول يا معالي الوزير!
أقلقته تعبيرات وجهها وكذلك نعته ب معالي الوزير، ليضع وجهها بين كفيه ويرفعه لأعلي لتلتقي نظراتهما وبدورة يقول رافعًا حاجبيه: معالي الوزير!، دا الموضوع مش سهل، اللي يخلي أم تقول لابنها كدا، يبقي الموضوع أكبر من نسمه قبل ما تخس!

إِفتر ثغر نوراي عن إبتسامة خفيفة، تلألأت الدموع في عينيها وبنبرة مُختنقة رددت: انا عاوزاك تاخد أجازة لمدة شهر علي الأقل، ونرجع الحي انا وإنت وأولادنا، نغير جوا ونكون مع بعض من تاني، انا مُفتقداك يا سليم. حاسة إنك ضايع مني في وسط الزحمه وكُل مادا إيدينا بتسيب وبتبعد.

سالت قطرة دموع علي وجنتها اليُمني، أثارت عباراتها غصة في نفسه، حرك أصابع كفه الأيسر يُزيل عَبراتها بكُل هيام قائلًا: لا عاش ولا كان اللي يبعدك عني، بس غصب عني. يا نوراي اللي انا فيه دا أكبر من تفكير طفلة زيك!، حتى لو شرحت اللي بمرّ بيه، مش هقول إنك مش هتفهميني، ولكن الموضوع فوق قدرات إستيعابك، وانا مُستحيل أربط شُغلي ب بيتي، شُغلي لحد عندك وهيقف. وأوعدك إني هقدم طلب أجازة لرئيس الوزراء ولا يهون عليّا دموعك أبدًا.

نوراي بإبتسامة من بين دموعها: أنا بحبك أوي، لحد أمتي هقولك إنك كُل يوم بتثبت ليّ إني إختارت راجل.
أيه دا، أيه اللي هناك دا؟!
قالها سليم وهو ينظر للبعيد وبدت علي ملامحه علامات الصدمة، فيما إلتفتت هي تنظُر بنبرة مُضطربة: في أيه يا سليم!
باغتها في تلك اللحظه بقُبلة مُشاكسة علي وجنتها، لتدرك هي مُزحته وتبدأ في ضربة ب الوسادة قائلة بغيظ: أنا لو ما خلفت تاني يبقي بسببك.

سليم بنبرة خبيثة: ما تخلفي تاني أزاي دا لسه في (تسعه).
نوراي بشدوه: ليه هتشكل فريق كورة!
سليم بثقة: دا كان إتفاقنا، وبعدين أنا وزير، أعمل اللي أنا عاوزة.

أنهي حديثه ثم مد يده إليها ليقوم بإحتضانها وقد غمس أنفه في خُصلات شعرها، إجتاحها ذاك الشعور الذي يصل إلى كُل ذرة بها في كُل لمسة منهُ، إحتواءًا يزيدها عشقًا لهُ كطفلة قبل أن تكون زوجةً. في حين إمتنعت هي عن الصفح لهُ بما فعله ذاك الغريب معها، فهي تري الهموم قد آكلت روحه ولا تود أن تضمُر نارًا أخري داخله، يكفي أن تتجنبه تمامًا وبهذا ينتهي الأمر، أو كما ظنت هي ذلك...

فُتحت أبواب الشُرفة الزجاجية بخفة شديدة،.

أحدهم يتسحب علي أطراف أصابعهُ للداخل فيجد هذه الفتاه النائمة تنسج خيوط أحلامها في سُبات عميق، أخذ يقترب أكثر فأكثر حتى تقلصت المسافة بينهما، ليجثي علي رُكبتيه في هدوء شديد، لحظات مرّت تراقب هاتان العينان تلك الجميله النائمة، وفجأه إمتدت يدان لتلتقط هذا الكف ذي الأصابع النحيلة وقُبلة طويلة قد طُبعت علي باطن كفها أعقبها قطرات قد بُخت من زُجاجة عطر في مكان القُبلة، بدأت هي تتململ علي فراشها، وبسُرعة البرق عاد هذا الغريب من حيث أتي كعادة كُل يوم...

نظر إليها بنظرات مُتفحصة ليجدها قد غطت في سُبات عميق ومازلت متشبثه بعُنقه، دثرها في الفراش بهدوء ليبسط الغطاء عليها بعدما طالت نظراته إليها وكأنه لا يشبع أبدًا من رؤيتها،.

صدح رنين هاتفة مُقاطعًا هُيامه بها، إستدار بجذعه العلوي ينظُر إلى المتصل، إنتصب واقفًا ومن ثم ذأب في سيره حتى ولج داخل الشرفة ثم أجاب بهدوء: خير يابني، نعم!، نسيت المفاتيح في أودة نسمه!، لحظة لحظة، وإنت كُنت في أودة أختي بتعمل أيه!، إنت إتجننت علي الآخر، ما أنا حذرتك من الموضوع دا، انا لو قبلته مرة ف مش هقبله المرة التانيه، إنت قدامك فُرصة لبُكرا، تاخد قرار وتبلغني بيه. أما ألحق انا أصلح المُصيبة اللي إنت عملتها.

أغلق الهاتف معه علي الفور، مسح علي غُرة رأسه بغيظِ ليكور قبضة يده مُحاولاً التحكم بأعصابة أكثر من ذلك، ذأب في سيره خارج الغرفة، سار في الممر قليلًا لينعطف يمينًا حيث غرفه نسمه، أدار مقبض الباب بخفة. جال ببصره داخل الغرفة باحثًا عن المفاتيح التائهه حتى وجدها مُلقاه أرضًا بجانب فراشها، تحرك يسير علي أطراف أصابعه حتى وصل إليها ليميل بجذعة العلوي للأسفل فيما تابعت نسمه بقلقِ: سليم!، خير في أيه!

إستقام سليم في وقفته بعدما إلتقط المفاتيح، رمقها بنظرة ثابتة بل كانت نبرته أكثر ثباتًا حين قال وهو ينظُر إلى ما بين يديه: مفاتيح عربيتي كانت ضايعة، وانا بدور بالصُدفة لقيتها واقعه هنا في الاودة.
أومأت نسمه برأسها مُتفهمة، فيما تابع سليم بنبرة حاسمة: يالا كملي نومك، تصبحي علي خير!

ترجل عاصم خارج الغرفه يتنفس الصعداء وأخيرًا ولكن داخله يثور مما حدث لينجرف هابطًا الدرج ومن ثم قام بفتح باب اليلا دالفًا لخارجهُ وهو ينوي حسم الأمر الذي طال كثيرًا إما بالإقناع أو البُعد الأبدي...

في صباح اليوم التالي،
هذا اليوم هو المُخصص لزيارة نيروز لزملائها بمؤسسة علاج الداون (نيروز)، فقد تعلقت بهم كثيرًا ووجب علي والدها إصطحابها مرة كُل أسبوعٍ فيما يفعل هو ذلك بكُل حُب، فهي فلذة كبده بل وإبنة نوراي أيضًا.

عَدل هندامة أمام المرآة ليفاجأ بصغيرته تضع كفها الصغير بين كفه، سَعد لتعلقها الشديد به ليقوم بحملها إليه فيما دلفت نوراي تحمل الصغير بين يديها وهي تقول بمرح: يالا يا نيرو علشان نروح ل چينو (چِنان ).
أومأت الصغيرة في سعاده شديده، ليكتنفها سليم بذراعه الذي حاوط كتفها مُتجهيًا ك أسرة رائعة حيث الدار التي أنشأها سليم وقد سماها علي اسم إبنته وفيها يتم تداول العلاج بالمجان...

نورتي بيتك يا ماما، حمدلله علي سلامتك.
اردفت آلاء بتلك الكلمات وهي تتجه ناحية هذه السيده سَكينه التي ظلفت علي الخمسين من عُمرها، تُقبل كفها بإحترامِ شديد فيما تابعت الأُخري بنبرة جامدة: البيت منور بأهله.
إستغربت آلاء نبرتها الجامدة معها، بينما أرشدها زياد لحجرة الجلوس قائلًا بسعادة: وحشتيني جدًا يا أمي.

سَكينه بنبرة لائمة: لو وحشتك فعلًا، كُنت سمعت كلامي وجيت عشت معايا، ولا البندر وبناته أحلي من الصعيد، ما أظنش، ما أديني بتكلم زيهم أهو، وكاني عايشه هنا من سنين سابقة.

بهتت إبتسامة آلاء وزالت عن وجهها تستشعر إهانة بيّنه في أحاديثها، توجه زياد ببصره إلى زوجتهُ وبادلها إبتسامة حانية، أومأت آلاء برأسها في خفة، وفي تلك اللحظه جاءت ورود لتمد يدها إليها قائلة بنبرة طفولية رقيقة: أزيك يا تيتا سَكينة!
جدحتها سَكينة بإستخفاف ثم قالت ببرود: تيتا!، أهلًا يا وردة.
ورود وقد لوت شفتها بزعل: اسمي ورود كتير مش وردة واحدة.

سَكينة تتجاهل حديث الصغيرة: البيت متغير عن أخر مرة جيت فيها، إنت بتصرف كُل فلوسك علي الكلام الفاضي ديه!
تنحنح زياد قليلًا ثم تابع محتفظًا بإبتسامتة: التجديد مطلوب بردو يا أمي، ولو مش هصرف علي بيتي، هصرف علي مين. يالا يا آلاء خلينا نحضر الغدا. زمان الحجة جاعت.

أومأت آلاء برأسها في ثبات، سارت أمام زوجها بهدوء فيما يدفعها هو من ظهرها بخفة حتى دلفا داخل الطبخ، مسح علي وجهه بإرهاقِ ثم قال ينظُر إلى بؤبؤي عينيها: آلاء، أوعي تزعلي حبيبتي، أمي ولازم نستحملها، وإنتِ عارفة إنها متأثرة بوفاة أبويا الله يرحمه.

آلاء وهي تبادله إبتسامة حانية: الله يرحمه، وانا مش زعلانة صدقني. يالا بقه نحضر الغدا سوا ولا بتتهرب!
زياد بضحكة حانيه: لأ طبعًا، أنا تحت أمرك يا باشا.

إنتهت نيروز من زيارة صديقاتها بالمؤسسة، لتبدأ في إتمام جلستها مع الطبيب المُتابع لحالتها، حيث جلس سليم أمام المقعد المُقابل لمكتب الطبيب، فيما جلست نوراي في المقعد المُقابل لهُ، تنحنح الطبيب في باديء الأمر ثم إنتقل ببصره ناحية سليم ليقول بنبرة مُضطربة: في الحقيقة يا معالي الوزير، نيروز ما شاء الله عليها، ذكائها فاق كُل أطفال الداون، ودي حاجه من الصفات النادرة في أطفال الداون وبتبقي 90% موروثه عن الآباء، النهاردة التدريب هيبقي مُختلف شوية ومحتاجين مساعدة حضرتك والمدام.

جدحهُ سليم بترقبِ، اومأ رأسه بخفة ثم قال راغبًا في الشرح: مساعدة من أي نوع!

الطبيب بإستكمال: التدريب دا هيقوم علي مبدأ التمييز والميول، واللي هو هل حالتها تطورت لدرجة إنها دخلت في مرحلة الإنتماء والميول، ودور تمييز الأصوات قدر يمُر عبر إشارات المخ بدون أي معوقات، فالطفلة في المرحلة دي، بيكون أحسن نموذج نقيس عليه الميول هو الأب والأم، لأنها أكيد بتميل أكتر لحد فيكم وهنربط دا بمجموعة صور هتكون موجودة علي تي شيرتات مختلفة هتلبسوها وهنقدر من خلالها نعرف دافع الميل عندها بيتغلب علي التمييز أو العكس. وأنهي اللي إتعزز أكتر عندها.

سليم بتفهمِ: تمام جدًا، انا ليه حاسس إنك مصعب الأمور!
الطبيب بإحترام وافر: فكرة إني أطلب من حضرتك، طلب زيّ دا كانت مخوفاني، يعني تلبس تي شيرتات وتتعب معانا لمدة ساعة تدريب.

سليم بإبتسامة بسيطة: أولًا دي بنتي، ثانيًا إنسي إني وزير وانا مع مراتي وأولادي او حتى إني صاحب المؤسسة دي، انا هنا واحد بيعالج بنته وبس.
الطبيب بتفهم: اللي تشوفه يا فندم.

في تلك اللحظه قطع حديثهم صوت صرخات تأتي من خلف هذا الباب المُغلق، ذأب سليم في سيره للخارج وكذلك تبعته نوراي وأيضًا الطبيب، ليجدوا شابًا في الثلاثين من عُمره، يصرخ في بعض العاملين بالمؤسسة وفي نبرتة كلمات تهديدية بالغة، أسرع سليم ناحيته ثم هتف بالجميع للعودة إلى العمل، ليلتفت مجددًا إلى هذا الشاب وبنبرة ثابتة تابع: خير يا أستاذ!

إبتلع الشاب ريقه بصعوبة، عندما وجد سليم النجدي بشحمه ولحمة يقف أمامة، ولكنة فجأه تناسي ذلك واستحال حال وجهه للصرامة والثبات قائلًا: انا مش هسكت عن المصيبة اللي بتحصل جوا المؤسسه دي أبدًا. هو علشان حضرتك وزير تتاجر بأرواح الناس.

رفع سليم جانب فمه قليلًا في تعجب من حديثه، عقد ذراعيه أمام صدرة وبنبرة ثابتة قال: وهو أيه بقه اللي حصل بالظبط!

الشاب بإنفعال خفيف: انا طبيب جراح، وكُل يوم يوصلني طفل هنا من المؤسسه مع واحد من الأغنيه اللي ميعرفوش ربنا، علشان أعمل جراحه وأنقل عضو من طفل الداون لأبنه او بنتهم اللي بيعانوا من ضمور في العضو دا عندهم، وطبعًا بياخدوا الأطفال دي من هنا، علشان يعالجوا أولادهم علي حساب أطفال زيّ دول أبرياء ومُغيبين، بتستغلوا طفل مُغيب وتبيعوه لواحد غني، إنتوا ما عندكم دين!

ضغط سليم علي عينيه في ألم، ما قاله هذا الطبيب أضمر النيران داخله لتظلم بؤرة النور التي كانت تسكن روحه، فتح عيناه من جديد ثم تابع بهدوء علي غير عادته: إنت عرفت منين إن الأطفال دي، من المؤسسه هنا.
الطبيب بثبات: راقبت الحالات.
سليم بإنهيار داخلي: طيب ممكن تكون عندي بالليل في اليلا، علشان نعرف نتكلم!، لازم تيجي. إحنا لازم نتكلم.

الطبيب بعبوس: وحضرتك يا معالي الوزير بالسهولة دي هتقابل مواطن عادي زيّ وكمان في بيتك العظيم!

سليم بإنفعال خفيف: إتفضل أمشي، ونفذ اللي قولت لك عليه.
وبالفعل إنصاع الطبيب لكلامه، بدأ الألم والصداع يرُجان رأسه رجًا، أسرعت نوراي إليه تسندهُ من ساعدة خوفًا من أن يختل توازنهُ، فيما تابع بهدوء: يالا نمشي حالًا يا نوراي.
نوراي بنبرة أشبه للبُكاء: ح حاضر بس أهدي علشان خاطري، أهدي يا سليم، الله يخليك.

أخذت تتملل في الفراش، فقد أطالت الغُفوة هذه المرة، بدأت في لم خُصلات شعرها المفروده علي ظهرها، لتتسلل رائحة تعرفها جيدًا وتخترق أنفها الصغير، وعلي الفور قربت قبضة يدها تشتمها، أخفق قلبها بشدة دب الرُعب إلى أوصالها لتردف بنبرة مُضطربة: أيه اللي بيحصل ليّ دا، في حاجه مش طبيعية بتحصل هنا.
وفجأه سمعت صوتًا صغيرًا يظهر من أسفل فراشها يهتف بمشاكسة: صباح الخير يا ماما نسمه.

عاااااااا، حراااام عليك يا رامي، هو انا نقصاك.
قالتها نسمه وهي تنظُر له بفزعِ فقد تجمدت الدماء داخل عروقها لوهلة، بينما تابع رامي بقهقه عالية: إنتِ نمتي كتير، ف قولت أصحيكي علشان نلعب سوا.
نسمه وهي تلتقطه إلى أحضانها: تعالي يا قرد صغنن، إنت الوحيد اللي مسموح لك تدخل الأودة هنا، وطبعًا نوراي علشان مافيش حد بيعرف يوقفها، المهم صباح الخير جدًا يا عم روميو.

أوقف السائق السيارة في جراچ اليلا، ترجل سليم خارجها بسرعة رهيبة. فيما تابع رمضان هذا المشهد الغير مألوف عليه في إستغراب ثم إتجه صوب نوراي التي ترجلت هي الأخري من السيارة حيث تابعت متوجهه بحديثها إليه: لو سمحت يا رمضان خُد الأولاد علي أودتهم، وبلغ أنهار تاخد بالها منهم.

أسرعت للداخل عقب إنتهاء حديثها، هرولت صاعدة الدرج تدعو الله أن يهدأ مما هو عليه، وما أن وصلت إلى غرفة نومهما حتى سمعت أصوات لأشياء تتحطم دون توقف، دلفت علي الفور لتجده يصرخ بأعلي صوت لهُ:
حتى الأعمال الخيرية حولتوها لتجارة في أرواح الناس يا أوساخ، انا تعبت. تعبت من كمية القرف والفساد دا.

هرولت نوراي إليه، ظلت تضغط علي ذراعيه ليتوقف، أجهشت بالبكاء في تلك اللحظه فقد إنهار كُليًا، وأثناء محاولاتها المُضنية لإيقافه سمعت صوت أقدام تقترب أكثر، وهنا هرولت ناحية باب الغرفة ثم أحكمت غلقه بالمفتاح، فلن يحصل ويحدث أن يري احد زوجها علي هذه الحالة سواها، عادت إليه من جديد وأخذت تصرخ به ان يتوقف فقد نزفت يده ُاليمني، حيث تابعت بصراخ باكي: كفايه، علشان خاطري كفاية، وحياة عاصم ونيروز كفاية. إهدا حبيبي، إهدا.

وضع سليم رأسه المتألم بين كفيه بعد أن هاجت الفوضي في أرجاء الغرفة، فيما أسرعت هي تحتضنه ك طفلها الصغير، تقبل جبينه وجعًا علي حاله، أخذت تربت علي ظهره تسأله أن يهدأ، بينما خارت قواه ليجلس أرضًا ومازالت هي تحتضنه، ليقول وقد أطلق لدموعه العنان: انا عملتها علشان أعالج الناس المحتاجين، مش اتاجر في أرواحهم!، انا ليه كُل ما بسعي للخير بيتقابل بالشر، هعالج أزاي كُل النفوس المريضة اللي حوليا دي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة