قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همسات بقلم العشاق للكاتبة آية محمد الفصل السابع عشر والأخير

رواية همسات بقلم العشاق للكاتبة آية محمد الفصل السابع عشر والأخير

رواية همسات بقلم العشاق للكاتبة آية محمد الفصل السابع عشر والأخير

رحلة شاقة مثل التي سيخوضها تحتاج للراحةٍ الجسدية التامة، فبعد إلحاح شديد من اللواء بأن يستريح بأحد الفنادق التي تقع على قربٍ بسيط من المطار للسفر بالغد، وبالفعل توجه رحيم للفندق المنشود لقضاء ليلةٍ واحدة قبل السفر لمهمته المرتبة، إرتخى جسده على الأريكة المفترشة بريش أبيض مريح للغاية، فأستند برأسه على حافتها، اغلق عينيه بقوةٍ وهو يجابه ذاك الجانب من الذكريات الذي يحن إليها فيرسم له طريقٍ مضيء بذكرياتهاٍ التي شتت عقله لتتخفى بجحيمه المتعمد لإبتلاع ما يخصها...

إستندت بذراعيها على باب الحمام بتعبٍ شديد وهي تسارع ثبات دقات قلبها المتوترة، تشعر بأن النيران تشتعل بجوفها، فحاولت الصمود قدر المستطاع حتى لا تسقط أرضاً، أفرغت ما بجوفها وقد أصبح وجهها قاتم للغاية من شدة التعب، إغتسلت بصعوبةٍ وهي تحاول تثبيت ساقها حتى لا تسقط بالمرحاض فيتأذى الجنين، هتفت بصوتٍ خافت:
مراد...

على ما يبدو بأنه مازال يقاطعها منذ ما حدث أخر مرة وهو يكتفي بالتواجد بالجناح، ولكنه يتحاشى البقاء معها بنفس ذات الغرفة، تمكن منها الدوار بدرجةٍ مخيفة فتطلعت لساعة يدها المميزة، رفعتها تجاهها لتضغط على الزر الجانبي إليها لتصدر إشارات لساعة يديه التي لا يستغني عنها على إعتبار كون الوقت من أهم الكنوز بحياة الجوكر المصون، إلتفت حوائط المرحاض الأربعة من حولها بصورةٍ مخيفة فرفعت يدها تعيد خصلات شعرها للخلف بأصابعها المرتجفة، لتجلس على ركبتها حتى إن غابت عن واعيها لا ترتطم بشيءٍ حاد قد يؤذي جنينها، أتاها صوته الرجولي من خلفها وهو يسرع بخطاه بعدما تلاقى إشاراتها، فقال وهو يدنو منها:.

حنين!..
ثم حملها بين ذراعيه ليخرج بها من هذا المكان المغلق لعل الهواء المنعش يفيقها، وضعها برفقٍ على الفراش ثم حرر ستائر النوافذ، ثم إقترب منها ليسألها بقلقٍ:
أحسن دلوقتي؟.

إكتفت بهز رأسها ومازالت عينيها مغلقة، ويدها تحتضن جبينها بألمٍ، أمعن التطلع بها بنظرة متفحصة، فتحرك تجاه براد الغرفة ليخرج مشروبها المفضل الذي يحرص على أن يعده لها يومياً حتى وإن كان لا يتحدث معها بسبب ما إرتكبته، سكب منه بأحد الأكواب ثم قربه منها قائلاً بثباتٍ:
إشربي دا وهتبقي كويسة...

جذبته منه دون أن تتطلع له ثم وضعته لجوارها، وجذبت الغطاء ثم إستلقت بجسدها بأسفله متجاهلة إياه تماماً، رفع حاجبيه بسخريةٍ إتبعته بالحديث:
هو مين فينا اللي المفروض يزعل من التاني بالظبط!..
أغتظت من حديثه الساخر، فأزاحت عن غطائها لتجيبه بلهجتها الحزينة:
أنت مصمم تركبني الغلط...
أجابها بحدةٍ وقد تبدلت ملامحه للغضبٍ:
لإنك غلطتي يا حنين ..
تساءلت بسخريةٍ:
غلطت في أيه؟!.
رفع صوته المتعصب:.

إنك تعرفي إنها بتقابل راجل غريب وتسكتي معناها إنك راضية والتصرف المبرر من وجهة نظرك يعني ممكن في يوم من الأيام ترتكبيه عادي جداً...
صرخت بصوتها المبحوح وقلبها يعلوه صوت الإنكسار:
مراد...
ثم قالت بألمٍ وقد خذلاها هو بكلماته وخذلاتها دمعاتها مرة أخرى بالسقوط:.

أنا سكت وكان ممكن أسكت عشان دي صحبتي الوحيدة وإتمنتي على سرها، صحيح انا مكنتش معاها باللي بتعمله بس حاولت على ما أقدر أقنعها إنها متسمعش كلام الشخص دا، حاولت وفشلت ودا مش معناه إني هفضح سرها، كون إنك غلطت فدا مش مبرر إنك تخون الصداقة وتقول سر حد...

ثم تركته ونهضت عن الفراش، لتتجه بصعوبةٍ بالغة تجاه خزانتها، أخرجت فستان محتشم وحجاب ثم كادت بأن تبدل قميصها القطني القصير، لحق بها ليسألها بلهجته المتزنة بالثبات الطاغي:
على فين؟.
رفعت رأسها تجاهه، لتجيبه ببسمة ساخرة:
متقلقش مش هقابل واحد بدون علمك...
تمكن منه الغضب لأقصى درحة فجذبها تجاهه بحدةٍ:
حنين أتعدلي أحسنلك..

جذبت ذراعيها بقوةٍ والدموع تسلل فتضعفها رغم القناع الزائف الذي ترتديه، فقالت بصوتٍ متقطع:
هو انت فاكر إني ممكن أقعد معاك ثانية واحدة وأنا بسمع الكلام المهين دا...
ثم جذبت الفستان وكادت بالدلوف للحمام فأستدارت تجاهه فقاطعها قائلاً:
وهتروحي فين إن شاء الله...
أجابته ببسمة ساخرة إكتسحت تعابير وجهها:
لسه محددتش هروح فين بس اللي أقدر أطمنك بيه إني معايا ملايين تأمني أكتر من مكان...

وولجت لحمام الغرفة لتغلق الغطاء عنه ثم جلست على حافته لتبكي بقهراً على ما إستمعت إليه منه، حاول التحكم بذاته فوضع يديه على بابه لينشق قلبه وهو يستمع لدموعها الخافتة، فتح الباب وإستند بجسده على الحائط، يتأملها بصمتٍ، أخفت دموعها سريعاً ونهضت لتعنفه بضيقٍ:
أنت إزاي تدخل كدا!..
حرر جسده المنتصب بوقفته بشموخٍ ليقترب منها وبحركة سريعة حملها بين ذراعيه ليخرج بها للغرفة، دفعته بيدها بشراسةٍ وهي تصيح به:.

نزلني...
وبالفعل تركها وهو يرفع ذراعيه ببرودٍ وكأنه لا يعنيه ما قالته أو فعلته، صرخت به بأندفاع وهي ترأه يبتسم ساخراً:
أنا هخرج من هنا يعني هخرج من هنا...
وكادت بأن تتجه لحمام الغرفة مرة أخري فلف ذراعيه على جنينه بتملك، مردداً بهمساً وهو يقربها إليه:
بس اللي في بطنك مش عايز يسيبني...
ثم همس بخبثٍ:
أمشي أنتِ وسيبه...
صوته الذي لفح رقبتها جعلها ترتجف، فحاولت دفعه بعيداً عنها، ولكن كيف ستفعلها!.

فهي تعلم كلما ثارت وتمردت كلما عاند وحاصرها بتملك، قربها مراد منه وبحركة سريعة كان يقف مقابلها، يتعمق بنظرات عينيها المعاتبة إليه، طالت النظرات ومازال يبحث عن غايته بين دفء عينيها الغاىرة بالدمع، إقترب منها ليجفف دمعاتها الثمينة، ثم قربها لصدره قائلاً ببسمته الهادئة:
الثقة اللي بينا صعب اي حد يكسرها يا حنين، بس كان لازم قرصة الودن دي عشان تتعلمي من الغلطة اللي إرتكبتيها..

رفعت رأسها إليه وهي تردد بغيظ من تصميمه:
غلطة!..
جلس على طرف الفراش ثم جذبها لتجلس على قدميه ليبدأ بحديثه الهادئ حتى تفهم ما يلقيه على مسمعها:
أنتِ كنتِ عارفة أن تصرف أشجان غلط؟..
أومأت برأسها بتأكيد فأسترسل ما يقول:
وحاولتي توقفيها بس معرفتيش ومع ذلك سكتي عن اللي بتعمله، كان ممكن تدخلي حد تالت بالموضوع يحاول يعمل اللي أنتِ مقدرتيش تعمليه...
قرأ ما تقوله عينيها فقال:.

عارف إن الموضوع حساس فدا كان هيعتمد على الشخص اللي هتختاريه زي ماما نجلاء مثلاً اكيد كانت هتقدر تقنعها وتحل الموضوع ومكنش كل دا حصل، كلامي صح ولا لأ؟!.
أنحنى رأسها بخجل، فرفع ذقنها برفقٍ تجاهه، لتستقبل نظراتها بسمة مشرقة، إستند بجبينه على جبينها لتبدأ رحلة مكره وهو يردد بخبث:.

البعد بقى عندك سهل كدا، لأ وردك حاضر معايا ملايين وهقعد في أي مكان وكلام كبير كدا كأنك متجوزة واحد عادي وهيسيبك تخرجي كدا بمتتهى البساطة وخاصة بالبنوتة العسل اللي شيلاها معاكِ دي...
تلاشت بسمتها، لتتطلع له بذهولٍ وضيق:
بنوتة ايه أنا عايزة ولد مش بنت...
رفع جاجبيه بسخطٍ:
أعتبر إنك مش حامدة ربنا ولا مستانية اللي يبعته ولا دا تأمر كمان...
جابهته بنظرة تحدٍ وهي تصرخ به بغضبٍ حقيقي:.

حمدينه وشكرين فضله، بس اجيب بنت تقاسمني فيك ليييه ما كفايا البنات اللي بتطلع مرة واحدة في اماكن مش ولابد وفي الأخر تصبرني بكلمتين دا بيخدم شغلي وقال أيه المفروض إني اطمن على إعتبار إنك متخوضش في العميق عشان متغضبش ربنا امال البصات ومسكات الأيدين دول معفو عنهم يعني ولا نظامك أيه؟!.
ضحك بصوته كله وهو يقربها إليه قائلاً بمكرٍ:
كدا أطمنت إنك بخير ادام رجعتي لسانك الطويل...

إبتسمت بهيام به وبضحكاته فقالت بصوتٍ منخفض:
أنا هفضل كدا لحد ما تعتزل الشغل دا خالص...
غام بشرودٍ بها وعقله يلمع بالشرار، فماذا لو علمت بمهمته التالية وبالاخص بالمرسوم إليه، تسلل ضوء القمر الخافت للغرفة التي طالها الظلام لإستسلام قلوب العشق بين راحة الأخر ليرتوي الفؤاد بوصام الشوق والحنان...

ألقت حذائها أرضاً، ثم ركضت على الحشائش الخضراء بسعادةٍ وضحكة افتكت بعقل من يلحق بها بخطاه المتزن، واضعاً كلتا يديه بجيوب جاكيته وعينيه مسلطة على زوجته الرقيقة فاستند بقدميه على السور الصغير المطل على المسبح ليتساءل بإستغراب:
مش عارف ليه فرحانه أوي كدا؟..
إستدارت سلمى تجاهه، لتجيبه ببسمة ساخرة بعدما عقدت ذراعيها حول خصرها:.

ومأفرحش ليه، سارة سامحتك، و ريان وإتضح سوء التفاهم اللي كان بينكم، ومامتك وإبتدت علاقتكم ترجع زي الأول، أيه اللي هيخليني ازعل ومش أفرح؟..
منحها جان بسمة جانبية مهلكة، فرد عليها بخبثٍ يتربع بعينيه التي تدعي الحزن الكاذب:
لسه الاهم من كل دا...
إرتخت ملامحها بدهشةٍ، فأقتربت منه بجدية وقد تناست فرحتها:
لسه أيه؟..

رفع جان عينيه ليطوف الحديقة من حوله فما أن تأكد من وجودهم بمفردهما، حتى قربها إليه، فرفعها عن الأرض لتصبح من أمامه، فقال بمكرٍ:
لسه أنتِ...
قالت ببلاهة وهي تنظر له من هذا القرب الخطير:
أنا أيه!..
رد عليها ببسمة تتعمق بين التطلع لعينيها ورجفة جسدها المحمول بين ذراعيه:
أنتِ حبيبتي اللي ساكنة قلبي...
وتركها تقف من أمامه ثم إستكمل بغمزة عينيه المشاكسة وهو يمرر يديه على ذراعيها بحركاتٍ دائرية مثيرة:.

بس لسه مسكنتيش روحي وأظن إني إستنيت بما فيه الكفاية وإتحملت فوق طاقتي...
تراجعت للخلف بصدمةٍ فسألته وهي تبتلع ريقها بإرتباك:
يعني أيه!..
لحقها بخطاها فكادت بالركض لتخليص ذاتها من تلك النظرات التي لا تنذر بالخير، امسك معصمها ثم جذبها لتستند على جذع الشجرة فتطلعت له بتوترٍ، بسمته المشاكسة جعلت قلبها يرتجف بلطفٍ محبب إليها، تصنع بأنه يقترب ويقترب ليجعلها تظن بما اراد ثم إبتسم وهو يصرخ بها بغضب مصطنع:.

يعني يا هانم فرحنا الاسبوع الجاي ولازم تحضري نفسك بدل ما أخونك وأمشي شمال دا احنا بقالنا سنتين تعارف وسنة خطوبة وخمس سنين جواز قربت أعفن جانبك هنا يبقى أفضل ليا أتجوز مزة تشوفني ولا لأ...
تحاولت ملامحها الخجولة لطاقة هائلة من الغضب، فلكمته بصدره بقوةٍ وهي تقول بصوتٍ مرتفع:.

محدش قالك يا حبيبي تستنى كنت طلقتني وإتجوزت وأنا كدا كدا كنت سامعه وشايفة كل حاجة فأكيد كنت هموت وحكايتنا الجميلة كانت هتنتهي بنهاية جميلة برضو بس ليك أنت...
بدت ملامحه أكثر جدية وهو يقربها إليه بحزنٍ:
قولتلك قبل كدا يا سلمى متجبيش سيرة الموت على لسانك...
أجابته بتوترٍ وهي تتطلع إليه:
ما أنت اللي عايز تتجوز وتشوف نفسك...
ثم قالت بمرح لتمازحه:.

خلاص يا عم حدد براحتك معاد الفرح أنا معنديش مدام حالتك بقت صعبة كدا أهو احسن من الإنحراف...
رفع حاجبيه بسخريةٍ فقال بخبث:
حالتي صعبة!، وإنحراف!
اكدت عليه ببسمة ساخرة وهي تؤكد على حديثها ببسمة ماكرة:.

والله أنا والدي شاكك فيا ومش مصدق أساساً إن في شاب يقضي السنين دي كلها مع مراته في بيت وأوضة واحدة وكان بمنتهى الاحترام والأخلاق اللي إنقرضت دي فبيقولي يا بنتي إعترفي عشان نلحق نلم الموضوع ونعلن جوازكم قولتله ياحاج أنت مخلف راجل بيعرف يخلي باله من نفسه كويس وآآآ...

بترت كلماتها بخوفٍ حينما أعلنت نظراته عن طوفان من الغضب الذي لا يطفئه سوى التهور التي نبشت كلماتها عنه، حملت طرف فستانها الطويل بطرف أصابعها ثم قالت ببسمة واسعة:
لوحلفتلك أن الكلام دا من زمان مش هتصدقني صح..
وأنهت كلماتها بالركض للاعلى سريعاً وقلبها يخفق بشدة، كاد بأن يتبعها ليقتص مما قالته، ولكنت توقف فور سماع صوتٍ مألوف يخترق آذنيه..
جان...

إستدار للخلف بإستغراب حينما وجد ريان يقف من أمامه ويقترب منه بملامحٍ غامضة للغاية، فوقف من أمامه بصمتٍ قطعه بكلماته البطيئة:
يامن إتنازل عن القضية اللي رفعها ضد إياد من فترة طويلة..
يعلم ما الذي يحاوط تفكيره فقال بهدوءٍ:
ودي حاجة تزعلك!.
أجابه بثقة تلحق بنبرة صوته الخشن:
أنت اللي طلبت منه كدا صح...
إرتبك ولم يعلم بما يجيبه، فعاد ريان ليسأله من جديد بشكٍ إعتلى ملامحه عن إصابة اخيه بالسوء فقال:.

إياد فين؟..
إحتفظ بصمته مطولاً، يتطلع له بسكونٍ، يجعل ظنون ما حدث تستحوذ على ريان، فحك طرف انفه وهو يحاول التحكم بذاته حتى لا يخسر الرابط القوي فيما بينهما، فقال بثباتٍ:
بص يا جان أنا لما طردت أخويا من البيت كان بهدف إنه يتربى مفرقش معايا إنه يتسجن أو ينام في الشارع لإنه يستحق بعد اللي كان عمله في فاطمة و يامن بس اللي مش هتقبله باي شكل إنك تكون ورا إختفائه...
ثم زفر بصوتٍ مسموع ليتطلع له بضيقٍ:.

خايف اللي بفكر فيه يكون صح...
تخلى عن صمته قائلاً ببسمة صغيرة، رسمها بصعوبة:
هو انت فاكر إني قتال قتلة!
ثم تركه وتحرك تجاه الحديقة الرئيسية ليرفع يديه ويشير للحارس الذي اتى بسيارته فصعدها ليشير لريان بيديه:
إركب، لو عايز تشوف أخوك...
ضيق عينيه بإستغرابٍ، فصعد لجواره ليحرك مقود السيارة لتنصاع لاوامره بالتحرك تجاه غايته المنشودة...

رغم برودة الهواء الذي يلامس جسده ولكن مازال يغمر قلبه لهيب كاد بإحراق صدره بإكمله، كيف لها بذاك البعد الأجباري، كيف تخبره بأنها تصدقه ومع ذلك تبالغ بإبتعادها عنه، أشتدت تقلبات الرياح وخاصة بالليل المظلم من فصل الشتاء، فأغلق سليم عينيه عله يشفي جروح قلبه التي لا تلتئم مهما دواها، عاد ليشتاق إليها من جديد، فجسدها أمامه بصورةٍ ظنه خيال، إحتضنته من الخلف لتثبت يدها على صدره فشعرت بضربات قلبه العنيفة، مالت برأسها لتستند على ظهره، فتح سليم عينيه بصدمةٍ، فكأن لمساتها اعادته لواقع وجودها، بعد يدها عنه ثم جذبها لتقف أمامه بذهولٍ يكتسح معالمه، فردد بصوته الوخيم:.

ريم!..

رسمت بسمة رقيقة على محياها، فتعلقت برقبته قائلة بكلماتٍ مختارة جيداً:
مش جايلي نوم، أيه رأيك نطلب أكل من برة ونسهر تحت جانب الدفاية...
أشرقت على وجهه إبتسامة، فقد إستعادها من جديد، جذبها لأحضانه فخالفت دمعاتها تلك البسمة النابعة من القلب، شددت من إحتضانه فقال بهمسٍ خافت ومازال لا يصدق إنها أزالت عقبة الماضي:
وحشتيني...
أزاحت دموعها الحالقة باهدابها قائلة ببسمة واسعة وهي تتطلع له:.

وحشتك إزاي وانت كنت جانبي لحظة بلحظة مش بتفارقني...
إحتضن وجهها بيديه ناطقاً بثورةٍ العشق الفتاك:
كنت جانبك بس أنتِ اللي مكنتش معايا يا ريم...
منحته نظرة عاشقة، ثم قالت ببسمة هادئة وهي تجذب هاتفه الموضوع على طاولة الشرفة البيضاء:
طيب إطلب الاكل بقى جعانه الله...
رمقها بنظرة قاتمة مدعي التذمر:
أه، دا أنتِ جاية طمعانه فيا بقى!..

تعالت ضحكاتها مشيرة له بتأكيدٍ، فطوفها بذراعيه ببسمة ساحرة ليطبع قبلة صغيرة على يدها قائلاً بحبٍ:
هجبلك أحلى برجر وهاكلك بنفسي كمان ها أيه تاني؟..
أشارت له بدلال:
شيلني بقى...
قال من بين ضحكاته العالية:
لا انتِ عايشة فيلم عاد لينتقم...
وحملها بين ذراعيه ليهبط بها للأسفل، ثم شعل المدفئة وجلسوا سوياً يتناولان شطائر البرجر الشهي بعدما أتى بها الحارس...

وضعت الطعام على الطاولة المقابلة إليه، ثم خطفت نظرة سريعة إليه بطرف عينيها، مازال شارداً، حزين، ملامحه منكمشة بقهراً على شقيقته، عاش تحت سقف منزل واحداً ولكن كان بينهما ألف حاجز وحاجز، حاول مساعدتها أكثر من مرة ولكن أبيه كان يتصدى له على الدوام، ظناً بأنه يغار من شقيقته!..
أفاق يامن من بحور شروده على صوت فاطمة وهي تشير له برجاء فيبدو بأنها تتحدث منذ فترة ولم يستمع إليها:.

يامن عشان خاطري كل أي حاجة، عمي بيقول إنك مأكلتش حاجة بقالك كتير...
أجابها ونظراته مسلطة على باب الغرفة المقابل لباب غرفته، حيث كانت تقبع شقيقته:
ماليش نفس يا فاطمة...
زفرت بضيقٍ من عناده، فتركت الطعام وتوجهت لتجلس جواره، وضعت يدها على يديه برفق، فتحرك فكيها ناطقاً:
انت المفروض اللي تقف جانب والدك وتقويه على اللي هو فيه مش العكس...
إبتسم وهو يردد بألم:.

والدي!، والدي السبب في اللي إحنا فيه دا، يمكن لو كان شد على هنا او سألها في يوم بتعمل أيه او رجعة منين مكنش دا حصل من البداية ويمكن مكنتش إتعرضت للموتة البشعة دي...
إعترضت على حديثه، قائلة بعتابٍ:
كل واحد ربنا بيكتبله حياته من البداية للنهاية، بلاش نكفر بالله يا حبيبي لازم تفوق لنفسك، اللي تقدر تعمله دلوقتي صداقة جارية ودعائك المستمر ليها دا اللي هيفرق معاها صدقني...

نقل نظراته عن الفراغ، لتقابل عينيها الغائرة بالدموع، وجهها المنطفئ بحزنٍ عليه، كانت ومازالت جواره، ربما هي من تعاني أكثر منه، رفع يديه ليضعها على يدها قائلاً:
أنتِ عارفة إنك أجمل حاجة في حياتي؟..
إبتسمت بخفوت، فأزاحت الدمعة العالقة بعينيها قائلة:
عارفة...
إرتسمت على شفتيه بسمة فاترة، فوقف ليشير لها وهو يتطلع لساعة يديه:
الوقت إتاخر، هوصلك...

جذبت حقيبة يدها فلحق بها للاسفل، فتح باب سيارته ليغمز لها بعينيه فصعدت ببسمة خجل، وبصعوبة بالغة تمكنت من إقناعه بشراء البيتزا، ليتناولها امام عينيها شرطاً لنزولها للقصر، وما ان انهاها حتى هبطت مودعة إياه ببسمتها التي تخطف قلبه دون عودة...

وقفت تتأمل العمارات العملاقة من حولها بذهولٍ، فأستدارت تجاهه لتجده يستند على سيارته ويتابعها ببسمة واسعة، أشارت له بضيقٍ شديد:
هي فين صديقك المريض دا يا مروان؟.
هز قدميه بتسلية وهو يتجاهل سؤالها، سكن الغضب غرف وجه يارا، فصرخت به بعصبية:
مروان بكلمك!..
تخلى عن مقدمة السيارة ليقف أمامها، ليخبرها بلهجة صوته الغامضة وعينيه تقابلها:
ولو فضلتي تنادي بأسمي كتير مش هيكون في مروان أصلاً عشان يرد...

وقلد لهجتها الناعمة ساخراً:
دا أنا مفتقد لرقة إسمي وعهد الله انا تقريباً اخدت أسمعه من الحيوان اللي إسمه فارس وحاسس إنه جالي تلوث سمعي...
أخفت بسمتها بيدها، ثم رسمت معالم الجدية على وجهها، فجذبت هاتفها لتهدده بغضبٍ:
هتقولي جايبني هنا وفي الوقت المتأخر دا ليه والا أتصل بمراد وأقوله على اللي بيحصل دا!..
لوى فمه بسخطٍ، فاشار لها بضيقٍ:.

أبو الفصلان اللي باللحظة الرومانسية، فرحانة أوي بيه، عرفنا إنه ابن خالتك ياحتي ومشغلك في مستشفى فايف ستار مش محتاجة كل شوية تفكريني...
تعالت ضحكاتها بعدم تصديق، نعم علمت بأنه يبغض الجوكر كثيراً ولكن ليس لهذا الحد، فوضعت الهاتف بحقيبتها مجدداً ثم عادت لتسأله بتهذب:
طيب قولي جايبني هنا ليه...
اجابها بضيقٍ وهو يشير لها بالصعود للطابق الاول، فأرتبكت للغاية لتسأله بتوترٍ:
وعايزني اطلع ليه؟!.

زفر بغضب وهو يردد بعصبيةٍ:
إستغفر الله العظيم يارب، هو انا جايبك مثلاً أتحرش بيكِ في عمارة ملانه سكان وفي الجيزة أنتِ مجنونة ولا أيه يا بت!..
حملت حقيبتها واوقفت سيارة أجرة، لتلقي على مسمعه:
شوف هتوقف تتكلم مع مين بأسلوبك دا...
أغلق باب السيارة، ثم اشار للسائق بيديه قائلاً بلهجة سعى لجعلها لطيفة بعض الشيء:
توكل على الله أنت يا ريس...
ثم وقف مقابلها ليجز على أسنانه بغيظ:.

يا ستي انا أسف ممكن تتفضلي بقى وتطلعي معايا...

كبتت بسمتها ثم لحقت به للأعلى، اخرج مروان المفاتيح من جيب بنطاله، ليدثها بفتحة المفتاح ثم أدارها لتنفتح تدريجياً، دفع مروان الباب بيديه معاً ثم فتح الضوء لتطل من أمامها اللافتة الصغيرة المعلقة امام الباب الحاملة لإسمها مع إضافة مميزة لأخصائية الطب النفسي، نقلت نظراتها المتعلقة باللافتة لحلمها الذي دونته على ورق وحوله هو لحقيقة ملموسة، ولجت بخطواتها المرتبكة، وعينيها تتطلع لكل إنشنٍ بصدمةٍ جعلتها منعزلة عن نظرات مروان التي تتابعها بحبٍ، أدمعت عينيها بالدموع وهي ترى أصغر التفاصيل المدونة على ورقها منصوبة أمام عينيها، عيادة كبيرة للغاية بمساحة شاسعة، اللون الابيض المريح للأعصاب يغمر المكان كأنه حليب قد سكب ليعطي رونق أبيض ساحر، نقلت نظراتها للباب المتوسط للحائط المقابل لها..

فتقدمت بخطواتها البطيئة للداخل لتجد مكتب كبيراً للغاية، يتوسط الغرفة الشاسعة ليحمل لافتة صغيرة دكتور يارا، أمامه مقعدين من اللون الازرق المناسب للون الغرفة الممزوج بين الأبيض والسماوي الهادئ، لجواره كان يحتل الشزلونج الطيبي مساحة كبيرة، أمامه مقعد صغير مخصص للطبيب المعالج، دمعاتها إنسابت بلا توقف، نعم تمتلك المال الكافي لإنشاء ما تريد، ولكنها كانت تحتفظ باحلامها على أوراقٍ بيضاء لحين الإنتهاء من دراستها فتبدأ تحقيق ما تريد...

عملت كل دا عشان اشوف البسمة على وشك مش الدموع..

صوت مروان مزق صفحات السكون المستحوذ عليها، لتنتبه إليه، فقالت بصوتها المتقطع من أثر البكاء:
أنت عملت كل دا عشاني؟..
إبتسم بجدية أخفت جانبه المرح، ليجيبها بصوتٍ رجولي:
ومستعد أعمل اكتر من كدا عشان أشوفك سعيدة...

ثم إقترب من المكتب، ليفتح أول ادراجه، جاذباً علبة مغلفة بقماش الدانتل الاحمر، قطع الشريط ليفتح العلبة وهي تراقبه بدهشة، تحرك تجاهها ثم إنخفض على قداميه ليقرب خاتم الخطبة الالماسي منها قائلاً بثباتٍ:.

كنت فاكر إن الحب بيبدأ بنظرة إعجاب، كنت فاكر إختيار شريك الحياة بيكون بالشكل والإرتياح للمظهر الخارجي، ومع اول تجربة إكتشفت إن كل دا مش صحيح، القرارات اللي بنأخدها بشكل سريع بيترتب عليها ندم وعذاب أكبر، أنتِ كنتِ غير كل دا يا يارا، أنتِ اللي قلبي دق بوجودها، أنتِ القرار اللي فضلت أيام وشهور بقاوم الحب اللي إتولد بقلبي تجاهك، خوفت ارجع أغلط من جديد، خوفت أسلم قلبي من جديد، أنا بحبك يا يارا بحبك مش من نظرة ولا لقاء، والحب اللي إتولد بعد فترة دا خالاني اتأكد إنك إختيار بكامل إرادتي، موافقة تكملي حياتك مع الطالب الجامعي الفاشل!..

دموع سعادتها لما يقال إختلط ببسمة رقيقة على مزحه المحبب لها، فأشارت بالموافقة، قائلة بتحذير:
موافقة بس لما تنجح في سنة رابعة اللي عدتها أربع مرات دي...
وقف مقابلها ليجيبها بضيق:
والله انا بتشائم من رقم أربعة دا فاله نحس معايا..
ثم قال ببسمة خبيثة:
بس مدام زوجتي هتبقى دكتورة يبقى لازم اتخرج وبتقدير جيد كمان أمال أيه...
هزت رأسها بالنفي قائلة باصرار:
جيد جداً مش هتنازل...
جز على أسنانه بتذمر:.

اه ليكي حق تتمارعي عليا..
وأغلق العلبة ثم توجه للخروج قائلاً بمزح:
طب مفيش جواز...
ثم استدار تجاهها ببسمة واسعة، فبادلته الإبتسامة قائلة بإرتباك:.

لما كنت بنازع، شوفت شريط حياتي كله بيمر قدام عنيا، مشفتش فيه حاجه مهمة او شخص مهم بالنسبالي، يعني مجرد عيلة بس كرابط مفيش، وفجاة ظهرت أنت عشان تنفذني وتديني أمل أن حياتي لسه مخلصتش، لما طلعت على سطح المية وإتنفست عرفت قيمة حياتي، وشك كان مطبوع في عيوني مقدرتش انسى ملامحك أبداً..
ثم إبتلعت ريقها بتوترٍ لتستكمل كلماتها ببسمة هادئة:.

أنت مختلف عن أي شحص إتعاملت معاه يا مروان، شخصيتك غريبة، اوقات بحسك شاب طايش وبتحب الهزار والضحك وأوقات تانية بشوفك أكبر من سنك، راجل وتصرفاتك مش بتعبر عن الطيبة اللي جواك...

حلق بسماءٍ عالية تلمع بلؤلؤ كلماتها الساحرة، لم يستوعب بأنها تقصده بكلماتها، هي تحبه مثلما يحبها، إختارته من قبل أن يختارها، وجهها الشبيه بحبات الكرز لأعترافاتها التي كبتتها بداخلها جعله يخفض نظراته عنها، فجذب الخاتم من العلبة وقدمه تجاهها، إقتربت منه ببسمتها الفتاكة لتضع اصابعها داخل الخاتم الذي يحمله فقال بمرح:
ألف مبروك يا عروستي، لو ممكن شوية شربات بقى نبل بيه الريق أو أي حاجة..

تعالت ضحكاتها وهي تبحث من حولها، لتتساءل بدهشةٍ:
هلاقي الحاجات دي هنا كمان!.
اشار على المطبخ الصغير الموجود بغرفتها لتجده مجهز بكل المشروبات الممكنة، فاعدت لهما كوبان من القهوة معللة حبها لها، ثم خرجا على الفور للعودة للقصر بعدما تخطى أصعب مرحلة من وجهة نظره، فجذب هاتفه ليرسل برسالة شكر للفارس الذي عاونه بكل كبيرة وصغيرة..

طرقات خافتة على باب شقته، جعلته يخرج لرؤية من الطارق بهذا الوقت المتأخر، إبتسم يوسف بفرحةٍ يكسوها الدهشة وهو يردد بإستغراب:
آدم!..

توقفت سيارة جان أمام مخزن شركاته، فهبط ليتبعه ريان بملامح واجمة، مجرد تخيل السوء بأخيه جعله يتأهب لخلق شجاراً عظيم، فجعدت ملامحه بشراسةٍ مخيفة تفتت بصدمةٍ جعلته يتصنم محله وهو يرى اخيه من مكانٍ محجوب يرأه وهو لا يستطيع رؤياه، رأه يؤدي صلاته بطريقة سليمة ووجهاً مشرق لتتخفى ملامح الأدمان عن وجهه نهائياً، صدمة جعلته غير قادر على النطق أو حتى الحديث، تحررت دمعة خافتة من رومادية عينيه لتنساب بصمتٍ وبعدم تصديق لما يحدث أمام عينيه!..

بغرفة شجن...
تطلعت لها نجلاء بحزنٍ شديد وهي تقرب لقمة الخبز منها قائلة برجاء:
عشان خاطري يا بنتي كليلك لقمة دا أنتِ على لحم بطنك من الصبح..
أشارت لها بوهنٍ، فبكت نجلاء بألمٍ عليها، قم إهتدت لفكرةٍ ربما ستحل الامر للافضل، فقالت بعزم:
هروح اكلم مراد وأخليه يوصلني بفريد، أتكلم معاه عن اللي حصل..
إشرابت بعنقها عن الوسادة بأملٍ نبع بكلماتها فقالت بصوتٍ واهن للغاية يخرج من شفتيها الجافة:
بجد!.

زرعت بسمة حزينة على وجهها، فربتت على كتفها بحنوٍ:
بجد يا حبيبتي..
وتركت الغرفة وتوجهت لجناح الجوكر، إستندت شجن على الوسادة بتعبٍ يتغلب عليها، فأتت طرقات الغرفة المتتالية لتستحوذ على إنتباهها ليدلف من بعدها، خطى ثابت كالسيف، تتجه للغرفة ومن ثم للفراش حتى وقف امامها، نظرات الغضب والإستحقار تجوب عينيه الزيتونية، إبتلعت ريقها بإرتباك فقالت بخوفٍ:
أنت مين؟!.
اجابها بحنقٍ شديد:.

أنا اللي إنتِ ضيعتي ابنه مرتين، وبكل بجاحة جاية تهدي كل اللي بينته، أنا اللي مش هسمحلك تكوني الشوكة اللي هتكسر رحيم زيدان الشخص اللي انا عملته وبنيته من اول وجديد، أنا اللي مستعد ادمرك وأدوس عليكي لو فكرتي ترجعي ابني لنقطة الصفر، أنا طلعت زيدان اللي انتِ مش حطاه في حساباتك لأنه بالنسبة للكل ميت بس بالنسبالك كابوس!..

تمت
الجزء التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة