قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الحادي عشر

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الحادي عشر

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الحادي عشر

اللعنة على الطبقة الراقية، المعتاد عنها الإنشغال بالعمل طوال الوقت حتى يصبح المال هو الهدف الأسمى بالحياة، فقد ابنته بلحظاتٍ، فشعر بأن الذكريات التي تجمعه معها تعد على اليد، عاش حياته محامياً بارعاً، يخوض الكثير من المعارك بحرصاً شديد للإنتصار، حتى لو لجئ لطرقٍ غير مشروعة، رأى عباس جسد إبنته محمولاً على السرير المتحرك، مغطى كلياً بملاءة بيضاء تخفي جسدها بأكمله إجبارياً في حين أنه كان يتركها ترتدي ما تريد، مازال لا يستوعب ما حدث في رمح البصر ما بين حادث ووفاة، أما يامن فكان يجلس بحسرة على المقعد القريب من غرفة العناية المركزة، جسده الثقيل متخشب على سطحه القاسي، يتطلع للفراغ بصمتٍ قاتل، صفحات الحياة تتقلب أمامه سريعاً.

لم يكن يوماً ضعيف كتلك اللحظة، فحتى حرافية التصرف بوقتٍ كهذا فقده، ترك زمام الأمور ل جان الذي أنهى إجراءات الدفن وما يلزمها، فلطالما أنجز والدها الكثير من التصريحات والأوراق الحكومية؛ ولكنه الآن عاجز حتى عن الحديث، رفع يامن نظراته المتحجرة تجاه والده ليرمقه بنظرةٍ قاسية، أفشت مكنونها من عتابٍ معتاد، فلطالما كان يخبره بأن تساهله معها سيفقدها ذاتها مرة، وكانت إجابته ببساطة كونه يترك لهما الحرية، عانى وهو يحاول أن يفرق له كونه رجل سيتحمل نتيجة أفعاله وكونها فتاة ستحمل عائلتها نتائج ما تفعله، عانى وهو يحاول أن يخبره بأنها تتمادى بما تفعله وكان النهاية هنا، إستلام جثتها!..

بدمعاتٍ حارقة إقتربت منه، وكأنها تحارب قدميها الثقيلة على الإقتراب، تعلم بأن رؤيته مكسور أصعب ما قد تراه عينيها؛ ولكنها تود مساندته فهي زوجته قبل أي شيء، وقفت فاطمة أمامه لتناديه بصوتها الباكي:
يامن!..

إخترق صوتها قاعة حزنه المغلقة على ذاته، ليمنحه نسمة هواء عليلة تنعش أنفاسه المقطوعة، تطلع له بنظرةٍ تكبت الدموع قدر المستطاع، تخلى عن هذا المقعد القاسي ووقف مقابلها، يتأملها بصمتٍ قطع بهسيس صوته المذبوح:
هنا ماتت يا فاطمة...
تدفقت دمعة ساخنة من عينيها وهي تراه يحارب جموده، يود البكاء، ربما يغار على دمعاته كونه رجل صلب، تحركت أصابعها الباردة لتلامس يديه قائلة بصوتٍ متقطع:.

لسه محتاجاك تقف جانبها يا يامن..
فهم مقصدها، فأشار بالرفض وهو يقول بقهرٍ:
مش هقدر..
ضغطت بأصابعها على يديه لتمنحه القوة، لترد عليه بتصميم:
هتقدر، متسبش حد غريب يدفنها..

يا ﷲ، سماع تلك الكلمات أهلكته كليا، حطمت رماق قلبه، وما تبقى من روحه، أغلق عينيه بقوة أفصحت المجال عن تلك العبرة الخانقة، لتهون ما يلاقاه من ألمٍ ينبش بصدره، ويذبح فؤاده، تحرك بآلية تامة ليؤدي أخر واجب تجاهها كما حثته زوجته، تحرك وبداخله حزنٍ يود لو إنتهى بذبحة صدرية تفتك بروحه وتخفف من حدة وجع الفراق...

حينما يتعلق الأمر بك تستطيع المجازفة ورفض ما يتفضل به أحداً عليك؛ ولكن حينما يتعلق الأمر بفلذة كبدك تقبل ما قد ترفضه يوماً ما، لأجل إحتياجاته، لسد جوعه، أنت مجبر على ذلك، أفتر عن وجهها بسمة فاترة حينما رأت أكياس بيضاء تحوي عُلب الحليب البوادر، وبعضٍ من متعلقات الرضيع كالحفاض والملابس وغيرهم من الزيوت، والكثير من الأطعمة المختلفة، حملت صباح الأغراض بدمعة سرت على وجهها بتأثرٍ وهي تسرع لصغيرها الباكي، لتعد له الحليب، لا تعلم من الذي أتى بكل هذا لعتبة منزلها؛ ولكنها مشيئة ﷲ عز وجل لرضيعٍ يتلوى جوعاً...

حبس إياد أنفاسه وهو يتخبئ خلف الحائط المجاور للدرج، يئن بصمتٍ وهو يستمع لصوت بكائه، يود لو إحتفظ بصورته بحدقتيه عينيه؛ ولكنه ليس قادر على المواجهة، يشعر بأنه مازال ضعيف بحاجة للوقت، حبس جماح أوجاعه وهبط الدرج المتهالك ليرتدي نظارته القاتمة، أملاً بإخفاء السواد الذي يحتل أسفل عينيه، ثم صعد للسيارة التي تنتظره بالأسفل، ليشير بأصبعه للسائق فأنطلق على الفور...
.

فرد ذراعيه بتكاسل وهو يقاوم النوم المستحوذ عليه، سحب الغطاء عنه ثم نهض يبحث عن الطرف الصناعي لساقه المبتور، وجده مائل على الخزانة جواره مثلما وضعه، وقف على قدمه، ليتحرك ببطءٍ شديد ويديه تعبث بوجهه بكسلٍ، وقف ريان ليحاول تثبيت الطرف على ركبتيه؛ ولكن إنزلق من يديه أرضاً، كاد بأن ينحني ليجذبه تجاهه، ففتح باب الغرفة فوقفت من امامه وهي تناديه بلهفة مشيرة بعينيها على الحاسوب الذي تحمله:.

ريان كنت عايزة أوريك ف...

بترت كلماتها بإرتباكٍ، وهي توزع نظراتها بينه وبين الساق الصناعية الموضوعة أرضاً، الموقف يستدعي للتوتر ما بين رافض لوجودها بذاك الوقت وخاصة بأن من اهم الخطوط الحمراء لدي الرجال رؤية المرأة لنقطة ضعف تخصهم، تحركت سارة بترددٍ، فأنحنت لتجلس على الأرض واضعة حاسوبها على الفراش لتجذب الطرف وتلفه جيداً حول ركبتيه ثم ترقبت رد فعله بأنفاسٍ مضطربة، رفع ذقنها بأصابعه، لتجبرها على النهوض، إبتسمت وهي تراه بكامل معالم قوته وثباته الإنفعالي الذي لم يتأثر لمساعدتها له، قربها إليه ثم حمل الحاسوب ليتطلع لما كانت تتحدث عنه، فوجد فستان زفاف من اللون السماوي، الصدر يضم فصوص كبيرة من اللؤلؤ الأبيض، رغم مخالفة ألوانه لفستان الزفاف التقليدي الأبيض الا انه شعر بأنه يناسبها كونها مختلفة بالنسبة له، ترقبت معالم وجهه بصبراً جف حلقها، فران على وجهه بسمة هادئة ليخطف نظراته إليها، متسائلاً بنبرته الرجولية:.

عجبك؟.
هزت برأسها كثيراً مؤمنة على كلماته:
جداً...
وضع الحاسوب على الفراش مجدداً ليحتضنها بأبتسامة أشرقت عن وسامته وهو يهمس بمكرٍ:
إعتبري دي موافقة مسبقة على طلباتك مدام طلب مشترك...

نبض صوتها بضحكة أحيت قلبه من جديد، فسقط ذراعيها عن كتفيه وكأنها تلقت خبراً صادم، إبتعد عنها بأستغراب، فوجدها تتطلع لباب الغرفة فأذا ب جان يقف أمامها، تكتلات الغضب تجمعت بهالة عينيها وهي تحدجه بنظراتٍ إخترقته كأعواد الثقاب المشتعلة، جذب سارة الحاسوب لتتوجه للخروج بخطواتٍ سريعة، متعصبة، كادت بقطع باب الغرفة حينما أوقفها ريان قائلاً بصوتٍ آمر:
إستني يا سارة..

توقفت محلها بضيقٍ من إيقافه لها بحضور الأخر، استدارت تطالعه بأهتمامٍ لمعرفة ما يود قوله، إقترب منها ليمنح جان نظرة غامضة ثم ختمها قائلاً:
خالد سامح يا سارة أنتِ كمان لازم تسامحي وتديله فرصة...

رفعت عينيه الغائرة بالدمع تجاهه، وكأنها تعاتبه على تجرائه لطلب العفو لمن كان السبب بموت أخيها، حتى وإن لم يكن حمل السلاح وأطلق الرصاص عليه ولكنه بالنهاية دفعه ليقتل ذاته، لم تكلف ذاتها عناء فمضت بطريقها لغرفتها دون أن تجيبه، تابعها بنظراته حتى إختفت من أمام عينيه ثم نقل نظراته لصديقه الصامت بحزنٍ غريب، تأمل حالته بنظراتٍ ذهول، شعره الفوضوي، ملابسه الغير مرتبة، وحالة وجهه الحزينة، فسأله على الفور بأستغراب بلهجة صوته:.

مالك؟!.
تحرك جان تجاه النصف المخصص له من الخزانة، ثم أخرج ملابسه، ليشرع بتبديل ملابسه قائلاً بحزن:
أخت يامن توفت النهاردة، وأنا إضطريت اسيبه بالمستشفي، هغير وأرجعله..
تسلل الحزن لوجهه فقال بهمسٍ خافت:
لا حولة ولا قوة الا بالله، ربنا يرحمها ويغفرلها...
ثم فتح خزانته المجاورة له، ليشير له بتصميم:
أنا جاي معاك، ثواني وهكون حاهز..

وتركه وتوجه لحمام الغرفة ليبدل ثيابه، أما جان فسلط نظراته للفراغ بشرودٍ، لا يعلم هل يخبر سليم بالأمر ام يظل بطي الكتمان، فمنذ أن أخبره يامن بما حدث مع شقيقته و سليم وهو يشعر بالصدمةٍ والذهول، حتى أنه أكد ليامن بأنه من المستحيل أن يفعلها...

فتحت عينيها بأستسلامٍ تام لوجودها بأحضانه، كونه قريب منها بهذا الحد الخطير رغم ما فعله جعلها تيأس من محاولات رجعه، كان مستلقي جوارها، يتأمل صمتها بسكونٍ عجيب سيطر عليه هو الأخر، كلاً منهما يتطلع لعينٍ الأخر بشرودٍ فيما تردده من عتاب صامت، تأمل سليم زهرته المحببة لقلبه ليعاتبها بحزنٍ حتى يستميلها:
عايزة تبعدي عني يا ريم!..
ثم أكمل كلماته وعينيه مسلطة عليها:.

كنت فاكر إنك مستحيل تشكِ فيا ولا في أخلاقي..
تحرك فك وجهها الباكي لتجيبه بصوتها الشبه مسموع:
أنا مش واثقة غير بأني مش هقدر أستحمل وأنا بشوفك بتنسب إسمك بأسمها، دا الشيء الوحيد اللي مش هقدر أستوعب أركانه...
إختضن وجهها بيديه ليقربها منه قائلاً بألمٍ يخترق نبرته:
ليه مش قادرة تقتنعي إن غصب عني يا ريم ليه مش قادرة تفهمي إني مش عايز غيرك بس مجبر على كدا...
رسمت بسمة باهته على وجهها لتجيبه بأنكسارٍ:.

أنت اللي مش قادر تقتنع إني مقدرش أشوف إسمها يتكتب جنب اسمك...
ألم صوتها نغز خناجر موقتة بقلبه الذي يخفق بأضطرابٍ، عادت لتختبر نفسه من جديد، بترت الكلمات فيما بينهما حينما إستمعوا لدقاتٍ بدت هادئة على باب غرفته، ففتح بابه ليردد بأستغراب:
جان!

أنهى رحيم السباحة ببراعةٍ، ووقتٍ قياسي، ليصل لحافة حمام السباحة فرفع يديه قائلاً بغرور:
كدا خلاص أنا كسبت..
صعد مراد من أسفل المياه مرة واحدة ليكمل سباحة بسرعة كبيرة بعد أن غمزه بمكرٍ:
المنافسة لسه منتهتش...
إبتسم الأسطورة بخبث ليستمر بالسباحة قبل أن يتمكن الأخر منه، فصعد مراد للأعلى ليشير له ببسمة خبث:
قولتلك متجربش تحدي معايا في السباحة بالذات..
ثم أشار له بغرورٍ:.

كدا بقى انت معاقب بتنفيذ طلبي اللي هقولهولك بس بعد الأختبار اللي رتبنله من يوم ما جمعنا الشباب بالبيت دا وأتمنى محدش يفشل لإني حقيقي إتخانقت...
وجذب المنشفة من الخادم ليجفف صدره وكتفيه بأهتمام، ثم تساءل مجدداً:
بس أنت مقولتليش يا رحيم إنك حددت آ...
بترت كلماته حينما وجد بأنه يحدث ذاته، فسحب نظراته للمياه برعبٍ جلي ليردد بصدمةٍ:
رحيم!.

وبلمح البصر كان بعرض المياه ليتفقد من أين أتى سيل الدماء الذي لوث المسبح بأكمله، وصدمته الأكبر التي أوقفت دقات قلبه حينما وجده فاقداً للوعي!..
؟!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة