قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الرابع

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الرابع

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الرابع

وكأن أحداً مزق صدره لنصفين ثم إستخرج قلبه ليصل فوه السلاح لقلبه مباشرة بأصابة صريحة، ود لو إنه لم يصعد لغرفته بذاك الوقت أو لم يتأخد رحيم القرار بأقامته بنفس الغرفة، بصعوبة بالغة حرك لسانه لينطق بترددٍ:
ريان!.

إنتبه لوجوده بالغرفة، ففتح عينيه بضيقٍ من إنكشاف أمره إليه، فكان يتمدد بحريته بعد أن أزاح الطرف الصناعي مستغلاً عدم وجود الأخر؛ ولكن أخر ما تمناه يحدث أمام عينيه، إرتدى ريان القدم الصناعية ليتوجه للخروج من أمامه، فتحرك تجاهه ليسأله بألمٍ واضح بنبرة صوته:
أمتى حصل دا؟، وإزاي!.
حدجه بنظرة قاسية، ليجيبه بلهجة جافة للغاية:
ميخصكش..

وخزة مؤلمة تمكنت من جان، وكأنها تقسم على الفتك به، جلس على الفراش بأستسلام ليخضع رأسه للأسفل بخيبة أمل، ما حدث لرفيقه يجعله عاجز حتى عن مواساته، العداء الذي نشب بينهم جعله بعيداً للغاية عن حياته، فأصبح العدو الغير مرحب به، إرتدى ريان حذائه ثم غادر الغرفة بعدما منحه نظرة أخيرة، غامضة، لم يتمكن جان من تفكيك معانيها، فالصدمة التي تعرض لها تكفيه لإنشغال عقله بها، شيئاً بداخله إنكسر حينما رأه هكذا، مازال يحاول إقناع ذاته بأنه عدو ولكن قلبه مازال متمسك به وكأنه لم يمتلك سواه!..

ظلمات الليل الكحيل تستحوذ على قلبه فتجعله أشد ظلمة، حاول أن يغلق جفنيه ولكنه لم يستطيع النوم ولو دقائق معدودة، مازالت صورتها ترسم أمام عينيه، معاتبتها له تتردد على مسماعه، نظراتها البريئة تطالبه بالا يدنس حبها العفيف، أزاح سليم الغطاء عن جسده ثم إلتقط المئزر الرجالي ليرتديه ليتوجه لغرفتها، رفع يديه ليقربها من الباب فكاد بالطرق ولكنه كور يديه بتردد فالوقت متأخر للغاية ومن المحتمل أن تكون غارقة بأحلامها، هداه عقله بالعودة لغرفته وبالحديث معها بالغد، كاد بالتحرك لغرفته؛ ولكنه تفاجئ بها تفتح بابها وهي تزيح الدموع العالقة بأهدابها، وعلى ما يبدو بأنها تتوجه لغرفته، وقفت أمامه بأرتباكٍ فقالت بصوتٍ متقطع من فرط بكائها:.

سليم!..
إنصاع إلى كلماتها بكيانه وروحه، وكأن صوتها المنادي بأسمه كان الحضن الدافئ الذي عبئ فراغ الآنين، ظنت بأن صمته لكونه مازال غاضباً مما حدث صباحاً، ففركت أصابعها بحزن، لتجاهد بقولٍ:
مكنش ينفع أقول كدا، أنا أسفة..

تعتذر؟!، تعتذر وهو الخاطئ بحقها!، تعتذر وهو الجاني!، ترقبته نظراتها بخوفٍ من أن لا يتقبل إعتذارها، تركزت عينيها على كل إشارة ولو صغيرة قد توحي لها بالسماح بأهتمامٍ ألم قلبه، جذبها لأحضانه دون أن ينبس بكلمة واحدة قد تكون علامة على أنه اللي الخاطئ وليس هي، كم تمنى أن يمحي من قدره اللقاء بتلك الملعونة التي أقسمت على تدمير أجمل قصة عشق إختبرها، شدد بأصابعه على رأسها الموضوعه على صدره وكأنه يحمل العزم بأيقافها عن تحقيق ما ترغب به، زرعت الفرحة على وجه ريم بمسامحته لها؛ ولكن مازال هناك ما يسكن أحد زوايا قلبها بالشك تجاه تلك الفتاة الغريبة!..

.

كانت على بعد خطوة واحدة من الموتٍ وربما كان مشهدها معه هو الأخير، منحها الله فرصة جديدة لتكمل الدرب لجواره، تنقلت عيناها على قسمات وجهه وعينيه المغلقة ببسمة عذباء تقتص من صفحات عشقها الذي دون بقلم موثوق ليحفر كل صغيرة عهدته معه، الجوكر المخيف لأكثر من عدو هو بذاته أحن شخصٍ رأته عين حنين، الفتاة البائسة التي عاشت لأجل إختبار أكثر من محاولة قتل لأجل ما تحمله من ثروة مخيفة، كم أرادت أن تستغنى عن مال العالم بأكمله لتنال عيشة هنيئة، عنت وحبست روحها وجاء مخلصها ليمنحها إحساس الأمان المفقود، إقتربت منه ببسمتها الرقيقة لتضع قبلة صغيرة على جبينه مستغلة غفلته بنوم ظنته عميق!، يشعر بها ويقرأ ما يرسم بعقل صغيرته القصيرة، ورغم ذلك إختار ان يظل غافلاً من وجهة نظرها لتستمر بالتطلع إليه فينبض قلبه بالطريقة التي تجعل جسده يؤخز بقوةٍ، تسلل لمسمعها صوتٍ لدقات خافتة على نافذة غرفتها وعلى ما يبدو لها بأنها أحجاراً صغيرة، فأبتسمت بفرحةٍ لمعرفتها صاحبها، تسللت على أطراف أصابعها لترتدي إسدال الصلاة الخاص بها ثم ألقت نظرة متفحصة على مراد لتهبط للأسفل بخطواتٍ خفيفة، فتح عينيه بأستغرابٍ لما يحدث بدون علمه، فأتبعها بخوفٍ وإرتباك مما ترتكبه تلك القصيرة...

أنهت الدرج لتصل للحديقة الخلفية للقصر، فوقفت تبحث عنه بأستغرابٍ من إختفائه، خرج من خلف الأشجار ليطرق على كتفها برفق، استدارت لتجد طلعت زيدان أمام عيناها ولكن بطالة أكثر جدية مما إعتادت عليه، سألها سريعاً قبل أن تفتح فمها بثرثرتها:
أيه اللي حصل دا؟.
أجابته بغير مبالاة والبسمة الواسعة ترسم على وجهها:
لا متشغلش بالك دي محاولة قتل على خفيف كدا بس الحمد لله أحنا لسه واقفة قدامك أهو بشحمي ولحمي...

مجنونة بعض الشيء ولكنه يحب مزاحها الذي يرسم البسمة رغماً عنه على شفتيه، عاد لأسئلته الجادة:
مراد عرف هو مين؟.
ردت عليه بتلقائية:
مفيش غير إبن عمي مش محتاج يدور كتير..
ثم قالت بصوتٍ طغي الحزن عليه:.

قرار الموت بالنسبلهم الحل الأمثل عشان يتخلصوا مني، والمكان الأمن هو الشعار المناسب لبابا وبين كل دا نسى إني إنسانة من لحم ودم ومن حقي اعيش حياتي ومحتاجة لوجوده جانبي أكتر من أي حاجة لكن بالنسباله إني بمكان أمان وعلى قيد الحياة أهم من أي حاجة تانية..

شعر طلعت بمعانتها، فمن جهة هناك إبنته التي تمقت رؤيته حياً ومن جهة أخرى تلك الفتاة التي تعاني لفراق والدها المختار عنها، ربت على كتفيها بحنانٍ جعل البسمة تتسلل لوجهها، فأخفت دموعها سريعاً..
أيه اللي بيحصل هنا دا؟!
كلمات إخترقت قاعات الصمت لتلفت إنتباههم لوجود هذا الغريب، إستدارت حنين تجاه الصوت لتجد زوجها من أمام عينيها، إقترب منهم ليقف جوارهما بذهولٍ فتساءل بدهشةٍ:
إنتوا تعرفوا بعض!.

كاد بأن يجيبه فأوقفته حنين بتسلية:
عنك يا حج..
ثم استدارت لتقف مقابل مراد مشيرة له بأصابعها بغرور:
كنت فاكر مثلاً أن في حاجة بتدور في القصر دا من غير معرفتي!.
لاحت على شفتيه بسمة صغيرة وهو يتابع حديثها المزروع بثقة لم يكتسبها هو بذاته، أشار له طلعت بخفة:
طيب هسيبكم أنا بقى وأطلع أريح مدام إتطمنت عليها..

أؤمأ برأسه بخفة فغادر طلعت لمخبئه السري دون أن يرى الأعين التي تراقبه بنظراتٍ غامضة، تخفي خبثٍ داهي وكأنه يدعي عدم ملاحظته لمن يتخبأ بداخل قصره فربما لم تسنح له الفرصة بملاحظة فرق الشخصية الجديدة الذي زرعها به...
بالأسفل..

ربع يديه أمام صدره بنفاذ صبر وهي تقص له عن بطولاتها بالتعارف على أبيه، ومساعدتها الكريمة بأمداده الطعام الشهي رغم أنه يحرص على أن يصله كل ما يحتاج إليه عن طريق حارسه الوفي الذي كتم الخبر كما طُلب منه، أنهت حنين حديثها بتفاخر:
بس يا سيدي وبقينا أصدقاء بقى وزي ما أنت شايف جاي يطمن عليا بنفسه..
رفع حاجبيه بأستنكار، ليباغتها بقوله الساخر:
خلصتي؟.

وضعت أصبعها بفمها وهي تفكر بأن تناست شيئاً لم تذكره بعد فأختتمت حديثها ببسمة واسعة:
أه..
ما أن نطقت بكلماتها حتى حملها على كتفيه وكأنه يحمل (شوالٍ) من البطاطا ليصعد بها للأعلى والأخرى تحاول تلكمه بغضبٍ من ان يتركها ولكنه لم ينصاع إليها وصعد ببسمة خبث جابت وجهه الوسيم..
.

ليس من المنصف أن تعد نفسك ماهر بتنفيذ مخططاتك وهناك من هو أحق بهذا اللقب، ترنح مقعده بقوةٍ أثار تمدده عليه براحة، عينيه الزيتونية مغلقة بقوة وبسمته الخبيثة مرسومة على شفتيه بمظهر مخيف، ثبت المقعد عن الحركة حينما إستمع لكلماتٍ حارسه الشخصي:
كله تمام يا باشا، عمران بقى تحت أيدينا...
فتح رحيم عينيه بنظرة قاتمة ليدقق بكلماته:
مراد ميعرفش أني ورا اللي حصل مفهوم؟
أشار له حازم برأسه بتأكيد:.

مفهوم يا باشا..
أصرفه بأشارة يديه ليخرج من غرفته، فخرج للشرفة التي تطل على حدائق قصره الواسعة، يتأمل إحتلال الشمس لعرش السماء بمظهر رباني عظيم، استدار ليستند على سور التراس بجسده ليهمس بفحيحٍ مخيف:
أنا هعرف إزاي أخليك تخرج من جحرك...

إنتهت كلماته ببسمة ماكرة، إنطفأت حينما سحبت لإتجاه أخر، يسحب طاقة الشر بداخله ليمنحه سلام نفسي غريب، أزاحت الستار القاتم عن باب شرفتها الزجاجي، لتفرد ذراعيها بدلالٍ بعد نومٍ عميق، خصلات شعرها الأسود منسدل بحرية على أكتفاها، بعضٍ منهم متمرد على عينيها كريش النعام الحريري الذي يحاط بطاووسه، غابت بالداخل قليلاً لتعود بسجادة صلاتها التي فرشتها مقابل الباب لتشرع بصلاتها، تابعها رحيم بنظراتٍ أشبه بالكاميرا التي تسجل ما يحدث أمامها بكافةٍ التفاصيل، أنهت شجن صلاتها ثم جلست على سجادتها لتبدأ بالتسبيح وترديد بعض الأذكار الصباحية قبل أن تستعد ليومها الجديد، إقترب بخطاه حتى قطع المسافة الكبيرة بينهما، شعرت بخطوات حذائه المميزة ذات الطابع الثابت بترك خطواتٍ محسوبة، رفعت عينيها ببطء شديد وكأنها تتمنى أن لا يكون إحساسها صائب، وجدته يقف مقابلها!.

نهضت عن الأرض لتقف أمامه بالضبط لا يفصلهما سوى بابٍ زجاجي مغلق من الداخل، بطفولته كان يمتلك صورة مريحة لطالته البسيطة ونظراته المكشوفة، أما الآن يربكها حضوره المهيب الذي يجبرها على الخوف منه، نعم ازاحت حاجز خلف الأخر حتى صارت منعزلة أمامه ولكنها لا تنكر أنها حينما ترأه تنساب رغماً عنها، فحتى نظراته الثابتة تربكها، تحركت يدها تجاه مفتاح الباب فحركته بهدوءٍ لينفتح الباب من أمامه، خطت الخطوات الفاصلة بينهما لتفف مقابله بأنتظاره يتحدث أو يخبرها عن سبب زيارته، ولكنه كان شارد بعينيها مما أخجلها للغاية فتحاشت التطلع له، فرد يديه أمامه ليقدمها لها، فوزعت نظراتها بينه وبين يديه المفرودة بأرتباكٍ قاتل، إبتلعت ريقها الجاف بصعوبة، وألف قرار يدار بعقلها، وضعت يدها بين يديه ومازال يلتمس رجفة أصابعها، ظل محله لدقائق يطمن بها قلبها المرتجف لقربه، ثم تحرك تجاه الدرج المشترك لغرفته وغرفتها فحرص على ان تكون غرفتها مجاورة له من قبل حتى تكون عينيه عليها، إتابعته بدهشة وخاصة حينما توجه لسيارته، كاد السائق بأن يصعد؛ ولكنه أشار له بالإبتعاد لتوليه هو القيادة بذاته، فتح الباب لها وأعين الحرس تتابعه بصدمةٍ وعدم تصديق من فعلته رحيم زيدان بفتح بذاته الباب لامرأة!.

صعدت للسيارة ومازال بالها مشغول بما يحدث، إنتصب بوقفته ليحرر ازرار جاكيته الرياضي الأسود ثم صعد لجوارها ليقود السيارة للخارج...
تابعت الطريق باهتمامٍ لمعرفة إلى اين يقودها، شعر بأرتباكها فقرأ سؤالها المحير، ساد صوته الرخيم أجواء الصمت:
هنفطر ونرجع...
سلطت نظراتها إليه بدهشة لتباغته بقول:
بس أنا لبسي مش مناسب..
منحها بسمة هادئة وهو يتطلع للإسدال الرمادي الذي ترتديه:.

مش هتنزلي من العربية متقلقيش..

ضيقت عينيها بإستغراب ولكن لم يعنيها الامر كثيراً فمن المؤكد لها بأنه سيتجه لمكانٍ فخم يليق بسلطة رحيم زيدان الذي باتت تمقتها، بل لا تستبعد أن يخلي المكان لملابسها البسيطة، بسمة فاترة نمت على وجهه أكدت لها بأنه يسكن بعقلها ويسمع لكل شاردة وواردة تفكر بها، سحبت عينيها المتعلقة به بصعوبة لتتابع الطريق بفرحة غريبة حينما علمت بالمكان الذي سيصطحبها إليه، توقفت سيارته أمام سيارة الفلافل البسيطة، تطلع لها نظرة جعلتها تبتسم لترى أمامها فتاة صغيرة بجديلة صغيرة تتمسك بيد صبي ليقفوا أمام بائع الفلافل، إلتقط كلاً منهم شطائر الفول الساخنة فحاول الصبي مساعدتها بما تتناوله ليعنفها بضيقٍ:.

سخنة يا شجن!.
فركت أصبعها بألم فرمقته بغضب، جذب لقمة صغيرة ليبردها بفمه ثم قربها لها فتناولتها بضحكة طفولية مشاكسة، لتقدم له شطائرها آمرة إياه بدلال:
أكلني بقى..
إبتسم فريد فجذب الشطائر وأخذ يطعمها وهو تلهو لجواره، يحاول أن يلحق بها ليطعمها ما بيديه..

إبتسامة ذكرياتها تلاشت مع طيفه الذي يقترب من السيارة حاملاً بين يديه الشطائر، صعد للسيارة ليقدم لها الأكياس، شردت به بذهول وهو ترى ملامح الصبي ذو العاشرة مازال مطبوع بجفنيها فرسم على وجهه!.

الذكريات تستحوذ عليها بالمكان الذي كان يجمعهم كل يومٍ بالصباح قبل ذهابها للمدرسة، أما هو فالذكريات لم تتركه يوماً دون ان تصاحبه بأمل العودة لمحبوبة قلبه، جذبت الأكياس منه لتخرج الشطائر وتبدأ بتناولها سريعاً لتهرب من نظراته، وكأن ذكرياتها الطفولية منحتها إحساس بفرط حرارة الشطائر بين يدها رغم كونها محتملة، شهقت بخفة وكأنها إعتادت على ذلك، إبتسم رحيم فألتقط الشطائر الخاصة به، ليجذب لقمة صغيرة كما إعتاد ثم قربها إليها، صفنت بتوتر بيديه فمرت ثواني وهي تتطلع إليه ومن ثم تناولتها لتظل تلوكها ببطء ووجهها يكسوه حمرة طاغية، إقتطف نظرات مطولة إليها والاخرى تحاول أن تستوعب أن من يتناول شطائر الفلافل هو ذاته رحيم زيدان!.


فتحت عيناها المتورمة من أثر البكاء بصعوبةٍ بالغة، إستندت نغم على الكومود لتستقيم بجلستها، دقت نجلاء على باب غرفتها ثم ولجت للداخل، رسمت معالم الضيق على ملامحها حينما تذكرت بكائها بأحضانها فظنت بأنها ستأخذها حجة لزيارتها المتكررة إليها، وضعت نجلاء كوب الينسون جوارها قائلة ببسمة هادئة:
صباح الخير يا حبيبتي..
ثم جلست جوارها على الفراش لتسألها بأهتمامٍ:
ها طمنيني عنك الوقتي أحسن؟.

بقت صامتة، ترمقها بنظراتٍ تحمل الضيق بين طياتها، شعرت نجلاء بأنها غير مرحب بها هنا فأسرعت بقول ما أتت لقوله حتى تنسحب بهدوء:
بصي يا حبيبتي أنا عارفة إنك مش حابه وجودي هنا ولا بتحبيني أنا شخصياً بس أنا عايزة أقولك على حاجة وياريت تتقبلها مني..
منحتها نظرة فضولية ولكنها مازالت ساكنة لتوصلها بإن حديثها لا يعانيها ورغم ذلك إستكملت نجلاء حديثها:.

زمان كنت زيك كدا بس مع فرق بسيط أني كنت أنا مكان يوسف، عشت فترة صعبة أوي وكنت عارفة أنها هتكون كدا للفرق اللي كان بينه وبيني، وكنت بدعي ربنا أنه ميأثرش على علاقتنا لإني حبيته..
إنكمشت ملامح نغم بضيقٍ من حديثها المريح عن والدها بحضورها وكأنها تنسى ما فعلته بوالدتها، أكملت نجلاء بأنكسار:.

خوفي خالاني أتنازل عن حاجات كتيرة اوي يا بنتي، خالاني أدفع التمن غالي، بعدت وأنا فاكرة إني كدا بصون اللي في بطني بس إتنقلت من عذاب لعذاب أكبر بدفع تمنه لحد النهاردة، عذاب نظرات الناس ليكِ وأنتِ معاكِ طفل بدون زوج، وكدبة أنه مسافر وراجع والسنين تفوت ومحدش بيرجع، وجع طفل بيسأل كل يوم عن أبوه وأنتِ مش عارفة تقوليله أيه، والسؤال التاني ليه بننتقل من مكان لمكان كل دا عشان تهديد جدك إنه هيقتلني انا واللي في بطني، كنت في إختيار صعب وقررت إنهي العلاقة دي حتى لو هكسر قلبي...

ثم رفعت يدها لتلامس وجهها قائلة بدموعٍ:
أنا إنجبرت وبعدت إنتِ مش مجبورة يا نغم، فوقي يا بنتي وبلاش تخسري الشخص اللي بتحبيه عشان اي حد بالكون، بلاش تختبري إحساس الوحدة اللي بجد لإنها زي الموج العالي بالظبط ..

وتركتها وإنسحبت للخارج، تركتها وصفعات كلماتها تفيقها على حقائق غفلت عنها، حنان نجلاء تسرب لأعماق قلبها المهجور، كلماتها أخضعتها لشيئاً لم تفكر به من قبل، ولجت ريم للداخل لتجدها تبكي دون ان ترمش عينيها، هرعت إليها فما ان رأتها حتى بكت على كتفيها لتقص لها عما حدث وبالأخص معها ومع نجلاء..

بغرفة فارس..

فتح فارس عينيه بإنزعاجٍ شديد حينما شعر بتثاقل على كتفيه، فتفاجئ ب مروان غافل على ذراعيه، دفعه بعيداً عنه فأستيقظ الاخر سريعاً على صوت صراخه:
أنت مصدقت يالا ولا أيه؟ ، لأ بقولك أيه فوق انا ساعدتك إمبارح بمزاجي مش معنى كدا إنك تصدق القرابة اللي بينا والجو دا..
فرك عينيه بيديه ليحاول الأفاقة، فقال بضيقٍ:
في أيه على الصبح، هو أنا هركب كاميرات أشوف بيها تحركاتي وأنا نايم..
هز كتفيه بدون مبالاة:.

وماله ركب ياخويا ولا أقولك انت تنام على الأرض وأنا على السرير..
تمدد مروان على الفراش بتكاسل:
والله انت اللي منزعج مش أنا يبقى تنام على الأرض...
وسرعان ما غفلت عينيه فدفع الوسادة بوجهه بغضبٍ:
مش بكلمك أنا عامل نفسك نايم ليه؟.
كاد بأن يجيبه بوقاحة ولكنه توقف حينما إستمعوا لطرقاتٍ خافتة على باب الغرفة ليخرج صوتها الرقيق من خلفه:
فارس..

أسرع بفتح الباب ليجدها تقف أمامه بفستانها الأزرق وحجابها الأسود، إبتسم بهيامٍ إنقطع بصراخها الغريب فتفاجئ بأنه يقف أمامها بصدراً عاري، ركض لخزانته ثم جذب القميص وكاد بأرتدائه ولكنه عاد ليقف أمامها عاري الصدر من جديد ليسألها بفضول:
هو مش أحنا كتبنا الكتاب ولا انا بنسى؟
أجابته منة بغضبٍ:
فارس!.
إرتدى القميص بنظراتٍ متعصبة والأخر يكبت الضحكات التي إنسابت رغماً عنه فقال بمشاكسة:.

أيوه كدا إستري نفسك يا بيضة لتأخدي برد..
تعالت ضحكات منة فرمقها فارس بغضب لتسحب ضحكتها واشارت له بخوفٍ من نظراته:
هستناك تحت متتأخرش عشان عندي محاضرة..
غادرت سريعاً فأنسحبت النظرات تجاه مروان ليغلق الباب من خلفها ثم توجه ليجذبه بقوةٍ من ملابسه، فقال وهو يجز على أسنانه بغضب:
قولتلك ألف مرة متتدخلش بيني وبينها، أنت بتفهم بأنهي لغة؟.
حرر قبضته، ليدفع يديه بقوة بعيداً عنه ليبتسم بسخرية:.

بالأنجلش..
تماسك فارس بصعوبة وتحرك تجاه الخزانة لينقي ما يناسبه حتى لا يتأخر عليها...

صممت حنين على مراد بأن يخرجها لأي مكان منعزل عن القصر لتكون لجواره بمفردهما، فوعدها بأنه سيخرج معها بالمساء لأي مكان تختاره هي، فظلت جوار الخزانة أغلب يومها لإنتقاء ما يناسبها ليجعلها مميزة هذة الليلة..

بغرفة سلمى..

وضعت طبق الكعك الذي أعدته على الكومود المجاور ل سارة، فهي تحاول بشتى الطرق أن تحدثها ولو قليلاً ولكن الاخرى لا تسمح لها بذلك، تصنعت بأنها تقرأ احد الكتب حتى تتهرب من حديثها اليومي، تطلعت لها سلمى ببسمة هادئة لتقول وهي واقفة محلها:
على فكرة أي حد مكانك كان هيعمل كدا وأكتر...
رفعت سارة عينيها تجاهها بأستغرابٍ، فأسترسلت حديثها:.

انا عارفة أن جان غلط بس صدقيني هو ندم جداً وعلى فكرة كان على علاقة بالبنت دي من قبل ما خالد يعرفها..
خلعت سارة نظارتها لتشير لها بذهولٍ:
انتِ إزاي قاعدة قدامي وبتعترفيلي إنه كان على علاقة ببنت وقادرة تكملي معاه!.
لاحت بسمة لطيفة على وجهها لتخبرها بكلماتٍ مختصرة:
اي شاب عنده ماضي، الصادق في علاقته معاكي هو اللي هيقولك الصغيرة قبل الكبيرة..
وخرجت من الغرفة لتتركها صافنة للغاية بما قالته...
.

وضع الطعام من أمامهم، فجلس على مقدمة الطاولة عباس صفوان ولجواره يامن الذي يحدج شقيقته بنظراتٍ غريبة، عبثت بطعامها بأهمال وكأنها تتصنع بتناوله، تقززها مما وضع أمامها جعلها تكبت انفها بصعوبة، إستمرت بمقاومة شعورها بالغيثان ولكنه تمكن منها بنهاية الأمر، فركضت للمرحاض لتستفرغ ما بجوفها ليلحق بها عباس بخوفٍ اما يامن فظل محله يتطلع للفراغ بنظراتٍ واجمة، تنم عن تفكيره المخيف بأمرها!..
.

حل المساء ومازال يتجول بسيارته وهي لجواره، تشعر بأحساسٍ غريب يغزو قلبها، وكأنه بدأ بالإعتياد على وجوده لجوارها رغم أنه لم يمر سوى يومٍ تقرب به لها، ولكن قلبها تعرف على حبيبه المسبق...
.

إنتظرها مراد بالأسفل بملل، تطلع لساعته للمرة التي لم يذكر عددها، زفر بغضب قتل لحظة رؤياها تهبط الدرج الخارجي بفستانها البنفسج الفضفاض الذي منحه إحساس وكأنها تزف برحيق الورود الخالص، قطعت المسافة فيما بينهما لتقف امامه ومازال يتطلع لها كالأبله، رفعت يدها لتشير له أمام عينيه بغرور:
مش هتفتحلي الباب..

لم يفهم كلماتها الا حينما هزت رأسها تجاه باب السيارة فتحرك تجاهه ليفتحه لها ببسمة زادت من وسامته القاتلة ببذلته الفاخرة، صعد لجوارها ليمنحها نظرة متفحصة عن قرب، هامساً بمكر:
أيه رأيك نقضي الليلة دي بره القصر، في أوتيل مثلاً..
ضيقت عينيها بخبث:
أمممم، لو السهرة عجبتني أفكر..
ثم أشارت له بضيقٍ وهي تتفحص ساعته الذي قدمها لها منذ بداية تعرفهما ولم تخلعها قط:
ياريت تتحرك بقى عشان وقتي..

رفع حاجبيه بسخرية:
شايفك بتبتدي تقلديني ولا دا مجرد تخمين!.
عدلت من حجابها بتعجرف:
وليه لا..
حذرها بلهجته الخشنة عن تعمد:
حنين..
قالت ببعض الخوف:
بحاول اتعلم من بعض ما عندكم لو يضايقك خلاص خد راحتك أنا متفرغة مش ورايا حاجة...
هز رأسه بعدم تصديق وهو يحرك مكابح السيارة:
مجنونة..

كبتت بسماتها وهي تتابع ضيقه بفرحة وضحكة تلاشت حينما وجدته يراقبها بمرآة السيارة فبدت ثابتة بعض الشيء ولكنه يعلم ما الذي تخطط له..

أسندها عباس بلهفة:
أنتِ كويسة يا حبيبتي؟.
حاولت أن تستقيم بوقفتها ولكنها لم تستطيع فسقطت مغشي عليها أسفل قدميه، حاول أن يحملها ولكنه لم يستطيع فصرخ بهلع:
يــــــامـن..

ترك مقعده ليتوجه إليهم فحملها لغرفتها ثم طلب الطبيب الذي سيفشي بحقيقة مصيرها مغلق بمفتاحٍ مخفي بيدها!.

خطفت النظرات إليه والأخر يدعو إنشغاله بالقيادة، إقتربت منه ببسمة رقيقة لتضع رأسها على كتفيه، إبتسم مراد وتابع قيادته بتركيز بالطريق فوجودها لجواره يعد خطراً بحادث أليم، ضيق عينيه بذهولٍ حينما وجد عدد من السيارات تتابعه، تنقلت نظراته للمرآة الأمامية فقال بثبات:
حنين إنزلي تحت..

لم تتفهم كلماته الا حينما دفعها بيديه أسفل قدميه وخاصة حينما ضُرب عليه طلقات نارية، صرخت حنين بخوفٍ وهو يحاول التحكم بسرعة سيارته، توقف الطلق الناري فجأة بعد أن اخبره كبيره بأنه يخشى أن تتأذي حنين، نعم سيقتلها ولكن حينما يحصل على توقعها على تنازلها بكافة أملاكها...

بمهارة عالية تفادي مراد الإصطدام بالسيارتين ليسرع بقيادته، وإذ فجأة تخرج سيارة من العدم لتقطع طريقه، بكت حنين برعب، ففتح مراد تابلو السيارة ليخرج سلاحه من داخلها، ثم أشار لها بحزم:
مهما حصل اوعي تخرجي من العربية فاهمه؟.
تمسكت به بدموعٍ تغزو كالسيل:
أنت رايح فين؟، هيقتلوك..

لم يمتلك وقتٍ لمجاريتها بالحديث، فبسرعة كبيرة تفادى ذراعيها ليخرج من السيارة ثم اغلقها أتوماتكياً، إنخرط حوله كتل من التجمعات لتبدأ بينهما معركة دامية غير متساوية الاطراف، منع بها مراد أحداً من الوصول للسيارة مهما كلف الامر، أما بالداخل رجف جسدها من شدة البكاء تشاهد ما يحدث من زجاج النافذة، بقلبٍ يكاد يتوقف وهي ترأه يصارع تسعة من الرجال، أطلق مراد النيران على ثلاثة منهما ثم تشابك بالأذراع مع الباقي منهما، لكم أحدهم بقوة حتى غاب عن الوعي، فقرب الاخر منه مدته (مطواة) ليجرح ذراعيه، تألم مراد من جرح يديه ولكنه تجاهله ليقيد حركة ذراعيه ثم قربها من صدره ليطعنه اكثر من طعنة أدت لمصراعه، إستغل الأخر إنشغاله وجذب جسد حديدي من صندوق السيارة خاص بتبديل العجلات ليهوي بها على رأس مراد أكثر من مرة، تساقطت الدماء من رأسه بغزارة فسقط أرضاً بألم يتغلب على رأسه فيشعره بدوارٍ حاد، صرخت حنين بقهرٍ وهي ترى الدماء تنساب من رأسه بدون توقف، تحرك كلاهما تجاه السيارة فتوقف أحداهما حينما تمسك مراد بقدميه فمازال يحاول الدفاع عنها حتى وهو على مشارف الموت، كاد بالتغلب عليهم وخاصة بعد القضاء على أغلبهم فلم يتبقى سوى إثنين منهما ولكن خانه هذا الضعيف الذي عرف قدر نفسه ففاجئه من الخلف، حاول ان يحرر قدميه من قبضة الجوكر فجذب رفيقه الأداة ليهوى بها على كتفيه بقوة جعلته يفقد الوعي نهائياً، ومن ثم تحرك للسيارة ليكسر زجاجها بقوة بعد أن حاول فتحها ثم جذب حنين بالقوة لتصرخ بفزع بأسمه ولكن تلك المرة لم يجيبها، سحبوها بالقوة للسيارة المجاورة لجسد مراد فتشبت به صارخة بجنون:.

مراد..
دمائه وسكون حركته جعلت حقيقة كونه قتل تزف لقلبها التعيس فتمسكت به ببكاءٍ حارق:
متسبنيش...
سحبوها بالقوة تجاه السيارة رغم حركات جسدها العنيفة، فتطلعت من الشرفة لتصرخ بأخر أمل لديها:
مـــــــــــــــــراد....

دفعها الأخر للداخل ليقود السيارة من يجلس بالأمام سريعاً، خشية من تدخل حرس رحيم زيدان بالأمر فينتهي بهم الحال جوار من قتلوا جوار مراد ؛ ولكنهم تناسوا تماماً بأنهم من حفروا مقابرهم بأيدهم حينما تجرأوا بما فعلوه فأن كان الجوكر يلاقي مصيره فمازال الأسطورة على قيد الحياة!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة