قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل السابع والثلاثون

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل السابع والثلاثون

إحدى المشافي الخاصة.
بذلك الرواق المؤدي إلى غرفة العمليات يركض طاقم التمريض دافعًا ذلك الفراش المتحرك الذي يحمل بين طياته تلك الفتاة التي إقتحمت قلوب الجميع بلا إستئذان، لتكون لهم الأخت والصديقة، لكنها إستوطنت قلبه وتُوجت ملكةً لأعوام عمره الآتية. فقد أصابتها رصاصة ذلك الوغد "أرثر" بعدما إختل توازنه وهوى ساقطًا لأسفل البناية بعدما أطلق رصاصة هوجاء سكنت جسدها وإستوطنته،ليهوى هو جثة هامدة ملوثة للأرض بدماءٍ جارية بلا توقف، حتى صعدت روحه إلى بارئها.

ركض الجميع خلف طاقم التمريض بلهفة وأسى لحالها ، أما هو فتشبث بيدها بكامل قوته لإعتقاده بأنه إن ترك يدها، ستتركه هي وتغادر للأبد.
صرخات قلبه تتوسل البقاء والسلامة، دمعات تمردت للمرة الأولى وخانته لتسيل بفيضان متدفق فتستقر بين طيات شفتاها لتسجديها أن تشفق بحالته وتبث أمانها إلى قلبه الدامي.

ليتوقف الجميع أمام غرفة العمليات، فتردف فتاة التمريض بجدية:
- كفاية لحد هنا حضرتك، دي غرفة عمليات.
رمقها بنظرات جحيمية، وأنفاث لاهثة، ليصك أسنانه، صائحًا بملامح وحشية :
- عارف إن دي زفت أوضة عمليات، وهدخل معاها يعني هدخل معاها.... مش هسيبها.

كادت أن تهم بكلمات معترضة،إلا أنه قد أزاحها جانبًا ودلف إلى الداخل ويده لازالت متشبثة بيدها الجليدية التي إستسلمت لمصيرها برحابة صدر ، وسط إعتراض الطبيب ومساعديه، إلا أن نظرة واحدة من "ثائر السيوفي" كانت أمر بالصمت المباشر لهم، ليدلفوا إلى غرفة العمليات بإستسلام ويأس من السيطرة على حالة "حاتم" المزرية.

كل منهن تستكين بين ذراعي معشوقها، لتترك لدمعاتها الحارقة العنان للهطول والإنهمار. لتتعالي شهقات "همس" القابضة لقلبه وأنفاسه، فيشدد من إحتضانها بقوة وإشتياق ولهفة، ويغمض عيناه مستنشقًا شذاها الذي أدمنه وعشقه ، ليحمد ربه سرًا على عودتها إليه سالمةً، ويتنهد براحة أكبر، هامسًا بحنان بث به الطمأنينة إلى قلبها :
- ماتخافيش يا "همس".... إن شاء الله هتكون بخير يا حبيبتي.

حركت رأسها بنفي وشهقاتها متقطعة، لتردف بأسي وأنين :
- دي صاحبة عمري يا "ثائر"، لو جرالها حاجة مش هسامح نفسي إني ماكونتش واخدة بالي من وجعها اللي بتحاول تداريه بهزارها معانا وضحكها.... مقدرش أتصور حياتي من غيرها... دي "ديدا" يا "ثائر"..... "ديدا".
شدد من إحتضانها أكثر، ليدمغ قبلته الحانية برأسها، مردفًا برفق :
- إدعيلها يا حبيبتي، وبإذن الله هتخرج لنا بالسلامة.

كما شددت هي من إحتضانه بقوة، كطفلة صغيرة تتشبث بوالدها خشية المجهول، لتغمض عيناها مرددةً برجاء :
- يااارب.... يااارب.
بينما كانت "هيا" تتشبث بأحضان معشوقها بقوة، لتدفن أنفاسها المتقطعة بثنايا عنقه، فتخترق دمعاتها الحارقة جدران قلبه قبل أن تمس خلايا جسده المتيبس بقوة لحال تلك العائلة التي لم تهنأ بعد، ليحرك رأسه بقوة مستغفرًا ربه، ويتنهد مغمضًا عيناه بإستسلام للواقع ، ليشدد من إحتضان معشوقته التي ترتجف بين ذراعيه بقوة، ليلين جسده تدريجيًا ويحتويها بحنان مردفًا بنبرته الحانية :
- إهدي يا حبيبتي، إن شاء الله هتكون كويسة، وهتخرج لنا بالسلامة.

تعالت شهقاتها مردفةً بأسي :
- ضحت بنفسها عشان تحمينا يا "حمزة"، ضحت بحياتها عشان خاطرنا.
ربت "حمزة" على ظهرها بحنو، مردفًا بعشق :
- إهدي عشان خاطري يا "هيا"... وإن شاء الله حياتها لسه فيها العمر طويل، اللي هاتعيشوا معانا ومع كل اللي بيحبوها.

بينما كانت "ضحي" تستكين بين ذراعي "خالد" بإستسلام وصمت قاتل، صمت لجميع خلايا جسدها، بل لجميع حواسها، سوى تلك الأنفاس المتقطعة بأسي وأنين مكتوم. تتذكر لحظاتها الأخيرة.... كيف جاهدت لحمايتهن!.. وكيف قاتلت لطمئنتهم!.
ليدمغ "خالد" قبلته الحانية بجبينها، مردفًا بأسى وألم لأجلها :
- حبيبتي سكوتك ده هيقتلني ..... إبكي... أصرخي.... إضربي... بس ماتبقيش كده.... إن شاء الله "ديدا" هتكون كويسة، وهتشوفي.

تردد إسم "ديدا" بذهنها مرات متعاقبة بصدي أرجف قلبها بخفقاتٍ سريعة، لتسيل الكلمات بلسانها كسيلٍ جارف يعصف بجميع مايقابله بطريقه، لتصيح بأسي وأنين بعدما إبتعدت عنه وأصبحت بمواجهته :
- "ديدا"؟!!!!..... "ديدا" اللي كانت بتوجع وبتتحرق وبتهون علينا!
"ديدا" اللي كانت مكسورة ومجروحة وبتداوي جروحنا!
"ديدا" اللي كانت خايفة و بتطمنا!
"ديدا" اللي كلنا إنشغلنا في حياتنا ونسيناها!
"ديدا" اللي أخوك كسرها ووجعها وداس على قلبها!
"ديدا" اللي طول عمرها في ضهرنا وسند لينا..... يجي اليوم اللي نسيبها لوحدها وننشغل عنها!

إلتف الجميع حولها، لتزيد دمعات الفتيات أسى وأنين، وتشير "ضحي" نحو" همس"، صارخة بهيستريا :
- إحنا أصحاب زبالة قوي، عشان إنشغلنا عنها ونسيناها يا "همس" رغم إننا عارفين قد إيه هي لوحدها، وقد إيه مامتها قاسية وباردة معاها، وكل همها الفلوس اللي باباها بيبعتهالها من بره.... إحنا زبالة قوي يا"همس"....... زبالة قوي .
تعالت شهقات "همس" التي جاهدت كثيرًا لكبتها بيدها، إلا أنها تعالت وتعالت وتضاعفت.

لتتراجع إلى الخلف حتى إلتصقت بذلك الحائط البارد، لتسمح لجسدها بالإنزلاق حتي إفترشت الأرض بدمعاتها وأنينها المكتوم، لتجد ذراعه القوية تحاوط ذراعيها بحنان وعطف، ويضمها نحو صدره الذي كان لها وطنًا آمنًا، لتسمح لجوارحها بالإنهيار التام داخل حصونه المنيع. إتكأ بركبتيه أرضًا، وشدد من إحتضانها مغمضًا عيناه بقلبٍ خفق و تلاطمت دقاته، فكم تمنى أن يجذبها من ذلك العالم القاسي عليها..... كم تمنى أن يُصمت "ضحي" ويصرخ بها : "كفى إيلام ووجع لمعشوقة سكنت الفؤاد"...

كم تمنى أن يتلقى عنها تلك الصدمات والكلمات المؤلمة... إلا أن لها حياتها الخاصة، وصديقاتها بل إخوتها التي يتمتعن بكامل الحقوق والواجبات لديها.
لتسيل دمعات "هيا" كسيلٍ جارف، فتجد من يجذبها إليه بحنانه، إلا أن ذلك العطر الشاذ تسلل إلى أنفاسها.... نعم عطر لم تعتاده قط، بل أنه تسبب لها بإختناق وإعياء، فتتذكر تلك الصورة التي أُرسلت لها وهو يحتضن تلك الفتاة الساقطة لتشتعل مقلتاها غضبًا، وقلبها جحيمًا ، لتدفعه عنها بكلتا يديها صارخةً بجنون غاضب :
- إبعد عني.... إبعد عني يا"حمزة".

إتسعت حدقتاه صدمة من ردة فعلها المباغتة، ليقطب جبينه ، زاويًا مابين حاجباه، ليردف مستنكرًا :
- إيه!
أبعد عنك!...
يعني إيه أبعد عنك؟!
صرخت بشكل هيستيري قوي، مصوبةً سبابتها نحوه، وهي تردد بتحذير :
- أوعى يوم تقرب مني.... ريحتك بتكتم أنفاسي... ريحة الزبالة اللي كانت في حضنك.

إزادت صدمتة إشتعالًا، وخجله قوة، ليحرك رأسه نافيًا قبل أن يهم بالحديث، إلا أن صراخها ألجمه وأخرسه، لتقبض بكلتا يديها على ياقته، صارخةً :
- خدتها في حضنك يا"حمزة"؟ !!!...... واحدة زبالة زي دي تاخد مكاني!
عارف يعني إيه أشوف غيري في مكاني؟!
يعني يوم ما أكون في حضنك تاني، هحس بوجودها ؟!
إنت إزاي تسمح لنفسك إنك تعمل كده؟!

إزاي تسمح لأي مخلوقة خلقها ربنا إنها تلمسك، وتكون في أحضانك؟!
إزاي مكاني يسكنه غيري؟!
إزاي يا "حمزة"... إزاي؟!!
وتعالت صرخاتها بشكل جنوني، وسط ذهول وصدمة الجميع، ليحاول "حمزة" إحتضانها والسيطرة على صراخها، وتوضيح سوء التفاهم هذا، إلا أنها تدفعه عنها بقوة، ليحاوطها "خالد" و"ثائر" بذراعيهما، إلا أنها تخر فاقدة لوعيها بين أحضان إخوتها.

لتتعالي صرخات الفتيات المذعورة، ويحملها "حمزة" إلى أحضانه راكضًا نحو إحدى غرف المشفى، وسط صمته وصدمته وذعره لأجلها.
ويتبعه الجميع تاركين من تشبثت بيد معشوقها وأقسمت ألا تتركها رغم غيابها التام عن الوعي.

داخل غرفة العمليات
الأطباء يحاولون فصل يده عنها بكل ما أوتوا من قوة...
الأمر!!! ..... فكم هم مساكين!!! ، فعائلة "السيوفي" لا ينصاعوا إلا لأوامر ربهم عزوجل، فنظرة حجيمية كادت أن تحرق غرفة العمليات بمن فيها ، لتسري تلك الرجفة القوية بجسد الطبيبة، لتتقهقر للخلف ملتزمة الصمت.

الرجاء والتوسل!! ...... يالكم من حمقى!!!!!.... فهذا القلب الجريح، الذي يصرخ بنزيف مشتعل، لايستشعر سواها، ولا ينبض سوي بها، فلن تأخذه الرحمة والشفقة نحوكم ليستجيب لتوسلكم ورجائكم، ليصرخ بهم بأعين مشتعلة :
- شوف شغلك ومالكش دعوة بيّا، لأني مش هسيب إيدها..... فاهم.

لايمتلك الطبيب سوى الإنصياع لأوامره، فقد مرت عليه حالات مشابهة، إلا أن تلك الحالة تجاوزت حدود العقل والقلب، فهي وإن كانت تحت تأثير المخدر فإنها تتشبث بيده و بقوة، كتوأم ملتصق الأيدى، تعابير وجهها التي تتشنج عند طلبهم منه تركها، وتعود للين والإرتخاء عندما تتسمع إلى صوته الهادر برفضه وإصراره بالأخذ بيدها إلى بر الأمان.
بدأ الطبيب بإستخراج الرصاصة منها بمهارة وإحترافية، ولازالت عينا "حاتم" تحتضن ملامحها الساكنة بهدوء وإستسلام.

ليرمقه الطبيب بنظرات شفقة وعطف لحاله، فقد كان كطفلٍ صغيرٍ يتشبث بيد والدته خشية الضياع والإنكسار، حواسها المستسلمة للجراحة برحابة صدر، إلا أن قلبها النابض بقوة، كمن كان بسباق عَدْوٍ وأوشك على الوصول لخط النهاية، ليتنهد الطبيب بحنو مردفًا :
- ماتقلقش يا أستاذ "حاتم"..... الحمد لله الرصاصة جت في كتفها، يعني مفيش أي خطورة على المدام، غير إنها نزفت دم كتير وده هنعوضه بدم جديد.

أردف "حاتم" بصرامة دون رفع أنظاره عنها :
- أنا فصيلتي (+A) لو متطابقة أنا اللي هديها دم.
إنفرجت إبتسامة الطبيب لحال عاشقين رفضا تدخل آخر بينهما، رفضا بأن تنخلط دماؤها بدماء أخرى وتجري بشريانها لتتحسس نبضها ، بل كانت أقدارهما مكتوبة كساعة ميلادهما، كانت مكتوبة من فوق السماء السابعة، ليردف بهدوء :
- ممكن حضرتك تجهز عشان ناخد عينة دم ونحللها.

لأول مرة يزيح "حاتم" أنظاره عمن ملكته وإستوطنت قلبه، ليرفع أنظاره نحو الطبيب بأعين متسائلة، ليجاوبه الطبيب بإيمائة من رأسه قبل أن يردف بتأكيد :
- أيوة حضرتك فصيلة دم المدام (+A).
وإلتفت الطبيب بأنظاره نحو إحدى فتيات التمريض، مردفًا بجدية :
- ساعدي أستاذ "حاتم" وخودي منه عينه دم تتحلل والنتيجة تجيلي على طول...

ليقاطعه "حاتم" الذي أردف بصرامة وحزم :
- تقدر تاخد الدم اللي محتاجه، أنا عامل فحص شامل إمبارح والنتيجة كلها تمام، مفيش مايمنع للتبرع بالدم.
هم الطبيب بالإعتراض، ليجد "حاتم" يرمقه بغضب وإنفعال، مردفًا بحدة :
- أكيد مش هتخاف عليها أكتر مني!.

تنهد الطبيب بيأس وقلة حيلة، مشيرًا إلى الفتاة برأسه لتسارع إلى "حاتم" وتبدأ بسحب كمية الدم المطلوبة وسط رفضه بترك يد "هايدي" وإستمراره بالتشبث بها حتى إنتهاء الجراحة كاملة، ليجدها تهذي بحروف إسمه ، لتتراقص دقاته طربًا ، ويقسم أن يتشبث بيدها ماتبقى له من حياة.

إحدى غرف المشفى.
"هيا" مسطحة بفراشها وبيدها ذلك المحقن المتصل بالأنبوب البلاستيكي الرفيع، الموصول بعبوة بلاستيكية من المحلول،الذي تدفق ببطئ إلى أوردتها لينعش قلبها الملتاع، فتبدأ في إستعادة وعيها تدريجيًا وسط نظرات الترقب والقلق من الجميع، لتهتف "ضحي" بلهفة :
- الحمد لله بدأت تفوق أهي.

تأهب الجميع للإطمئنان عليها بترقب، فخطى "خالد" نحوها ليتأكد من إستعادتها التامة لكامل وعيها، مردفًا بإبتسامة ودودة:
- حمد الله على سلامتك يا "يوكا ".... ينفع كده تخضينا عليكي؟
همت بتحريك يدها المعلقة بالمحلول، لتركض نحوها "همس" بلهفة مردفًا بتحذير :
- حاسبي يا حبيبتي عشان المحلول اللي في إيدك.

رفعت أنظارها نحو أمانها الذي لطالما كان لها السند والحماية، كان لها الأب والأخ والصديق، لترمقه بأعين زائعة تخط بين طياتها الكثير من التساؤلات والهواجس، ليجاوبها هو بنظرة مطمئنة محت ما سكن فؤادها من شك ووساوس، لتغمض عيناها متنهدةً ببعض الراحة دون أن تنبس ببنت شفة. وربت "ثائر" على كتف "همس" و "خالد" ليصطحبا "ضحي" ويغادروا جميعًا الغرفة، فيقترب "ثائر" من أخته، ليدنو بجذعه نحو رأسها، دامغًا قبلته الحانية بجبينها، مردفًا بمحبة وود وأخوة :
- حمدالله على سلامتك يا "يوكا"....، لو إحتاجتي حاجة أنا بره يا حبيبتي ...... هروح أطمن على "ديدا" وأرجعلك.

أومأت لها برأسها بهدوء قبل أن تهمس بخفوت :
- إبقى طمني عليها يا أبيه.
مسد خصلات شعرها بحنان، مردفًا بإبتسامة خفيفة :
- حاضر يا حبيبتي..... مش هتأخر عليكي.
وغادر "ثائر" هو الآخر الغرفة موصدًا بابها بهدوء، ليتنهد ببعض الألم لحال إخوته، فكل منهم يحمل ألمًا بين ثنايا قلبه وطياتها.

بينما تململت "هيا" بألم بفراشها، ليزيد ألم يدها موضع المحقن، فتهم برفع يدها الأخرى لتدلكها، إلا أنها تجد حملًا ثقيلًا مُلقى أعلى يدها، لتستميل بعنقها نحوه، فتتخالط ملامح وتعابير وجهها مابين السعادة بوجوده إلى جوارها، وبين العتاب واللوم لما حدث، حتى وإن طمئنها أخيها بعض الشئ، لتعقد جبينها بغضب رامقةً إياه بإستنكار، فهاهو الآن يجلس أرضًا إلى جوار فراشها، ويستلقي برأسه أعلى يدها التي يتشبث بها بقوة. تحاول سحب يدها من قبضته بهدوء ، ليستوقفها ذلك السائل الدافئ الذي إخترق خلايا يدها، لتنقبض خفقات قلبها بقوة، فقد أيقنت أنها دمعاته الثمينة. أغمضت عيناها بلوعة وقلب يئن لحال معشوقها الذي تمنته لسنوات وسنوات.

سالت دمعاتها بإنكسار وهزيمة، فمن عاش شامخًا طوال حياته، اليوم يبكي بين يديها كطفل صغير يخشى عقاب والدته، لتتنهد بأسى وألم، وتهم بالإعتدال، إلا أن صوته المتحشرج ببكاء أدمي قلبها وأحرقه، لتترك لجسدها العنان بالإنهيار بفراشها، فمعشوقها يئن قلبه ويحترق :
- كنت هموت لما فوقت ولقيت نفسي بالمنظر المؤرف ده!...

يوم ما إتجوزنا أخدت عهد بيني وبين ربنا.... إن حضني هيفضل وطنك ومملكتك لآخر نفس فيّا....... إن عمر مافي واحدة غيرك تحس دفاه ولا تلمسه........ إنك تكوني الأولى والآخيرة والوحيدة اللي تسكنه.
تنهد بأسى وندم مُكملًا دون أن يرفع رأسه نحوها :
- لما مقدرش أوفى بوعدي ..... عارفة الإحساس ده بيقتل قد إيه؟!

لما أفوق وألاقي نفسي في مكان غريب بمنظر مخزى زي اللي شوفتيه... إحساس بيقتل إزاي.
لما أحس إني كنت خاين وسمحت لواحدة غيرك تحتل وطنك... إحساس بيقتل وبيحرق إزاي. .
لما أفوق وإحس إني ضعيف لدرجة إني ماقدرتش أحمي مكانك..... إحساس بالعار إزاي .

لما ألاقي حيوان خطفك وبيساوم بيكي وبحياتك وأنا مش قادر أحميكي زي ما مقدرتش أحمي وطنك..... يبقى ما أستاهلش قلبك ولا روحك.... ولا أستاهلك يا "هيا".... ولا أستاهلك.

وهب من جلسته مزيلًا دمعاته بقوة وكبرياء، ليخطو نحو باب الغرفة متجاهلًا هتافاتها بأحرف إسمه وتوسله بقاؤه ، ليضع يده على مقبض الباب كي يفتحه، لكن قد سبقته فتاة التمريض بفتحها إياه وتلك الإبتسامة العريضة تزين ثغرها. تنحي جانبًا كي يسمح لها بالمرور، وغادر الغرفة عقب دلوفها، ليستوقفه صوت الممرضة التي تزين بكلمات أرقصت قلبه طربًا، وقطّعت أنفاسه فرحًا:
- مبروك يا مدام.... إنتي حامل.

سالت دمعات "هيا" بلا توقف كما كانت، لكن هذه الدمعات زينتها ضحكاتها المترددة بإندهاش وفرحة وسعادة ولاتصديق، لتردد بسعادة :
- أنا حامل!... إنتي متأكدة من اللي بتقوليه ده؟!
ناولتها الممرضة نتائج التحاليل مردفةً بإبتسامة :
- أيوه طبعًا.... والتحاليل بتأكد كلامي كمان .

ليجدا من يقتحم عليهم الغرفة، وينقض على معشوقته كالليث الكاسر، ويقتنصها إلى وطنها الآمن، مرددًا بسعادة يخالطها التوتر :
- مبروك يا "يوكا"..... هتكوني مامي، وأنا هكون بابي.
شددت من إحتضانه بيدها المتحررة، مغمضةً عيناها بشكر للمولي عزوجل بأن أرسل لها هذا الخبر السعيد في ذلك الوقت الذي كادت أن تفقد فيه معشوقها، مرددة بسعادة :
- الحمد لله يا حبيبي..... إنت هتكون أعظم بابي في الدنيا.

وشدد هو من إحتضانها بقوة، مستنشقًا شذا عطرها ليحتبسه بين ثنايا روحه للحظات، متنهدًا برضا وسعادة وحمد للمولي، مردفًا بتوتر:
- مبروك ياحبيبتي.... ده أحلى خبر سمعته في حياتي..... أحلى خبر .
بينما حمحمت فتاة التمريض بخجل، لتجذبهما من عالمهما السعيد. إبتعد "حمزة" عن "هيا" التي إشتعلت خجلًا، لينهض من جوارها مستديرًا نحو الفتاة، ويخرج لها مبلغًا كبيرًا من المال ويناولها إياه، مردفًا بسعادة :
- دي حلاوة الخبر ده يا وش الخير والسعد ..

إنفرجت إبتسامة الفتاة وإزدادت إتساعًا فهذا المبلغ أكثر مما تمنت بكثير، لتهتف بسعادة وإمتنان :
- شكرًا لحضرتك يا أستاذ، وألف ألف مبروك، وربنا يتمم لها على خير ويقومها بالسلامة يارب.
ردد "حمزة" بسعادة وتلك الإبتسامة تزداد توهجًا وإشتعالًا بوجنتاه، فهذا الخبر السعيد أنساه العالم أجمع :
- اللهم آمين يارب.

وغادرت الفتاة بعدما حصلت على ماتريد وأكثر، ليستدير "حمزة" نحو معشوقته بفرحة وسعادة تتقافز بعيناه وقلبه، ويجلس إلى جوارها بطرف الفراش ملتقطًا يدها بين يده، ليدنو منها دامغا بها قبلته المعتذرة عما بدر منه من أخطاء وقسوة كلمات ألقاها بلحظة ضعف ويأس وإستسلام، ليرفع رأسه قليلًا فيصبح مقابلًا لها، ولازال مشددًا على يدها بين قبضتيه، هاتفًا بسعادة وفرحة :

- مبروك يا حبيبتي، أنا أسعد راجل في العالم كله، إني هكون أب لطفل منك إنتي.... بحبك يا حب عمري اللي راح واللي جاي.... بحبك يا أحلى حاجة في دنيتي..... بحبك يا أميرة قلبي وحياتي..... بحبك يا "يوكا".
إشتعلت وجنتاها خجلًا أكبر، وتراقصت دقاتها طربًا لإعترافات معشوقها تلك، وهمست بخفوت عاشق :
- بحبك يا "ميزو".

أمام غرفة العمليات.
الجميع متأهب لخروج الطبيب أو "حاتم " لطمأنتهم داعين المولى عزوجل أن يعف عنها ويتمم شفائها على خير، لتعقد "همس"ذراعيها أعلى صدرها، مردفةً بتوتر :
- إتأخروا قوي ومحدش خرج يطمننا... وطنط إتصلت بيا مرتين لحد دلوقتي وبقولها إنها لسه نايمة لأننا كنا مطبقين في المذاكرة.

تنهدت "ضحي" بتوتر، مردفةً بثبات :
- رنت عليّا كتير ومارديتش أرد عليها، كانت هتعرف من صوتي.... يارب "ديدا" تخرج لنا بالسلامة.
وكانت إستجابة ربها أسرع مما تتخيل، فما إن أنهت الكلمة حتى إنفتح باب غرفة العمليات وخرجت منه "ديدا" بفراشها المتحرك، ولازال "حاتم" متشبث بيدها كما اللحظات الأولى.

ركض الجميع نحوهما بلهفة وإندفاع، ليهتف "خالد" :
- إيه الأخبار يا "حاتم"؟....." ديدا" عاملة إيه دلوقتي؟
حرك "حاتم" رأسه بإرهاق، مردفًا برضا :
- الحمد لله.... الرصاصة جت في كتفها، يعني مفيش خطورة.
بينما ربت "ثائر" على كتف رفيق دربه ليشدد من أزره، مردفًا بمساندة :
- الحمد لله.... ربنا يطمنا عليها..... ماتقلقش أنا بعت المحامي النيابة عشان التحقيقات، و لما" ديدا" تفوق هياخدوا أقوالها.
أومأ "حاتم" برأسه، ورافق "هايدي" إلى غرفتها بإنتظار إستعادتها لوعيها.

مر يومان على الجميع مابين فرح وسعادة بخبر حمل" هيا " التي أثبتت حقًا أنها أميرة "السيوفي" المدللة حينما إلتف حولها الجميع لتلبية إحتياجاتها بسعادة حتى دون أن تطلبها أو تفكر بها.
عادت "فريدة" و" نجلاء" من المزرعة بسعادة وفرحة تسابقت إلى القصر قبلهما، ليزيدن من تدليل تلك الأميرة وراحتها، فهناك قائمة طويلة من المحظورات وضعتها "فريدة" وأشرفت على تجنبها، وقائمة أكبر من الإرشادات وضعتها "نجلاء" وأشرفت على تنفيذها.

أما "حمزة" الذي لازال بحالة من السعادة والسرور، فزاد في تدليلها وزاد، فأصبح هو قدامها التي تخطو بهما داخل القصر وخارجه، أصبح يحملها من مكانٍ لآخر. يُجلسها بفراشها ويحضر كل مالذ وطاب من مأكولات ومشروبات صحية. كثيرًا ما يبحث علي شبكة الإنترنت عن كل ما يخص تلك الفترة المهمة من حياتهما من إحتياطيات وواجبات.

أما "هايدي" التي إستفاقت ووجدت معشوقها يتشبث بيدها بقوة، ويحاوطها بنظراته العاشقة المتيمة، لتغمض عيناها ثانية دون أن يشعر ذلك العاشق الذي إستفاض بالبوح بمكنونات صدره من عشق جارف نحو تلك النائمة، عاشق تيقن أنها حقًا معشوقته الأولى والأخيرة، من سكنت الفؤاد وثنايا الروح، من خفق القلب لها وبها، من صرخ الفؤاد إشتياقًا لأنفاسها، ليهمس بقصائد عشق لم تروى بأساطير العاشقين بعد.

أما هي التي رأته بأحلامها ملاكًا حارسًا لها، من كان يتشبث بيدها ليجذبها من إستسلامها لفقدانها كل شئ ، من كانت خفقات قلبه تُحي قلبها وتشعل نبضه بحياة عاشقة، من كانت أنفاسه المشتعلة نيران دفئها بعالمها الجليدي الذي تملك من أوردتها وشراينها. من كان عبير عطره يخترق أنفاسها ليبث لها أمانه وسنده، لتسيل دمعاتها العاشقة بجانبي وجنتيها، لتجد أنامله العاشقة تُزيلها بحنان عاشق متيم، ليهمس إلى جوارها بأنفاسه الملتهبة :
- إنتي الحياة يا "ديدا"..... إوعي تكسريني وتوجعيني عليكي تاني...... إنتي عشقي الأول والأخير...

كلمات أشعلت قلبها بخفقات ثائرة ومتمردة، كلمات أقسمت ألا تطاوع عقلها وأن تخضع لسلطان قلبها وهواها ، أعين إشتاقت لعيون بالعشق تموج، لتنفتح بعشق مستسلمة بكلمات عاشقة :
- إوعي تحرق قلبي تاني يا "حاتم"... إنت النفس اللي بتنفسه... إنت كل حاجة حلوة في حياتي... بحبك.

لينضما عاشقان متيمان إلى أساطير عاشقي "السيوفي"، وهذه المرة بلا رجعة أو إستسلام... بل سجلوا حروف أسمائهم بنيران العشق المتيم... نيران تحرق كل من يفكر في العب معهما والتفرقة بينهما.

أما "خالد" و "ضحي" في تلك الأيام إزداد هدوئهما غير المألوف، فهناك ملايين الحروف المعلقة بشفاتهما، بعدما علم كيفية حصولهن على تلك الصور الوقحة..... جنونها وثورتها عندما رمقت أخرى تسكن أحضانه،حتي بعد علمها بأمر المكيدة التي دُبرت لهما، إلا هناك مئات الحواجز لم يتخطينها بعد، فالصمت يُنشئها ويقويها، فهل آن الآوان لتحطيمها بعد؟!
أم لا زالت تقوى وتزيد المسافات بعدًاظ!

الفتيات أنهين إمتحانهن الأخير بسعادة كبيرة بإنهاء فترة مهمة بحياتهن، أو بالأحرى بحياة "همس" و "هايدي" التي شاركها معشوقها هذا الإختبار الأخير وسط نظرات حسد وغيرة من جميع الفتيات، فالكل يراها الأكثر حظًا لما رأين من عشق يشتعل بأعين ذلك المتيم الوله.

مضت ساعات النهار سريعًا على الجميع، كل منهم تحاوطه سعادة من نوع خاص، إلا "ضحي" التي تشعر بالكثير من الضيق والإختناق، تود البكاء لأتفه الأسباب، تود أن تقتل ذلك "خالد" الذي يتجنب النظر إلى عيناها ومواجهتها، يتجب مصالحتها والتودد إليها كعهده سابقًا، فتصب جم غضبها على إفتراس المأكولات بشراهة وتلذذ.

دلفت سيارة "ثائر" إلي حديقة القصر بعدما إنفتحت له جميع الأبواب على مصرعيها، ليتجه بها إلى مرأب القصر ويصفها بموضعها الدائم، ملتقطًا هاتفه وأشيائه الخاصة وترجل عنها، ليتمم على غلقها جيدًا، ويخطو تجاه القصر بخطى رزينة هادئة، ليجد هاتفه العائلي يصدح بإستلام رسالة من معشوقة إشتاق إليها وتلهف، وكان نص الرسالة " أنتظرك بعالمنا الخاص..... أشتاق إليك ".

تراقصت دقات قلبه شوقًا لها، وإشتعلت حدقتاه هيامًا وولهًا، ليغير مسار خطواته نحو ذلك الباب الجانبي الذي يؤدي إلى المطبخ ويليه المصعد المؤدي إلى عالمهما الخاص .
نعم.... فذلك العاشق المتيم يدلف إلى المطبخ للمرة الأولي بحياته كرجلًا يافعًا.
فحقًا العشق يصنع المعجزات!...

سابقته دقاته إلى ذلك المصعد وسط نظرات دهشة وذهول من جميع العاملين بالمطبخ، بعدما جذب إنتباههم صوته الرزين بعبارته الشهيرة :
- السلام عليكم.
لتتدلي فكوكهن فكادت أن تصل إلى أرضية المطبخ، فلم يستطيعوا التفوه بحرف واحد من قوة صدمتهم ودهشتهم.

وخطى هو نحو المصعد ليستقله بلهفة اللقاء وشوق الهوى. لحظات مرت عليه كدهرٍ شاق، أقسم لو صعد الدرج بلهفته تلك لكانت تسكن إلى أحضانه الآن، وكان يستنشق شذاها الآسر لعقله وفؤاده.
توقف المصعد إلى عالمهما الخاص لتنفتح أبوابه معلنةً دلوفه إلى جنته الآسرة، شذا عطرها يملأ المكان ويفوح ليستوطن أنفاسه بتملك آسر، زهورها البرية النادرة تنثر بطريقه إلى الداخل. صور تجمعهما سويًا بلقطات ساحرة مفاجئة له، لقطات زادت خفقاته إشتعالًا وثورة ولهفة للقاء.

دفع الباب الشبة مفتوح بيده، لتتعالي تلك الأنوار الخافتة، و تلك الموسيقى الهادئة بالأنحاء، تبعها تساقط وريقات لورودٍ حمراء قانية. دلف إليه لتتساقط أمامه ورقه وردية تحمل بين طياتها كلمات عشق خالدة "بحبك"
ليلتقطها بيده ممزقًا خيطها المشدود ليضعها بجيب سترته الداخلي بالقرب من قلبه الثائر.

خطى خطوة أخرى، لتتساقط الورقة الآخري بكلماتها العاشقة " لو كنت أعلم أن عشقك قدري، لتمنت أن أُولد على يديك ".
لتلتمع تلك الدمعات العاشقة بحدقتيه ، ويلتقط تلك الورقة متنهدًا بعشق جامح، ويضعها أعلى قلبه الثائر لتزيد ثورته إندلاعًا.
وخطى أخرى وأخرى ليجد ورقة أخرى، زينت بأحرف إسمه بجملة تبوح بعشقها المتيم" علمت أن ثورة ذلك الثائر ستهدأ وتشتعل سكونًا هامسًا بأحرف إسمي العاشق".

لتزداد دقاته قلبه تراقصًا وإندفاعًا، ليأكل الخطى بإشتياق لكلماتها العاشقة، فيجد ورقة أخرى تصرخ " إن حييت حيوات قادمة، سأحي لأكون عالمك أنت، وتكون أنت نبض قلبي "
كفى همسًا فقلبي لم يعد يتحمل ذلك العشق الجامح!!!! ، فالآن أريد السكون بين ذراعيك همسي... الآن أريد التنفس ببطئ بين أنفاسك الحارقة.... دعيني أركض إليك كطفلٍ صغير إشتاق أمه.... دعيني أُسكن ثورتي الجامحة بين حصونك المنيعة... دعيني أهمس بأحرف إسمك الخالد بين ثنايا قلبي... دعيني أذوب عشقًا ببحر عيناكي المتلاطم.

ليجدها تطل عليه بطالتها الخاطفة لأنفاسه اللاهثة. طلة أنثوية صارخة بفستانها الأحمر الناري الذي يكاد أن يصل إلى ركبيتها ليزينه ساقيها الطويلتين ، وذراعيها العاريتين، وخصلاتها المتموجة بدلال وإغواء لمشاعره الوالهة.

أما وجهها الملائكى الذي لم يفقد طلته وبرائته وسط كل هذا، ليتعالي صدره ويهبط بدقات متلاطمة، عيناه تطوفها بعشق جارف، لتستقر نحو تلك الورقة التي تتمسك بكلتا طرفيها. الورقة التي تحمل بين طياتها كلماتها العاشقة "كل لحظة في عمري وإنت ثورة قلبي العاشق.... كل لحظة في عمري وإنت همس سكوني... كل سنة وإنت معايا.... كل سنة وإنت عشقي.".

إنفرجت إبتسامة "ثائر" المهلكة، وإقترب منها ملتقطًا تلك الورقة ليضعها إلى جوار زميلاتها، ملتقطًا يدها بعشقٍ متيم، ليدمغ قبلته العاشقة بباطن كفها، ويصك صك ملكيتها لثنايا قلبه وروحه وكامل خلاياه وحواسه، ليستقر بأنظاره المهلكه بعيناها فيذوب عشقًا وهيامًا هامسًا بعشق :
- واللي مش لاقي كلامي يوفيكي حقك، ولا يعبر عن عشقي ليكي.... قوليلي أعمل إيه دلوقتي؟!

إشتعلت وجنتاها خجلًا، وتنهدت بأنفاس متقطعة، هامسةً بخفوت أهلكه :
- بس عنيك دايمًا بتقوللي الكلام اللي مش قادر تبوح بيه ولا توصفه، عنيك سرى يا "ثائر".... السر اللي مخبياه عن الناس كلها، حتى عنك إنت..
وتنهدت مغمضة عيناها بهدوء، هامسة بعشق وهيام :
- كل سنة وإنت معايا.... كل سنة وإنت عمري... كل سنة وإنت روحي.... كل سنة وإنت عشقي.... كل سنة وإنت "ثائر".

مال بعنقه نحوها ليدمغ قبلته الولهة بالقرب من شفتاها، فيحرقها ويهلكها، ليهمس إلى جوارها :
- كل سنة وإنتي همسى.
إبتعد عنها قليلًا بعدما لاحظ إرتفاع وهبوط صدرها بتوتر وإرتباك، ليحمحم بجدية بعض الشئ مردفًا بثبات :
- بس إنت عرفتي إن النهاردة عيد ميلادي منين؟

رفعت رأسها بزهو وكبرياء، هاتفة بشموخ :
- المذيع الشاطر لايفصح عن مصادره "ثائر" بك.
لتتعالي ضحكاته الرجولية كاشفةً عن أسنان كاللؤلؤ المكنون، فتزيد هلاكها وتضاعفه، لتغمض عيناها متمتمة بمجهود :
- يا لهوى!!!! ...... ضحكة تانية زي دي ومش عارفة ممكن أعمل إيه؟!... وإنت قمر كده !!

وجد من يجذب يده ليتجها صوب تلك الطاولة المزينة بقالب من الكيك المزين بأحرف إسمه وصورته ، وبعض الشمعات التي إنحنت نحوها "همس" لتُضيأها بسعادة وعشق لصاحب تلك الصورة.
إنتهت من عملها، وإستقامت بوقفتها لتجده يتأملها بعشق وهيام. حمحمت بتوتر هامسةً بسعادة :
- ممكن تتمنى أمنية الأول وبعديها تطفي الشمع.

لتجد من يلتف خلفها ويحاوط خصرها بعشق، ويميل برأسه نحو عنقها هامسًا إلى جوارها بأنفاس مشتعلة :
- إنتي أمنيتي اللي هتمناها طول عمري.
مالت برأسها نحوه لتتلاقي الأعين، وتذوب ببحر عشق جارف، لتهمس أمام شفتاه، بعدما إلتقطت يداه ووضعتها موضع جنينها :
- يعني ماينفعش حد تاني يشاركني في أمنيتك دي ؟

ضيق عيناه بعدم فهم، وحرك رأسه مردفًا بإستنكار :
- حد تاني؟!!!!.... مش فاهم.
ضغطت يده برفق، ودنت بأنظارها من يده التي تحتضن جنينها، هامسة بسعادة :
- "ثائر" الصغير.
إتسعت عيناه عشقًا، ليُديرها نحوه ويجذبها نحو صدره، مشددًا من إحتضانها وهاتفًا بسعادة أربكت أحرف كلماته :
- بحبك "همسى"... بحبك...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة