قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية هو لي الجزء الأول للكاتبة علياء شعبان الفصل الثاني والعشرون

رواية هو لي الجزء الأول للكاتبة علياء شعبان الفصل الثاني والعشرون

رواية هو لي الجزء الأول للكاتبة علياء شعبان الفصل الثاني والعشرون

غابت الشمسِ وراء السحاب تُعلن عن مجيء ليل عاتٍ وكأنهما يتناوبان فيما بينهما...

أومأ برأسه في تفهُم بعد أن لام نفسه علي نسيانه لكُل ما يخص شقيقته هذه الفترة، أغلق الهاتف معها وما كاد أن يتفوه بكلماته الحاسمة بذهابهِ حتى وجد ماجد يُردد بنبرة ثابتة...

تحب اوصلها انا. لو مش قادر يعني؟!
رمقهُ سليم بهدوء وما أن إنتصب واقفًا حتى سعي بخطواتهِ ناحية ماجد الذي ينتظر إجابته مُترقبًا ثم وضع يده على عاتقهِ مردفًا بثبات...

مش معني إني سمحت لك توصلها مرة. ف تاخدها قاعدة يا ماجد؟!
قطب ماجد حاجبيه في إستغراب، وقد غاظته أقاويل سليم وما يرمي إليه. ليردد ناظرًا إلى بؤبؤ عينيه مُباشرة...

عُمرها ما كانت قاعدة ولا هتكون. انا بس عاوز اخفف الحِمل عنك.
سليم بثبات: أختي مش حِمل. لازم تفهم إنه مهما كانت صداقتنا. ف روفيدا خط أحمر. انا مش عاوز أختي تتعلق بحاجه توجعها. علشان الوجع ما اتخلقش ليهم. إحنا رجالة ونستحمل. بس هم لأ. وانا مش هسمح إن أختي تحس ب اللي انا حاسس بيه دلوقتي.

أجفل ماجد عينيه قليلًا فقد فهم لتوه ما قصده صديقهُ من عباراتهِ تلك. لترتسم علي ثغرهِ إبتسامة عذبه يملؤها الصدق...

بس انا عاوزها تتعلق بيا.
مش فاهم؟!
أطلقها سليم وهو يضع كلتا ذراعيه في جيب بنطاله وبدت علامات الإستفهام تبتني عشًا في عقلهِ بينما إستئنف ماجد حديثه بثقة نفس:
عاوز أتقدم لروفيدا.
في تلك اللحظة قطع حديثهم مجيء السيد ناجي. هاتفًا بنبرة يكسوها البهجة ليظهر ذلك في لهجتة عندما إتجه بخطواته واقفًا أمام ابنه...

بجد يا ماجد؟!
ماجد بهدوء: طبعًا. يشرفني وجود سليم وأهله في حياتي.
تحدث سليم إليه قائلًا بنبرة جادية...
ماقدرش اوافق أو أرفض. إلا لمّا أعرف شعور أختي ناحيتك.
أومأ ماجد برأسه في تفهم ثم رفع ذراعه إلى مؤخره رأسه وظل يمسح عليها مرات مُتكررة مردفًا بتنحنح:
أحم. ما هو دا بالظبط اللي كُنت عاوز أعرفه.
إبتسم سليم في تلك اللحظة رغمًا عنه. ليُجاريه في الحديث بنبرة ثابته وهو يتجه صوب باب المنزل...

انا رايح معاها هي ونسمة العشا. حابب تيجي معانا تمام. مش عاوز، ماجد بإبتسامة عريضه: لا يجوز. رجلي علي رجلك يا أبو النسب.
راح ناجي يضرب كفًا بالأخر لترتسم إبتسامة سعيدة علي محياه فأخيرًا إستطاع أن يتحرر من قيدِ الماضي. ويُطالع الغد بإبتسامة تحدٍ بصُحبة إحداهن. ولكنها روفيدا. مُدللته الصغيرة التي رافقته وهي وشقيقها مُنذ قدومه إلى الحي. فهذا حقًا أكثر ما تمناهُ...

وأيه المانع يا إلهام هانم. إنها تيجي معانا؟!
أردفت آلاء بتلك الكلمات في تساؤل يُخالطه التوتر وأخذت تسند نظارتها الزُجاجية بسبابتها اليُمني بينما تابعت إلهام بعصبية من بين إنشغالها بهذه الأوراق أمامها...

علشان عاصم. رافض خروجها.
إرتسمت إبتسامة باردة علي ثغرها ثم طالعتها بتوتر أكثر...
بس هي مش هتُخرج لوحدها. لو سمحتِ. انا أول مره أطلب من حضرتك طلب.
ضغطت إلهام علي عينيها بنفاذ صبر وقد إنفرجت شفتاها لتقول شيء ما فيما إستوقفتها نوراي التي تهبط الدرج مردفة بنبرة جادية.

قولتله ووافق. وهحضر معاكم الإجتماع دا. في مانع؟
كبت شظايا النار من عينيها. لتُشيح بوجهها بعيدًا وهي تُلملم الأوراق مرددة بحدة...

اتفضلي. أجهزي.

بُكرا الساعه 6. أول شُحنة عربيات لماركة الدالي. هيستلمها صاحب أكبر معارض بيع السيارات في مصر. العلاقة بينهم قوية. ولو حابب إننا نوقف فؤاد عند حدة لازم نستغل النقطة دي.

أردف هو بتلك الكلمات في جادية شديده أثناء جلوسه إلى المقعد الجلدي المُقابل لمكتب رئيسه. الذي سلط بصرهُ إليه وراح يُردد بخشونة مُترقبة...

بتفكر في أيه؟!
هو بثبات: بسيطة جدًا. هناخد الورق اللي في إتهامات واضحه. إن شركة الدالي خطر في تعاملها. وإنها بتسعي لطرق غير مشروعة وطبعًا الورق يثبت وجود جثه ل طفل في شُحنتهم اللي فاتت ل ألمانيا.

الرئيس مُضيقًا عينيه بشرود قليلًا: ف الشركة تخاف علي سمعتها وترفض إستقبال ماركة الدالي وبكدا تكون أكبر خسارة ممكن يواجهوها في حياتهم. دا غير السمعه اللي هتطلع عليهم. ، ثم إستئنف بإبتسامة شامتة...
ودا جزاء اللي يفكر. يلعب معايا.

ترجل الجميع خارج سيارتهم. وقفت نسمه أمام باب النادي تُعدل من هندامها وأخذت تجوب ببصرها المكان في سعاده بالغه ثم مالت برأسها قليلًا نحو روفيدا الواقفة بجانبها لتهمس بها في تساؤل...

المكان هنا يجنن. يا تري في شباب بقي وأكل وكدا.
رمقتها روفيدا بجانب عينيها ثم رددت بنبرة مُغتاظة: لأ. لا شباب ولا أكل. منك لله هتودينا في داهية.
جاب ببصرهِ المكان. ليجد ماجد مُقبلًا إليهم في هدوء قائلًا من بين سعادته...

النادي دا. مكاني المُفضل. ماكونتش أعرف إن الإجتماع هنا.
روفيدا بإبتسامة هادئه: فعلًا المكان هنا جميل أوي وهادي.
ماجد بحنو: عجبك؟!
سليم بغيظٍ حيث نحا بصرهُ إليه مُردفًا...
اه عجبنا كُلنا.
كور قبضتة ومن ثم وضعها أمام فمه وأخذ يسعل بتوتر عارم...
طيب مش يلا ندخل. زمان الناس مستنيانا.

دلفوا سويًا للداخل. ف رقعه الأرض شديدة الوسعِ، يتواجد علي جانبيها أشجار باسقة. تنهد سليم بثبات في تلك اللحظة ليجذب إنتباهه صوتها العال مُقبله عليهم، نورتوا النادي. يا أنسة روفيدا.

بادرتها روفيدا بإبتسامة هادئة ثم مدت يدها إليها لتُصافحها بودٍ بينما قادتهم آلاء حيث طاولة العشاء بقاعة النادي، جلست إلى الطاولة. تُعطي ظهرها بإتجاه باب القاعة وتجلس أمامها إلهام التي تنظُر بين الحين والأخر إلى ساعة يدها ومن ثم تُلقي زفرة طويلة لتأخيرهم...

عبِق المكان بعطرهِ. لا تعلم لماذا جاءت رائحته معها إلى هذا المكان. بلي لم تترُكها رائحته يومًا ولكنها أصبحت أقوي علي حاسة الشم لديها. راحت تمسح علي غُره رأسها بعدم إتزان، يخفق قلبها بقوة. فأغمضت عينيها في مُحاولة لتهدأت نبضاتها المُتسارعه التي تتوهم بوجودهِ، ولكن الوقت لم يُسعفها مُطلقًا لتهدأت نبضاتها. لتتسع حدقتا عينيها بجحوظٍ بالغٍ عندما وجدت صوته يأتي من خلفها مُرددًا بخشونته المُعتادة...

السلام عليكم.
رمقتهُ إلهام بنظرة هادئه ثم تابعت مُرحبه بهم ليتجه الجميع إلى الطاولة وما أن همّ هو بالجلوس حيث المقعد المُقابل لها حتى وقعت عيناه عليها...

وجدتهُ يرمقها بإندهاش جاهد في إخفائهِ بينما أحنت هي رأسها مغلقه عينيها...
لم يكُن الباقية بأقل منه إندهاشًا.
صلبت معالم وجهه ليجلس إلى المقعدٍ في صمتٍ بينما فغرت نسمة فاهها وهي تصيح مُلتفتة إلى روفيدا...

البت الفلبينية؟!
أسرعت روفيدا بدعس قدميها من أسفل الطاولة لتحملق بها نسمه في إستغراب وهنا رددت روفيدا وهي تنهض عن الطاولة ممسكه بكف نسمه...

بعد إذنكم يا جماعة. راجعين حالًا.
إلتفت ماجد ببصرهِ ناحية سليم ليجده مُثبت مُقلتيه إليها بوجهٍ عبوسٍ. في تلك اللحظة أحس بحُزنِ لحال صديقه...

علي الجانب الآخر، أهدي بقي. الله يخربيتك. هتودينا في داهية.
هتفت بها روفيدا وهي تقتاد نسمه إلى المرحاض المُلحق بالقاعة بينما تابعت نسمه بنبرة مُغتاظة...

إنتِ كُنتِ عارفة إن البت الفلبينية دي هتقابلنا. سيبيني عليها. هقطع القُبقاب اللي انا لابساه دا علي وشها.

روفيدا بنفاذ صبر: أصوت وألم الناس عليا؟! امال مين اللي كان هيموت ويشوفها.
نسمه بنبرة صارمة: انا ياختي. بس كُل ما افتكر إنها كسرت قلب سمسم. بكون عاوزه أخنقها. وأخنقها ليه. انا بس أقعد عليها وهتبقي عاملة زيّ الفطيره المفرودة قبل التسوية.

روفيدا بنبرة هادئه: اسمعيني علشان خاطري يا نسمه.
نسمه واضعه ذراعيها حول خصرها: نعم يا كلبة البحر؟!
نظرت إليها روفيدا بعينين جاحظتين ثم كزت علي أسنانها بغيظٍ قائله.
وإنتِ بقي أيه؟!
نسمه ببلاهه: سيد قشطة البحر.
روفيدا بضحك: اسمعيني يا نوسة قلبي. دلوقتي هنروح نقعد علي الترابيزه وكأنك ما تعرفيش نوراي ولا عُمرك شوفتيها قبل كدا. لو سمحتي مش عاوزين نضرها. بليز.

حكت نسمه جانب رأسها بسبابتها الوسطي ثم رفعت حاجبها قليلًا مردفه بحسم...
خمس سندوشتات كبدة بفلفل وأنفذ كُل طلباتك.
روفيدا بإستسلام: حاضر. كُل اللي إنتِ عوزاه.

إتجهتا مُجددًا حيث الطاولة بعد نقاش دام لدقائق طويلة. عادت إبتسامة روفيدا تشُق طريقها إلى ثغرها لتواكب الموقف رغم الضيق الذي يُحاول شقيقها إخفاؤه لتجد نسمه تجلس إلى مقعدها وهي تنظُر بإتجاة نوراي، ما اعرفش البت دي خالص. اسمك ايه بقي يا فلبينية؟!

سعلت روفيدا في تلك اللحظة بتوتر لتدعس علي قدمٍ نسمه من جديد بينما إنتبهت نسمه لما قالته لترتسم إبتسامة عريضه علي ثغرها. ولكنها لم تستطع الخلاص من تساؤلات إلهام التي رددت بحاجبين مقتطبين.

باردون(pardon)(معذرة). إنتِ تعرفيها؟!
نسمه ببلاهه: سوخنون.
لوت إلهام شدقها في إستنكار ثم هتفت بتساؤل: مش فاهمه؟!
نسمه بغيظٍ: هو مش حضرتك بتسأليني عن سندوشتات الكبدة؟! ف أنا عاوزاها سوخنون. علشان لما بتبرد بيكون طعمها وحش.

أشاحت إلهام بوجهها بعيدًا. فقد ملت الحديث معها. وبهذا إستطاعت نسمة تشتيت إنتباهها بشأن السؤال المطروح.

شرعت إلهام بالحديث عن عملهم القادم وما ينبغي إتمامه من إجراءات أثناء تناولهم للعشاء...

بينما تنظُر هي له في إشتياقٍ جارفٍ. تختلس إليه النظرات مُتفحصه لمعالمه التي لم تنساها أبدًا، فوجئت به ينظُر إليها بعبوسٍ خفيفٍ. لتستعطفهُ بنظراتها التي لمعت الدموع بها حتى تندت أهدابها الكثيفه. إستمرت لغه العيون السائده بينهما لكثيرٍ من الوقتِ. نظرات تحمل العتاب. الشغف. الحُزن والحُب الذي حُرم منه قلبين لا يزالا يتنفسانه مهما مر الوقت عليه...

في تلك اللحظة أفاقا من عالمهما الخاص علي صوتِ إلهام مُردفه بنبرة هادئه:
حقيقي. إتشرفنا بوجودكم معانا. وبما إننا بقينا أصحاب. ف لازم أعزمكم علي خطوبة ابني بأنسه نوراي بعد يومين.

ساد الصمت المكان، فهذه ردة الفعل الوحيدة تجاه حديثها. بينما خرجت روفيدا من صومعة صمتها حتى لا يثيروا شك إلهام التي رمقتهم بأعينٍ مُستغربه...

مبروك يا إلهام هانم، ومن ثم إستئنفت حديثها وهي تتنحي ببصرها حيث تجلس نوراي، مبروك يا أنسه نوراي.
بادرتها نوراي بإبتسامة صامتة يُصاحبها لمعة عين يملؤها الآسي بينما فجرت نسمه قُنبلة لم يحسبوا لها مُطلقًا حيث تابعت بنبرة هادئه.

وبكدا سليم كمان يعزمكم علي خطوبته بعد أسبوع.
سقطت الشوكة من يدها وأخذت تسعل بحدة، حتى إنسابت دمعة من عينيها. ف إلتفتت إليها آلاء بخضه قائله...

نوراي. إنتِ كويسه؟!
هزت نوراي رأسها في ثبات لتعاود النظر إليه من جديدٍ وهي تُكفكف العبره التي سقطت منها ثم قالت بصوتٍ حازما...

مبروك.!
لم ينفي سليم حديث نسمه مُطلقًا رغم تمزق قلبه عند رؤيه صدمتها فيه. ولكن هكذا هو الحُب لذته تبقي عابرة وكآبتهُ دائمه، وأكثر ما آلمها. شعورها. حينما أحست أنه لم يعش علي ذكراها يومًا. يُخبرها بعشقه لها ويُسارع في إدخال أُخري إلى قلبه. تجرعت غِصه في حلقها وأخذت تُردد داخل نفسها بنبرة جنونيه...

لماذا تكرهني لهذه الدرجه، بِتُ أظُن أن سبب كُرهك لي، انني عشقتك للحد الذي لا حد له. فأصبحت شيء ثقيل الحِمل تسعي للتخلص منه بزفره ضيق تعقبها ابتسامه فرحه تهتف...

تم الأمر.
فسلاماً علي ايامُك. وبقلب ام عشقت طفلها ثم أودعها في دار العجزه دون أن يفر له جفن. سأنساك ولست اسفه أبداً.

بادرها بإبتسامة ثابتة قائلًا، ومبروك ليكي. إنتي كمان.
كان كلامهُ يعبق بحرارة عميقة. بينما تجمدت الدموع في مُقلتيها بعدما أخفقت في الإنتصار علي عزيمة صاحبتها التي رغبت في البقاء ثابته لا يرف لها جِفن.

في تلك اللحظة نكست ذقنها بعبوس تنظُر إلى الطعام أمامها. بينما رمقتها روفيدا بحُزنِ شديد وراحت تضع رأسها بين كفيها...

ظل ماجد يُتابع المشهد في صمتِ. فأراد أن يتقمص دور المُتفرج حتى لا يخرج شيء منه يُحسب عليه. فيكفي ما يُعانيه صديقه...

أعلن هاتف نوراي عن مجيء إتصالًا لتلمع فكره في عقلها. حيث إلتقطت هاتفها. وراحت تنهض عن الطاولة وقبل أن تنصرف مُبتعدة رددت بنبرة عاليه بعض الشيء، ايوة يا حبيبي.!
غاب عن صوابهِ في تلك اللحظة وقد شاظ به الغضب ليضرب بكفه علي سطح الطاولة مُرددًا بحسم...

طيب نستأذن إحنا بقي وفرصة سعيدة.
إتجه سليم بخُطواتهِ مُبتعدًا لخارج القاعة ليتبعه الجميع للخارج...
مر من أمامها دون أن يُعيرها إهتمامًا. بينما سارعت هي بإيقاف روفيدا مردده بنبرة هادئه...

وحشتيني.
هرولت روفيدا إليها لتحتضنها. أخذت تبكي في صمتِ بينما تابعت نوراي مُتجهه ببصرها حيث نسمه.

أيه يا نوسه. ما وحشتكيش!
نسمه ب لين: وحشتيني طبعًا يا فلبينية.
أسرعت نوراي تحتضنها في بُكاءٍ مريرٍ. فهمت نسمه سبب بُكائها فأرادت أن تُخبرها. بشأن إشاعتها. التي في أساسها خبر عارٍ من الصحهِ. ولكنها خشيت أن تلقي اللوم عليها.

بينما سمعت صوتهُ يهتف بلهجة آمرة: يلا يا بنات.
إبتلعت ريقها بصعوبه وراحت تسعي بخُطواتها إليه وسط نظرات الجميع المُتسائلة وما أن وقفت أمامه حتى رفعت عينيها للأعلي قليلًا مُردفه بجفاء:
انا بكرهك.
لانت معالم وجهه وراح يمسك ذراعها مردفًا بخشونة.
وانا بكرهك. لحد أخر نفس فيا. هتكوني إنتِ الحاجه الوحيده اللي كرهتها وبشدة.

أنهي جُملته الأخيرة ليبتسم بتهكُم. فما قاله ما هو سوي كذبه إبريل. كما يُقال. فنبرته إليها لم تكُن سوي نبرة عاشقًا يؤدب من قطته قاسيه الطباع العنيدة...

نوراي بجمود: إتغيرت كتير. ما بقيتش إنت سليم اللي عرفته.
سليم بثبات: ولا إنتِ أوشين اللي سلمتها قلبي. يالا الحقي شوفي حبيبك. أكيد مستنيكي.
نوراي بتلعثم: أه حبيبي. غصب عنك. أيه اللي يزعلك في كدا؟!
إقترب سليم أكثر منها وأطبق كفه علي ذراعها بينما لم تحاول هي التملص منه. ليقترب من وجهها مُرددًا بوجهٍ جامدٍ...

سبق وقولتلك. الحاجه المُتاحه لغيري. ما تلزمنيش يا هانم، ومبروك علي الخطوبه مره تاني.

هتف بهم ليدلفوا داخل السياره ثم قادها مُغادرًا المكان علي الفور لتجد صوتًا يأتي من خلفها ثم يُردد بنبرة ثابتة...

بعدتي عنه ليه؟!
ظلت نوراي مُسلطة بصرها بإتجاه سرابه ولم تلتفت لمصدرِ الصوت. بينما إستدارت آلاء حتى وقفت قبالتها مُباشرة قائله بأسف، هو دا اللي إنتِ بتحبيه؟!
أومأت نوراي برأسها عدة إيماءات سريعة لترمي بجسدها إلى أحضان آلاء. التي أخذت تربت علي ظهرها مردفه بحنو:
قولي اللي في قلبك يا نوراي وهيفضل سر بيننا،!
علي الجانب الآخر، ماكانش ينفع اللي إنتِ عملتيه دا يا نسمه. ليه كدا بس؟!

أردفت روفيدا بعصبية خفيفه وهي تنظُر من نافذة السيارة، بينما تابع ماجد بهدوء...
كفاية توتر لحد كدا. ممكن تهدوا؟!
روفيدا بإستكمال: وهو رايح يزود عليها؟! فرحان في عذابها. قدرت أزاي تمشي وإنت شايفها بتعيط! مش مصدقه إنك سليم.

لم يُنصت هو لحديثها. فلم تُفارق مخيلته صورتها ليُتابع بنبرة ثابتة...
ساعدتيني كتير يا نسمه.
نسمه بعد فهم: ها؟! أزاي؟!
سليم بثبات وهو يطرق بأصابعه علي مقود السيارة...
نوراي مش هتيجي غير بالطريقة دي.
ماجد بترقب: أنهي طريقه!
سليم غامزًا له: الضغط.

مر يومان، ظلت فيهما حبيسة غرفتها. لا تُجافي الدموع جفنيها بل جافاها النوم. ولكن جفاء النوم لا يُساوي مقدار جفاء كلماتهُ إليها، وقفت في شرفه غرفتها تُتابع بعينيها التجهيزات الخاصه بالحفل والتي تتم في حديقة القصر فاليوم سترتدي خاتمه. وهكذا تُصبح حبيسة هذا القصر حتى موتها ولكنها لن تمنحه سوي إصبعها التي ستضع به هذا الشيء الملعون. ولن ينال منها شيء أخر. فإما أنت تفر بذكرياتها لبعيدٍ أو تُقتل ولكنه لن يمسها بيديه الغليظتين مهما كلفها الأمر...

ما شاء الله. آيه في الجمال يا بنتي والله. إنتِ خسارة فيه وما تستاهليش كُل العذاب دا.

قطع شرودها صوت آلاء التي دلفت إلى الغرفه تنظُر في إعجاب شديد لها حيث ترتدي نوراي فستان طويلًا من اللون النبيتي. به رتوش من اللون السُكري في أوله وكذلك ذيله الذي إتخذ شكلًا دائريًا مُبهرًا. مُحكمًا من الأعلي حتى أعلي الرُكبة. ثم يتخذ نفشه أضافه إلى رقته علامة. ولكنها لم تقترب من خُصلات شعرها، فجعلتها تنسدل علي ظهرها في العادة...

رمقتها نوراي بدموع حبيسة ثم تابعت بنبرة مُتلعثمة، قلبي واجعني أوي يا آلاء. مش هقدر أخد الخُطوة دي.
آلاء بحُزنِ وتنهيدة ضعيفة: إهدي يا نوراي علشان خاطري. إنت أقوي من كدا.
طبعًا حبيبتي. أجمل من إنها تزعلني منها.
قطع حديثهم بهذه الكلمات وهو يدلف داخل الغرفه. إضطربت آلاء بشدة. لتُسرع مُتجهه خارج الغرفه بينما إقترب منها أكثر ومد يده إليها ليُحاوط خصرها بذراعه ثم قربها أكثر إليه حتى إصطدمت بصدرهِ...

بادرها بقُبله حاره علي وجنتها. بينما هتفت به بنبرة صارمة...
قولتلك ألزم حدودك معايا. أيه ما بتفهمش؟!
عاصم بثبات: حدود أيه؟! ما خلاص إنتِ بقيتي خطيبتي وبتاعتي انا.
رمقته نوراي شزرًا وراحت تُردد بنبرة كارهه: خطيبتك للأسف. بس مش مراتك لو فيها موتي.
عاصم وهو يلتقط كفها مُتجهان معًا لخارج الغرفه...
بعيد الشر.

يابني علشان خاطري بلاش تروح. إنت مُصر توجع قلبك بإيدك؟!
أردف ناجي بنبرة عتاب وهو يتحدث إليه بينما رمقه سليم بثبات مُتجهًا صوب باب المنزل...

أخر مُحاولة معاها. هتكون الأخيرة أوعدك.

ناجي بحُزنِ: بس انا مش عاوزها تبقي الأخيرة يا سليم. إتمسك ب اللي ليك. أوعي تسيبها. انا مش ناسي كلامك ليها في أخر مرة. يابني البنت بتقوي بيك. هي دلوقتي مش مستنيه منك مُعافرة حبيب. قد ما بتتمني حنيتك عليها. مستنية منك تبقي لها أب. تقويها وتطمنها حتى لو مش علي علم بخفاياها وأسبابها. مش كُل حاجه ينفع تتقال. انا مُتأكد إنها بتحبك أضعاف حُبك ليها ومُتأكد إن الحُب دا هينتصر وقريب أوي. بس تأكيداتي دي ممكن في لحظه تتبخر لو مافهمتش سكوتها. أقرأ أفكارها وإستخدم ذكائك علشان ترجع لك تاني. وبلاش تستخدم قسوتك ضدها. بلاش الفجوة بينكم تكبر.

تنهد سليم بإختناق ثم تابع بنبرة ثابتة...
انا ماشي. سلام.

هبطا الدرج سويًا، تتأبط ذراعه بأمرٍ منه. لا يستهويها هذا المشهد ولكنها مُجبره علي أن تبتلعه حتى لو صار كالعلقم في حلقها.

إتجه بها حيث الوفود. لترتسم إبتسامة باهتة علي ثغرها. يستقبلان المُباركات من الجميع، مر الوقت علي هذه الحالة فتارة ينشغل عنها برفاق عملهٍ وأُخري يلتصق بها وكأنها ستفر منه هاربه، شردت قليلًا لتجد يدًا تربت علي كتفها ثم أردف فؤاد بهدوء: إنتِ كويسه يا بنتي؟!
نوراي بنبرة واهنه: حاسه بشويه إرهاق.
في تلك اللحظة إقترب السيد راضي منها ثم ردد بنبرة هادئه: تعالي يا بنتي. اعمل لك كوباية ميه بسكر.

إنصاعت نوراي لحديثهِ. لتلتفت ناحيته وتجده يُراقبها بعينيه، أشاحت بوجهها بعيدًا لتنطلق صوب المطبخ. بينما توقف راضي بالخارج وترتسم علي ثغره إبتسامة هادئه...

دلفت داخل المطبخ. لتجد يدًا تمتد إليها، حتى تلاقت أعينهما. قام سليم بجذبها للخارج حيث الباب المُلحق به والمؤدي إلى حديقه القصرِ...

إبتلعت ريقها بصعوبه. ف لم تقتنع بوجودهِ بعد حيث رددت بنبرة واهنة: إنت واقف قدامي بجد.
أسرع سليم بضمها إليها. وأخذ يُقبل خُصلاتها بألمٍ جارفٍ يتبعه نبرة مُتهالكة...

ما تسيبينيش يا نوراي، خليني أخدك من هنا.

كانت تنتظر سماع هذه الكلمات منه. تود ضمه بقوة. حيث لا فراق. فأغمضت عينيها وهي تضع رأسها علي كتفه لتسيل قطرة دموع من جانبي عينيها. وسُرعان ما تذكرت. صورة والدته، وشقيقته وكذلك هو. هل سيحميهما سليم من حاشية هذا المُتجبر. كيف سيلاقي الضربات بمُجرد التفكير بقلبها وإعطاء فرصة لهذا السادي بإزهاق أرواح أُخري. ودت لو تُمسك بكفهِ ويفران حيث لا رجعة. ولكن هُناك أشخاص. ستفرح أو تبتأس. بهذه الخُطوه...

إبتعدت عنه بسرعة. محت عبراتها ومن ثم وضعت خديه بين كفيها مردفه بنبرة عاشقة...

انا عاوزه دا أكتر منك. بس صدقني. مش هينفع نكون مع بعض بالطريقة دي. علشان انا لو هربت معاك. مش هيكون للموضوع دا غير نتيجة واحدة. وهي إنك هتكرهني. ودا اللي مش هقدر استحمله.

أبعد كفيها عنه ثم ردد بنبرة مُنفعلة: كفاية. لحد كدا وكفاية، إنتِ فاهمة. دلوقتي تبلغيني بقرارك. هتمشي معايا. ولا هتلبسي دبلته؟!

نوراي بإبتسامة باردة: وكأنك بتسألني. عاوزه تموتي أزاي؟!
سليم بنظره غاضبه: قرارك؟!
في تلك اللحظة سمعت صوته يهتف باحثًا عنها. لترتعش أطرافها ثم تُردد بنبرة مُتلعثمه...

أمشي يا سليم، علشان خاطري أمشي.
إتجه سليم حيث إحدي الشُجيرات الموجوده بالحديقه، ليجد عاصم يضمها إليه مُقبلًا وجنتها، تشنجت فرائصه وبرزت عروقه وهو يعصر أصابعه بين قبضته مما يري. فهذا أخر ما أراد رؤيته. فود لو إنهال عليه ضربًا حتى تغادر روحه إلى منبعها. ولكن خوفها منه. جعله يتجرع غيظه إلى داخلهِ...

علي الجانب الآخر
طيب يلا بينا علشان نلبس الدبل.
هتف بها مُتجهان للداخل بينما رددت هي بنبرة مُختنقة: قولتلك. أبعد إيدك عني.

ترجل داخل سيارته، قادها بحركة جنونية. لتُصدر صريرًا كإنفجارٍ بركان. إنسابت الدموع علي خديهِ، تلاشي صمودهُ فجأه، لا يستطيع تحمُل المزيد، أخذ يصدُر صرخات عالية. أراد أن يخف الوجع عنه. بدلًا من أن يترُكه حُطامِ بلا روحٍ، جاب الشوارع لكثيرٍ من الوقتِ. ليصطُف سيارتهُ وأخيرًا أمام منزل السيد ناجي...

ترجل خارج السيارة. يشوط الأرض بقدميهِ. وما أن هبط الدرج ووصل حيث الشقه. ليجد الباب قد فُتح علي مصرعيهِ.
عقد حاجبيه بإستغراب. ومن ثم دلف للداخل ليجد ماجد. يجلس أرضًا ويتجمع الكثير من الناس حوله، ثم يتوسط هذا الجمع، جُثه لشخصٍ، قد غُطت بوشاح أبيضٍ. فيجد ماجد يضمها إليه مردفًا بصراخٍ حادٍ...
أبويا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة