قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل السابع

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل السابع

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل السابع

هبط مسرعاً للاسفل وعينيه تتأجج بنيرانٍ من جحيم، حاول قدر الإمكان التحكم بذاته فهو يعلم جيداً مع من علقت إبنته، عائلة زيدان من المخاطر التي قد تواجهه وخاصة رحيم زيدان، جبر على أن يتعامل بهدوءٍ رغم الألم الثائر بأعماق قلبه، وقف أمامه صامت لقليلٍ من الوقت قطعه بكلماتٍ موجزة:
أخر حاجة توقعتها إني أكون هادي في موقف زي دا...
خلع سليم نظاراته السوداء ليرمقه بنظرة جافة، فتساءل ببرود:.

وأيه المتوقع بالنسبالك!..
جز على أسنانه بعصبية بالغة، فخرج صوته المكبوت بصعوبة:
أنت واقف في بيتي بعد اللي عملته في بنتي بمنتهى البرود..
لاحت على وجهه بسمة تهكمية فقال بلهجة ساخرة:
ياريتك ربيتها تربية تستحق إنفعالك دا...
إلتهمه الغضب كالوحش ذو الأنياب، فرفع صوته الحاد:
بنتي محترمة غصب عنك وعن التخين...
عباس يا صفوان متنساش أنت بتتكلم مع مين...

صراخه كمم الأفواه فأبتلع عباس كلماته برهبة بدت على معالمه، أشار سليم بيديه بوجومٍ شديد:
بكرا تجهز اوراق الجواز هوقعها بس بنتك هتفضل في بيتك متلزمنيش...
وتوجه سليم للخروج ثم توقف ليتراجع خطوتين للخلف، ليشير له بأصابعه مسترعياً إنتباهه:
الجواز دا هيكون بينا بس لو حد تالت عرف بيه إعتبر إنك مشوفتنيش...

وخرج من منزله بخطواته الثقيلة، فتباعد صوت سيارته ومازال الأخر يقف محله معقود اللسان، وراء حديثه رسالة غامضة لم يتمكن عباس من فهمها أما يامن الذي يقف اعلى الدرج تيقن بأن ما يطوف بعقله هو الصائب، فهو يعلم جيداً بأنه من المحال ان يفعل أمراً كذلك، حتى وإن لم يكن على رابطة صداقة به ولكنه يعلم ما يعلمه الكثير عن سليم زيدان، كور يديه بغضبٍ شديد حتى أبيضت لونها من فرط قوته، فتوجه لغرفتها بغيظٍ يتمرد على ملامح وجهه المتعصب، فتح الباب على مصرعيه ليجذبها من خصلات شعرها بقوةٍ ألمتها، فقال ونظراته تطوف عينيها بنظرة مقززة:.

عملتي أيه يخلي سليم زيدان ينجبر يتجوزك!..
حاولت أن تحرر اصابعه الملتفة حول شعرها بتأويهاتٍ مؤلمة، فصرخت بألمٍ:
سيبني أنا معملتش حاجة...
أجابها يامن ساخراً:
يا سلام هو اللي واقع في سحر عيونك صح!..
إدعت حزنها الشديد وعبثت بعيناها لتجبر الدموع على الهبوط، فسعت لجعل الإنكسار يعتلي معالم وجهها الشيطاني:
أنت تقصد أيه يا يامن، أنت واقف تتهمني بتهم بشعة بدل ما تروح تجيبه من رقبته وتربيه على اللي عمله فيا...

بدت نظراته ساكنة قليلاً، فظنت بأن خدعتها تسرى كالمطلوب، فأسترسلت حديثها بقهراً مصطنع:
أنا فعلاً كنت معجبة جداً بسليم بس أكيد مش هسمح لنفسي إني أتعدى حدودي معاه، صدقني اللي حصل كان غصب عني...
رفع حاجبيه بإستنكار فباغتها بسؤالٍ ساخر:
ومقولتيش ليه لما إتعرضتي لكل دا..
ردت بإرتباكٍ قد بدى بحبات العرق المتصببة على جبينها:
خوفت..
تشكلت بسمة طفيفة على جانبي شفتيه، فأنحنى حتى كان مقابلها ليردد بهمسٍ خافت:.

هعمل نفسي مصدقك بمزاجي، بس صدقيني يا هنا يوم ما هعرف الحقيقة كاملة من سليم أبوكِ نفسه مش هيقدر يخلصك..
وتركها وغادر بعدما صفق الباب بقوةٍ أرعبتها وجعلتها تبتلع ريقها الجاف بصعوبة وهي تتخيل رد فعله بعد معرفة الحقيقة!..

الخذلان، هو أصعب إحساس قد يتغلب على قلب عاشق، تمنى أن يغفر له من عشقه حد الموت ذنب لم يقصد فعله، يتمنى أن تشفع له عشرة الأيام لعلها كانت كفيلة بمعرفة طباعه، يتمنى ان يمنحه عذراً لما إرتكب ولربما حالته النفسية أجبرته على فعل ما لا يليق به، نظرات الخذلان كانت تسكن بعينيها التي تتابع شاشة هاتفها وهي ترأه غافل عن مكالماتها، ترقبت للمرة التي تعدت العشرون أن يجيبها، تريد الحديث، تريد البوح او تبرير ما حدث فيما بينهما، غزت الدموع وجه نغم، فوضعت الهاتف جوارها على الكومود بيأس من ان يكون هناك طريق للعودة فيما بينهما، ظنت بأنها النهاية لحياةٍ لم تعيشها معه بعد!.

طرقة خافتة على باب غرفتها منحتها أمل كبير لا تعلم سر مصدره، صوت خطاه الثقيل جعلها تنكمش بجلستها بضيقٍ لعلمها من القادم؟.
وجدها تجلس جوار ضوء المصباح الضئيل، صرير المقعد الذي جذبه ليجلس مقابل فراشها كان مزعج للغاية، إستغرق الصمت لفترة لا بأس بها إلى أن مزقه قائلاً بطالته المهندمة:
اللي أعرفه إن اللي غلط بيعتذر مش بينفرد بغرفته وعايش دور المظلوم..

خطفت بطرف عينيها نظرة يملأها التذمر، إبتسم رحيم وهو يتابعها بإستمتاع، نهض عن المقعد ليغلق زر جاكيته الأسود، ثم مرر يديه على خصلات شعره وكأنه يمشطها، قائلاً بمكرٍ:
ممكن تكوني محتاجة لمساعدة وأنا مستعد...
نهضت عن فراشها بإهتمامٍ وقد تسرب شعاع الفرحة لقلبها المظلم، فقالت بتلقائية دون أن تعي ما تقول:
بجد!..

وضعت يدها على فمها بإستحياء وغضب من تلقائيتها بالحديث الذي أفصح عما يكمن بداخلها، حك طرف انفه ببسمة طفيفة تكاد ترسم ليشير لها بعينيه:
هستانكي تحت..
وتوجه رحيم للأسفل، تاركها تتطلع للفراغ بذهول من عرضه الغريب بالمساعدة...

شعلة مصباح قلبها إنطفئ لأعوامٍ قضتها بعيداً عنه، وكلما اضاءه الأمل أتت عاصفة قوية جعلت نوره يهتز بقوةٍ فتارة تشعر بأنه قد إنطفئ بالفعل وتارة أخرى تشعر بحرقة لهيبه، أما الآن فأزاحت القيود التي تحجز المصباح بداخله ليتبين لها بأنه مازال يعمل!.

مازال يضوي، مازال يخبرها بأن معشوق الفؤاد عاد لينير دنياها، شردت لفترةٍ طويلة وهي ترتب باقة الزهور الحمراء التي أوصلها الخادم لها منذ قليل، وضعتها بمزهرية غرفتها، فكانت تلامس الزهرة بحرصٍ شديد وكأنهت كأس هاش قابل للإنكسار، شردت لدرجة جعلتها لم تنتبه لمن يستند على باب غرفتها بجسده الرياضي، يتابعها بزيتونية عيناه المهلكة وبسمة الفرحة تتشكل على طرفي شفتيه وهو يرأها تهتم بالزهور التي أحضرها خصيصاً إليها، بدت الأمور بينهما تتحسن عن ذي قبل، مررت يدها برقة على أوراق الزهرة التي تحتضنها ببسمة هادئة، إنكمشت ملامح وجهها بألمٍ حينما جرح أصابعها..

شجن!..

صوته إخترق قاعة غرفتها الخاصة، خطواته السريعة الغير معهودة عنه جعلت نظراتها تتعلق به، إحتضن اصابعها بيديه ليتفحص جرحها الصغير بنظراتٍ جعلتها تشك بخطورة جرحها، مازالت تشعر بهييته الطاغية حينما يطل بمجلسها الخاص، حتى وإن كانت تستمر بإزاحة الحواجز فيما بينهما، قربه الشديد جعلها بحالة من الخجل يصعب وصفها، فتراجعت لتلهو ذاتها بالبحث عن علبة الأسعافات الأولية بدرج خزانتها، وبالفعل أخرجته لتعقم يدها قائلة بكلماتٍ متوترة:.

أنا كويسة..
تطلع لها رحيم بوجهاً جعل تعابيره هادئة حتى لا يزرع الخوف بقلبها من جديد، فوضع يدبه بجيوب بنطاله ليمنحها نظرة دافئة قائلاً بثبات:
شكل هديتي عجبتك..
تطلعت للمزهرية ببسمة رقيقة:
جداً، ميرسي...
لم يتمكن من حجب تلك البسمة الجميلة التي بدت على ثغره، فأمعن لفترة بملامح وجهها التي يكسوها اللون الأحمر فأختتمها بكلماته البسيطة:
مش عايزة تشوفي يوسف؟!.
ضيقت شجن عينيها بإستغراب:
اكيد بس بتسأل ليه؟.

إقتطع المسافة التي تباعدتها عنه ليجذب اللاصق الطبي الذي تحاول لصقه مكان جرحها، ليضعه برفق حول أصبعها، تعمق بنظرة عينيها ومازالت يدها قيد أسر يديه، رفع كفها إليه ليطبع قبلة صغيرة على أصبعها المجروح ليلحقه بقول:
إجهزي...

تسارعت دقات قلبها بقوة، لوهلة شعرت بأن البرودة تحتضن نصف جسدها والحرارة تحتضن النصف الأخر، حمدت الله بمغادرته الغرفة والا كان ليرى حالة التشتت التي زارتها لتو، ولكنها تتقبلها بل أحبت ما تختبره ورحبت به ببسمة هادئة ثم جذبت فستانها لتبدأ بالإستعداد...

خسرت كل شيء، العائلة، المال، السلطة، عفتها، فأصبحت محطمة، هزمها الحزن وجعلها تعيسة، فكانت تختبئ خلف نقابها بعدما صارت وصمة عار، الجميع يتحدث عن بطنها المنتفخة بجنينها الذي يكبر بأحشائها وهي غير متزوجة!، منحها أبيها إختيارين ما بين التخلي عن جنينها أو الإحتفاظ به ولكن بشرط أن تترك المنزل وتبتعد عنهم كلياً، كان الأختيار صعب عليها ففضلت صباح الإبتعاد، فضلت الإحتفاظ بجنينها لعله يعوضها عن المعاناة التي لقتها، تعلم بأنها أخطأت بحق ذاتها حينما فرطت بحب يامن ولجأت لشخصٍ مثل إياد، ولكن هناك حقيقة واحدة لا تنكرها بأنها أحبته، لم تختبر الحب ليامن قط ولكنها شعرت به مع هذا المدمن اللعين من وجهة نظرها، شيء واحد فقط يجعلها سعيدة من طريقها المحفور بالشوك الذي إختبرته وهو تقربها الشديد من ربها، أمنت بأن ما مرت به ما هو الا إختبار ليدفعها لطريق الله، ليجعلها تعود عن معاصيها المتكررة، تعيش بغرفة صغيرة فوق أسطح أحدى البنايات تستأجرها شهرياً بمبلغ بخس ولكنها تجد حتى تدفعه، تؤمن بإن الله لن يتركها وسيظل لجوارها مهما تعرضت للسوء ولربما طريق الهداية له كان أول الطريق لذلك...

من مكانٍ لأخر بدون هدف او وجهة معينة، قيادة طويلة بالسيارة جعلته غائب عن الحياة، يرى فقط من أمامه شريط حياته الذي يمر كالطيف فيستحوذ على زجاج السيارة الأمامي فيجبره على رؤية ما يريد، إختنق صدره وضاق تنفسه فأوقف سليم السيارة بمنتصف الطريق ثم ثقل رأسه يهوي على المقود من أمامه ليصرخ بصوتٍ مخيف:
ليه بيحصل معايا كل دا ليـــــــــــــه؟!.

حفر أظافره بخصلات شعره وكأنه يعاقب ذاته على ما يحدث معه، ساعة كاملة والسيارة متوقفة عن العمل وعقله لم يتوقف عن التفكير، تلون عينيه بلون الدماء فقاد سيارته التي عملت بسرعة فائقة مصدرة صوتٍ مخيف، ليبدل مساره تجاه شركته رغم أن اليوم أجازة رسمية ولكن لاح شبح بعقله وأخضعه لينفذ ما يجول بخاطره، رفع سماعة الهاتف يطلبها ثم إنتظر قليلاً إلى أن إستمع صوتها فقال قبل أن تبدأ بالحديث:.

ريم قابليني في الشركة، حالاً..
سألته بهلعٍ وهي تستمع لصوته المقبض:
في أيه؟، أنت كويس!.
تجاهل سؤالها ليشدد على كلماته بصوتٍ أخافها أكثر:
متتأخريش...
وأغلق سليم الهاتف ليلقيه على مقعد السيارة من جواره ثم وضع يديه على فمه بقوةٍ وبداخله إقتناع تام لما سيفعله...

حاول بصعوبة بالغة ان يخلع ذراعيه من القميص المفتوح أزراره ولكنه لم يتمكن لجرحه العميق، ترك ذراعيه بإستسلام لتمكنه من خلعه عن جسده وإتداء أخر ولكنه تفاجئ بأصابع رقيقة تزيح عنه القميص لتظهر لجواره بنظراتها الخجلة البعيدة عن مشاكستها المعتادة، إبتسم مراد بتسلية وهو يرى إنعكاس صورتها بالمرآة، أصابعها المرتجفة على جسده، نظراتها الغريبة تجاهه، حركاتها المضحكة وهي تحاول أن تعاونه على إرتداء القميص دون ملامسته، طرقت بأصابعها على كتفيه لتجعله يستدير، فأبتسمت بفرحة حينما نجحت بألبسه إياه، أغلقت زر القميص الأسفل ولكنها وجهت صعوبة كبيرة بغلق العلوي، بدت بسمته بالسخرية والأخرى ترمقه بغضب، فجذبت أحد المقاعد من جوارها لتصعد فوقه بضيقٍ ثم أغلقت الأزرر العلوية لتمسح على كتفيه بغرور:.

كدا تمام...
رفع حاجبيه بسخطٍ:
طلوعك الكرسي ولا تحرير سينا؟..
لوت حنين شفتيها بضيقٍ، فقالت بعصبية:
أنا غلطانة إني ساعدتك من البداية..
وحاولت الهبوط ولكنها توقفت حينما حاول قصيرته بيديه، أجبرها على التطلع إليه فأبتسم بمكر وهو يداعبها:
لو شايفة قربك مني غلطة فأغلطي كل يوم..

تطلعت له بأبتسامة ترسم تلقائياً حينما تتطلع له، إزاحت المسافات وكادت الأشواق تترنح على وتر الفؤاد؛ ولكن قطع مجلسهم دلوف الخادم بعد طرقه المتكرر، فقال وعينيه أرضاً بأحترامٍ:
والد حنين هانم تحت وعايز يقابل حضرتك..
ضيق عينيه بذهولٍ، فأشار له بهدوء:
شوفه هيشرب إيه وأنا نازل..
أشار له بخفة ثم غادر لينفذ ما قال، فركت اصابعها بإرتباكٍ وقد تسلل لها بعض الظنون فقالت بتوتر وهي تراه يصفف شعره بثباتٍ عجيب:.

جاي أيه؟.
اجابها بإتزانٍ:
لما ننزل هنعرف..
ومد لها يديه فتمسكت به بقوةٍ لتهبط لجواره..

تخطت السيارة الكبيرة أزقق شوارع الحي البسيط بصعوبةٍ بالغة حتى وصلت للمكان المنشود، هبط رحيم أولاً، ثم إتبعته أشجان و نغم، صعد كلاً منهما للأعلى، فطرق بيديه على الباب الخارجي للمنزل وإنتظر حتى فتح الباب ليطل يوسف من خلفه، شملته نظراته ثم توقفت عليها بضيقٍ وكأنه لم يود رؤياها، كسر رحيم عتاب النظرات بينهما حينما خلع نظاراته ليشير له بسخرية:
مش هتقولنا نتفضل ولا أيه؟.

تباعد عن الباب قليلاً ليشير له بيديه، ولجت شجن بعدما إحتضنته ثم ولج رحيم وتبقت نغم بالخارج قليلاً، وقف كلاً منهما تجاه الأخر لدقائق غامضة قطعتها بصوتها المبحوح:
عامل أيه؟..
تركزت نظراته عليها، وكأنه يتذكر شيئاً معين، فأجابها بعد قليل:
متسولتش من حد ربنا رزقني باللي يكفيني..

تنصف قلبها بقسوة حينما إستمعت لكلماته التي تعلم مغزاها جيداً، فولج للداخل وتركها مازالت محلها لتلحق به بعد قليل، وقف يوسف بردهة منزله بصدمةٍ بالغة، ففرك عينيه مجدداً ليحاول أن يرى بوضوحٍ، هل تحمل الأريكة شجن و رحيم معاً...
كان يرى شقيقته تنبذ المكان الذي يجمعهم وها هي الآن تجلس على نفس مقعده!، تابع رحيم ردود أفعاله ببسمة خبث، فأشار له بتعحرف:
قولتلك مهما طريقي طول هكسبها...

إبتسمت بخفة، فجلس يوسف على أحد المقاعد ليوزع النظرات فيما بينهما بفرحةٍ فقال:
بصراحة أنا مكنتش متوقع إنك هتوصل لأي مرحلة بس وأنا شايفكم كدا لمسني الأمل...
إبتسم رحيم بثباتٍ، فطرق بيديه بخفة على قدميه: ٠
٠ مش ناوي يلمسك حاجة تانية؟.
يعلم من وجودها معه السر خلف زيارته، بدى ثابتٍ للغاية، فنهض ليقطع حديثه عن عمد:
نسيت أسالكم تشربوا ايه؟.
حزنت نغم للغاية لتهربه من الحديث بأمرها، فأشار له رحيم:.

شاي بس مش تقيل زي كل مرة عشان كدا شجن و نغم هيعملوه..
بادلته البسمة بمحبة ثم لحقت بها للداخل لإعداد أكواب الشاي الساخن، كانت محاولة ناجحة من رحيم لأخلاء الأجواء، فأقترب ليجلس على المقعد المجاور له ليحاوره بثبات:.

يوسف أنا عارف إنك مبتوصلش لحالة الزعل دي الا لما يكون في سبب كبير، بس صدقني الحب اللي بينكم دا يستأهل إنك تديله ألف فرصة، أنت أكتر واحد شوفت بعينك العذاب اللي مريت بيه وأنت اللي لازم تقدر وتديها أعذار..
إبتسم بألم بادى ببسمته الواجمة فباغته بسؤالٍ موجع:
وأنا مين يديني عذر يا رحيم أنا من أول ما قبلت بالعلاقة دي وأنا بصلح في أخطائها، زهقت من كتر ما بيدها فرص وحاسس إنها بتستغل دا كويس...

إعترض على حديثه بضيق:
نغم طبعها عنيد يا يوسف فلو إستغلت أي فرصة فدا عشان تسامحها وتديها فرصة جديدة...
كف عن الحديث وبدى وكأنه يعقل حديثه برأسه، فربت على قدميه ليشير له بأصبعه مسترعياً إنتباهه:
متسمعش لعقلك يتغلب على قلبك يا يوسف، كلنا بنغلط، إحنا بشر...

خرجت شجن للخارج حاملة اطباق من الفاكهة لتقدمها حين الإنتهاء من صنع الشاي، جذب مفاتيح سيارته ثم وضع يديه حول معصمها ليشير لها بيديه بالتحلى بالصمت حتى لا تشعر بهما نغم ثم خرج من باب المنزل ليتطلع ليوسف قائلاً قبل إغلاق بابه:
صلح أمورك بنفسك..

وأغلق الباب ليغادر بها للسيارة مرة أخرى، ليصعد كلاً منهم للخلف فتطلع لها بنظرة مطولة ثم إنفجروا ضاحكين على تسللهم المخجل وكأنهن لصوص متخصصين بسرقة الملابس، أمام السيارة كان يقف حارسه الشخصي حازم يخطف النظرات إلي رب عمله بصدمة، لم يصادفه مرة رؤيته يبتسم وهو الآن يضحك بصوته كله، وقف ثابتٍ قدر الإمكان، يتطلع للجانب الأخر كالتعليمات، أخبره رحيم بالإنتظار لحين هبوط نغم فقد صنع لهم جواً خاص للمصالحة قبل الرحيل، صدح هاتفه برسالة نصية فكانت من مراد تحوي كلماتٍ مختصرة...

«كلامك صح، هو موجود تحت حالياً. »..
اجابه برسالة أخرى:
«دقايق وهكون عندك بس في مشوار لأزم أعمله الأول، »...
«مشوار أيه دا؟، »
«لما أجي هتعرف، »...

ووضع الهاتف بجيب سرواله ثم تطلع لجواره ليجدها صافنة بنظراتها للأعلى، رفع عينيه تجاه ما تتطلع إليه فأبتسم هو الأخر وهو يتأمل الشرف المجاورة لبعضها، ذكريات الطفولة العتيقة تكمن بهذا المنزل ذو الطوابق المتهالكة، راحة البال والحب الصافي كان أثمن من مملكة زيدان بأكملها ولكن وجودها لجواره منحه إحساس لا يقدر بثمنٍ...

حملت نغم الأبريق لتسكب منه بالأكواب الموضوعة أمامها، شعرت بأنفاسٍ قريبة منها فأستدارت لتجده يقف قريباً منها، همست بخفة:
يوسف..
سكون ملامحه جعلتها تقول بترددٍ:
يوسف أنا والله مكنت أقصد أقول الكلام دا أنا أسفة آآ...
بترت كلماتها بصدمة جعلتها تبرق به بعدم إستيعاب لما فعله منذ قليل، إنسحبت دقات قلبها لتعود من جديد حينما إبتعد عنها، تطلعت له بذهول فقالت بتشتت:
أيه اللي عملته دا!.

وضع يديه بجيوب جاكيته الرياضي قائلاً بخبث:
أمممم، يمكن حق الدبش اللي بتقوليه ويمكن إستغلال لأننا لوحدنا ولإنك مراتي برضو..
وتطلع خلفه بتفحص ليقترب منها بخبث:
وممكن إستغل الوضع أكتر من كدا فمفيش قدامك غير حل واحد تأخدي بالك من كلامك كويس أو إغلطتي براحتك وأنا موجود..

وقال كلماته الأخيرة بغمزة ماكرة جعلتها تلعق شفتيها بتوتر فدفعته بعيداً عنها ثم هرعت للأسفل وضحكاته تترنح على مسماعها، صعدت نغم بالخلف جوار أشجان بأنفاسٍ مسموعه، تأملت حالتها بإستغراب فسألتها بذهولٍ:
أنتِ كويسة؟.
هزت رأسها كثيراً بإرتباك والأخرى مازالت تشك بأنها ليست بخير وخاصة بأحمرار وجهها، إبتسم رحيم بتسلية وهو يتابعها بمرآة السيارة الأمامية بعدما جلس بالأمام فأشار بيديه لحازم ليأمره بالتحرك..

إنبطح ريان بداخل سيارته حينما هاجمه مجموعة من اللصوص على أحد الطرق، حينما توجه لرؤية أحد اصدقائه بمشفى بعيداً عن المدينة، حطموا زجاج نافذة سيارته بعصا غليظة للغاية(شوم)، ليامروه بالهبوط عنها، جذب هاتفه من جيب بنطاله وأول إسم لمع من أمامه جان الصديق الذي تحول إسمه للعداء ومن ثم صداقة من جديد..

المكان كان خالي من حولها، لا يوجد سوى حارسين أمام باب الشركة الخارجي، صعدت ريم للأعلى، والخوف ينبض بداخلها، ولجت لمكتبه لتجده مظلم، بحثت عنه بنظراتها المرتبكة، فرفعت صوتها بخوف:
سليم!.

شعل ضوءٍ خافت ليظهر من أمامها عدسة مكبرة ثم عرض من أمامها شريط فيديو صادم إليها بكل ما تحمله معاني الكلمات، ظنت ببدء الأمر بأنه فيلم إباحي ولكن إتضح لها معالم وجهه بوضوحٍ، سقط حقيبة يدها أرضاً ومعها سقطت دمعاتها، إنكسر قلبها بصورة موجعة لم يختبر ألمها عاشق قط، لوهلة ظنت بأن قلبها توقف عن الخفق وروحها ذهدت الحياة، تمنت لو تحرك جسدها المتصلب لتوقف عرض هذا الشريط الذي ينهي معه عشق فاق الأمد، إنتهى ولكن ياليت عمرها الذي إنتهى قبل رؤيته، سطع الضوء لترأه يقف أمامها، يحنل بيديه جهاز التحكم وعينيه مسلطة عليها وكأن ما رأته شخصٍ غيره، أيمتلك عين الجراءة ليتطلع لها؟!.

تسلل طلعت لمخبئه السري بعد عودته من غرفة نجلاء، إعتاد رؤيتها قبل النوم كل ليلة وكأنها المسكن الفعال لأوجاعه، حاول أن يضئ الضوء ليتوجه لفراشه المؤقت بجانب الغرفة المطولة، ولكنه وجده لا يعمل، زفر بضيقٍ وهو يتفحصه، فصدم حينما أضيئ الضوء المجاور للتخت، سحب نظراته للداخل ليصعق بقوة حينما رأى من يجلس على المقعد المنصف لردهة قاعته المطولة، واضعاً قدماً فوق الأخرى بمنتهى الغرور ويحدجه بنظراتٍ ثابتة للغاية، ردد طلعت بصدمة لا مثيل لها..

رحيم!
رفع يديه ليتفحص ساعته ثم قال ببسمة خبث:
إتأخرت...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة