قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل السادس والثلاثون

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل السادس والثلاثون

شقة ما، ببناية مجهولة.
حالة من الفوضى عمت هذا المكان ، زجاجات الخمور متناثرة بالأرجاء، تلك الطاولة ممتلئة بأنواع عديدة من التسالي والمملحات. ثياب نسائية مُلقاه بإهمال أعلى تلك الأريكة، وأسفلها. المشهد العام يجزم بأنها أحد الشقق المشبوهة.
أما بغرف تلك الشقة فالحال لا يختلف كثيرًا عما بالخارج.

تململ بفراشه بجسد منهك القوي، ليدلك وجهه بيده في محاولة لنفض ذلك الشعور عنه. يفتح عيناه بتكاسل ويغلقها عدة مرات، لتتسع حدقتاه فجأة حينما لمح تلك الغرفة الغريبة عنه. إنتفض جسده بقوة، وهب معتدلًا بالفراش، ليجد نفسه شبة عاري من الملابس، وعلامات أحمر شفاة تزين صدره بقبلٍ متعددة ، ليطوف الغرفة بنظراته الجحيمة فيجد ملابسه مًلقاه أرضًا بعشوائية، وكذلك تلك الزجاجات الفارغة.

نظرات وحشية إفترست المكان بأكمله، محاولات مستميتة للتذكر، لكن جميعها باءت بالفشل.
كور قبضته بقوة حتى إبيضت وبرزت عروق ساعده، ليلكم الفراش بقوة غضبه الجامح ، صارخًا صرخات مكتومة ، فمئات الأسئلة تعصف بذهنه :
فمن أتى به إلى هنا؟!
وكيف أتى؟!

وما هذا المشهد الذي يدل على...
رفض حتى التفكير بتلك الكلمة، بل رفض تصديق ماتصوره له عيناه.
وإن كان هناك فتاة.. فأين هي؟!!
لابد أن أبحث عنها، وأن أتوصل لحقيقة الأمر.
هب من فراشه ليلتقط ثيابه وإرتداها بقوة غضبه الذي كاد أن يمزقها بيده.

لحظات مرت كالدهر عليه بأنفاسه اللاهثة، ودقاته الجامحة، ليطوف الغرفة بنظراته المتفحصة مرة أخرى علّه يجد إشارة أو دليل عن ليلة أمس، لكن لادليل سوي بعض قطع الثياب النسائية، لتتعالي نيران غضبه وتستعر كبركان إنفجر بالفعل فأصهر حجارًا وأذابها.
ليخطوا نحو ذلك الباب الشبة مفتوح ويقبض على مقبضه جاذبًا إياه بقوة كادت أن تحطمه بيده، ليغادر الغرفة باحثًا عن تلك الفتاة، أو عن أي شئ يخرج به جم غضبه المستعر.

خطى بكل غضب وإستنكار في ذلك الرواق المؤدي إلى أكثر من غرفة، ليقتحم أولي الغرف التي قابلته، وكانت الصدمة له أقوى بتكرار نفس المشهد مرة أخرى بجميع تفاصيله بل أدق تفاصيله بإختلاف أن من يفترش هذا الفراش اللعين هو "حاتم".
زفر "ثائر" زفرة قوية، وكور قبضته بقوة تفتك بأعتي الخصوم، ليلكم ذلك الحائط الصلب عدة لكمات متتالية ، صارخًا بجم غضبه :
- لاااااااااااااااا.

لينتفض جسد "حاتم" بقوة من إثر الصرخة ، ويهب جالسًا بفراشه بأعين متسعة صدمة، ملتفتًا نحو مصدر تلك الصرخة المدوية ، دون الإنتباة للمكان الذي يأويه فيجده ذلك الوحش الثائر بطالته القابضة للأرواح ، ليلمح "حاتم " صدره العاري هو الآخر، فتتشتت النظرات بين ذلك الثائر وبين تلك الغرفة اللعينة وبين حالته المزرية، ليهتف "ثائر" ضاغطًا على كل حرف تفوه به بقوة كادت أن تنفجر بها أوردته وشراينه :
- قوم إلبس هدومك يا "حاتم".... وحصلني.

وغادر "ثائر" متجهًا صوب الغرفة التالية بشكوك أوشكت على اليقين، وبأنفاس متأججة تحرق العالم حوله، ليدلف إليها فيجد "خالد" منكبًا على وجهه بالفراش بذات التفاصيل والمشهد، ليغمض عيناه بقوة محركًا رأسه بعنف، ويلكم الحائط عدة لكمات أخرى جرحت يده وأنزفتها، ليلحق به "حاتم" بصدمة وإستنكار لذلك الواقع، ليفتح فمه رغبة في التساؤل إلا أنها إشارة واحدة من يد ذلك الوحش الثائر كان كفيلة بوئد تلك التساؤلات بمهدها.

وأشار "ثائر" نحو ذلك الأحمق الذي يغط بسبات عميق، أو ربما كان أحمق من مجموعة حمقى، فقد كانوا فريسة سهلة المنال، ليهمس بفحيح أفعى أوشكت على بث سمها بقلب فريستها :
- صحيه.
وغادر متجهًا صوب الغرفة الأخيرة، ليدلفها وقد بات متيقنًا مما سيراه، طوف الغرفة بنظراته الوحشية، ليجدها كما السابقات، فيخطو نحو طاولة الزينة بخطي واسعة ويلتقط ماعليها من زجاجات عطور، ليقذفها بتلك المرآة فتتناثر شظاياه بالغرفة كشظايا قلبه الثائر، لينتفض جسد "حمزة"، ويهب من مضجعه، صارخًا بصدمة :
- فـ إيه؟!!!.

أردف "ثائر" بزئير ليث جارح دون الإلتفات نحو شقيقه :
- قوم إلبس هدومك وحصلني على بره.
وغادر الغرفة متجههًا نحو ردهة الشقة فيجد ذلك المشهد المخزي، لينقض على جميع مايقابله ويقذفه بقوة غاشمة، آرائك، مقاعد، طاولات، زجاجات الخمور الفارغة، لينضم إليه إخوته بعدما أتمّ إرتداء ثيابهم.
بينما صاح "حمزة" بصدمة وإستنكار :
- إيه الشقة دي؟!!
وإيه جابنا هنا؟!!!

وإيه اللي ده حصل؟!!!... وإزاي حصل ده؟!!!
لكن ما زاد جنون "ثائر" ذلك الشذي الذي تتسلل إلى أنفاسه.... إنه يعلمه جيدًا بل يحفظه عن ظهر قلب.
وهمس "خالد" بهذيان و صدمة أقوى :
- إحنا عملنا إيه؟!!!
إزاي نعمل كده؟!!!
بينما شدد "حاتم" على خصلات شعره بقوة ، صارخًا بغضب جليّ:
- مش فاكر حاجة!!!!!.... دماغي هتتشل....
كل اللي فاكره.

فلاش باك - حديقة القصر.
دمعات لعينة تحجرت بمقلتيها، أنفاس متقطعة تسحب روحها، قلب ممزق ينزف بأنين مكتوم.
خشت أن تغمض عيناها فتنتصر دمعاتها وتتحرر، لتسحب أنفاسها بجهدٍ مضني، ورفعت عيناها نحوه بكبرياء أنثى طُعنت بخنجر عاشق مسموم ، ورمقه بنظرات عاتبة، لائمة، شامخة، لتجذب يديها بقوة من يديه، وتهب من مقعدها بصدمة وثبات متناقضين، لتجد من يتشبث بيدها، وينهض من مقعده بعلامات ندم وأسف وألم لأجلها، ليستدير نحوها مشددًا من تشبثه بيدها، محركًا رأسه بنفي، ومرددًا بتوسل :
- والله ماقصد... والله ما أقصد... . دي ذلة لسان عشان كنت متعود عليها ..... والله بحبك..... ورحمة أمي وأبويا اللي عمري ماحلفت بيها بحبك ... والله ما أقصد... ولا في دماغي أصلًا... دي ماتت في قلبي وإندفنت قبل ما تندفن في التراب.... سامحيني يا حبيبتي...

أغمضت عيناها بقوة، لتتنهد بهدوء وكبرياء، وتنفض يده عنها بقوة، لتفتح عيناها بثبات وقوة وغموض مردفةً :
- عادي جدًا يا أستاذ "حاتم"..... ولا أي حاجة حصلت، حتى لو لسه عايشة في قلبك، فأعتقد إن دي حاجة ماتخصنيش، ولا تهمني..... وإن كان لوجودي في البيت ده سبب.... فهو بس صاحبة عمري، ولو مش مرحب بيّا فيه.... أكيد همشي من غير تفكير..... وأكيد برضه حضرتك جار عزيز علينا...... بعد إذنك.

وغادرت مهرولة نحو بوابة القصر بخطى قوية، لتجد من يركض خلفها ويتشبث بيدها ثانيةً، إلا أنها تنفض يده بقوة غاضبة، وتستدير نحوه مشيرةً بسبابتها في وجهه، لتردف بتحذير، ضاغطةً على كل حرف تفوهت به :
- إوعي...... إوعي في يوم تفكر تعملها تاني.... إنت فاهم.
لينضم إليهم "ثائر" و "همس" وعلامات الدهشة، والإستنكار تكسو ملامحهم، بل وعشرات التساؤلات تعصف بأذهانهم، لتضيق "همس" عيناها ، مردفةً بتعجب :
- فيه إيه يا "ديدا"؟!!!!.... مالك؟!!

أجابتها "ديدا" بحدة، ولازالت نظراتها التي تشع نيران غضبها موجهةً نحو ذلك الأحمق الذي دعاها بأكثر الأسماء إليها ألمًا :
- مفيش يا "همس"..... أنا لازم أمشي.
أما نظرات ذلك "الثائر" الساكن، فهي موجهة نحو رفيقه، بثبات وغموض، فملامحه ثابتة لا تفصح عما يدور بخلده من لوم وعتاب لرفيق دربه.
أما "همس" فخطت نحو صديقتها، لتتشبث بيدها، وتجذبها برفق، لتدلفا إلى الداخل، وسط رفض "هايدي" التام، إلا أن صرامة "همس" وجديتها من تفوقت في النهاية.

بينما فرك "حاتم" وجهه بيده، زافرًا زفرة قوية أرفق بها ندمه و شعوره بالحماقة، وتأكده من خسارته لعشق إقتحم الفؤاد وإستوطنه.
ليجدًا " حمزة" ينضم إليهم بإبتسامة خفيفة تكسو ملامحه، مردفًا :
- مساء الخير....
ليلمح ذلك الغضب الذي يشتعل بحدقتي "حاتم "، وذلك الحنق الذي يكسو ملامح "ثائر" فيردف بدهشة :
- مالكوا؟!!!.... فيه إيه؟!!!

زفرا كلاهما بضيق، وأشاحا بوجههما للجهة الأخري.... ليتسلل إلى مسامعهم من يهمهم بعويل :
- أه... يا نا.. يا أما..... بنت العضاضة شوهت وشي القمر ده.
إلتفتوا ثلاثتهم نحو مصدر ذلك العويل، ليجدوا "خالد" يتشبث بكيس من الثلج ويضعه أعلى وجنته برفق، وعلامات الضجر والسخط تستوطن ملامحه، لكن سرعان ماتحولت إلى إبتسامة متهكمة حينما وقعت عيناه على أخوته، ليخطو نحوهم، مردفًا بسخرية وتهكم :
- إنتوا كمان عندكوا إمتحانات؟!!!!...... ده إيه المدرسة اللي وقعنا فيها دي ياربي!!

أشاح "ثائر" و "حاتم " وجوههم، ليضيق "حمزة" عيناه بدهشة ويقترب منه بحرص، ليُزيل كيس الثلج هذا، مردفًا بإستنكار :
- مين ضربك يا "لودي"؟!!!
شرارات غضب تطايرت من عيناه ليضيقها بوعيد، مردفًا :
- لا وحياتك، دي قطة شرسة عضتني... بس وحياتها عندي لأردهالها أضعاف مضاعفة، بس أصبر عليّا بس.
تعالت ضحكات "حمزة" الساخرة، وأردف بإستنكار :
- لا مالهاش حق القطة دي.... بس عضتك كده من الباب للطاق؟!!!

جذب "خالد" كيس الثلج من يد "حمزة" بتأفأف ووضعه على وجنته بغضب، مردفًا بحدة :
- أه.... من الباب للطاق يا أخويا .
أما "حاتم" الذي يفكر بتلك التي أنهت علاقتهما لمجرد ذلة لسان لعينة،
كيف سيراضيها؟
كيف ستصفح عنه وتسامحه ؟

قلبه يرغب في اللحاق بها والتوسل لها وطلب الصفح والغفران منها، أما عقله فيؤكد له بضرورة إعطائها بعض الوقت كي يهدأ غضبها ويستكين.
أما ذلك "الثائر" الذي يفكر بمعشوقته، التي تركها لتحظي ببعض الوقت لإستذكار دروسها مع صديقتها.
أما "حمزة" فجذب كيس الثلج مرة أخرى، مردفًا بضحكات رجولية :
- شيل التلج ده يا إبني.... خلاص مفيش حاجة واضحة.

بينما تلمس "خالد" وجنته بأنامله بحرص، وأردف بسعادة :
- بجد يا "حمزة"..... يعني مش باينة في وشي؟.
رمقه "حمزة" بنظرات ساخرة، وردد بتهكم :
- مجنون وأهبل كمان.

وإستدار متجههًا نحو تلك الأرجوحة ليحتلها بملل وإحباط وبدأ بتحريكها بإحدى ساقيه ، ليخطو "خالد" إلى منتصفهم ويطوف وجوههم بنظراته المستنكرة ، ليزفر زفرة قوية، مردفًا بإستنكار :
- مالكوا؟!!!... هتفضلوا شايلين طاجن ستكوا كده كتير؟!!!
تنهد "حاتم" بضيق، مرددًا بتهكم وسخرية :
- عايز إيه يا خفيف؟!!!

دلك "خالد" كلتا يداه ببعضهما البعض بحماس، وشرد قليلًا بالفضاء أمامه، مردفًا بسعادة :
- نخرج..... بقالنا كتير حياتنا من الشغل للبيت ، ومن البيت للشغل... وأنا مابحبش كده الصراحة.
حرك "حمزة" الأرجوحة بقوة، وهتف بضيق :
- هنخرج إزاي والهوانم فوق بتذاكر؟
رمقه "خالد" بدهشة، هاتفًا بتعجب أكبر :
- ومين جاب سيرة الهوانم اللي بتذاكر دي؟!

إحنا هنخرج نسهر سهرة شبابية مع بعض..... فيه مطعم جديد فاتح من يومين بس بيشكروا فيه قوي، وكمان كان بعتلنا دعوة الإفتتاح.... ها... إيه رأيكوا؟
هتف "حاتم" بتأييد :
- أنا موافق.
وكذلك هتف" حمزة"، ليتبقي ذلك العاقد ساعديه أعلى صدره بسكون، ليتجه "خالد" نحوه، مردفًا بحماس :
-ها..... قولت إيه يا "ثائر"؟.... هنروح ساعتين ونرجع وهتكون الحضانة لسه شغالة والله.... ماتقلقش.
شرد بالفضاء بغموض، وردد بثبات :
- وهنسيب البنات في القصر لوحدهم إزاي؟!!!... وكمان ماما وتيتة مش موجودين.

نهض "حمزة" من مكانه، ليتجه نحوه بسعادة، مردفًا بجدية:
- هنسيب كل الحرس هنا، ونروح عادي من غير الحراسة، وكمان ممكن نتصل بيهم كل شوية.... عادي يعني.
وهتف "حاتم" بنبرة راجية :
- وافق يا "ثائر"، كلنا محتاجين نفصل شوية.
تنهد "ثائر" بيأس وقلة حيلة، ليرمقهم جميعًا بنظراتهم المشجعة له، فأردف بإستسلام :
- تمام.... بس نروح بعربية واحدة عشان أكون مطمن عليكوا.
إتسعت إبتسامة الجميع، وتقافز ذلك الأحمق "خالد" صائحًا بسعادة وإنتصار :
- أيوة كده.... خاللي المذاكرة تنفع بنت العضاضة دي.

بينما إتجه "ثائر" نحو كبير الحرس، ويملي عليه أوامره بالبقاء بالقصر واليقظة والإنتباه على أميرات قلوب رجال "السيوفي". أنتهي من تعليمات، وإتجه نحو أحد السيارات من ماركة هامر، ليستقلاها أربعتهم، وتكون عجلة القيادة من نصيب "حاتم" الذي إنطلق مغادرًا القصر إلى ذلك المطعم الذي أرشده "خالد" إليه. أما البقية فكل منهم تواصل عبر هاتفه من أميرته ليخبرها بمغادرته القصر والخروج سويًا لأحد المطاعم .

المطعم.
مكان ملكي أقل مايطلق عليه، بمقاعده المذهبة، وطاولاته المخملية، وسقفه المرتفع، وجدرانه المزينة بتلك اللوحات القديمة والمحاطة بإيطار ذهبي، أما تلك الموسيقى الهادئة التي تجذبك لعالم صنعه المصمم، عالم لايوجد به سوي عليّة القوم وأثريائهم.

دلف رجال "السيوفي" بكبريائهم وشموخهم المعهود، وسط نظرات الجميع لهم سواء أكانوا نساء وفتيات يتمنين لحظة واحدة قربهم، لتعادل عندهن عمرًا كاملًا، فهم دائمًا ما كانوا حلم فتيات تلك الطبقة المخملية ونسائها... نظرات إعجاب وإفتتان برجال كانت للوسامة دليل، وللكبرياء مثال.
أما الرجال، فمنهم من يحقد عليهم ويحمل لهم الضغائن، ومنهم من يتمنى شراكتهم أو حتى العمل معهم.

ليرحب مدير المطعم بهم بإبتسامته العملية، ويصطحبهم إلى طاولة مخصصة لكبار الزوار، بعدما تواصل معه "خالد" عبر الهاتف وقام بحجزها.
وهل هناك من يستحقها أكثر من رجالنا؟!!
طاولة تتمتع بموقع إستراتيجي مميز، تكشف من خلاله المطعم كاملًا، لكن لا يلمحها أحد قط، وإلى جوارها غرفة مكتب ملكية لاتقل فخامة عن هذا المكان، يحتلها مدير المطعم وصاحبه.

إحتل كل منهم مقعده، وإسترخي به بهدوء، ليردف "خالد" بإنبهار :
- واو.... المطعم تحفة جدًا!.. تحس إنه معمول للملوك والأمراء... حاجة كده آخر فخامة.
إستند "ثائر" بكلتا ساعديه على متكأي المقعد، وأردف بثباته وكبريائه المعهود:
- فعلًا المكان كويس جدًا، وفعلًا معمول لطبقة معينة وقليلة في البلد، يعني ناس كمان من الطبقة الغنية مش هتقدر عليه، فعشان كده مش حاسه قوي، ويمكن صاحبه عامله لمزاجه، أو لهدف في دماغه.

ليأتي إليهم ذلك النادل برفقة مدير المكان أو هذا ما إعتقده البعض، ليضع أمامهم مشروب الضيافة، مردفًا بإبتسامة :
- أهلًا "ثائر" باشا... وأهلًا بحضراتكوا يا بشوات... ده الـ Welcome drink نورتوا حضراتكوا المكان.
أومأ له "ثائر" برأسه، مردفًا بإبتسامة مجاملة :
- ميرسى.
وغادر النادل ومن معه، ليلتقط الجميع مشروبه ويرتشفه بهدوء، وكان هذا آخر ما تذكره "حاتم" والجميع.

عودة للوقت الحالي.
صاح "خالد" بغصب وجنون :
- إحنا إيه اللي جابنا الشقة دي؟!...
آخر حاجة فاكرها لما كنا في المطعم.
بينما زأر ذلك الوحش الثائر، هاتفًا بفحيح :
- لأ..... آخر حاجة لما شربنا العصير.
ضرب "حمزة" جبينه بتذكر، مردفًا بجنون :
- العصير!!!!.... أكيد كان فيه مخدر..... بس ليه؟!!!.... ومين اللي عمل فينا كده؟!!

تحسس "ثائر" جيبي بنطاله، ليلتقط هاتفه، وحاول فتحه، ليجده مغلق تمامًا،فإزداد غضبه للمنتهي، وضغط زر الفتح، وإنظر لحظات مرت كدهرٍ كامل، بينما بحث الجميع عن هواتفهم ، ليجدها مغلقة أيضًا، فقاموا جميعًا بفتحها وسط شرارات غضبهم المتطايرة .
ما إن إنفتح هاتف "ثائر" حتى توالت عليه إشعارات الرسائل والمكالمات، أخذ يبحث بينها بأعين جحيمية، وأنفاس نارية، ليجد معشوقته حاولت الإتصال به كثيرًا، وكذلك كبير الحرس، ليزداد قلقه أضعافًا وأضعافًا.

حاول الإتصال بـ "همس" كثيرًا ولكن هاتفها مغلق، لتزداد خفقات قلبه إضطرابًا وقلقًا، فحاول الإتصال بكبير الحرس، وهو يأكل الأرض ذهابًا وإيابًا مشددًا على خصلات شعره بقوة تحت نظرات الترقب من الجميع.
لحظات وأتاه صوت كبير الحرس، ليصرخ "ثائر" بغضب مستعر :
- الهانم فين؟

أتاه الصوت بإرتباك وتوتر :
- حضرتك أنا من إمبارح بحاول الإتصال بحضراتكوا عشان أبلغكوا إن الهوانم خرجوا.
صرخ "ثائر" بجنون وسط نظرات التعجب والصدمة من الجميع :
- يعني إيه خرجوا؟!!!... وإنتوا كنتوا فين يا متخلفين؟
أجابه كبير الحرس بتلعثم :
- حـ.... حـ.... حضرتك إحنا خرجنا وراهم، بس هما رفضوا نطلع معاهم، ومن إمبارح لسه مانزلوش.

قلق وشك ساور قلب "ثائر" لتزوغ أنظاره بخوف وذعر، بينما تشبث "حاتم" بذراعه صائحًا بترقب وقلق :
- فيه إيه يا "ثائر"؟!!!.... البنات فين؟
صرخ "ثائر" بغضب :
- طلعوا فين؟!!!... ونزلوا منين؟!!!
أتاه صوت كبير الحرس بتلعثم :
- عمارة في الشروق حضرتك.
كور "ثائر" قبضته بغضب، ولكم الحائط عدة لكمات متتالية، صارخًا :
- إديني العنوان بالتفصيل وأنا مسافة الطريق وأكون عندكوا.... ماتتحركوش من عندك.... فاهم.

وأغلق "ثائر" الهاتف، صارخًا بغضب:
- يلا نمشي من هنا....
ركض مهرولًا مغادرة الشقة، إلا أن هناك خفقة قوية بقلبه تنبهه لأمر ما، كما أن ذلك العطر الذي عبأ صدره، حتى وإن لم يكن واضح لأحد غيره. تبعه الجميع بتساؤل عما يدور، ليستقلوا أربعتهم المصعد، وضغط "ثائر" زر إغلاق المصعد وهبوطه، هاتفًا بجنون :
- البنات خرجوا من القصر إمبارح، و طلعوا عمارة في الشروق ولسه مانزلوش منها لحد دلوقتي، والحرس واقف قدام العمارة من إمبارح.

نظرات غاضبة، ومشتعلة من الجميع، ليصيح "خالد " بجنون وغضب :
- وإيه خلاهم يسيبوا القصر أصلًا؟
وأخرج هاتفه، وكذلك فعل "حمزة" و"حاتم" في محاولات بائسة للتواصل مع الفتيات ولكن بلا جدوى، فالهواتف جميعها ربنا تكون مغلقة أو غير متاحة.
قلق وتوتر وإرتباك تسلل إلى قلوب الجميع، فكل منهم بدأ تساوره المخاوف تجاه معشوقته ومصيرها، ليتوقف المصعد وغادره أربعتهم بل غادروا البناية كاملةً ، ليصيح "حمزة" بغضب :
- وقفوا تاكسي، خلينا نروح لهم ونختصر الوقت.

لكن كانت الصدمة للجميع وجود سيارة حرس "السيوفي" وكذلك سيارة "هيا" أمام تلك البناية.
نظرات مستنكرة تتوزع بينهم جميعًا، إلا نظرات "ثائر" التي تيقنت من قذارة اللعبة ودنائتها، ليركض نحوهم كبير الحرس بعدما أشار له "حاتم" بالقدوم نحوهم. ليصرخ به بغضب :
إنتوا بتعملوا إيه هنا؟!!!... والهوانم فين ؟

نظرات زائغة من كبير الحرس، ليشبك كلتا كفيه ببعض، فاركًا إياها بتوتر وريبة مما يراه بملامح رجال" السيوفي" من جحيم مستعر، ليردف بتلعثم وإرتباك :
- حـ... حـ... ضـ...
صرخ به "خالد" بغضب :
- إنت لسه هتهته... إخلص وإنطق، بتعملوا إيه هنا؟... والهوانم فين؟
أجابه الحارس بجدية بعض الشئ :
- حضرتك دي العمارة اللي الهوانم دخلوها إمبارح بليل، ولسه لحد دلوقتي مانزلوش منها.

ليجد لكمة قوية أطاحت به للخلف، تبعها صرخات غاضبة من "حمزة" :
- وإنتوا شوية بهايم واقفة.... إزاي تسبوهم يطلعوا عمارة غريبة عنهم ومحدش فيكوا يطلع معاهم؟!!
تلمس الحارس موضع اللكمة، وأردف بخفوت وجدية :
- حضراتهم رفضوا إن حد فينا يطلع معاهم...
جنون، غضب، قلق، ذعر... إجتاح أوصال الجميع، خفقات قلب ثائرة تصرخ بأسمائهن، فكل منهم يستصرخ لأجل معشوقته، ليتجه "حاتم" بأنظاره نحو كبير الحرس، صارخًا بغضب :
- "هايدي" هانم معاهم؟

أومأ الحارس برأسه قبل أن يردف بتأكيد :
- أيوه يا فندم... و "همس" هانم و"ضحي" هانم، كلهم ركبوا عربية "هيا" هانم وطلعت بسرعة كأن لاقدر الله حد بلغهم بمصيبة.
عندما يصل إلى قلب كل منهم إسم معشوقته، يصرخ ويقاتل لأجل الإطمئنان عليها، والشعور بسلامتها، ليتردد ذلك الإسم بعقل "ثائر" فيلتقط هاتفه ويجري إتصال بأحدهم ليتأكد من هروب "أرثر" أثناء ترحيله إلى محبسه بعد الإنتهاء من محاكمته.

هكذا إكتملت خيوط اللعبة بعقل "ثائر"، فكل شئ كان مدروس ومخطط له سابقًا، فلم يكن هناك شئ بمحض الصدفة....... إذن فالفتيات أتين إلى هنا، وصعدن إلى الشقة، فعطرها يملأ رئتاه، ولكن أين ذهبن بعد ذلك؟!!!
طالما لم تغادرن البناية، ليزفر "ثائر" زفرة جحيمية، صارخًا بحارسه :
- العمارة تتقلب من فوق لتحت، وتشوف لو فيه مخرج تاني للعمارة..... يلااا.
وركض هو نحو المصعد وإستلقه إلى الشقة مرة أخرى، ليبدأ بالبحث عن أي شئ يقوده إلى معشوقته.

أما "حاتم" فقد أخد يبحث مع "خالد" والحرس عن مخرج آخر للبناية، ليجهوا جميعًا إلى مرأب السيارات، فوجدوا مخرج خلفي له، وكذلك أثار عجلات سيارات مغادرة للبناية، ليصرخ "حاتم" صرخة وحش جريح، وكور فبضته بقوة، وإنهال على ذلك الحائط الخرساني باللكمات المتتالية تصاحبها صرخات الألم والفقدان،

ليوقفه أحد الحراس بعدما نزفت يده وسالت دماؤه أرضًا، ليرمقه بغضب أقوى وأعنف، فمجرد التفكير بأن خطرًا يحاوطها يُثير جنونه ويشعله، وكذلك شقيقته أو إبنته كما يشعر بها، فأي مجهول بإنتظار هما؟!!! ، وأي خطر يتربص بهما؟!!! .
أما "خالد" فعشرات الأفكار تعصف برأسه وتهلكها، دقاته تتلاطم ذعرًا لأجلها، كلما تخيل ذلك الخطر المحيط بها، كلما زادت نيران غضبه تأججًا، ليدور حول نفسه بذلك المرأب الخاوي من أي سيارة تُعلن عن وجود أحدهم بالبناية، ليصرخ صرخة مدوية :
- "ضحى اااااا"...

وديني وما أعبد اللي هيقرب منهم لأقتله ولو كان مين....... لازم نوصل لهم يا "حاتم".... محدش عارف هما فين ولا ممكن يحصلهم إيه...... لازم ندفع اللي عمل كده التمن..... لازم ناخد تارنا وننسفه من على وش الأرض.... لازم يا "حاتم".
وركض داخل البناية مستقلًا المصعد لينضم إلى ذلك الوحش الثائر الذي تأكد من خلو البناية من السكان، أي أن الفخ نُصب بمهارة و حرفية ووقعوا به بحماقة وغباء.

حالة "حمزة" لا تختلف عنهم جميعًا فغضبه وصل لعنان السماء، أوردته أوشكت على الإنفجار من ضغط الدماء وغليانها بها، يرفض مايصوره له عقله من أفكار وحشية، فمعشوقته بيد من لايرحم.... من يرغب في الإنتقام من رجال "السيوفي"...

و حقًا... فقد إستطاع الوصول إلى نقطة ضعفهم.... فأميراتهم هن نقاط الضعف لديهم... لكن ذلك الأحمق قد أخرج وحوش ثائرة من عرينهم...... قد سكب وقودًا بنيران غضبهم المستعرة...... فمن المؤكد أن يكون الموت حليفه .... فإن كانوا تركوه للقانون بعدما فعل بهم هو وشقيقته ما فعلوه ، فقد كان هذا حقهم هم، وهم من تنازلوا عنه بكامل رغبتهم وقناعتهم بأحقية القانون بمعاقبتهم.... أما الآن ولا قوانين العالم أجمع قادرة عن درئهم عما ينتون فعله.

ليصدح هاتف "ثائر" برنين رقم مجهول، تيقن من هوية صاحبه بعدما أجابه :
- ألو
ضحكات شيطانية كانت جوابه، ليتبعها كلمات "أرثر" الساخرة:
- أستشعر نيران الغضب بنبرة صوتك سيد "ثائر"!!
أكل هذا لأجل فتياتكن الجميلات؟!!
نعم.... كم هن جميلات ومثيرات للغاية.....
فالجمال الشرقي له نكهة خاصة، أتمنى أن أتذوقها.
تعالي زئير ذلك الوحش، وصراخه :
- أقسم بربي أن أقتلك "أرثر".... فقد تجاوزت جميع الحدود وتخطيتها...... سأقتلك "أرثر".... سأقتلك.

وإن مسست مجرد شعرة واحدة من سيدات "السيوفي" أقسم لك أن أحرقك حيًا، حتى وإن بقيت ماتبقى من عمري بين جنبات السجون.
لتتعالي ضحكات "أرثر" الشيطانية الذي تبعها إغلاق الهاتف.

مكان ما.
إستدار "أرثر" بمقعده الجلدي كليًا ليصبح بمواجة أربعتهن، فيستمتع بالنظر إليهم وهن مقيدون بمقاعدهم الحديدية، وكذلك أيديهم المقيدة بظهورهن، وسيقانهن المقيدة معًا. أشار برأسه نحو حارسه بأن يزيل ذلك الشريط اللاصق الذي يعتلي فاههن، ليقرب من "همس" وينزع عنها ذلك الشريط وسط صراخها من قوة جذبه له وألمها، وإتجه نحو "هيا" و "ضحي" اللاتي صرخن نفس الصرخة، ليصل إلى "هايدي" التي إشتعلت عيناها غضبًا فهي الآن غير عابئة بأي شئ، ولم يعد يفرق معها شئ تمامًا... فعندما تنكسر القلوب وتتحطم... تفقد إحساسك بأي ألم بالعالم، لتصرخ به صرخة قوية :
- حاسب يا متخلف إنت... إيه الغباء ده؟!!

إتجهت أنظار الفتيات المندهشة نحوها، لتُكمل هي بلامبالاة وحدة موجهةً حديثها نحو "أرثر":
- وإنت كمان يا متخلف... إنت غبي أصلًا واحدة زيي مالهاش علاقة بالعيلة دي تخطفها ليه من الأساس؟!!!
تفكر إني هفرق مع حد، ولا حد هيقلق عليّا؟!
أراهنك أصلًا إن أمي اللي مخلفاني زمانها نايمة في سابع نومة، ولا فكرت فيّا من الأساس.
وبعدين دول يخصوا عيلة" السيوفي"، لكن أنا لأ، فوجودي مالوش تلاتين لازمة، فخودها من قصيرها وسيبني أمشي..

وأشارت برأسها نحو الفتيات المصدومات مردفةً :
- دول أميرات "السيوفي" زي مابيلقبوهم، لكن أنا واحدة عادية لا أميرة ولا زفت.... عرفت إنك غبي ومتخلف كمان.
مط "أرثر" أرثر فمه بدهشة، وأردف مستنكرًا :
- عجيب أمرك يا فتاة، فبالأمس القريب كنتي بين أحضان أحد رجال "السيوفي" أو بالأدق "حاتم السيوفي".... أي أنك أخذتي موقع شقيقتي" مارجو"..

قاطعته "هايدي" بنبرتها الساخرة بألم :
- يعني إنت أخو الست "منة" أقصد "مارجو"... معلش الإسم لسه جديد عليّا... بس أحب أطمنك إنها كانت تمثيلية رخيصة من "حاتم السيوفي"، لأنه ببساطة لسه بيحب أختك.....تخيل!!! ...... بيقولي بحبك يا "منة".... شوفت حظ منيل بستين نيلة أكتر من كده...
فيلا فكني و خليني أمشي من هنا، وعندك البنات العسليات دول إتفاوض بيهم مع عيلة" السيوفي"، لكن أنا بره اللعبة القذرة دي.

ضيق "أرثر" عيناه بتفكير، ليرفع ساقه فوق الأخرى ويسترخي بمقعده، زافرًا زفرة قوية، هاتفًا بتهكم :
- حتى وإن كنتي عديمة الفائدة بالنسبة لي، فليس من الحكمة والذكاء أن أتركك تغادرين، فقد علمتي عني كل شئ.
إلتفتت "هايدي" نحو الفتيات بنظرات غامضة، وإستدارت نحوه مردفةً بغضب وإستياء و إستنكار:
- ذكاء إيه وبتاع إيه إنت كمان، قول للزفت الحارس اللي معاك ده يفكني خليني أمشي من هنا، وبالنسبة لعيلة "السيوفي" فإطمن دي أكتر عيلة بكرهها في الحياة، بالذات بعد ما"حاتم" بيه لعب بيّا شطرنج وكان بيحركني زي ماكان بيحب، بس دلوقتي جه الوقت إني أنتقم منه، ومنهم كمان.

رمقها "ضحي" بنظرات مصدومة، وهتفت مستنكرة :
- إيه الجنان اللي بتقوله دي يا "ديدا"؟!!!!
إنتي إتهبلتي ولا إيه؟!!!... تنتقمي من مين يا زفتة إنتي؟!!!
بينما إلتفت "همس" بنظراتها الغامضة نحو "هايدي" فقد قرأت مايدور بذهنها، وإنضمت إليها بحفاوة، لتردف بسخرية وتهكم :
- سبيها يا "ضحي" دي واحدة مريضة نفسيًا، و"حاتم" ربنا نجاه إنه فركش معاها وبعد عنها.

لتتعالي صيحات "هايدي" الساخطة :
- مين دي اللي مريضة نفسيًا يا متخلفة إنتي كمان ؟... الظاهر لما دخلتي العيلة دي بقيتي زيهم.. وبعدين أنا اللي ربنا نجدني من إيدين واحد متخلف ومجنون زي "حاتم".... لا ده كمان غبي وحقير وواطي وسافل، ولو شفته هقتله بإيديا دول....
وإلتفتت نحو "أرثر" صارخة بغضب وجنون :
- فكني يا عم إنت... أنا ماليش في أم الإنتقام بتاعكوا ده، إن شاالله حتى تولع فيهم بجاز وسخ في ليلة ضلمة ...

بس عندي سؤال مهم ... إنت هتنيل فيهم إيه؟!! عشان تشفي غليلي.
لوح "أرثر" بيده في الهواء صارخًا بغضب وحشي :
- كفى...... كفى ثرثرة أيتها الحمقاوات..
. فلم يتبقي على قتلكن إلا لحظات، وسأرسل رؤسكن لرجالكن، لأحرق قلوبهم كما حرقوا قلبي على شقيقتي "مارجو".

رمقه "هيا" بعيون دامعة، فقد أوشكت دمعاتها على الإنهيار، لتردف بتوسل :
- طب إحنا ذنبنا إيه حضرتك؟..... ما "مارجو" هي اللي إنتحرت في السجن، وبعدين مش من الشهامة إنك تقتل أربع بنات عُزل ومربطين، وأنت والأخ اللي واقف جانبك ده شايلين سلاح ومصوبينه ناحيتنا.
بينما تعالت ضحكات" أرثر" الشيطانية، ليهتف بنبرة متقطعة من أثر الضحكات :
- شـ..... شهامة!!

أي شهامة تلك يا فتاة؟!... فعالمنا لايعترف بتلك الخرافات والتفاهات..... نحن نصنع ونصدر أسلحة لقتل أمثالكم من العالم الثالث المتخلف دون أن يرف لنا جفن.
لتتحول ملامحة لأكثر وحشية، ويميل نحوهن بجذعه، ساحبًا نفسًا عميقًا من سيجاره الكوبي الغليظ، لينفسه بوجوههن، مردفًا بوحشية :
- أنتن ورقة خروجي من هذا البلد.... ما إن أعبر حدودها سيتم قتلكن بلا هوادة ولا شفقة.

وأشار بيديه المحتضنة للسيجار نحو ذلك الرجل العملاق، وأردف ضاغطًا على كل حرف تفوه به :
- هذا قاتل محترف، دخل إلى البلاد بجواز سفر مزيف، ليتم مهمته الأولى والأخيرة وهي قتلكن بعدما أغادر الأراضي المصرية.

تعالت ضحكات "هايدي" التهكمية، لتستثير غضبه وحنقه، فيرمقها بأعين شيطانية، فتبتلع باقي ضحكاتها بمجهود زائد، إلا أنها تمردت وتعالت مجددًا، لتردف:
- سوري سيد "أرثر".... لكن لن أعد أتحمل ذلك الهراء..... حتى وإن تمكنت من الهرب من يد قوات الشرطة بمساعدة أحدهم، وهذا ما أتوقع أنك إستأجرت من يهربك .... فلم تستطع الفرار خارج الحدود لأن قوات الأمن لابد أنها أعلنت حالة التأهب القصوى لها..... ومن المؤكد أنها أغلقت جميع المعابر سواء كانت برية أو بحرية أو حتى جوية.

ضيق "أرثر" عيناه بغضب حجيمي، ليصك على أسنانه بقوة، فقد دقت تلك الحمقاء على وتره المتهالك.....
نعم..... فتلك هي المعضلة الكبرى، خروجه من البلاد، فلولا عدم مقدرته على تدبر ذلك الأمر، لما كان جالسًا معهن ليتسامر ويتناقش بذلك الهدوء.. فالنقود إستطاعت أي تساعده كثيرًا في إستئجار المطعم، وكذلك تلك البناية كاملة، لكن خروجه من البلاد أمر صعب للغاية، فالأمن المصري بالمرصاد لكل من يحاول الدخول أو الهروب إليها، فمابالك وإن كان مجرد مطلوب من العدالة .... فهو الآن ينتظر إتصال بين آن وآخر من أحدهم ليبلغه بإمكانيه مغادرته للبلاد من عدمها، أي أن الآمر به شك .

قرأت "هايدي" ما يدور برأسه من أفكار، فهي درست الكتير في علوم النفس البشرية، وبالأخص النفس البشرية لرجال المافيا والمجرمين، وكذلك شاهدت العديد من أفلام عالم المافيا، وتعلم جيدًا كيف تلهو معهم، لتردف بتردد مصتنع :
- بس..... أنا.... تؤ.. تؤ.. خلاص.
إشتعل غضب "أرثر"، ليصرخ بقوة :
- تحدثي يا فتاة... ماذا بك؟!

ذمت "هايدي" شفتاها بلامبالاة مصطنعة، وأردف بجدية هادئة :
- خلاص بقا... إقتراح ممكن مايعحبكش أصلًا.
هب "أرثر" من مقعده بغموض، ليخطو نحوها بخطي رزينة، ويضع يده أعلى ظهر مقعدها، ويميل نحوها بجذعه، لتتلاقي الأعين، فينفث دخان سيجاره بوجهها، ليتعالي سعالها القوي، فيردف هو بفحيح أفعى سامة :
- تحدثي يا فتاة... وإلا قتلتك الآن وبلا تردد.

رمقته "هايدي" بأعين مشتعلة إحمرارًا، من أثر الدخان، وسعال بدأ يهدأ تدريجيًا، لتردف بلهاث تتلاقط به أنفاسها بصعوبة، فكم كريهة رائحته!!!..
كم تود إختناقنه بكلتا يدها الآن.... لكن لابد أن تتحلى ببعض الصبر :
- عندي خطة حلوة لخروجك من البلد من غير ما حد يشك فيك.
إنتصب "أرثر" بوقفته، واضعًا إحدى يديه بجيب بنطاله، والأخرى يحتضن بها سيجاره، ليضيق عيناه بثبات ظاهري، مردفًا بحدة :
- وما هذه الخطة يا فتاة؟!

إسترخت "هايدي" بمقعدها بكبرياء وشموخ، وأردفت بإبتسامة :
- خطة ماتخورش الماية، ومضمونة مليون في المية.... بس ليا شرط الأول.
قطب "أرثر" جبينه بدهشة، زاويًا ما بين حاجبيه، ليهتف بإستنكار :
- شرط!!!!.... وما هو يا فتاة؟

أجابته "هايدي" بمكر ودهاء :
- تفكني الأول.... وأعتقد يعني إني مفيش قلق مني، ماهو أكيد مش هقدر عليك إنت والطور الصامت ده، وأنا بنت ضعيفه ومفيش في إيدي مقص حتي.
إقترب "أرثر" من ذاك الرجل، ليضع يده بجيب بنطاله الخلفي ويلتقط منه نصلًا صغير، وإستدار نحو هايدي، دانيًا منها بجذعه، ليقطع وثاقها البلاستيكي بذلك النصل، مردفًا بتحدٍ سافر :
- "أرثر" لم يدق القلق قلبه يومًا ما يا فتاة.... لكن إحذري إن كانت خطتك حمقاء مثلك سأغرس هذا النصل بقلبك...

ودنى من ساقيها، وقطع وثاقهما أيضًا، لتنهض من مقعدها محركةً كلتا يداها بالهواء بحرية، وكذلك ساقيها لتخفف عنهما ذلك الألم، وسط نظرات الفتيات المذهولة بعض الشئ، إلا أن "ضحي" إستشعرت خط ما بحالة "هايدي" فرفيقتها لم تكن يوم بذلك الندنو والوضاعة، لتقرر أن تستمر بلعبة الغضب، فتصرخ بحنق و سخط وإمتعاض :
- طول عمرك واطية.... وأنا ندمانة إني في يوم إعتبرتك أختي....

رمقها "هايدي" بنظرات غير مبالية، لتمط فمها بإمتعاض وسخرية، وتلتفت نحو "أرثر" بأنظارها، هاتفة بصرامة مصطنعة :
- الخطة كالآتي...
لو تعرف أو ماتعرفش... عيلة السيوفي عنها طيارة خاصة، فممكن بسهولة جدًا إن تسيب البلد فيها... وده طبعًا مش هيتم غير لو "ثائر" السيوفي بذات نفسه أخدك في عربيته، بس طبعا تكون متخبي فيها، ووصلك المطار، وركب معاك كمان الطيارة ووصلك للمكان اللي إنت عايزة.... وبكده تخرج من البلد من غير ما حد يحس.

ضيق "أرثر" عيناه بتفكير، ساحبًا نفسًا عميقًا من سيجاره، ليحتبسه بصدره قليلًا ومن ثم ينفسه على مهل، مردفًا بدهاء :
- راقت لي تلك الخطة كثيرًا..... لكن.... هناك تعديل صغير لابد أن يطرأ عليها..... ليتوجه بنظراته الماكرة نحو "همس"...
فحقًا... هي جواز خروجه من البلاد، فـ"ثائر" سيفكر ألف مرة قبل أن يغدر به طالما بحوزته معشوقة ذلك الثائر.
فجأة.... فرقعت "هايدي" بإصبعها في الهواء، لتنحني بجذعها قليلًا، ممسكةً ببطنها، وصاحت بألم :
- التواليت.... عايزة أدخل التواليت.

أشار لها "أرثر" بيده أن تنصرف نحوه وعلامات الإمتعاض تنهش ملامحه، فقد سمح لها بذلك لتيقنه بأنه إستحوذ على هواتف الجميع، وأغلقها وألقاها بأحد صناديق القمامة بمكان ما، كما أنه بسطح بناية مرتفعة، لايوجد لها مخرج ولا مدخل سوي ذلك الباب الذي يغلقه "أرثر" جيدًا.
بينما ركضت "هايدي" مهرولة إلى حمام صغير داخل تلك الغرفة التي يحتجزهن بها ذلك الوغد، لتدلف إليه تحت أنظار "أرثر" وذلك الثور الصامت، لتوصد بابه جيدًا، وتستند بظهرها عليه متنهدة براحة بعض الشئ،

أدارت يدها نحو ظهرها لتلتقط هاتف صغير قديم الطراز من حزام بنطالها، لتضعه أما عيناها، مردفةً بسعادة :
- بقى إنت اللي كنت مكسوفة أشيلك وأوديك للراجل يغيرلك الزراير الواقعة دي ، يجي وقتك ويكون لك قيمة!... الحمد لله إن الحيوان اللي بره ده ماخدتش باله منه..... إن شاء الله لو عدينا منها على خير لأشتري لبنتك يا عم "عبده" تليفون تاتش آخر موديل ...
وزفرت زفرة قوية غاضبة، فقد آن الآوان لأن تجري إتصالًا مع "حاتم" فهي لا تتذكر رقم "ثائر" أو أي منهما...
لتلهو بأزراره البالية بعناء شديد ، وتسجل رقم "حاتم" ضاغطة زر إتصال، لتضعه أعلى أذنها.

عند رجال "السيوفي".
لا يزالون بالشقة يعتصرون أذهانهم بتفكير غاضب، لو تمكن من العالم لأهلكه، يطلبون من "ثائر" المغادرة لفض تسجيلات الكاميرات التي توصل إليهم رجالهم، لكن ذلك الشعور الخفي بقربها منه جعلته يرفض كل هذا، ليعتصر ذهنه بالتفكير بأي شقة يختبي ذلك الوغد، ليقطع حوارهم وتفكيرهم رنين هاتف "حاتم" العائلي برقم غريب عنهم، ليضيق عيناه بإستنكار، فيجد من يجذب منه الهاتف بلهفة، ليفتح الخط هاتفًا بثبات وكبرياء :
- ألو.

أتاه صوتها بهمس خافت :
- ألو.... أنا "ديدا".
كست ملامحه اللهفة والجدية، مردفًا بتمني :
-إنتوا كويسين؟.... إنتوا فين يا "ديدا"؟

إستنفرت حواس الجميع وتأهبت ، أما ذلك العاشق فتعالت دقاته بصراخات لهفة وإشتياق، ليجذب الهاتف من "ثائر" ويفتح مكبر الصوت الخاص به ، ليسترق السمع إلى صوتها الذي إشتاقه كثيرًا... ليجدها تهمس بخفوت أكثر :
- التليفون مافيهوش رصيد.... هقفل ورن عليا يا "ثائر" بسرعة.. أنا عملاه صامت ماتقلقش.

أنهي "ثائر" الإتصال، وعاود الإتصال بذلك الرقم مجددًا، لتجاوبه "ديدا" هامسةً :
- تمام... هسيب الخط مفتوح وإنت خليك معانا.... على فكرة إحنا على سطوح عمارة،و"أرثر" هو اللي خاطفنا ومعاه حارس واحد بس، بس قاد "البيج شو"(بطل مصارعة حرة ) كده، وكمان "أرثر" هيتصل بيك دلوقتي...
تعالت دقات ذلك الرجل بباب الحمام، لتصيح "هايدي" بسخط :
- خارجة أهو.

وأعادت هاتف إبنه البواب إلى ظهرها، ووضعت كنزتها أعلاه وكذلك جاكتها الصيفي الخفيف، فتزيد من تأمينها لموضع هذا الهاتف المنقذ لهم، لتسحب (سيفون) المياه، مغادرة الحمام بعدما غسلت يداها بشكل عشوائي.
خرجت إليهم متظاهرة ببعض الراحة، لتهتف بمزاح مصطنع :
- عارف ياخواجة عندنا مثل بيقولك دخول الحمام مش زي خروجه.... تصدق أول مرة أعرف قيمة المثل ده النهاردة.... حقيقي مثل عظيم جدًا.

رمقها "أرثر" بحنق وسخط، ليردف بغضب جليّ :
- إخرسي يا فتاة.... كم أنك ثرثارة، فإن لم تكف عن هذا فسأحكم قيودك مثلهن.... إخرسي وإجلسي إلى مقعدك.
وضعت "هايدي" يدها أعلى فاهها كإشارة للصمت، وجلست إلى مقعدها ، ليغادر "أرثر" الغرفة إلى الخارج كي يجري إتصاله بـ "ثائر"، بينما الحارس يقف صامتًا كحاله الدائم، يراقب الفتيات بأعين جامدة.

لترمقه "هايدي" بإبتسامة مصطنعة، محركة رأسها عدة مرات، لتلتفت نحو الفتيات كي تُجري حوار معهن لتُطمئن كل عاشق عن معشوقته، فأردفت بسخرية وتهكم :
- كان يوم منيل بستين نيلة يوم ما عرفت عيلتكوا دي يا بت يا "هيا".... أنا كان مالي ومال الخطف والأكشن ده.... حسبي الله ونعم الوكيل فيكم.

رمقتها "هيا" بعيونٍ باكية، ونبرة أدمت قلب معشوقها وأحرقته حينما تسللت إلى مسامعته، فجعلته يود أن يحرق العالم أجمع للوصول إليها وإحتضانها و بثت أمانه وحمايته لقلبها المرتجف :
- بس أنا مش زعلانة إني عرفتك يا "ديدا" وبحبك زي "همس" و "ضحي"؛ حتى لو إنتي شايفة إن عيلتنا أذيتك وكمان لو حتى كرهتي وجودك بينها.. أنا عمري ما هبطل أحبك زي أختي.

كلمات إخترقت قلب "هايدي" والفتيات، وكذلك قلوب رجال" السيوفي" الذين يتسمعون إلى حوارهن عبر مكبر الصوت للهاتف الذي إلتفوا حوله بلهفة وإشتياق وقلق وترقب، وإلتزموا الصمت التام سوي من أنفاس لاهثة، وقلوبٍ صارخة بالإشتياق والخوف، لتغمض "هايدي" عيناها بألم إلا أنها أقسمت أن تُكمل عملها في طمئنة الجميع كل على فتاته، ولا تعلم أن صوتها هذا يخترق جدران قلبه ويحطهما بقسوة، لشعوره ببعض الصدق بكلامها وأنه ألحق بها الكثير الأذى والألم.

فتحت "هايدي" عيناها بقوة وإصرار وعزيمة وبعض الحدة والقسوة بنبرتها :
- خلاص بقا يا حبيبتي، بلاش إسطوانة الحب والأخوة دي مابتكلش معايا، حتى إسألي "همس" .
رمقها "همس" بثبات وغموض، فهي التي تستشعر نوايا صديقتها بحق ، لتردف بصوت أشعل نيران الإنتقام بقلب ثائرها :
- بس إنتي ماكونتيش كده يا "ديدا"!!!!!.... أول مرة أشوفك بالقسوة والقوة دي.

بينما رمقها "ضحي" بغضب، مردفةً بصوت قوي، دك حصون قلب معشوقها، ورسم طيف إبتسامة على شفتاه :
- سيبك منها يا "همس".... الظاهر إننا العمر ده كله إتخدعنا فيها وفـ صداقتها وبرائتها المصطنعة.... بس طلعت في الآخر بتاع مصلحطها وتبيع صحابها عشان نفسها.... للأسف أول مرة أتخدع في حد بالشكل ده.
إحتدت نبرة "هايدي" بعض الشئ، لتصرخ بوجع وإنكسار حقيقين أحرقا قلبه ومزقه :
- أنا اللي أول في حياتي إتخدع وأتوجع بالشكل ده...

لتسيل دمعاتها بغزارة، وتتعالي شهقاتها بأنين أدمي قلوب الجميع، لتصرخ بلوعة حقيقية :
- أنا اللي أول مرة قلبي يدق يكون عشان حد ما يستاهلش.
أنا اللي أول مرة أسلم قلبي لحد ويدوس عليه بجزمته... أنا اللي أول مرة أحس بحد وأحبه وماشوفش غيره ويطلع في الآخر بيتسلي بيّا، وكل همه أنه يكمل بيّا شكله الإجتماعي...

أنا اللي بتداس وتتوجع وتتذل من القريب قبل الغريب... أنا اللي مش عايزة أعرف حد ولا أعيش مع حد... أنا اللي كرهت حياتي والعيشة.... أنا اللي إتخدعت يا "ضحي".... أنا اللي إتذليت.
قلوب تحترق، وأخري تنزف، وأخرى ترتجف، وأخري تعاتب وتلوم، وأخري تتوسل الصفح والغفران.

ليدلف إليهم "أرثر" بعلامات إنتصار وزهو تكسو ملامح وجهه، ويخطو نحو "همس" بخطي متراقصة، فيفتح مكبر الصوت بهاتفه، ليقربه من فاهها مردفًا بإبتسامة :
- هناك من يريد التحدث إليك جميلتي... لكن إحذري أن تتفوهي بأيه حماقة، فأنا أتسمع إلى محادثتكما.... Enjoy.

ليأتيها صوت معشوقها متنغمًا بأحرف إسمها بصوته الدافئ، ليدُق ورتر إشتياقها له بقوة، فتسيل دمعاتها وتنهمر بغزارة، وتتعالي دقاتها الملتاعة بشوق، لتغمض عيناها بحنين جارف، فتهمس برجفة صوتها :
- نعم....
أتاها صوته القوي، ونبرته الحانية والمطمئنة :
- إنتوا كويسين .
أومأت له برأسها، كأنه يراها قبل أن تردف بتلعثم :
- كـ.... كويسين... ماتقلقش.

ليجذب "أرثر" الهاتف ويغلق مكبر الصوت، مرددًا بإنتصار :
- كما أخبرتك سيد "ثائر" فالجميع بخير حتى الآن، لكن لا أضمن شيطاني إذا تباطأت قليلًا بتنفيذ ما أمرتك به.... أمامك ساعة واحدة لتقوم بإستعداداتك لنقلي أنا وزوجتك خارج البلاد.
وأغلق "أرثر" الهاتف، بعدما أطلق ضحكاته الشيطانية التي ألقت الرعب والخوف بقلوب الفتيات، حتى "هايدي" التي فقدت رغبتها بالبقاء و الإستمرار.

عند رجال "السيوفي".
إنتفض جسد "حمزة" ليهب نحو شقيقه، مردفًا بغضب وحدة :
- إتصل بحد يتتبع رقم الموبايل اللي "هايدي" كلمتنا منه ... لازم نوصل للبنات قبل ما الكلب ده يعمل لهم حاجة.

زفر "ثائر" زفرة قوية، وأغمض عيناه مستنشقًا شذاها بخفقات قلبٍ عاشقة، متتبعًا قلبه وإحساسه، وسط نظرات إستنكارية من الجميع، ليقوده عطرها الذي لم يصل إلى أنفاس أحدًا غيره إلى ذلك الدرج المؤدي إلى سطح البناية.... ليفتح عيناه بيقين لصدق شعوره، ويعود إلى إخوته ورجاله بإبتسامة ثقة ، ويضع خطة الهجوم بعدما تيقن من وجود الفتيات بسطح تلك البناية، رغم عملية التموية التي أجراها "أرثر" بمرأب البناية، ورغم كاميرات التسجيل التي تؤكد مغادرتهم البناية بسيارة جيب سوداء... فالعقل يجذم ويقسم بعدم وجودهن هنا، أما القلب العاشق يهفو بعشقه نحو السماء.. فدائمًا ذلك العالم ملتقاهم وموعدهم.

لتكن الخطة مقتصرة على رجال لا تهاب الموت في سبيل حياة من أسرت الفؤاد ودكت حصونه، ليتسلح "ثائر" فقط بسلاح كبير حرسه، ورفضه التام لإعطاء إخوته أي سلاح لتأكده من إندفاعهم وجنونهم طالما مس الأمر معشوقته... ليتسللوا أربعتهم إلى ذلك السطح بعدما جاء له حارسه بكافة تفاصيل المبنى والمدخل الممكن والأكثر فاعلية رغم خطورته، هو تسلق سطح تلك الغرفة من الخارج للدلوف إلى ذلك السطح الذي يحمل بين جنباته قلوبهم و ثنايا أرواحهم في مواجهة شيطان آثم.

سطح البناية.
"أرثر" خارج الغرفة بالهواء الطلق ينفس دخان سيجاره بالهواء صانعًا دوامات دخانية متسارعة، لكن سرعان ما أتت نسمة قوية لتطيح بها بوجهه كمن تصفعه صفعة غاضبة أغمض على إثرها عينيه وأخد يفرك بها بباطن كفه، هاتفًا بألذع السباب وأوحقه.
أما الفتيات بالداخل برفقة ذلك العملاق الصامت، ودمعاتهن تنزفن بلوعة لحال صديقتهن، التي تسلل إلى أذنها حركة مريبة بسطح الغرفة، فتيقنت أنه وقت الإقتحام من منقذينهن ، وقد آن وقت عملها لمساعدة صديقاتها.

أغمضت عيناها بتركيز وتفكير عميق، متنهدة بهدوء حتى لمعت برأسها فكرة مساعدتهم، لتهب من مقعدها متجهةً إلى الخارج، لتجد ذراع قوية تدفعها لمقعدها، بصمت بارد، لتلوح له بيدها في الهواء صائحةً بغضب :
- إنت إزاي تلمسني يا حيوان؟!!! .. إنت عبيط يا إبني ولا إيه؟!!!.... وبعدين أنا رايحة لمستر "أرثر".
ومالت بجذعها قليلًا حتى لمحته بالخارج فأخذت تهتف بصياح :
- مستر "أرثر".... عايزاك في موضوع، والحيوان ده مش راضي.

ليُشير لذلك العملاق بيده كعلامة للسماح لها بالذهاب إليه، فتنحي جانبًا، سامحًا لها بالمرور ، لتنهض من مقعدها بكبرياء وتعالٍ مصطنع، هاتفة بإمتعاض :
- ناس ماتجيش غير بالعين الحمرا...
لتلتفت بنظراتها نحو "همس" و "ضحى" اللاتي إستشعرتا بأن هناك دافع قوي لما تقوم به "هايدي" الآن.

زفرت "هايدي" زفرة قوية إستعدادًا لمصيرٍ مجهول تتقدم إليه برحابة صدر، لتخرج إلى السطح حيث "أرثر" الذي رمقها بنظرات وقحة إستشعرتها هي، لتقسم داخلها أن تلقنه درسًا لن ينساه قط، وإبتسمت إبتسامة مصطنعة، لتنضم إليه مردفةً بجدية وتساؤل :
- أنا بقا مصيري إيه دلوقتي؟!!

أظن أنا ساعدتك.... وكمان أنا مش من عيلة "السيوفي" يعني وجودي هنا مالوش تلاتين لازمة زي ماقولتلك.
رفع يده يتلمس خصلاتها بوقاحة، مردفًا بخبث :
- من قال لك هذا الهراء جميلتي؟!!
فلازال أمامي ساعة كاملة أمارس معك فيها الحب، فأنتي كما أخبرتني بأنك لا تنتمي لعائلة "السيوفي"، فأعتقد ليس عليّا إثم حينها، ولا يستطيع أحدهم المساس بي طالما نسائهم عفيفات.

إنتفض جسدها بقوة من أثر لمسته المقززة، وَلَعت نفسها من وقع كلماته القذرة، لتنفض يده بعيدًا عنها بقوة، وهمت بصفعه، لتلمح بجانب عينها طيف رجال "السيوفي" تعتلي سطح الغرفة ، لكن كما لمحتهم ، فمن الممكن أن يلمحهم ذلك الوغد هو الآخر ، فرؤيته لهم متوقعة بين آن وآخر.... إذن لابد لها أن تتصرف.

تحركت بجسدها قليلًا لتصبح في مواجهتهم، وتدفع "أرثر" بيدها بقوة غاضبة ليصبح مقابلًا لها وظهره للجميع، صارخة بغضب حقيقي :
-إيدك لو إتمدت عليّا تاني هقطعها... فاهم.... أنا مش واحدة رخيصة في بلدك.... هنا إنت في مصر.... يعني تحترم نفسك.
حافظ على توازنه بصعوبه، ليستقيم بجسده، ويميل نحوها ويقبلها عنوة، ليجد صفعة قوية من يدها إستقرت على وجنته، لتثير وحشيته وهمجيته، وهم بصفعها إلا أن هنا صوت ما جذب إنتباهه للخلف...

ليستدير كليًا، فيجد "حاتم" أمامه بطالته الوحشية، وشرارات الغضب تتطاير من حدقتاه، ليصيح بصوت جهوري :
- أعتقد إننا حذرناك إنك تلمس أميرة من أميرات "السيوفي"، ليهم بتوجيه لكمة قوية له، فيجده يحاوط عنق "هايدي" بيده، ويده الأخرى موجهة بالسلاح صوب رأسها.

صاح "أرثر" بصوت مرتجف بعض الشئ إلا أنه حاول الثبات والإتزان :
- "حاتم السيوفي"!!!!... إذن هناك لعبة دنيئة يلعبها رجال "السيوفي".
لتتسلل تلك الضوضاء إلى أذن الجميع بالداخل، فهرع العملاق إلى الخارج لإستكشاف الأمر، ليجد "حاتم" في مقابلة "أرثر"، فيخرج سلاحه ويصوبه نحو "حاتم" ليجد من يقفز أعلاه بلياقة ومرونة، فتهاوي السلاح من يده، لكن العملاق ما زال مستقيمًا بوقفته، فإستدار بكامل جسده، ليجد أمامه "ثائر"، وتبعه "حمزة" و "خالد".

ليصبح ثلاثتهم في مواجهة ذلك العملاق الهمجي، ليصيح "ثائر" بقوة :
- أدخل فك البنات بسرعة يا "خالد"، وأنا و"حمزة" هنتصرف مع الكلب ده.
ركض "خالد" إلى الغرفة، ودلفها متلهفًا للإطمئنان على شقيقته ومعشوقته ومعشوقة أخيه، لتهتف الفتيات بسعادة وإطمئنان :
- "خالد"!!!

ركض "خالد" نحو "هيا" ليحل وثاقها، مردفًا بنبرة مطمئنة :
- ماتخافوش إحنا هنا.....
هبت شقيقته إلى أحضانه باكيةً بعدما أتم حل وثاقها، ليربت هو على ظهرها بحنان، مردفًا :
- ماتخافيش يا حبيبتي.... كلنا هنا ومفيش أي حاجة هتمس واحدة فيكوا.... بس بسرعة فكي "همس" على ما أفك "ضحي".

أما بالخارج فالمعركة من نوع آخر، معركة بين عاشق غاضب، لما تسلل إلى مسامعه من كلمات وقحة تفوه بها هذا الوغد لمعشوقته، لكن ما أحرق روحه، وخنق أنفاسه، هي تلك اليد الوقحة التي تحاوط عنقها، وأنفاسه الكريهة التي تلفح وجهها، وذلك السلاح اللعين المصوب نحو رأسها..
إذن فالمعركة غير متكافئة، فهي لم تعد معركة رجل لـرجل، فقد أقحم بها ذلك الوغد نقطة ضعف "حاتم " وعشقه المتيم ، حتى وإن جرحها وآلمها كما قالت، لكن ذلك الفؤاد الذي يقسم بعشقها مع كل خفقة خفق بها ليحيا.... إنها بحق معشوقته وأسيرة قلبه.

إلا أن نظراتها اللامبالية لـ "حاتم " تطعنه بخنجر مسنون، أي أنه لا يعنيها ولم يعد يخصها، بعدما صرخت به بقسوة كلماتها :
- إتكلم في اللي يخصك يا "حاتم " بيه.... أعتقد إن أميرات "السيوفي" جوه محدش لمسهم، ولو كنت ساعدتكم فده عشان إخواتي و أصحاب عمري.... وعشان "هيا "....و عشان "حمزة" و "خالد".... وعشان "ثائر".
ليصرخ "أرثر بجنون :
- أي أنك كنتي تلعبي معي بوقاحة أيتها....! سأقتلك...

أما عند "ثائر" و" حمزة" فالمعركة متكافئة، فقد ألقى "ثائر" هو الآخر سلاحه، لتصبح معركة عضلات وقوة ، بلكمات وركلات متبادلة بينهما.
وإنهالا على ذلك العملاق باللكمات والركلات لكنها لا تؤثر به ولا تزحزحه إنشًا واحدًا، ليدفعهما للخلف بكلتا يديه، وطرحهما أرضًا، وإتجه نحوهما بجم غضبه، ليميل "ثائر" بجسده بخفة، وإنزلق من بيده ساقيه وهب واقفًا خلفه وليركله بقدمه بركبته من الخلف فإختل توازن العملاق وسقط أرضًا وسط تهليل وهتافات من الفتيات اللاتي خرجن من الغرفة لتوهن.

أما ذلك "أرثر " فتضاعف غضبه وتأجج حينما رمق إنهيار العملاق، ليجن جنونه أكثر كلما إقترب منه "حاتم" بثبات، ليتقهقر هو للخلف، حتى وصل إلى سور السطح....
تقدم ثابت ورزين من "حاتم" الذي لا يأبه لتهديدات "أرثر" بإطلاق الرصاص، تقدم وتقدم حتى دوي صوت طلقة نارية، أتبعته صدمة للجميع.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة