قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل السادس

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل السادس

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل السادس

بفيلا عباس صفوان..
طلب الطبيب بعض الفحوصات ليتبين له سبب الأغماء المتكرر لحالتها، كشفت النتائج من أمامه ففتح الظرف المطوي ليقرأ نتائجها بعد أن إستغرقت ساعة كاملة، خلع الطبيب نظاراته الطبية بصدمةٍ بدت بإرتباك وجهه الذي تصبب عرقاً، فهو ليس طبيب عادياً ولكنه طبيب العائلة ويعلم عنها كل شاردة وواردة ويعلم كون هنا فتاة عزباء لم تتزوج بعد، لاحظ يامن حالة الزعر والتوتر التي إستحوذت عليه فسأله بقلقٍ:.

التحاليل فيها حاجة خطيرة ولا أيه؟.
أجابه الطبيب بإرتباك:
لأ، بس آآ...
إنقبض قلب عباس وهو يتابع حوارهم فرفع صوته ببعض الحدة:
بس أيه إنطق!.
أجابه الطبيب بصوتٍ واجم للغاية يكاد يكون واضح:
التقارير اللي قدامي بتثبت إن هنا بنت حضرتك حامل وفي بداية شهرها التاني كمان...

هوت الكلمات على مسماعهم كالصاعقة التي هزت أرجاء منزله فكادت بأن تسقط أعمدتها، لم يتمكن عباس من السيطرة على أعصابه، فجذبه من تلباب قميصه بالقوة ليصرخ به بغضب بالغ:
أنت بتقول أيه!
كاد الطبيب بالإختناق، فتداخل يامن على الفور ليفصل بينهما بصعوبة، فأشار للطبيب بغضبٍ بالغ:
إتفضل انت دلوقتس وياريت الموضوع يكون سري والا أنت عارف أيه اللي ممكن يحصلك..
هز رأسه أكثر من مرة بخوفٍ بالغ:
متقلقش..

وغادر على الفور، فجلس عباس على المقعد بأهمال وكأنه سقط من السماء لسابع أرض بل بأعمق من ذلك ربما بباطنها الموقد بنيرانٍ مميتة، أما يامن فكان كالثور الهائج، يود قتلها بيديه ولكن قبل ذلك عليه أن يعلم مع من فتكت بعرضها وضحت بشرفها وكأنه مباح لها بأي وقت تريده، ألف سؤال تردد بعقله وهو يجوب أمام الغرفة يترقبها إلي أن تسترد وعيها...

أوقف رحيم سيارته أمام باب القصر الخارجي، ففتح الباب الخلفي ليجذبه بقوة من تلباب قميصه ليدفعه بقدميه، فسقط أسفل قدم الحرس، أشار إليهم بحزم قاتل والجدية تنبع بحدقتيه المشتعلة:
يتعلق بالمخزن...

ما أن إنتهى من كلماته حتى جذبوه بقسوةٍ جعلته يتألم ويخشى اللقاء المحتوم بأخر شخص يتمنى رؤياه، جابته نظراته الزيتوينة حتى إختفى من أمام عينيه، أسرع حازم تجاه رحيم ليقدم له ما طلبه منه، جذب المياه وكوب العصير، ثم ولج لسيارته مجدداً، ليحاول أن يجعلها تسترد وعيها قبل الدخول للقصر فتنقبض القلوب لرؤياها بهذة الحالة المخيفة، لا يعلم بأنهم شاهدوا تفاصيل ما حدث، سكب بعض المياه على يديه ثم نثرها على وجهها لترمش بجفنيها بأنزعاجٍ ومن ثم بدأت بفتحهما ببطءٍ شديد لتتضح الرؤيا تدريجياً أمامها، إعتدلت بجلستها بفزعٍ حينما عاد لمخيلاتها ما مرت به منذ قليل، رفع رحيم يديه ليشير لها برفق:.

إهدي يا حنين خلاص إنتِ بقيتي بأمان...

إلتقطت أنفاسها بصورةٍ منتظمة حينما رأت ذاتها بالسيارة، بعيداً عن مذبحة الدماء التي خاضتها منذ قليل مع الأسوء من زوجها، بدأ جسدها بالأسترخاء وعينيها تتطلع أرضاً لتحاول أن تسترد طاقتها المستنزفة لأجل جنينها، مد يديه بكوب العصير إليها فألتقطه منه بإمتنان لحاجتها الماسة إليه، إنتهت منه فألتقط الكوب منها ليمنحها بسمة هادئة لشعوره بالخوف المحبوس خلف نظراتها إليه بعدما رأت ما فعله منذ قليل برجال إبن عمها فسألها بلطف:.

أحسن دلوقتي؟.
هزت رأسها بخفة، لتجيبه بتأكيد:
الحمد لله أنا لسه متمسكة بالدنيا عشان اللي في بطني فربنا بعتك نجدة ليا وهلاك ليهم..
تعالت ضحكات رحيم على جملتها الأخيرة، فكانت تبدو حزينة للغاية وهو تلفظها، فقال بسخرية:
أنتِ زعلانه عليهم؟.
رفعت عينيها إليه بخوفٍ شديد، فلعقت شفتيها لتبللها بريقها لتجيبه بضيق:.

مش حكاية زعل بس على الأقل يكون في موتة كريمة ليهم أو ضرب من غير موت لكن اللي حصل من شوية دا خالاني أحس إن الفيلم الأجنبي بتاع الراجل اللي ماسك الشينور وماشي يقتل في خلق الله خرج للواقع ولبسك أو أنت اللي لبست جسمه أيهما أصح...
لم يتمكن من كبت ضحكاته على حديثها المضحك، فسألها بمكر:.

يعني هتكوني مرضية اوي لما إبن عمك كان جاب رقبتك ورقبتي ودفنا بتربة واحدة ويعيش يتمتع بفلوسك وأنتِ تغني ظلموه تحت التراب؟..
إبتلعت ريقها الجاف بصعوبة وهي تتفقد رقبتها بصورة مضحكة فصرخت بفزع:
لأ طبعاً ألف بعد الشر عليا، يغور في داهية هو ورجالته...
أشار لها ببسمة هادئة:
أيوه كدا إستمري بالدعوات وأحنا هنحققها بعون الله...
وفتح باب السيارة ليشير لها بأصبعه:
كدا إتطمنت عليكي إنزلي..

إنصاعت لكلماته وهبطت من السيارة لتتبعه للداخل بدقات قلبٍ تخفق بقوة خوفاً من أن يكون أصاب زوجها السوء، فتح الخادم باب القصر الداخلي، فتبين من أمامها الفتيات بأكملهم، إحتضنتها نجلاء ببسمة سعادة لتردد بوجهاً بشوش:
حمدلله على سلامتك يا حبيبتي...
رسمت البسمة الهادئة على وجهها فأجابتها:
الله يسلمك يا نوجة...

وتركتها وأكملت طريقها لتقف من أمام شجن التي تتطلع لها بعينيها المتورمة من أثر البكاء، أزاحت حنين دمعاتها التي إنسدلت فور رؤيتها، لطالما كانت الصديقة الجيدة إليها، طمنتها بكلماتها بأنها على ما يرام ثم إنسحبت سريعاً لغرفة مراد، ولجت للداخل بسرعة كبيرة حتى كادت بأن تتعثر لتجد ذرعه الأقرب إليها، نظرة طالت بالتطلع إليه قربت بينهما مسافات كبيرة، تفحصت وجهه وجرح كتفيه الملفوف بشاش أبيض يحجر ذراعه الأيسر بكتفيه، ورأسه محاطة به، بسمة صغيرة ذات بهجة لا توصف رسمت على ثغرها، فأحتضنته بسعادةٍ لا كلمة لوصفها، رددت بصوتٍ مخطوف وكأنه همسة تزف لمسمعه:.

كنت خايفه يكون جرالك حاجة...
رفع ذراعه الأيمن ليضمها لصدره بقوةٍ كبيرة لا تتناسب مع قسوة عينيه المحدقة بالفراغ، وكأنه يحدد شيئاً مصيري بمجهول هذا اللعين، وقف رحيم على باب الغرفة بعدما صعد خلفها، فما أن رأه حتى تركها وتوجه ليقف من أمامه ليسأله بجفاءٍ شديد:
هو فين؟.
يعلم جيداً ما الذي يشعر به لذا أجابه بهدوء:
تعالى ورايا..

لحق به مراد للأسفل فحاولت حنين أن توقفه لعلمها ما يدور بعقله ومازالت حالته صعبة للغاية، ولكنها لم تتمكن من إيقافه، كالأمطار المتمردة التي تتساقط بقوةٍ كبيرة لتغمر أتربة الارض، وصل لنهاية الحديقة الخلفية، فوقف رحيم أمام باب المخزن الحديدي، فأمر الحارس بفتح بابه، ولجوا للداخل بصحبة حازم الحارس الشخصي ل رحيم زيدان، وجده مربط بأحبالٍ غليظة، طرفها معلق بسقف المكان، حركاته ساكنة للغاية بخوفٍ مقروء وخاصة وهو يقف أمام عدوه مقيد، عاجز عن الحركة، إقترب مراد ليقف أمام عينيه وجهاً لوجه والأخر بصدمة من كونه مازال على قيد الحياة، الدماء تفور بعينيه فتجعله وحشٍ مخيف، مازال يرى الصور المتحركة أمام عينيه، صراخها الذي يطالبه بالقصاص يسيطر على عقله كالتعويذة الفتاكة، أخرج من جيب بنطاله الرمادي ليسلطه على وجه عماد المرتجف، إبتلع ريقه الجاف بصعوبة بالغة فجاهد لقول:.

كنت عارف إن أخرك السلاح اللي بتستقوى بيه...
لاحت بسمة شبه ساخرة على وجه رحيم وهو يتابع حوار هذا القتيل المستقبلي الذي يفاصل بأختيار موته، صوت إصطدام قوي ساد بالأرجاء أثر سقوط سلاح مراد أرضاً، نقل نظراته الصقرية المخيفة ليشير بيديه لحازم الذي يقف جوار رحيم:
فكه...
إنكمشت نظرات حازم بذهول، فقال بدهشة:
بس يا باشا آ...
بترت كلماته حينما أعاد الجوكر تكرار كلماته من جديد:.

فكه، أنت هنا عشان تنفذ كلامي مش تجدلني!..
إزدرد حلقه الجاف بصعوبة بالغة فتطلع لرحيم الذي أشار له ببسمة هادئة بحل وثاقه وبالفعل حرره حازم وتراجع ليقف محله من جديد، أشار مراد لمن يقف أمامه بلهجة شرسة:
كنت حابب تتخلص مني فرصتك جاتلك وأنا قدامك...
أشاح عماد بنظراته تجاه الحرس المحاط إليهم بحلقات دائرية، فقال مراد بثباتٍ مخيف:
محدش هيتدخل..

لمعت بسمة الشر على وجهه، يعلم بإنه من المحال أن يخرج من قصر رحيم زيدان حياً ولكن لا مانع في أن يصفي حسابه مع الجوكر المزعوم لعله يشاركه الموت، رفع يديه ليلكم مراد على وجهه فنزف فمه جراء لكمته القوية ليبتسم بأنتشاء، تابع حازم ما يحدث بخوفٍ شديد فهمس لرحيم بصوتٍ منخفض للغاية:
يا باشا مراد بيه لسه خارج من المستشفى من ساعات ومش حمل الكلب دا سيبنا إحنا نربيه بمعرفتنا...

نقل رحيم نظراته المستمتعة بالمعركة تجاه حازم ليرد عليه بثقة:
وجودك معايا هنا مأهلكش تعرف مراد كويس..
ثم توجه للخروج ليشير له بأبتسامة شيطانية:
لما يخلص عليه تاوي جثته بمكان يليق بيه..
وفتح الحارس الباب سريعاً ليغادر رحيم المخزن بأكمله، فتمتم حازم بعدم فهم:
أتاوي جثة مين فيهم؟!..

ظهرت الأجابة من أمامه حينما لف مراد يده حول عنق الأخر ليرفعه بقوةٍ غريبة عن الأرض، بدى وجهه شاحب بعض الشيء، ورغم ذلك تماسك حتى يقتل هذا اللعين الذي نصب الفخ وكاد بالفتك بمن تسللت لأعماق قلبه الواجم...

بغرفة جان...
بعد أن إطمئن الجميع على حنين الفتاة التي علم الجميع بقصتها الغريبة بفضول بعد رؤية الفيديو المعروض توجه كلاً منهما لغرفته فالوقت صار متأخر للغاية، كان ريان ثابتٍ على جانبيه لا يتحرك وكأنه شارد بشيئاً ما، أما جان فلم يستطيع النور، فكان يتقلب لليسار تارة ولليمين تارة أخرى حتى أستقر بوجهه تجاهه فتساءل بهدوءٍ:
صاحي؟.
أتاه صوته المعاند له:
ويهمك تعرف ليه؟.
أجابه بصراحة بالغة:.

عايز أتكلم معاك..
رد عليه ريان بسخرية:
لو صاحي هنام لإني أكيد مش حابب أسمع صوتك..
تألم قليلاً؛ ولكنه يود البوح عما يشعل صدره بجمرات تزيد من حجيمه المقبض، فقال وعينيه صافنة بالفراغ:
أنا كنت أعرف ريناد من قبل ما تتعرف على خالد...
تخشبت نظرات ريان من أمامه، فأعتدل بجلسته على الفراش ليسأله بصدمة:
بتقول أيه؟!.
جلس هو الأخر ليجيبه بعينين غائرتين بالدمع:.

زي ما سمعت كدا، البنت دي كنت على علاقة بيها لفترة طويلة ولما سبتها لفت على خالد عشان تثير غيرتي وأطلبها ترجعلي تاني بس أنا مقدرتش أعمل كدا يا ريان...
منحه نظرة مدققة بملامحه الصادقة، فسأله بشكٍ:
بس اللي بان عليك عكس كده..
أجابه ببسمة ألم وخزي يصاحبها:
أنا كنت بأخد شاور وخرجت لقيتها بأوضتي ولبسه اللبس دا صدقني..
إبتسم بأستهزاء:
وكان صعب تقول كدا؟!
أجابه بإنكسار:.

بالعكس لو كنت أعرف إني هخسره كنت إتكلمت بس أنا يمكن الغرور أخدني وكنت عايز إنتقم لكرامتي كالراجل إنها إختارت تكون مع صاحبي وهي عارفة إني هكون جانبه، كنت واثق إنه هيسيبها فوراً بس أخر ما توقعته إنه هيعمل بنفسه كدا..
وبترت كلماته بآنينٍ خافت، صحب لشهقاتٍ لدمعات متحجرة خلف رداء الثبات المؤلم، إستدار جان برأسه تجاه ريان الذي يرمقه بنظرةٍ مندهشة:.

كنت مفكر إن مش هيكون في عذاب أسوء من موته بس العذاب اللي بجد جيه بعد كدا، في كل ثانية وأنا بحمل نفسي ذنب موته، كل دقيقة بتمر عليا بشوفه قدامي، نظراته مش راضية تروح من عنيا، أنا فعلاً غلطت في حقه وحق نفسي يا ريان ...
وجد ذاته يحتضنه دون أن يتفوه بأي كلمة، فالحزن إحتل أكبر حيز من حياته من قبل، إحتضنه فهمس جان بصوتٍ منكسر:
تفتكر هيسامحني...

إكتفى بهز رأسه بهدوء ومازالت يديه تشدد على كف يديه وكأنه يمنحه بأمال سيدها عودة صداقتهم المبتورة، إحتضنه جان والأخر لم يمانع ذلك فبداخله جانب أنار بسماع الحقيقة حتى وإن كانت لن تعيد رفيقه الأخر ولكن على الأقل لم يتعمد خيانته...

خرج من الداخل يبحث عنه بعينيه، فرأه يجلس على الطاولة ثنائية المقاعد بمنتصف الحديقة، جذب مراد المقعد ليجلس من أمامه بصمتٍ طوت صفحاته حينما قال بصوته الخشن:
مش عارف أشكرك إزاي يا رحيم...
شقت البسمة ثبات وجهه، فقال بلهجة ساخرة:
الأجباري ولازم نتعود عليه إن مفيش شكر بينا...
لاحت على وجهه إبتسامة مكر، فرفع ذراعه ليمررها على يديه الملفوفة بشاش يصل لرقبته، فنهض ليشير له برأسه بألم:.

محتاج أريح هشوفك بكرا..
ثم خطى خطوتين ليعودهم تدريجياً، غمز له بعينيه الزرقاء قائلاً بحديثه الغامض الخبيث:
كنت حابب والله أسالك على السبب اللي خالاك تخطف عمران بس زي ما أنت شايف حالتي بؤس وبرضه معاك أو معايا مش هتفرق كلها أيدين أمينة...
وتركه وتوجه للصعود، إبتسم رحيم بإعجاب يزداد بدراسة شخصيته، فنهض هو الأخر ليلحق به، فوضع يديه بجيوب بنطاله قائلاً بلمعة شيطانية تنير عينيه بوميض مخيف:.

عارف أيه الممتع في وسط جو الصراع اللي بيحصل دا..
توقف مراد محله ليستدير بجسده كلياً تجاهه، فباغته بسؤالٍ حائر:
أيه؟!.
أشار له بعينيه على ذاته:
إنك تلاقي حد تلاعبه يكون بنفس مستواك، فاهمك وهارش حركاتك من قبل ما تعملها...
شاركه البسمة فقطع رحيم باقي المسافة بينهما ليبدو على بعد خطوة منه، ليسأله بمكرٍ:.

يعني أنت فهمت إني ورا خطف عمران وعايز تعرف ايه اللي خالاني أعمل كدا ومستعد طبعاً أجاوبك بس في حال إنك تقولي أيه اللي حصل بأيطاليا...
ثم همس جوار آذنيه ببسمة خبث:
تقدر تقول كدا إن حكاية سفر أمي لإسكندرية دا مدخلتش عليا..
ثم غمز له بمكر:
تصبح على خير يا شريك...

حك طرف أنفه بأبتسامة تداعب وجهه المرهق، صعد لجناحه لحاجته الماسة للراحة بعد هذا اليوم الشاق نفسياً وجسدياً، فتح الباب وولج للداخل ليجدها تجلس على الفراش وتفرك أصابعها بخوفٍ يتشكل على ملامح وجهها، فما أن رأته حنين حتى أسرعت لأحضانه لتبكي بفرحةٍ أم بحزنٍ لما مرت به، إمتزجت الدمعات فما عادت تميز بين أسبابها، خرج صوتها المتقطع جراء بكائها المتواصل:
سيبتني تاني!..

أخرجها بعيداً عن صدره الذي يؤلمه لإندفاعها القوي تجاهه ثم جذب يدها ليجعلها تقف من أمامه ومن ثم توجه للمرآة المطولة، ليميل برأسه على كتفيها، تأملت إنعكاس صورته بأهتمامٍ، فرأته يتعمق بالنظر لموضع جنينها، تعجبت للغاية وبالأخص حينما مرر يديه برفق على بطنها قائلاً ببسمته الهادئة:
عشان كدا كنتِ عايزانا نتعشى بره، عشان تفاجئيني بخبر حملك!..
إستدارت إليه بتذمر، فقالت بضيق:
رحيم اللي قالك صح؟..

أشار لها بلا فباغتته بسؤالٍ أخر يحمل الدهشة:
أمال عرفت إزاي أنا معرفتش حد كنت عايزة أعمالهالك مفاجأة!..

جذب (الرموت) المتحكم بجهازه الخاص بعد أن نقل الفلاشة لغرفته، ثم أعاد تشغيله من جديد، إنكمشت ملامح وجهها بذعرٍ وصدمة بآنٍ واحد حينما رأت فيديو متحرك لما حدث لها، شعر برجفة جسدها حينما تذكرت ما تعرصت له فأغلقه ثم قربها إليه مجدداً، تعلقت عينيه بعينيها، فأستند بجبينه على جبينها قائلاً بصوتٍ قد ذبح فؤاده:
إصابات جسمي مأثرتش عليا زي ما سمعت صوت صراخك...
وتنهد بوجع شعرت به بكل ذرة بكيانها:.

كان نفسي أغمض عيني وأفتحها وأكون قدام الكلب دا أخد روحه بأيدي، ولو مكنتش عملت كدا مكنتش هقدر أبص في عيونك وأفتكر اللي عمله...
إبتلعت ريقها ببعض التوتر، فاستطردت بسؤالٍ أخر:
أنت قتلته؟..

نظراته القاتلة كانت إجابة صريحة لسؤالها، تمكن الخوف منها لدرجة إن جسدها يرتجف لسماع كلمة موت أو رؤية دماء من أمامها، إسترخت بين ذراعيه لتتحرك معه تجاه الفراش فتمددت لجواره ومن ثم غفلت على ذراعه الأيمن فظل لجوارها يتأملها بنظراتٍ تدفن ملامحها بداخل قلبه المتألم...

دقت الساعة الثانية صباحاً ومازالت تميل برأسها على كتفيه، مازال يخبط الأرض بقدميه برفق فتتحرك الأرجيحة بخفة لتحملهما بتناغمٍ، مازالت دقات قلبها تتواثب لقربه الشديد منها، مازالت رائحة البرفنيوم الخاصة به تمنحها شعور الدفء رغم إحساسها بوجود شيء مريب، جذب سليم يدها إليه فشعر ببرودتها، فخلع جاكيته سريعاً ليداثرها به فتفحصت ساعتها بصدمةٍ:
ياه الوقت إتاخر أوي...
ثم تطلع لها ليبتسم بعشقٍ:.

مش قولتلك مش بحس بالوقت وأنا معاكِ...
أخفضت نظراتها عنه لتجيبه بخجل:
ولا أنا...
كاد بأن يضمها لصدره ولكن على صوت هاتفه برسالة نصية أخمدت ملامح السعادة لضيقٍ شديد، وكأنه غير قادر على التنفس، قرأ محتوياتها لينهض من جوارها بنظراته المنكسرة تجاهها فقال بثباتٍ مخادع:
أنا لازم أخرج، إطلعي أنتِ نامي ولما هرجع هكلمك...

وجذب مفاتيح سيارته الموضوعة على الطاولة الصغيرة من جواره ثم كاد بالتوجه لسيارته فتمسكت بيديه وملامحها مربكة كأنها تشعر بشيئاً ما، تألم قلبه للغاية فجلس جوارها ليجاهد برسم بسمة صغيرة على وجهه:
حبيبتي مش هتأخر في واحد صاحبي حصلتله مشكلة كدا هحلها وهرجع على طول بإذن الله..
هزت رأسها بتفهم ثم قالت:
طيب هستانك هنا لحد ما ترجع..
أشار لها بالنفي معقباً على حديثه:.

لأ طبعاً الجو هنا برد إطلعي أوضتك ولما هرجع هكلمك...
أومأت برأسها ببسمة حزينة، فنهضت لتخلع جاكيته فأوقفها سريعاً:
هتأخدي برد أنا مش محتاجه..
ثم أوصلها للدرج الخارجي للقصر، فكلما صعدت درجاته كانت تستدير للتطلع له وكأنها لا تشعر بالأمان لأبتعده عنها، أما هو فكان يتمزق حرفياً، يشعر بداخله بأنه شخصٍ خائن وما عهد سليم زيدان للخيانة قط، ولكن أحياناً تضعنا الحياة بأختبارات لا إختيار ثاني لها...

توجه لسيارته ليسرع بالقيادة تجاه فيلا عباس صفوان بعد أن إستلم رسالة منها حوت كلمات مختصرة..
«يامن وبابا عرفوا أرجوك متتخلاش عني، »..

حركت رأسها يميناً ويساراً بألم، فسيطر عليها النوم بدرجةٍ كبيرة، أغلقت اللاب من أمامها ثم جمعت أوراقها لتستعد للصعود لغرفتها، صعدت أول درجات الدرج من الإتجاه الأيسر في نفس ذات الوقت الذي توجه مروان للصعود من الإتجاه الأخر، منحها بسمة هادئة ليشير لها برأسه:
مساء الخير..
ربعت يدها على اللاب من امامها لتمنحه نظرة ساخرة:
مساء ولا صباح يا أستاذ..
ألقى نظرة متفحصة على ساعته ثم تطلع لها بمرح:.

يا ستي مش هتفرق...
لوت يارا فمها بسخطٍ:
لا بتفرق والله، بس شكلك كدا راجع مش فايق ولا عارف تميز لا صبح ولا ليل..
أجابها وهو يعبس بعينيه بنومٍ:
أه والله نفسي أنام وطولت في السهرة...
ثم قال بسخرية:
مش عايزة تعرفي كنت سهران مع مين كمان؟.
رفعت حاجبيها بعصبية:
ويهمني أعرف ليه؟.
إقترب ليقف على الدرج الذي يعلوها ليستند على الدربزين ليردد بمكر:.

أصل الكلام دا بيبقى بداية الملحمة اللي بتكون في خناقات أي زوج وزوجة وأنا حقيقي مش متعود على دا...
جحظت عينيها بصدمة، فغمز بعينيه ليستكمل كلماته:
وممكن لإني البطل الخارق اللي إنقذك من الموت تكون علامة لبداية الوفاق رأسين في الحلال ولا أيه؟.
جذبت الأوراق بقوةٍ لتشدد على كلماتها:
أنت وقح...
أجابها بسعادة:
I Know (أنا أعلم).

وتركته وصعدت للأعلى بخطواتٍ سريعة فتابعها ببسمة هادئة وعقل شارد بكلماته تجاه أول لقاء وما يخص الزواج!.

كانت تتدعي فقدان الوعي لفتراتٍ طويلة قد تجعلها بهروب إضطراري من مواجهتها القاسية مع أخيها وأبيها، ولكنه كشفها فرفع عنها الغطاء ليصرخ بها بغضبٍ لا مثيل له:
أنا عارف إنك فوقتي فسيبك من الهبل دا وقومي كلميني..
قال كلماته الأخيرة بعدما جذبها لتقف امامه بقوة ألمتها فقالت بخوفٍ:
يامن أنا معملتش حاجة أنا آآ...
قطعها بحدة:.

أنتِ أيه؟! ، لسه بتدوري على كدبة تداري بيها فضحتك السودة! ، أنا كنت عارف إنك في يوم هتوطي رأسنا بالوحل...
وشدد من ضغطه على ذراعيها فحاولت ان تجذبه بالقوة منه ولكن لم تتمكن، ولج أبيها للداخل ليقف أمامها، فقالت بصوتٍ مرتجف وقد بدت ملامحها بأتخاذ اللون الأصفر:
بابا أنا والله آ...

صفعة قوية هوت على وجهها بقوةٍ جعلتها تحتضن وجهها بخوفٍ مما ستلاقاه، جذبها عباس من شعرها بالقوةٍ ليسألها بهدوءٍ مخيف خلف لهحة صوته المريبة:
هتقولي مين اللي عمل كدا ولا أقتلك مكانك هنا..
تعلم جيداً تلك الحالة المخيفة التي تتمكن منه فأسرعت بالحديث:
سليم..
ضيق معالم وجهه بذهولٍ فسألها بصدمةٍ:
سليم زيدان!.
أشارت له برأسها عدة مرات، ذُهل يامن فقال بغضب:
كدابة مستحيل سليم يعمل كدا!.

ثم تطلع لوالده ليردد من جديد:
الحيوانة دي عايزة تلفقها لسليم طول عمرها وعينها عليه وأنا كنت بكدب نفسي..
كاد بأن يصفعها مجدداً ليجعلها تخبره الحقيقة ولكن أتى الخادم ليخبره بوصول أخر شخص قد يتوقعه سليم زيدان، ليثبت له بأن ما قيل هو الحقيقة، ولكن بشعاعٍ أخر هام وهو الوقوع مع اخر عائلة يتمنى الوقوف بوجوههم!.

فتح رحيم باب غرفته، فتعجب حينما رأى الضوء يغمرها، فتش بعينيه بالمكان بأستغراب تحول لذهولٍ حينما رأها تقف بمنتصف غرفته وعلى ما يبدو أنها بأنتظاره!..

تبأطت خطواته وكأنه يحاول إيقاف قدميه عن الحركة، فوقف أمامها يتطلع لها بصمتٍ وتراقب لما ستقول او لوجودها هنا بهذا الوقت، كانت تضع عينيها أرضاً وتترقب دخوله لغرفته فقد إنتظرت طويلاً حتى صعد، رفعت عينيها إليه ليرى بذاته دموعها، خمن رحيم بعد معرفته بالأسطوانة التي نقلت ما حدث فتوقع بأنها ستخبره بكرهها الشديد إليه وبحاجتك للإبتعاد عن القصر لخوفها الشديد منه، ولكن مهلاً تقف أمام دون خوف إذن ما الأمر!.

بدى حائر فتطلع لها بأهتمامٍ، بدت تجاهد للحديث وكأنها تحاول أخراج ما يسكن بداخلها فقالت بدموع رفقتها بالحديث الغير مرتب وكأنها لا تعرف له بداية:
لما شوفت الفيديو دا، حسيت إحساس غريب أوي..
وإلتقطت أنفاسها بصوتٍ مسموع لتشير له على قلبها:
حسيت أني قلبي هيقف من الخوف عليك، إتمنيت إنك تخرج وقلبك لسه بينبض، حسيت إن روحي كانت محبوسة جوا قفص من حديد وبتتمنى أن سجانها هو اللي يحررها مش حد تاني...

وبدمعات تتلألأ بعينيها إستكملت حديثها:
خوفت إتحرم منك مرتين حتى لو كنت بحاول إتقبلك بأسمك الغريب وطباعك المختلفة بس في أمل ان فريد جواك...
وبكت بإنكسار ضمد جروح قلبها فحاولت ان توضح له ما مرت به فأشارت على قلبها مجدداً بأصابعها:
دا مهداش غير لما شافك واقف قدامه...
إمتزجت أحلامه الجميلة مع واقعه التعيس؟!.

هل هي ذاتها شجن خاصته؟!، ياليت أعدائه يرؤه بتلك الحالة وهو يقف مكتوف الأيدي أمامها!، يا ليتهم يروا رحيم زيدان بهيبته يقف أمامها لا يملك حرافية بالغرام للتعامل معها، وكأنه أسير بجان العشق لإنثى واحدة!..

ود لو إقترب منها، ود لو ضمها لصدره ولكنه يخشى أن يفقد كل ما فعله وتقدمت هي به، رفع يديه ليقربها من وجهها ليزيح دمعاتها بأطراف أصابعه، إنحنت برأسها على كفة يديه لتغلق عينيها بقوة جعلته يجذبها لأحضانه دون تردد، إحتضنها وساكنة هي بين ذراعيه!.
إحتضنها وتقبلت ذلك، بل تشدد من إحتضانه!.

قلبه يدق بسرعة كبيرة كادت بأن تمزق أضلاعه، ختام تلك الليلة جعلته يعيش ألف ليلة بليلةواحدة، لم يطمع بها جسدياً لا بل أراد حبها فقط، أراد أن تحتضنه وتشدد من ضغط يدها على يديه وها هي تستلم لآمان أحضانه وتعترف بأن بقلبها له شيئاً!..
ربما حان الوقت!.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة