قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل الثلاثون

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل الثلاثون

نهار يوم جديد.
"السيوفي جروب"...
تحديداً مكتب "ثائر".

إحتل مقعد حكمه لمملكة "السيوفي" بشموخ وكبرياء معهود ، يضغط أزرار حاسوبه النقال بإحترافية ومهارة تُزهل الجميع. تصله إيميلات عديدة بتأكيد الصفقات التي أُلغيت سابقًا، لكنه يرفض إتمام بعضها ممن إستشعر منهم نبرة التشفي والشماتة. "فالشدائد تظهر معادن ونفوس البشر".

ليراجع بعض التقارير والملفات الهامة بجدية وصرامة تنهش معالم وجهه الذي زُين بنظارة طبية زادته وقارًا وجاذبية. يصدح هاتفه الشخصي بنغمته المميزة لمن إحتلت قلبه وذاته، لتنفرج إبتسامته العاشقة، وتشتعل مضخته الثائرة، ليلتقط جواله بنظرات متوهجة. يسترخي بمقعده الجلدي الأسود ليضغط زر الإجابة واضعًا الهاتف نحو أذنه اليسار، هامسًا بعشق متيم :
وحشتيني.

أتاه صوتها المتنغم بأحرف إسمه ليُرقص قلبه طربًا :
"ثائر"... الله.
إلتقط نظارته ليُزيلها عن عيناه بأطراف أنامله ويضعها أعلى سطح المكتب محركًا مقعده بهيام، مُقلدًا نبرتها الخجلة :
"همس"... الله.
لتتعالي ضحكتها المرحة، مردفةً بتذمر طفولي :
الله بقا... ماتكسفنيش.

تعالت ضحكاته الرجولية، ليردف بجدية :
تمام، هشوف موضوع الكسوف ده لما أرجع القصر، خلينا في المهم... بتعملي إيه دلوقتي.
تنهدت براحة مردفةً :
مفيش يا سيدي، أنا والبنات مستنين شركة الموبيليا اللي هتجيب فرش الجناح بتاع "حمزة" و "هيا"، و كمان البيوت سنتر باعت بنات النهاردة، والديزاينر اللي قولت هتواصل معاها عشان تأجل ميعاده إستلام الفساتين النهاردة ساعتين ولا حاجة لما نكون فضينا وخلصنا اللي ورانا.

شدد "ثائر" على خصلاته بتذكر، ليردف بإمتنان :
كويس إنك فكرتيني، إنشغلت جدًا ونسيت، بس عموما هخلي "هند" تتواصل مع دار الأزياء وتأخر الميعاد ساعتين تكونوا جهزتوا.
تشربت نبرة صوتها العذب بالكثير من الغيرة، لتردف بإستنكار :
"هند"!!
مين "هند" دي؟

إنفرجت إبتسامته المرحة ، ليردف بجدية مصطنعة :
دي السكرتيرة الخاصة بمكتبي، بنت مجتهدة وشاطرة، وشايفة شغلها على أكمل وجه.
حمحمت بثبات وجمود ينافي تلك النيران المستعرة بقلبها ، أيقضي هذا الوقت مع تلك الحمقاء التي يُثني عليها؟!! ، لتزفر زفرة قوية، مردفةً بجدية :
تمام... إبقى خليها تتصل بدار الأزياء، هقفل أنا عشان أشوف ماما "نجلاء" عايزة إيه؟

مع السلامة، ماتتأخرش عندك عشان تجهيزات الفرح بكرة، سلام.
لتُغلق الهاتف دون إنتظار جوابه، فيضع الهاتف مقابلًا لعيناه، وتلك الإبتسامة المتوهجة تُشع عشقًا بحدقتاه، ليهمس بهيام :
بحبك "همسي"... ولا مليون بنت في العالم عيني تشوفها... بس حلو موضوع الغيرة ده... هنشوف غيرتك شكلها إيه!!.

دنى بجذعه قليلًا نحو سطح المكتب ملتقطًا الهاتف الداخلي، ليتواصل مع "هند" ويخبرها بترتيب موعد آخر مع دار الأزياء. يُنهي الإتصال ليعاود عمله بتركيز، إلا أن تلك الدقات العشوائية تصدح بالأنحاء ليقتحم بعدها "خالد" المكتب ويتبعه "حمزة" وعلامات السخط والحنق تنهش ملامحه، ليردف بغضب جليّ :
يعني عريس وفرحي بكره، وتقولي شغل خفيف عشان تلحق تظبط نفسك وتشوف البدلة ، ألاقي قدامي شغل أسبوع كامل والمفروض أخلصه النهاردة.... ليه يعني؟!!

شايفني إنسان آلي.
تعالت ضحكات "خالد" الساخرة،ليخطو نحو المقعد المواجه لمكتب "ثائر" ويحتله واضعًا ساق فوق الأخرى، مردفًا بتهكم :
مش إنت اللي طلعت بُورم فينا وعايز تعمل هاني مون، إشرب بقا يا خفيف... هتسيب شغلك لمين يعني؟!.

إحتل "حمزة" المقعد المقابل له، دانيًا منه بجذعه، مُشيرًا بسبابته وعلامات الغضب ونيرانه تشتعل بحدقتاه مردفًا بتحذير :
بلاش إنت يا خفة، من يوم ما خطبت أختك وإنت مش طايقلي كلمة تقولش قتلك قتيل، وبعدين هطلع الهاني مون... يعني هطلع الهاني مون.... عريس وعايز يستفرد بعروسته.

هب "خالد" من مقعده، ليشير نحوه بسبابته، مردفًا بغضب أقوى :
إختار كلامك ياد إنت... أصل وديني أفركش أم الجوازة الهباب دي، أنا مش موافق عليها أصلًا... إيه يستفرد دي كمان.... ماتخلنيش أقولك مفيش هاني مون ولازفت، وبعدين ما أنا وأخوك إتجوزنا ومحدش فينا راح راس البر حتى، وعايشين عادي ومش ناقصنا حاجة يعني.

نهض "حمزة" هو الآخر من مقعده ليهتف بحدة فقد طفح به الكيل من حماقة "خالد" هذا :
وحد كان ضربكوا على إيدكوا وقالكوا كده كخ، بلاش هاني مون، ماهو كان بكيفكوا وبمزاجكوا، وبعدين ماتهدي على نفسك شوية يا حبيبي فيه إيه؟!!.
قطب "خالد" جبينه بإستنكار، رافعًا أحد حاجبيه بحنق مردفًا بتأكيد :
إنت صح.... محدش ضربنا على إيدنا عشان مانروحش الهاني مون بتاعنا ، عشان كده قررت إني أطلع معاكوا الرحلة دي.

إتسعت مقلتاه صدمة، لتزوغ أنظاره مابين ذلك الثائر الهادئ بمقعده، وذلك الأحمق الأرعن، ليهتف مستنكرًا :
رحلة إيه اللي تطلعها معانا يا متخلف إنت؟!!
جلس "خالد" إلى مقعده واضعًا ساق فوق الأخرى، ليسترخي بظهره للخلف، مردفًا بثبات :
البت المسكينة "ضحي" نفسها تطلع رحلة من يوم ماإتجوزنا، وأهي جت الفرصة تكون موجودة مع "هيا" عشان يسلوا بعض بدل ما تاكل دماغي، وأنا وإنت نصطاد سمك ولا نلعب كورة، ولا ننيل أي حاجة في أم الجزيرة القرية دي.

نظرات "حمزة" المشتعلة تتبادل مابين ملامح هذا الأحمق، وملامح هذا المستكين، ليهوي بمقعده فاقدًا القدرة عن التعبير والتفوه بما يجول بعقله من سباب لاذع، ولكمات مدمية.
زفر "ثائر" زفرة قوية، لينتصب بصدره واضعًا ساعديه أعلى سطح المكتب مردفًا بإستنكار :
خلصتوا؟!!!

يلا عشان عندنا إجتماعات كتير النهاردة، عشان أجازة بكرة، يلا
هب من مقعده مسدلًا أكمام قميصه المرفوعة، ليغلق أزرارها بكبرياء ملتقطًا سترته فيرتديها أما مرآته الطولية، مُعدلًا من هندامه المنمق.
ليفتح أحد أدراج مكتبه،ملتقطًا زجاجة عطره المهلك ويبدأ بنثر ذراتها الآسرة، فيجد من يهب من مقعده ويتجه نحوه ملتقطًا إياها ليبدأ هو الآخر بنثر ذراتها ببذخ مردفًا بسعادة :
الله عليك يا "ثائر".. حلو البرفيوم اللي بيتعمل بالشخصية ده، اللي عملته طلع أهبل وبيضحك البت "ضحي"، وأي حد بيقابلني بلاقيه بيضحك زي المتخلف، إنما ده عميق كده وراسي يحسسني إني عايز أخدك في حضني... أه والله.

ليجد لكمة قوية إستقرت بفكه، يتبعها نبره صارمة :
تاخد مين في حضنك يا حيوان؟!!
و"ضحي"!!!.... إيه أختك؟ ، ولا كلام الدكتور طلع صحيح بقا ؟!
إتسعت أعين "خالد" ببلاهة، مردفًا بمزاح :
أخويا يا جدع وعايز أحضنك، وبعدين علاقتي بـ" ضحي" أكبر من التفاهات اللي في دماغك دي، علاقة روحانية يا إبني... نحن نرتقي عن تلك الغرائز الهبلة.

إنفرجت إبتسامة "ثائر" التهكمية، ليمط فمه بلا مبالاة، مردفًا بسخرية :
روحانية!!!
وهبلة؟!!
عليه العوض ومنه العوض فيك يا "لودي"، يبقى الكلام طلع صح، ربنا يلطف بيك يا حبيبي.
رفع "خالد" أحد حاجبيه قاطبًا جبينه بإستنكار مردفًا :
كلام إيه يا إبني؟!!!
مش فاهم حاجة!!!

ضغط "ثائر" أرنبة أنفه بأنامله متنهدًا بلا مبالاة، ليردف بجدية مصطنعة :
أبدًا يا "لودي"، الحادثة اللي كنت عملتها الدكتور قالنا يومها إن الخبطة أثرت عليك يا حبيبي.
تقافز" خالد" لأعلى فاتحًا ذراعيه بسعادة، تحت نظرات أخوته المستنكرة ليردف بجدية :
مفيش الكلام ده يا إبني، أنا زي القرد قدامك أهو وبتنطط، والحمد لله بقدر أمشي وأجرى وزي الفل.

خطى "ثائر" بخطي رزينة متجههًا نحو باب المكتب، ليردف بثبات متهكم :
ربنا يلطف بيك يا "لودي"... يلا... زمان الناس في غرفة الإجتماعات.
تبعه "حمزة" بإبتسامته المتهكمة، ليهمس لذاته:
أحسن خليه يتلخم في حاجة ويبعد عني أنا و "يوكا" خلينا نطلع أم الهاني مون اللي باصين لنا في ده.

قصر السيوفي.
التجهيزات تجري على قدم وساق، ولما لا والعروس هي الأميرة المدللة لعائلتها، والعريس هو أحد أركان الإمبراطورية وأعمدتها.
مندوبين تسليمات شركة الأثاث ويترأسهم مديرها بذاته بناء على طلب" ثائر"، يبدأون بفرش الجناح الخاص بالعرسان بعدما إختارت "هيا" الموديلات الخاصة بذوقها الرفيع، فكان الجناح يغلب عليه اللون الأبيض والأزرق.

ساعات قليلة وإنتهت عملية التركيب، ليغادر الجميع وتدلف الفتيات الأربع بعدما إنضمت إليهم " هايدي" إلى الجناح لتتفقد ماتم تركيبه.
ركضت "هيا" بين جنبات الغرفة والسعادة تشعل قلبها طربًا، لتفرد ذراعيها كطيرٍ يحلق بسماءٍ صافية، وهتافات السعادة تغادر شفتاها بمرح:
شوفتوا يابنات الألوان تحفة إزاي، حاسة إني طايرة في السما..... فرحانة قوي قوي.. أخيرًا حب عمري هيكون معايا للأبد... أخيرًا "حمزة" هيكون جوزي، وأنا أكون كل دنيته.... أخيرًا هكون متسمية على إسمه... أخيرًا حضنه هيكون ليا أنا لوحدي.... أنا بحبه قوي، وعمري ما تخيلت حياتي من غيره.

فإلتقطت هاتفها لتعبث به قليلًا إلى أن إستقرت على أحد الأغنيات الشعبية "ملطشة القلوب" وأخدت تردد كلماتها بسعادة و تتمايل بخصرها النحيل يمينًا ويسارًا، لتجذب يد "همس" و "ضحي" و "هايدي" إلى ساحة الرقص.
أخذت الفتيات البدأ تدريجيا بالتمايل والرقص حتى إندمجن أربعتهن وتعالت ضحكات السعادة والفرح، لتهتف "ضحي" بسعادة :
يااااااه.... من زمان مارقصتش.

لتهتف "همس" بمشاكسة :
فاكرة يومها يا قطة، كان يوم عيد ميلادك.. لما رقصنا إحنا التلاتة للصبح.
فصاحت "هايدي" بكلمات متقطعة من إثر الإرهاق :
كان يوم عالمي.... تحسي إنك طلعتي طاقة المذاكرة والجامعة والهم اللي كان كابس على قلبنا.
تقافزت" هيا" لأعلى محركة خصلات شعرها بشكل دائري، لتهتف :
إتجننوا يا بنات.... خرجوا الطاقة السلبية... وإشحنوا بطارياتكوا سعادة وفرحة وحب.... بموووووت في الأغنية دي.

لتصيح أربعتهن مرددات مع الأغنية بسعادة :
مش كنا قولنا مفيش من كذا.... فوتنا الغرام ونصبنا العزا
رجعت تاني في عهدك لية؟.... هي القلوب كييفة أذى.
ده الكدب أبو العيوب... يامهر وحبله سايب
ياملطشة القلوب... ياجلاب المصايب.

لسالك عين تدوب.... مانتاش عايز تتوب
ده البر ماهوش أمان.... والعشق مالوش ضمان.
ده رهان على حدف طوب.... ونشانك سهمه خايب..
يا ملطشة القلوب... يا جلاب المصايب.
لترتمي أربعتهن متجاورات على فراش العروس وتلك القلوب العاشقة تتراقص معهن لتشعل أنفاسهن اللاهثة عشقًا.

مكتب "حاتم".
إحتل مقعده بكبرياء ليوقع بعض الأوراق والمستندات الهامة ، ليصدح هاتف مكتبه بالرنين فيلتقطه دون الإلتفات له، فلازال كامل تركيزه مُنصب على تلك الأوراق، ليهب من مقعده صارخًا بغضب أشعل نيرانه بحدقتاه :
إنت بتقول إيه؟... إمتى حصل الكلام ده؟
حد جراله حاجة؟
أغلق الهاتف ليلتقط سترته، وجواله، ومفتاح سيارته ويركض مهرولًا لإستكشاف تلك الفاجعة.

السيوفي جروب
غرفة الإجتماعات.
حالة من الجدية والصرامة تسود الغرفة، ليهتف "ثائر" بعصبية طارقًا سطح طاولة الإجتماعات بيده :
اللي موقفش معانا في أزمتنا مايلزمناش، حتى لو خسرنا كل العملا بتاعتنا... مش هتفرق معانا، زي ما عملنا إسمنا وكيانا بمجهودنا وتعبنا هنقدر نحافظ عليه ونعليه... واللي مابقاش علينا عمرنا مانبقي عليه حتى لو جه زاحف يبوس جزمنا.

إلتفت بأنظاره نحو "خالد" ليصيح بحدة أكثر :
يتعمل فلترة لكل العملا بتوعنا.... عايز شركات جديدة حتى لو صغيرة، هنقف جنبها ونكبرها بس أهم حاجة الضمير والإخلاص والأمانة... مش ناس بقالها سنين بتاكل في خيرنا وعشان أزمة صغيرة مرينا بيها فكرت إننا وقعنا وجاية تشمت فينا.... زي ما عملناهم هنعمل غيرهم.

وإلتفت بأنظاره نحو "حمزة" ليهتف بصرامة أقوى :
المشاريع اللي معاهم يا باشمهندس تتسحب وتنزل الأرياف هتلاقي هناك ناس عندها ضمير ومخلصة للقمة عيشها... تسلمهم المشاريع دي وتكون رئيسهم المباشر لو حتى إضطريت إنك تبات معاهم في مواقع العمل.... وأنا هتصل بباشمهندس "حاتم السيوفي" عشان مكتبه يستلم مننا بعض المشاريع عشان ننجز في الوقت... لسه ٤ شهور والمنتجع يتسلم ولسه في المرحلة الأولى منه، وده إسمه إهمال، وإننا مش قد المسئولية...

إستدار نحو مدير الموارد البشرية ليهتف بنفس الصرامة :
أي حد هيتخاذل عن المهمة الموكلة ليه يطلع بره المجموعة بدون لحظة تردد واحدة، أي غلطة كانت كبيرة أو صغيرة مفيهاش تهاون مهما كان اللي عملها ومهما كان منصبه في المجموعة.. أظن كلامي واضح ومفهوم.... يلا الإجتماع إنتهى كل واحد يشوف شغله.
مستر "خالد" وباشمهندس "حمزة" إستنوا.

هب الجميع من مقاعدهم بجدية وعلامات التوتر والإرتباك تسري بأوصالهم، لينفض الجميع ماعدا "آل السيوفي" ليقطب "خالد" جبينه بإندهاش من ثورة أخيه، فيردف مستنكرًا :
مالك يا "ثائر"؟!!!.. فيه إيه؟!

زفر "ثائر" زفرة قوية يطرد بها نيران غضبه المستعر، ليردف بصوت لازال يتمتع بالكثير من الحدة :
بيحاربونا يا "خالد"... الأزمة الأخيرة بينت مين الأفاعي اللي خرجت من جحورها عشان تلدغنا بسمها، كانوا متكاتفين مع بعض وتواصلوا مع محامي "أرثر" وهنوه وقدموا فروض الولاء والطاعة.... الناس اللي كانت بتبوسنا وتضحك في وشنا وتتمنى لنا الرضا نرضى، بيضربونا في ضهرنا.... عايزين يمحونا من السوق... بس ده أبعد ما يكون عن خيالهم...

تنهد "خالد" بضيق ليردف بنبرة بث بها بعض الإطمئنان لقلب ذلك الثائر:
طول ما إحنا إيد واحدة محدش هيقدر علينا يا "ثائر"، وهنحافظ على الإمبراطورية اللي عملتوها وهنكبرها لينا ولعيالنا...
لتتسع مُقلتاه صدمة ويتدلي فكه حتى كاد أن يصل إلى سطح الطاولة، فيهب من مقعده فزعًا ليردف مستنكرًا :
عيالنا!... الحادثة!!!... الدكتور!
يا سنة سوخة يا ولاد.

فتعالت ضحكات "ثائر" الرجولية، فقد إستطاع هذا الأحمق التخفيف والتهوين عنه ليردف "حمزة" مستنكرًا تصرف "خالد" و ضحكات" ثائر":
فيه إيه؟!
أنا مش فاهم حاجة.
إلتقط "خالد" نظارته الشمسية ليضعها فوق عيناه بجدية، وكذلك إلتقط جواله ومفتاح سيارته، ليهتف مستنكرًا :
ليلتك سودا يا "ضحي"، وأنا قاعد أقول أعوضها غياب أبوها، والبت معتش ليها حد فلازم أكون ليها أب وأخ وصديق وحبيب، لحد ماتاخد عليا.... لكن دلوقتي خلاص.. مفيش الكلام ده، حان وقت العمل... إنطلاق.

ليركض مغادرًا إلى القصر، يتبعه "حمزة" بنظراته المستنكرة ، ليلتفت نحو "ثائر" الذي لازال يتلاقط أنفاسه المتقطعة من أثر الضحكات ليردف بجدية :
لا... ما أنا لازم أفهم فيه إيه؟....
الواد ده ماله؟... إتنفض فجأة زي مايكون قرصه تعبان..... مش مرتاحلك.... فيه إيه؟
قلّت ضحكاته تدريجيًا، ليحرك رأسه نافيًا قبل أن يردف :
مفيش حاجة... يلا عندك إجتماع بره المجموعة كمان نص ساعة... يدوب تلحقه.

نهض "حمزة" من مقعده وعلامات الغضب بدأت تُشكل ملامح وجهه، ليجمع متعلقاته الشخصية، مردفًا بحنق :
تمام.... مش عايز أعرف حاجة منك.... سلام.
ليصدح رنين هاتف "ثائر" الخاص، فيلتقطه مجاوبًا بضحكات متقطعة :
أيوة يا "حاتم"...
ليهب من مقعده صائحًا بغضب :
إمتى الكلام ده؟!!.. وإزاي؟!!.... مسافة السكة وأكون عندك.

قصر السيوفي.
غرفة "فريدة"
فتيات التجميل تبدأ بعمل مساج لأميرات وملكات عائلة "السيوفي"... زيوت عطرية تفوح رائحتها بالأنحاء، حالة من الإسترخاء والإستسلام لأنامل الفتيات التي تدلك رؤوسهن برفق، لتبدأ "ضحي" في الإستسلام لسلطان النوم، حتى همست إلى جوارها "همس" :
وقال كنا مسميين المساج اللي بنعمله في الـ Spa ده مساج... ده كان عجن يا أختي.
لكن لا حياة لمن تنادي، فالصمت القاتل كان جوابها، لتهمس "همس" بسخط :
بت يا "ضحي" إنتي نمتي.... يازفتة ردي عليا.

همست "ضحي" بتذمر طفولي :
مممممم... عايزة أنام.... سيبيني أنام بالله عليكي.
لتهمس "هيا" بإستنكار :
تنامي مين ياختي؟!!!.. زمان البنات اللي جاية من دار الأزياء على وصول.... يعني يدوب نخلص المساج ونطلع لهم.
أردفت "ضحي" بهمس :
مش عايزة... أنا موافقة على الفستان ومقاساته.... سيبوني أستمتع بالمساج ده والنبي.
لتردف "همس" بصوت يكاد مسموع :
بت يا "يوكا" إنتوا بتتعاملوا مع الناس دي من زمان؟!!!... الصراحة إيديهم فيها سحر.

رمقتها "هيا" بطرف عينها، لتهمس بتأكيد :
كل شهر بيجوا هنا عشان تيتة و"نوجا".... بس أنا أول مرة أتعامل معاهم، كنت بروح منتجع صحي حلو قوي في التجمع.... بس دول الصراحة غيروا فكرتي عن المساج من أساسه.
رمقهتم "نجلاء" بطرف عينها، لتهمس :
كنا بنتحايل عليكي يا "يوكا" وإنتي اللي كنتي بترفضي..... عشان تعرفي إختار ماما "فريدة" صح إزاي.

مطت" هيا" عنقها قليلًا، لتلمح "فريدة" و "هايدي" اللتان إستسلمتا للنعاس بسعادة، فتردف بتهكم :
تيتة و"ديدا" بياكلوا رز ولبن مع الملايكة.
إبتسمت "نجلاء" مردفةً بتأييد :
ده العادي بتاع ماما، مجرد ما البنت تحط إيدها في راسها تلاقيها نامت وبتحلم كمان، لكن "ديدا" أول مرة أعرف عنها كده أصلًا.
لتنفرج إبتسامات "همس" و "ضحي" ليهتفن سويًا :
"ديدا" لو دلكتي جبينها بس تسافر في النوم.... مابالك بقا بإيد البنات القمر دي.
اللي تاخدك لعالم تاني.

إنتهت الفتيات من جلسة التدليك، لتغادر الغرفة وتدلف إليها إحدى العاملات بالقصر لتخبرهم بوصول مندوبين دار الأزياء وكذلك الفساتين الخاصة بهم بما فيهم فستان زفاف "هيا".
نهضت الفتيات ومعهن "فريدة" و "نجلاء" لتبديل ثيابهن والإستعداد لمقابلة فتيات دار الأزياء. يغادر الجميع غرفة "فريدة" لتلتقين بالفتيات ببهو القصر وإبتسامة الترحيب والحفاوة تكسو ملامحهم.

دلف "خالد" إلى القصر بتعابير وجه غير مفهومة، مابين غضب وإستياء، وبين إبتسامة مترددة، ليجذب يد "ضحي" ويصعد إلى غرفتهم دون التفوه بحرف واحد.
تمللت ضحي بين يده، مردفةً بحنق :
فيه إيه يا"خالد" ساحبني في إيدك زي الهبلة كده ليه؟!!... سيب إيدي لو سمحت.

لكن الصمت هو جوابها الوحيد، لتضيق"" همس" عيناها بدهشة، هامسةً بصوت يكاد يكون مسموع :
نيلتي إيه يا" ضحي" ماهي الداخلة دي محفوظة في كل الأفلام والمسلسلات..... حد قاله حاجة وجاي يطين عيشك.
لتجد من تقترب من أذنها هامسةً بنفي :
الموضوع مش كده خالص، ده أخويا وأنا عرفاه مابيهونش عليه يزعل قطة... إسمعي مني..... بس برضه الداخلة دي مش عجباني، ده حتى ماسلمش علينا.... الموضوع فيه إن وأخواتها.

إقتربت "هايدي" من الأذن الأخرى لـ "همس" لتهمس بتأكيد :
بس البت "ضحي" متخلفة... ممكن تكون عملت حاجة وأغضبت هذا الملاك الوديع.... وفعلا طالع يطين عيشتها... دي صحبتي وأنا عارفاها..... إسمعي مني.
إقتربت منهم "نجلاء" فمطت عنقها نحوهم هامسةً بصوت يكاد تسمعه الفتيات :
أيوة "خالد" طيب ومبيزعلش قطة حتى.... بس ضحي شرسة وممكن تكون عملت حاجة كده ولا كده ضايقته بيها.... إسمعوا مني..... ده إبني وأنا عارفاه.

فإنضمت إليهم "فريدة" هي الأخرى، لتمط عنقها نحوهم هامسةً بتأكيد :
فعلا... الداخلة دي مش عجباني.... بس أنا حاسة إني شوفتها قبل كده.... وشوية وهتلاقيهم نازلين بيضحكوا ومنشكحين على الآخر.... إسمعوا مني... اللي ربي خير من اللي إشتري.

تبادلت النظرات فيما بينهن، لتتعالي الضحكات المرحة من الجميع، فتهتف "همس" مستنكرة :
إحنا بنتكلم كده ليه؟!.... عاملين زي "ريا" و "سكينة"... صح؟.
أومأ الجميع برأسه وضحكاتهم تصدح بأرجاء القصر لتطرب أركانه فرحًا.

أحد المواقع المسئول عنها "حاتم".
حالة من الهرج والمرج تعم الأنحاء، فتلك البناية المرتفعة تهدمت وأصبحت أشلاءًا وركام. إلتف الجميع حول "حاتم" الذي تعالت صرخاته الجنونية :
يعني إيه البرج هيتسلم بعد يومين ألاقيه النهاردة كوم تراب؟!!!... إزاي ده حصل؟!!

أجابته آلالات تنبيه سيارات الشرطة، التي عمّت المكان بصخب عارم ، فيستدير نحوها بأنظاره المتقدة جحيمًا. ليترجل عنها أحد الضباط متجههًا صوبه بجدية وصرامة، مردفًا :
مساء الخير "حاتم" بيه..... جالنا بلاغات من أصحاب البرج السكني إن البرج بتاعهم إتهدم والمفروض ميعاد الإستلام آخر الأسبوع.... وأنا جاي أثبت حالة، وكمان لو ممكن حضرتك تيجي معانا القسم عشان نكمل الإجراءات والتحقيقات.

أتاه ذلك الصوت الرخيم الحاد من خلفه :
أعتقد إن مواعيد التسليم بعد يومين مش النهاردة؟
يعني بعد يومين تيجي تسألنا إنت وأصحاب البرج..... حابب تعمل إثبات حالة إتفضل، لكن باشمهندس "حاتم " مش رايح معاك في مكان.

إلتفتت الجميع نحو صاحب ذلك الصوت المزلزل لأبدانهم، فيردف الضابط بإبتسامة ترحيب :
أهلًا بحضرتك "ثائر" بيه..... الموضوع بسيط جدًا.... "حاتم" بيه يشرفنا في القسم يشرب معانا فنجان قهوة، ونستكمل التحقيقات للحفاظ على حقوقه القانونية... وعشان نجيب اللي عمل العملة دي.

وضع "ثائر" يديه بجيبي بنطاله بكبرياءٍ وشموخ، مردفًا بحدة أكثر :
عنك موضوع اللي عمل العملة دي.... أظن إن عيلة" السيوفي" تقدر تجيبه وتاخد حقها كويس قوي، مش محتاجة حد يجبهولها.
أردف الضابط بإستياء :
بس الدنيا مش غابة يا "ثائر" بيه عشان كل واحد ياخد حقه بإيده، وإلا كنا قفلنا أقسام الشرطة دي بقا، وكل واحد إعتمد على نفسه.

زفر "ثائر" زفرة قوية أرفق بها جم غضبه، ليردف بثبات وصرامة :
حضرتك كمل إجراءاتك القانونية.... وإثبت حالة زي ماتحب، بس إحنا مابنتهمش حد... الحادثة قضاء وقدر.
تنهد الضابط بقوة، مردفًا بحزم :
تمام حضرتك زي ماتحب.... إحنا أثبتنا حالة وبعد يومين هنتخذ إجراءاتنا..... السلام عليكم.

غادرت قوات الشرطة المكان ليستدير "ثائر" بنظراته المشتعلة نحو العمال، هاتفًا بصرامة :
كله يروح على بيته، ومن بكره الصبح تكونوا هنا عشان تكملوا شغلكوا.....
غادر الجميع، فيبقى "حاتم" ورفيق دربه بين تلك الأنقاض التي أخذت أحلامه وهوت أرضًا لتصبح كومًا من الرماد تتناثره هبات الرياح القوية، فتُلقيها بعيدًا عنه.

خطى "حاتم" نحو حطام أحلامه، ليجلس إليه طارقًا رأسه لأسفل، مردفًا بأسي :
دمروا أحلامي يا "ثائر".... كنت حاطط في المشروع ده كل ما أملك.... هكمل الشغل اللي بدأته في العاصمة إزاي؟!!
أنا كنت بشتغل على أمل إني أسلمهم آخر الأسبوع وأقبض فلوسي كاملة... أعمل إيه ياصاحبي؟!!!

تشبث "ثائر" بكتف رفيقه ضاغطًا عليه برفقٍ، وجلس إلى جواره متنهدًا بألم دفين لحال أخيه ورفيقه، مردفًا بثبات :
إرفع وشك فوق يا "حاتم ".... مش "حاتم السيوفي" اللي يطاطي للموجة، بالعكس يقف ويصلب طوله لحد مايكسرها وينتصر عليها.... إنت اللي بتقويني في رحلتنا الطويلة دي، ولو على الفلوس... فلوسك موجودة.... ولو على اللي عمل كده، ساعات وهيكون بين إيدينا.... ولا عاش ولاكان اللي يكسر حلمك يا صاحبي.... وزي ما عملت نفسك مرة وإتنين وتلاتة.... قادر تعمل نفسك للمرة المليون...

هبّ "ثائر" من مجلسه مادًا يده نحو أخيه هاتفًا بجدية وكبرياء :
أقف وإرفع راسك ، مهما عدت علينا صعوبات بنعديها وندوس عليها بجزمتنا... لو واحدة خاينة وقعت في طريقك، دوسها وعدي... اللي تستاهل طيبة قلبك وحبك لسه مجاتش.... وصدقني هتلاقيها و قريب قوي... وهتكتشف إنك ماكونتش بتحب قبلها حد... وبكره تقول أخويا كان عنده حق.

تشبث "حاتم " بيد "ثائر" مستندًا عليها لينهض ناصبًا صدره للحياة والتحديات.. ليردف بيقين :
أكيد أخويا عنده حقك.... طول ماإيدينا في إيد بعض هنعدي الصعب وندوس عليه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة