قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث عشر

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث عشر

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث عشر

كُممت الأفواه وسالت الدماء هدرًا، ليتحول الحلم إلى كابوس هو عنه أغني، صارع ليفيق قبل أن ينسي مسعاهُ وتجرفه الرياح نحو ما هو مُعاكس لمبادئهِ، صراع الحُب والحرب وجبروت إمراءه ضلت طريقها نحو الثبات وأرغمها قلبها أن تستسلم له، تدور الدائره حول نقاط ضعفهما، تعاضدا فيما بينهما ليحدث الوئام بعد تشارسٍ، والرُكن الأجمل في قصتهما؟ أنهن دائمًا يُرددن هو ليّ ولهن منه السراب .

فلنبدأ لتونا مرحلة جديده في حياة معالي وزير الثقافة سليم النجدي. شاب أرهقته الحياه أملًا في أن يستسلم لها، هتفت به أن يرضخ لها، يحذو حُذوها، يسير علي منوالها، يتلوّن وفق كيدها، عاندتهُ بصلابة أدمت روحه وقلبه، ظنت بأنه في رحلة الاستسلام. فهل سيعرف للاستسلام طريق، أم أنه ضله مُنذ عهد؟!

أخيرًا وقعت تحت إيدي؟!
قالها بصوتِ غليظا وهو يضغط علي اسنانه حتى كادت أن تتهشم لكسيرات صغيره، مال ب بنيانه القوي ثم استند علي ساعده وقرب رأسه من سليم ليطيح برأسه إطاحة قوية أجبرته علي أن يفقد وعيه.

تجهمت معالم وجهه من جديد، إقترب من الشاب ليلبس قفازًا بلاستيكيًا ومن ثم أخرج السكين من جسده، إلتفت ناحيه سليم ثم أمسك راحته بعُنف وقام بوضع السكين بها وهو يبتسم بشر وقد أتم مخططه الذي اُعد من قِبل أمجد العزالي، ف أمجد هو من دافع عن عزيز المرشود حتى تمكن من جعل القضاء يطلق سراحه وكذلك بعد أن إعترف كمال بأنه المسؤل عن كُل شيء بوعد من عزيز بأنه سيكون خارج السجن قريبًا...

مسح سليم علي رأسه وكاد الصداع أن يفتك به وهو يتذكر ما حدث له وظهور عزيز المرشود بعد فترة طوبلة للانتقام!، قام عاصم بإصطحابه إلى المنزل حتى ترتاح روحه وجسده قليلًا فيما بقي ماجد ورجال سليم في حراسة الضابطين. تنهد سليم بآسي، أسند ظهره إلى وسادة قُطنية عريضة وقد خاصم النوم جفنيه ليلتفت إليهم،.

صدرت منهُ نظرات هادئه، حينما وجدها تحتضنه بذراعها وتضع رأسها علي صدره وقد راحت في سُبات عميق وكذلك طفليه الراقدين إلى جانبهما. بدأ يُمرر أصابعه بين خُصلات شعرها الحريريه لطالما يُخبرها دائمًا بأن خُصلاتها عالمه الأوحد والأنقي، ما أن تلمسه أصابعه يروح ويغدو علي أرجوحة داخل حديقه تُبهر روحه ك طفل في عُمر الخامسه...

أحس بألم إحتل صدره لينتقل إلى وِجنتها ماررًا بأصابعه عليها، يُفكر لوهلة. كيف سيحمي وطنه الصغير من أعدائه!، ف الوطن لا يُهان ولا يُهجر ولا يُستذل ولا يُقهر. ف الوطن هو نوراي. كيف سيحمي عينيها من دموع تشق قلبه نصفين قبل أن تشق طريقها علي وِجنتيها، لمن سيتركها إن أصابه مكروه؟، لا يقلق علي نفسه. ولكن من سيحميها بعدهُ من ذاك الذي ينظُر لها بعين الشهوة في وجوده!، كيف ستُلاقي بعد أن يذهب لعالم آخر. تقتله الفكرة!، يشعر بثقل يمنعه من التنفُس الحُر...

أطال النظر إليها قبل أن ينزلق بجسده حتى اصبح بمُحاذاة جسدها أو يقل ليقوم بدس وجهه بين أحضانها، ضاممًا كفها بين راحتيه وبنبرة مُرهقة تابع: هحميكي أزاي يا نوراي؟ طيب وولادنا؟!، يعني مش هنعيش مع بعض الحياه اللي طول عُمري بتمناها! لو جرالي حاجه يا نوراي، أوعي تكوني لحد غيري. أوعي تنسيني!، كان نفسي اللي بينّا يكون أطول من كدا، كُنت عاوز أولاد منك أكتر وبنات، كُنت عاوز أعجز معاكِ. بس انا قررت إني مش هستسلم للحياه وطبعًا تمن عنادي (الموت ).

شعر في تلك اللحظه بقطرات مياة تسقط علي راحته، وعلي الفور رفع بصره إلى وجهها ليجدها مُغمضة العينين، تنتحب بلا صوت وتسيل الدموع علي وجنتيها بلا توقف. رمقها بعينين مصدومتين. أتكون قد سمعت ما قاله؟ بالتأكيد نعم وإلا لماذا تبكي؟ أم أنه مُجرد كابوس رأتهُ ف نتج عنه البُكاء؟

نوراي؟!
قالها بنبره أكثر إحترازًا، وَد لو كان الخيار الثاني. فهي صاحبة قلب ضعيف وما قالهُ لن يزيدها إلا إنهيارا. ولكن شكوكه تأكدت حينما وجدها تقول بصوتِ مبحوح هزيل: ياريتني ما فتحت قضية ماما ولا عرضت عليك الفكرة. ياريتك لسه مُجرد سواق بيحاول يفرح أمه وأخته. أقولك حاجه كمان؟ ياريتك ما عرفتني، ما كانش ساعتها دا كُله حصل.

أجهشت في البكاء بنبرة مُنهارة عقب انتهاء حديثها. عَدل وضعية نومه للجلوس. ليهتف بها في قوة وهو يقبض علي ذراعها حتى جلست أمامه...

بصي يا بنت الناس!، الفترة اللي انا داخل عليها عاوزة قوة أكبر من قوة العرب لو اتحدوا. الفترة اللي جايه انا هكمل فيها وهعرف أرجع حقي ولو مُت قبل ما أرجعه، هتحمي ولادي وتحافظي عليهم. تبعدي عن أي شر ممكن يصيبهم. إنتِ مستحيل تدخلي جوا اللعبة القذرة دي. وأوعي يا نوراي ضعفك يوصلك إنك ترضي بحاجه انتِ مش عوزاها أو هتكسرني! لو بتحبيني أوعي تكسريني. انا قدمت لك عُمري كُله ولو الزمن رجع بيّا تاني هقدمه لك تاني. علشان انا عارف مين هي نوراي!، بس إنتِ وقت ضعفك بتبقي لعبه بسهولة أي حد يحركها، أنا عاوزك وقت ضعفك تبقي مرات سليم النجدي، وصدقيني هتنجحي. فاهمه؟

نوراي ببكاء: حاضر أوعدك وقت ضعفي هكون مرات سليم النجدي.

في صباح اليوم التالي،
لا يا فندم عاصم بيه لسه ما رجعش من الحي القديم ب شُبرا.

أردف الخادمة بتلك الكلمات في ثبات، وهي تقف أمام فؤاد الدالي لتفسح له الطريق عندما دلف هو لداخل القصر يضرب كفًا بالآخر، فما سمعه بالتلفاز ليلة أمس أقلقه بشدة والهاتف الخاص بكليهما مازال خارج نطاق التغطية. إلتقط هاتفه ليُجري إتصالًا آخر ك محاولة باءت بالفشل ك العادة وهنا تابع بغضب خفيف: الولد دا ناوي يجنني هو وصاحبه!، لا حول ولا قوة إلا بالله. دي أوقات يقفلوا فيها تليفوناتهم!

الخادمة بتوترِ: اتفضل يافندم إستريح!، تحب تشرب أيه؟
فؤاد بإعتراض هاديء: لا، ميرسي. همشي.
مشي خُطوتين للأمام ثم وقف مكانه مُجددًا ليرفع بصره ناحيه الطابق الثاني، فيما رمقته الخادمة بإستغراب قاطبه بين حاجبيها.
انحرف بخُطواته ناحية الدرج قائلًا بإيجاز: انا في أوضة إلهام هانم.

صعد الدرج بخُطوات وئيدة لم يرها مُنذ أعوام، وقف قبالة الغرفة مستطردًا بذهنه لوهلة عن حالها وردة فعلها من رؤيته وبحسم طرق علي الباب بخفة ومن ثم فتحه ببُطء ليجد تلك السيده التي يعرفها عن ظهر قلب، عاش معها سنوات الحُب والحرب والانتقام ولكنها كانت ذات وجه قاس، كئيب، شيطاني. ولكنه يجد الآن وجه مال بقوة للوداعة والاستسلام، تتأمل حال النجوم وقد ألقت بذراعيها جانبًا، غير عابئه بما يحدث من حولها وكأن دورة حياتها تراجعت لأولي مراحلها، وبالفعل هذا ما حدث...

تقدم بخُطواته للداخل ومن ثم إستدار ليقف قبالتها مُباشرةً، إِفتر ثغرهُ عن إبتسامة صافية فور رؤيتها، لم يكُن يصدق انه سيبتسم مرة أُخري عند رؤيتها، نحت ببصرها إليه وقد أسبل جفنيها قليلًا لتبادله نفس إبتسامته فيما تابع هو بنبرة هادئه: أزيك يا إلهام؟
هزّت رأسها عدة إيماءات خفيفة وقد لاحظ.

إغروراق مُقلتيها بالدموع ليردف باستطراد: بقالنا كتير ما اتقابلناش. مش عارف رجلي خدتني لحد هنا ليه؟!، بس كويس أهو اتطمنت عليكي، أستأذنك.

وقبل أن يواليها ظهره، وجدها تهوي عن مقعدها أرضًا، حاولت جاهدة بل وبكُل ما أوتيت من قوة بأن تقترب منه فيما إتجه إليها بقلق قائلًا: ليه عملتي كدا؟
أسرعت بالقبض علي ساقيه لتستند برأسها إليهما وبنبره عاجزة أخذت تصرخ بدموع جارفة مزقت قلبهُ إربًا إربًا فيما جلس هو علي رُكبتيه أمامها لتسقط عَبرة من عينيه قائلًا: مسامحك يا إلهام ومن زمان أوي.

أنا ماليش دعوة بكُل دا. رجعوا ليّ أبني! حرام عليكم، إنتوا قاعدين مستنيين أيه؟، سايبين قاتل ابني برا السجن ليه؟ انا مش هرتاح إلا لمّا يتعدم قدام عيني.

أردفت والدة شادي عبد الحفيظ (المجني عليه)، ابن أكبر رجال الأعمال بهذه الكلمات بعد أن أنهارت كُليًا فوق مقعدها امام ضابط القسم فيما ربت زوجها علي كتفها ليُهدئها مما هي عليه ليتجه ببصره إلى الضابط قائلًا:
ايه الإجراءات اللي المفروض تُتخذ دلوقتي يا حضرة الظابط؟

الضابط بجدية: القاتل اللي بتتكلم عنه المدام حسب شهود العمارة يبقي وزير يافندم!، مش مُجرد مواطن عادي هنروح نقبض عليه من بيته وياخد إعدام يعني لازم يكون مقدم إستقالته أصلًا، قانون مُحاكمة الوزراء اتلغي من سنه 58. والأهم إنه علشان يتقبض عليه ويتحاكم لازم التُهمه تُثبت عليه ببراهين ودلائل لا غُبار عليها.

والدة الشاب بنبرة عالية: وإعتراف سُكان العمارة بأنهم شافوه وهو داخل الشقه. دا مش دليل؟
الضابط بنفي: لا مش دليل. حتى السكين اللي اتقتل بيها المجني عليه مفقودة وكمان الظابطين اللي كانوا بيحققوا في القضية، بس اللي انا عاوز اعرفه. ابنكم كان بيعمل أيه في شقه واحد غلبان وعنده بنات؟

الرجل بحيرة: مش عارف.
أومأ الضابط برأسه في ثبات وراح يقول بنبرة مُتأففة: في حلقات مفقودة، القضية دي هتتعبني جدًا، بس ل كُل حاجه نهاية أكيد.

مش مصدق إن جنبك حد غيري مش انا. وإني ماشي خلاص وسايبك بعد عشرة كام سنه. لكن الغلطان مش إنتِ، وإنتِ ذنبك أيه ما انا اللي ضيعت حبيبتي بس يعلم ربنا، جاي وكُلي شوق لحُضنك بعد ما أتأكدت إنك ليكي حق وكُنت ظالمك وإني عُمري مالاقي زيّك. جاي بحُب الدُنيا ديا. جاي ومادد لك إيديا. بس بعد أيه ما خلصت حُضنك إتحرم عليا.

قفز من نومه يلهث جالسًا في فراشهِ، أخذ يلفظ إسمها بنبرة خفيظة عدة مرات فقد أرهقهُ هذا الحلم بوضوح مما جعله يجوب بعينيه داخل الغرفة بحثًا عنها، ليستقر كُلًا من عينيه وأنفاسه إبان رؤيتها تزيح الستار وهي تدلف داخل الغرفه لتتلاقي أعينهما.

أخذت ترمقهُ بإستغراب من نظراته لها. أشاحت بوجهها بعيدًا عنه لتجده يردف بنبرة لاهثه بعض الشيء: كان حلم وحش أوي.
إلتفتت إليه نسمه بثبات خال من أي فضول ظهر في نبرتها: خير إن شاء الله؟!

عاصم مُدققًا في ملامحها: كُنتِ في الحلم مش مِلكي. كُنتِ ماسكه في إيد واحد تاني، بس ما كُنتيش فرحانه، وفجأه لقيت أُغنيه حمادة هلال بيتردد صداها في الحلم، وكان نفسي بيروح كُل ما كانت بتعلي. أنا مُتأكد إن مش هييجي أبدًا اليوم دا. اليوم اللي لمستك تبقي مُحرمة عليّا. ولا إنتِ أيه رأيك يا نسمه؟!

نسمه وقد عقدت ذراعيها أمام صدرها: أنا سبق وقولت لك، إني مش حكر عليك؟!، ومن حقي أحب واحد مش هيخدعني زيّك، تأكد تمامًا إن اليوم دا هييجي.

انتصب واقفًا أثر حديثها. تأجج شعوره ألمًا ليصر بأسنانه في حنق بَلغ أقصاهُ وهنا قبض علي فكها بشراسه وراح يعود بها للخلف حتى أستندت بظهرها إلى الحائط فيما ضغط بقوة علي فكها قائلًا: وياتري اللي هتختاريه دا هيحبك قدي؟! شكلك بتحني لأيام عاصم القديم؟!

ارتاع قلبها هلعًا من صراخه بها، إبتلعت غصه في حلقها وراحت الدموع تسقُط من مُقلتيها ناظره داخل عينيه مُباشرةً فيما تابع عاصم بحده ولهجة آمرة: ما تعيطيش وانا بكلمك.
إزدادت دموعها إنهمارًا ليهتف بها مُجددًا: بقولك ماتعيطيش.

نسمه بخوفِ: أمال المفروض أعمل أيه؟، وانت بتفكر تضربني! انا عُمري ما خوفت من عاصم القديم، انا حبيته وبس. أنا عُمري ما خوفت منك، أنا اللي أخاف منهُ ببعد عنهُ، ودا فعلًا اللي إنت نجحت فيه دلوقتي، انا خوفت منك. مش هكذب انا لحد دلوقتي خايفه، قلبي في اللحظة دي بيدق خوف مش حُب. طلقني؟!

أخذ شهيقًا داخله ومن ثم سحب ذراعه عنها، رمقها بنظرة صلبة ك قشرة البيض، إن إنكسرت هذه القشرة الخارجية فُضح ضعفه من غيابها ولهفته ل قُربها السابق. عاصم بتحدِ: مش هطلق.
نسمه بتحد أكبر: هرفع عليك دعوة طلاق.
عاصم ببرود: هاقول لهم. ما كانتش بتديني حقوقي!، وساعتها ولا ألف دعوة طلاق هتنفعك.

إقتربت منهُ نسمه أكثر، أخذت تنظُر داخل عينيه بقوة. لتقول بنبرة غاضبة: انا واقفه قدامك أهو. خُد حقوقك، مش همنعك. انا عارفة إن دا اللي إنت عايزه، بس هتطلقني بعدها؟!

رمقها بنظرات يتطاير منها الشرر، وما أن أنهت آخر كلمة لفظتها حتى وجدت صفعة قوية تُداهم وِجنتها ليردف بنبرة قاسية:
أنا كُنت عاوزك أُم ل أولادي مش للمُتعة!

ذأب في سيره خارج الغرفة ومن ثم صفق الباب خلفه لينتفض جسدها فزعًا، وضعت يدها علي فمها مُحاولة السيطرة علي نفسها، أستحقته وبشدة. لا تلومه أبدًا، كيف تجرؤ علي نطق ذلك، لقد جُنت تمامًا، أجهشت بالبُكاء خالطه صرخات متوجعه منها، هوت إلى الأرض جالسه علي رُكبتيها أخذت تُردد بذهول ونبرة مُنهارة: كُنت؟، يعني أيه كُنت؟ أيه اللي أنا قولته دا؟! عاصم لو سمحت ما تمشي؟!

مين قال إني قتلته؟!، وأيه الثقة دي يا رائف بيه! لو بتكلمني عن إستقالتي ف أنا مش هقدمها إلا وقت ما أنا أحب. ولو عاوزين تجبروني أستقيل، تمام؟! قدموا دليل قوي ضدي! إنت ورجالتك قتالين القُتلي. سليم النجدي ما بتكسرهوش الظروف، وهفضل بالنسبه لكم دايمًا المتاهة اللي مش قادرين توصلوا لحلها.

قالها سليم وهو يقف في شُرفة غرفته بعد أن استقبل إتصالًا من رئيسه يأمرهُ بتقديم إستقالتهُ لبدأ إجراءات التحقيق معه وخاصة بعد صدور قرار من النيابة العامة لحبس سليم النجدي بعد استقالته (خمسه عشرة يومًا) علي ذمة التحقيق إعتمادًا علي أقوال الشهود...

رائف بثبات: أنا مش بتهمك بالقتل يا معالي الوزير. بس إنت مُتهم في قضيه قتل بعد ما صرح أهلي البنت إنك مالكش أي دخل بالإعتداء عليها، لكن أهل المجني عليه بيتهموك إتهام صريح.

سليم بتهكم: عال أوي. ولحد بقي ما البنت تفوق وتلاقوا دليل ضدي، انا هفضل حِمل تقيل عليك إنت وأمجد. صحيح أبقي بلغه الجُمله دي الطوفان ما بيعرف جاه ولا سُلطة، حاسب ل تغرق.

قام سليم بإغلاق الهاتف دون أن ينتظر رده، زفر زفرة عميقة ليجدها تُتابع بنبرة هادئه بعد أن وقفت إلى جانبه: بردو مش هتقدم إستقالتك؟!

لو المظلوم أضعف من أنه يدافع عن نفسه وحقه، يوكل ربه. ولو قادر ياخد حقه، ف لازم ياخده بالعقل علشان الطُرق الغير قانونيه هتحوله لظالم والسلسلة هتكبر. وفي لحالتين حقه هيرجع له. انا هقدم إستقالتي، بس مش هدخل السجن ظُلم، في خطة في دماغي أول ما أنفذها هقدم إستقالتي، وعلشان انا صاحب حق، عُمرهم ما هيلاقوا دليل ضدي.

مرّ أسبوع كامل، جرت فيه كُل التحقيقات في قضية ابن رجل الأعمال، وكذلك البحث المتواصل عن الضابطين المفقودين. إستبدل سليم إينذاك خطتهُ بآخري، عادوا جميعًا للقصر. حينما ذهب دون سابق موعدًا ل تقديم إستقالتهُ، أحس بأن جبل الهموم الذي أحني كاهله قد إنزاح ورحل، أصبح حُرًا. شخصًا عاديًا أو هكذا ظن. لَم يكُن يعلم بأن هدفه لتغيير بلاده بهذه الصعوبة. شتان بين فرد وعُصبةً. وصل حلمه للنهاية، وصل ولكن بنتيجة سلبية لا تحمل أي تغيير...

علشان خاطري، خليني معاك. هروح معاك في أي مكان هتروحه يا سليم، مش هسيبك مهما رفضت إنت دا.

أردفت نوراي وهي تصرُخ به في بُكاء عندما بدي مُستعدًا ل خطته الجديدة عندما عرض عليه رمضان عرضًا لَم يخطر بباله أبدًا. أمسك سليم حقيبته بين قبضته وبنبرة حانية تابع: أفهميني يا حبيبتي، المكان اللي انا رايحه دا. مش راس البر ولا حتى حي شُبرا البسيط، دي منطقة اسمها حي الضباع، أوسخ مكان ممكن تروحيه. قتالين قُتلي وتُجار ممنوعات و قُطاع طرق وحراميه!، يعني مُستحيل تروحي هناك. انا لو مش مُجبر، عُمري ما كُنت هروحه، بس دا المكان الوحيد اللي البوليس مش بيقدر يقرب منهُ علشان أصحابه مُسجلين خطر.

نوراي بخوف أكثر: وأيه اللي يخلي رمضان عايش بين الناس دي؟!، وبعدين إنت بتقنعني بكلام يخوفني. بلاش يا سليم تروح المكان دا. ما توجعش قلبي عليك.

سليم وهو يضع وجهه بين كفيها: والله العظيم مُضطر، انا ماشي وسايب روحي هنا. أوعي تقلقي عليّا. خلي بالك منك ومن ولادنا واتطمني القصر متأمن ب رجالتي، والقضية واللي بيحصل مش هيطولكم. أول ما هثبت برائتي وأجيب حق البنت هرجع علشان نعيش من غير أي خوف ولا قيود. الحياه اللي رسمناها انا وإنتِ! عاوزك تجيبي خط جديد علشان هكلمك كُل يوم منه، والمنطقه اللي هروحها مش بعيد عن هنا كتير. يعني انا جنبك وأمانك حتى لو بعيد.

قطع حديثهما صوت عاصم وهو يهتف به قائلًا: أبقوا إتكلموا بعدين يا سليم، يالا!
سليم وهو يلتفت له وبنبرة هادئه تابع: نوراي وولادي وأمي أمانه عندك يا عاصم لحد ما أرجع.
عاصم بإبتسامة هادئه: إنت مش مسافر يا سليم، بكتيرك أوي شهر وانا معاك وكُل الحقيقة هتظهر إن شاء الله.

سليم بتنهيدة حارة: يارب.
قام سليم بتقبيل جبينها قُبلة حارة، وكذلك قَبل طفليه بإشتياق ولوعة ومن ثم إتجه بصُحبه عاصم وكذلك رمضان الذي قرر أن يستضيفه داخل بيته ب حي الضباع، ل فترة ما لحين إثبات براءته وكي يكون بعيدًا عن أنظار الشُرطة...

هرولت نوراي ترتمي بين أحضان نسمه التي ظلت تربت علي خُصلات شعرها مُظهره أسفًا لحال صديقتها ف لو كانت مكانها ل إنهارت، شهقت نوراي بصوتِ عال قائلة: سليم سابني ومشي يا نسمه. روحي بتروح مني. الدُنيا ضلمت في وشي، هو نوري يا نسمه انا حاسه إني بقيت عامية. الاحساس دا وحش أوي.

نسمه ببكاء أجهد نبرتها: إهدي يا نوراي. مش هيبعد عنك كتير. استحملي شوية علشان ترتاحوا بعد كدا.

علي الجانب الاخر
ولا جنس مخلوق يُدخل البيت دا أبدًا، سواء كان راجل أو ست. الهوانم لو إحتاجوا حاجه أي حد فيكم يُخرج يجيبها. ولو حصل وشخص أصر يقابل حد من أهل البيت. تبلغوني بهويته الأول. تكونوا موجودين بالتناوب. حدود الخطر عليهم تقف عند حدود السور دا؟!

أنهي سليم حديثه مع رجاله بنبرة صارمة، فيما أردف الجميع في آن واحد: اللي تؤمر بيه يا باشا...

يا بيه، هي دي الحقيقة. سليم باشا جاب ليّ شقه أتأوي فيها انا وبناتي ومراتي لمّا بيتنا إتهد وفضل واقف جنبنا. ابن حلال يا بيه ما يقتلش. هو جه بعد ان ما كلمت نذير باشا اللي بيشتغل معاه، وبنتي كانت في الشقة من ساعه سابقة.

أردف والد الفتاة شارحًا ل الضابط المسؤل عن القضية (آدهم )، فيما تابع أدهم قائلًا بإستفسار: والناس اللي طردوك من الشقه دول. ما شوفت حد منهم؟!
الرجل بنفي: لا يا بيه. كانوا مغطيين وشوشهم، وواحد منهم بس اللي كان بيتكلم.

آدهم بتساؤل: والولد اللي اتقتل دا كان فين؟!
الرجل بتأكيد: كان مع الناس يا بيه، كان بيتكلم بطريقة غريبه. بس كان باين انه صاحبهم، مش مُجبر عليهم.

آدهم بإستغراب: وبنتك فاقت من الغيبوبة؟!
الرجل بحُزن: لا، يا باشا. ربنا يتولانا برحمته.

بسطت الغطاء علي صغيرتها بعد أن تأكدت من نومها، تحركت بخُطي وئيدة ناحية الصوفه القريبه من الفراش ثم ألقت بجسدها عليه لتضع وجهها بين قبضتيها. فقد أقسمت علي هجر غُرفتها لحين عودته، أخرجت زفيرًا حارقًا.

تلألأت الدموع في عينيها، وما أن إمتلأت مُقلتيها حتى فاضت الدموع للخارج وهنا قطع شرودها في حبيبها المكلوم من ضيق الحياه به، نظرت إلى شاسة الهاتف لتجد رقمًا غير مدونٍ لديها، تهللت أسارير وجهها فهي تنتظر إتصاله من شريحته الجديده.

في تلك اللحظه ضغطت زر الرد ثم تابعت بلهفة: حبيبي.
أجابها صوتًا غليظًا يقول بنبرة تشف: ياريت!، بس الجميل يرضي!
فغرت فاهها في ذهول، تنحنحت بثبات قبل أن تُتابع بإنفعال: ربنا ياخدك يا حقير، إنسان براس كلب.
أمجد ببرود ونبرة فظة: بقولك أيه يا حلوة!، أنا عندي الحل اللي هيخرج جوزك من كُل اللي فيه دا.

نوراي بتركيز وودت لو تصل منه إلى شيء: أيه الحل؟!
أمجد بنبرة خبيثه تعبق بحرارة عميقة: إنتِ،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة