قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل السادس عشر

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل السادس عشر

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل السادس عشر

راقبته بعيناها الغائرة بالدموع وأصابع يديها المرتجفة تشدد على السلاح، وهو يحاول الإقتراب منها قائلاً بثباتٍ ويديه ممدودة إليها:
دا مش الحل.
هزت رأسها بإنفعالٍ ليتحرك فكيه المرتجف:
لأ، أنا أستحق الموت...
قال وعينيه تتطلع إليها بألمٍ وقد خضعت لهجته للإنكسار قليلاً، فلا بأس بأن يهون عن ذاته:.

لسه مصممة توجعيني، كل اللي بتعمليه دا بيقتلني، لو أنتِ مش قادرة تستوعبي إنتِ بالنسبالي أيه يبقى على الأقل سيبني أتنفس...

كلماته حطمت أسوار قلبها العالية، إجتاحت مشاعرها لتعاتبها بقسوةٍ عما فعلته، وقفته الثابتة، شموخ قامته، تمنحها أمل خادع بإنه سيتخطى ألمها لقلبه، ولكن عينيه الحزينة تجلدها بسواطٍ لا مفر منه، تسلل الجوكر من خلفها بخفة، ليسحب عنها السلاح قائلاً بسخرية غاضبة:
قولتلك خليه يسامحك بأي طريقة مش تقتلي نفسك!..

رفعت عينيها الباكية تجاه رحيم الذي تحرك للسيارة بعد ان انتشل مراد السلاح من يديها، أسرعت خلفه بخطواتٍ شبيهة بالركض قائلة بدموع:
كان غصب عني...

لم يستمع إليها وأكمل طريقه لسيارته، ففتح السائق بابها ليستقر بالمقعد الخلفي أمر إياه بالتحرك، ركضت خلفه وهي تحاول الصراخ ليصل صوتها لمسمعه فقالت ببكاء:
رحيم...
إلتوت قدميها فأختل توازنها لتسقط ارضاً بقوة خدشت ساقها ويدها فصرخت بتوجع ولكن الم قلبها يضاهي عذاب الجسد، إنتبهت لصوت مراد حينما رفعه قائلاً:
شجن..

إشارة عينيه نبهتها تجاه السيارة التي توقفت ليهبط منها رحيم الذي إقترب منها لينحني مقابلها يتفحص جرح يدها، إستغلت وجوده لجوارها فأحتضنته بتملك وهي تهمس بصوتها الملتاع:
آسفة...

أغلق عينيه بقوة وهو يكبح عاطفة مشاعره تجاهها، تحتضنه بملئ إرادتها وهو كالعاجز حتى عن ضمها لصدره، رفعها عن الأرض ليجملها بين ذراعيه ثم وضعها بسيارته وهي مازالت تتشبث بجاكيته حتى لا يتركها ولكن ترى كلمات الأسف ستمحي آنين القلب!.

صوته الرجولي إقتحم عالمها المظلم، عالم لجأت إليه حينما غابت عن الوعي، لمسات يديه المشددة على معصمها بقوةٍ جعلتها تسترد وعيها ببطءٍ شديد، وجدته يجلس جوارها وينحني تجاهها ليمرر يديه برفق على ححابها المعقود بإحكام حول رأسها، همست بصوتٍ مضطرب للغاية:
ريان...
أتاها صوته المتلهف وهو يتطلع لها بعينيه العاشقة:
جانبك حبيبتي...
ثم طبع قبلة عميقة على جبينها، قائلاً بإمتنانٍ:.

الحمد لله إنك بخير، أنا قلبي كان هيقف...
تمسكت به ببسمة هادئة رسمتها بالكد وهي تحارب دمعاتها التي تلمع بعينيها، فأي مصيراً مؤلم كانت ستناله منذ قليل، طرقات على باب الغرفة جعلت نظراتها المهتمة تصوب تجاهه، ولج جان للداخل وإتبعته سلمى، فأقترب من الفراش ليتساءل بحرجٍ:
أحسن دلوقتي؟..
ردت عليه ببسمة صغيرة رسمت على وجهها المجهد:
الحمد لله..
ثم قالت بإمتنانٍ لما بذله لإنقاذها:.

شكراً على كل اللي عملته عشان تنقذني من النار...
أجابها جان بثباتٍ وقد بدى الحزن يتعمق بنبرات صوته:
مفيش داعي للشكر أنتِ بالنسبالي زي فاطمة...
إرتسمت على وجهها بسمة مشرقة، وكأنها كانت تراجع ذاتها بقرارٍ ما يخصه ووجدت إنها تمتلك الحق لمنحه الصفح عما إرتكبه بحق أخيها وخاصة وإنها رأته بعينيها تجابه الموت لأجلها، ولج شباب عائلة زيدان تباعاً للداخل، فبدأ مروان بالحديث قائلاً:
ألف سلامة عليكِ يا سارة..

أجابته ببسمتها الرقيقة وصوتها المتقطع:
الله يسلمك...
قال آدم هو الأخر:
ألف سلامة عليكِ يا أنسة سارة..
شكرته بنفس بسمتها الثابتة، فقال فارس هو الأخر:
حمدلله على سلامتك يا سارة...

أجابته بأبتسامة مشرقة وهي ترى لأول مرة عائلة زيدان بمكانٍ واحد يجمعهما وخاصة لأجلها، وقف سليم على باب الغرفة يتابع ما يحدث ببسمة صدمة وعدم تصديق، لطالما كانت العائلة متفرقة ليس فقط بالتجمعات ولكن لكلاً منهما عالمه الخاص، فحتى إذا مرض أحداهما لا يعلم الأخر من كثرة المشاغل والطرق المتفرقة المتبعة، وقف مروان جوار فارس فقال بصوتٍ خافت وهو يتابع نظراته العاشقة تجاه منة التي ولجت للتو للإطمئنان على سارة بصحبة الفتيات:.

خلي عندك دم، أخوها واقف...
أخفض نظراته عنها وتتطلع له بغضبٍ، كبت بلهجته الساخرة وقد إرتفع صوته ليكون مسموع من الجميع وعلى رأسهم يارا التي ولجت منذ دقائق:
تعرف تخليك في نفسك ومذكرتك، أنا مش عارف بجد طالب أيه دا اللي سايب الجامعة بتاعته وقاعد يفكر في الإرتباط والحب!، دا أنا وأنا في سنك كنت بذاكر ليل نهار عشان ربنا يسهلها وأعدي للسنه اللي بعدها...
انتصب بوقفته متناسياً من حوله، ليجيبه بضيقٍ:.

الله يرحم لما كنت بتعدي من بلكونة للتانية والعبد لله شاهد عليك...
جذبه فارس من تلباب قميصه بعصبية بالغة:
أنت كنت بترقبني يا حيوان!..
أومأ برأسه بتأكيدٍ فأضاف الأخر بشراسةٍ:
كدا!، طيب شوف مين هيساعدك يا خفيف..
تنازل عن عصبيته ليتمسك بمعصمه ببسنة ترسم بغيظٍ:
عيب ياسطا دا أحنا إخوات وستر بعض..
أجابه الأخر بحدةٍ:
ألعب بعيد يا بابا شطبنا...
جذبه مروان بغضبٍ:.

لا بقولك أيه هتتمادى في الكلام نرجع لنقطة الصفر ونبتديها خناق عادي جداً...
ضيق فارس عينيه بتفكيرٍ ثم قال بعد دراسة الموقف جيداً:
وعلى أيه، نرجع أخوات احسن بس قولي إحساسك ايه وأنت بتحب واحدة أكبر منك!..
رفع صوته بإعتراضٍ جلي:
بسنة بس والكلام خارج المنهج المخصص ليك مرفوض إنت ليك تساعدني لحد ما أشقط المزة...

إنتبه فارس لريان الذي يقف خلف مروان كالذئب الشرس الذي يترصد لكل حرفٍ يقال، ليس عند هذا الحد فقط بل للجميع وخاصة سليم الذي منحه نظرة عدائية مصطنعة تجاه الجزء الأخير المعترف به بالتعدي على غرفة شقيقته، جذب ريان ياقة قميص مروان مردداً بسخريةٍ:
الله دا أحنا فينا حيل نشقط مزز تانية أهو لكن نعيد سنة رابعة مرة رابعة عادي جداً...
إنقبضت ملامحه بخوف، فقال بإرتباكٍ:
هو أنا قولت كدا!.

أشار له آدم قائلاً بسخرية:
دا انت لو عطينك حبوب شجاعة مش هتقول اللي قولته...
تعالت ضحكات جان بمرحٍ ليؤكد على حديثه وهو يتطلع تجاه يارا الذي تلون وجهها بحمرة الخجل القاتلة لوضوح مقصد مروان بها، تدخلت سما بالحديث قائلة بسخرية:
هو أنت خليت ولا بقيت يا عم مروان الحمد لله إني عمري ما أستمنتك على سر والا كان زمانه نازل على قناة المحور...
رمقها بنظرةٍ غاضبة ليشير لها بمعصمه:.

معتش غير بسيوني كفة اللي عنده أسرار...
هوى كف سداسي الأبعاد على رقبته ليجذبه آدم ببسمة عريضة متسائلاً بخفة:
هو أنا من أول ما رجعت من اميركا إتعرضتلك في حاجة يا مروان؟.
أجابه بثباتٍ وهو يفرك رقبته بألمٍ:
لأ...
عاد ليتساءل من جديد:
ضيقتك بكلمة رغم إنك انت وأخويا زي القط والفار؟..
رد عليه بعد تفكير:
لأ...
هوى على رقبته بضربة أخرى ليجيبه ببسمة واسعة:
أمال بتتعدى على مراتي وأنا واقف ليه؟..

أجابه بألم والخبث يسكن بلهجته:
تصدق بالله لو رحيم زيدان مكنش جمعنا الجمعة السودة دي كنت نسيت فرق السن بينا عادي جداً ونزلت على قفاك بأحلى قلم...
تمردت نظراته فعاد مروان ليعدل كلماته:
شوف زعل إزاي وأنا بقوله كنت مش هكون...
حرره آدم ببسمة مشاكسة على المرح السائد فيما بينهما، بينما راقب سليم ما يحدث بعدم تصديق فخرج من الغرفة ليرفع هاتفه بحماسٍ زف كلماته لمن يستمع إليه:.

نجحت يا رحيم، لو سمعت من حد مستحيل كنت هصدق الا لما أشوف بعيوني...

على الجهة الأخرى، الصمت يسيطر بقوته على معالم وجهه الخشبي، يتطلع من أمامه بسكونٍ عجيب، أغلق هاتفه فور سماع ما قاله سليم فكان الدافع إليه والمحمس لقراره المصيري، توقفت سيارته أمام باب القصر الداخلي فحملها بين ذراعيه ثم صعد للأعلى دون ان ينطق بحرفٍ واحد يهدئ عاصفة الأسئلة التي تلاحقها بلا توقف، وضعها رحيم بفراشها ثم كاد بالخروج من الغرفة فأسرعت خلفه لتحتضنه من الخلف قائلة بصوتٍ مبحوح للغاية:
فريد...

أغلق عينيه بضعفٍ تكاد تخرجه من ثباته المصطنع، رفع يديه ليضعها فوق يدها الممدودة على يديه، ليبعدها برفقٍ عنه، ثم إستدار ليكون مقابلها، تأملته شجن بنظرةٍ عبرت عما يكبته القلب من مشاعرٍ جرحت بيدها، ففتكت بقلبها قبل أن تصل لقلبه، تمنت ان تعبر كلماتها عن جزءٍ بسيط يثور بداخلها فقالت:
أنا عارفة إن اللي عملته صعب، بس كان غصب عني، أنا فعلاً كنت مرتبكة ومش عارفة آآ...

بترت كلماتها حينما إبتسم ساخراً على جملتها الأخيرة فقال بإستهزاء:
مرتبكة!..
ثم تطلع لها بغضبٍ، فرفع صوته بجنونٍ:
مرتبكة في إنك تميزي بين فريد ولا إنك تخوني ثقة الراجل اللي على ذمته...
ضيقت عينيها بصدمةٍ من كلماته، فاستطرد بقسوةٍ:
ولنفترض إن الكلب دا كان كلامه صح إزاي قبلتي على نفسك إنك يجمعك علاقة براجل وأنتِ ست متجوزة!..
تراجعت خطوة للخلف بخجلٍ مما فعلته، فعاد ليستكمل حديثه من جديد:.

أنتِ مش بس جرحتيني إنتِ كسرتيني وهنتي رجولتي قدام أخويا ورجالتي...
وحدجها بنظرةٍ مميتة:
متحلميش إني ممكن أسامحك في يوم من الأيام..

وترك الغرفة دون أن يضيف كلمة أخرى، ليتوجه سريعاً لجناحه الخاص، أغلق الباب من خلفه لتنهار حصون قوته، سمح لساقه بالإنسياب ليجلس أرضاً، شدد على خصلات شعره بقوةٍ وهو يحارب الا تسقط تلك الدمعة المحطمة لهواجسه، سقط لتزيح عنه قناع البرودة وتؤكد له بإنه يمتلك قلبٍ ينبض ويتلوى وجعاً مما فعلته، دقائق مرت عليه كالدهر، يحاول فيهما إستجماع قواه لينهض من جديد، جذب هاتفه ليطلب رقمٍ محدد فأتاه صوت المتصل بعد ثواني معدودة، فتحرك فكيه ناطقاً:.

أنا خلاص بقيت جاهز...
إستمع قليلاً للمتصل، ليرفع صوته بعض الشيء:
يا فندم أنت عارف كويس أنا أقدر اعمل أيه لوحدي ومن غير مراد...
بدت تعابير وجهه غير راضية بالمرة عما يستمع إليه فقال على مضض:
زي ما تحب بس ياريت تذكرة السفر والجواز يكونوا جاهزين لإني هتحرك بعد ساعة..

وأغلق الهاتف، ليتوجه لحمام الغرفة، خلع رحيم جاكيته ثم بدأ بتحرير زر قميصه الأبيض الملطخ بالدماء المنسابة من جروح صدره أثر الجراحة، جز على أسنانه بقوةٍ وهو يحاول تحمل ما يؤلمه، ازاح الرباط الطبي عن صدره العلوي ثم جذب المرهم الطبي في محاولة بائسة ليصل لظهره، جذبه احداهم ليفرد طبقة رقيقة على ظهره برفقٍ، فتطلع للمرآة بإستغرابٍ ليجده مراد، تماسك رحيم بقوةٍ في مجابهة الألم والأخر يحاول ان يخفف من ضغط يديه حتى لا يؤلمه، إبتسم وهو يتساءل بخبثٍ:.

وجودك هنا وبالوقت دا معناها إن اللوا كلمك...
رفع الجوكر عينيه ليتطلع لصورته بالمرآة، معاتباً إياه:
كان لازم يكلمني عشان أحاول أوقفك عن الجنان دا...
ثم قال بحدةٍ:
الناس دي ميتهزرش وأنت بتستهون بالموضوع يا رحيم فلو حابب تورط نفسك عشان تهرب من الألم اللي انا شايفه بعينيك دا فلاسف مفيش مهرب...
وقف في مقابلته ليجيبه بصوتٍ مهزوز للغاية وقد طغت عليه أحزانه:
ياريت أقدر أهرب، بس الألم اللي هنا ملوش مخبئ...

وكان يتحدث وهو يشير لموضع قلبه، رفع مراد يديه على كتفيه بحزنٍ:
الحيوان دا إستغلها وهي ضعيفة مقدرتش تحكم عقلها فبلاش تقسى عليها لإنك بتقسى على قلبك أنت...
لاحت بسمة شبه ساخرة على وجهه وهو يجيبه:
الشيطان مبيسمحش يا مراد...
وتركه وخرج لغرفته ليتطلع للفراغ بحزنٍ على كلماته، نعم فهي تراه شيطانٍ لعين فكيف سيمنحها الغفران وهو محاط بالهلاك!..

إتابعه للخارج فوجده يبدل ملابسه لبذلة أنيقة من اللون الأزرق، وجذب حقيبة صغيرة الحجم ليضع بها بعضٍ من ملابسه، مسح على وجهه بضيقٍ وهو يتابعه بنظراته فرطم الحقيبة قائلاً بغضبٍ:
وانا مش هقعد اتفرج عليك وأنت بتقدم نفسك للموت بنفسك المهمة دي بتاعتي انا وانت وهنكملها مع بعض..
أجابه رحيم وهو يتطلع له بهدوءٍ:.

هتكون معايا يا مراد بس مش دلوقتي، في حاجات هنا لازم تكمل، لازم الكل يتقبل حقيقة وجود طلعت زيدان ودي مهمتك اللي هتكمل من غيري...
وتركه ووقف أمام السراحة ليمشط خصلات شعره الطويل بإنتظام، فلحق به مراد لينفث عن ضيقه الشديد بقول:
هو أنت فاكر إني هفضل هنا لحد ما أخليهم يتقبلوه!..
فرك جبينه بألمٍ ليستقيم بوقفته مقابله، قائلاً بثباتٍ:.

لأ، هتعرفهم الحقيقة وهتختفي عشان تساعدني لإني مقدرش أشتغل في مهمة زي دي من غيرك يا شريك...
إبتسم مراد جراء كلمته المميزة تجاهه، فأحتضنه رحيم بقوةٍ ولأول مرة ليردد بصوتٍ محطم للغاية:
وجودك بحياتي كعدو أو صديق فرق كتير...
إبتسم مراد وهو يربت على كتفيه بمشاكسةٍ:
عدو معتقدش صديق ممكن..
بسمة خافتة زارت وجهه، فأبتعد عنه وهو يجذب الحقيبة الصغيرة قائلاً بهدوءٍ وبلهجة ماكرة:
مراد زيدان عدو مغرور وصديق خبيث...

غمز له بطرف عينيه الزرقاء بمشاكسةٍ:
على الرحب والسعة...
سحب الحقيبة ليستدير مقابله قائلاً بتذكار:
فرح نغم و يوسف يتعمل في معاده، مش عايز أي تقصير يا مراد...
اجابه بسؤالٍ:
وأنت؟!..
إتسعت بسمته المخادعة التي تخفي الم كبير:
أنا!، لأ خلاص فوقت من الحلم اللي كنت عايش فيه ورجعت لرحيم زيدان...
ثم إلتقط الورقة المطوية الموضوعة على الكومود الصغير قائلاً بنظراتٍ هائمة بها:
عشان كدا أخر صفحة هيقفلها رحيم مش فريد...

وزع نظراته بينه وبين الورقة بقلقٍ:
ناوي على أيه يا رحيم...
أجابه ببسمة صغيرة وهو يرتدي نظارته السوداء متوجهاً للخروج من الغرفة:
هدفن فريد وبأيدي...

طرقت فاطمة على باب غرفتها، وإنتظرت حتى إستمعت آذن الدخول، فأخبرت ريم بأن يامن يريد رؤيتها، تعجبت ببدء الأمر من طلبه الغريب، ولكنها إنصاعت إليها بالأخير وإتبعتها للأسفل، لتجده بإنتظارها، الحزن يدمس كافة ملامح وجهه، يبدو بأنه لم يتخطى وفاتها بعد، جلست مقابله على الأريكة ولجواره جلست فاطمة التي تمسكت بيديه ببسمة صغيرة، بادلها الإبتسامة بحبٍ ينبع بداخله فمن الوهلة الأولى لأقصوصة عشقهما وهي لم تفارقه، قالت ريم بحزنٍ وهي تحاول فتح الحديث فيما بينهما:.

البقاء لله يا أستاذ يامن، ربنا يرحمها ويصبركم...
أجابها بنبرته الهادئة:
البقاء والدوام لله...
ثم إعتدل بجلسته ليبدأ بالحديث الهام الذي أتى خصيصاً لأجله:
بصي يا آنسة ريم، أنا مش هطول عليكي، أنا جيت النهاردة عشان اطلب منك إنك تسامحي هنا عن كل اللي عملته فيكي وكمان عشان أكدلك إن سليم برئ هي بنفسها قبل ما تموت أ...

عفت عنه تلك المهمة البشعة بقول الغير مستحب عن شقيقته المتوفاه، ولكنه مجبور لعل البوح بالحقيقة يخف من كفة حسابها، فقطعته قائلة:
أنا سامحتها من أول ما عرفت إنها ماتت...
سألها يامن بفضولٍ، وكأنه يحاول التأكد من مهامه:
طيب وسليم!
لمعت الدموع بعينيها رغماً عنها، فأزاحت العالق بأهدابها قائلة بصوتها الباكي:
أنا واثقة من البداية إنه مستحيل يخوني بس لحد اللحظه دي مش قادرة أسامحه أو أتجاوز الموضوع..

وحينما شعرت بإنها على وشك أن تفقد تحكمها بدمعاتها العزيزة، إستأذنت سريعاً بالأنصراف، لتصعد لغرفتها لعلها تخرج عما يضيق صدرها...

الظلام يستحوذ على أركان الغرفة بأكملها، مازالت تجلس أرضاً مثلما تركها، تتطلع للفراغ بدموع تتلألأ بعينيها المنطفأة، تحرك باب غرفتها لتجده يقف من أمامها، لوعة الشوق والحنين زينت لها عما يسيطر على تفكيرها، تحملت شجن على ذاتها لتقف على قدمياها، إنبعث صوت خطوات حذائه بالغرفة بأكملها كالمعتاد، وكأنه عاد ليتآلق من جديد بثباته المرصع بتاجٍ الثقة والغرور، وقف من أمامها ليتعمق بالتطلع لقسماتٍ وجهها، الدقائق تمر ومازال كما هو، يشعر وكأن الأمر يروق له، رفع يديه تجاهها، ليقدم لها ورقة مطوية، تناولتها منه بأملٍ صغير، وهي تتساءل بإستغرابٍ:.

دا أيه؟!.
أجابها بألمٍ وهو يقرأ ملامحها التي تبدلت فور قراءة ما بداخلها:
إفراج من زنزانة الشيطان...
سقطت الورقة أرضاً بصدمةٍ، وهي تتراجع للخلف بذعرٍ:
لأ، أنت مستحيل تعمل كدا!..
جذب الورقة ليضعها على الطاولة ليرد عليها ببسمة صغيرة:
لا عملت يا شجن..
ثم همس جوار آذنيها ببطءٍ:
خلاص حررتك من العلاقة اللي كانت جمعنا...
ثم استرسل حديثه:
إمضي على ورقة الطلاق وهتكوني حرة للأبد...

ثم منحها نظرة عميقة لعينيها عن قرب قائلاً ببسمة ألم:
اخر مرة اسمي واسمك هيجمعهم ورقة واحدة...

وطبع قبلة عميقة على جبينها محملة بآهات خافتة تمكنت من سماع صداها جيداً ثم إبتعد على الفور حتى لا تلاحظ دقات قلبه الصارخة، ليغادر من الغرفة بل من القصر بإكمله بعدما أزاح دمعة خائنة كادت بأن تسقط من زيتونية عيناه ليأمر السائق بالتحرك سريعاً للمطار، يكبح مشاعره، قلبه، عاطفته، فكل ما يمتلك بداخله ينبض لأجلها ولكنه وضع نهاية للحب الأسطوري أو ربما هناك إختباراً خفي ليعلم إن كانت تتوق للحرية ولكن ماذا أعد القدر لكلاّ منهما؟!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة