قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية هو لي الجزء الأول للكاتبة علياء شعبان الفصل الأربعون

رواية هو لي الجزء الأول للكاتبة علياء شعبان الفصل الأربعون

رواية هو لي الجزء الأول للكاتبة علياء شعبان الفصل الأربعون

كانت ليلة مُقمرة ذات حرارة مُعتدلة تحيط بالفضاء، اتسق القمرُ في كبد السماء وأضحى الضوء المُنبعث إلى خبايا البيوت، ضوءًا ذهبيًا لا يحتاج إلى إعانة كي يرى الناس بعضهم بوضوح. نسمات عليلة حركت الستار بقوة وجعلته يُرفرف بحُرية وثورة.

كانت لا تزال متشبثة به وهي تحاوط رأسه بذراعها، بينما يُلقي بنفسه وهمومه بين أحضانها مُحاوطًا خصرها بقوة، خرج منه زئيرًا مكلومًا قد اهتز له عرش قلبها وصاحبه دمعة ساخنة تسقط على ثيابها مما جعلها تتشبث به أكثر، اياس لا يبكي ولا يصرخ لمرة واحدة مُنذ تعارفهما أو على الأقل إن صرخ؛ فتبقى صرختهُ أمام نفسه فقط. قطعيًا ما يمُرّ به الآن أكثر جبروتًا وظُلمًا على نفسه من مُجرد لحظة حُزن يمر بها الكل. شخصية كزوجها. لا تسقط دموعها بسهولة. لذا إن سقطت فيجب أن يتوقف لها العالم تقديرًا.

مالت على رأسه تُقبلها بهدوء، وبنبرة هادئة همست بالقرب من أذنه: اياس أصرخ، خرج كُل الطاقة السلبية اللي في قلبك؟ مش عايزاك تسكت .
أنهت كلامها وما هي إلا ثوانٍ حتى وجدته يبتعد عنها بحركة سريعة، زوت ما بين عينيها في دهشة بينما رمقها بنظرة جامدة أقلقتها وكأنه تدارك ما فعله لتوه ليقول بنبرة ثابتة:
آسيا، أخرجي .

تنهدت بأسى وهي تومىء برأسها برفض قاطعٍ، مسح وجهه بإرهاق ثم نهض عن الفراش واقفًا وأسرع بالضغط على ذراعها حتى أوقفها أمامه وبنبرة صارمة قال:
بقولك أخرجي يا آسيا .

تملصت من قبضته بثورة وانفعال وهي تقف في مكانها بعناد بالغٍ ثم صرخت فيه بحدة وهي تتعمد النظر داخل عينيه:
إنت أيه؟ إنت حجر؟ مستكتر على نفسك الدموع ولا افتكرت إني هعايرك بدموعك وهقول عنك ضعيف؟ أنا مراتك ودي الحاجة الوحيدة اللي لازم ترسخها جوا دماغك الناشفة دي.

وأثناء حديثها معه قامت بوضع إصبعها السبابة ناحية رأسه تضغط عليها بغيظ وحنقٍ، ثار من جرأتها التي وظفتها أمام الشخص الخاطيء، قام برفع كفه إلى إصبعها ثم ضغط عليه بقوة ما لبث أن أرخى قبضته بعدها وهو يقول بنبرة باردة:
ما تنسيش إنك بتكلمي جوزك تاني؟! المرة الجاية مش هتعدي .

انتشلت إصبعها من بين كفه ثم كورت قبضته وراحت تضربه بغضب عارمٍ ثم صاحت بنبرة مُتحشرجة تشي بمقدار جُرحها منه:
وإنت ما تنساش إنّي مراتك يعني سكنك وحافظة أسرارك دي المودة والرحمة اللي بينّا، حس بقى يا أخي حس، أنا بكرهك..

أجهشت في البكاء دُفعة واحدة وهي تضرب صدره بصورة أقوى مما جعله يضغط على معصمها حتى تتوقف عما تقوم به، جذبها منه حتى اصطدمت بجسده ثم حاوط خصرها وقرب جبهته من جبهتها ومضى يقول بنبرة ثابتة:
وأنا بكرهك لآخر نفس فيا .
تابعت آسيا بنبرة خافتة وهي تنظر إلى عينيه مُباشرة: كذاب .

كان سقوط دموعها أمامه آخر نُقطة صبر لديه، مال على ثغرها مُقبلًا إياها وهو ينزع عنه سترته، مُتناسيًا الوشم الذي لطالم خشي من أن تراهُ دومًا.
صاحية؟ .
قالتها مريم وهي تنظُر إلى أريچ النائمة على الفراش بجوارها، فتحت أريچ عينيها بإرهاق جلى في نبرة صوتها عندما قالت ترد على الأخرى:
أيه صاحية، في شي؟! .

اعتدلت مريم في نومتها جالسة القرفصاء وهنا قامت أريچ بالتقلب على جنبها الآخر حتى تتمكن من رؤية مريم التي تنهدت بأسى ثم قالت بهدوء:
حاسة إنك مش مرتاحة في النوم. تحبي أنام في الأرض؟

إعتدلت الأخرى في نومتها حتى استندت بجسدها على ظهر الفراش وهي تقول بنبرة متحشرجة:
لا خليكِ، بنام أنا .

همّت أن تتدلى عن الفراش ولكن أوقفتها مريم وهي تضغط على ذراعها بخفة وبنبرة لائمة قالت:
أرض أيه اللي تنامي عليها؟! وبعدين إنتِ ما بتتكلميش مصري خالص؟ يعني بما إن جوزك الله يرحمه كان مصري.

أومأت أريچ برأسها إيجابًا وهي تقول بنبرة هادئة:
بتكلم مصري طبعًا وإتعلمته من أول كام شهر في جوازنا، بس لمّا بكون في وضع جادي بلاقي نفسي بتكلم سوري لوحدي كدا. أنا هنام في الأرض وأسيبك تستريحي في فرشتك .

في هذه اللحظة، تدلت مريم عن الفراش بسرعة رهيبة، ثم تابعت وهي تُلقي بعض التحذيرات المازحة للأخرى حيث قال بتفكه:
والله ما حد نايم على الأرض غيري.

ابتسمت أريج في خفة ثم قالت: ليه إنتِ؟ مو أنا الدخيلة عندكم؟، كيف بيقولوها؟ لاجئة! .
زوت مريم ما بين عينيها باستنكار ثم جلست على طرف الفراش أمام الأخرى وبنبرة متضايقة قالت:.

لاجئة أيه بس؟ إحنا في مصر بنرفض الكلمة دي تمامًا. دا لفظ رسمي بين الحكومات وتعريف ثابت في الكُتب بس دا مش بيغير نظرتنا لأي حد قصدنا في عز ضيقته. إحنا أخوات. إحنا بنقدس العروبة. والعروبة بتقول إن مافيش عنصرية. مافيش كلمة لاجئ. في شخص قصد بلدي وهو بيدور على راحته وأمنه فمن واجبي أشيله على راسي ثم إنك أم لطفل مصري وجوزك مصري يعني ليكِ حقوق هنا ماحدش يقدر ينكرها .

نكست أريچ ذقنها بتفهم وحُزن، مدّت مريم ذراعها ثم التقطت كف الأخرى وربتت عليه وهي تقول بنبرة حنون:
أنا عارفة إنك مش عارفة تنامي من التفكير فيه، عارفة إنك موجوعة أوي وعارفة إن اللي إنتِ مريتي بيه صعب .
انخرطت أريچ في بكائها الذي ظهر في شهقاتها التي ترتفع رويدًا رويدًا، أسرعت مريم بضمها بين ذراعيها بينما قالت أريچ بنبرة منهارة للغاية:
وحشني أوي .

ربتت مريم على ظهرها بأسى وهي تستمع إلى صوت بُكائها الذي يتقطع له نياط القلوب وبنبرة مُعزية لها قالت مريم بهدوء:
ربنا يرحمه ويجعل مثواه الجنة، أدعي له حبيبتي .

[[ في صبيحة اليوم الموالي ]].
يا ريتا. يا يزيد. يا ولاد أقعدوا بقى هتوقعوا الأكل من على السُفرة. أشد في شعري منكم. أمهاتكم ترتاح وأنا يطلع عيني .

أردفت زينب بتلك الكلمات وهي تضع الأطباق على المائدة الكبيرة، هرول الأطفال ثلاثتهم خلف بعضهم بسعادة بعد أن اندمجوا بصُحبة يوسف الذي إنضم إليهم مؤخرًا. خرجت أريچ من المطبخ ثم وضعت الأطباق على المائدة بعدما أصرت على معاونة زينب في إعداد الطعام وبنبرة هادئة رددت وهي تتوجه بالحديث إلى صغيرها:
يوسف؟ ممكن تقعد على الكرسي بأدب لأن كدا عيب! .

أومأ الصغير برأسه سلبًا وهو يقطب ما بين عينيه بتمرد طفولي، لامتها زينب وهي توجه لها بعض الكلمات أثناء وقوفها أمام باب المطبخ:
هي المشكلة في يوسف دلوقتي يا أريچ، ما تسيبي الولد يلعب زيهم .

ابتسمت أريچ في خفة ثم توجهت ثانية إلى المطبخ، لتقوم زينب بالتقاط كفها يدلفان معًا وبنبرة ضحوك قالت زينب رغبةً في نزع شعور الغُربة من قلب الأخرى:
أحكي ليّ بقى، هتفاجأيني بأيه تاني غير إنك بتتكلمي مصري؟ بتعرفي تطبخي أيه من الأكل المصري؟! .

أريچ بابتسامة هادئة: بعرف أعمل كُل الأكل المصري .

زينب وهي تقول بنبرة مُبهجة: الله أكبر. الله أكبر. ربنا يحميكِ من العين. أما أنا عندي مريم بتسلق البيض من غير مية ولا آسيا وإنجازات آسيا. جت تتطبخ لنا ملوخية قطعتها بالسكينة كأنها بتقطع خضرة سلطة .

داهم ثغر أريچ ابتسامة خفيفة، تتآنس بصحبة السيدة زينب كثيرًا وكأنها تعرفها مُنذ زمن ولكن صورة زوجها لا تُفارق عقلها وما أن تختلي بنفسها، تبكي حتى الإرهاق ثم النوم، وهنا قالت أريچ بنبرة هادئة:
طيب وليه مش بتجيبي حد يعمل لكم الأكل بدل ما تتعبي في وقفة المطبخ؟! .

زينب بتذكر وهي تُهرول صوب هاتفها: ييي، فكرتيني. أما أكلم الست اللي بتنضف علشان تيجي لأن بكرا الجمعة. أجازة عند الكُل ومش بننضف. لكن بخصوص الأكل أنا مش بتطمن غير وأنا بنفسي عملاه .

أنا جييييت، وجبت لكم معايا البركة بتاعتنا.

صاحت مريم بهذه العبارات من الخارج، فهمت زينب ما تُشير إليه ابنتها فأسرعت إلى خارج المطبخ وبنبرة سعيدة قالت ما أن وجدت السيد هاشم يجلس على الأريكة بمساعدة مريم:
خير ما عملت يا حج هاشم إنك نزلت تفطر معانا علشان أعرفك على ضيفتنا وبنتنا .

انتبهت أريچ لكلمات زينب فترجلت من الطبخ حتى حجرة المعيشة على استحياء وهي تخشى رؤية شخصيات جديدة، نحت أريچ ببصرها إليه لتجد ابتسامته الوقور تُزين ثغره الذي يضم لآليء ناصعة البياض لاستخدامه السواك بشكل دائم، هدأ خفقان قلبها مُجرد أن رأتهُ ثم قالت بنبرة متوترة:
أزي حضرتك؟ .

أومأ هاشم برأسه إيجابًا وهو يقول برضى: نحمد الله يابنتي، البقاء الدوام لله، أنا رجلي وجعاني ونازل مخصوص علشان أعزيكِ وأتعرف بيكِ وأقولك إياكِ وترك الصلاة ولو بتحبي شهيدنا إتصدقي له كتير، الصدقة هتنفعه في قبره .

تفاجأت أريچ من تلقائيته الغريبة والمريحة في آن واحد معها، وبدورها أومأت برأسها في تفهم وهي تقول بهدوء:
شكرًا لكلامك الطيب يا شيخ .

دعتهم للجلوس على المائدة قبل أن يبرد الطعام، التف الجميع حول المائدة وما هي إلا لحظات حتى جاءت آسيا وهي ترتدي فستانًا حافلًا بالورود المختلفة بأكمام ويصل إلى كاحلها وصففت شعرها على شكل ذيل حصان وما أن دلفت حتى تابعت بابتسامة عريضة:
متجمعين في الخير دايمًا، صباح الخير يا بنات؟ صباح الخير يا شيخنا؟ صباح الخير يا زوزو؟ .

بادلها الجميع تحية الصباح عدا زينب التي ضيقت عينيها بتوجس ومن ثم نهضت عن المائدة وهي تستدعيها إلى المطبخ وما أن دخلتهُ حتى رددت زينب بنبرة خبيثة وهي ترفع أحد حاجبيها:
أيه يا سعاد حُسني، مالك؟ هو الفار وقع في المصيدة؟! .

زمت آسيا شفتيها باعتراض ثم عقدت ذراعيها وهي تقول بنبرة مُعترضة: سوري يا زوزو، دي أسرار زوجية ومش هقول لك .

زينب وهي تضع إصبعيها أسفل ذقنها، تنظُر إلى الأخرى بسخط: مسم، ما هو باين أهو، أبقي خلي بقى ديك البرابر بتاعك ينفعك لمّا تتخانقوا. أبقي شوفي مين اللي هيخطط لك .

افتعلت زينب مغادرتها للمكان ولكنها وجدت ذراع آسيا يتمسك بعباءتها، تنحنحت آسيا بخجل ثم تابعت بنبرة مستنكرة:
وقع، بس قالي بكرهك، عديم الأحاسيس والمشاعير .

زوت زينب ما بين عينيها وهي تكشف في معجم اللغة العربية عن كلمة مشاعير تلك؟! وبنبرة متعجبة قالت:
مشاعير؟! أيه مشاعير دي كمان! مش مهم. قالك إنه بيكرهك؟ يبقى بيحبك يا عبيطة. أصل ابني عنده حول في مشاعيره. والنبي لأنا مزغرطة..

همّت أن تفعل وقد نسيت تمامًا ما تمر به ضيفتهم، أسرعت آسيا بوضع كفها على فم زينب وهي تحثها على الصمت قائلة:
هشششش، إنتِ بتعملي أيه؟ هتفضحيني أنا وابنك ثم إن عندنا ميت؟ .

فتحت زينب عينيها على وسعهما ثم تابعت بنبرة خافتة ما أن أبعدت الأخرى كفها: يؤ، لوهلة نسيت الموضوع .
آسيا بابتسامة هادئة: لوهلة؟ طيب أنا يادوب ألحق شغلي. سلام يا زوزو .
وما أن أنهت كلامها حتى هرعت خارج الغرفة لتهتف زينب بنبرة سعيدة: سلام يا قلبها، أبقي خلي بالك من نفسك وأفطري أول ما توصلي الشغل، أوعي ما تفطريش لتقعي من طولك .

آسيا بنبرة مرحة وهي تخرج من باب الشقة: حاااااااضر .
فتحت البوابة الرئيسية للبيت لتجد مجموعة من رجال الشرطة مرابطين أمامه وقد بدا لهم أن هذا التجمُع حصل للتو، زوت ما بين عينيها باستغراب شديد ثم وجدت أحدهم يقترب منها وبنبرة هادئة قال:
ممنوع الخروج يا مدام .

هزّت آسيا رأسها بعدم فهم، ثم استأنفت بنبرة تساؤلية وهي تجوب ببصرها بينهم: ممنوع الخروج يعني أيه؟ وأيه اللي بيحصل بالظبط؟ .
استأنف الضابط حديثه بنبرة أكثر هدوءًا محاولًا شرح الموقف لها: معانا أمر حماية ليكم كلفنا بيه اياس باشا ومانع خروج أي حد من البيت .

أغمضت آسيا عينيها بضيقٍ مما يقوم به، لقد تساهلت في عملها الفترة الماضية. وطالت أجازة عملها كثيرًا وعليها أن تبدأ اليوم. تنحنحت آسيا بأنفاس غاضبة ثم قالت وهي تتحرك من أمامه سيرًا إلى الخارج:
لمّا ييجي الباشا بتاعك، بلغه إنّي عندي شغل زيه وخرجت
قام الضابط بمدّ ذراعه أمامها وهو يقول بنبرة جادة للغاية:.

بعد إذنك يا مدام، دا شغلي وأنا بقوم بيه، وأي غلط هيحصل اياس بيه مش هيسامح فيه، حضرتك ممكن تحلي المشكلة دي بينك وبينه .

رمقتهُ آسيا بنبرة غاضبة ثم أولته ظهرها عائدة إلى داخل البيت وهي تنفض ذراعيها في الهواء بتبرم طفولي، التقطت هاتفها كي تتمكن من التواصل معه وهي تقول بنبرة غاضبة:
حرام عليك مش مسموح ليّ بأجازات تاني، رد رد .

آآآآه. آآآه.
صرخ الإرهابي متأوهًا بألم ضارٍ عندما قام اياس بالضغط على موضع الإصابة بإصبعه الإبهام. كان الآخر يرقد على فراش المشفى التابع لقسم الشرطة وتم تقييد ذراعيه بأصداف حديدية وكذلك الحال مع الآخر الذي كان ينظُر بتوجسٍ وريبةً إلى ما يفعله اياس بصديقه وهو على يقين تام أن براثن ذلك الليث ستطوله بلا ريبة.

زفر اياس زفرة طويلة وهو يعاود الجلوس على مقعده المجاور للفراش مرة أخرى، كان تبرمه واضحًا ومثيرًا للقلق في نفوس أعدائه وهنا وضع اياس كفه داخل جيب بنطاله ثم التقط الهاتف الذي رنّ لتوه ليقطع عليه ما يقوم به. نظر إلى شاشة الهاتف بثبات ثم نهض من مكانه متوجهًا إلى النافذة وما أن ضغط زر الإجابة حتى سمع صخبها المُعتاد وهي تقول بتبرم:
أيه اللي بتعمله دا يا حضرة الظابط، أنا عايزة أروح شغلي.

اياس بنبرة ثابتة محاولًا التحكم في أعصابه المشدودة مُنذ رؤيته لهؤلاء الخونة: مافيش شغل يا آسيا النهاردة ولو على الإذن أنا بديهولك، تمام؟! .
لم ترد أن تطيل الحديث معه لأن نبرته لا تُنبيء بالخير مُطلقًا فأجابت مُنصاعةً لأوامره الجبرية:
تمام..

كان يعلم أن هذه الكلمة ليست آخر ما ستتفوه به تلك العنيدة، صمت قليلًا قبل أن يُغلق الهاتف مُنتظرًا أن تنهال عليه ببعض الكلمات الساخطة على أفعاله، المهم أن تثبت له بأنها أقوى من سُلطته عليها. توقعه كان في محله. عندما تابعت بنبرة مُنفعلة قليلًا:
بس لعلمك، مش كُل مرة هوافق على تحكماتك، أنا ست مُستقلة بذاتي وما أحبش حد يجبرني على حاجة مش عايزاها أو يخطط ليّ .

اياس بثبات وبرود شديدين: خلصتي؟! .
لوت شدقها بغيظ من بروده لتهتف قائلة بتبرم: أيوة، تقدر تقفل .
اِفتر ثغرهُ عن ابتسامة خفيفة ثم قال بنبرة ثابتة: طيب، سلام.

أغلق الهاتف على الفور، أعاده إلى جيب بنطاله ثم استدار مواجهًا للرجلين والشرر يقدح من عينيه وراح يمشي باتجاه أحدهم ثم مال قليلًا بجسده الضخم وبكفه يضغط أكثر فأكثر على موضع الجُرح وبنبرة عدوانية همس:
لسه مش عايز تتكلم؟! .

صرخ الرجل متأوهًا بنبرة أكثر ألمًا، صر على أسنانه يكتم صراخه عندما هتف اياس به بوحشية أن يصمُت. وفي هذه اللحظة، دلف أحد الضباط إلى الغرفة ثم اقترب من اياس الغاضب على مضض وبنبرة هادئة قال:
اياس باشا. سيادة اللوا مستنيك في مكتبه حالًا .

أومأ اياس برأسه إيجابًا ثم أشار له بسبابته أن يخرج وبعدها نظر إلى الرجل من جديد بعينين حادتين تتفرسان معالم وجهه الملتاعة بدقة ثم همس بنبرة تعبق بحرارة عميقة:
شوية مُرتزقة كلاب عاشوا الوهم وأفتكروا نفسهم حاجة وجه الوقت اللي نقطع فيه نسلهم القذر. قصة قصيرة حزينة. لنا عودة .

استقام في مكانه ثانية ما أن أفرغ غضبه في هذين القذرين، رمقهما بنظرة ثاقبة أخيرة قبل أن يواليهم ظهره سيرًا للخارج في طريقه غرفة اللواء مدحت الغول بقسم الشرطة.

وصل إلى مكتب اللواء الذي يعمل اياس تحت إمرته، طرق الباب في هدوء وصبر إلى أن جاءه الإذن بالدخول، أدار مقبض الباب ثم دخل على الفور إلى أن وقف أمام المكتب مُباشرة وهنا تابع اللواء مدحت بنبرة ثابتة وهو يشير إلى المقعد القابع أمام مكتبه:
إتفضل أقعد يا سيادة المُقدم .

أومأ اياس برأسه في تفهم ثم جلس فورًا وعقب ذلك وجد مظروفًا مُزينًا برقة من الخارج حيث قدمه اللواء له، قطب اياس ما بين عينيه وهو يلتقط المظروف من بين يد الآخر قائلًا:
كارت دعوة؟ .

تنحنح اللواء بخشونة ثم شبك أصابعه وهو يتعمد النظر داخل عيني اياس مُباشرة وبنبرة صارمة قال:.

دا كارت دعوة لفرح واحد من ظباطنا الكُفء وطبعًا أنا عايزك تنوب عني في الواجب دا. أو بمعنى أصح عايزك تستعيد إتزانك من تاني، وترجع اياس القوي مش المُندفع وعلشان كدا إنت في أجازة لمدة يومين لأنك لو فضلت هنا هتخلص على الاتنين دول. وإحنا محتاجينهم في اللي جاي. فوق لنفسك يا اياس بلاش تخسر مكانتك بسبب إندفاعك. وأتمنى إنك تحضر الفرح دا عني وياريت تاخد المدام معاك وتغيروا جو. وأهو تخرج من جو الأكشن دا شوية وتراجع خطواتك الجاية .

اياس وهو يتنهد بضيق قائلًا: بس أنا تمام كدا ومش عايز أجازة .
اللواء بنبرة صارمة: أنا قررت وإنتهى، تقدر ترجع بيتك وتجهز للحفلة .
انتصب اياس في مكانه واقفًا وهو يكمت غيظه من هؤلاء داخله، فقد أفقدوه السيطرة على نفسه ولم يعُد يوازن بين ما يفعله بالمرة، أومأ برأسه في استئذان وهو يتوجه صوب الباب ثم يخرج منه والغضب يعتري قسمات وجهه بوضوح ولكنه لا يسعه إلا أن يُنفذ ما يُمليه عليه قائده.

مش قادر. جبت جاز يا حج .
قالها آصف وهو يُلقي بجسده على الأريكة في خمول وإرهاق، عاد بجسده للخلف ثم توسد طرف الأريكة بإجهاد شديد، رمقهُ ثابت بطرف عينه من خلف نظارات القراءة خاصته ثم طوى الجريدة بهدوء ووضعها على الطاولة وهو يقول بنبرة عذبة يمازحهُ:
أكل العيش بقى يابني، وماحدش بياكلها بالساهل .

رفع آصف المنديل الورقي على جبينه يمسحه ثم وضعه أمام ناظري والده وهو يقول بتبرم:
بص طالع مني أيه؟ تراب. أنا بقيت جرثومة، المفروض ينفضوني مع السجاجيد .

ثابت وهو يلومه بضحكة ساخرة: في أيه يا هندسة، ما تنشف كدا؟ دا إنت ابن ثابت الأسواني يعني مش عيل توتو .

أطلق آصف ضحكة طويلة وعالية للغاية صاحبها تنهيدة مُجهدة كذلك وبنبرة سعيدة قال وهو يتغزل في والده:
تعرف يا بابا تعب الشغل كله بيروح بمجرد ما برجع البيت وألاقيك في وشي، ربنا يديم الضحكة على وشك ويبارك لنا في عُمرك ونتشارك الضحك والفرح كُل لحظة .

مدّ ثابت ذراعه ناحية ابنه ثم ربت على كفه بحنان بالغٍ وبنبرة هادئة قال:
أنا بضحك علشان شايفكم بخير يابني. ربنا يوسع رزقكم ويبعد عنك إنت وأختك ولاد الحرام .

أسرع آصف بالتقاط كف والده ثم قبلهُ بسعادة غامرة وراح يقول بنبرة حماسية للغاية: ما قولتليش يا حج ثابت، هنعمل الخطوبة إمتى؟! .

خطوبة أيه يا ثابت؟ ولا نسيتوا أنا هعمل أيه؟! .
تبادل كُلا من آصف ووالده نظرات تساؤلية، قبل أن يقطب ثابت ما بين عينيه مُتداعيًا جهله بما تشير إليه ليقول بنبرة هادئة:
تصدقي نسيت؟ هتعملي أيه صحيح يوم الخطوبة؟ أكيد هتاخدي لعروستنا هدايا على ذوقك؟! .

اندفعت ألفت تجاههما بوجه متجهم ونظرات حادة ثم صاحت عاليًا: هروح أقعد في بيت أمي الله يرحمها ومش هتشوفوا وشي تاني لا إنت ولا ابنك ولا بنتك. ولا أنا كلامي مش بيتسمع في البيت دا؟! بنت عز الدين مش هتدخل البيت ولا هيربطها بيك أي حاجة غير على جثتي .
تأججت عينا آصف غضبًا وهو يردد بنبرة متضايقة: ليه كل دا؟ لو علشان اياس وآسيا فرجعوا لبعض ثم إن مريم ملهاش أي ذنب في كل اللي بيحصل؟! .

أسرعت أُلفت بالجلوس إلى جوار ابنها ثم ربتت على ساقه وهي تقول بنبرة ثابتة تحاول فيها بث الكراهية تجاه الأخرى:
يا حبيبي دي مش من مقامك، سيب الموضوع عليا وأنا أختار لك ست ستها، من أمتى يا باشمهندس بتقبل فضلات غيرك! .

ثابت مُتدخلًا وهو يهدر بغضب جامحٍ: أيه اللي إنتِ بتقوليه دا؟ شكلك إتجننتي على كبر! .

وقعت كلمات والدته عليه كالصاعقة، أحمر لون وجهه من فرط الغضب، أغمض عينيه وهو يمسح وجهه بنفاذ صبرٍ دون أن ينبس ببنت شفةٍ في حين استأنفت ألفت تُصرح بكلماتها المسمومة تلك:
لا لسه بعقلي، على الأقل مش بحرض ابني يروح للهلاك برجله، دي واحدة قتالة قُتله، يعني أوافق على جوازهم وأصحى في يوم ألاقيها قاتلة ليّ ابني؟!

صمتت لوهلة تلتقط أنفاسها ثم التفتت ببصرها إلى ابنها وراحت تقول بنبرة تحذيرية تعسُفية:
ويكون في علمك يا ابن ثابت، حبك وجوازك من الأرملة دي ذنب، علشان أنا مش راضية عنه .

زفر آصف بقوة مكبوتة داخله، هبّ من مكانه واقفًا ثم نظر داخل عيني والدته مُباشرة وبلهجة حازمة قال:.

مريم ذنب وأنا هرتكبه ومبسوط ولسه هعيش مبسوط أكتر، زيّ بالظبط آسيا لمّا نصيبها أتأخر وما كُنتيش راضية عنها وقولتي لها عدم رضايا عنك دا ذنب لمجرد إنها مش لاقية الشخص المناسب وبترفض ويوم ما وافقت وإتجوزت ويوم ما حسيتِ إنتِ إن اياس راجل شديد ومش هيسمع لك كلمة مع أول خناقة ليهم حرضتيها على الطلاق. ورغم إنها حبته بس فرقتيهم ووقتها قولتي لها بردو بلاش ترجعي له دا شايفك ذنب وندمان إنه ارتكبه. رسختي في عقلها إنها في حياة جوزها ذنب، مع إن اياس ماحبش في الدنيا غير آسيا .

صاحت فيه ألفت في استنكار والدموع تسيل من عينيها: أيه يعني أنا دلوقتي اللي بقيت وحشة وخرابة بيوت علشان خايفة على مصلحتك إنت وأختك .

آصف بانفعال خفيف وهو ينفي ما تقول: لأ إنتِ مش كدا يا أمي، ماعنديش شك بنسبة واحد في المية إنك تكوني مش بتحبينا. بس إنتِ ديكتاتورية في طباعك. سيبي الناس تعيش وتختار زيّ ما هي عايزة وبعدين هم اللي يتحملوا نتايج اختياراتهم .

رجعت بدري يعني؟ جالك برد؟ تعبان من حاجة؟ مالك في أيه يا ضنايا؟! .

أردفت زينب بتلك الكلمات وهي تتجه صوب ابنها الذي دخل من الباب لتوه، اقتربت منه على الفور ثم وضعت يدها خلف ظهره وقبل أن يتسنى له فرصة الرد، وجدها تتابع كلامها بنبرة متوجسة:
يا بني إتكلم! وغوشت قلبي عليك .
اياس؟! .
قالتها آسيا وهي تترجل من غرفة الفتاتين، سارت إليه على عجلة بينما هتف هو بنبرة صارمة:
هو في أيه؟ حرام أرجع من الشغل بدري؟! .

اتجه صوب الأريكة يجلس عليها بثبات ورزانة، جاب ببصره بين الاثنين في نفاذ صبرٍ فما زالتا تنظران إليه بنظرات متوجسة. تنحنح بخشونة ثم تابع وهو يتحدث إلى والدته بنبرة هادئة:
مج نيسكافية يا أُمي لو سمحتِ .

أومأت زينب برأسها في سعادة لأنه أراد منها أن تُعد له ما يشتهيه وليس غيرها، لوت آسيا شدقها وهي ترسل له نظرات متمردة لأنه لم يلجأ إلى زوجته في طلب كهذا، بينما تابع هو بصرامة:
أطلعي جهزي نفسك علشان معزومين على فرح واحد من الظباط عندنا .

تهللت أسارير وجهها فجأة وهي تنظر إليه بعدم تصديق، وسرعان ما اقتربت منه ثم ألقت بذراعيها حول عنقه وهي تصيح بسعادة غامرة:
بجد يا إيسو؟ .
انفتحت عيناه على سعتها ليرفع ذراعه قليلًا قابضًا على ذراعيها الملفوفين حول عُنقه ثم أنزلهما بصرامة حتى تلاقت أعينهما وبنبرة جامدة همس وهو يصر على أسنانه:
بيبي وإيسو؟ إتعدلي .

انتفض قلبها هلعًا من قرب نظراته الحادة منها، ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة ثم قالت بنفس همسه الخافت ولكن بنبرة مُتلعثمة:
ح حح حاضر .
حرر ذراعيها من بين قبضتيه فهرولت على الفور مبتعدة عنه حيث باب الشقة كي تستعد لهذه المناسبة.

في هذه اللحظة، ترجلت مريم من الغرفة وكذلك أريچ تباعًا، أومأ اياس برأسه في استسلام وهو يدرك بأنه لا مفر من ثرثرة النساء. أسرعت مريم بالجلوس على الأريكة ثم فعلت الأخرى نفس الشيء وهنا أردف اياس متوجهًا بالحديث إلى أريچ:
مدام أريچ، بقيتي أحسن دلوقتي؟! .
أريچ وهي تومئ برأسها إيجابًا دون أن تنبس ببنت شفةٍ، تنحنحت مريم قليلًا وهي تنظُر إلى شقيقها بطرف عينيها بينما تولى هو المبادرة عنها فتابع بتوجس:.

خير يا مريم؟ عايزة تقولي أيه؟! .
اِفتر ثغرها عن ابتسامة بلهاء تشي بمقدار توترها، كذلك فركت كفيها بخوف بالغٍ من الفكرة المراد قولها له، وقبل أن تنطق بكلمة وجدت أريچ تقول بثبات:
إحنا بصراحة فكرنا نعمل مشروع بدل القاعدة في البيت وكنا عايزين نعرف رأيك؟! .

ضيق اياس عينيه بمكر ثم نحا ببصره إلى شقيقته التي أكلت الهرة لسانها لتومىء برأسها إيجابًا في توجس ورهبة بينما تابع اياس بنبرة ثابتة:
وأيه بقى المشروع؟! .
أريچ باستئناف: مطعم بيجمع بين الأكل المصري والسوري، عايزة أصرف على ابني وأقدم له في مدرسة وآجر شقة وطبعًا مش هقبل إن حد يقوم بدا غيري مع كامل احترامي إلك .

نحا اياس ببصره ثانية إلى شقيقته الصامتة ليجدها تهزّ رأسه له من جديد، تجهمت قسمات وجهه وهو يقول بنبرة حادة قليلًا:
إنتِ أيه رأيك يا أستاذة مريم؟! .
خرجت مريم عن صمتها أخيرًا لتقول بنبرة مُتلعثمة: الفكرة كويسة يعني بدل القاعدة في البيت ولا إنت أيه رأيك؟! .

نبش اياس مُقدمة رأسه بهدوء وافر، جاب ببصره بين الاثنتين وبنبرة ثابتة قال:
مافيش مشكلة، بس على فكرة بيتك موجود وقرب يجهز يا مدام أريچ .
قاطع حديثهم دخول زينب التي تابعت بنبرة حزينة وهي تضع المج أمامه على الطاولة: كدا يا أريچ عايزة تسيبينا وتمشي؟ إنتِ مش مبسوطة معانا ولا أيه؟! .

أريچ وهي تبتسم في خفة: مبسوطة طبعًا، بس مش عايزة أزعجكم أكتر من كدا .
أسرعت زينب بالجلوس إلى جوارها ثم ربتت على كفها وهي تقول بحنان بالغٍ: ماتقوليش إزعاج وكلام فاضي، إنتِ مالية علينا البيت ومقامك مقام مريم وآسيا .

رمقتها أريچ بنظرة مُمتنة، بينما استأذن اياس متجهًا إلى شقته للاستعداد. صعد الدرج حيث الطابع الذي يعلو طابق والدته ثم أولج المفتاح في الباب ودلف إلى الداخل فورًا. سار إلى غرفة النوم فسمع صوت هديل الماء من المرحاض المُلحق بالغرفة. فقرر استعمال المرحاض الخاص بالشقة كي يُهدأ من فرط غضبه وإزالة عناء اللحظات الماضية مع هؤلاء الأسرى.

مرّت دقائق وخرج من المرحاض واضعًا المنشفة حول خصره وأخرى يجفف بها خصلات شعره مُتجهًا إلى غرفة النوم ثانية. دلف إلى الغرفة ببال رائق وما لبث أن تعكر صفو مزاجه الذي جاهد في سبيل أن يبقى هادئًا في هذا اليوم على الأقل. صعد الدمُ إلى رأسه وتأججت نيران الغيرة في قلبه وهو يجدها تقف أمامه تهتف بفرحة:
ايه رأيك؟! .

تفرس معالم الثوب على جسدها بملامح مُهتاجة رغم صمته، ارتدت ثوبًا من اللون الكحلي يصل إلى ما فوق الركبة ويضيق بشكل كامل على جسدها مبرزًا تفاصيله ويتخذ من أعلاه حيث الرقبة فتحة واسعة للغاية وهو عاري الكتفين كذلك.
تنشق الهواء داخله مُحاولًا كظم غيظه بصعوبة وهو يتجه صوب الخزانة هاتفًا بصوت أجشٍ:
غيري القرف اللي إنتِ لابساه دا .

تجهمت معالم وجهها في صدمة، وقفت أمامه مُتخصرة وبنبرة متغاظة قالت: لحظة لحظة. ماله الفستان؟! .
كانت عيناه تتجول بين الثياب مما جعلها تتيقن بعدم اهتمامه لغضبها، في حين تابع هو بنبرة حازمة:
أنا بقول الفستان يتغير ومش هيكون في مبررات لكلامي علشان هيتنفذ وبس .

آسيا وهي تنظُر إلى ثوبها بحُزنٍ بالغٍ: ماله بس؟! .

التقط اياس سترته الكحلية وكرات حمراء اللون وقميصًا أبيض ثم جمعهم في كف واحدٍ واستدار بوجهه لها وهو يحني رأسه قليلًا أمامها وبنبرة صارمة قال:
قروني طولت أوي للدرجة دي؟! .

وقفت آسيا على أطراف أصابعها وهي تنظُر باهتمام اتجاه ما أشار وحتى الآن لم تُدرك ما قاله بعد وبنبرة عفوية قالت:
وريني كدا؟! .
اياس وهو يُحدق فيها بغضبٍ شديدٍ: نعم؟ .

فغرت آسيا فيها وهي تستوعب جملته الآن، تنحنحت بتوترٍ وهي ترى نظراته الثاقبة فيها وبنبرة هادئة قالت على مضض:
خلاص، اختار ليّ إنت! .

رفع اياس أحد حاجبيه في ثبات ثم فتح الخزانة الخاصة بها وتفحص الثياب بعينيه لبعض الوقت وبحركة ثابتة قام بالتقاط أحد الفساتين من خامة الچينز. كانت في غاية السعادة لأنه يشاركها انتقاء ثيابها ولكن ما لبث أن غابت ابتسامتها وهي تنظُر للثوب باستنكار وبنبرة متضايقة قالت:
ايه دا؟ دا واسع وكُنت بلبسه وأنا حامل؟ وبعدين دا بيتلبس تحته بوكليت بكُم ورقبة والجو أساسًا حر! .

هو دا اللي هيتلبس .
ألقى كلماته الحازمة عليها والتي لا تقبل التفويض ثم توجه إلى المرحاض لارتداء ملابسه بينما زفرت هي بضيق شديد، تضرب الأرض بقدميها تارة وأخرى تنظُر إلى ظهره بعينين حادتين تقدحان بالشرر حيث أن اعتراضه لن يُثقل من موقفها أمامه.

غاب لدقائق معدودة ثم خرج من المرحاض في كامل أناقته، توجه على الفور ناحية منضدة الزينة ثم التقط البرفيوم الخاص به وبدأ بنثره على ثيابه وهو يرمقها بطرف عينه في ظفر بينما تقف خلفه بوجه عابسٍ وهي تقول بنبرة محتقنة بالغضب:
يرضيك أروح معاك الفرح وأنا بالشكل دا؟! .

رمقها بنظرة ثابتة من المرآة التي تعكس صورتها ثم عاود النظر إلى ساعة يده الذي يرتديها وبنبرة جليدية قال:
الاحتشام حلو مافيش كلام .

ابتسمت له ابتسامة صفراء غير راضية بينما اتجه نحوها ثم وضع ذراعه حول خصرها بقوة حتى اصطدمت بجنبه وببرود قادها معه إلى خارج الغرفة بينما تسير هي إلى جواره بغضب طفولي وكأنها مُكبلة القدمين.
خرجا معًا إلى خارج الشقة وفي هذه الأثناء كانت العاملة التي تأتي لتنظيف المنزل كُل أسبوعٍ، تصعد الدرج. تنحنحت الفتاة لبرهة ما أن رأته ثم قالت بتوترٍ:
المفتاح علشان التنضيف يا باشا؟ .

أعطاها اياس المفتاح، بينما ابتسمت لها آسيا وهي تقول بنبرة هادئة: إزيك يا نولي والبيبي عامل أيه؟! .

الفتاة وهي تومىء برأسها إيجابًا: كويس يا هانم، سألت عليكِ العافية .
جذبها اياس من يدها كي تهبط الدرج معه وإلا جلستا بالأرض وطالت ثرثراتهما بينما تابعت آسيا وهي تهبط خلفه:
أبقي بوسيهولي .

بادرتها الفتاة بابتسامة باهتة لم تصل إلى عينيها، التفتت بوجهها ناحية باب الشقة ثم أسرعت صوبه وقامت بفتحه على عجلة من أمرها وأول ما قفز إلى رأسها تلك التوصيات التي أُسديت إليها. أسرعت باتجاه غرفة النوم ثم الخزانة الخاصة ب آسيا . قامت بفتحها بتوتر بالغٍ ثم بدأت البحث في ثياب النوم الخاصة بها حتى وقعت عيناها على منامة حريرية باللون الأسود. نظرت إليها باعجاب شديد قبل أن تدسها داخل حقيبتها القماشية، ثم ابتسمت بخُبث وهي تقول بنبرة خافتة:.

أما شكله يجنن، أهو العقربة تقضي بيه الغرض وأبقى أخده ليا .

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة