قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الخامس عشر

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الخامس عشر

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الخامس عشر

إختنق تنفسها بصورةٍ غير طبيعية، سعلت بقوةٍ وهي تحاول التنفس، ففتحت عينيها بإستغراب حينما سادت الأدخنة بالغرفة بأكملها، جحظت عين سارة بفزعٍ، لما رأته من مشهد دامي كاد بأن يعصف بعقلها وعينيها التي تتطلع للغرفة التي صارت قطعة من الجحيم بنيرانه المستعارة، الأثاث، الستائر، السجاد، كل شيءٍ مشتعل، حتى طرف الأريكة التي تعتليها، تراجعت للخلف بزعراً حينما كاد فستانها أن يتلامس بنيرانٍ الستائر، فأسرعت بخطواتها تجاه باب الغرفة وهي تكبت أنفاسها بيدها حتى لا تفقد وعيها من فرط الدخان المتصاعد، صرخت بهلعٍ حينما سقطت الخزانة المشتعلة أمام باب الغرفة ليصنع حاجز من أمامها فمن الصعب الوصول للباب، بكت بخوفٍ وهي تتراجع للخلف بصدمةٍ من الموت للذي يحوم بها، موتة بشعة لم تتمناها لأحداً يوم، رددت بصوتٍ مرتفع للغاية وهي تبكي بحرقة:.

ريان...

وكأنها تطالب بنجدتها، كأن إسمه تعويذة ستخمد النيران من حولها، تراجعت للخلف بخطواتها المتعثرة ونظراتها الملتاعة وهي ترى النيرات تقترب منها بصورةٍ مفزعة، بكت بضعفٍ وهي تحاول حماية جسدها بعجزٍ تام، صوت تهشم زجاج قوي إخترق مسماعها، فتطلعت للشرفة لتجد أحداً يحطمه بمعصمه!، حاولت رؤية وجهه ولكنها فشلت من فرط الادخنة كل ما أسعدها بأنه يوجد امل بالنجاة، فخرج صوتها المضطرب وهي تصرخ:
حد يساعدني...

تسلق ببراعة لحافة الشرفة بعدما حطم زجاجها، ولج للداخل يبدأ بالبحث بالغرفة الشبه محترفة، فوجد سارة تسعل بقوة وهي تحاول أن تتفادى النيران من حولها، ولكن سقطت طرف أحد الستائر المشتعلة لتشعل طرف فستانها، صرخت بخوفٍ وهي تحاول إضطرام النيران فحركت طرف فستانها وهي تصرخ بجنونٍ، إقترب منها جان باحثاً عما يمكن إستخدامه ولكنه فشل بإيجاد شيئاً فبدون أي تردد إستخدم يديه ليطفئ النيران البسيطة التي تكاد تتشابك بالثوب بأكمله، خبط بيديه على طرفه، فوجده لا ينطفئ فمزق طرفه الطويل عنها، ثم وقف أمامها لتبدو ملامحه أكثر وضوحاً، رددت بصوتها الخافت وهي تتطلع ليديه المحروقة أثر إطفائه للنيران الفستان:.

جان!.

تفحص الطريق من حولها ثم قال بثباتٍ لمحاولة تهدئتها:
متخافيش يا سارة هخرجك من هنا..

أشارت له ببكاء وعينيها تستغيث، سقط العمود الحامل للستار فكاد بأن يصدمها ولكنه جذبها بقوة، ليتفاده بذراعيه الأيمن، فكبت صرخة مداوية كادت بأن تنفلت منه ليلقيه بعزمه أرضاً، تفحصت إصابته ببكاءٍ وهي تشعر بأن نهايتهم واشكة وخاصة حينما بدأت النيران تسلل لحمام الغرفة وبالطبع سخان الغرفة سينفجر بأي لحظة، جذبها برفق ليوقفها بمكانٍ لحداً ما آمن، ثم توجه لباب الغرفة فحاول إزاحة الخزانة المشتعلة عن الباب قليلاً، ولكنه لم يتمكن، بسرعة بديهية لقطت عينيه الشرفة التي تسلل منها، سيكون من السهل عليه الخروج للياقته البدنية ولكنها لن تستطيع، ولكن لا وقتٍ حتى للتفكير، لذا جذبها للشرفة مشيراً لها بذراعيه:.

سارة مفيش منفذ للخروج غير دا...
تطلعت للمسافة الفاصلة بينها وبين شرفة الغرفة المجاورة بنظراتٍ خوف وهي تتفحص المسافة بينها وبين الأرض لتضع بإفتراضاتها لحظة سقوطها من هذا الإرتفاع، أشار لها جان بثقة:
متخافيش مش هسيبك..
أومأت برأسها بدموعٍ، فدانا منها متسائلاً بجدية:
جاهزة؟..

أشارت له بخفة فحملها بذراعيه ليقربها من حافة الشرفة، لتثبت اقدامها على طرفيها، فلحق بها هو الأخر ليتمسك بيدها حتى يعاونها على العبور للجهة الأخرى من الشرفة...

تحرر مقبض الباب جعل قلبه يخفق بقوةٍ، وكأنه نال وسام لمنتصف الطريق المقطوع، أبدل وجهته ليصعد للأعلى سريعاً، ثم ولج للداخل بشوقٍ يجرفه للداخل بخطواتٍ سريعة، ملتاعة لرؤياها، وجدها تجلس على المقعد تحاول إخفاء دمعاتها الواضحة على وجهها الشاحب، رؤيتها منكسرة هكذا حطمه للغاية، كانت تحاول التماسك، ورغم ذلك تتحاشى التطلع لوجهه، جذب سليم المقعد المقابل لها، ليضعه على مسافة قريبة منها، حينها بات الهروب ليس حل منطقي لمحاصراتٍ نظراته، الألم الذي نبع بداخله بذاك الوقت كفيلاً بهزيمة رجولته، فتمنى لو تمكن من البكاء، رفع أصابعه ليقربها من وجهها ليرفعه عالياً في مقابلة وجهه، بينما دقات القلب تهمس بخفوتٍ، إرفعي رأسك للأعلى فأنتِ لم تقترفين أي جرمٍ، إرفعي رأسك حبيبتي فأنا المخطئ بحقك وبحق نفسي، أنا من سمح لكِ أن تخوضي هذة التجربة القاسية.

كنت أمل أن نتشارك الآلآم سوياً، ولكني كنت أحمق، فأنا قويٍ، صلبٍ أما أنتِ فرقيقة لدرجةٍ أن ما رأته عيناكِ حطم قلبي قبل ان يصل لحصون قلبك، إرفعي رأسك عالياً فأنا المذنب البغيض وأنتِ فراشة لا يليق بها الحزن ولا تليق بها الهموم، قفي على قداميك وتمسكي بقوتك، جادليني بأعلى صوتٍ تمتلكين وحينها سأغفر لكٍ ما ستقولين، مهما فعلتي فأنا أستحق ذلك ولكن ما أراه أمام عيني يحطمني، فأن لم يتمكن الإبتلاء من كسر شموخي فرؤياكٍ هكذا أقسم لكِ حطم فؤادي، إرفعي رأسك بكبرياءٍ فأنتِ محبوبة القلب ومن ترجتها الروح لتتلبسها بعشقٍ دام منذ أول لقاء، أول نظرة، حينما كنتِ تخطين أول خطواتك وأنا لجوارك أشدد على يديكِ الصغيرة، كنت لجوارك منذ الوهلة الأولى، كنت أبتهج لرؤياكِ ترددين إسمي بطفولية تمكنت من فؤاد جوارحي، كنت صبي لا يتعدى الست سنواتٍ ولكني أشعر تجاهك بشيءٍ يصعب وصفه، إرفعي رأسك فإن كنت أنا الشوكة التي ستحني رأسك سأكسرها لتستكملين طريقك حتى ولو كان من دوني!..

أفصحت النظرات عن الكلماتٍ التي عجز اللسان عن قولها، فطافتها دمعة ريم الحارقة، منحها بسمة صغيرة، غامضة، ثم تركها ونهض ليغادر، تمسكت بذراعيه لتبدأ بالحديث بنوبةٍ من البكاء:
خليك جانبي..

أغلق عينيه بقوةٍ يستلذ نبرة صوته الذي يطرب روحه، يدها التي تلامس يديه الصلبة أنعشت قلبه بلمستها التحفيزية لمشاعره، إستدار تجاهها، ثم إنخفض لينحني على قداميه، فكان مقابلها، يتأمل ملامح وجهها الباهت، فقالت بعذابٍ كلماتٍ تذبحها:
محتاجة وقت يا سليم...
ثم قالت بنبرةٍ باكية:
محتاجة أنسى اللي شوفته...
إقترب بوجهه منها ليستند بجبينه على جبينها، قائلاً بصوتٍ لفح وجهها ليستحوذ بتأثيره الرجولي عليها:.

اللي شوفتيه شخص مغيب عن الواقع، ميعرفش هو بيعمل أيه، سليم مفيش غير واحدة هي اللي بتحرك غريزته، هي اللي قدر إنه في لحظة ضعف منه قدر يتحكم في نفسه عشانها...

أغلقت عينيها بخجل حينما ذكرها بالليلة التي جمعتهم سويا من قبل حينما كانت تخشى لقاء رحيم بعدما هربت مع نغم، تذكرت كل ما حمل من شغف ورغبة ورغم ذلك لم يتمكن من كسر فرحتها المستحقة، إمتنع عنها لتزف له بالأبيض، حقها الطبيعي مثل أي فتاة، إنخفض ليتطلع لشفتيها المرتجفة بنظرة خفقت إليها جوارحه، فمنحها الآذن بإقتباس القليل من ريحقها، غمرها إحساس إفتقدته لفترةٍ، وها قد عاد ليحتضنها من جديد، تلقائياً وضعت يدها لتستند على صدره لتلامس دقات قلبه المشتعلة بجنونٍ، إحتضن وجهها بيديه بقوةٍ وكأنه يرفض تهربها الغير مقبول، إبتعد عنها بأنفاسٍ سرى صوتها برجفة باردة لجسدها، همس بصوته المتقطع:.

بحبك، قلبي مفهوش مكان لغيرك...
إرتسمت بسمةٍ خافتة على شفتيها وهي تسترق النظرات لعينيه المتيمة بالشغف تجاهها، إبتعد عنها بإستغرابٍ حينما تسلل إليه صوت صراخ وضجيج مريب، فنهض مسرعاً ليخرج من غرفتها فأذا بدخانٍ مريب يقابله، سعل بقوةٍ وهو يشير لها بحزم:
خليكِ جوا يا ريم..
ودفعها لغرفتها بالقوةٍ ثم أغلق بابها ليتجه سريعاً لمكانٍ الناشب به الحريق...

صعد لغرفته بتعبٍ شديد، بعدما إنتهى من امر والده، ورغم سخطه الشديد على ما يفعله الا إنه قدم له ما إحتاجه من مالٍ وسيارة وغيرهما، مرر ريان يديه حول رأسه بحركاتٍ دائرية تخف من حدة الصداع الساكن بها، كاد بتخطي الطابق للأعلى، ولكنه وقف يتأمل أثر الدخان القادم من نهاية الرواق بملامح منكمشة بذهولٍ، تتبع أثرها لينقبض قلبه ويوخز دقاته بخفقٍ مرعب، أسرع بخطواته الشبيهة بالركض لباب غرفتها، فوجد سليم يحاول فتح باب الغرفة الذي لا يستجيب إليه، هرع إليه وهو يصرخ بصوتٍ مسموع لمن بالقصر بأكملهم:.

سارة...
تطلع له سليم وهو يحثه على معاونته بكسر باب الغرفة، فدفع معه بقوته حتى تحركت الخزانة فور قوتهم معاً، لينفتح باب الغرفة على مصراعيه، إندفع ريان للداخل بدون تفكير، فإنتبه سليم لإشتعال اسلاك سخان حمام الغرفة، فجذبه للخارج بالقوةٍ، صارخاً به:
ريااان، حاسب...

وجذبه للخارج لتنفجر الغرفة بصوتٍ مدوي خرج على اثره الجميع من غرفهم، ليجدوا سليم منبطح أرضاً ويحاول شل حركة ريان الجنونية الذي يود الإندفاع للداخل وهو يصرخ بجنون:
سارة...
كاد بالدخول للغرفة فقيده فارس و مروان جيداً وحينما كاد بالتحرر من قيودهم إنضم إليهم آدم فقال بتأثر:
إهدى يا ريان مش هتعرف تدخل الاوضة كلها والعة مفيش امل إن حد عايش!..

غزت كلماته قلبه المهزوم، فسقطت أرضاً بحالة محطمة لمن حوله، وهو يحاول ان يستوعب هذا الجزء الأخير، تجمعت حولهم الفتيات فبكت سلمى بتأثر لتذكرها طلب سارة بأن تمنحها الغرفة للإحتفال بعيد ميلاد زوجها، تجمهر حولهم التكتلات البشرية الحاملة لزي بإسم رحيم زيدان، يتفحصون ما يحدث وسبب هذا الحريق، جذب سليم مطفأة الحريق ليحاول إخماد النيران المشتعلة ليصرخ بهم ساخراً:
بتتفرجوا على ايه، طفوا النار بسرعة...

إنصاعوا إليه جميعاً، فتركهم وتوجه لريان الساقط أرضاً والجميع يحاول التحكم به وكانه تحول لقوةٍ موقدة وهو يحاول إختراق النيران لإنقاذها، سعلة خافتة أتت من خلفهم لتجذب الإنتباه، تطلعوا جميعاً للخلف فأذا بجان يعاونها على الحركة وهي تستند على ذراعيه بعينيها الحمراء وأنفاسها البطيئة، فما أن لفح وجهها الهواء النقي حتى سقطت أرضاً مغشي عليها، إنتفض قلب ريان بنبضٍ منعش لحالته البائسة، ليقف على قدميه ويسرع ليجذبها إليه، رطم وجهها بخفةٍ اصابعه وهو يناديها بلهفةٍ:.

سارة!..
فتحت عينيها الثقيلة وهي تحاول إلتقاط أتفاسها، فمنحته نظرة مطولة تطمنه بها عنها، ثم فقدت الوعي بين ذراعيه، فزعت سلمى حينما رأت جان يقف أمامها بذراعيه المحروق ولائحة يديه التي تنزف بغزارة، هرولت إليه لتتفقد جروحه قائلة بدموعٍ:
جان أنت لازم تروح المستشفى فوراً...

لم يعنيه جرح يديه ولا الحروق التي تؤلمه، رؤيتها تقف على قداميها بأفضلٍ حال جعل آلامه تخمد ببطء، جذبها لأحضانه بقوةٍ وهو يزفر براحة كبيرة، اللحظات الضيئلة التي إختبارها ليدخل الغرفة وظنونه تطارده بأنها بالداخل جعلته يموت ألف مرة لذا لم يتردد لثانية واحدة بإنقاذ سارة فهو يعلم كيف سيختبر ريان إحساس بائس هكذا، شددت سلمى من إحتضانه بإستغرابٍ لما يحدث معه فأخترقت نظراتها بعين ريان الذي عاد للحياة من جديد لتعلم ما الذي أصاب زوجها، أشار سليم لمروان بهدوءٍ:.

مروان، إطلب دكتور...
أومأ برأسه:
حاضر...
حمل ريان، سارة وتوجه لأحد الغرف المجاورة له فوضعها برفق على الفراش ثم خرج ليجد جان يجلس على الأريكة المجاورو للغرفة، ولجواره كانت تجلس سلمى تحاول بيد مرتحفة ودموعٍ تغزو وجهها أن تضع الكريم المرطب للحروق على يديه المتأذية بغزارة ولكنها كانت تتراجع بخوفٍ، إقترب منها ريان ليمد يديه لها قائلاً:
هاتي يا سلمى...

رفعت عينيها تجاه يديه الممدودة فقدمت له علبة الإسعافات الأولية بنظراتٍ ممتنة، جلس ريان جواره ليضع الكريم على حروق يديه والأخر يغلق عينيه بقوةٍ والألم يختلج صدره، تأمله بحزنٍ، فقال بإمتنانٍ:
مفيش كلمة شكر توفي اللي عملته، إنقاذك لسارة رجعني أنا للحياة...
فتح جان عينيه ببطء ليجيبه بثباتٍ:
معملتش كدا عشانك..
إسترعى كلماته إنتباه الجميع إليهم فتطلعوا بإنتباه ليسترسل حديثه ببسمة هادئة:.

لأول مرة أحس إن ليا عيلة، كنت بعمل كدا لنفسي لإني حاسي إنها مسؤولة مني...
ثم تكلع لآدم، فارس، مروان، سليم، الفتيات قائلاً ببسمة ساخرة:
رحيم زيدان نجح إنه يخلينا عيلة...
تطلع فارس لمروان بنظرة عميقة فبادله الأخر ببسمة واسعة بعدما حاوطه بذراعيه لبهمس بخبث:
من ساعة ما إبتديت تساعدني في العيادة عشان أفاجئها وأنا حاسس إن كلام جان صح...
لوى فارس شفتيه بضيقٍ: .

لا والله واللي امنلك حماية لما روحت تتخانق مع الكلاب دول!..
تطلع مروان تجاه ريان بخوفٍ ليصيح بغضب:
ما تروح تسمع اخويا احسن كدا مش سمعك..
زفر سليم بغضب:
إنتوا شايفين إن دا الوقت المناسب لخناقة الأطفال دي...
وضع كلاً منهما عيناه أرضاً بأقتناع، فطوف آدم ذراعيه حول كتفي شقيقه ليسأله ببسمة مغتاظة:
خناقة إيه دي يابو الفوارس، مش كنا عقلنا!.
أجابه بتذمر:
أنا عقلت إنتوا لا، أنا يدوب بساعد بس...
رد عليه بسخرية:.

لا طول عمرك إبن أصول ومفيش إختلاف على كدا...
أخفض ريان رأسه بضيقٍ من الصراع المتكرر وإزداد الأمر سوءاً بإنضمام آدم العاقل بعض الشيء، قابله جان ببسمة مشاكسة وكأنه يذكره بالجزء المصان بالأسرار تجاه مغامراتهم سوياً فربما شباب عائلة زيدان يحملون نفس العرق النابض بالمشاجرات الدائمة...

قيدوه على عمود متهالك بجوارهم بينما وضعوها في مقابله أرضاً، سُلطت نظراته عليها وهي تتحاشى التطلع إليه، بخزي بما فعلته بحقه وبحق ذاتها، إرتجف جسدها حينما إستمعت لصوتٍ خطوات تخترق الغرفة المتهالكة لتستقر أمام رحيم، نظراته الثاقبة لم تتأثر بتاتاً لمن يقف أمامه، إبتسم بسخرية وهو يتأمله مقيد، فقال بسخريةٍ:
تؤ تؤ، معقول ينتهي بيك الحال كدا؟!.

بدت ملامحه أكثر إتزانٍ مما جعل بيبرس يثور غيظاً فحاول إستنزافه، حينما تحرك تجاه شجن فألقى عليها نظرة متفحصة قائلاً بإستهزاء:
بصراحة ان متوقعتش إن حتة بت زي دي تجييك على ملى وشك، كان أخر توقعاتي وأنا بدورلك على نقطة ضعف تخليك تسلملي الفلاشة...
ثم كاد بملامسة وجهها وهو يقول:
رحيم زيدان مش بيسيب حقه، يمكن مصمم ينقذك عشان ينتقم منك بطريقته...
إخترق صوت رحيم الشرس الغرفة ليأمره بحدة:.

إيدك لو لمستها هقطعهالك...
إتسعت بسمته بإنتصار، فتركها وتوجه ليقف أمامه قائلاً بنظرة متفحصة على جسده الذي بات منتصب بعضلاتٍ إكتسبها بتمارينه المهلكة فقال قاصداً التقليل من شأنه:
الله يرحم لما كنت بتدارى فيا من المساجين..
لاح على وجه رحيم بسمة شبه ساخرة، وهو يجيبه بثقة:
أهو المواقف دي بقى ليها الفضل بتكوين الشخصية اللي قدامك دي، ولو أنت فعلاً شايف نفسك راجل فكني..

حاول يهينه فأهانه الأخر بتحدي صريح، حرر قيوده بغضبٍ، ثم بدأ بتسديد لكمته تجاه رحيم الذي قبضها بين معصمه بقوةٍ، ليناوله لكمة أسقطته أرضاً ومن ثم خنق رقبته بقدميه معاً ليسدد له ضربات متفرقة لكسر عظام جسده بحرافية جعلت فريسته يتلوى ألماً، تابعت شجن القتال فيما بينهما بخوفٍ عليه رغم أنه يتقدم ولكنها تخشى عليه من رجال بيبرس، أفرغ رحيم ما بداخله من غضبٍ ثائر ليصيح به بعصبيةٍ بالغة:.

كنت فاكر إن في يوم عقلك هيرجعلك وهتسيب الطريق الزبالة دا عشان كدا رفضت أسلم الفلاشة لحد بس الظاهر إني كنت غلطان...
وإزداد من ضغطه على جلد رقبته ليستكمل سبابه:
غلطت ودلوقتي بدفع التمن لما حيوان زيك ميعرفش يعني أيه رجولة بيستغل مراتي بكل أسراري اللي إستأمنتها مع كلب كنت فاكر إنه صديق...
وناولة ركلة قاسية أسفل بطنه ليأوه من شدة الآلم بينما يستكمل الاخير تحكمه بمجرى تنفسه قائلاً بغضبٍ:.

الغلطة اللي إرتكبتها دي ملهاش عقاب عندي غير الموت..
كاد بيبرس بأخراج السكين من جيب جاكيته ليطعن رحيم حتى يتخلص من قبضته، فضرب الأخير يديه أرضاً أكثر من مرة حتى تحرر السكين من بين قبضته، فجذبه رحيم ليضعه على عنقه ثم كاد بقتله، ولكن تحولت نظراته تجاه شجن الباكية وقد ترددت كلمات حنين على مسمعه، فألقي بالخنجر بعيداً عنه ليوجه كلماته إليها وعينيه تتعمق بنظرات عينيها:.

بالنسبالك رحيم زيدان القتل عنده اسهل شيء في حياته، مفيش فرصة أحلى من دي إنك تشوفي بعيونك طبيعية الحيوانات اللي بتعامل معاهم، بس انتي صح انا لازم اكون شيخ جامع وقت ما بمارس مهنتي مع حيوان زي دا..
وألقى الخنجر من يديه، ليحرر بيبرس بإرداته ثم وقف ليشير لها بعصبيةٍ:
أنا سيبته يعيش عشان تشوفي بنفسك قذارة الأشكال اللي زي دي..

اخفضت نظراتها الباكية لبيبرس الذي زحف بقدميه ليفتح باب الغرفة ويصرخ بالرجاله كالفأر الذي وقع أسير لمصيدة القط الشرس، وبالفعل تجمعوا حول رحيم الذي ضيق عينيه المندفعة بشراسةٍ مخيفة، ليرفع صوته بقوةٍ:
مراد..

إشارة إنتظرها الجوكر من شريكه وما ان إستمع إليها حتى غمر الرصاص الحي المكان بأكمله، ليقضي على رجاله بأكملهم بثواني معدودة وكأنه كان يترابص لهما والدقائق التي غابها كان لرصد المكان جيداً والتعارف على أماكنهم حتى يصيبهم بحرافية عالية، جذب رحيم شجن خلف احد الحوائط ليحرر قيودها تاركاً المعركة للجوكر المصون الذي أنهاها بصدراً رحب...

حرر قيدها وهي تتحاشى التطلع إليه، فوضع يديه برفق على جرح جبينها، يحاول ان يوقف الدماء المندثرة، فقالت بدموعٍ وعينيها أرضاً:
أنا آسفة يا فريد أنا كنت فاكرة آآ...
بترت كلماتها حينما قال بنظرات عينيه الزيتونية الثاقبة:
رحيم، رحيم زيدان، فريد مات خلاص، وبفضلك مبقاش له وجود..
رفعت عينيها تجاهه، لتجيبه بشهقاتٍها الخافتة:
أنا كنت غبية فعلاً...
وتمسكت بيديه بترددٍ لتستكمل بدموعٍ:.

إديني فرصة أصلح الغلط اللي إرتكبته..
تعمق بعينيها وبلمساتها التي قد كانت تسعده يوماً غير هذا اليوم، ليجيبها ببسمة ألم:
أي فرصة يا شجن!، فرصة لإنك كنتِ على مشارف درجات الخيانه ولا لإنك خدعتني وإدتني أمل ارجع أعيش وأتغير، ولا لإنك فشلتي بعد كل اللي عملته إنك تتعرفي على فريد!..
وتركها ووقف ليتطلع تجاه مراد الواشك على قتل هذا اللعين فأشار له بحزم:
لأ عايزه حي، القتل رحمة على اللي هيشوفه على ايدي...

ثم إستدار بجسده تجاهها ليستكمل كلماته الساخرة:
مبسوط إنك سمحتي لنفسك تسمعي الكلب دا وأنتِ المفروض على ذمتي..
ثم إقترب ليقف على مقربة منها هامسٍ بسخرية:
عارفة لو كنت إتاخرت عليكي كنت هجيبك منين؟!..
وتأمل عينيها الباكية ليرد على سؤاله بهمسٍ خافت حتى لا يستمع إليه أحداً:
من أوضة في اي بيت دعارة..
شهقت بصدمةٍ وهي تحاول إستيعاب ما يقول فهز رأسه بتأكيد لما إستمعت إليه وبسمة الإستهزاء تعلو ثغره:.

مهو البيه عنده شبكة دعارة دولية، بينقي الستات اللي تعجبه وبيسفرهم بطريقته، وأنتِ جاية معاه برضاكي مفيش أسهل من كدا..
إنفطرت بالبكاء الحارق فعاد ليستكمل حديثه ببسمة ألم:.

كنا في زنزانة واحدة وإعتبرته صديق، يعرف عني كل كبيرة وصغيرة لحد ما عرفت سره القذر دا مقبلتش أكون معاه لما عرض عليا إنهم يهربوني معاه من السجن، رفضت الشغل دا ورفضت مساعدتهم وفضلت أعاني جوا حطان السجن دا عشان مشفش في عيونك نظرة إستحقار..
ثم إنحنى ليقترب منها هامس بآذانيها وصوته يلفح وجهها:
عملت كل دا عشانك..
دموعها تمزق قلبه ولكنه بحاجة للحديث، فعاد ليسترسل ما قاله:.

وبعد السنين دي كلها ظهر في حياة رحيم زيدان لما مسكتهم متلبسين وهما بيخطفوا البنات الصغيرة وبيهربوهم برا مصر، وطبعاً هددني إنه هيفضح سر فريد فأنا كان ردي عليه ساخر زي ما سمعتي بالجزء اللي سجلهولي...
ثم إبتعد عنها ليغمرها بنظرةٍ أخيرة ختمها بقولٍ:
إعتبريه أخر تبرير مني مع أخر لقاء هيجمعنا...

وتركها رحيم وغادر من المكان بأكمله بعدما إمتلأت قوات الشرطة المكان، فجلست أرضاً تبكي بقهرٍ وهي تتأمله يبتعد عنها، أشفق مراد على حالها، فأشار للشرطي بتوالي مهامه بالقبض على هذا اللعين ثم توجه ليقف من أمامها، جذبها من ذراعيها ليعاونها على الوقوف قائلاً بهدوءٍ:
قومي يا شجن..
نهضت لتقف امامه قائلة بصوتٍ مرتجف:
أنا غلطت غلطة كبيرة يا مراد..
رفض أن يكون قاسياً بحديثه يكفي ما تلاقاه فقال بثباتٍ:.

غلطتي بس لسه في فرصة تصلحي غلطك...
أجابته بيأس والدموع تبلل وجهها الأحمر:
إعتذرت كتير وهو رافض يسمعني..
أجابها بلهجته الهادئة:
في أخطاء ميغفرهاش الأعتذار يا شجن...
وضعت عينيها ارضاً بحرجٍ لمعرفة ما يرميه عليها من كلماتٍ تحوم لأيجاد معنى غير صريح، حك طرف انفه بثباتٍ وهو يحاول رسم بسمة لطيفة:
مستانية أيه، روحي وراه. وأعملي أي حاجة عشان تخليه يسامحك..

هزت رأسها بإقتناعٍ وهي تلاحقه، فأسرعت بخطاها وهي تبحث وسط حشد السيارات عنه، وجدته يتجه للسيارة المصفوفة بنهاية صف السيارات ليستقبله حراسه الخاص بفتح بابها، بعدما إرتدى نظاراته السوداء القاتمة ليحجب آلآم عينيه، كاد بالصعود للداخل ولكنه توقف حينما إستمع لصوتها المنادي:
فريد!.

استدار للخلف، فخلع نظاراته ليتخشب محله بصدمةٍ حينما وجدها تسحب السلاح من يد أحد حراسه لتضعه على رأسها بدموعٍ تنساب ببطء لتقول وعينيها تتعمق بزيتونية عيناه:
لو مقدرتش تسامحني إزاي هسامح نفسي!..
إنقبض قلبه وهو يتأملها بصدمةٍ وكأن جسده أصيب بشللٍ جعله عاجز عن الحركة، عاجز حتى عن النطق!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة