قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل العاشر

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل العاشر

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل العاشر

خرجت من خلف الستار، كالفراشة ذات الأجنحة البيضاء، المحلقة بسماءٍ تنيرها الشمس ويغيبها قمر الليل الكحيل، تغرد بحيائها على نغمة الخجل الموصود، أصابعها تفرك بعضها بإرتباكٍ يصاحبها أينما خطت خطوة تجاه، تراقبه بطرف عينيها، كان يجلس على مقعد مكتبه، يترقب خروجها بفستاتها الأبيض، صوت دقات قدميها كان يطرب قلبه بهسيسٍ خافت، يحفزه على رفع عينيه تجاهها، حياة أم حيوات أضافتها طالتها لعمره، التطلع لها كساقي النبذ الذي يشتاق لتناول جرعة بسيطة مما يحمله، جف حلقه وهو يتأملها بعينين تتعمقان بكل تفاصيلها، نهض رحيم عن مكتبه وإقترب منها بخطواتٍ فقدت رونق الثقة المعهود، تراجعت خطوة للخلف وهي تراه يقترب ليقف قريباً منها، حركات يدها المتوترة جذبت إنتباهه، رفع يديه الخشنة ليحتويها بين كف يديه، وجد ذاته ينجذب إليها رغماً عنه، طبع قبلة صغيرة على جبينها ليختمها بقولٍ:.

كنت دايماً بتخيلك بالأبيض...
ثم إقترب أكثر ليهمسٍ بصوته الذكوري:
طلعتي أجمل من الصورة اللي في خيالي، أنتِ أجمل من روحي نفسها...
إبتسمت بخفة على مزحته الأخيرة، فاستطرد كلماته بنظراتٍ خبيثة:
فكرة إنك تقيسي الفستان وحشة ونهايتها مش مضمونة..

علمت مغزى رسالته الغامضة، فعلى الفور هرولت للأعلى بعدما حملت اطراف الفستان الكبير، يحيط بها كالحورية، صعدت الدرج ومازال يفترش مساحة كبيرة فتوجهت لغرفة حنين، لعلها تعاونها بخلعه...

عاد ليكرر كلماته بصوتٍ أعلى من ذي قبل ليعيده على مسمعها:
ساكتة ليه إتكلمي!..
تحرر عقدة لسان مايسة فقالت والدموع تلمع بعينيها:
أنا اللي جيت عشان أشوفك، أنت مش بترد على مكالماتي حتى..
قال وعينيه مازالت مثبتة على سلمى:
ولا هرد وياريت ترجعي قصرك يا مايسة هانم..

تساقطت دمعاتها قهراً على معاملته الجافة تعلم بأنها إرتكبت جرمٍ لا يغتفر؛ ولكنها كانت تظنه الأفضل له، زواجه من فتاة من الطبقة المخملية، تليق بمركز عائلته، كانت تخشى أن يكون نسب تلك الفتاة حرج له بأخبار الصحف والمجلات التي ستسجل كل شاردة وواردة خاصة به وبعائلة زيدان، إحتل قلبها غصة مؤلمة وهي تراه يتجنب التطلع إليها، سحبت الخيبة والخذلان بخطوات خروجها من الغرفة، توقفت محلها بصدمةٍ حينما إخترق مسمعها أخر صوتٍ تتوقع منه المدفاعة عنها وما كانت سوى سلمى التي قالت بحزنٍ على حالها:.

مينفعش تعاقبها بالطريقة دي يا جان مهما كان فهي بالأخر والدتك..
أجابها بحدةٍ وقد إحتلت عيناه حمرة الغضب:
والدتي اللي أنتِ بتتكلمي عنها دي كانا عايزة تدمرلي مستقبلي، كانت عايزة تقتلني بالحيا، كانت هتبعدك عني وهي شايفة أد أيه أنا إتعذبت من غيرك!.
سحبت نظراتها للأسفل بحزنٍ ثم تطلعت له، لتجاهد بقول:
بلاش نتكلم في اللي فات..
ثم ازدردت ريقها بصعوبةٍ، لتستكمل:.

عشان خاطري تسامحها يا جان ، لو أنت فعلاً بتحبني...
رسمت بسمة ساخرة على وجهه، ليستدير تجاه والدته، مشيراً بيديه تجاهها:
هي دي اللي أنتٍ بتكرهيها وعايزة تخرجيها بره حياتي!، هي نفسها اللي واقفه وبتدافع عنك رغم كل اللي عملتيه معاها...

تملك مايسة الخزي فحتى هي تعجبت من دفاعها المستميت عنها، أزاح جان عينيه عنها، ليتطلع لمن تقف أمامه تترجاه بنظراتها أن يسامحها ويربت على جرح قلبها، حينما استدار عاد الأمل ليتحطم بداخلها من جديد، فكادت مايسة بالخروح ولكنها توقفت هذة المرة على معصمه المتمسك بها، استدارت تجاهه بصدمة تتمثل بدمعاتٍ خافتة، ازاح دمعاتها ثم قبل يدها ليحتضنها بدمعة عزيزة لمعت بعيناه دون ان تتساقط، إحتضنته مايسة ببكاءٍ حارق وكأنها كانت تستبعد عودته، راقبتهم سلمى ببسمة فرح تحولت لدهشة حينما تركته لتتقدم منها فأحتضنتها هي الأخرى لتعتذر لها عما فعلته بحقها...

فتحت عينيها تدريجياً، لتبدو الصورة مشواشة من أمامها، ثم بدأت بالوضوح، لتراه يجلس على مقعدٍ قريب من فراش غرفته، يده محتضنة لكفٍ يدها ويده الأخرى تلامس وجهها الذي يتصبب عرقاً من فرط تعبها، حالة من السكونٍ سيطرت عليها، فتأملته بصمتٍ بالغ، مرر يديه على وجهها برفقٍ ليخرج عن صمته قائلاً:
ليه بتعاقبيني على ذنب مرتكبتوش يا ريم؟..
ثم تنهد بألم ليستكمل ما قاله:.

أنا واثق إنك مستحيل تصدقي إني أعمل كدا طب ليه بتعذبيني وبتعذبي نفسك..!

تطلعت لشفتيه المتحركة بكلماتٍ لم تصل مسماعها إليها، رائحته التي تغمر فراشه جعلتها تختبر شعورها المعتاد بغفلتها على صدره، رمشت بعينيها كثيراً وهو يتابع حديثه، لتغلقهما مرة واحدة لتستسلم لنومٍ حرمت منه ليومٍ كامل، وكأنها تريد ليلة وداع بداخل أحضانه، إنزوى حاجبيه في تعجبٍ حينما راها غافلة بأرهاقٍ، تدفن رأسها داخل وسادته الحاملة لرائحة البرفنيوم الخاص به...

عاونتها حنين على خلعها، فمررت يدها عليه بفرحة، قائلة بلهفة عارمة:
ذوقه تحفة بصراحة، مبرووك عليكِ يا روحي...
بادلتها شجن نفس البسمة ثم قالت بخفوتٍ:
الله يبارك فيكٍ يا حنون ويكملك على خير ياررب..
رسمت بسمة ساحرة على ثغرها وهى تأمن على حديثها:
يارب يا حبيبتي...
ثم سألتها بمكر وهي تجذبها للمقعد المقابل لها:
المهم بقى تعالي وإحكيلي إزاي علاقتك إنتِ و رحيم إتطورت كده!.

لحقتها ببسمة هادئة لتبدأ كلاً منهن بالبوح عما يحفظ بالقلب...

على فراش الموت تحتضر بأنفاسها الأخيرة، الأطباء يعلمون بأنها مسألة دقائق ثم ستصعد روحها لخالقها، وجود يامن لجوارها كان بناء على رغبتها الأخيرة، بصعوبة بالغة حركت شفتيها الجافة لتبدأ بقص ما حدث بهسيسٍ منخفض يكاد يكون مسموع، كان ينحني برأسه قليلاً لسماع ما تقول..
الصدمة، الغضب، الشفقة، أحاسيس متضاربة سيطرت عليه وهو يستمع لها، كانت هنا تشعر بأقتراب دقائقها الأخيرة فهمست بصوتها المتقطع جوار أذنه:.

خليهم يسامحوني يا يامن، أنا غلطت وكنت فاكرة نفسي كسبت بس خسرت نفسي وحياتي للأسف..
ثم قالت وعينيها الباكية تتركز بأحد أركان الغرفة، إنسابت دمعتها التي غسلتها كالثلج على وجهها، فتعلقا نظراتها على ركنٍ فارغ من الغرفة، لتهمس له بدموعٍ:
خايفة، خايفة أقابله يا يامن، خايفة أواجهه وأنا كلي ذنوب...

تحررت الدمعة العالقة بأهدابه وهو يرى شقيقته العنيدة على مفترق الطريق، بعلم بأنه من المحال أن تتجو بحياتها، شهقة مخيفة خرجت من فمها، فتمرد جسدها بشراسة، وإنقبض صدرها بالهواء، سريعاً تمسك يامن بذراعيها ليردد بدموعٍ باهظة:
رددي الشهادة يا هنا، »..
حاولت الإنصياع إليه، فلم تتمكن من الحديث فقرأ عليها الشهادة بدمعة إختزلت آنين قلبه، لترددٍ بصوتٍ خافت للغاية وشهقة موجعة تسحب انفاسها تدريجياً:.

أشهد، أن، لا، إله، الا، الله، وأشهد، أن، محمداً، رسول، الله...
وإرتخى جسدها بين ذراع أخيها الذي إحتضنها بدموعٍ إختلطت على ذقنه النابت، ضمها لصدره لاول مرة فكانت تختار طريقٍ بعدها عنه كل البعد والآن حينما عرفت الطريق الصائب إلتقطها الموت...

إتبعت المكان المحدد على هاتفها حتى وصلت إليه، وقفت أمام باب المقهى تعدل من حجابها بإرتباك أمام المرآة المطولة، تتفحص فستانها ولفة حجابها الملتف بحرافية، وضعت يدها بتلقائية على عينيها وهي تتفحص النظارات التي لم ترتديهم اليوم بأحساسٍ النقص دونها، ولجت سما للداخل لتبحث عنه بنظراتها التي تطوف بالمكان بأكمله حتى إستقرت عليه، رفعت طرف فستانها وهي تقترب منه بخجل، كاد فمه أن يصل للأرض من شدة صدمته بها وبجمالها الغير متوقع بالمرة، قال بتلقائية دون إنتقاء الكلمات:.

معقول إنتِ بسيوني كفة!.
تلاشت بسمتها ليحل الضيق على ملامحها فاستدارت للرحيل ولكنه تمسك بمعصمها بضحكة عاليه:
بهزر معاكِ..
ثم جذب المقعد ليشير لها بهيامٍ:
إتفضلي..
عدلت من فستانها لتجلس عليه قائلة برقة:
ميرسي..
جلس على المقعد المقابل لها، يتأمل عينيها بفضولٍ، أنهاه بكلماته الموجزة:
النضارة الكوبية مدارية كل الجمال دا!..

إبتسمت سما بخجل، فدث آدم يديه بجيب سرواله ليخرج منها علبة حمراء قطفية، قدمها لها ففتحتها بلهفة فشلت بأخفائها، فتسائلت بفضولٍ:
دا أيه؟!.
لمعت حدقتيها بأعجابٍ وهي تتأمل السلسال الصغير ذو الذوق الراقي، تناولته منه ببسمة واسعة لتشير له بطفولية:
دا ليا؟.
إبتسم بمكرٍ وهو يتفحص مقاعد الطاولة بسخرية:
هو في بنت جميلة معايا غيرك!.

سيطر على وجهها حمرة خجل زرعت الإثارة بداخله، فتلك الفتاة المشاكسة رغم ما تمتلكه من لسانٍ سليط الا أن أقل كلمة تخجلها، وضع الطعام أمامهم فجذب السكين ثم شرع بتناول طعامه ونظراته لم تنخفض عنها، دقات قلبها كادت بأن تقفز محلها من فرط سعادتها بتقاربهم بالفترة الأخيرة، شعرت وكأنها تبدأ حياتها معه من جديد، قرب الملعقة من فمها بترددٍ فألتقطت ما قدمه ببسمةٍ صغيرة جعلته يشرد عن الملعقة الفارغة القريبة من وجهها!.

آدم..
صوتٍ أتى من خلفهم، لفتاة على ما يبدو أمريكية الجنسية، إقتربت منه بأبتسامة واسعة فوقف امامها ليردد بدهشةٍ:
مرلين!..
كادت بإحتضانه ولكنه أوقفها حينما إكتفى بسلام اليد فقط، فقالت بأستغراب متناسية إحراجه لها:
كنت بمصر إذا!، لقد ظننتك سافرت لبريطانيا للعمل مثلما أخبرتني أخر مرة...
أجابها بثباتٍ:
نعم ولكني هنا الآن، هذا كل شيء...

هزت رأسها بذهولٍ من تغيره، فطافت بعينيها الطاولة لتسأله بغمزة وقحة من عينيها:
فتاة عربية؟، إختلف ذوقك قليلاً...
ثم رفعت أصبعها ببسمة ساخرة:
أنت لا تهدر وقتك بأي دولة عزيزي..
رد عليها بصوته الذكوري الخشن:
ربما كنت سابقاً ولكن من تجلس أمامك ليست كأي فتاة عادية، هي زوجتي...
إندهشت كثيراً وخاصة بخبر زواجه، فتسائلت بعدم إستيعاب:
لا أصدق، هل تزوجت حقاً أم هذة مجرد دعابة!.

ثم ألقت نظرة إستقزاز على حجابها لتضيف:
بربك يا رجل لا تخبرني بأنها من إخترت!
أجابها ببسمة ثقة:
الرجل الشرقي لا يتزوج فتاة مباحة للجميع مرلين...

وتركها تشتعل بنيران حرقتها ثم جلس ليستكمل طعامه ببرودٍ جعلها تنسحب من أمامهم بغضبٍ، سيطر الضيق على عينيه الرومادية، فالسهرة المرتبة التي أعدها لها أتت تلك الحمقاء ونزعتها، رفع عينيه تجاهها ليبدأ بالتبرير ولكنه تفاجئ بها، تتناول طعامها بهدوءٍ وكأن لم يكن، فتساءل بإستغراب:
مش هتسأليني مين دي؟!
تركت الملعقة من يدها ثم إستندت بوجهها على معصم يدها قائلة:.

بص يا آدم أنا مش هعاتبك في أي حاجة كانت من ماضيك، كل اللي فات ميهمنيش اللي يهمني من أول ما أنا دخلت حياتك، يعني لو حصل في يوم شيء زي دا صدقني هتكون خسرتني..
وضع يديه على يدها ببسمة طاغية، ليجيبها بعشقٍ تربع على أحرف كلماته:
عمري ما أفكر في يوم أعمل حاجة تزعلك، أنتِ البنت النضيفة اللي دخلت حياتي يا سما ومستحيل ههد العلاقة اللي ما صدقت إن يكون ليها جدران...

سحبت يدها بخجلٍ من بين يديه، فعلت الموسيقى الهادئة بالمكان، فأشار لها بغمزة من رومادية عينيه:
نرقص؟.
تفحصت المكان بنظراتٍ خجلة لتجيبه بتوتر:
لما يكون في بيت يجمعنا..
شعت نظراته بوميض من الحب تجاه تلك الفتاة، إرتبكت للغاية من طريقة تطلعه إليها فأنشغلت عمداً بتناولها للطعام حتى تهرب من نظراته...

خاض الكثير من المعارك الدامية ليتفادي الأوراق المتناثرة بكل إتجاه، حتى وجدها تجلس بمنتصف قاعدة من الكتب والأوراق بالحديقة، تجذب أحداهمن وتدون ملاحظة ثم تلقيها بغضبٍ حينما تجد النتائج غير متطابقة، زفرت منة بنفاذ صبر فكورت الكتاب ثم ألقته بضيقٍ ليصفع وجهه فنهضت عن محلها لتهمس بخوف:
فارس!.
إلتقط الكتاب بصدمةٍ ليشير لها بدهشةٍ:
أيه دا؟!
أجابته وهي تقرض أظافرها من شدة الخوف:.

عندي إختبار بكرا فكنت بذاكر..
أشار لها بالكتاب بسخرية:
دي مذاكرة!، دا إحنا كنا ملايكة بقى...
ثم تطلع لصفقة الورق التي تغطي الحديقة بأكملها ليضيف بأستهزاء:
وبعدين أيه كل دااا!، أنتِ هتحرري الأمم المتحدة ولا أيه؟!.
أجابته بحزنٍ وهي تعدل من نظارات القراءة على عينيها:
إتريق، إتريق وفي مستقبل بيضيع هنا..
تفادى الكتب الفاصلة بينهما ليشير لها بغضب:.

مستقبل أيه اللي بيضيع لا وحياة امك إنجزي في سنتك السودة دي خلينا نتجوز، مش ناقصة أخوكِ يلقيها حجة ويقعدنا سنة جانبه..
كبتت ضحكاتها بصعوبةٍ، فقالت ببراءة مصطنعة:
وأنا يعني ذنبي أيه، حاولت ومفيش أمل..
رفع حاجبيه بسخطٍ:
أمل!، هو أنتِ هتشيلي مترين رمل!.
ثم أزاح الكتب من حواره ليجلس أرضاً مشيراً لها بضيقٍ:
هاتي اللي واقف عليكي اساعدك بيه خالينا ننجز من الفيلم الهندي الأبيض وأسود دا..

صفقت بيدها بحماسٍ لتجذب الكتاب وأحد الأوراق وجلست جواره، جذب القلم وأخذ يتفحص المسألة المعقدة للدقائق ثم وضع الحل على الورقة بعدة خطوات لنتنهي بالناتج الصحيح فأبتسم بغرور وهو يقدم لها الورقة:
خدي إتحلت..
تناولت منه الورقة لتتفحص الخطوات ثم ألقتها بوجهه قائلة بغضبٍ:
هو حد قالك إن المس مديلي واجب وهحله، دا إختبار يا بابا وأنا محتاجة أفهم حلتها إزاي..
لوي فمه بتهكم ليجذب الورقة من جديد، قائلاً بضيقٍ:.

طيب ركزي معايا أبوس أيدك بدل ما نتجمد هنا في التلج..
إبتسمت بأنتصار وإقتربت لتنظر بالورقة من أمامه، شرد بها قليلاً ثم قال بغضب:
بقولك ركزي في الورقة مش معايا الله يكرمك..
قالت وهي تعدل من نظاراتها:
مركزة والله إتفضل..
شرح عليها تفاصيل مع فعله لحلها فقالت بخبث بعدما إنتهى من الحديث:
لا مش فاهمه حاجة عيد..
جذب النظارة التي ترتديها بغضب:
وهتفهمي إزاي طول ما إنتِ لبسه نضارة بسيوني كفة دي..

رفعت أصبعها بوجهه بتحذير:
متغلطش في أختي يا فارس أحسنلك..
ضيق عينيه بسخرية:
ولو غلطت تاني هتعملي أيه يعني..
إنطفئ غضبها بفحيح خبيث فقالت وهي تجمع كتبها:
ولا حاجة مش هروح الإختبار بكرا وأعيد السنة وأنت بقى خاليك متعلق كدا لا طايل سما ولا أرض..
لحق بها سريعاً ليحك رأسه بتفكير:
لا وعلى أيه الطيب أحسن...
إبتسمت بغرور ووضعت الكتب على يديه لتصعد للأعلى بتعجرف والأخر يلحق بها بأبتسامة مكبوتة لما تفعله...

تراقبها مروان لفترةٍ لا بأس بها، وجدها تعمل على الحاسوب الخاص بها طوال الفترات الماضية، توجهت يارا للمطبخ لتعد كوبٍ من القهوة الساخن لعله يعاونها على إستعادة نشاطها ومحاربة النوم الذي يهاجمها، إستغل إنسحابها وتوجه للحاسوب فتحه ليجد من أمامه تصميم خارجي لعيادة بشكلٍ إحترفي، وإسم الملف الخارجي يضم احد أحلامها، لم يتردد بأرسال الملف لرسائله الخاصة ثم حذفها على الفور وصعد لغرفته ببسمة سعادة لكونه سيحقق لها أمنية صغيرة بالنسبة له..

إنهارت قدميه على أقرب مقعد بمقاعد الإنتظار، أفارقت شقيقته الحياة دون أي سابق إنذار، رأها بالصباح وهي ذهابة من المنزل على قدميها وبعد ذلك أتاه مكالمة المشفى على خبر صادم والآن خبراً إنتزع أحشائه وكاد بأن يصيبه بمقتل، مر يامن بأصعب الدقائق التي إختبرت حياته البائسة، حديثها وإعترافها بما فعلته هز كيانه وجعله بموقف لا يحسد عليه ما بين الغضب والشفقة على حالها، جلس كالمتصنم لا يعلم ما الذي عليه فعله لإخراج شقيقته ودفنها، كان يرى الناس تلتف من حوله وكأنه بعالم منعزل، ضغطة قوية على كتفيه منحته قوة غريبة المصدر رفع عينيه ليجده يقف امامه فردد بصوتٍ منهزم:.

جان!.

بكاء الرضيع يصدح بالغرفة الصغيرة بنهاية سطح أحد المنازل الصغيرة، دموعها تختلط مع صوت بكائه الهزيل، فتحملت على ذاتها ونهضت تتفحص علبة الحليب الأخيرة على أمل كاذب بأن تجد بعض من البودرة التي ستخلطها بالمياه الدافئة لأجل صغيرها الذي يبلغ من العمر خمسة عشر يوماً، خاب أملها حينما وجدته فارغ والمال الذي بحوزتها لا يكفي لشراء الطعام لها أو حتى للصغير الجائع، بكت صباح بأنكسار وهي تمر بأصعب ظروفٍ قد مرت عليها، ربما تلك التجربة التي جعلت منها شخصٍ أخر، بكاء الصغير ينزع قلبها من قفصه الصدري، فتوصلت لحلٍ مهتد حينما خلطت المياه ببواقي ما علق بالعلبة لعله يسد جوعه، طرقات خافتة على الباب قطعت ما تفعله، إرتدت حجابها لتفتح الباب فأذا بصدمةٍ أزابت الدموع من عينيها فرحاً...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة