قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الرابع عشر

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الرابع عشر

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الرابع عشر

حالة من الدهشة كانت تستحوذ على تعابير وجهه وهو يستمع لما فعله والده، إنتهى طلعت من قص ما فعله عمران على مسمعه، ثم إنتظر لما سيقوله، بدى ريان مضطرباً بتفكيره المشتت، فليس بالجديد أن يضعه والده بمواقفٍ مخجلة، يعلم جيداً عاقبة ما إرتكبه تجاه طلعت زيدان، ولكنه بالنهاية والده، صمته كان غامض بعض الشيء، كأنه يرتب الكلمات التي ستكون رداً على الجرائم البشعة التي إرتكبها، فقال بإتزانٍ يصاحب صوته الخشن:.

أنا عارف يا خالي إن بابا غلط ومش راضي عن تصرفاته أبداً، ولكن دا بالنهاية والدي ومقدرش إني أمارس حياتي بشكل طبيعي وأنا عارف إنه محبوس وبيعاني!.

تابعه طلعت بنظراتٍ مهتمة، فأجابه بثباتٍ وعينيه مسلطة عليه:
وأنت متوقع إني أسيبه يخرج من المكان دا بعد اللي عمله!.
زار الضيق ملامح وجه ريان لقترة قليلة تمكن الجوكر من رؤيته جيداً، ليبدأ بقول:
المتوقع بالنسبة ليا إني مش هقدر أخرج من المكان دا من غير أبويا...
عينين ثاقبتان تنبشان بصمتٍ بالوجوه، يسكن خلف معالمه الهادئة ثورة عقلية لا تزن بالمال، إنصاعت الشفاه لأوامره وتحركت لتنطق:.

وأنا هسمحله بدا بس مش عشانه، عشانك إنت يا ريان...
استدار ريان تجاه صوته الفاصل بين الخلاف الناشب فيما بينهما، ليجيبه ببسمة هادئة:
فجأتني يا مراد ..
لاحت بسمة شبه ساخرة على وجه الجوكر، فوضع يديه بجيوب جاكيته الأسود منتصباً بوقفته بغرورٍ:
معروف عني المفاجآت..
ثم استطرد حديثه متجاهلاً نظرات غضب والده تجاه هذا القرار الصادم:.

أحياناً العفو بيكون فرصة لأمثال عمران ، بس اتمنى إنه يقدر فرصته كويس لإن الغلطة دي هيكون تمنها غالي أوي...
ثم أشار بعينيه ل حازم ليطلق سراح عمران ؛ ولكن تمكن منه الإرتباك لمخالفة أمراً من أوامر رحيم زيدان، فتنحنح بتوترٍ:
بس يا باشا آآ...
قاطعه بحدة شُعلت بعينيه المخيفة وهو يأمره:
متجدلنيش في كل صغيرة وكبيرة، لو نسيت نفسك أنا أفكرك انت مين ووظيفتك هنا أيه!..

إنخضع لأوامره فقال ونظراته أرضاً، ليتحاشى غضبه المهلك:
إعتبره حصل يا باشا..
وغادر سريعاً ليلحق به ريان بعدما ودع طلعت على وعد ببقاء الأمر سراً حتى يحدث ما يريد، وبمجرد خروجه من القاعة حتى صرخ طلعت بضيقٍ:
أيه اللي عملته دا يا مراد، أنت عارف الحيوان دا لو طلع هيعمل أيه؟!.
تحرك بجسده الثقيل ليقترب من والده، أزاح عينيه عن الباب بعدما تأكد من رحيله، فأعتدل بوقفته قائلاً بثبات:.

أنا مخرجه عشان اللي هيعمله دا...
ضيق عينيه بعدم فهم لما يلقيه عليه من كلماتٍ غامضة فتساءل بإستغرابٍ:
أنا مش فاهم حاجة!.
جذب مراد أحد المقاعد الموضوعة حول المائدة الصغيرة لتناول الطعام المنفرد بقاعته السرية، ثم قربه من والده ليجلس أمامه بهدوءٍ مريب:
مسألتش نفسك ريان عرف إزاي بمكان عمران، أو بمعنى أوضح إنه تحت أيدينا!.
إقتحمت عينيه نظراتٍ من الحيرة، فأجابه الجوكر ببسمةٍ خبث:.

الإجابة بمنتهى البساطة أن في حد تالت بيحاول يوقع العيلة دي، ممكن يكون يقصد رحيم أو يقصدني أنا شخصياً بس لحد ما نعرف مين الشخص دا كان لازم أحافظ على الرابط اللي سعينا أنا ورحيم له...
وإستكمل موضحاً:
يعني لو كنت رفضت إن أسيب عمران، ريان مكنش هيسكت واكيد الخلاف هيكبر وكل اللي عملاناه هيضيع ودا اللي هو عايزه...
وإرتشف من كوب العصير الموضوع أمامه بتبختر، بالذات لما فعله:.

أنا حبيت أقلب التربيزة عليه، اللي حصل من شوية دا مش هيحققله هدفه بالعكس هيقوي علاقة ريان بينا أكتر ويوم ما عمران يغلط ونأدبه هيكون برضاه...
لاحت بسمة شبه ساخرة على ما يجول بداخل رأس ابنه، فحتى هو لم يعلم ما الذي يخفيه بحديثه الهادئ، نهض عن مقعده ثم سار متجهاً نحو باب الخروج، فإتبعه في سكونٍ، وعقلٍ يلح بسؤالٍ يطارده إلى أن قرر البوح به، فرفع صوته قائلاً:
مراد!.

وقف محله دون التطلع للخلف بإنتظار سؤاله المتوقع وبسمة التسلية تحتل ثغره بخبثٍ، وبالفعل ما لبث سوى ثانية حتى قال:
ليه عرفت رحيم إني عايش، وموجود هنا؟..
إتسعت بسمته والأخر يتطلع له بإنتظاره أن يستدير ليعلل له، فأجائه بقول:
يمكن لإني محبتش إنك تخسر إبنك التاني...
رفع حاجبيه بصدمةٍ، ليتسأل في ذهولٍ:
أيه اللي بتقوله دا؟!.

وقف الجوكر بمحاذاته ليجيبه بملامحٍ متصلبة بقوةٍ، عهدت مع الجميع حتى والده، قد تكون عينيه تطوفها موجة هادئة، ساكنة، ولكن حينما يلفحها نسمة هواء تنقلب لإعصار مهلك:
فترة العداوة اللي كانت بيني وبين رحيم خالتني أعرف طريقة تفكيره كويس، والفترة اللي بقى فيها أخ وصديق أضافت ليا أنا مش له...
إنكمشت ملامح طلعت بعدم فهم لما يتفوه به، فأنخفض بخطواته ليقترب من والده، فإنخفض صوته بعض الشيء:.

كون إنك عايش وأنا على علم بالحقيقة دي لوحدي هتكون خطر عليك انت كأب...
ثم غمز له بسخرية لحقت بلهجته المرحة:
يعني بمنطلق إنك بتفرق بين ابن إنجي وإبن نجلاء...
وأكمل طريقه للخروج، والأخر مازال محله يبتسم بعدم تصديق لحيلة ابنه الخبيث، لا يعلم ما الذي دفعه للبوح للرحيم بسره؛ ولكنه لا ينكر، بإن حيلته سرت قلبه بعودة رابط مفقود لأسرة مملكته، وبالأخص رحيم و مراد...

خرج مراد لصالته الرياضية بعد أن بعث برسالة نصية لقصيرته المشاكسة ليذكرها بموعدهم للطبيبة بعد ساعة تقريباً..

حرر حازم الأغلال التي تقيد عمران والأخر يقرع قلبه بخوفٍ من أن يكون الوقت قد حان لقتله، دفعه حازم بغضبٍ من قرار مراد بتحرير لعينٍ هكذا، فخرج مع الرجال من المخزن بنظراتٍ تغمرها الرعب، جسده يرتجف بصورةٍ ملحوظة، فردد بصوتٍ شبه مسموع:
هتودوني فين؟!.

لم يجيبه أحداً، وكأن أفواههم مقيدة بأقفال عتية، دار بعينيه بين الوجوه حتى وقعت على ابنه يقف بالخارج بإنتظاره بمعالم غير راضية بالمرة عما يفعله، أسرع بخطاه تجاهه والذهول يحتل قسمات وجهه حينما لم يجد أي منه يعترض طريقه، وقف أمام ريان ليدعي الحسرة والقهر، قائلاً بصوتٍ حرص لجعله منكسراً:
شوفت مراد زيدان وأخوه عملوا فيا أيه!، دول حابسني زي الكلب من غير أي سبب وآآ...

كاد بإسترسل حديثه الزائف مل منها ريان فأستوقفه قائلاً بحدةٍ:
شوفت وعرفت الحقيقة...
ثم كرر ما قال ليتمكن من فهم مكنون كلماته:
حقيقتك البشعة، مراد زيدان اللي كنت هتبدأ بكلامك الحقير عنه هو بنفسه اللي أمر إنهم يخرجوك بس مش عشانك عشاني...
وتركه وكاد بالرحيل ولكنه استدار ليخبره بألم يعتصره:
النهاردة قدرت إني أخرجك رغم كل اللي عملته بعد كدا مش عارف إذا كنت هقدر ولا هقف أتفرج عليك وأنا عاجز...

وتركه وتوجه لقصر رحيم زيدان والأخر يتطلع للفراغ الذي كان يحتله منذ قليل بحقدٍ يدنس قلبه الأسود...

خرجت شجن متخفية بزي الخدم من الباب الخارجي للقصر، لتتوجه للمكان الذي أخبرها بيبرس بلقائه، بعدما أخبرته بأنها وجدت غايته، لمحها حازم وهي تتسلل للخارج بزيها الغريب، إنتباهه الشك تجاه ما تفعله فهز رأسه بإشارة بسيطة للحرس المسؤول عن حراسة البوابة الرئيسية، فسمح لها بالخروج، إتابعها حازم بسيارته لينفذ أوامر رحيم زيدان بتوفير حماية لها وليرضي فضوله تجاه أمرها المريب بإختيار طريقتها بالخروج، قصدت سيارة أجرة ومن ثم توجهت لمكانٍ متخفي بحديقة بعيدة بعض الشيء عن القصر، وجدته بإنتظارها، فأخرجت فلاشة صغيرة لتقدمه له، بدت السعادة على وجهه كمن نال جائزة ظل يخطط لها شهوراً وسنوات، إستوقفته شجن بفتورٍ شديد:.

فريد الفلاشة دي فيها أيه وليه تهمك أوي كدا؟..
عاد ليسيطر على ملامحه قائلاً بثباتٍ وهو يهم بالإبتعاد عنها:
بعدين يا شجن أنتِ أرجعي القصر وأنا هبقى أفهمك على كل حاجة...

وتوجه مسرعاً للسيارة التي كانت بإنتظاره و حازم بصدمة من أمره، فعاد سريعاً للقصر بعدما إلتقط عدد من الصور، أما شجن فجلست على مقاعد الإستراحة بالطريق، بتعاسة تسطر على وجهها، آلمٍ غريب يخترق قلبها، لا تعلم لما ينفذ إليها شعوراً بالضياع، لا تعلم أين وجهتها، من جهة فريد محبوب الطفولة ومن جهة أخرى ذاك الغامض رحيم زيدان!..

جلست ومنحت ذاتها وقتاً طال بجلوسها الذي سيعد نقطة فارقة بحياتها، أما بالسيارة التي صعد إليها بيبرس، خلع عدساته اللاصقة عن عينيه ليقدم لرجاله الفلاشة ببسمةٍ إنتصار، وضعها احداهم بالحاسوب لينفتح من أمامهم ملف خاص بتركة عائلة زيدان، جن جنون بيبرس، أين معلومات المافيا الخاصة وأسمائهم، شدد على خصلات شعره بجنون فأين سيحتفظ رحيم زيدان بمعلوماتٍ هكذة غير بخزانة قصره!.

إنتظرها حتى هبطت من الأعلى بفستانها الأزرق الفضفاض، حجابها ينسدل بحرية ليخفي منتصف جسدها من الأعلى، ربع يديه أمام صدره بهيامٍ بها، أخفضت نظراتها عن عينيه بحزنٍ غريب يسيطر على ملامح وجهها، إمسك مراد بيدها قائلاً في إستحسانٍ:
تسمحيلي أخطفك ومش مهم دكتورة النهاردة..

أفتر وجه حنين الحزين عن بسمةٍ خافتة، لتصعد جواره بالسيارة التي إنطلقت فور صعوده، خطفت النظرات المرتبكة له، كانت تحاول حسم قرارها حول إخبره بما تعرفه، ولكن عهد الصداقة يحتمها على الإحتفاظ بالصمتٍ، حمدت الله بإنه كان مشغولٍ بهاتفه، على ما يبدو بأنه يتحدث مع شخصٍ هام...

توقفت السيارة بعد قليل أمام أحد العيادات الفاخرة، الخاصة بطبيبة النسا والتوليد، فتح باب السيارة فهبطت لتضع يدها بيديه الممدودة، صعدت جواره للأعلى، فوقف أمام مكتب السكرتارية الخارجية قائلاً بصوته الرجولي الخشن:
في جهز بإسم مدام حنين زيدان..

أجابته بتأكيدٍ وهي تخرج ورقة الكشف الخاصة بها وهي تشير له بإنها ستدخل فور خروج من بالداخل، أشار لها على الأريكة القريبة من باب غرفة الطبيبة، فتح أزرر جاكيته البني ليجلس جوارها بثباتٍ فتاك جعله ملفت لمن حوله بالعيادة بشكلٍ ملحوظ، تعلم جيداً بأنه يود معرفة ما يشغلها، فألهت ذاتها بإستكشاف العيادة من حولها، مرت نظراتها على الحضور لتجد كل منهمن تجلس ولجوارها والدتها الا عدد بسيط من الازواج يحضرون مع زوجاتهن وبالطبع كانت هي مثلهم، إستيقظ بداخلها شعور الإشتياق لوالدتها، فربما إن كانت موجودة لكانت هي من تجلس جوارها بذات الوقت، لمسةٍ حنونة إحتوت لاىحة يدها، لتلتفت جوارها تلقائياً، لتجده يغمرها ببسمته المهلكة، وكأنه قرأ ما يجول بعقلها، فعتابها قائلاً:.

أنا مش كفايا ولا أيه؟!.
إبتسمت حنين لترد عليه بصدقٍ ينبع من قاموس عشقها:
أنت كفايا عن الدنيا كلها يا مراد..
إقترب بوجهه منها قليلاً، ليتمتم بخبثٍ:
أممم، طيب تسمحي لمراد إنه يقتحم الصمت دا ويعرف أيه اللي مغير حبيبته كدا الفترة الاخيرة، أنا تقريباً بقيت شاكك إنك مش القصيرة أم لسان طويل اللي إتجوزتها!.
زمجرت بعينيها عن نظرة محتفنة فتعالت ضحكاته ليستبدل كلماته بسؤالٍ جادي:
مهو أنا لازم أعرف مالك؟.

عبثت بأصابعها قليلاً وهي تتطلع لفستانها، لتحث ذاتها على الحديث فالأمر ليس بالهين قط، فقالت بإرتباكٍ:
مراد ، شجن آآآ، شجن قالتلي إنها يعني آآآ...
ضيق عينيه الزرقاء بإستغرابٍ لما تحاول قوله، فباغتها بسؤالٍ:
مالها شجن؟!..
كادت بإجابته ولكن قطعهما صوت الممرضة قائلة ببسمة عملية:
مدام حنين، إتفضلي...

أشار لها بهدوءٍ، فحملت حقيبة يدها وتوجهت للداخل ليتابعها مراد، فجلس على المقعد المخصص له بالداخل، لتبدأ محادثة خفيفة معها ومع الطبيبة ومن ثم توجهت للداخل لتبدأ بفحصها، ليظهر على الشاشة من أمام عينيه، طفله الصغير الذي مازال لم يتكون بعد ولكن يكفي رؤيته وسماع دقات قلبه التي أنعشت قلبه فخفق بجنونٍ وهو يستكشف هذا الجزء الصغير الذي تحمله قصيرته بداخل أحشائها!..

فُتحت البوابة الرئيسية على مصراعيها لإستقبال موكب رحيم زيدان ، بسرعة كبيرة إجتازت منتصف المساحات لتصل أمام القصر الداخلي، فتح سائقها الباب ليهبط رحيم متجهاً للداخل بخطواته المنمقة، صعد للأعلى بسرعة جاهد ليخطو بها، صعد لغرفتها أولاً فقلبه يتمزق بشوق لقائها، عقله يكاد يتوقف من فرط قلقه عليها بعدما قرأ محتوى رسالة بيبرس الصريحة بمجابهته، تلاشت نوابع الأمل بزيتونية عينيه حينما وجد غرفتها فارغة، هبط للأسفل بغضبٍ حينما أخبرته مسؤولة الخدم بانها لم تخرج اليوم، ولم تفارق غرفتها منذ الصباح، حتى الحارس اخبره بعدم خروج أحداً من بوابة القصر، إختفاء حازم جعله يهدأ قليلاً بأنه يلاحقها كالظل، جلس على مقعد مكتبه بنظراتٍ قاتمة، تعد عدتها لمحاربة عدو مثل بيبرس، عاد لينبش بذكرياتٍ الماضي المهجور، عاد ليحيي جزءٍ من آلامه، إقتحم حازم مكتبه بعد طرقات متتالية سريعة، ليقف من أمامه بلسانٍ مرتجف عما يود قوله!..

طرق على باب غرفتها للمرة الأخيرة قائلاً بحزنٍ:
إفتحي يا ريم...
لم يستمع ردها فعلى ما يبدو بإنها لا تود رؤياه، كان يظن بأن بموت هنا سينتهي كل شيء، ولكن الآن إزدادت الأمور سوءاً، سكون الصمت جعل قلبه يئن دون توقف، ليقطعه بكلماته البائسة:
أنا مش هفرض نفسي عليكي أكتر من كدا، كنت فاكر إني لما هصارحك بالحقيقة هتفرق معاكِ لكن اللي بشوفه منك بيخليني أندم إني لجئت للصدق في علاقتنا...

وتركها سليم وتوجه للهبوط، مستخدماً الدرج الجانبي، ولكنه توقف حينما إستمع لصوت مفتاح الغرفة يحرر قفله لينفتح الباب على مصراعيه!..

أنت بتقول أيه يا حيوان...
إختنقت أنفاس حازم وقد بدى وجهه يتلون بالأزرق الداكن من إختناق تنفسه، فقال بصعوبة بالغة بالحديث:
زي ما قولت لحضرتك الهانم لما خرجت كانت بتقابل شخص غريب مخبي وشه بكاب أسود وبيتكلموا بمكان بعيد عن القصر ومفهوش حد...

تلونت عين رحيم بهالة حمراء مخيفة، وكأنه على وشك التحول لسردابٍ من جحيم، في تلك اللحظة ولج مراد من الخارج بصحوبة زوجته ليتجه لمكتب رحيم المفتوح على مصراعيه ليصعق حينما وجد ما يحدث، فصرخ به بدهشةٍ:
رحيم...

بصعوبةٍ بالغة حرر أصابعه الملتفة حول فريسته ليسقط أرضاً بقوةٍ كسرت مفاصل قدميه، سعل بصوتٍ متحشرج للغاية وهو يجاهد لإلتقاط أنفاسه للبقاء على قيد الحياة، بينما بجواره بنفس الغرفة، حطم زجاج مكتبه بغضبٍ جعله كالوحش المجنح الذي أطلق جناحه لتو، تعجب مراد من حالته المخيفة فأستدار تجاه حازم ليتساءل بغضبٍ:
عملت أيه؟!..
إرتعب فأخرج هاتفه ليحاول التغلب على أتفاسه المتقطعة:.

والله يا باشا دا اللي حصل ولو مش مصدقني أنا صورتها...
لم يفهم الجوكر ما يرمي به من حديث غامض، بينما قبض رحيم على هاتفه ليصله ليرسل الصور لحاسوبه الخاص ثم ألقى هاتفه أرضاً، فتح الحاسوب ليتطلع بغضبٍ لمن يقف أمامه بالصور الملتقطة، قرب الصورة ليتمتم بعصبيةٍ بالغة وهو يلقيه أرضاً هو الأخر:
كلب...

إلتقط مراد الحاسوب ليرى شجن من أمامه، تقف أمام رجلاً غريب وعلى ما يبدو هناك شيئاً غامض يدور بينهما، أشار لحازم بحذم فالموضوع خطيراً للغاية:
روح انت يا حازم..
ثم شدد على كلماته بصرامةٍ مخيفة:
لسانك لو نطق بحرف لحد أنت عارف الباقي..
أجابه بخوفٍ وهو يلتقط هاتفه الملقي أرضاً:
تحت امرك يا مراد باشا..
وغادر على الفور، فأقترب مراد منه ليقول بهدوءٍ:
أنت عارف الحيوان دا!..

أومأ برأسه بهزة مقبضة، فغلت الدماء بعين مراد فمن يحتمل ان ترى زوجته رجلاً أخر بالسر، تابعت حنين ما يحدث من الخارج بخوفٍ يسيطر على رجفة جسدها، تود الحديث لتنقذ رفيفتها، ترأها تسلك طريق مظلم سيبتر قدميها، ترى بعينيها عاصفة تكتسح بالداخل فتخشي أن يحدث لها السوء...

بمطبخ القصر..
أعلم الطباخ بيبرس بما يدور بقصر رحيم زيدان، فعلى الفور أمر السائق بالتراجع لنفس المكان السابق، ليطوف بالسيارة حوله ليجد شجن قبل أن تعود للقصر، اراد ان يهاجم رحيم زيدان علاناً من دون أقنعة ولكن بئس المصير لتلك التي ظنت بأنها على الصواب لتستكشف الحقيقة القاسية...

كاد بإن يجيبه ولكن قطعهما صوت هاتفه، رفعه رحيم ليستمع لأمقت صوتٍ قد يستمعه:
الصور وصلتك؟!، اللعب كدا على المكشوف، مراتك معايا تقدر تقول بمزاجها مش غصب عنها، يعني أنا لا خطفت ولا أجبرتها إنها تيجي معايا، لو حابب تشوفها تاني أو تنقذها من شغلنا اللي إنت على علم بكل صغيرة وكبيرة فيه هتقابلني في العنوان اللي هبعتهولك...
إخترق صوت مراد المكالمة بينهما، ليصرخ به بغضب:
أنت مين يا حيوان أنت..

تعالت صوت ضحكاته ليجيبه ببرودٍ:
أنا صحبة الماضي، زنزانة واحدة ولقمة واحدة، قصة طويلة أخوك يبقى يحكيهالك..
وأغلق الهاتف فجن جنون مراد ليصرخ برحيم الذي يقف بكبرياءٍ عجيب بغضب:
متقولش إنك هتنقذها بعد خيانتها ليك!..
صمته الغريب جعل الأخر يتابعه بنظراتٍ مهتمة فعاد ليسأله من جديد:
مين الكلب دا...
أجابه بصوتٍ مقبض:
صفحة قديمة من صفحات الماضي اللي لسه بدفع حسابه لحد الآن..

قدمت خطوة وسحبت الأخرى حتى وقفت بداخل مكتب رحيم زيدان، وجدت يقف أمام مراد بسكونٍ غريب و مراد يكاد يجن من فرط الغضب المستحوذ عليه وهو يحاول تقبل فكرة الخيانة اللعينة، رفعت أصابعها المرتجفة لتطرق على زجاج الباب المفتوح، إنتبهوا إليها، فرفع مراد ذراعيه بهدوءٍ يحاول التحلي به:
أطلعي أوضتك دلوقتي يا حنين..
إبتلعت ريقها الجاف بصعوبةٍ بالغة لتحاول الحديث:
أنا كنت عايزة رحيم في حاجة..

أجابها مراد بصعوبة بالتحكم بأعصابه:
مش وقته إطلعي إرتاحي بالجناح...
أسرعت بالحديث المتلهف:
أنا عارفة شجن فين وكانت بتقابل مين؟..
استدار رحيم تجاهها بينما شدد مراد على ذراعيها بقسوةٍ، ليعنفها بغضبٍ:
أنتِ كنتِ عارفة هي بتقابل مين!..
إنسدلت الدموع من عينيها بخوفٍ، وهي تجيبه بصوتها المتقطع:
كنت هقولك وإحنا عند الدكتورة..
إرتفعت لهجته بصورةٍ مخيفة، ليردد ساخراً:.

تقوليلي أيه؟!، أنتِ ساكتة عن واحدة بتقابل واحد غريب على جوزها!..
تمكن منه الغضب فقال بتحذير
مرااد، متنساش إنها مراتي...
ثم حرر يديه القابضة على معصم حنين، ليستدرجها قائلاً:
حنين، شجن دلوقتي في أيد واحد مبيرحمش، شغلته الوحيدة خطف البنات وبيعهم لبيوت دعارة بره مصر، شبكة دولية على أعلى مستوى، لو بتحبيها بجد هتساعديني بكل اللي تعرفيه...
صعقت من هول ما إستمعت إليه فقالت ببكاءٍ:.

شجن مش خاينة، هي كانت بتقابل الإنسان دا لإنه خدعها وفهمها إنه فريد وهي صدقته..
رفع الجوكر حاجبيه بصدمة:
أيه؟!
إستكملت حديثها الياكي وهي تخرج هاتفها:
هو أقنعها إن رحيم هو اللي عمل كل دا عشان ينتقم منه، وهي صدقته لما سمعت التسجيل دا..
وأخرجت الواتساب بينها وبين أشجان لتفتح التسجيل الذي بعثته لها من قبل، لينطلق صوت رحيم المسجل وهو يقول:.

لما يتولد عنك فكرة الضعف، بتلجئ لطرق مختلفة تمحي بيها الأفكار اللي أخدوها عنك، وأنا عملت كدا لجئت لفكرة فريد، شخصية جديدة زرعتها عشان الكل ينسى رحيم زيدان الضعيف، واللي إتولد قدامهم شخص مختلف عن كل اللي مر بيه، شخص الكل هيعمله ألف حساب لإن ببساطة الضعيف مات...

دهش مراد بينما سكن رحيم محله بيأس من علاقة سعى لجعلها قوية قدر المستطاع ولكنها مازالت تتشبث بلجام الماضي، وخز قلبه لتصديقها هذا اللعين، تمنى أن يفعل لها ما تشاء، تمنى لو وضع العالم بأكمله أسفل قدميها وهي تركض خلف شكوك!.
أليس قلبها الكفيف قادر على تميزه من وسط مئات الأشخاص؟!.
صوت بكاء حنين هو الذي إخترق قاعة الصمت فيما بينهما لتسترسل حديثها بدموعٍ:.

حاولت أقنعها بس هي كانت شايفة إن رحيم زيدان مستحيل يكون فريد، رحيم شخص معندوش قلب والقتل عنده أسهل من أي شيء في حياته على عكس فريد دي وجهة نظرها البسيطة..

تهجمت ملامح وجهه بحمرة قاتمة، إعتصر قبضته وهو يحاول أن يسيطر على ما تبقى بداخله ليتمكن فقط من إنقاذها بما ورطت به ذاتها، دقت رسالة هاتفه بالمكان المحدد له بمقابلة هذا اللعين فألتقط مفاتيح سيارته وأسرع للخارج، لحق به مراد فجذبه قبل الصعود لسيارته:
رحيم فهمني مين دا وعايز منك أيه، وأيه اللي أجبرك تقول الكلام دا وهو يستخدم التسجيل دا ضدك؟!.
أجابه بلهجة ثابتة وجسد متصلب لم يقوى الزمان على الفتك به:.

بعدين يا مراد، الأهم دلوقتي هي...
زفر بغضب وهو يشدد على خصلات شعره الطويل، والأخر ينتظر سماع ما يريد فقال بهزة بسيطة:
تمام، هكون معاك..
ناوله مفاتيح السيارة بثباتٍ:
سوق انت..
تطلع للمفاتيح بنظرة ساخرة:
ممتاز، وأخيراً جولة جديدة تفك العضلات...
وصعد لجواره ليتوجه للمكان المنشود...

بغرفة سارة...

ظلت بإنتظاره بضيقٍ، مرت ساعاتٍ طويلة ولم يصعد لغرفته كالمعتاد إليه فتناديه لغرفتها، وزعت نظراته على اضواء الشمع الكبير الذي أنارته للإحتفال بعيد ميلاده السابع والعشرون، أرادت أن تفاجئه بحفلتها الصغيرة، تريد الإحتفال بعيده الاول معها، تطلعت لساعةٍ يدها بتذمر، فالوقت صار متأخر للغاية ومازال بالخارج، تثأبت بنومٍ وهي تجاهد لفتح عينيها، فتمددت على الأريكة لتكون بإنتظاره، إنسكبت أحدى الشمعات الطويلة لتسري نارٍ خافته، إلتهمت الستار ومن ثم تسري ببطء لتلتهم أثاث الغرفة بإكملها...

بالاسفل...
عاد جان من الخارج، فتوجه للغرفة المشتركة بينه وبين ريان ولكنه توقف محله حينما وجد الادخنة متصاعدة من الغرفة التي تقع بنهاية الروق، إنخلع قلبه فتلك الغرفة خاصة بسلمى أيضاً، ليتوجه سريعاً إليها...

جلست على المقعد بغضب، تركها هنا منذ ساعة كاملة، إنتظرت عودته مطولاً، أسئلة كثيرة تطاردها ولا إجابة صريحة لها، زفرت شجن بملل فوقفت امام الشرفة الزجاجية التي تفصلها عن الأسفل، وجدت المكان محاط بعدد مهول من الرجال ذو الأجساد الضخمة، ليس هناك فرق كبير بينهما وبين رجال رحيم زيدان، ألقت نظرة متفحصة بالغرفة، لتفتح الباب الجانبي، فهبطت الدرج الخشبي للأسفل، لتجده يجلس على مقعد خشبي بمنتصف هذا المكان القزز، يأمر وينهي بطريقة غريبة، نادته بإستغراب:.

فريد!..
تطلع لها بيبرس ورجاله، فتعالت ضحكاتهم بطريقةٍ مريبة، وقف بيبرس ليجذب كأسه من الخمر وإقترب ليقف أمامها، وضعت يدها على فمها بإستقزاز من رائحته المنفرة، وضع يديه على كتفيها بإبتسامة شيطانية:
عيونه..

تباعدت للخلف بنفورٍ منه، فإخترقت صوت سيارة المكان بأكمله، توقفت أمامهم بالتحديد، ليهبط منها مراد، ورحيم الذي وقف يتطلع لها بنظرةٍ منطفئة، إبتلعت ريقها بإرتباكٍ لتتطلع لجوارها بصدمةٍ حينما وجدته يخرج سلاحه من جيب جاكيته ليضعه على رأسها ويقربها منه، قالت بذهولٍ وهي تحاول تحرير ذاتها:
فريد بتعمل ايه؟!.
تعالت ضحكاته الشيطانية بشكلٍ مخيف وهو يردد بسخرية:.

ولا حاجة يا حبيبتي بحاول أستدرج رحيم زيدان عشان يديني اللي أنا عايزه...
إنطلق صوته الصارم وهو يوجه حديثه إليه:
كلامك معايا أنا، والعداوة بيني وبينك هي ملهاش أي ذنب...
هز رأسه بطريقة مخيفة ليحك رأسه بفوه السلاح بشكلٍ مخيف:
أمممممم، تصدق صح...
ورفع حافة السلاح ليضرب شجن على جبينها فصرخت بألم، صرخ رحيم به بجنون وهو يحاول الوصول إليه من وسط وفد رجاله المسلحين:.

بيبرس متنساش رقبتك ورقبة الكلاب دول تحت أيدي ورهن إشارتي...
شعل الخوف بعينيه وهو يصوب بسلاحه تجاه مراد الذي تحرك ليتفادى رجاله ويقتص منه:
أنت اللي هتجيب النهاية يا رحيم الفلاشة تكون عندي هنا والا هقتلها قدام عينيك هنا...

إنسدلت الدماء من جبينها وهي تحاول إستيعاب ما يحدث أمام عينيها، من الواضح بإنها وقعت أسيرة لأغلال هذا الحقير الذي إتضحت حقيقته، بكائها مزق قلب هذا الذي منحته لقب القاسي ذو القلب المتبلد، مزقه بخنجر حاد ليقتص بأخر ما تبقى به، تطلع لها رحيم قائلاً بسخرية تصاحبها لهجة ألم:
هو دا فريد؟!..
ثم عاد لقول:
دا اللي مستعد يضحي بحياته وروحه عشانك؟!، دا اللي عاش اللي باقي من عمره بالحبس برضا عشانك!..

بكت بقهراً وألم العالم من حوله يخترق قلبها، أصبحت كفيفة لدرجةٍ جعلتها لم تميز بين محبوبها وقوة الشر، أصبحت منكسرة لدرجة إنها لم تعد تستطيع التميز بين من يحاول ان يحتويها..
خرج بيبرس عن صبره ليشدد بضغطه على رأسها بغضب:
رحيم مفيش وقت يا تقولي الفلاشة فين يا هخلص عليها حالا وقدام عينيك..
وفعل الزناد فأغلقت عينيها بإستسلام لمصيراً تعترف بإنها تستحقه ولكنه توقف حينما صرخ به رحيم:.

الفلاشة في خزنة مكتبي ومفيش مخلوق هيقدر يجيبها غيري أنا او مراد، فنزل سلاحك بدل ما تندم عمرك اللي هتقضيه بالحبس لو قدمتها...
أخفض عنها السلاح بخوفٍ من تهديده، فأشار له بحذم:
يبقى هتخرج تجيبها وترجع وانت عارف كويس لو رجعت ومعاك حد هيكون مصيرها ايه..
بكت بخوف وهو يجرها للأعلى فأوقفه رحيم بكلماته الحادة:
بتحلم، أنا مش هتحرك من هنا غير وهي معايا، لو عايز الفلاشة مراد هيجيبها انا هفضل هنا لحد ما يرجع..

وألقي مفتاح خزانته لمراد الذي قرأ إشارات عينيه جيداً ليعلمه بما سيفعله بإشارات عيناه هو الأخر، فتوجه الجوكر لسيارته بعدما رمق شجن بنظرة ختمها بنظرة تحثها على التطلع لما يفعله رحيم لاجلها:
غبية...
وغادر سريعاً بسيارته، ليأمر بيبرس رجاله بتقيد رحيم و شجن ثم وضعهما معاً بغرفة واحد لتكون المواجهة بينهما إحبارياً لا فرار من الأمر!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة