قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل الحادي والعشرون

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل الحادي والعشرون

قطب "حمزة" جبينه بدهشة، ليرفع عيناه مستنكرًا تسللها وإرتباكها...
تسلل بهدوء ليتبع خطواتها الحذرة بدهشة وإستنكار. ليجدها توقفت أمام متجر كبير لحلوي الأطفال، فدلفته بسعادة، لتلتقط تلك السلة المتوسطة الحجم وتبدأ بتعبئتها بالكثير من الشيكولات والبسكويت والعصائر المعلبة وكذلك رقائق البطاطس المقرمشة.

إنتهت من تسوقها، لتحمل تلك الأشياء بأكياس بلاستيكية، وتغادر بسعادة غامرة بعدما دفعت جميع ما إمتلكته من نقود.
بينما تابع "حمزة " خطواتها بحذر، إلى أن صلت إلى مجموعة كبيرة من الأطفال، لتتوسطهم بسعادة، وتبدأ بتوزيع الحلوى عليهم جميعًا بسخاء ، فتعالت ضحكاتهم المرحة؛ التي إمتزجت بضحكاتها التي أطربتها سعادة وفرحة.

بينما إستند "حمزة" بظهره على ذلك الحائط، عاقدًا ساعديه أعلى صدره وإبتسامة الفخر والإعجاب تزين ملامح وجهه. راقب سعادتها بتلك الغمرات الرقيقة من هؤلاء الأطفال، وبعض القبلات الممتنة منهم أيضًا.
صيحات وهتافات الأطفال عمت المكان ودوت أصدائها ببئر عميق مجهولة غياباته ألا وهو قلبها، ليتراقص فرحًا وسعادة.
دقائق وإنفض الأطفال من حولها وقفزات السعادة تعلو بهم وتهبط أرضًا، لتتبع أثارهم بنظراتها المبتسمة.

إقترب منها بإبتسامته العذبة، وعلامات الإعجاب قد تملكت من ملامحه، ليردف بدهشة :
-أكيد اللي عملتيه ده حاجة كويسة جدًا، إنك تفرحي الأطفال دي وتسعديهم، بس ممكن أسألك... ليه عملتي كده؟!

طوت تلك الأكياس الفارغة بيدها بهدوء، لتتنهد براحة، مردفةً بإبتسامة :
-قلبي كان مليان فرحة عشان "ضحي"،.... وقد إيه حسيت إن فرحتها دي جت في الوقت المناسب عشان تخرجها من حالة حزنها على باباها، وإنها فعلًا كانت محتاجة يكون لها سند في الحياة...... عشان كده قولت لازم أفرح حد معايا، فشوفت الأطفال دي بيلعبوا وكان فيهم طفل بيبص على الطفل ده (أشارت بسبابتها نحو طفل صغير يتناول بعض رقائق البطاطس بسعادة ) فكان لازم أفرحه.

ليردف "حمزة" ببعض الخبث :
-بس كده تقريبًا خلصتي كل الفلوس اللي إدهالك "ثائر" بالعافية.
إبتسمت "ملك" بسعادة، لتردف بجدية مصطنعة :
-لأ ما أنا إن شاء الله هنزل شغل من بكره، أكيد هطلب سلفة من المدير بتاعي لحد ما أخد أول قبض.

قطب "حمزة" جبينه بتفكير، مرددًا :
-بس مفيش شغل هيديكي سلفة كده من أول يوم شغل .
لتومأ رأسها بجدية، مرددة :
- ما تقلقش المدير راجل طيب لو حكيت له على ظروفي هيوافق على طول.

أردف "حمزة" بجدية هو الآخر :
-لو ضايقك قوليلي بس وأنا أظبطهولك.
لتتعالي ضحكاتها المرحة مردفةً بمشاكسة :
-لا يا عم ده راجل طيب، إوعي بس يسمعك هو اللي يجي يظبطك على طول.
وإستمر المزاح بينهما طويلًا لتدوي ضحكاتهم بأرجاء ذلك الحي الهادئ.

منزل "عبد العزيز ".
إنصرف الجميع إلى منازلهم، ليدلف" ثائر" و "هيا" وكذلك "خالد" و"ضحي" إلى شقة "عبد العزيز" والسعادة تملأ قلوبهم. جلس الجميع بغرفة الصالون، لتدلف إليهم "حنان" ببعض العصائر، مردفةً :
-"همس" عاملة إيه يا إبني؟.... أكيد أجلتوا السفر عشان كتب كتاب "خالد" .

أردف "ثائر" بثبات :
-الحمد لله كويسة بتسلم عليكوا، كانت عايزة تيجي معايا، بس طبعًا حضرتك عارفة الأصول، إنه مايصحش تيجي البيت هنا يوم الصباحية.
ليربت "عبد العزيز" على كتفه بود، مرددًا :
-أكيد يا إبني الأصول ما نقدرش نحيد عنها، بس أهم حاجة تحطها في عنيك، أنا عارف إنك مش محتاج توصية.

بينما إلتفت "ثائر" نحو "ضحي" و"خالد" ليردف محاولًا تغير مجري الحديث :
-ها ناويين على إيه؟... هتيجوا معانا القصر النهاردة ولا هتباتوا هنا وتيجوا الصبح؟
أردفت "ضحي" بجدية :
-لأ طبعًا هبات هنا، وأخوك هيروح معاك.

ليعقد "خالد" جبينه رافعًا أحد حاجبيه بإستنكار، مرددًا:
-يروح مع مين يا روح طنط؟!....
رجلك على رجلي يا قطة، هو دخول الحمام زي خروجه، عندك حل من الإتنين يا تيجي معايا من النهارده، يا هبات معاكي هنا ومن الصبح بدري نطلع على القصر.

نهضت "ضحي" من مقعدها غاضبة ، لتهتف مستنكرة :
-تبات فين يا إبني إنت؟!! إنت هتهزر ولا إيه؟!!.. روح مع أخوك محدش هيبات هنا، عايز الناس تاكل وشي ولا إيه؟! .
هب "خالد" هو الآخر من مقعده، ليهتف بإستنكار أقوى :
-تاكل وشك إية يا متخلفة إنتي!!... أنا جوزك يا هبلة!!!

لتهتف "ضحي" بغضب بدأ يتصاعد تدريجيًا :
-إحترم نفسك.... إيه جوزك دي؟!!!
أنا مش جوز حد.
جذبها "خالد" نحوه من ياقة فستانها، مردفًا بسخرية :
-ليه يا ختي كنتي واخدة أجازة ولا إيه؟!!! ولا يكونش شربتك حاجة أصفرا وكتبنا الكتاب من غير ما تحسي؟!!

لتدفعه "ضحي" عنها قليلًا، لكنه لم يتزحزح قيد أُنملة، فتهتف بغضب :
-أيوه أنت ضحكت عليا وكروتني، معرفش إزاي وافقت عليك أصلًا ؟!!

حينها حركها "خالد" للأمام وللخلف بقوة ، هاتفًا:
-وافقتي على مين يا بت إنتي، ده إنتي كنتي هتموتني عليّا، وإنتي اللي ضحكتي عليّا وإتغرغرتي بيّا عشان تتجوزيني، وجريتي جيبتي المأذون وخلتيني أكتب الكتاب.

لكمته "ضحي" بقوة، مردفةً بإستنكار:
-إتغرغرت بمين يا أهبل إنت؟!!!... وبعدين المأذون ده نفسه هو اللي هيجي يطلقنا ودلوقتي حالًا.... فاهم.

ليلكمها "خالد" في كتفها بخفة، هاتفًا :
-يطلق مين يا متخلفة إنتي؟!!!... أنا لسه لحقت أتجوز عشان أطلق، ده إنتي أيامك بيضا معايا.... يلا إنجري لينا شقة تلمنا.
دفعته بكامل قوتها، لتطرحه أعلى تلك الأريكة وتفر هاربةً إلى شقتها، وسط ضحكات الجميع، ونظرات "ثائر"المتألمة، لينهض سريعًا مردفًا:
-طيب نستأذن إحنا بقا يا عمي، يلا يا "يوكا"... وإنت يا "خالد" خليك مع مراتك.

قصر "السيوفي".
جلست بغرفتها وقد تملك الملل منها، شعورها بالوحدة والعزلة إستوطن قلبها، فما تعيشه الآن لم يكن بأسوأ كوابيسها، لطالما حلمت بالعشق يعم عالمها الخاص، والسعادة تُنير دربها، لطالما تمنت أن تستكين بين أحضانه، وتستشعر دفء قلبه. أقسمت أن تغدق عالمه بعشقها الخاص، أن تأخده لعالم صُنع خصيصًا لهما، ليعيشا سويا لحظاتهما بعيدًا عن العالم بأسره.

أقسمت أنها إشتاقت لعشقه المتوهج بحدقتاه، فالآن نيران الغضب تطمس معالمه. إلا أنها تستشعره في رجفة قلبه قربها..
لكن ماذا حدث ليتحول عشقه إلى غضب وإنتقام؟!!
نهضت من مقعدها لتستكشف الغرفة قليلًا، حتى ساقتها قدماها نحو خزانة ملابسه، فعبق عطره أسرها وأسكرها حد الثمالة.

لتقترب من ثيابه التي تحتضن عطره بين ثنايا أنسجتها، فتلتقطها بيدها الصحيحة وتقربها من أنفاسها الملتهبة إشتياقًا له، تستنشق عطره بهيام، لتحتبسه بين جنبات صدرها مغمضةً عيناها بولهٍ وغرام.

إبتعدت عنها قليلًا لتضمها نحو قلبها الثائر وتلك الإبتسامة العاشقة إستوطنت معالم وجهها، لتهمس بهيام :
-بحبك..... ومتأكدة إنك بتحبني.... وأكيد فيه مبرر قوي لتصرفاتك دي...
لتُقاطع تلك الطرقات الهادئة لحظتها الهائمة، فتبتعد عن ثيابه برجفة خفيفة، مردفةً بتلعثم دفين :
-إدخل.

بينما فتحت "منة" باب الغرفة وطلت منه بإبتسامة خفيفة، مردفةً :
-ممكن أدخل؟
بادلها "همس" الإبتسامة، مردفة بحفاوة :
-أكيد... إتفضلي يا حبيبتي.

دلفت "منة" إلى الغرفة، تاركةً الباب مفتوح على مصرعيه، لتردف بإسترسال :
-كلهم راحوا كتب الكتاب المفاجئ ده، ومفيش غيري أنا وإنتي في القصر، فقولت آجي ندردش سوا لو مفيش عندك مانع.

لتهتف "همس" بترحاب :
-يا خبر... مانع إيه!!... لأ ده إنتي تنوري.... إتفضلي إقعدي.
وإتجهتا سويًا نحو تلك الأريكة، لتردف "همس" بمودة :
-لحظة واحدة هجيب عصير نشربه.

إلا أن "منة"جذبتها نحو الأريكة للجلوس، مردفةً :
-ماتتعبيش نفسك يا حبيبتي... أنا هجيب العصير إقعدي إنتي عشان إيدك.
وإتجهت نحو ذلك البراد الصغير بركن الغرفة، لتفتحه وتلتقط منها عبوتين من العصائر المعلبة، وتستدير متجهة نحو "همس"، لتجلس إلى جوارها.

كما فتحت إحداهما وناولها لـ "همس"، وفتحت الأخرى، لتبدأ في تناول رشفات خفيفة منها، مردفة بإبتسامة :
-نورتي القصر يا حبيبتي.
أجابتها " همس" بإبتسامة خجولة :
-منور بأهله وناسه.

لتهتف "منة" بتعجب، ومكر:
-عارفة رغم إني عشت معاكي في نفس الحي شهرين، بس عمرنا ما إتكلمنا خالص، لو كنا إتكلمنا كان زماننا بقينا أصحاب...
بس يلا ملحوقة إحنا فيها وبقينا عايشين في بيت واحد، يعني أكيد هنكون أصحاب.

أردفت "همس" وتلك الإبتسامة لم تفارقها بعد :
-أكيد يا حبيبتي، وهنكون إخوات كمان وأكتر.
لتربت "منة" بيدها على ساقها، مردفة بمكر أقوى :
-أكيد يا حبيبتي أكيد... .... بس أكيد إنتي زعلانة عشان شهر العسل إتلغي ومعرفتوش تسافروا.؟

إعتدلت "همس" بجلستها، وهي تردف بإبتسامتها المشرقة :
-خالص والله ده حتى "ثائر" كان مُصر إننا نسافر وأنا اللي أقنعته نأجلها شوية لما أفك الجبس عشان نعرف نتبسط.

هتفت "منة" بتأنيب، وتوبيخ لـ "همس":
-إنتي كده غلطانة يا "همس" الراجل ما بيحبش الست الكئيبة، زمانه زعل إنك ضيعتي عليه شهر العسل...، ما إنتي عارفة الرجالة بقا .

بينما شردت " همس"قليلًا وقد إنطفأت إبتسامتها، وقد حلت محلها تلك النظرة المتألمة، لتصدح تلك الدقات الزينة، التي تبعها دلوف "ثائر" بكبريائه وغموضه، مردفًا :
-السلام عليكم.

بادلته الفتيات التحية، ليقترب "ثائر" منهما ويجلس إلى ذراع الأريكة، محتضنًا كتفي "همس"، وهو يقبل جبينها بحنان، مردفًا بعشق غلف أحرفه :
-عامله إيه دلوقتي يا حبيبتي؟
رفعت عيناها نحوه بدهشة، وتلك القشعريرة القوية تمكنت من أوردتها، لتهمس بحمحمة :
-الحمد لله... كويسة.
بينما نهضت "منة" من مجلسها وتلك الإبتسامة المرتبكة تنهش ملامحها، لتردف بجدية مصطنعة :
-ماشي أسيبكوا أنا بقا.... بعد إذنكوا.

ليومأ "ثائر" برأسه وإبتسامته لازالت تعتلي ملامحه بإحترافية. وتابع أثرها بهدوء إلى أن غادرت الغرفة وأوصدت الباب خلفها، ليدفعها بعيدًا عنه وقد تحولت ملامحه إلى وحش كاسر، وسط نظرات الصدمة والإنكسار منها.

غرفة "حاتم"
دلفت "منة" إلى غرفتها بشرود وعلامات إستفهام كثيرة إستوطنت عقلها. فالظواهر تؤكد أن هناك أمر ما بالعلاقة بين "ثائر" و "همس" ، لكن بريق العشق بعينيه يؤكد ولعه بها وغرامه النابض بعشقها...

لتجد من يحتضنها من الخلف دافنًا رأسه بعنقها، ليستنشق شذا عطرها الذي لازال يسكره ويُحيه، وهو يهمس بعشق :
-كنتي فين يا حبيبتي؟!!... دورت عليكي في القصر كله؟
إستدارت نحوه لتحاوط عنقه بذراعيها، محركة رأسها يمينًا ويسارًا :
-كنت عند "همس" يا حبيبي، كلكم كنتم في كتب الكتاب ومفيش غيري أنا وهي في البيت، فروحت أقعد معاها.

إقترب من وجنتها ليدمغ قبلته العاشقة، مردفًا بعتاب :
- كان زمانك معانا بس إنتي اللي مارضتيش تيجي يا حبيبتي.
لتبتعد عنه وهي تستدير نحو طاولة الزينة الخاصة بها، وتبدأ بنزع حُليها وزينتها لتضعها بصندوق خشبي متوسط الحجم ومزخرف بالنقوش الإسلامية، متنهدة بهدوء :
- معلش يا حبيبي... كنت حاسة بشوية تعب، فقولت أريح شوية.

إقترب "حاتم" منها، مردفًا بقلق :
-سلامتك يا حبيبتي مالك؟!!.... أتصل بالدكتور يجي يطمني عليكي.
لتتشبث بيده محركةً رأسها بنفي، وهي تردد:
-لأ يا حبيبي... شوية إرهاق وراحوا لحالهم أنا كويسة دلوقت ما تقلقش.
جذبها نحو صدره ليضمها بحنان، مربتًا عليها بعشق، وهو يهمس بقلق :
-سلامتك حبيبتي.

شقة "ضحي".
دلفت إلى شقتها بصدمة من ذلك الواقع الذي إستفاقت عليه،
أحقًا تزوجت وأصبحت زوجة لذلك المنحرف؟!!!
أحقًا أصبحت شريكته بالحياة، وأصبح هو رفيق دربها؟!
أحقًا إقتحم حياتها للأبد؟!!
لتقع أنظارها على تلك اللوحة التي تمتد بعرض الحائط، صور طفولتها... وصباها... حتى صورها بزفاف "همس".... لحظاتها السعيدة، ضحكاتها النابعة من القلب.

خطت نحوها بدهشة إمتزجت بكثير من السعادة، ليستوقفها شئ ما تحت أقدامها.
دنت بأنظارها لأسفل لتتسع عيناها دهشةً، وتدلي فمها إستنكارًا، فالأرض تفترش بوريقات الورود الحمراء، و محاطة بتلك الشموع التي تفوح بأرقي العطور، وتتوسطهما كلمة "بحبك" بالورود البيضاء.

سالت دمعاتها بسعادة عارمة، وتسارعت دقات قلبها بفرحة، لتجد من يدلف إلى شقتها، فأردفت ولازالت توليه ظهرها :
-إنت اللي عملت كل ده عشاني أنا؟!!
إقترب منها بعشق ملتقطًا كفيها بين يديه، ليرفعهما نحو شفتاه ويدمغ قبلته الأولى لهما... قبلة بث بها جميع مفردات الأمان والطمأنينة، ليهمس بحنان عاشق :
-بحبك...
لو طولت أجيبلك نجمة من السما مش هتأخر عنك.... إنك أغلى بني أدم في حياتي.

رجفة قوية سرت بأوصالها، لتنفض يدها من بين يديه بقوة، مردفةً بإرتباك، مستنكرة :
-إيه ده؟!!.. بطل قلة أدب بقا!!!
ليبتسم "خالد"إبتسامة خفيفة هامسةً لذاته :
-إيه البت الهبلة دي ياربي؟؟!!
عشان ببوس إيدها تقولي قلة أدب... أومال لو بوست خدها هتعمل إيه؟!!!
عقدت جبينها بحنق، لتردف بإستياء، وسخط :
-إتلم يا "خالد" وبلاش تفكيرك القذر ده.... لأنه مش هيحصل.... ها.. فاهمني... مش هيحصل.

ليحتضنها بنظراته المتيمة، مردفًا بوله :
-قوليها تاني.
رفعت أحد حاجبيها بدهشة ، لتردف مستنكرة :
-إيه دي اللي أقولها تاني؟!!
: - "خالد"... إسمي من بين شفايفك ولا أروع سيمفونية لـ "عمر خيرت".
إشتعلت وجنتاها خجلًا، لتدنو بنظراتها قليلًا، وقد بدأت تفرك يديها ببعضهما البعض بتوتر وإرتباك.

بينما إبتسم "خالد" إبتسامته الساحرة، ليقترب منها متناولًا يدها بحنو، ويخطوا بهدوء نحو تلك الطاولة.
تبادلت نظراتها بين الطاولة، وبين "خالد" لتردف بدهشة :
-إيه ده؟!!!
إتسعت إبتسامته قليلًا، ليهمس بعشق :
-دي هدايا ترحيب العيلة بدخولك ليها ، زي الهدايا بتاع "همس" بالظبط .
حركت رأسها بنفي، مردفة :
-مش هقدر أقبل الحاجات دي، مش عايزاها والله.... معلش.... أنا أسفة.

لا يُعير حديثها أي إهتمام، ليخرج ذلك الخاتم الماسي من جيب سترته، ويلتقط يدها بهيام، ويضع ذلك الخاتم بخنصرها فإزداد لمعانًا وتوهجًا ، ليردف بمكر، ومشاكسة :
-فاكرة الخاتم ده؟
يومها قولتلك إنه شبكتك.... عارفة كان ممكن أجيبلك أغلى منه ميت مرة، بس مارضيتش عشان الخاتم ده وشه حلو عليّا،لقيتك بعد ليالي طويلة من الوجع، أول مرة شوفتك أقسمت إن ده شبكتك.
إرتجفت يدها بقوة بين يديه ، ليرفعها نحو مضخته بعشق، مردفًا :
-حاسة بدقاته؟!!!... دي عشانك وبيكي... والله ما حبيبت حد غيرك في حياتي.... ولا هحب حد غيرك ولا بعدك.

ليستشعر "خالد" إرتباكها وتوترها، فيحمحم بقوة، هاتفًا بمشاكسة، لإخراجها من تلك الحالة :
-يلا يا شابة إدخلي أوضتك هتلاقي فستان أبيض إلبسيه وإجهزي بسرعة، عندنا فرح وحاجات كده، وليلة طويلة، وأنا لو سمحتيلي يعني ممكن ألبس بدلتي وأجهز في أوضة باباكي، لو مش هيضايقك يعني.
أومأت برأسها خجلًا، لتركض نحو غرفتها مهرولةً، ودقات قلبها أوشكت على الصراخ بعشقه المتيم.

لتتعالي ضحكاته المرحة، وهو يردد بسعادة :
-قمر يا ناس.... والله بحب قمر.
ويتجه هو الآخر نحو غرفة والدها للإستعداد لحفلهما الصغير.

غرفة "ثائر".
غادر الحمام بعد أن أبدل ثيابه لشورت أسود قصير، وتيشرت أبيض قطني يبرز عضلات صدره وذراعيه، ليتجه نحو المرآه فيصفف خصلات شعره بدقة مهلكة... وينثر ذرات عطره الآسرة.
قشعريرة قوية سرت بأوردتها، دقات قلبها تلاطمت بقوة، صدرها يعلو ويهبط بتناغم، أنفاسها أوشكت على الإنقطاع.

راقب ردود أفعالها بالمرآة، ليبتسم إبتسامة ساخرة، مردفًا بتهكم :
-إيه أول مرة تشوفي راجل بلبس البيت؟!!
حمحمت "همس" بإرتباك مردفةً :
-لأ.... طبعًا شوفت.

كانت تلك إشارة خروج ذلك الوحش "الثائر" ليُلقي ما بيده بقوة، مستديرًا نحوها بغضب أشعل براكين الإنتقام، ليقترب منها كثيرًا وهو يعتصر ذراعيها بقبضته الفولاذية، ونيران الجحيم تطايرت لتشعل قلبها ذُعرًا، فيردف صاكًا أسنانه بغضب وإستنكار:
-بتقولي إيه؟!!.... شوفتي مين يا حلوة؟!!!

أردفت بتلعثم وخوف :
-شوفت رجاله لابسة اللبس ده قبل كده.
لتزداد قبضته قوة، وجحيمه ثورة، فيردف ضاغطًا علي كل حرف تشدق به :
-قولي تاني كده.... شــ... إيه؟!!

-أيوة شوفت بابا و"عمر" أخويا باللبس ده قبل كده.
دلو من المياه الباردة سُكب دفعة واحدة، ليُطفئ نيران غضبه وثورته، فزفر زفرة قوية أرفق بها دخان تلك النيران المنطفئة، ليدفعها بعيدًا عنه ويستدير نحو شرفة الغرفة، علّه يستنشق بعض من الهواء البارد فيثلج صدره أكثر.

بينما رمقته بصدمة من حاله، لتتمرد تلك الدمعات اللائمة، لتلتقط منامتها الحريرية، وتدلف إلى الحمام هربًا من إنكشاف ضعفها وإنكسارها.

شقة "ضحي"
خرجت من غرفتها بفستانها الأبيض الأنيق بصدره وأكتافه المكشوفة، وخصلات شعرها المنسدلة حتى منتصف ظهرها بجاذبية، ووجنتاها التي تشربت بحمرة الخجل وإرتوت، عيناها التي إنحني كُحلهما خضوعًا لجمالهما، وشفتاها التي زادتهما رجفتهما جمالًا وإغراءا.

لتجد فارسها الوسيم بحلته السوداء وشعره الأسود اللامع المصفف بجاذبية أهلتكتها، وإبتسامته العاشقة تزين ثغره فتزيد جماله ووسامته أضعافًا.
إقترب منها بخطي رزينة وهادئة، ليحتضن يدها الصغيرة بيده الدافئة، وباليد الأخرى ضغط زر بجهاز تحكم صغير ، فتعالت تلك الموسيقى الهادئة، ليبدأ بالتمايل معها بخفة وإحترافية، وتتمايل معه تلك العاشقة بهيام أسر قلبه.

عندما يعجز اللسان عن التعبير عما يجول بخواطرنا، فالإستسلام للصمت هو الأبلغ، فهناك لغة أخري أدق وأسمي، لغة لطالما كانت هي اللغة الرسمية لعشاق الأساطير.

فالعيون دائما ما تبوح بمكنون الصدور، دائمًا ما تفضح ما يسكن بين جنبات القلب وثنايا الروح؛ فهي لغة لاتعرف الغش أو الخداع، لا التزييف أو التدليس، فكلماتها دائمًا الصدق، وأحرفها هي الحق.
كلمات وكلمات نُطقت بصمت، مئات من الوعود والعهود أُبرمت، عشق إخترق صمام القلب، وعشق إنحني مستسلمًا بمحراب الهوى.

دقائق طويلة إنقضت بخجل وإستحياء من ملوك العشق والهوى، حتى إشتعلت كلمات اللسان حقدًا فأقسمت أن تفسد حديث تلك العيون الهائمة، فأردف "خالد" بعشق :
-أوعدك إنك تكوني أميرتي، حبيبتي، أمي وبنتي...... إنك تكون دايما وأبدًا شموخي وكبريائي........ تكوني سندي في الحياة وشريكتي في الرحلة.

لتقاطعه بكلمة واحدة من أربعة أحرف أشعلت عشقه شغفًا وشوقا :
-بحبك...

حملها هذا المنحرف ليدور بها بقوة فما كان منها سوي أن تتشبث بذراعيها حول عنقه وتشدد من إحتضانه مغمضةً عيناها بإستسلام، لتزداد سرعته صارخًا بقوة :
-بتحبني... والله قالتها.... بتحبني يا ناس..... بحبك يا "ضحي" بحبك.
كورت قبضتها لتلكمه بقوة، مردفةً :
-نزلني... نزلني.... دوخت... يخربيت عقلك.... همووووووت.

قلت سرعته تدريجيًا، ليتوقف تمام، ويضع أقدامها أرضًا إلا أنها لازالت تشعر بدوار قوي فزادت من تشبثها وتمسكه به.
ليربت على ظهرها بحنان متنهدًا براحة :
-يلا يا حلوة إنتي ما بتصدقي ولا إيه؟!!
أكيد ماصدقتي واد حليوة وقمر زي وكل البنات هتموت عليه، قولتي ألحقه أنا الأول وأكعبله.

تلاقطت أنفاسها بصعوبة لتزفر بقوة ، مردفةً :
-إنت مجنون ... صح؟!!!
إوعي تعمل كده تاني...
ليبعدها عنه ببعض العنف، ويتجه نحو طاولة الطعام جاذبًا أحد المقاعد، ليجلس عليه بإسترخاء ملتقطًا قطعة دجاج شهية، ويبدأ بتناولها بتلذذ، مردفًا :
-تعالي أبت كُلي قبل الأكل مايبرد.... الصراحة أنا جعان وريحة الأكل لا تقاوم.

جذبت هي الأخرى مقعد لتجلس عليه واضعةً كلتا يديها أعلى الطاولة، لتردف بدهشة رافعةً أحد حاجبيها :
-كمان أكل؟!!!
الأكل ده منين؟!!!
لاك قطعة الدجاج بفمه بهدوء، مردفًا بجدية :
-طنط "حنان" الله يسترها قالت إني عريس النهاردة ومحتاج تغذية، قامت عاملة الأكل الجميل اللي يفتح النفس على الجواز ده وجابتهولنا.... كتر خيرها.

جذبت قطعة الدجاج بقوة من يده، لتُلقيها بالطبق هاتفةً بإستنكار :
-طنط "حنان" جت هنا؟!!... إمتى؟!!
إتسعت إبتسامة "خالد"،ليردف غامزًا بإحدى عينيه :
-وإنت في الأوضة بتجهز ياقمر.

لتهب من مقعدها بفزع ،وهي تكتم أنفاسها بيدها، مردفةً بتوتر:
-يا لهوي يا لهوي .... هتقول عليّا إيه دلوقتي؟!!!
حسبي الله ونعم الوكيل... فضحتني في العمارة، أعمل إيه دلوقتي.

نهض "خالد" من مقعده، وعلامات الصدمة شكلت ملامحه، ليلكمها بخفة مردفًا :
-بتحسبني عليًا يا زفتة..... أنا جوزك يا متخلفة.... والناس كلها عارفة يعني إيه جوزك ويعني إيه جواز.
بحثت بعيناها عن شئ تقذفه به فلم تجد سوي تلك المزهرية التي تتوسط طاولة الطعام.

غرفة "ثائر"
خرجت من الحمام مرتدية تلك المنامة التي تصل بالكاد إلى تحت ركبتيها ، وظهرها العاري حتى منتصفه تقريبًا، وأكتافها التي تتخفي خلف خصلات شعرها الفحمية.

إتجهت نحو مرآتها لتحاول أن تجمع تلك الخصلات المتمردة لتخلد إلى النوم، لكن جميع محاولاتها باءت بالفشل. زفرت زفرة قوية بحنق، لتجذب إنتباه ذلك الثائر الشارد بتلك الشرفة، ليلتفت نحوها بغضب سرعان ما تلاشي وحل محله إنبهار عاشق بجمال وروعة معشوقته المتيمة.

شرد للحظات بجمالها الفاتن، حتى تسللت حمرة الخجل إلى وجنتيها، فرفعت عيناها بالمرآة، وحمحمت بهمس :
-ممكن تساعدني، مش عارفة ألم شعري.

خطى مشدوهًا بجمالها، ليقترب منها بلاوعي أو إدراك فخطاه يحركها قلبه بخيوط حريرية، ليلتقط منها ذلك الدبوس ، ويبدأ بجمع خصلاتها بهيام، ونظرات عيناه إنصهرت وذابت بنظراتها العاشقة.

لحظات بطيئة مضت مابين إرتفاع وإنحفاض صدرها بتوتر وإرتباك قربه، رجفة قوية إحتلت ذراتها بإنتصار دقات قلب ثائرة شغفًا.... وبين ثبات عاشق مغوار إقترب من الإستسلام ورفع راياته، صرخات قلب تعزف أحرف إسمها فتدق على أوتاره بمهارة وإحترافية...
ليُديرها نحوه، فتصبح في المواجهة لسهام عشقه، لتتعالي أنفاسه المتيمة، فيدنو برأسه نحو وجنتها، لتتسع مُقلتاه غضبًا من ذلك الإنعكاس اللعين.

حديقة القصر
إحتلت "هيا" تلك الأرجوحة، لتبدأ بتحريك ساقيها بهدوء، لتهتز معها الأرجوحة بسعادة.
لتتصفح هاتفها بتركيز، فتنتقل من تلك الصورة إلى أخرى، فلكل منهما حدثه الخاص، تبتسم لتلك اللقطة، وتشتاق لتلك، وتتسع إبتسامتها أكثر لهذه، وتتبدل لأسي وألم مع تلك.
لتستعيد إبتسامتها مرة أخرى حينما تذكرت تلك اللقطة...

قاطعها تلك الضحكات المدوية بالأرجاء ، لتلتفت نحو القادم.
أهما "حمزة" و "ملك"؟!!!
و ماتلك السعادة الغامرة؟!!
وما تلك الضحكات التي يقذفونها بالأنحاء

إشتعلت نيران الغيرة، لتنهش قلبها بلا هوادة.
فتجد من يقتربا منها حاملين العديد من الأكياس التي تحتوي بين طياتها أغلى الثياب وأشهرها وكذلك الأحذية والحقائب النسائية.
جلست "ملك" إلى جوارها، بينما "حمزة" جذب مقعد خشبي ليصبح مواجهًا لهما.

لتحتضنها "ملك" بذراعها، وتضمها نحو صدرها، مردفةً :
-إزيك يا "لوكا" عاملة إيه؟
حمحمت "هيا" بثبات :
-الحمد لله كويسة... إنتي عاملة إيه وكنتوا فين كده؟!!!

إبتعدت عنها قليلًا، لتسترخي بجلستها متنهدةً بقوة :
-أنا كويسة جدًا الحمد لله .... وكنا فين؟
كنا بنشتري الحاجات دي عشان هبتدي شغل في المجموعة من بكره.

وتنحني قليلًا ملتقطةً أحد الأكياس، لتناولها إلى "حمزة" بإبتسامة غامضة، فيلتقطها وتلك الإبتسامة تكسو وجهه، ليوجهها نحو "هيا" مردفًا بسعادك :
-إتفضلي يا "يوكا" دي هدية ليكي يارب تعجبك.

تناولها "هيا" بسعادة، لتردف بدهشة :
-دي عشاني أنا.
أومأ لها برأسه قبل أن يردف :
-أكيد.... إفتحيها وشوفيها.

جذبتها "هيا" بتساؤل سرعان ما تحول إلى سعادة حينما وجدته ذلك الفستان التي أرادت إقتناؤه من المجموعة الأخيرة لمصمم الأزياء الشهير، فأردفت بفرحة :
-ميرسي يا "حمزة" الفستان تحفة جدًا، أنا كنت هموت عليه.
لتتسع إبتسامته، ويلتفت بنظراته نحو "ملك" مردفًا بنفي :
-ده مش إختياري أنا.... ده ذوق "ملك".

صدمة قوية ألجمتها، رجفة أقوى تملكت من أوصالها، لترتعش يدها بقوة فيهوي ذلك الفستان أرضًا وسط إبتسامتها التي رفضت الإستسلام لإنكسارها، ليصدح هاتفها برنين ، فتلتقطه مستكشفةً الإسم، لتجاوبه بثبات :
-أيوه يا دكتور.... أنا موافقة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة