قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل التاسع

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل التاسع

رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل التاسع

غرفة مكتبه الغريبة تنثر شكوك بالنفوس التي تحيط بحوائطها، ألوانها القاتمة ومحتوياتها الجلدية تجعل الجسد يرتجف وكأنه يقف بخضام الموت البارد!، ورغم ذلك كان يقف هذا التعيس غير عابئ بأحاسيس تخلق بوجوده بمكانٍ مثل هذا، ترقبه رحيم بنظراتٍ مثلجة، تحتبس محتواها بداخل كتلة الجليد المتشكلة بزيتونية عيناه المتصلبة، طرق بقلمه على سطح مكتبه لعله يعيد إنتباهه إليه، إرتمى سليم على المقعد المقابل له، وكأن سماعه لتلك الطرقات حركت الريموت الكنترول المتحكم به، فهمس بأرهاقٍ:.

رحيم أرجوك أنا مش قادر أتكلم في حاجة...
حرك مقعده المتحرك بحركة دائرية وهو يعبث بقلمه الباهظ، ففتح باب مكتبه لينتشر الصوت الراغب بوجوده بذات الوقت بالتحديد بالمكان:
أنت اللي عملت في نفسك كدا يا سليم..
إستدار تجاه الباب فوجد مراد، يدلف للداخل ببطءٍ يتناسب مع حركة كتفيه المصاب، ليقف من أمامه، مرر يديه بقوة على جبينه وكأنه يحاول تخفيف ألم رأسه المؤلم من فرط تفكيره الذي لا يتوقف فقال:.

وأيه اللي كان المفروض يتعمل؟..
تملك الغضب مراد وهو يرأه ينكر خطأه المرتكب، فصاح بنبرته الخشنة الثائرة:
أي حل بعيد إنك تتجوز البنت دي على أختي!..
أحنى رأسه أرضاً بتعبٍ شديد:
مراد انت مش فاهم حاجة...
رد عليه بعصبية بالغة:
فهمني أنت مدام أنا مش فاهم...
نهض عن محله ليزفر بضيقٍ:
أنا بجد راجع تعبان ومش قادر اقف عن إذنك..
كاد بمغادرة الغرفة ولكنه توقف حينما إزدادت لهجة مراد حدة:.

سليم اخر قرار تفكر فيه هو جوازك من البنت دي، مش هسمحلك تتجوز على أختي لاي سبب من الأسباب ولو مصر على رأيك يبقى تطلقها وحالاً...

إشتدت الاجواء بينهما، ومنطقة الهدوء تكمن بمجلس رحيم زيدان الذي يتابع حديثهم بصمتٍ قاتل، بسمته الجانبية كانت أشد خطورة من سكونه العجيب، تجاهل سليم حديثه وصعد للأعلى بخطواتٍ سريعة، فليس بالحالة المناسبة لنقاش موضوع هكذا معه، جلس مراد على أحد المقاعد المقابلة لمكتب رحيم، فأعتدل الأخير بجلسته ليترك القلم عن يديه موجهاً حديثه المهتم إليه:
إرتحت لما طلعت الكلمتين اللي جواك؟..

أجابه بغيظ بدى بتذبذب أسنانه ببعضهم البعض:
أنت مشفتش حالة ريم عشان كدا بتتكلم بالبرود دا..
أجابه ببسمة هادئة:
بس شايف حالة سليم وعارف هو بيفكر إزاي؟.
أشار له بوجهه بعدم إهتمام:
مش هتفرق كتير..
تجاهل رحيم كلماته البائسة ثم قال متسائلاً:
عملت أيه مع والد حنين؟.
أجابه ببسمة ساخرة وهو يتفقد ساعة يديه التي أنارت بإشارة حمراء عرف مكنونها:
لحد دلوقتي مجرد تهديد لكن لو أخد اي خطوة مش هيلاقي غير ردة الفعل...

رفع حاجبيه بسخرية وهو يجيبه:
معتقدش بعد الكلام اللي قولته يتجرأ ويعمل حاجة..
حاول تحريك ذراعيه المصاب قليلاً لعله يشعر ببعض الإرتياح، قائلاً بخشونة تخفي ألمه أثر تحريك يديه:
ولو عمل يبقى هو الجاني على نفسه، أنا عارف من الأول ثروته دي وراها أيه؟!.
تابعه رحيم جيداً وهو يعيد فرد ذراعيه المتحجر بتماسك كبير بالسيطرة على معالم وجهه، فاستطرد مراد بسؤالٍ متعجب:.

بس مقولتليش أيه سبب تبديل مكان عمران المتكرر دا..
صرير مقعده أصدر صوتٍ مزعج وهو يدفعه للخلف ليقترب من النافذة، يتفحص الحرس من الخارج:
شاكك أن في حد وراه وبيساعده وبحاول أعرف هو مين بس حازم موصلش لحاجة مهمة..
ضيق عينيه بأستغراب، فباغته بسؤالٍ أخر يرفرف براية الذهول:
حد زي مين!.
إستدار رأسه تجاهه ليجيب بهدوءٍ:.

مش عارف بس عندي شك كبير إنه تبع شغلنا والا مكنش هيعرف عن المهمة اللي طلعناها كدا، دي معلومات سرية ومش أي حد يعرفها..
إستحوذ على تفكير الأخر كلماته، فهمس بشرودٍ:
وهو نفسه الشخص اللي حطنا بمهمة واحدة عشان يحقق هدفه، نخلص على بعض ويخلاله الجو أكيد الشخص دا مركز كبير مش أي حد..
أشار له رحيم ببسمة خبيثة:
قايمة الأعداء بتتكاثر مش بتقل..
إبتسامة ماكرة طافت وجه الجوكر الوسيم ليجيبه بلا مبالة:.

وفيها أيه أحنا مورناش حاجة...
فتحت باب غرفة المكتب لتحدجه بنظراتٍ نارية، فأشار له رحيم بعينيه تجاهها، متعمداً بث السخرية بحديثه:
وراك الأهم..
استدار تجاه ما يشير ليجد نظراتها لا تنذر بالخير، ولجت للداخل بغضبها الطفولي، لتقترب من مقعده ومن ثم رفعت معصم يديه تجاه وجهه حتى كادت يديه بأقتحام بؤبؤ عينيه، لتستمر بالحديث المتكرر بصورة مفاجئة وهي تعيد الضغط على زر الإرسال بساعة يدها:.

إشارة دي ولا مش إشارة؟!.
بتنور ولا مبتنورش؟!.
شغالة ولا واقفة؟!.
كاد بالحديث فأوقفته حنين بحديثها المتواصل:
شغالة، والبيه قالي أنا جانبك يا حبيبتي مش هسيبك ثانية يا حبيبتي، ريحي يا حبيبتي، وأطلبي اللي تحبيه يا حبيبتي بس متتحركيش، وأول ما أطلب كوبية مية فلسع...
فلسع!..
كلمة متطفلة رددها رحيم زيدان بصدمةٍ، وهو يتابع حوارها الشبه جنوني، تحركت رؤسهم تجاه صوته، فرفع يديه بصورة مضحكة قائلاً:.

أسف على المقاطعة كملي كملي..
عادت للتطلع إليه من جديد قائلة بضيقٍ، وكأنها كانت تستريح قليلاً بالفاصل الصغير التابع ل رحيم:
قولتلي هعملك عصير التوت المفضل عندي كل ما هتفتحي التلاجة هتلاقي من يوم ما إتحط السم مشفتش كوبية واحدة حتى يا شيخ دا أنا واحدة إتصدمت في أبوها الحيلة مفكرتش تعملي كوبية تبل المرار اللي كشفته عن الراجل دا وآآ...
بترت كلماتها وإحتبست أنفاسها حينما كمم مراد فمها ليصرخ بوجهها بصدمةٍ:.

هو لسه في وآ، أنا كمان شوية وهيجيلي تصلب في الشرايين...
ثم قال بعصبية:
وبعدين دي دخلة!..
أشاحت يده بعيداً ثم قالت بعصبية:
أمال أدخلك إزاي في وقت متأخر زي دا وأنت سايب بيتك ومراتك ونازل أقعد مع عدوك اللي في أيام بقى أخوك وصاحبك وربنا يستر بعد اللي شوفته معتقدش إنه هيعدي بلاويك السودة بالساهل كدا وشكلك هتحصل إبن عمي وهتأرمل أنا..
عبس رحيم بعينيه بذهول:
هتأ أيه؟!.
إتنقلت الوجوه إليه من جديد فقال بمكر:.

أسف مرة تانية..
وجذب جاكيته الموضوع على مقعد مكتبه الرئيسي ليشير له ببسمة ساخرة:
هسيبك بقى تحل مشاكلك الجميلة دي وأشوفك بكرا، تصبحوا على خير..
منحه بسمة مغتاظة من بروده العجيب ثم عاد للتطلع ل حنين من جديد، ممرراً يديه على خصلات شعره بأنزعاج من حديثها المتكرر، فجذب معصمها بغضب:
بسسس إفصيلي شوية..
إستكأنت وكأنها تتصنع الخوف من صوته المرتفع، فعاد ليكرر حديثه بضيق وهو يرقم لها على أصابعع:.

حياتك كلها عبارة عن رغي، وقتك كله ضايع بدون عمل هادف، مفيش في حياتك شيء مفيد بتعمليه، تقدري تقوليلي على حاجة إيجابية بتعمليها في حياتك؟؛...
إبتلعت ريقها بأرتباك وهي تعيد تفكيرها بينها وبين ذاتها فقالت بحزن مصطنع:
هو أنت ليه حياتك كلها بتحسبها بالوقت، أكلك بالوقت، نومك بالوقت، رياضة بالوقت، حتى الكلام يا جدع بالوقت أمال هفضفض لمين..
رفع حاجبيه الأيسر بسخطٍ:
جدع! ..

فرك جبينه مروراً بأرنفة أنفه، ليكبت غضبه، فأشار لها بيديه وعينيه مغلقة:
تعالي يا حنين ، تعالي يا حبيبتي..
أسرعت لذراعه المفرود ببسمة ثقة:
كنت عارفة إنك هتعتذر عن صوتك المرتفع للغاية..
ود لو إقتلع عنق تلك القصيرة التي ستفتك بعقله، كنزه الوحيد والذي يضمن له الهيبة، رأته صامت فأقترحت ببسمة رقيقة:.

أيه رأيك نروح المطبخ وتعملي عصير التوت والنعناع الفرش كنوع من المصالحة وأنا هعمل نفسي مسمحاك وبتراضى بأقل حاجة..
إبتسم رغماً عنه فتلك الفتاة تسيطر على خلايا قلبه النابض بعشقها، وبالفعل توجه معها للمطبخ بوقتٍ متأخر هكذا، ليعاونها على صنع المشروب المفضل إليهم ثم صعدوا لجناحهم...

خلع رحيم بذلته ليرتدي ملابس أكثر راحة إليه، ثم خرج لشرفته ليستنشق هواء توقيت الفجرية المحبب إليه، وقف بزواية مائلة لتتركز عينيه على باب شرفتها الزجاجي، إقتبس النظرات إليه فوجد الحركة ساكنة بالداخل، حاول منع قلبه من منحه بأقتراحات مجنونة ولكنه إنتصر بالأخير فأتابعه ليقف أمام شرفتها ومن ثم تسلل للداخل، ليجدها غافلة على الفراش، شعرها الأسود يحيط الوسادة من حولها، نظرات تعمقت بالتطلع لملامح وجهها ببسمة مذبذبة بحبٍ لا مثيل له، تشعر به وبوجوده فأدعت النوم وكأن قربه منها وإحساس أمانه شيئاً محبب إليها، غلقت يده يديها وعينيه تتطلع لوجهها الذي بات على يقين بأستيقاظها وخاصة بحمرة الخجل المتوردة عليه، تقبلها لقربه كان سعادة كبيرة له، لا يعلم كم من الوقت ظل يتأملها ولكن نهايته بطبع قبلة صغيرة على أصابع يدها ثم غادر لغرفته، لتشرق البسمة على وجهها وعينيها تتطلع لموضوع قبلته بأبتسامة ترسم على ثغرها...

ظلت نغم لجوارها، فكلاً منهما تحتاج للأخرى عن أي وقتٍ مر به من قبل، دموع إنكسارها جعلت نغم تأن بصمتٍ، حاولت أن تعرف ما الذي يبكيها بوقتٍ هكذا ولكنها رفضت الحديث وإستكفت بأن تغفل على قدميها والأخرى تمسد عليها بحنانٍ بالغ...

خرجت الشمس من مطافها لتحتل منصبها الرفيع، تسللت أشعتها لتزعج تلك الفتاة المشاكسة التي بدأت بفتح عينيها ثم جذبت نظاراتها أولاً لترتديها لتتمكن من الرؤية بشكلٍ واضح، واقفت سما تعدل من فستانها الجميل، المخالف تماماً لنوعية ما ترتدي، فكانت تبدو مختلفة كلياً عن السابق، تطلعت لذاتها بالمرآة بنظرة مطول، مذهولة بجمال ما إنتقت لإرتدائه، نعم هواه القلب ويريده إلي مسكنه لذا تريد أن ترى ذاتها جميلة حتى يرأها بعينيها، ورغم تأنقنها الا أنها لم تترك نظاراتها أبداً...

.
رائحة البيض المخفوق بالسمن مع قطع السدق الطازج عبقت أرجاء القصر وإقتحمت اسوار قلبه لتعلن تمرد إعتياده على الخضروات الصحية ليتبع حاسة الشم لديه وهو يهبط من أعلى الدرج الداخلي، وجد والدته تحمل الأطباق وتضعها على سفرة المنزل وتتابعها أجمل حلمٍ تمناه يومٍ لتمنحه بسمة جعلت قلبه يقفز من بين ضلوعه، أشارت له نجلاء بيدها:
فطارك يا حبيبي...

بادلها البسمة بأشارة بسيطة من رأسها، فجذب الشوكة والسكين الصغير وكاد بتقطيع البيض ولكنه توقف وهو يوزع نظراته بين شجن خاصته ووالدته، ليتركها ويجذب قطع الخبز الذي قسمه لرقائق صغيرة ليبدأ بتناول طعامه، سعادة نجلاء كانت تغمر قلبها وهي ترى ابنها يعود تدريجياً إلى ما إعتاد ان يكون عليه، رأت نظراتهم المتعلقة ببعضهم البعض فأنسحبت للمطبخ بهدف إعداد كوب اللبن الساخن إليه، فراغ القاعة من حولها جعلها تشعر برهبة وجوده فكادت بملاحقتها ولكنها توقفت على لمسته الرجولية المحاطة بكف يدها، تطلعت له بفمٍ مفتوح فهمس ببسمة هادئة:.

تسلم إيدك..
إنكمشت ملامحها بذهولٍ من تعرفه على طعامها رغم أن نجلاء من حملت الطعام، إرتبكت أحرفها فبترت عن الخروج، إستطرد حديثه ببسمة ماكرة:
طلبك هيتحقق قريب يا عروسة..
لم تفهم مقصده ببدء الأمر ولكنها تذكرت طلبها لحفل زفاف بسيط أمام المكان الذي جمع طفولتهم، إختلطت النظرات فيما بينهما لدقائق مطولة، لم تواجه بهم الخوف قط، وجد مبتغاه فشعر بالإرتياح لما سيقدم على فعله..

إخترق صوت يوسف القاعة وهو يدفع يد الحارس بعيداً عنه ليصيح بعصبيةٍ مفرطة:
قولتلك نزل إيدك بعيد عني بدل ما أقتطعهالك...
إنتبه له رحيم، فأشار للحارس بالإنصراف ثم تابع تناول طعامه قائلاً دون النظر إليه:
إقعد...
إقترب منه بغضب ليرفع صوته بضيقٍ:
قولتلك مليون مرة بطل تجبني هنا بالطريقة البايخة دي أنا مش شغال عندك..
أجابه ببرودٍ مستفز:
فطرت؟.

كور يوسف يديه بغضب وأشجان تكبت ضحكاتها على مظهره المضحك، لتستحوذ على نظرات رحيم الشبه متمردة على طباعه الغامضة، إقتربت منه لتربت على كتفيه بفرحة:
والله كنت حاسه إني هشوفك النهاردة يا يوسف..
رمقها بحدة ليعلق:
فرحانه على أيه؟!.
رفعه لنبرة صوته المازحة والغير قاصد للجدية بالمرة جعلت رحيم يثور بضيق:
عندك، كلمها بأحترام..
لوى ثغره بسخرية:
دي أختي حضرتك وأنا حر بتعاملي معاها..
ضغط على كلماته ببسمة باردة:.

مش في وجودي يا خفيف..
زفر يوسف بنفاذ صبر:
اللهم طولك يا روح أنت جايبني على الصبح ومسيبني شغلي عشان نتكلم في الهيافة دي!
أجابه وهو يستكمل تناول طعامه:
أنت هنا عشان تتجوز اما عن الطريقة اللي جبتك بيها فأنا عارف كويس إنك مستحيل هتسيب شغلك وتيجي..
اعاد ما قال بسخرية:
أت، أيه معلشي مسمعتش كويس..
جذب كوب المياه ليرتشفه على مهلاً مشيراً لها بلطف ليترك مساحة خاصة بالحديث الشبابي فيما بينهما:.

ممكن لو مش هتقل عليكي تعمليلي قهوة..
إكتفت بأيماءة رأسها البسيطة بتفهم، فغادرت من أمام عينيه وهو بتابعها بأهتمامٍ كسره بسؤاله ذو اللهجة الثابتة:
هو أنا بعرض عليك عروسة!، بقولك هلمك بفرح وزفة ونلم جو فيلم القبلات المسروقة دا..
صمت قليلاً ثم قال بحدية:
أيوا يا رحيم بس أنت عارف إني لسه مش جاهز، ولسه قدامي فترة على ما أشتري شقة أو على الاقل أجدد شقتي..
قال وهو يلوك الطعام بفمه:.

شقتك جاهزة ومفاتحها مع الحارس اللي مستنيك بره..
سكن الغضب ملامح وجهه ليبدو ابشع مما قبل، فنهض عن مقعده ليحدجه بنظرة نارية:
قولتلك أنا م...
بتر حديثه قبل أن يستكمله:
هتلاقي مع نفس الحارس وصل أمانة بتمنها هتوقعه وهتدفع بالطريقة اللي تحبها..
صمت يوسف بعد سماعه الجزء الأخير فاعاد التفكير لدقائق، ليقاطعه الأخر دون سماع إجابته فقال وهو يجفف يديه بالمناديل الورقية:
الفرح بعد أسبوع من دلوقتي جهز نفسك..

وتركه وتوجه لمكتبه ليستدير بتذكر:
أه على فكرة في عريس هيكون معاك بنفس اليوم..
سأله بذهول:
مين؟!
غمز بعينيه بمكرٍ:
واقف قدامك..

واستكمل طريقه لمكتبه بخطواته الواثقة، أما يوسف فغادر للسيارة التي تنتظره وهو يسب ويلعن هذا ال رحيم زيدان الذي لا يعرف سقط عليه من أي وادي جحيم، حملت كوب القهوة الساخن ثم طرقت على باب مكتبه وحينما إستمعت لصوته العذب ولجت للداخل بخطواتها المرتبكة لشعورها بنظراته المسلطة تجاهها وهي تقترب من مكتبه، وضعتها بعيداً عنه ثم كادت بالخروج فقال:
في حاجة حابب أوريهالك..

استدارت بتوتر، فمنحها بسمة هادئة لينهض عن مقعده ثم أدار جسدها تجاه الباب الجانبي، ليفتحه على مصراعيه لترى مشجب كبير يحتل منتصف الغرفة، مغطاة بقطعة قماش سوداء كبيرة، تملكها الفضول لرؤية ماذا يحمل بأسفله فقطعه رحيم حينما حرر قماشه ليسقط أرضاً لتتضح معالم الجمال من أمامها، بفستانٍ أبيض مطرز بفصوصٍ من الألماظ يسلب القلب ويخطف الأنفاس، يضيق من أعلى الصدر ويهبط بأتساعٍ رهيب وكأنه مخصص لسندريلا الزمان وليس لفتاة عادية، عقد لسانها عن الحديث ولكن ملامحها تأثرت بجمال ما رأت فسألت بتلعثم:.

دا ليا؟.
أجابها بأبتسامة ترسم تليقائياً لرؤية فرحتها:
أي حاجة عيونك هتيجي عليها ملكك..
إبتسمت بخجل ثم عادت للتتطلع له من جديد، فأشار بعينيه تجاه الفستان:
أيه رأيك تجربيه..
هزت رأسها بحماس:
أكيد..
إبتسم بهدوئه وهو يحرره من على المشجب ليشير بأصابعه للخادمة التي عاونتها على حمله لتدلف للغرفة المختصة بمكتبه لترتديه...

عيناها المتورمة جعلتها تشعر بصداعٍ يكاد يفتك برأسها، تجاهلت رسائله، مكالمته، كل شيء خاص به، إعتزلت ذاتها ورأت إنه حبس رحيم عن ما لقته بحقيقته البشعة، أتت الخادمة لتخبرها بأن هناك فتاة تريد رؤيتها وتصمم على ذلك بشدة، إنتباها فضول لمعرفة من القادم لرؤيتها، فهبطت للقاعة الخارجية لرؤية من تلك الفتاة، كان سليم بطريقه إلي غرفتها فرأها تهبط للأسفل فأسرع بأتباعها، تحولت ملامح ريم الزابلة لغضبٍ مصحوب بإنكسارٍ حاولت جاهدة إخفائه ولكنها لم تستطيع وخاصة حينما نهضت من تجلس على الأريكة لتقف من أمام عينيها بمنتهى البرود فقالت بغضب:.

أنتِ ليكِ عين تيجي لحد هنا وتقفي قدامي!.
تغندجت هنا بوقفتها لتستميل غضبها قدر ما إستطاعت ثم طافتها بنظرة متفحصة ليخرج صوتها السام:
صعبتي عليا فجيت أفهمك الحقيقة كاملة...
رمقتها ريم بنظرة ساخطة، فردت عليها بأستنكارٍ:
حقيقتك القذرة ولا حقيقة اللي عملتيه عشان تستدرجي سليم إنه يتجوزك!.
تعالت ضحكاتها اللعينة، لتستقيم بوقفتها فجأة بصورةٍ مخيفة ثم مسدت على بطنها بشكلٍ مبالغ به، قائلة بتفاخر:.

لا يا حلوة حقيقة حملي هي اللي خلت سليم عايز يتجوزني وهيموت عليا..
لم تعد المفاجآت تثير حافظة تعجبها، عليها أن تستقبل الأكثر من خيانته، هو جرحها وإستباح إنكسارها، فلم يفرق كثير إذا أخفى عليها امر حملها، بدت ملامحها ساكنة ولكن ليت صوت بكاء قلبها يسمع!.
أنتِ بتعملي أيه هنا؟!.

إلتفت كلتاهما تجاه الصوت، فما كان سوى سليم يقف على أعلى الدرج ويتطلع لها بنظراتٍ كالشرار، لم يكن ظهوره مخمن بحسبانها، تلبكت بوقفتها بأرتباك لتجيبه ببسمة مصطنعة:
كنت جاية عشان أشوفك مش بترد على الفون ليه، بصراحة قلقت أوي عليك..
قالت كلماتها الأخيرة ونظراتها مركزة على ريم التي تنازع لتحمل ما يحدث من أمام عينيها، جذبها بغضبٍ لتسحب نظراتها عنها ليصرخ بها بجنون متجاهلاً امر حملها اللعين:.

وتقلقي عليا بتاع أيه قولتلك اللي بينا ورقة أقولك ايه تاني عشان تحسي!..
قم حدجها بنظرة مقززة:
أنا عمري ما شوفت بنت رخيصة زيك..
كادت بأجابته ولكن صوته بتر الأقاويل:
أخرجي حالاً من هنا والا وقسماً بالله ما هتعرفي تخرجي على رجليكي ولا هيهمني اللي في بطنك..

إرتعبت من تهديده الصريح فطافت ريم بنظرة اخيرة ووضعت يدها على بطنها بصورة مقززة وكأنها تمنحها مقارنة سريعة أو تذكرها بخيانته لها، خرجت بعدما حطمت أخر غرف قلبها المتألم، لتنكسر تلك الهاشة لشظايا مؤلمة، أستغل وجودها امامه فمنذ الأمس وهو يحاول التواصل معها، فقال بلهفة:
ريم أنا آآ...
مش عايزة أسمع صوووتك...

قالتها بصراخٍ باكي، بقهراً عزف أوتار الآنين ألوان، دموع فحسب تخرج ما بداخلها من ألم، تربع الوجع بعينيه فأفترب منها خطوة إضافية قائلاً برجاء:
ريم عشان خاطري إديلي فرصة أشرحلك..
إبتسامة ساخطة رسمت على شفتيها لتجيبه بيأس:
طلقني يا سليم..
وإستكملت خطواتها المترنحة تجاه الدرج ولكن إرتخى جسدها إستسلاماً لمعانته، لترتطم بالأرض بقوة خلعت قلبه، ليهرع إليها صارخاً بصوته كله:
ريـــــــــــــــــــم..

توجه لغرفتها بعدما بعثت له برسالة تحثه على ذلك، ولج جان ليجدها تجلس على أحد المقاعد القريبة من باب الغرفة، فأسرع ليقف امامها، واضعاً يديه على وجهها بقلق:
في أيه يا حبيبتي وأيه الحاجة المهمة اللي عايزاني فيها..
إنتقلت نظرات سلمى المرتبكة لشخصٍ يقف من خلفه، فأستدار جان ليجد والدته تقف من أمامه، حن لوهلة ولكنه ارتدى قناع الضيق ليرفع صوته بغضب لزوجته:
فهميني بتعمل أيه هنا؟!.

شعور الإنتشاء مسيطر عليها، إحساسها بأنها ربحت معركة كانت شبه مستحيلة بالنسبة لها جعلها تتبختر بأبتساماتها المتلاحقة، قادت سيارته وهي لا ترى الطريق من أمامها، ترى فقط نوابع إنتصاراتها العظيمة، التي حققتها ضد ريم المنافسة القوية لقلب سليم زيدان التي تمنته يوماً بشغف، لدرجة جعلتها كالعمياء تقترف كل ما تفعله مناسباً، بغير إهتمام لما تقترفه من ذنبٍ فاحش او جريمة إنسانية بحقها كأنثى خلقت للحياء والخجل منبعها!.

تملكها الغرور وظنت بأن ما بأحشائها هو الكارت الرابح لدخول مملكة سليم زيدان، رجفة باردة إحتضانتها ليسري ألم قوي بأنحاء جسدها وكأن هناك من يبتلعها ببراد من الثلج فأذا بالدماء تنساب من جسدها بأكمله حينما تفادت بسيارتها الإصطدام بشاحنة ضخمة فأصطدمت السيارة بسيارة اخرى تحمل أسياخ الحديد بصندوقها الخلفي، لترتطم بمقدمة السيارة به فيخترق جسدها بعضهم لترى مصيرها الآن برمة عينيها بعدما اعدت لذاتها خطة رائعة فرأت تدبير الخالق الذي تناسته تماماً وأصبح مراسها شاطيء واحد ماذا ستلاقاه حينما تقابله؟!.

ماذا ستفعل جراء ما إرتكبت وملاك الموت يرفرف بجناحيه على عتبة حياتها اللعينة؟!.
ماذا ستفعل؟!..
هنالك لا ينفع سوى ما فعلته بصالح أعمالها وتاريخها محفل بالذنوب والظلم وأخرهم ظلم ريم...
ربما نهاية لكل ظالم أثم ولكل شيطان رجيم...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة