قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل الثامن والثلاثون

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل الثامن والثلاثون

قصر السيوفي - تحديدًا غرفة "حاتم".
تململت بفراشها بتكاسل لتجد نفسها مكبلة بقيودٍ بشرية تحاوط خصرها بتملك قوي، لتفتح عيناها بمجهود مضاعف فلازالت تحتاج إلى المزيد من الراحة والنعاس، لتلمح معالم وجهه البشوشة مصوبة إليها بعشق وهيام، عشق أطل من تلك الأعين المتوهجة بولهٍ صارخ، أعين تتأملها بسعادة غامرة، لتحمحم هي بخجل أشعل وجنتاها إحمرارًا:
- صباح الخير يا حبيبي.

لازالت أنظاره العاشقة مستقرة نحو ملامحها الخجلة بعشق وغرام، لتتسع إبتسامته قليلًا، هامسًا بنبرة أذابتها عشقًا:
- صباح الحب والعشق والجمال على عيونك يا أحلى "ديدا" بالكون... صباحك زي ضحكتك اللي جننتي دي... صباحك زي قلبك الطيب... صباحك في حضني كل يوم ياقلبي... صباحية مباركة يا عروسة.

إشتعلت وجنتاها خجلًا متضاعف، لما أطربها به من وصلة غزل لم تعتد عليها بعد، فبالأمس كانت ليلتهم الأولى، كانت ليلة أبعد ماتكون عن خيالها المتوجس، فقد أغدقها "حاتم" بنهر عشقه الجارف، وأفاض عليها بفيضان أشواق متدفقة أقسمت أنها لم تهدر سوى لأجلها فقط، كأنه وُلد بتلك الليلة ليكون معشوقها المتيم، أقسم فؤاده أنها الأولى والأخيرة به، وما أحسه قديمًا لم يكن سوى تعود وتحدٍ لعائلة "السيوفي" التي كانت ترفض هذا الإرتباط، أو بالأحرى تحد لـ" فريدة" هانم "السيوفي".

مشاعر جياشة أشعلت قلب "حاتم" لتقسم له بالهلاك عشقًا ببحور هواها المهلكة.
أما "هايدي" فمشاعرها البكر نضجت وأزهرت بمحراب عشقه المتيم، لتتأكد أنها حقًا دكت حصون قلبه وإستوطنت قلاع عشقه الحصينة ، لتتوج ملكته الأولى والأخيرة.

سعادة غامرة إجتاحت أوصالها و إختلطت بخجل شديد، لتتلاطم دقاتها بإندفاع جامح، فتهمس بحمحمة:
- الله يبارك فيك.
لازالت نظراته تُربكها وتشعل توترها، لتحاول التملص من بين يديه، مردفةً بخفوت:
- هتفضل تبصلي كتير كده؟!
مال بجذعه نحو طاولة صغيرة بجوار الفراش، ليلتقط من أعلاها ملف ورقي، ويناولها إياه بجدية، مردفًا برفق:
- إتفضلي ده.

تناولته منه بدهشة مردفةً بتعجب:
- إيه ده يا حبيبي؟!
تنهد "حاتم" ببعض الراحة، مردفًا بإبتسامة خفيفة:
- ده عقد لأسهم تمتلكيها بقناة تلفزيونية شهيرة.
ضيقت "هايدي" عيناها بعدم فهم، هاتفة:
- مش فاهمة... أسهم إيه؟! ...و قناة إيه؟!...

إلتقط يدها ليقبلها بعشق، مردفًا بإبتسامة حانية:
- دي هدية جوازك يا حبيبتي ... وبعدين مش إنتي خريجة إعلام برضه؟... يعني تفهمي في الموضوع ده، وده شغلك... بس خودي بالك، ماعنديش ستات تشتغل مذيعة، يعني أخرك شغل إداري فقط.

رمقته بنظرات عاشقة، هامسةً بسعادة:
- إنت عملت كل ده عشاني؟!... يعني بجد إنت بتحبني؟
نظرات متيمة، ولهة كانت جوابه، فالكلمات ذابت بين الشفاه حينما أقترب منها بشغف لينقض على شفتيها بإشتياق عاشق متيم، ويغوصا سويًا ببحر عشقهما الهائم.

غرفة الطعام.
إجتمع الجميع حول مائدة الطعام التي تترأسها "فريدة" من طرف، والطرف الآخر "ثائر" وإلى يمينه "همس" وإلى يساره عبد "العزيز " و "حنان" و "عمر"، أما إلى جوار "همس" فجلست "ضحي" وإلى جوارها "خالد". أما "هيا" و"حمزة" فإلي جوار "نجلاء" التي إحتلت مقعدها إلى يمين "فريدة"، أما مقاعد "حاتم" و "هايدي" فمتأهبةً لإستقبالهما بشغف إنضمام تلك الأميرة إلى طاولة طعام عائلة "السيوفي".

قطعت " فريدة" قطعة من الزبد ودهنتها بقطعة من الخبز المحمص لتأكلها بتلذذ مردفة بسعادة:
- ما شاء الله، كانت ليلة تحفة إمبارح، و كمان بابا "هايدي" راجل طيب ومحترم قوي .
لاكت "نجلاء" الطعام بفمها وإبتلعته بهدوء مردفةً بتأييد:
- عندك حق والله ياماما فعلا طيب وبشوش، حاسة إنه عشرة عمر مش أول مرة نشوفه ، وكمان ما شاء الله مع إن ليلتهم كانت عائلية، بس كانت حلوة قوي.

بينما وضع "عمر" قطعة الجبن بفمه، مردفًا بتهكم:
- والصراحة طنط طيبة قوي وماقدرتش تبعد عن عمو ، ماصدقت تجوز "ديدا" وعلي الفجر كانت مسافرة معاه.
رمقه "عبد العزيز " بنظرات عاتبة، وأردف بجدية:
- الست مالهاش إلا جوزها يا"عمر"، يعني المكان اللي جوزها موجود فيه، لازم تكون موجودة فيه، وده طبعًا إذا أمكن... وبعدين والدة "هايدي" كانت قاعدة في مصر عشان "ديدا" وجامعتها، يعني أكيد آن الأوان إنها تكون جنب جوزها.

وإستندت "حنان" بساعديها أعلى سطح الطاولة، مرددة بتأييد:
- عندك حق يا "عبد العزيز "
لتلتفت نحو الفتيات بنظراتها الحانية، مكملةً:

- فعلًا، الست لازم تكون جنب جوزها فين ماكان مايكون، ولازم تكون جانبه في المُرة قبل الحلوة، وبنت الأصول اللي عمرها ماتحسس جوزها أنه مقصر معاها يوم، ولا عمرها في يوم تقصر في حقه... و لا تيجي يوم تمن عليه بفضلها أبدًا ، أو إنها إتحمله في أوقاته الصعبة... الست الأصيلة، اللي سر بيتها مايخطيش عتبته، ولايوم تنيم جوزها منها زعلان... دايما تكون الضحكة اللي بتهون عليه شقا يومه، تكون ليه بر الأمان اللي بترسي عليه سفينته آخر النهار.

إلتفت كل زوجين بأنظارهما لبعضهما البعض، نظرات عاشقة متبادلة، نظرات إمتنان وشكر للمولي عزوجل بأن تكرم عليهم وأغدقهم بفائض فضله وكرمه، بأن رزقهما زوجًا وزوجة صالحة، ليميل "ثائر" نحو "همس" هامسًا بخفوت وعشق جارف:
- ربنا يخليكي ليا يا أجمل هدية جاتلي في حياتي.

مالت نحوه هي الأخري بدهشة مصطنعة، وضيقت عيناها بإستنكار مردفةً:
- أنا أغلى هدية؟!... أومال البامبينو اللي كلها كام شهر وينور حياتنا ده يكون إيه؟!
إلتقط "ثائر" يدها، وإحتضنها بقبضته الحانية، مردفًا بسعادة:
- ده نعمة ربنا علينا، وأكيد مفيش حد في سعادتي إن ربنا كرمنا بالبيبي ده، بس سعادتي الأكبر إنه منك إنتي يا "همس"... ولو ربنا كرمنا بعشر أطفال حتى، هتكوني إنتي أغلى هدية فيهم، وتكوني إنتي دايما وأبدًا طفلتي وأميرتي المدللة.

إشتعلت وجنتاها خجلًا، وطوفت وجوه الجميع بنظراتها المرتبكة، لتجد كل منهم مشغول بطعامه، أو ربما يتصنعون التركيز بطعامهم، لتتملص بيدها من قبضته بهدوء وخجل، إلا أنها وجدت يدها ترتفع بين يده حتى إستقرت أعلى شفتاه، ليدمغ قبلته العاشقة، فسرت تلك الرجفة القوية بأوصالها، لتصاحبها خفقات قلبها الثائر.

حينما وضع "حمزة" يده بحنان يتلمس موضع جنينها بسعادة، همس إلى جوارها بعشق:
- عايز بنت، وتكون شبهك يا "يوكا"، وتكون واخدة منك كل حاجة حبيتها فيكي، حاجات لو قعدت أعد فيها للصبح مش هتخلص... عارفة إنك الوحيدة في العالم اللي من دمي، وحتة مني، وده لحد الآن يعني، لحد ما" يوكا" الصغنونة تشرف حياتنا وتنورها...
وتنهد بسعادة مكملًا:
- ربنا يخليكوا ليّا يا أحلى ما في حياتي.

وضعت "هيا" يدها أعلى يده بعشق وغرام، لتذوب ببحر عيناه التي أسرتها لسنوات وسنوات، وهمست بعشق متيم:
- ربنا يخليك لينا يا أغلى ما في حياتنا... ربنا يخليك ليا ياحبيبي.
بينما مال "خالد" بجذعه نحو "ضحي" ، ليهمس إلى جوارها بعشق متيم، أطال بعده وجفائه:
- أجمل حاجة حصلتلي في حياتي، إنتي يا "دودي"... بحبك.

أتفوه بها ذلك الأبله؟!... فمنذ تلك الليلة المشؤمة وهو يتلاشى الحديث معي!... يتلاشى النظر إلى عيناي!... يتلاشى الإقتراب إليْ!...
مايقارب الشهر يتجاهل البوح بما يجول بصدره من حديث!
رغم كل هذا، فهو دائمًا مايغدقني بحنانه الفياض، دائمًا مايجذبني إلى وطني الآمن، لأستقر بين ذراعيه فأغط بسباتٍ عميق.
أرى لهفته وشوقه بمقلتاه، إلا أنه يفضل الإبتعاد،و لايقوي على المواجهة...

أحيانًا أمقت هذا الفتور، وتلك اللامبالاة، لأجده يحاوطني بسيل عشقه الصامت، فطوال تلك الفترة وهو يزاولني بمشاعر متناقضة!.
سرى ذلك الإرتباك الطفيف بأوردتها، لتلتقط قطعة خبز وتلتهمها بتوتر، دون إبداء أية ردة فعل على ما أطربها به معشوقها. ليتنهد "خالد" بيأس، وقلة حيلة، مطوفًا "ضحي" بنظراته المستنكرة وأردف بدهشة:
- براحة يابنتي ، إنتي تخنتي! وكده من لطيف، هتخليني أغير رأيي.

إلتقطت "ضحي" بيضة لتقضم نصفها وتلوكه بلامبالاة، لتنفرج إبتسامة خفيفة على ثغر "خالد"، ويلتقط منها النصف الآخر، ويتناوله بتلذذ مردفًا بسعادة:
- طعمها حلو قوي يا "دودي".
بينما قطع حوارهما رنين هاتف "ثائر" الذي إلتقطه بحماسة وثبات ، ليجاوبه الطرف الآخر بما أسعد ملامحه، ليُنهي الإتصال مردفًا بثبات وسعادة:
- مبروك يا "عمر"... ٩٨ ٪، يعني نقدر نقول.. مبروك ياباشمهندس "عمر".

هب "عمر" من مقعده بسعادة ودهشة، مردفًا بإنكار:
- إنت بتهزر يا "ثائر"؟!... النتيجة لسه هتظهر بكره... طب إحلف .
نهض "ثائر" من مقعده، بعدما صدح هاتفه بإستلام رسالة، ليفض سطورها بعينيه، ويوجهها صوب "عمر" الذي إلتقط الهاتف بدهشة وذهول، فقد كانت تلك الرسالة بيان تفصيلي لدرجات "عمر" ليتأكد من صحة إدعاء "ثائر". تقافز بسعادة وفرحة، صارخًا بحماس:
- نجحت... نجحت يابشر... نجحت يا" زيزو"... نجحت يا "نونا"... نجحت ياقوووم.

نهض الجميع فرحين لنجاح ذلك المشاكس الذي سكن قلوبهم وإستعمرها بطيبته، ومشاكسته، وروحه المرحة، لتركض "همس" و "ضحي" و "هيا" صوبه، وتعالي غنائهن السعيد:
- الناجح يرفع إيده... هى... نغني في عيدنا وعيده... ونقول ونقول... ناجحين على طول... ونجاحنا يطووول
بينما ركض "عمر" نحو والده، وإنحني إلى يده ليقبلها بإحترام وتقدير. أمسد "عبد العزيز " على رأسه، مردفًا بسعادة تتخطى حدود قلبه:
- مبروك يا حبيبي... ألف مبروك ياباشمهندس.

إستقام "عمر" بوقفته، وأشار بسبابته إلى أعلى مردفًا بزهو وتفاخر:
- لا... حضرة الظابط "عمر عبد العزيز ".
وركض نحو "ثائر" بسعادة، ليرتمي إلى أحضانه صائحًا بإمتنان:
- شكرًا يا وش الخير... شكرًا يا "ثائر".
شدد "ثائر" من إحتضانه، مربتًا على ظهره برجولة وحماس، ومردفًا بفخر لذلك "العمر":
- إنت تستاهل كل خير يا "عمر"، طلعت قد المسئولية.

إبتعد عنه قليلًا وأخرج من جيب سترته مفتاحًا، ليحركه مقابلًا لوجه "عمر" مردفًا بسعادة:
- ودي هدية نجاحك مني ومن "همس".
لتتفاجأ "همس" بذلك الأمر، لكن سرعان ما تصنعت المعرفة، وطوف "عمر" ذلك المفتاح بدهشة ، ليستقر بأنظاره نحو "ثائر" مردفًا بدهشة:
- مفتاح إيه ده؟!

إلتقط "ثائر" يد "عمر" ووضع بها المفتاح، مردفًا بثبات:
- مفتاح عربية آخر موديل، هدية نجاحك.
إتسعت إبتسامة "عمر" الممتنة، ووضع المفتاح بيد "ثائر" مردفًا بسعادة:
- فرحتك ليّا أحسن هدية عندي يا "ثائر"، لكن سامحني مش هقدر أقبل هدية غالية زي دي، لأني مش هقدر أردها على الأقل حاليًا.
أعاد "ثائر" المفتاح إلى "عمر" مرددًا بمحبة وأخوة صادقة:
- أعتقد مفيش أخ بيستني أن أخوه يرد الهدية، ودي مني ومن "همس"، يعني من إخواتك.

إبتسم "عمر" إبتسامة ممتنة، وردد بمحبة:
- أكيد أنت أخويا ودي عيلتي، بس والله ماهقدر أقبل هدية بالشكل ده.
لتنفرج إبتسامة فخورة من الجميع بذلك الشاب العزيز النفس، أما "همس" فإتجهت نحوه وإحتضنته بفخر، وإمتنان لكبريائه.
إبتعد عنها قليلًا ليسيطر على تلك الدمعة التي أوشكت على التمرد. فحقًا... كم إشتاق إلى حنان وعطف شقيقته، ليردف بمزاح:
- كده بقا أقطع علاقتي بـ "بسنت" وأنا ضميري مرتاح.

لتتعالي ضحكات الجميع بسعادة عمت أرجاء المكان، حتى أردف "عبد العزيز " على إستحياء:
- نستأذن إحنا بقا، ومرة تانية ألف شكر على حسن الإستقبال، وإبقوا باركوا للعرسان بالنيابة عننا.
أجابته "فريدة" برجاء:
- خليكوا معانا شوية، مالحقناش نشبع منكم.

وإتسعت إبتسامة "حنان" الممتنة، مردفة:
- معلش والله يا ماما، لازم نرجع البيت، وكفاية إننا بيتنا هنا إمبارح.
بينما إقتربت منها "نجلاء"، وربتت على كتفها مردفةً بتذمر مصطنع:
- ماتقوليش كده تاني يا "نونا"، ده بيتك، وليكي فيه زينا بالظبط.

إنفرجت إبتسامة "حنان"، وربتت على يد "نجلاء" مردفةً بإمتنان:
- ربنا يديم المحبه والمعروف والأخوة بينا يارب... بس إسمحولنا إحنا، وزي ما "أبو همس" قال:
- إبقوا باركوا لـ "حاتم" و "ديدا" لحد مانشوفهم.
ودعوا الجميع، متجهين نحو سيارة خصصها "ثائر" لهم، لتودع "همس" أسرتها حتى إنطلقت السيارة وغادرت القصر ، لتجد من يجذب يدها برفق إلى سيارته التي فتح بابها بإبتسامة عذبة، مردفًا بعشق:
- ممكن أميرتي الجميلة تركب العربية.

إلتفتت نحوه "همس" بدهشة، مردفةً بتعجب:
- هنروح فين؟!
همس "ثائر" إلى جوارها بعشق:
- شوية وهتعرفي.
وإستقلا السيارة سويًا، وإنطلق "ثائر" إلى مقصده.

مكان ما، ببناية ما.
صف "ثائر" سيارته أمام تلك البناية، وإلتقط تلك العصابة البيضاء، ليقترب بجذعه من معشوقته محاوطًا رأسها بكلتا يديه لتسكن أحضانه ووطنها الآمن مغمضةً عيناها بإستسلام، مستنشقةً عبق عطره الذي يُهلكها لآخر ذرات كيانها، لتتنهد بوله وشوق آسر لنبضات قلبه الصارخ بأحرفها المتيمة، أما ذلك الثائر فأخذ يعصب تلك العصابة حول عينيها برفقٍ و عشق؛ حتى إنتهى من إتمام عصبتها، وسط سكونها بين ذراعيه، لتنفرج إبتسامته العاشقة لحال معشوقته، فدنى من وجنتها، ليدمغ قبلته المطمئنة بعشق ، وإبتعد عنها قليلًا مردفًا بسعادة وثبات:
- لحظة واحدة.

وغادر سيارته موصدًا بابها برفق، ليستدير حول السيارة إلى أن وصل إلى بابها وفتحه بهدوء، ملتقطًا يد معشوقته بحنان، ومحاوطًا كتفيها بذراعه الحانية، وغادرا السيارة ليستقيما بوقفتهما أمام تلك البناية، وهمست "همس" بتوتر وإرتباك:
- إحنا فين يا "ثائر"؟!... وليه غطيت عيوني؟!
شدد "ثائر" من ضمها إلى صدره، وأردف بخفوت إلى جوارها:
- بتثقي فيّا؟

إلتفتت برأسها نحوه بحركة لا إرادية، ورمقته بعيونها المعصوبة، كأنها تغوص ببحر هواه الآسر، هامسًا بعشق جارف:
- أكتر ما بثق في نفسي.

لتنفرج إبتسامته العاشقة لعلمه المسبق بجوابها، وهذا ما يتيقن منه حقًا، وإقترب من جبينها دامغًا قبلته العاشقة مستنشقًا شذاها بولهٍ مغرم، ليخطو بها صاعدًا بضع درجات رخامية، تليها أخرى، حتى إستقلا مصعدًا للحظات ولا زالت تتشبث بوطنها الآمن، حتى توقف المصعد و غادراه سويًا ، ليخطوا بضع خطوات أخرى حتى توقفا تماما، فأزال "ثائر" العصابة عن عينيها، وحركت هي أهدابها المهلكة لعدة مرات حتى إعتادت على إضاءة المكان، لتستقر عيناها المندهشة نحو تلك اللافتة المزينة بحروف "Hams El Radio" ...

نعم... كما جال بأذاهانكم!
لقد أسس محطة إذاعية خاصة بها.
تسارعت دقاتها الفرحة، وتدلي فكها أرضًا، لتموت الحروف والكلمات بشفتيها، فلا تنصرها للبوح بمكنونات صدرها، فكان الناصر الأكبر لها أنها إستدارت نحوه وألقت ذاتها داخل أحضانه متشبثة بذراعيها بعنقه بقوة، لترفع ساقيها عن الأرض ويشدد هو من إحتضانها بحنان ورفق، متنهدًا بسعادة وراحة عاشق تمكن من إسعاد معشوقته، ولو بقدر قليل، لتصيح هي بعشق جارف:
- بحبك يا "ثائر"... بحببببببك.

سعادة لا تضاهيها سعادة بالعالم، حتى لو فاز بمئات المناقصات بعمله، حتى لو حقق مليارات الدولارات كأرباحٍ يومية، فكل هذا لا يأتي نقطة ببحر سعادته لأجل تلك اللحظات، التي تسكن هي أحضانه، مُعلنةً عشقها وتملكها، ليهمس إلى جوارها بنبرة أشعلتها خجلًا:
- بعشقك "همسي".

تشبثت به بقوة وتملك أقوى، ولما لا وهي تستوطن قلب عاشق متيم؟!... تستوطن قلب رجل تمنته نساء العالم!...
تستوطن قلب ثائر سكن لهمسها!... تستوطن قلب "ثائر السيوفي "!.
وضعها أخيرًا أرضًا برفق، هامسًا بعشق ومزاح:
- طيب نعمل حساب لـ" همس" الصغيرة، وبلاش تهور كده يابنت الناس.
إستقامت بوقفتها، مربتةً بحنان موضع جنينها، مرددة بتذمر طفولي:
- لو سمحت... ده "ثائر" الصغير، يعني اللي هيحبني ويدلعني هو وباباه.

قطب "ثائر" جبينه بغضب، رافعًا أحد حاحبيه بإستنكار، مردفًا بإعتراض:
- يدلع مين يا حلوة؟!...
لا... أنا كده أغير، إنتي مدللتي فقط... يعني ولا ألف عيل يقدر يشاركني في دلالك أميرتي.
وجذب يدها دالفًا إلى الداخل، مردفًا بجدية:
- بلاش السيرة دي دلوقت لو سمحتي، خلينا في اللي إحنا فيه.
تعالت ضحكات "همس" المرحة، فتلك المرة الأولى التي تستشعر بها غيرة "ثائر" وتملكه.

وطوفت المكان بسعادة ودهشة خالطها الذهول، فالمكان حقًا مُعد ليكون أكبر محطة راديو بالشرق الأوسط، مجهز بأحدث الأجهزة، و الإستديوهات، والمكاتب، لتلمح بصدارة الإستديو ذلك المكتب المزين بلافتة ببابه تحمل حروف إسمها " أستاذة /همس عبد العزيز "، ليتراقص قلبها طربًا بين أضلعها ، فركضت نحوه متشبثةً بعنقه ثانيةً، ليحاوطها بسعادة وعشق، مردفًا بمزاح:
- لو كنت أعرف إن كل خطوة هتكون بين أحضاني، كنت عملته من أول يوم شوفتك فيه.

إبتعدت عنه قليلًا ولكمته لكمة خفيفة بصدره، مردفةً بخجل:
- بطل غلاسة بقا.
لتتعالي ضحكاته الرجولية التي دوت بأرجاء المكان فزلزلته طربًا، وزلزلتها عشقًا، ليردف بتقطع:
- غلاسة! ... "ثائر السيوفي " يتقاله غلاسة!، طب لو حد سمعك من الناس اللي شغالة معايا، يقول عليّا إيه؟!
هامت بضحكاته الآسرة، وملامحه المتوهجة، فهو دائمًا ما ينجح بأسر أنفاسها، لتتنهد بسعادة، مردفةً بتذمر طفولي:
- "ثائر السيوفي " على أي حد، مش على "همسه".

لتتوقف ضحكاته بشكل مفاجئ، ورمقها بسعادة عاشقة، ملتقطًا يدها ليدمغها بقبلته المتملكة، مردفًا بتأييد:
- أكيد... مش على "همسه"... بس ممكن أسألك سؤال يا "همس ".
ضيقت عيناها بدهشة، هاتفةً بتأكيد:
- مش محتاج تاخد رأيي... إسأل وأنا هجاوب.
إلتفت قليلًا حتى أصبح مقابلًا لها بملامح أكثر جدية وثبات، وأردف بدهشة بعض الشئ:
- اللي عرفته إن يوم ما الصور وصلت على تليفوناتكوا، كل البنات ثارت وصدقت اللي شافوه، وإنتي الوحيدة اللي كذبتي عيونك، وكذبتي الصور دي، وحتى لما روحتي معاهم الشقة كان عشان ماتسبيهومش لوحدهم في موقف زي ده، وكمان عشان تثبتلهم صحة كلامك، مش شايفة ده موقف غريب شوية؟!

إلتمعت عيناها بدمعات متمردة، وتنهدت بقوة في محاولة ناجحة للسيطرة عليها، عاقدة ذراعيها أعلى صدرها، لتحتضن ذاتها وتبث بعض الآمان لروحها المطعونة ، هاتفةً بإستنكار من كلمته الأخيرة:
- غريب شوية؟!

وتنهدت ببعض العتاب، مردفةً بعشق:
- لأ مش غريب ولا حاجة، لو تعرف "ثائر السيوفي " زي ما أنا أعرفه، هتتأكد إنه عمره مايعمل حاجة خسيسة زي دي؛ حتى لو شفته بعنيك... "ثائر" اللي إتجنن لما عرف إن ممكن يكون الحيوان إبن عمي لمسني، وفـ نفس الوقت خاف على أبويا من الصدمة... "ثائر" اللي كنت قدامه ومعاه في أوضة واحدة وعمره مافكر يقرب مني غير برضايا... " ثائر" اللي عنيه مليانه عشق وأمان ووعد إن عمره مايخون ثقتى فيه... " ثائر" الوطن لكل عيلته وكل اللي في رقبته... "ثائر" الأمان والحماية لأخته، و مامته، وجدته، ومراته..." ثائر" اللي طول ما كان عازب ومش في رقبته وقلبه بنت، عمره ما عمل اللي يغضب ربنا... يبقى يوم ما تكون في حياته "همس " اللي بتثق فيه أكتر من روحها، هيخون الثقة دي؟! .

نظرات عاشقة إحتضنها، فكم هو محظوظ بتلك الزوجة الصالحة..، لتهمس "همس" برجفة صوت أدمت قلبه:
- بس عارف أكتر حاجة وجعتني إيه؟ ، حتى لو كانت غصب عنك!...
إن واحدة غيري حست حضنك ولمسته.
ليجذبها نحو أحضانه بقوة، فتشبثت بكلتا قبضتيها بسترته، وسالت دمعاتها العاتبة، مردفةً بنبرة متملكة:
- ده مكاني، وسكني يا "ثائر".
شدد من إحتضانها، مستنشقًا شذاها بعشق، وإحتبسه بين ثنايا قلبه للحظات، متنهدًا بأسي:
- أنا أسف يا كل عمري... أسف...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة