قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل الأول

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل الأول

رواية هو لي الجزء الثاني للكاتبة علياء شعبان الفصل الأول

هو لي 2ّ. الحلقه (1)، بين مدّ وجزر.

إرتوينا من الأحاديث حد الجشأ، ومن الأفعال نتلهف عطشًا، أضنانا الفراق حد الكلمٍ ومن النسيان لا نبغاهُ مسارا، نستغيث ألمًا باحثين عن المفر رغم أن مُسكن آلامنا قد يكون في النسيان. هي حقيقه بحاجةً إلى التعزيز، ولكن قد يكون هذا التعزيز في حد ذاته إثم، لأن من نرغب بنسيانهِ، أهدانا حُبنا لا يموت مع الزمن، لا يموت البته، فقط كُل ما بي ينهار مُنذ أربعة أعوام وبقي الصمود لجسدي .

أنهت قراءة هذه السطور المدونه داخل ورقه مُلقاة في زاوية من الغُرفة بعد أن قامت صاحبة الغُرقة بالضغط عليها بين قبضتها حتى إنكمشت، إنتصبت نوراي واقفه وظهر علي وجهها شبح إبتسامة تحمل في طياتها قدرًا من الإشفاق علي حال صديقتها المكلومه والتي تنزف من جروح حُبها الذي دار عليه الزمن ومضي ولكنه لم يمض داخلها البته، تنهدت بعُمقِ لتتجه بخُطي وئيدة ناحيه منضدة التجميل وتجد كتابًا قابعًا فوقها، قامت علي الفور بدس الورقة داخلهُ لتُطفيء بدورها أضواء الغُرفة وتترجل للخارج مُرددة بحُزن:.

ربنا يهديكي يا نسمه، ويوجهك للي فيه الخير.
يا ست هانم، سليم بيه طالبني أستعجلك ضروري؟!
وجدتها تهتف من خلف ظهرها بهذه الكلمات، إلتفتت نوراي لها لتُبادلها إبتسامة هادئة فيما تابعت أنهار (المُختصة بشؤون اليلا وأمور الرقابة علي العاملين بها ) وهي تضع إصبعيها السبابة والوسطي علي فمها وبنبرة شاردة رددت: انا خمنت كدا يا ست هانم، والله أعلم يعني هيعرفك علي وزراء جُدد.

قهقهت نوراي في خفة تُطالعها بحنو بالغٍ لخفة ظلها، فقد تبناها سليم من أحد الملاجيء وأصبحت تعمل داخل يلا النجدي وقد تكفل بتكاليف تعليمها حتى أصبحت في السنه الثالثه من كُلية الطب، لم تكتف هي بذلك فقد رغبت في أن تكون جليسة لأطفالهما وخاصة نيروز فهي تعشقها كأبنه لها بل وأكثر.

تابعت نوراي وهي تفرد ذراعيها جانبًا بيأس وقد برزت معالم الطفولة علي وجهها تبغض تصرفاته معها: سليم بجد هيجنني، هو قاعد مع طاقم الوزارة بأكمله وبيتكلموا في مهنتهم المُبجلة، أنا أقعد معاهم وأسمع الملل دا ليه!، بجد عامل زيّ الطفل الصُغير اللي خايف مامته تسيبه وتمشي.

رمقتها أنهار بنصف عين لتتبعها بغمزة وهي تقول بمرح: الحُب يا مدام الوزير، وبعدين لازم تتأقلمي علي كدا إنتِ مرات سيادة معالي وزير الثقافة، يعني عوزاهم يقولوا عيد ميلاد ابنهم الاول ومش شايفين المدام علي الساحة؟!

حركت نوراي برأسها يمينًا ويسارًا في سأم مما يحدُث، ولم يتئني لها الفُرصة للإجابة حينما تابعت أنهار بحسمِ: ما قولت ليّ صحيح!، فين عاصم!
فتحت نوراي عينيها علي وسعهما في تلك اللحظه، لتهتف بإستفهام: أنا اللي المفروض اسألك السؤال دا؟!، فين ابني يا تايهه!
انهار بنبرة مُضطربة: إنشالله عملية الإخراج عندي تكون مُتدهورة وأبات في الحمام علشان ألحق نفسي، إني ما شوفته من ساعة.

تقلصت قسمات وجه نوراي إمتعاضًا من مُصطلحات أنهار البائسه بحُكم وظيفتها المُستقبلية، مررت كفها علي وجهها تتحسس حرارته من شدة القلق التي تسلل إلى أعماقها ولكنها توقفت فجأه، تحملق بأنهار ثم تهتف بكلمات تأكيدية: خلاص، انا عرفت عاصم فين؟!
الإثنتان في نفس واحد: مع نسمه المُختفية من ساعة.

( داخل حديقة اليلا الواسعة )...

إمتلأت بحشد هائل من أصحاب الطبقة المخمليه والوزراء إحتفالًا بمرور عام علي ولادة عاصم سليم النجدي، أزدانت الأشجار بعناقيد الضوء المختلفه ألوانها، صدحت الموسيقي الهادئه في أرجاء الحديقه وقد إلتفت المقاعد المُغلفة بحرير من الأبيض حول حوض السباحة، عج المكان بمن يُثرثر، يلهو، ومن هم بطونهم هي همهم الأول. فيما يذهب النادل ويجيء لتلبية جميع المتطلبات من قبل الحضور، وبعيدًا عن كُل هذا الصخب، تجلس هي إلى مقعد خشبي قابعًا في نهايه الحديقه، وقد إتخدتهُ صديقًا، فهي باتت هائمة بكُل الجمادات في الآونه الأخيره. تفصح عما بداخلها دون مواساة من أحد وكذلك لم تنس أن تتحدث إلى صغيرها التي لم تُنجبه، هو فقط ابنها عشقًا...

إرتدت بنطالًا من الچينز يعلوه سترة باللون النبيتي، تحمل بين ذراعيها طفلًا في عامه الأول ذي ملامح بريئه للغاية وشعرًا كثيفًا، تنحنحت لوهلة لتمسك بأصابعه الصغيرة ومن ثم رددت بنبرة حانية: حبيبي جعان؟!، شكل مامي نسيتك ومشغولة بإستقبال الضيوف، بس انا بحب وجودك معايا دايمًا، علشان بتفكرني بحبيبي وكمان اسمك علي اسمه. تعرف أنه واحشني ومش بنساه أبدًا!

تنهدت بلوعة وإشتياق، تلألأت الدموع في مُقلتية ولكنها تماسكت لآخر لحظة عندما وجدت الطفل يبتسم لها وكأنه مُدركًا لما قالته وكذلك ضم أصابعه علي إصبعها السبابه وهنا قامت بطبع قُبلة حانية علي جبينه، لتُقاطعها نوراي بحُب:
لمّا بتقعدي معاه بتنسي نفسك يا نوسة، يا تري دا حُب في ابني ولا حُب من سالف الزمان.

إبتسمت نسمه رغمًا عنها ومن ثم وضعت الصغير بين ذراعي والدته قائلة بهدوء: بحبه علشان ابن نوراي، وبعدين ما تنسيش تأكليه تاني!، وإلا هعمل ثوره ضدكم. يالا أدخلي أكليه وانا هتمشي برا القصر شوية، لأني أتخنقت من جو الحفله.
نوراي بتفهم: ماشي يا قلبي، هانيمه وأجي أتمشي معاكي، لأن عاوزاكي في موضوع ضروري.

أومات نسمه برأسها في تفهُم، ومن ثم سارت بخُطواتها لخارج القصر تعقد ذراعيها أمام صدرها بشرود لتُفاجأ بصوت رجولي يُردد بمُغازلة: انا شايف ان سبب رفضك ليّا غير منطقي!، لازم تفهمي إني بحبك وعاوز أنسيكي الماضي.

رمقتهُ نسمه من فوق كتفها بثبات ونظرات قوية دون ان تنبس ببنت شفةٍ فيما إقترب هو أكثر منها حتى أحكم قبضتهُ علي ذراعها قائلًا بشغف جليّ: انا بعشق كُل تفصيلة فيكي ومن واجبك تقدري دا، علشان هاخدك عافية.
تشنجت فرائصها في تلك اللحظه، صرت بأسنانها في غضب عارمٍ، لتنزع ذراعها منه بمقاومة ضارية ومن ثم والته ظهرها تدلف داخل القصر من جديد مُرددة بثبات وحده:
ردي وصل لك من زمان، انا مش ناويه أرتبط يا أستاذ عادل.

غابت من امام عينيه، بدأ الشرر يتطاير من أمامة في غيظٍ ليجد أحدهم يقبض علي ياقة بذلتهُ من الخلف وراح يُردد بصوتٍ غليظا يعبق بحرارة عميقة: عيب لمّا تبص علي مُمتلكات غيرك، علشان عارف أيه النتيجة؟!
استئنف جُملته بنبرة تهديديه حاسمة للأمر حينما قام بلوي ذراع الرجل خلف ظهره وراح يهتف بصوت أجشٍ: هكسر إيدك اللي لمستها، وهسحقك.

لَم يتمكن عادل من رؤية وجه الخصم هو فقط يسمع صوتًا ينوي الانتقام بكُل جوارحة، ليهتف بنبرة مُضطربة مُحاولًا الإلتفات لرؤيته فيما وضع الأخر رأس عادل بين قبضتية مُثبتًا إياها بقوة جامحة ليهتف الأخير بتلعثمِ: إنت مين؟!
أنا الموت، يا تارك الصلاه.

يقف بحلتهِ السوداء بل بكامل أناقتهُ بين مجموعة من قادة البلد والوزراء، نمت لحيته أكثر من السابق، رغم إمتهانه لهذه الوظيفه مُنذ عامين ولكنه لا يجد نفسه وسط هذه الإحتفالات، ف الوزير ما هو إلا شخص يسير وفق ما ترغبه الدوله، محسوب عليه النَفس الذي يصدُر منهُ، يشعر بتصنع الجميع من حوله، إرتدائهم قناع غير أقنعتهم الحقيقه، متملقون لأبعد الحدود، باتت إبتسامته ذابلة مُنذ الحادثه الأخيرة، يرغب في بقاء زوجته بالقُرب منهُ في كُل دقيقه ف وحدها الشيء الحقيقي في هذا المكان، فهي لا تعرف للتصنُع طريق ودائمًا يحمد الله بأنها معه، فهي من تمده بالقوة ليتحمل جُرعة النفاق الزائدة حوله، وقد عُرف عنهُ عشقه لزوجته وعدم تخليه عنها في كُل لحظة فشل قبل نجاحاته...

ويا تري يا سليم باشا، ناوي تقضي أجازتك السنه دي مع المدام فين؟!
أردف أحد الوزراء بهذه الكلمات بعد أن زفر دخان سيارته في الهواء الطلق فيما إستند سليم بجذعه علي الطاولة قائلًا بثبات:
لسه ما حددناش.
الوزير يوميء برأسه مُتفهمًا: ياريت لو تبلغنا علشان نسافر كُلنا مع بعض، ونبعد عن جو الشغل شوية.

اومأ سليم بدوره يسايره في أحاديثه، بينما تابعت زوجته السيدة فيفيان وهي ترمق سليم بنظرة يملاؤها الإعجاب: بصراحة يا سليم باشا، أنا بحسد مدام نوراي عليك، إنتوا المفروض قصة حُبكم تتسطر في الروايات.
نوراي بإبتسامة باهتة: ميرسي مدام فييان،
ثم نهضت واقفه وهي تجول ببصرها بينهم مُعلنة إنسحابها: بعد إذنكم طبعًا، هنيم عاصم.

هناك في مكان آخر علي إحدي الطاولات، سيدات المُجتمع الراقي يجلسن معًا وقد أخذهن الحديث حول زوجه سليم النجدي ومدي حُبه لها، وأنه لم يتم إكتشاف ما يُفسد الرابط الموثق بينهما حتى الآن ليقاطعهن هو أحد الصحافيين قائلًا بشهوة وهو يرمق نوراي بقوة: بس أيه صاروخ، من حقه يحبها.

قاطعته إحدي السيدات وهي تلوي شدقها إعتراضًا عما قالهُ، تابعت بعد أن نفخت شدقيها بعصبية خفيفة لتقول غيظًا: حتى إنت كمان، هنلاقيها منك ولا من أمجد العزالي اللي طول الوقت عينه ما بتترفعش من عليها.
الصحفي بإندهاش: وزير البيئه!، ياااااه دا حديث الأربعاء، طيب وهي!
السيده وهي تُعنفهُ: إنت عبيط يا بني، الفراغ قاتلك للدرجة دي، هي طبعًا مش شايفه غير جوزها، هي دي محتاجه كلام!

كُنت عارفة إني هلاقيكِ هنا، ما هو يا إما في أوضه عاصم ونيروز، أو في أوضتك أو الرُكن الهادي من الحديقه.

ولجت نوراي داخل غرفة أطفالها، لتجد نسمه تنظُر إلى الصغير الذي نام مُنذ وقت طويل. فيما تجلس نيروز إلى فراشها وقد فردت قدميها أمامها تتطلع إلى مجموعة الصور الخاصة بجميع أفراد العائلة في محاولة للتمييز وحفظ أسمائهم وبالفعل نجحت في ذلك بكُل سهولة فهي إبنه الأربعة أعوام...

رفعت نيروز وجهها تُطالع والدتها بإبتسامة مُشتاقة، فهي شديدة التعلُق بها، وإن غابت عنها لفتره تبكي رغبةً في وجودها وبلمسة أصابع نوراي لفروة شعرها، تغوص في سُبات عميق يصاحبه طمأنينه لوجودها، جلست نوراي علي الفور إلى طرف فراش طفلتها، مدت يدها لتُلامس أطراف أصابعها ذقن نيروز، فيما أشارت الأخري بأصابعها ناحيه إحدي الصورة ثم هتفت لشد إنتباة والدتها:
شين، دي مامي.

إِفتر ثغر نوراي بإبتسامة حانيه وهي تنظُر إلى صورتها بين كفي صغيرتها، فكم تعشق إستدراكها لما حولها، فهي طفلة شديدة الذكاء، تُتقن كُل شيء يمر عابرًا إلى ذاكرتها وتحفظه عن ظهر قلب، وهذا غير أنها دائمًا ما تُفاجيء والديها بتنبؤاتها غير المقصودة والتي تحدُث عقب تنبؤها بدقائق قلائل، بادرت نوراي بإحتضانها في هُيام ظلت تتنشق عبير خُصلاتها الشقراء الحريرية، تذكرت في هذه اللحظه حديث زوجها حينما بكت إعتراضًا علي ما أصاب جنينها ليُجيبها هو بكُل حُب ورضاء: صدقيني، في إختلافها ميزة، وبُكرا تندمي علي دموعك دي. دي هتبقي بنتنا يعني هنحبها بكُل تفاصيلها، مهما كانت مش مقبوله .

أغمضت عينيها بشرود قليلًا، وسرعان ما إبتسمت وكأنها تؤكد علي حديث معشوقها لتغمس وجهها بين خُصلات طفلتها وتُقبلها بعشق قائلة بخفوت: بحبك.
وجدت في تلك اللحظه أصابع إبنتها الصغيره تحتضن خصرها حيث تابعت نيروز وهي تُطالع والدتها ببراءة: انا حبك مامي.

إبتعدت نوراي قليلًا في هذه اللحظه، وجهت بصرها ناحية نسمه لتجدها مازالت شاردة في البعيد، تعلم تمامًا إيلاما تشرد، ولكن ما لا تعلمه إلى متي سوف تشرد فيما ولي وفات، لقد نسيت تمامًا كيف تُعاش الحياه، أصبحت حبيسة عملها وغُرفتها التي تُخلد ذكراه...
نوراي بنبرة هادئه: نسمه، سرحتي لحد فين؟!

تنهدت نسمه بآسي، خانتها إبتسامتها لتتبدل بلمعة عين قائلة بهدوء: بقالنا كتير ما قعدنا مع بعض واتكلمنا، محتاجه أفضفض معاكي كتير أوي يا نوراي، إنتِ الوحيدة اللي ما بتقولي إني ماسكة في حبل دايب، وإني لازم أنسي.

قطع حديثها طرقات خفيفة علي باب الغرفه أعقبها دخول أنهار والتي بدورها تنثر البهجة في المكان: الدوشه فضت وأخيرًا. حفلة جات علينا بخسارة، الحفلة كُلها كانت قاعدة عند البوفية، وكُلهم رفيعين يا خوووواتي وبياكلوا أد جحش، إلا انا لو شميت الأكل أتخن، عمركوا شوفتوا كدا واحدة بتتخن ع الريحة!

قطبت نوراي ما بين حاجبيها، فيما ضربت نسمه كفًا بالآخر وراحت تتابع بضحك: خمستلاف كلمه في الدقيقة!، راديو أف أم، يخربيتك.
انهار بتبختر: طيب بقولكم أيه!، أصل انا بصراحة كدا ما عجبنيش أكل الطباخين، وبلعومي واجعني وكُنت عاوزة أسلكه، ف عملت كيكة بالشيكولاته. علشان ناكلها مع بعض. قولت...
قبل أن تترك لكلماتها المجال وجدت نسمه في أقل من الثانية تقف أمامها قائلة: يالا بينا يا بنتي، أصل انا هفتانه.

نوراي بضحك: أمال مين اللي كان بيبكي علي الأطلال من شوية، بس طالما فيها تشوكليت، هنيم نيرو علشان الحضانة وأحصلكم.

بابي مش تجيب جون فيا، علشان انا لسه صغير!
أردف رامي بتلك الكلمات في براءة، حيث يتمدد علي الأرض واضعًا قدمًا فوق الأخري، يضع أحد ذراعيه أسفل رأسه ويمسك بالأخري جهاز التحكم الخاص بلعبة البلايستاشن ، حيث أنه يُقلد والدهُ في كُل نفسٍ يتنفسه، تابع ماجد بنبرة ضاحكة:
الصغير ما يلعبش مع الكُبار، يتفرج وهو قاعد جنب مامته، اللعب ل الرجاله.

لوي رامي شدقه بإمتعاض، يضغط علي أزرار اللعبة بغيظٍ من حديث والده وبكُل لباقة تتخطي سنه الحقيقي: انا راجل وهكسبك، واللي يكسب التاني ينام في حُضن مامي.
رفع ماجد أحد حاجبيه، أوقف اللعبة لدقائق ثم عدل من وضعية جسده جالسًا، ليقرب رأسه من رأس ابنه قائلًا بغيظ: كُله إلا مراتي، انا عارف إنك عملي الأسود في الدُنيا، دا إنت قربت تشاركني في ليفة الحموم كمان.

رامي بإستكمال أثار دهشه ماجد لذكاء ابنه: ياريت كانت تيتا، مامتك عايشه.
ماجد بتساؤل: ايش معني؟!
رامي بإصرار: كُنت هتجوزها؟!
فغر ماجد فاهه في دهشة، تعبيرات مُختلفه تختلج ملامحه، تارة يرفع حاجبيه بعدم إستيعاب وتاره يلوي شدقه وأخري يتفحص فيها ردود أفعال ابنه، حيث قال ماجد: تتجوز أمي يا رامي!
رفع رامي كتفيه لأعلي ثم أنزلهما بلا مُبالة قائلًا بطفولة قاتلة: طيب ما إنت متجوز مامي؟!

في تلك اللحظه دلفت هي تحمل بين كفيها صينيه فضية مُطعمه بالذهب، قامت بوضعها علي الطاولة ثم تابعت وهي تختصر في غيظِ: الولد بقي بيقلدك في كُل حاجه يا أستاذ ماجد، وكمان بتتراهنوا إن اللي يخسر يقعد بالفانلة. إنتوا ناويين تجننوني؟!، انا مش فاهمه إنت خليتني أسيب الحفلة، وأجي معاك في بيت بابا ناجي ليه؟!

جوووون، جووووون، وجبت جووون، لقد فُزت بأمي، سيدة الجميلات.
قالها رامي وهو ينهض من مكانه مهرولًا ناحية روفيدا وبسرعة البرق، قام بإحتضانها في سعادة بالغة فهو يعشق والدته حُبًا جم، حُبًا يجعل ماجد يشتد غيرة منهُ، يغار من ابنه عليها، لشدة تعلق الإثنين ببعضهما...

ماجد ضاحكًا: علمناهم الشحاته، سبقونا ع الأبواب. ماشي يا رامي يا ابن الكل...
قاطعته روفيدا بغيظ: ما تقولش للولد الألفاظ دي يا ماجد.
في تلك اللحظه نهض ماجد من مكانهِ، ثم وقف قبالتها مُباشرة فيما رفعت هي حاجبيه وراحت تُردد بنبرة مُضطربة: ماجد، خير؟!، الولد واااااقف!
ماجد وهو ينظر لإبنه: رامي؟!
رامي وقد فهم ما يرغبه والده ليهتف بنبرة عالية: بعشق أمك.

إنقض الإثنان عليها لتعلو ضحكاتهم في المكان، مهما عاصرو من العراقيل والأزمات يقابلوها بالأمل وضحكات تعلو لتتراقص فوق كيد المشكلة...

أمسك يا رمضان، دي مفاتيح عربيتي، أركنها في الجراچ وأقفل البوابة كويس.
أمتثل رمضان للأوامر الصادرة عن سليم، حيث ردد وهو يوميء برأسه مُتفهمًا والإبتسامة لا تفارق وجهه: حاضي يا باشا، كان يوم صعب، تصبح عيا خيي.
سليم بإبتسامة حانيه مُتذكرًا حب نسمه الشديد لهذا الصبي: وإنت بخير يا أبو صيام.

دلف سليم داخل اليلا علي الفور، ليجد والدته تجلس في بهو المكان تنتظره ف لم تخل عن عادتها تلك، ف هو الآن معالي وزير الثقافة ولكن مهما كبر، يظل صغيرًا أمامها، طالعته بإبتسامة حانيه ثم تابع بنبرة هادئه:
كان يوم تعب النهاردة يابني، يتربي في عزك وعقبال ما أشيل لك كام عيل تاني، إلهي يسعدك يا سليم يا إبن بطني ويبعد عنك ولاد الحرام.

إقترب منها سليم فلم يؤمن علي كلامها أبدًا، فلقد كان بحاجة إلى إحتضانها وتقبيل رأسها بعشق جارف، فدعواتها تلك هي التي تفتح له كُل الطرقات التي ظن انها لن تُفتح أبدًا، بفضلها يُسخر الله له كُل ما هو خير...
وبالوالدين إحسانا ، قد تكون هذه النقطه الرئيسية نحو نجاحه حتى الآن، بر والدته، حماية شقيقته، عشق زوجته، حتى من هم ليسوا من دمه تذوقوا جمال حنانه وحمايته لهم دون مُقابل...

السيدة خديجه بحنو: يالا يابني أطلع إرتاح، أكيد بُكرا عندك شغل كتير.
أومأ سليم برأسه إيجابًا، ليقطع حديثه مع والدته صوت قهقهات تصدر من طُرقات اليلا المؤدي للمطبخ، عقد ما بين حاجبيه بإستغراب فيما رفعت السيده خديجها كتفيها ثم أنزلتها كدليل علي جهلها بمصدر الصوت، ليتجه هو بخُطوات وئيدة نحو المصدر ليُصدم مما يري!..

ايه دا؟!
قالها هو في صدمة من أمره، فقد وجدهن قد لطخن بعضهن بحلوي الشيكولاته، ف أصبحت وجوههم أشبه بكعكة ال براوني ، لا يظهر منهمن سوي بؤبؤي أعينهن، فيما تابعت نوراي بمرح وهي تقترب منهُ: حُبي، كُنا بنلعب.

رفع سليم يده أمامها ليردعها عن الإقتراب منه، لوت نوراي شدقها في حُزن في حين أخرج منديلًا ورقيًا من جيب بنطاله ثم بدأ في محو الشيكولا التي صبغت بها وجهها وقد عَبرت قسمات وجهه عن الوعيد، لتبدأن الأخريات في قهقهاتهن نتيجة رؤية وجهه.

سليم بصرامة: الناس بتكبر وتعقل وإنتوا بتكبروا وتتجننوا، حسابكم معايا الصبح، يالا كُل واحدة علي أودتها.
قامت نوراي بوضع يدها علي فمها لكتم ضحكتها وكذلك فعلن الأخريات، وهنا لانت ملامحه في حنو وقد تساير الغضب الذي أفتعله ليمزح معهن بسهولة قائلًا: مجانين، يالا تصبحن علي خير.

مال بجذعه العلوي إليها ثم حملها بين ذراعيه فقد إعتادت هي منهُ علي ذلك، مضي صعودًا نحو الدرج وما أن وصل إلى الغرفه حتى قامت هي بإدارة مقبض الباب لتفتحه...
ولجا داخل الغرفه، قام سليم بإنزالها، وما أن لامست قدماها الأرض حتى إتجهت ناحية الفراش فيما هتف هو بها بصوتِ أجشٍ:
مافيش نوم يا استاذه أوشين غير لمّا تاخدي شاور، مش ناقص خضة بالليل.

نكست ذقنها عبوسًا، بدأت تنشج نشيجًا خفيفًا ليلاحظ هو عبوسها قائلًا بثبات: خير يا أوشين؟!
نوراي بغيظِ: إنت بقيت قاسي أوي، من ساعة ما بقيت وزير. انا عاوزه سليم بتاع زمان، حتى ما بقيتش بتضحك من ساعة عزيز المرشود ما خرج من السجن!

أغمض سليم عينيه بضيق حتى تشكلت ك خط مُستقيم، توجه ناحيتها ثم ألف ذراعيه حول خصرها لترتفع قدماها عن الأرض قليلًا ثم ردد بنبرة ظفر: اتمسكني، اتمسكني يا اختي، بردو هتاخدي شور يا سوكة، لأ عيسوي اللي ما بيستحماش!

في صباح اليوم التالي،
إلتف الجميع حول مائدة الإفطار، إستعدادًا لذهاب الجميع إلى عملهم. بدأت السيدة خديجه تضع الطعام في فم سليم لتتأكد من أنه يتناول طعامه جيدًا ليستطع تحمل مشاق عمله طيلة اليوم، وهنا تابعت نسمه بتساؤل: أمال روفيدا ورامي هييجوا أمتي!، دول وحشوني أوي!

السيدة خديجه بهدوء: النهاردة بإذن الله، ماجد صمم انهم يقضوا اليوم في بيت ناجي الله يرحمه. إنتوا عارفين انهم زعلانين من بعض أديلهم فترة وكان عاوز يصالحها.

جاءت أنهار تحمل بين يديها كوبًا زُجاجيًا من اللبن المخلوط بالزنجبيل، فقد تعود سليم تناوله كُل صباح: كوباية اللبن يا باشا.
سليم بنفاذ صبر: باشا!، باشا دي في الشارع مش جوا بيتنا يا أنهار، انا عاوزك تقولي أستاذ سليم وبس، ويا حبذا لو تقولي سليم من غير اي حاجه خالص.

أنهار برفض قاطع: لأ أبدًا، دا العين ما تعلاش عن الحاجب.
سليم وهو يُطالعها بحنو: الموضوع لا عين ولا حاجب، بس دا بيتي وبحب أحس فيه ان أنا هو نفسي، فهمتيني!

أومأت أنهار برأسها إيجابًا، بينما استئنفت حديثه قائلًا: ويالا أقعدي أفطري معانا.
همت أنهار أن تهتف مُعترضه ليرمقها هو بصرامة أرغمتها علي الجلوس الفوري، وهنا تابعت خديجه وهي تُطالع نسمه بحنو: نسمه في عريس متقدم لك، إنما أيه يا بنتي شاب حليوة وإبن ناس.
هتف سليم مُقاطعًا والدته بعد أن ألقي شوكته جانبًا لينقل بصره إلى والدته بعصبية خفيفة: مش موافق يا أمي.

خديجه بإستغراب: هو انا كملت كلامي يابني!، ولا إنت تعرف عن الموضوع!
سليم وقد إنتصب واقفًا يُعدل من ياقة قميصه، ليتابع بنبرة حازمة: لأ ما أعرفش ومش عاوز أعرف، بس كُل اللي يهمني دلوقت إن نسمه مش هترتبط بحد، لأن هي مش عاوزه.

تبادلت كُلًا من نسمه ونوراي نظرات تساؤليه، لردة فعلة الغاضبه تلك بينما تابعت خديجه بحُزن: يابني نسمه بنتي، انا عاوزه أفرح بيها، وأشوفها أحلي عروسه في فستانها مع واحد يحميها ويقدرها. غلطت انا في أيه بس!، انا خايفه عليها العُمر بيفوت وهي لسه دافنه نفسها بالحيا.

سليم بضيقِ: خليها في ماضيها يا أمي، وماله!

في تلك اللحظه نهضت نسمه عن الطاوله، هرولت بأقصي سرعة لها حيث الدرج فيما توترت نوراي قلقًا عليها لتستتبعها في الحال حتى دلفت خلفها داخل الغرفة، في حين تابعت نسمه ببكاء: الموضوع دا تاعبني نفسيًا يا نوراي، انا أقسمت إني مش هكون لحد غيره، في حاجات ما ينفعش أحسها غير معاه، هو أكيد مستنيني في الجنه، يبقي ما ينفعش أخونه في الدُنيا وأخيب أمله فيّا وأكون لغيره.

تلألأت الدموع في عيني نوراي وهي تري إنهيار صديقتها التي أخلصت في حُبها حد النزف، إبتلعت نوراي غصة في حلقها تستمع فقط لصديقتها التي تابعت بنبرة مُرتجفه: هم قالوا الدُنيا مش بتقف علي حد، بس انا حساها واقفه.

أسرعت نوراي تحتويها بين أحضانها فيما أخذت الأخري تصرخ في إنهيار يتقطع له نياط القلوب وفجأه إبتعدت قليلًا تردد: إنتِ عارفة ريحته بقيت قريبه مني أوي، انا مش مجنونة صدقيني، بس حساه جنبي ما ماتش!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة