قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل الحادي والثلاثون

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد

رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل الحادي والثلاثون

فجر يوم جديد أسدل أستاره علي ذلك المكان المهجور، أو بالأحرى الذي بات مهجورًا منذ ساعات قليلة. المكان الذي كان يعم بضجيج العمال وصخبهم، أصبح أطلالًا وحجارة.

إعتلي هذا الثائر ذلك الجبل الخرساني بملامح مستعرة، تذر بجحيم محدق لمن يقف بطريقه.. يرفع إحدى ساقيه أعلى ذلك العمود الخرساني المُهدم، ليستند بمرفقه أعلى ركبته دانيًا بجذعه نحو ذلك المكبل بالأغلال. ملقي تحت أقدامه بذعر و توسل ونحيب، ليهتف "ثائر" بفحيح :
يعني إنت بقا اللي ورا هدم البرج... كنت فاكر نفسك بورم و بعيد عن الشبهات... لكن للأسف طلعت غبي.... إنت كنت أول واحد أفكر فيه... ماهو برج كبير زي ده وعليه حراسة من صاحبه، إستحالة حد غريب يدخل وينخر في عمدان الأساس كلها، إلا إذا كان صاحب بيت زي مابيقولوا .... يعني حاميها خاربها.

ليركله ركلة قوية بقدمه فيطرحه أرضًا وسط توسلاته وصرخاته. هب "ثائر" ناصبًا صدره، ليدنو منه بجذعه ويقبض على ياقته بقبضتاه الفولاذية. جاذبًا إياه إلى أعلى ، ليصرخ برجاله بغضب ثائر :
فكوه...

لحظات معدودة وكانت تلك الأغلال بين يدي أحد رجاله، ليقف ذلك الرجل منحنيًا، ويركض نحو يد "ثائر" منكبًا عليها، و مقبلًا إياها بتوسل، صائحًا:
أبوس إيدك يا "ثائر" باشا.. أبوس إيدك إرحمني.

قبض "ثائر" على ياقته بقوة، ليرفعه نحوه وينهال عليه باللكمات المتتالية، ليهتف صاكًا على أسنانه :
بقا إنت بتلعب مع عيلة "السيوفي"... إنت... شيطانك يصورك إنك هتنتصر على عيلة "السيوفي".... دا أنت تبقى أهبل وعبيط كمان... ليه عملت كده؟!!!.... إنطق.

قطرات دماؤه المتدفقة غلفت أحرف كلماته المتلعثة :
و.... و.... وا... واحد جالي المكتب، وإداني خمسة مليون جنيه.... وطلب مني إني ألعب في أساسات البرج عشان يقع ويتهد..... و" حاتم" بيه يخسر كل حاجة.... ويدفع كمان غرامة التأخير..

توالت اللكمات المدمية التي تبعتها صرخاته الغاضبة :
واحد مين؟..... إتكلم يا حيوان.
هوي الرجل أرضًا وسط تأويهاته المستغيثة، ليردف بفك مكسور :
اللي أعرفه إنه مرسال من واحد تاني.... معرفش غير كده والله.

ليدنو منه "ثائر" هاتفًا بصوت رخيم :
تتنازل عن المحضر.... وتجيب عمال تشيل الهدد ده..... وتدفع كل مليم إتصرف على البنا..... وتدفع كل مليم هيتصرف في اللي جاي.... وكمان تدفع غرامة التأخير اللي كان "حاتم" بيه هيدفعها....... والإستلام في الوقت اللي يحدده "حاتم" بيه..... فاهم.

ليرمق "ثائر" رجاله بطرف عينه، مردفًا بصرامه غاضبة دون إنتظار جواب الرجل :
تخدوه تودوه مستشفى، وبعدين توصلوه لقسم الشرطة.... يخلص...و تاخدوه للمكان اللي جبتوه منه.
ليلتفت بأنظاره نحوه مبتسمًا إبتسامة جانبية متهكمية، مرددًا بسخرية :
ده بقا البيت التاني، ولا واحدة لا مؤاخذة بتقضي معاها ليلة وخلاص؟!

حرك رأسه نافيًا قبل أن يردف بألم فكه المكسور :
واحدة شاقطها من ملهي ليلى يا باشا... مش مراتي والله... ودي شقة لمزاجي.
ليجد تلك اللكمة الغاضبة التي أودت به إلى ظلمات حالكة، فطرحته أرضًا فاقدًا لوعيه.
ويركله "ثائر" بقدمه، رامقًا إياه بإمتعاض حانق، هاتفًا بصرامة :
خدوه من هنا.
قصر "السيوفي".
أشعة الشمس الدافئة تداعب مقلتاها الحالمة بمشاكسة لتتململ في فراشها بإبتسامة عاشقة، فتلك كانت ليلتها الأخيرة بها، وهذا نهارها الأخير بغرفتها التي شهدت دموع إشتياقها لمعشوق قسي وتجبر لأيام طويلة، إلى أن لان هذا الصوان وإنفجرت منه ينابيع عشق متيم ليأسر قلبها بمحراب عشقه الأبدي.

فتحت عيناها بسعادة لتجوب هذه الغرفة بنظراتها المرحة، أو ربما الممتنة لأركانها على ذلك الإحتواء الآمن. لترتفع بجذعها قليلًا مستندة به أعلى تلك الوسادة الوثيرة، عاقدةً ساعديها أعلى صدرها لتتنهد براحة هامسةً بسعادة :
أوضتي حبيبتي هتوحشيني..... من النهاردة هكون معاه وبين إيديه.... هكون معاه في أيامه الجاية .... هيكون هو كل أيامي ولياليّا... هو النفس اللي هتنفسه... هو حب عمري، اللي وعيت عليه.... مش مصدقه إن الحلم ده خلاص ساعات ويتحقق.... حاسه بفرحة و خايفة قلبي مايستحملهاش.... بحبك يا "حمزة".... بحبك يا أحلى حاجة في عمري..... بحبك يا "حمزة".... بحبك.

لتجد هاتفها الخاص يصدح بنغمته المميزة التي أرقصت قلبها طربًا، فتعالت صيحات عشقه الوله، لتميل بجذعها نحو الكومود ملتقطة الهاتف بسعادة، ويزداد بريق عيناها توهجًا كلما تراقصت إضاءة الهاتف طربًا برنين إسمه، لتجاوبه بسعادة :
ألو....

"حمزة" بجدية :
أنا قدام باب أوضتك... إخرجي دقيقة.
هبت من فراشها بسعادة، لتركض نحو باب الغرفة فتتوقف رامقةً منامتها الحريرية ( بنطال وردي، وسترة وردية مكشوفه الصدر والأكتاف ) بإرتباك، فتركض نحو خزانة ملابسها وتلتقط معطف حريري صيفي وترتديه فيعلو ويهبط مع خفقات قلبها الأهوج، لتركض نحو باب الغرفة....

تلمست خصلاتها المبعثرة بعشوائية، لتركض نحو مرآتها فتمشطها مهرولةً، ملتقطة حمرتها الوردية لتزين كرزتيها الرقيقة.
لتركض نحو باب الغرفة، فتتوقف مرة أخرى متلمسةً وجنتاها المشتعلة عشقًا و ولهًا، فتركض نحو مرآتها مرة أخرى وتُلقي نظرة أخيرة على هندامها، لتزفر زفرات متتالية، وتلمح هاتفها و لازالت تحتضنه بيدها، لتضعه أعلى طاولة زينتها، وتركض نحو باب الغرفة، فاتحةً إياه بسعادة وتلك الإبتسامة العاشقة تستوطن معالمها، فتهمس بصوت جاهدت كثيرًا لأن تفرج عنه :
صباح الخير.

ملامحه الجامدة تلين تدريجيًا، لتنفرج تلك الإبتسامة الخفيفة، مطوفًا ملامحها المشرقة بنظراته العاشقة، هامسًا بثبات ينافي ثورة مشاعره المتأججة :
صباح الورد.
أغمضت عيناها بهيام مستعذبة كلماته الدافئة، لتهمس بصوت إخترق صمام قلبه :
صباحك حب.
حمحم بجدية مصطنعة، لتفتح عيناها بإتساع، مردفةً بإرتباك :
إتصلت بيّا!!!!....

لتجد من يلتقط يسراها بيده الحانية، فيقربها إلى شفتاه المشتعلة ويدمغها بقبلة أودع بها جميع كلمات العشق التي تغني بها شعراء الأساطير، مستقرًا بنظراته الوالهة نحو عيناها اللامعة بدمعات السعادة، فيبتعد عن يدها قليلًا، ويلتقط من جيب بنطاله خاتم ماسي فيضعه بخنصرها مردفًا بعشق :
خاتم جوازنا..... إوعي يوم يفارق إيدك .... أنا حبيتك تلبسيه من أول النهار، عشان من النهاردة إتكتبتي على إسمي يا "يوكا"... وأنا كمان إتكتبت على إسمك.... يعني قدرنا واحد لآخر نفس فينا..... بحبك..

دقات ثائرة ومشاعر هوجاء، صدرها يعلو ويهبط بقوة، أنفاسها تلهث بإستجداء، أوردتها كادت أن تنفجر من قوة إندفاع دمائها، نظراتها تطوف ملامح وجهه الرجولية بعشق و هيام، لتجد نفسها إستقرت بين ذراعيه المتشبثة بها بتملك ، لتشدد هي الأخرى من إحتضانه دافنةً رأسها بين ثنايا قلبه، لتتسمع صرخات قلبه العاشقة، فتزداد دقاتها ثورة وإندفاع، فتزيد من تشبثها بعنقه أكثر، لتهمس بعشق :
بعيش ليك يا "حمزة".... بحبك.
إيه اللي بيحصل هنا؟!!

كانت تلك الكلمات التي ألقاها "ثائر" بغضب، لينتفض جسد "هيا" بين ذراعيه، فيزداد حنق "حمزة" ويشدد من إحتضانها، هامسًا إلى جوارها أذنها بعشق :
إهدي يا حبيبتي... إهدي... إوعي يوم ترتعشي وإنتي بين إيديا... أنا أمانك يا" هيا".
إقترب منهما "ثائر" بغضب متناقض، فرغم غضبه إلا أن سعادته بإعتراف "حمزة" بعشقها، تداعب شفتاه بإبتسامة متوارية، ليردف بصرامة :
إدخلي أوضتك يا "يوكا"... وإنت يا أستاذ إتفضل شوف إنت رايح فين.

إبتعد عنها "حمزة" قليلًا، ليترك لها مساحة للتحرر من قبضته، فخجلها من "ثائر" أفقدها توازنها وثباتها، فتشبث بها ليدعمها ويبث بقلبها أمانه الحصين .
لتتنهد "هيا" بخجل، مطرقةً رأسها أرضًا لاهيةً بأناملها، لتهمس بحشرجة :
حاضر يا أبية... بعد إذنك.
ركضت مهرولة نحو غرفتها ودلفت إليها موصدةً بابها بقوة ، لتستند بظهرها عليه، رافعة يسراها أمام عيناها اللامعة ببريق تفوق وإنتصر على بريق خاتمها الماسي.

لتتأمله بعشق وغرام، مقربةً إياه من شفتاها فتنهال عليه بقبلات مرحة، مردفةً بسعادة :
بموت في اللي جابك.... وعمري ما هشيلك من صوباعي لآخر يوم في عمري.... أغلى هدية جاتلي في حياتي كلها..... بحبك يا "حمزة".... بحبببك.

خارج الغرفة.
عقد "ثائر" ساعديه أعلى صدره، ليزفر زفرة قوية، رامقًا "حمزة" بنظراته الحانقة، ومردفًا :
إيه اللي كنت بتعمله ده يا "حمزة"... أظن كتب الكتاب ما إتكتبش لسه... يعني المشهد ده ما يحصلش ولا يتكرر تاني..... قبل كده كانت أختك، لكن من يوم ما فكرت فيها كزوجة المقاييس إختلفت.

رمقه "حمزة" بنظرات ثابتة، ليردف بنبرة يشوبها بعض الحدة :
كلها ساعات وهتكون مراتي بإذن الله، وبعدين أنا أكتر واحد في العالم يخاف عليها ويحميها... حتى أكتر منكوا كلكوا.
ضغط "ثائر" على شفتاه بقوة، ليتنهد بثبات مردفًا بصرامة :
عارف إن كلها ساعات وتكون مراتك.... وعارف إنك بتحبها وبتخاف عليها زينا وأكتر... عشان كده بقولك حافظ عليها وحطها في عنيك... إوعي يوم تزعلها وتحطها في موقف يقل منها أو يهينها.... "هيا" طول عمرها أميرة متوجة، وهتفضل كده طول عمرها.... فرجاء نهدي شوية لبليل، وبعد كده هتكون مراتك.

حمحم "حمزة" ببعض الخجل مردفًا بعشق :
"هيا" طول عمري قاسي معاها وجاي عليها... وهي طول عمرها بتحبني ومستنية مني شوية حب وكانت هترضي بالقليل منه.... بس والله والله يا "ثائر" انا إكتشفت إن قلبي شايل ليها حب السنين اللي فاتت كلها.... عشان كده لما أخدتها في حضني... كان بس عشان حبيت أطمنها وأأكد عشقي ليها، لكن ماجاش في بالي أي حاجة تانية غير إني أحسسها بالأمان وإنها كل دنيتي.

تنهد "ثائر" براحة لما إستشعره من صدق بين طيات كلمات "حمزة"، فربت على كتفه بحنو، مردفًا بإبتسامة :
مبروك يا حبيبي.... ربنا يسعدكوا يارب.

غرفة "خالد".
تمللت في فراشها بهدوء، لتميل نحو مكانه البارد دليلًا على مغادرته لفراشه منذ زمن طويل . تلمست موضعه الخاوي بيدها، لتفتح عيناها باحثة عنه في كل مكان بالغرفة، لكن الفراغ كان مشهدها الحالي. رفعت جذعها قليلًا لتتسلل إلى أنفها تلك الرائحة النفاذة. تحاول إستيعاب ماهيتها حتى أيقنت أن معشوقها إستحدث عادة سيئة.

زفرت زفرة قوية، لتدفع عنها ذلك الدثار وتدنو بقدميها أرضًا منتعلة نعلها، ملتقطة بيدها معطفها الحريري، فتهب مستقيمةً بوقفتها وترتديه أعلى منامتها الزهرية القصيرة مكشوفة الظهر والأكتاف.

لتخطو نحو شرفة جناحهما فترمقه جالسًا بمقعده، وأمامة مطفئة السجائر ممتلئة بأعقاب تلك السجائر المنتهية ، أما معالم وجهه التي لا تذر بخير أبدًا. فهو يقطب جبينه بغضب وعيناه تشتعل إحمرارًا، من كثافة الدخان حوله رغم الهواء الطلق بالشرفة.
جمعت طرفي معطفها بذلك الشريط، لتدلف إليه دانيةً من وجنته فتدمغ قلبتها مردفةً بعشق :
صباح الخير يا حبيبي...

لتجده يبتعد عنها برأسه مشيحًا وجهه للطرف الآخر بغضب متكبر.
ضيقت عيناها مستنكرة، لترتفع بجذعها لأعلى رافعةً أحد حاجبيها مردفةً بدهشة :
مالك يا "خالد"؟!!!... فيه إيه؟!!
سحب نفسًا عميقًا من سيجارته لينفسه بالهواء بهدوء مردفًا بنبرة محتدة :
مفيش حاجة.... روحي إجهزي عشان تنزلي تشوفي "هيا" محتاجة إيه.

جلست "ضحى" مقابلة لها، لتميل نحوه بجذعها واضعةً يدها أعلى ركبته، مردفةً بإستنكار :
مفيش حاجة إزاي، وإنت شكلك ماشوفتش نوم أصلًا.... وبعدين من إمتى وإنت بتدخن؟!
دفع يدها بعيدًا عنه ليهب من مقعده، ملوحًا بيده بتحذير :
إوعي تفكري تسأليني بعمل إيه أو ما بعملش إيه!!!!... أنا حر في تصرفاتي... فاهمة.

نهضت هي الأخرى من مقعدها بهدوء وعلامات الإستنكار تنهش ملامحها بإحترافية، لتردف بتهكم :
حر في تصرفاتك؟!... يعني إيه مش فاهمة؟
لو عشان اللي حصل...
نظرة شيطانية أخرستها تمامًا، ليتبعها فحيحه المرعب :
قولتلك ماسمعش صوتك النهاردة، لحد ما الفرح يخلص... فاهمة.
ليتركها ويغادر الشرفة دالفًا إلى حمام غرفته فيطفئ نيران غضبه المتأججة.

فتح صنبور المياه ليدفع كامل جسده أسفله رافعًا رأسه لأعلى لتغمر المياه الباردة معالم وجهه، منسابة إلى باقي جسده المتيبس الأعصاب والعضلات.
أفكار متصارعة تدور بذهنه وتعصف به بقوة، ليرفع عيناه نحو الحائط الزجاجي المقابل له مردفًا بحسم :
لازم أبعد عنها وأخليها تكمل حياتها مع إنسان كامل من زيي عاجز... لازم أقسى عليها وأكرهها فيّا... عشان هي اللي تختار البعد... مش عايزها تكمل معايا شفقة وعطف.... مش هتكمل معايا شفقة ولا عطف.

لانت نبرته وتمردت تلك الدمعة المشتاقة، ليردف بعشق :
بس أنا بحبها وماقدرش أبعد عنها... ولا أتخيل حياتي من غيرها.... ولو شفتها مع غيري هقتلها وهقتل نفسي....
ليرفع عيناه لأعلى متوسلًا ربه أن يعاونه على تخط الأيام القادمة.
ويغلق صنبور المياه، ملتقطًا منشفته ومحاوطًا بها خصره، ليغادر حمام الغرفة فيصطدم بها بقوة أثناء خروجها من غرفة ثيابهما.

رجفة قوية تنهش قلبه العاشق، ليلملم شتات نفسه ويدفعها عنه برفق، مردفًا بصرامة :
الحمام فاضي... إتفضلي.
فتحت شفتاها لتُفرج عن كلماتٍ معاتبة لتجد يده تشير لها بإلتزامها الصمت، فتتنهد بأسي لأجله وتقتحم الحمام صامةً شفتاها بألم.
زفر هو زفرة نارية، ليدلف إلى غرفة الثياب مشددًا على خصلات شعره المبلل بوجع صامت، ومغمضًا عيناه بإصرار وعزيمة على الإستقواء والصمود.

غرفة "ثائر".
فتح بابها بحرص شديد، كي لا يزعجها ليدلف إليها بهدوء فيجدها لازالت غاطة بنومٍ عميق بتلك الأريكة التي لم تتوقف عن النوم بها بعد.

خطى نحوها بثبات وتلك الإبتسامة العاشقة تزين ثغره، ليدنو بجلسته أرضًا مداعبًا خصلات شعرها بأنامله المتيمة، مردفًا بهيام :
آخر ليلة هتناميها على الكنبة دي "همسي"، والله كان صعب عليا نومك هنا... بس لازم أنسيك اللي حصل.... لازم ذكرياتك في عالمنا اللي عملته مخصوص عشانك من يوم ما شوفتك مع تيتة "فريدة" تكون ذكريات عشق وغرام، مش ذكريات زعل وخصام.... أوعدك إن النهاردة هنبتدي حياتنا اللي حلمت بيها.... همسي.

ليقترب منها دامغًا قبلته العاشقة أعلى جبينها، فتتململ بين يده مبتسمة، فاتحةً عيناها بعشق :
صباح الخير يا "ثائر".
دمغ قبلة أخرى بوجنتها المشتعلة، ليرتفع قليلًا، ويجلس بطرف الأريكة، ملتقطًا يدها بين يديه، ليردف بإبتسامة أوسع :
صباح الحب يا قلب "ثائر".... يلا قومي بلاش كسل..... عندنا فرح النهاردة.

إرتفعت بجذعها لتستند على متكأ الأريكة، جاذبةً دثارها بخجل ، مردفةً بسعادة :
صح... عندنا فرح النهاردة.... أخيرًا بقا بعد الفترة الصعبة اللي عدت علينا، كنت قربت أكتئب والله.
رمقها "ثائر" بنظرته الغامضة، ليردف مؤيدًا :
عندك حق... كانت فترة صعبة جدًا والله، الحمد لله إنها عدت على خير.

إعتدلت "همس" بجلستها مضيقة عيناها بغضب، ومردفةً بإستنكار :
صعبة جدًا؟!
ياراااجل.... أومال لو ماكانتش خطة ومتفق عليها مع "حاتم" و "علي"؟!
كنت قولت إيه؟!!... بذمتك
أنا ماصعبتش عليك؟!!... ده أنا كنت هموت من الخوف والرعب.

جذبها نحو صدرها بقوة ليحاوطها بقوة ذراعيه الصلبة، مردفًا بحزم :
إوعي يوم تجيبي سيرة الموت دي تاني يا "همس".... إوعي....
لأنه أخد مني أغلى ناس في حياتي، أبويا وعمي.... إوعي يا"همس".
تشبثت بصدره بقوة، لتردف برجاء :
إوعي تبعد عني يوم يا "ثائر".... إوعي.

شقة "عبد العزيز"
غادرت "حنان" المطبخ حاملة بين يداها بعض الأطباق المحملة بالجبن الأبيض والبيض المقلي وشرائح الخيار والطماطم، لتضعها على طاولة الطعام مردفةً بحماس :
يلا يا"زيزو" يلا يا "عمر" ... يلا عشان نفطر ونلحق نروح لـ ماما" فريدة" و "نوجا" دول مأكدين إننا نكون موجودين هناك من بدري.

لينضم إليها "عمر" محاوطًا كتفيها بذراعه ضامًا إياها جانبه، ليردف بسخط :
يعني مدلعة الكل إشي "زيزو" وإشي "نوجا" وجاية على "موري" الغلبان وتقوليه يا" عمر".. ينفع كده يا "نونا"؟
رفعت يدها نحو وجنته لتصفعه صفعة خفيفة، مردفة بإبتسامة :
لا ما ينفعش كده يا"موري".... يلا روح نادي بابا عشان نفطر ونلحق نروح للناس.

قبل "عمر" رأسها ليردف بجدية مصطنعة :
أوامر سيادتك يا فندم.
إستدار "عمر" متجههًا نحو غرفة والديه، وإستدارت "حنان" متجهةً إلى المطبخ لتحضر باقي الأطباق. لتتوقف فجأة متذكرة حالة "عبد العزيز" وتعبه وأن "عمر" لا يعلم عن حقيقتها شئ. فإستدارت مهرولة، لتصيح بحدة :
"عمر"... إستني.

توقف "عمر" بشكل مفاجئ ، ليستدير رافعًا أحد حاجبيه بدهشة من نبرة والدته المحتدة، مردفًا بإستنكار :
فيه إيه يا ماما؟...
حمحمت قليلًا، لتخطو نحو الغرفة مردفةً ببعض اللين :
مفيش يا حبيبي، بس إفتكرت حاجة فهدخل أجيبها من الأوضة وبالمرة أنادي بابا.... روح إنت هات باقي الأطباق من المطبخ.

لتدلف إلى الغرفة واصدةً الباب خلفها بتوتر، وسط إستنكار "عمر" وعدم إقتناعه بما أردفت به والدته، فيرفع كتفيه بلا تصديق، ويتجه نحو المطبخ ليحضر باقي الأطباق.
إتجهت نحو الفراش لتجده غطّ بنوم عميق بعد صلاته وتلاوته لبعض أيات الذكر الحكيم..
فإلتقطت المصحف الشريف من جواره، لتقبله وتضعه أعلى الكومود المجاور لفراشه، وتدنو هامسةً إلى جواره :
"زيزو".... "زيزو"..

تململ بنومه ليرفع أنظاره نحوها بإرهاق، مردفًا بخفوت :
نعم يا "نونا".
ربتت على كتفه بحنان مردفةً بمودة :
قوم يلا يا حبيبي عشان تاخد أدويتك وتفطر.
نهض "عبد العزيز " من نومته، مردفًا بهدوء :
ماشي يا "نونا"... وكمان عشان نروح لـ "ثائر " نقف جانبه في يوم زي ده.

تنهدت "حنان" بحيرة مردفةً برجاء :
خلينا هنا ياحبيبي عشان ترتاح شوية... شكلك تعبان، ونبقى نروح على ميعاد الفرح ... وبعدين هما هيجيبوا اللي ينظم كل حاجة فوجودنا مالوش لازمة دلوقتي.
نهض "عبد العزيز" من فراشه بتوعك مستندًا بيده على كتف شريكة رحلته، ليردف بإصرار :
ما ينفعش يا "نونا"... إحنا بنقف جنب الغريب، مش هنقف جنب أهلنا؟

ناوليني إنتي بس الأدوية عشان أقدر أقف على رجلي، لحد ما أروح للدكتور ونشوف موضوع العملية.
تنهدت "حنان" بقلق لحالة زوجها، لتلتقط أدويته وتناوله إياها بإبتسامتها المرتبكة، فيربت على يدها مردفًا بيقين :
إرمي حمولك على ربنا يا "نونا" هو قادر يلطف بينا ويعفو عنا.

قصر السيوفي.
حالة من السعادة والفرحة تعم أرجاء القصر، ليلتفوا جميعًا حول طاولة الطعام فيتناولوا فطورهم، وسط ضحكاتهم المدوية، إلا أن هناك من تشتعل نيران غضبه وتتأجج، ومن تبتسم إبتسامة مكسورة لتجامل من حولها.
لاكت "فريدة" طعامها، لتردف بسعادة :
الميكب أرتست زمانهم على وصول، والكوافير برضه في الطريق...

لتردف "نجلاء" بتأكيد :
أهم حاجة ننتهي من كل حاجة قبل الساعة تلاتة، عشان الفرح هيبتدي تلاتة ونص.
نهضت "هيا" من مقعدها، لتردف بحماس :
يلا يا "همس" يلا يا "ضحي" تعالوا معايا.
فرمقها "حمزة" مندهشًا ليردف بإستنكار :
على فين يا "يوكا"؟!

جذبت أيدي الفتيات، مردفة بمشاكسة :
حاجات بنات حضرتك مالكش فيها.
إتسعت حدقتاه دهشة، ففتاته أخيرًا تجرأت وخرجت من قوقعتها، ليردف بإستنكار مصنع :
ماليش فيها؟!!... ده اللي هو إزاي يعني؟!!
لتردف "همس" بجدية مصطنعة :
حضرتك قولنا مالكش فيها... يبقى مالكش فيها.... بعد إذنك.

فرمقها "ثائر" بعشق، مردفًا :
مش عايز إبتذال.... إنتوا التلاتة يكون الميكب خفيف...
ركضت نحوه "هيا" لتدمغ قبلتها أعلى وجنته مردفة بمزح :
عيب عليك يا أبيه... حضرتك هتشوف النهاردة بكيزة هانم الدرمللي في تلت نسخ.
هبّ "خالد" من مقعده بغضب، ليهتف بحدة :
هشوف العمال اللي بره بتعمل إيه.

رمقته "ضحي" بأسي لتجاهله النظر إليها تمامًا ومغادرته إلى الحديقة لمتابعة التجهيزات.
فزفرت زفرة قوية، لترفع عنقها بكبرياء مردفةً بإبتسامة :
يلا يا بنات... الساعة داخلة على عشرة و الوقت بيجري، يدوب نستعد ونجهز.
وقد أقسمت داخلها أن تلقنه درسًا لن ينساه أبدًا.

صعدت الفتيات الثلاث إلى غرفة "هيا"، ليدلف في تلك الأثناء "عبد العزيز " وأسرته، فيتجه إليهم الجميع بحفاوة وترحيب، ليهتف "ثائر" بسعادة :
حمدالله على السلامة ياعمي... حمدالله على السلامة ياطنط... إزيك يا "موري".
إتسعت إبتسامة "عبد العزيز " الباشة، ليردف بوقار :
الله يسلمك يا إبني... وربنا يتمم لكم على خير يارب... ويسعد العرسان ويرزقهم الذرية الصالحة.

لينضم إليهم "حاتم" مردفًا بسعادة مصطنعة :
نورتوا البيت ياجماعة... إتفضلوا.
وهتف مناديًا إحدى العاملات بالقصر، فأتته مهرولة، وأردف بثبات :
خودي حاجة "عبد العزيز " بيه و الهانم لأوضتهم، وحاجة "عمر" بيه لأوضتي.
أومأت العاملة برأسها قبل أن تردف بهدوء :
تحت أمر حضرتك يا فندم.

لتحمل حقائب السفر التي تحوي ثياب أفراد أسرة "عبد العزيز ".
و تجذب "فريدة" يد "حنان" مردفةً بسعادة :
تعالي معانا يا "نونا".... خاللي الشباب مع بعضهم يظبطوا الجنينة، وإحنا نروح نجهز نفسنا.
خرج الشباب إلى الحديقة ليتابعوا التجهيزات وسط سعادة الجميع، ونظرات "ثائر" المتفحصة لوجوه ينهش الحزن ملامحها.
مرت الساعات بسرعة البرق.

الفتيات بغرفة "هيا " يتممن تجهيزاتهن بعدما إنضمت إليهن فتيات التجميل، وسط ضحكات ورقصات من الجميع، لتردف "همس" بصدمة :
يالهوي... الساعة إتنين... معتش وقت يدوب نلبس ... بس نلبس العروسة الأول.

لتلتقط فستان زفاف ملكي من الطراز الأول مكشوف الأكتاف والظهر.. ينسدل بضيق حتى منطقة الخصر، ليكمل بإتساع ممتدًا خلفها بطول ثلاثة أمتار ، لترتديه "هيا" وسط نظرات الإعجاب والإنبهار من الجميع، فحقا هي أميرة السيوفي بل ملكة ليلة تتويجها بعرش مملكة "حمزة السيوفي " لتجمع خصلاتها جانبًا بفراشة ماسية ، تخطف أنظار الجميع.

لتهتف "همس" بإنبهار:
ماشاء الله تبارك الرحمن فيما خلق... فعلا يا "هيا" حقهم يقولوا إنك أميرة عيلة "السيوفي".... لا ده إنتي ملكة... ربنا يحفظك حبيبتي.
لتدوي زغرودة ثنائية من "ضحي" و" همس" يدلف على إثرها النساء الثلاث، بعدما تجهزت وإرتدت ثيابها الخاصة.
مباركات وسعادة تحوم بالأرجاء، لتتمرد دمعات سعادة من عيناها مردفة بمشاكسة :
بس بقا هتخلوني أعيط...

إحتضنها "فريدة" مردفةً بسرور :
مبروك يا "يوكا " ربنا يسعدك ياقلبي ويفرح قلبك إنتي و" حمزة" يارب.
شددت "هيا" من إحتضانها مردفة:
ربنا يبارك في حضرتك يا تيتة.
لتبتعد عنها قليلًا، وترمقها من أعلى رأسها لأخمص قدميها مردفةً بإعجاب :
بس إيه الأناقة دي يا "فريدة" هانم.

كانت ترتدي "فريدة" فستانًا كحلي لامع بأكمام طويلة، وطرف ممتد إلى الأرض، وعقد ماسي يزين عنقها الذي تفننت خيوط العمر في رسم خلاياه.. تجمع خصلاتها بدبوس ماسي .
لتردف "فريدة" بمشاكسة :
عرفتي إنتي طالعة قمر لمين يا بنت.
تعالت ضحكات الجميع، لتلتفت " همس" نحو والدتها مردفةً بمشاكسة هي الأخري :
إيه الجمال ده يا" نونا" ؟!!... "زيزو" كده مش هيشيل عينه عنك طول الفرح.

لتدنو "حنان" بنظراتها نحو فستانها الرمادي اللامع معدلة بيدها من حجابها الفضي، و مردفةً بزهو :
ده ذوق "زيزو" يعني لازم يكون حلو عليا... طول عمره ذوقه عالي.
فإقتربت "همس" منها بسعادة لتحاوط كتفيها بذراعها مردفة بمشاكسة :
طبعًا ذوقه عالي يا قمر إنت كفاية إنه إختارك عشان تكوني ماما ليا انا والواد "موري" السكر ده... وحشني قوي.... وزيزو كمان وحشني... مقدرتش أنرل لهم إنشغلت مع العروسة القمر دي.

ربتت "حنان" على يدها مردفةً بسعادة :
خلينا دلوقتي مع عروستنا القمر دي، وروحي إنتي وضحى إلبسوا بقا... أعتقد كده خلصتوا الميكب؟!!
إقربت منها "ضحي" بتذمر طفولي :
ماشي يا "نونا" عايزانى أروح ألبس من غير سلام ولا كلام ولا حتى تسألي عليًا وأنا بلبس الألعاب ده.

كانت ترتدي بنطال جينز أزرق وتيشرت زهري، وأتمت زينتها من مكياج وشعر، لتردف "حنان" مستنكرة :
عندك حق يا "دودي"!!... فيه عروسه تلبس اللي إنتي لبساه ده؟!
ضيقت "ضحي " عيناها بتفكير عميق، لتتنهد بحسم هامسة بوعيد :
عندك حق يا "نونا"... لازم ألبس حاجة تليق بمرات "خالد السيوفي "..

لتتنهد بكبرياء مردفةً بإبتسامة :
طب يا "يوكا" هنروح إحنا أوضتنا نكمل لبسنا وإنتي معاكي القمرات الفاتنات دول... بس إوعي أي حد فيهم يبوظ حاجة، أصلها حاجات متكلفة.
غادرت "همس" و "ضحي" إلى غرفهن لإتمام جاهزيتهن لحفل الزفاف.

غرفة" خالد"
دلفت "ضحي" إلى غرفتها لتجد" خالد" يعدل من هندامه ويكمل عقد رابطة عنقه ليكون للوسامة أميرًا وللجاذبية فارسًا، فتغمض عيناها ، لتستجمع قوتها وكبريائها، مردفةً بلا مبالاة :
إزيك يا "خالد".
إنتهي من رابطة عنقه، ليردف بجمود :
الحمد لله كويس.... وإنتي؟

إلتفت نحو فستانها الموضوع أعلى فراشها، لتستدير نحوه مردفةً بمكر :
الحمد لله كويسة.
و تتركه وتدلف إلى غرفة ثيابها وتبدأ بالتقليب بينهم بتمعن وتركيز.
فيرفع أحد حاحبيه بإستنكار ليخطو نحوها مردفًا بحدة :
بتعملي إيه؟!

أكملت بحثها عن مرادها لتلتقط فستان أسود طويل بشق طويل لأعلى الفخذ، عاري الصدر والأكتاف، لترفعه أمام عيناها بإبتسامة سعادة، مردفةً :
بشوف هلبس إيه!
خطى "خالد" نحوها بخطي ثقيلة كثقل أنفاسه المستعرة، ليجذب ذراعها نحوه بغضب، مردفًا بصوت رخيم :
تلبسي إيه؟!
فستانك بره.... إيه القرف اللي هتلبسيه ده؟!

دفعت يده عنها لتدفعه لخارج غرفة الثياب، وتبدأ بنزع ثيابها لتبديلها بهذا الفستان الفاضح الذي أقسمت أن تحرق روحه الغاضبة بإرتدائها له، لكن هذا الوقح إقتحم الغرفة ليجذبها نحو صدره بجحيم غضبه، فعيناه يتطاير منها نيران مستعرة، وأنفاسه لهيب حارق يلفح جسدها العاري، لتتلاطم دقات قلبه الجامحة، لينقض علي شفتيها بقبلة هوجاء أودع بها إشتياقه وشغفه، لتبادله هي الأخرى تلك القبلات الجامحة، ليستسلما تمامًا لفيضان أشواقهما المتدفق، إلى أن أصبحت زوجته أمام الله، وسط سعادة غامرة من "خالد" ليجذبها نحو صدره العاري فيضمها إليه بقوة مقبلًا جبينها بحنو ليردف وسط نظراتها الخجلة :
بحبك يا "ضحي"... بعشقك .

غرفة "ثائر"
تأنق بحلته التوكسيدو السوداء، ووضع ساعته الفضية حول معصمه، ليجد من تدلف إلى الغرفة بإبتسامتها التي أشرقت حياته وأنارتها، ليلتفت نحوها بأنظاره مطوفًا ملامحها الرقيقة بنظرات عشق متيم، ليخطو نحوها بإبتسامته العاشقة رافعًا يداه، و محاوطًا ذراعيها، ليجذبها إلى موطنها الأمن، مردفًا بإشتياق :
وحشتيني يا "همس".... من الصبح ما شوفتكيش وإنتي معايا في نفس البيت.... ينفع كده؟!

إبتعدت عنه قليلًا لترفع عيناها المشتعلة شوقًا فتذوب في عالمه الآسر، محمحمة بخجل:
مش ينفع كده!... بس إنت عارف إننا عندنا عروسة وكانت لازم تستعد وإحنا كمان نستعد... بس دلوقتي تمام جدًا... خلصنا كل حاجة والعروسة جهزت، والكل جهز وأنا يدوب ألبس الفستان والحجاب.

إبتعد عنها "ثائر" قليلًا، ليردف بجدية :
أوك يا حبيبتي.... إجهزي إنتي وأنا هتصل بـ "خالد" عشان نروح لـ "حمزة" أوضته وننزل تحت على ما "حاتم" ينزل بـ"يوكا".
أومأت برأسها قبل أن تخطو نحو غرفة الثياب لتردف بحماس وسعادة :
أوك.

لتلتقط فستانها المخملي الأخضر المعلق بخزانتها، و تتواري خلف ذلك القائم الخشبي وتبدأ بتبديل ثيابها للإستعداد لحفل الزفاف الملكي.
إلتقط" ثائر" هاتفه، ليجلس إلى الأريكة واضعًا ساقًا فوق الأخرى، ويبدأ العبث بأزراره إلى أن ضغط زر الإتصال، ليكون بلا جواب.
عاود الإتصال مرة أخرى، ليكون نفس الجواب إنتهاء الإتصال دون رد، ليرفع أحد حاجبيه مستنكرًا، هامسًا لذاته :
هيكون فين الواد ده؟!

وبعدين... شكله وعصبيته النهاردة مش مريحاني.... ليكون بسبب الموضوع اللي قولتله عليه!!!
بس أنا عرضت ورقه على دكاترة في الخارج وقالوا خطأ في التشخيص يعني الواد زي الفل!!!.. أومال فـ إيه؟!...
لا.... هتصل بيه تاني،الساعة داخلة على تلاتة ونص والضيوف زمانها على وصول.

حاول الإتصال مرات عديدة لكن لا جواب يأتيه. لتتسع حدقتاه عشقًا، فينفض ساقه عن الأخرى ناهضًا بهدوء، حينما رمقها تطل عليه بفستانها الأنيق وحجابها الأبيض الذي زاده جمالها روعة وأناقة، لتتسارع دقات قلبه صارخة بإشتياق لأنفاسها المشتعلة، فيخط نحوها مشدوهًا بملاكه الآسر، لتردف هي برقة :
إيه رأيك في الفستان؟

حرك رأسه يمينًا ويسارًا بلا وعي، هامسًا بهيام :
سبحان الله... تحفة فنية من صنع الخالق... عارفة لو كنتي مش محجبة كنت هخليكي تتحجبي عشان محدش غيري يشوف جمالك ده..... بس للأسف الحجاب ضاعف جمالك أكتر ، أو الأصح إنتي اللي ضاعفتي جمال الحجاب.... إنتي أميرة "همسي"... أميرة قلبي وحكايتي.
إشتعلت وجنتاها خجلًا، ودقاتها شوقًا، وأنفاسها تسارعًا لتحمحم بخجل :
يعني حلو؟

دنى بأنظاره إلى ذلك الفستان المخملي الذي يحاوط جسدها الرشيق بإنسيابية، إلى أن غطي طرفه حذائها العالي، ليهمس بعشق :
قوي... قوي...
ليحمحم بجدية وصرامة :
يلا نروح للعرسان بدل ما أغير رأيي.
وإلتقط يدها ليضعها بذراعه متبادلًا مع النظرات العاشقة، ليزفر زفرة قوية مردفًا بصرامة :
يلا يا بنت الناس الله يرضى عليكي.

غرفة "حاتم".
تأنق "عمر" بحلة زرقاء ليلتقط إحدى زجاجات العطور الموضوعة أعلى طاولة الزينة، و يبدأ بنثر ذراتها حوله ببذخ مستنشقًا إياها بإستمتاع ، ليردف :
جامد البرفيوم ده يا أستاذ "حاتم"، حاجة كده فخمة... فرنساوي شكله كده؟.

ليأتيه "حاتم" من غرفة ثيابه متأنقًا بحلة توكسيدو سوداء هو الآخر، فتتعالي ضحكاته المرحة، فهذا "العمر" إستطاع بعفويته ومرحه أن يخفف عنه أحزانه بإنهيار البرج، ليردف بسعادة :
أيوه عندك حق ده شغل فرنسي.... بس ياريت بلاش أستاذ دي، إحنا أهل وأصحاب ولا إيه رأيك؟
واصل" عمر" نثر العطر بغزارة، ليردف بجدية :
رأيي فـ إيه يا باشا؟!!!...

إنت تؤمر يا "حاتم" بس ياريت من هنا ورايح تقولي يا أستاذ "عمر"،أو يا "عمر" باشا... بإعتبار ما سيكون يعني.
ليجذب "حاتم" زجاجة العطر منه، مردفًا بإبتسامة :
طب ممكن البرفيوم بتاعي يا "عمر" باشا، ألحق أحط منه شوية قبل ما حضرتك تخلصه.
أومأ "عمر" برأسه قبل أن يردف بجدية :
ما تغلاش عليك يا "حتوم" إنت صاحب قصر يا جدع.... إتفضل بس ياريت ماتخلصهاش.
لينثر "حاتم" ذرات قليلة حوله، ويضعها أعلى طاولة الزينة، مردفًا بإبتسامة :
حاضر يا "عمر" باشا.... يلا عشان نروح للعروسة.

غرفة "خالد"
غادر "خالد" حمام غرفته بثوب الإستحمام الخاص به ، وبيده منشفة صغيرة يجفف بها خصلات شعره، ليجد من تركض إلى الحمام بمعطفها الحريري، لتوصد الباب خلفها بقوة صارخةً :
أخرتنا على الناس يا "لودي".... ينفع التهريج ده؟!!
تبع "خالد" أثرها بنظراته العاشقة، ليتنهد براحة مردفًا بسعادة :
ناس إيه دول؟!!... خليني في فرحتي الأول.... الحمد لله يارب.... نصفتني، كان شكلي وحش قدام البونية.... وكانت هتشفق عليّا وتعاملني زي أختها...

لتتسع مقلتاه فزعًا، فيحرك رأسه نافيًا :
أختها إيه؟!!! لا يارب... خليك معايا وقويني على اللي جاي.... يارب.
ويركض نحو غرفة ملابسه، ليلتقط حلة أخرى سوداء، ويبدأ في إرتدائها، ليُتمها ويتجه نحو المرآة فيصفف خصلات شعره البنية بجاذبية وأناقة.
غادرت "ضحي" الحمام مرتدية هي الأخرى ثوب الإستحمام الخاص بها ، ليلتفت نحوها "خالد" بنظراته الوقحة مردفًا بمشاكسة :
صباحية مباركة يا عروسة..

فتلكمه لكمة قوية بصدره، لتهتف بغضب مصطنع :
"خالد" إتلم وبطل قلة أدب.
رفع أحد حاجبيه بدهشة، ليردف مستنكرًا :
قلة أدب إيه دي؟!!!.
أومال يعني...
لتقاطع كلماته الوقحة بقبلة مشتعلة أخرسته تمامًا، وتبعتد عنه متجهة نحو فستانها لتلتقطه وتدلف إلى غرفة الملابس لترتديه وسط نظرات "خالد" الذاهلة.

حديقة القصر.
بدأ المدعون بالحضور إلى القصر ، حراسة ورقابة مشددة من رجال "ثائر" وقوات الأمن التي أرسلها "علي" بالإضافة إلى الحراس الخاصة بعائلة "السيوفي"، يقومون بالعمل بدقة ومهارة للتأكد من هوية المبدعون، لايدعون المجال لدلوف من لايحمل بطاقة أصلية مرقمة بكود سري.

أكبر رجال المال والأعمال ورجال الدولة ومشاهير الفن والرياضة، هم ضيوف حفل الزفاف الملكي الذي يبدأ من منتصف النهار حتى منتصف الليل.
إصطف "ثائر" وإلى جواره" عبد العزيز" للترحيب بالضيوف وإصطحابهم إلى أماكنهم، لينضم إليهم "حاتم" و "عمر".
فيميل "ثائر" نحو "حاتم" هامسًا بإستنكار :
الحيوان أخوك فين؟!!

المفروض يكون هنا من بدري عشان يكون في إستقبال المعازيم.
أشار "حاتم" برأسه نحو ذلك القادم نحوهم بسعادة ومرح، ليردف بتهكم :
أهو جه أهو....
ليهتف "خالد" بسعادة :
مبروك يا جدعان.... معلش بقا إتأخرت عليكوا.

لمح "حاتم" أحد أصدقائه ليتركهم ويذهب إليه للترحيب به، فيحتل "خالد" مكانه إلى جوار "ثائر" الذي رمقه بغضبٍ جامح، ويميل نحوه ضاغطا كل حرف تفوه به :
كنت فين كل ده يا متخلف؟...
وبعدين رنيت عليك مليون مرة، ماردتش ليه؟
وبعدين إيه البدلة اللي إنت لابسها دي.؟!!

ضم" خالد" طرفي حلته لبعضهما البعض، لينصب صدره، مردفًا بتفاخر :
مالها البدلة حاجة آخر شياكة أهي، وكمان لايقة مع نضارة الشمس اللي لابسها... حتى كمان أحلى من التوكسيدو اللي إنت لابسها ولا نضارتك دي كمان.... نضارة الواد "عمر"
أحلى وأشيك منها.

زفر "ثائر" زفرة قوية أرفق بها جم غضبه، ليصك أسنانه، مردفًا بمكر :
قولتلي كنت متعصب الصبح ليه؟!!
ودلوقتي السعادة هتكسر إزاز النضارة اللي فرحان بيها دي.... خير إن شاء الله؟
إتسعت إبتسامة "خالد" المرحة، ليردف بإندفاع :
مش أنا أتجوزت النهاردة، وطلعت زي الفل والدكتور بتاعك ده طلع أي كلام ومتخلف ولو شفته هقتله، الله يحرقه مطرح ماهو قاعد عايشني ليلة نكد.

ليرمقه "ثائر" بنظرات ساخرة من أسفل نظارته، ويردف بتهكم :
غبي؟!!
والله إنت اللي غبي ومتخلف.... لأن الدكتور كان مشخص الحالة غلط يا متخلف إنت.
تدلي فك "خالد" منصدمًا، ليحدث ذاته بصوت مسموع لـ "ثائر" :
مشخص غلط!!!!... أومال إيه اللي حصل إمبارح ده؟!!!
يكونش توتر وإرتباك؟!!

بس إزاي؟!!!..... "خالد السيوفي" حارق قلوب العذارى يتوتر ويرتبك!!!!!
لا..... هشوف الموضوع بعد أم الفرح ده ما يخلص كده.
لتنفرج إبتسامة خفيفة من ثغر "ثائر" فيتنهد براحة، ملتفتًا نحو "عمر" بعنقه، ويميل نحوه قليلًا، مردفًا بود:
عقبالك يا "عمر"... يلا الدور الجاي عليك بقا.

ربتّ " عمر" على صدره مردفًا بسعادة :
الله يخليك يا جوز أختي، بس الدور على "حاتم " أخوك و كمان البت "هايدي " وبعدين تتفرغوا كلكوا لفرحي بقا... بس إدعي ألاقي عروسة حلوة كده زي أختك الصاروخ دي.
ليجد من يقبض على ياقته بقوة، ويجذبه نحوه بعيون يتطاير منها شرارات الغضب، فيصك "خالد" أسنانه مردفًا بإستنكار :
أخت مين اللي صاروخ ياد أنت؟!

قبض "عمر" على يد "خالد" القابضة على ياقة حلته، ليردف بإقتضاب :
هتكون أختي يعني؟!!!...
أكيد أختك إنت القمر بزيادة دي.
ليشدد "خالد" من قبضته، هاتفًا بغضب أقوى :
بتكرر كلامك تاني يا حيوان إنت؟..
فيرفع "عمر" أحد حاجبيه، لينزع نظارته، ويناولها لـ "ثائر" المتابع للمشهد بحنق مصطنع، مردفًا بجدية :
خاللي النضارة دي معاك يا جوز أختي، دي غالية وعملالها ٨٠٠ جنية بحالهم، أصل فيه قطع غيار بني أدمين هتترمي في المكان ده دلوقتي.

إلتقطها منه "ثائر" بإبتسامة خفيفة حجبتها نظارته، ليلتقط يد "عبد العزيز " الشارد، مردفًا بثبات :
إتفضل حضرتك معايا ياعمي، وسيب المتخلفين دول براحتهم.
رفع "خالد" أحد حاجبيه، ليقطب جبينه مردفًا بصرامة :
أيوة إبعدوا إنتوا بدل ما الدم يطرطش على بدلكم الحلوة دي ويبهدلها..
ليرمق "عمر " بسخط أقوى :
بتقول إيه بقا يا حبيب "بسنت"؟!

فيهتف "عمر" بحدة :
لو سمحت ماتجبش سيرة "بسنت" على لسانك خالص.
قبض "خالد" بكلتا يديه بقوة، ليجذب "عمر" أمام وجهه مردفًا بتحذير :
وإنت يا متخلف ماتجبش سيرة أختي على لسانك... فاهم.
ضيق "عمر" عيناه بتفكير، ليردف :
الصاروخ؟.
فأومأ "خالد" برأسه مردفًا بتأكيد :
أيوه.. الصاروخ.

لتتعالي ضحكات "عمر" المشاكسة، مردفًا :
أهو يا معلم إنت اللي قولت بنفسك إن أختك صاروخ!!!
ضيق "خالد " عيناه بتفكير مردفًا، بإستنكار :
صدق أنا قولت كده.... بس إنت ماتقولش، بدل ما ألغبط معالم وشك، وأخاللي البت" بسنت" ما تطيقش تبص فيه ثانية واحدة.
زفر "عمر" زفرة قوية، ليردف بسخط :
قولتلك ماتجيبش سيرتها قدامي.

لترتخي قبضة "خالد" تدريجيًا، فيترك ياقة" "عمر" تمامًا ويبدأ بتعديل هيئته، ليحاوط كتفي" عمر" بذراعه، ويميل نحو بعنقه مردفًا :
إيه الحكاية يا معلم؟!! شكلك متضايق قوي...
تنهد" عمر" بضيق، مردفًا بغضب :
الجزمة أقولها تيجي معايا الفرح النهاردة عشان أعرفها عليكوا، تقولي أتكسف وأتحرج، وترفض تيجي، عشان كده قررت أقطع علاقتي بيها من النهاردة، وأشوف عروسة حلوة كده وأتجوزها أنا كمان.

حرك "خالد" رأسه نافيًا، ليردف بإستياء :
تؤ تؤ تؤ...." بسنت" بتؤحرج!!!... دي كده ما بتحبكش يا معلم.... إسمع مني، الواحدة اللي بتحب واحد بتحب أهله، وبتحب تتعرف عليهم.
لتشتعل ملامح "عمر" غضبًا، فيصيح بجدية :
أنا قولت كده والله، وقولتلها لو كنتي بتحبيني كنتي هتهربي من أهلك عشان تيجي الفرح..... يعني أنا صح لازم أقطع علاقتي بيها.

أومأ "خالد" برأسه مؤكدًا :
صح طبعًا يا معلم.... بص إنت هتلاقي في الفرح ده النهاردة صواريخ أرض جو، إختار اللي تعجبك وأنا أظبطك معاها.
ليشير "عمر" بسبابته نحو "خالد" مردفًا بجدية :
وعد.
فيومأ "خالد " برأسه مردفًا :
عيب عليك يا معلم.... وعد طبعًا، ووعد "خالد السيوفي" مابيرجعش فيه.... تعالي معايا ندورك على الصاروخ.

تنحي "ثائر" جانبًا، ليجاوب على إتصال "همس" و طلبها حضور "حاتم" لإصطحاب العروس، لإنتهائها من كافة التجهيزات. ينضم "حاتم" إليه وجواله بيده يلهو به، وعلامات الغموض تكسو ملامحه، فيردف بثبات :
صاحب البرج إتنازل عن المحضر، وبعت عمال تشيل الهدد اللي في الموقع، وحط في حساب الشركة خمسة مليون جنيه تحت الحساب، وهيجدد التعاقد بالشروط اللي إحنا عايزنها.

رمقه "ثائر" بثبات، ليردف بجدية :
حلو قوي.... المهم دلوقتي خلينا في "هيا" اللي منتظراك فوق عشان تنزلها،
ليشير برأسه نحو شيخ صالح بقفطانه وعمامته، ويُكمل حديثه :
وأهو المأذون وصل كمان.... يلا بسرعة بقا....
رمقه "حاتم " بشك، ليتنهد بقوة، مردفًا بإستسلام :
تمام.... خلينا في فرحتنا دلوقتي، وبعدين نشوف الموضوع ده.

بهو القصر.
جميع رجال "السيوفي" مصطفين حول "حمزة" الفارس الذي تأنق بحلة توكسيدو كحال أخوته، فأصبح بحق ملكًا متوجًا على عرش الوسامة والجاذبية، بعيناه التي تفيض عشقًا وإشتياقًا للقاء من أسرت قلبه وألجمته بمحراب عشقها الأبدي، وإلى جوارهم "عبد العزيز " و"عمر".
أما أعلى الدرج تهل علينا أميرة عجزت كلمات الشعراء وقصائدهم عن وصف حسنها وبهائها.. فكانت تثبت أحقيتها للقب أميرة "السيوفي" المدللة، بذلك الوشاح الحريري الذي يحجب معالم وجهها عن أنظار أميرها العاشق، بل عن أنظار الجميع.

تأبطت "هيا" ذراع شقيقها بسعادة، ليهبطا الدرج بكبرياء وسط تلك الموسيقى الملكية التي صدحت بالأنحاء، ليرافقها تصفيق حاد من الحضور.
ملكات قلوب العائلة تتبعها بسعادة غامرة، ليوزع كل أمير منهم أنظاره العاشقة مابين معشوقته، وأميرته، أما ملك الحفل فأنظاره مرتكزة ومثبتة نحو أميرته الساحرة ، ليأكل درج السلم صعودًا ليختصر تلك المسافات القاتلة، ليصافح "حاتم" الذي قبّل جبين شقيقته، وسلمها ليد معشوقها المتيم، لتُكمل ماتبقى من درجات متأبطةً ذراع فارسها المتيم.

لينضموا جميعًا إلى المأذون الذي بدأ بفتح دفاتره للبدأ بإجراءات إتمام عقد القران، ليردف بعملية :
بطاقة العريس ووكيل العروس والشهود.
خطى "حمزة" نحوه مناولًا إياه إثبات شخصيته، مردفًا بسعادة غامرة :
إتفضل يا فضيلة الشيخ بطاقة العريس.
ليناوله "حاتم " و "ثائر" معًا إثبات شخصيتهما، ليردفا بسعادة :
ودي بطايق الشهود.

يتناولها المأذون مردفًا بعملية :
أين بطاقة وكيل العروس؟
فيخطو "خالد " بسعادة نحو "عبد العزيز " فاتحًا كفه ، ليردف :
بطاقة حضرتك ياعمي.
علامات الدهشة تنهش ملامحه، ليطوف وجوه رجال "السيوفي" بأعين إلتمعت بدمع غامض، ليستقر بأنظاره نحو "خالد" مردفًا بتعجب :
بطاقتي أنا؟!

أومأ "خالد" برأسه قبل أن يردف مؤكدًا :
أيون.... بطاقة حضرتك ياعمي... حضرتك كبيرنا ومفيش أنسب منك يكون وكيل "يوكا" في يوم زي ده.
إبتسم "عبد العزيز " بحنو للجميع، لينضم إلى المأذون مناولًا إياه إثبات شخصيته، ليبدأ المأذون بعقد القران، وسط سعادة غمرت قلوب ووجوه، لينتهي المأذون مرددًا :
بارك الله لهما وبارك عليهما وجمع بينهما في خير إن شاء الله.

لتتعالي صيحات الفتيات وزغاريدهن، ويعانقون "هيا" بسعادة غامرة، مردفين :
مبروك يا "يوكا"... مبروووك.
نهض "حمزة" من مقعده، ليتجه نحوها بقلب سابقه وسارعه في الوصول إليها ومعانقتها بعشق وإشتياق، ليصل إليها بأعين لامعة بسعادة عاشقة، فيرفع يداه الثابتة، ليزيل عن وجهها ذلك الوشاح الذي واري ملائكية ملامحها الرقيقة، ليقترب من جبينها دامغًا قبلة أودع بها كل مشاعر عشقه وهيامه وسعادته وأمانه، ليهمس برقة :
مبروك حبيبتي.

أطرقت "هيا" رأسها بخجل، لتهمس بحمحمة:
الله يبارك فيك يا حبيبي.... مبروك.
لينضم إليهم "خالد" فيدفعه عنها بكتفه، معانقًا شقيقته بسعادة، ليردف :
ألف مبروك يا "يوكا".. لو الواد ده زعلك أنا في الأوضة اللي جانبك، نادي بس وتلاقيني عندك... ماشي.
رفع "حمزة" أحد حاجبيه، ليجذب "هيا" نحوه مردفًا بسخط :
إبعد شوية يا أخينا، خلاص بقت مراتي وأنا الوحيد المسئول عنها... بعد إذنك كده.

كاد أن يتفوه "خالد " ببضع كلمات ليصمته" ثائر" حينما إلتقط يد "هيا" من بين يدي "حمزة" ليقبل جبينها بحنان الأخ الأكبر، والسند والأمان، مردفًا بسعادة :
مبروك يا حبيبتي...
رفعت أنظارها نحوه بسعادة خجلة، مردفةً برقة :
الله يبارك في حضرتك يا أبية.

إنهالت المباركات على العروسين، لتدلف إلى القصر "هايدي" برفقة أحدهم، لتعتلي ملامح الفتيات الدهشة والإستنكار، لتميل "همس" نحو "ضحي" هامسةً بإمتعاض:
مين الأخ اللي داخل علينا من البت "ديدا" ده؟!!... شكله سمج كده ومش مرتحاله.
رفعت "ضحي" أحد حاجبيها مستنكرة، لتردف بتأكيد :
ولا أنا والله يا أوختي.... بس سمج على مين؟!! لو معجبناش نطفش أمه.

لتتقدم إليهم "هايدي" بإبتسامة مرحة، وتعانق" هيا" ، مردفةً بحماس :
مبرووووك يا "يوكا"... فرحت لك من قلبي.
قطبت "هيا" جبينها، لتردف بتذمر طفولي :
ده اللي قولتي هتيجي النهاردة من أول اليوم.؟
لتتنهد "هايدي" بضيق، مردفةً بأسف :
حقك عليًا.... معلش.

حاوطتها "همس" و"ضحي"، لتهمسا بإستنكار :
مين الأخ؟!!!
هقوللكوا بعدين :
تفوهت "هايدي" بتلك الكلمات، لترمق الشاب، مردفةً بإبتسامة :
"أحمد" إبن خالتي، جه إمبارح من إسكندرية، وماما أصرت إنه يجي معايا الفرح ومايسبنيش لوحدي.
( أحمد : شاب يتوسط العقد الثاني من عمره، كابتن بحار، وسيم إلى حد كبير، رياضي بحكم مهنته، ملامح سمراء وشعر أسمر، وعيناه بنية اللون).

إتسعت إبتسامة "أحمد" ليردف بسعادة :
أسيبك لوحدك إزاي يا "ديدا" وإنتي خطيبتي.
كلمة سقطت على رأس البعض كصاعقة كهربائية، لتفتح "ضحي" فاهها بالتحدث، فتجد "ديدا" ترمقها بنظرات محذرة، فتزفر زفرة قوية، لتلتقط يد "هايدي" مردفةً بإبتسامة متصنعة :
معلش يا أستاذ "أحمد" ممكن ناخد صاحبتنا منك شوية، وإنت الفرح قدامك أهو يلا Enjoy.

ركضت  الفتيات إلى الخارج لتتبعن "هيا" و "حمزة" اللذان أشعلا الأجواء رقصًا على أنغام أغنية" حماقي ".. "يا ستار قلب ولع نار".
ليجذب "خالد" يد" ضحي"  وينضما إلى العروسان فيشاركهما الرقص والتقافز، لتميل "همس" نحو "عمر" الذي أومأ لها برأسه، وجذب يد "هايدي" التي ترتدي فستان شيفون طبقات قرمزي  قصير إلى حد الركبة، بذراعيه المكشوفة، وينضما إلى الجميع ويشاركهما الرقص وترديد كلمات الأغنية بسعادة ومرح.
لتجد "همس" من يهمس إلى جوارها بعشق :
"همسي" واقف لوحده ليه؟!

فإلتفت بأنظارها نحوه مردفة بإبتسامة :
أبدًا.... بتفرج على سعادة العيلة... ربنا يديمها علينا نعمة يارب، ويحفظنا من كل شر.
ليهمس "ثائر" بدعاء :
ربنا يديمك عليًا نعمة يا "همس" ويحفظك ليّا من كل شر.

هناك من يراقب حلبة الرقص بضيق وحنق، لينضم إليهم جاذبًا يد "هايدي" من جوار "عمر" ويُديرها نحوه ويبدأ بالتمايل معها بالرقص، فيدفعه "عمر" بعيدًا جاذبًا يد "هايدي" ليردف بحدة :
مش واقفة مع راجل ولا إيه؟!!!
ولا حضرتك مابتشوفش؟! ، ولا ليكون أنا اللي شفاف؟!
دفعه "أحمد" بيده بعيدًا، ليردف بسخرية :
فين الراجل ده لا مؤاخذة يعني؟!

كور "عمر" قبضته، ليهم بالإنقضاض على فك ذلك الوقح، إلا أن توسل "هايدي" له بأن يتوقف هو من أوقفه، ليشير بسباته نحو وجهه، مردفًا بتحذير :
عشان خاطر "ديدا" بس وإلا قسمًا بربي كنت سففتك تراب الجنينة.
رفع "أحمد" أحد حاجبيه بإستنكار مصطنع، ليردف بسخرية :
تسففني تراب الجنينة!!!!... ما توريني شطارتك كده يا معلم.
ليلتفت "عمر" بأنظاره نحو "هايدي "، مردفًا بهدوء :
عشان خاطرك إنتي بس يا "ديدا"....

أومأت "هايدي" برأسها لـ "عمر" مردفةً بإمتنان :
عارفة يا "عمر".... ميرسي ليك.
لتجذب يد "أحمد" وتتجه لمغادرة القصر مردفةً بحدة :
كفاية فضايح بقا.... الناس هتتفرج علينا، يلا نمشي من هنا.
غادرت "هايدي" القصر مع "أحمد" دون إنتباه أحدهم، أو ربما هناك من يتابع المشهد في صمت ولا مبالاة.

مضت ساعات الحفل مهرولةً بسعادة، أبدلت في خلالها "هيا" زوجين من الفساتين الملكية، حتى تعالت دقات الثانية عشرة، لتتعالي معها أصوات الألعاب النارية المبهجة، لتشكل بنورها صورة رائعة لـ" "هيا" يتبعها جملة ( أمات الحب عشاقًا... وحبك أنت أحياني... بحبك" يوكا" )
لتتعالي صافرات السعادة والفرحة من الجميع، فيهتف" عمر" بصياح :
حلوة الصواريخ دي يا" حمزة".

إتسعت إبتسامة" حمزة" ليجذب" هيا" نحوه، مردفًا بعشق :
بحبك يا كل عمري.
دقائق وإنفض الحضور، لتودع "همس" وعائلة" السيوفي " "عبد العزيز " وأسرته، وسط مباركات وتشكرات وإمتنان وسعادة ووعد باللقاء القريب.
غادر الجميع، لتدلف العائلة إلى الداخل،

بسعادة غامرة لقلوب وأرجاء القصر، فتردف" فريدة" بسعادة :
مبروك يا ولاد.... يلا كل واحد ياخد مراته ويطلع أوضته، وأنا يدوب أدخل أخد شاور دافي وأنام... تعبت من الوقفة طول النهار.
لتتنهد "نجلاء " بإرهاق مردفةً بتأييد :
عندك حق يا ماما... فعلًا شاور دافي وأدخل السرير، ويلا إنتوا كمان ياولاد على أوضتكوا.
ضيقت عيناها بتعجب مردفًا بإستنكار :
أومال "حاتم" فين؟!!

جاوبها "ثائر" بثبات :
كان مع "Wedding Planner".. (منظم حفلات زفاف )، وخرج معاهم، قال هيشم هوا وهيرجع..... يلا يا شباب كل واحد على أوضته، أجازتك بكرة بس يا "حمزة"، بعد بكرة تكون في المجموعة.
ليتجه كل منهم إلى غرفته، فتخطو "همس" نحو الدرج الرئيسي، لتجد من يجذب يدها برفق ، مردفًا بعشق :
مش من هنا.... تعالي معايا.

رمقه "همس" بدهشة، لتتبع خطاه مردفةً بتعجب :
رايحين على فين؟!
ليتجها نحو المصعد الخاص بعالمهما، فيردف "ثائر" بإبتسامة :
تعالي بس.
إستقلا المصعد سويًا، ليضغط "ثائر" أحد أزراره فيغلق أبوابه ويبدأ بالصعود إلى عالمهما الخاص.

فتح المصعد أبوابه تلقائيًا، ليغادر "ثائر" المصعد بثبات، بينما تتوقف "همس" محركةً رأسها بنفي ودمعات لامعة تتمرد بمقلتاها، لتردف بتوتر:
بلاش هنا يا "ثائر" عشان خاطري، أنا بحاول أنسى اليوم ده... أرجوك.

إستدار "ثائر" بكامل جسده نحوها، ليصبح مقابلًا لها ويجذبها نحو صدره العريض، فيشدد من إحتضانها مربتًا على ظهرها بحنو، ليردف :
العالم ده بتاعنا يا "همس"، مفيش رجل بني أدم في الأرض هتدوسه، يعني لازم نتخطي المرحلة اللي فاتت دي، ولازم تكون ذكرياتنا الحلوة بين جدرانه، عشان نمحي الذكرى المؤلمة دي من ذاكرتنا... عشان يوم ما ندخله مع بعض مانفتكرش غير عشقنا لبعض... غير قوتنا اللي بنستمدها من بعض.... لو بثقي فيّا، وعايزة تعدي الفترة دي معايا، غمضي عيونك وإتمسكي بإيدي.

رفعت يدها نحو يده القوية، لتتشبث بها بقوة، مغمضةً عيناها بإستسلام، لتنفرج إبتسامة عاشقة فتزين ثغره، وتزيده وسامة وجاذبية، ليضمها إلى جانبه، محاوطًا كتفاها بذراعه، ويخطو نحو عالم صنعه خصيصًا ليدون لحظات عشقهما المتيم، ويكون شاهدًا على ميلاد أسطورة جديدة للعاشقين.
دفع "ثائر" الباب بيده، ليهمس إلى جوارها بعشق :
"همسي"... ممكن تفتحي عينك وتمشي ورا قلبك بس، بلاش تفكري بعقلك حاليًا.

فتحت عيناها، لينقبض قلبها من هذا العالم بجميع تفاصيله التي عاشتها من قبل، وتتمرد دمعة حارقة فتحرق روحها، لترتجف بين يده، فباتت تلك الزينة لها كابوس جاهدت كثيرًا أن تطرده بعيدًا عن عقلها لتستمر بحياتها مع من سكن الفؤاد وتملكه، من أسر الروح وأزهرها، لتجد من يشدد من ضمها إلى جانبه ، هامسًا بعشق :
قولنا بقلبنا بس يا "همس"، أرجوكي بلاش تفتكري اليوم ده، أنا بحاول أمسحه من ذاكرتنا.... أرجوكي ساعديني.

أغمضت عيناها بأسي، لتتنهد بقوة، مرسلةً إشارة إعمال قلبها فقط، فتجده يتراقص عشقًا بين أضلاعها، لتلتفت نحوه بعيون تلتمع شوقًا وتتقدمه بخطوات ثابتة، ولازالت أنظارها متعلقة بحدقتاه العاشقة.
دلفا سويًا إلى عالمهما، ليُغلق بابه تلقائيًا رافضًا عبور ذرة هواء خارجية، ليُديرها "ثائر" نحوه بعشق سُطِر بعيونٍ إشتعلت شوقًا لما دق الفؤاد بها ولها.

نظرات أقسمت أن تبوح بمكنونات الصدور، أقسمت أن تحيا عشقًا متميًا، أن تغوص ببحور شوقٍ مشتعل، لتطفئ لهيب نيرانه المستعرة...
فتستسلم القلوب كما إستسلمت النظرات، ليخطوا سويًا نحو غرفتهما الخاصة، ليُعلنا أنفسهما أمام الله زوجًا وزوجة.

غرفة "حمزة"
دلفا إلى غرفتهما، ليجداها أُعدت وزينت بأجمل الورود الحمراء وأعبقها عطرًا، الشموع المعطرة، تتراقص أنوارها فتعكس ظلالهما المتشابكة بجدران الغرفة التي زُينت بصور لمراحل عمرهما المختلفة.
لتخطو "هيا" والسعادة تتقافز بحدقتاها، فتشعل وجنتاها توهجًا، وتستدير نحو "حمزة" الذي يوصد الباب جيدًا، ونظراته الصارخة بالعشق، باتت دليلًا وعنوانًا لعشقه المتيم.

هتفت "هيا" بسعادة :
كل ده عشاني يا "حمزة"؟!.... لحقت تعمل كل ده إمتى؟!!
خطى نحوها ليصبح مواجههًا لها، فيمسد خصلات شعرها بحنان، ويزيحها خلف أذنها، ليتلمس وجنتاها بأنامله العاشقة، مردفًا بوله :
ولو طولت أجيبلك حتة من السما مش هتأخر يا عمري اللي راح واللي جاي، ولو كان عندي وقت كنت زينت الجناح أحسن من كده.
رمقته "هيا" بدهشة، لتردف بسعادة :
إنت اللي عملت كل ده بنفسك يا "حمزة"؟

أومأ برأسه مؤكدًا بعشق :
إنتي مفكرة إني ممكن أسمح لحد غريب يدخل أوضتنا ويلمس حاجة فيها، أو حتى عينه تيجي على حاجة تخصنا.
تلألأت عيناها بدمعات السعادة، فأي سعادة تلك التي تضاهي حصولك على زوج عاشق ومحب، أمان وسند، ستر وحماية.،لتردف بكلمات ألجمها البكاء :
أنا بحبك قوي يا "حمزة".... لو ماكنتش إتجوزك كنت هموت.... عمري ما تخيلت نفسي مع غيرك، ولا تخليت واحدة غيري تكون في حضنك.... بحبك قوي يا "حمزة".... بحبك.

راقب "حمزة" حركة شفاهها بعشق، ليقترب منها ببطئ، حتى ينهال عليها بقبلاته المشتاقة، فتبادلة "هيا " تلك القبلات العاشقة، ليذوبا سويًا بعالمهما الخاص، فيكونا هما الآخران زوجة وزوجة، فينضما إلى أخوتهما بالسعادة الحلال.

شقة "عبد العزيز "
دلف الجميع إلى الشقة وسط ثرثرة "عمر"
المستمرة، ليردف "عبد العزيز " بإعياء :
أنا هدخل أوضتي أريح شوية، معلش يا "نونا" ممكن تجيبيلي كوباية ماية.
رمقته "حنان" بنظرات قلقه، فالإعياء والإجهاد ينهش ملامح وجهه ويفترسها، لتردف بثبات حتى لا يستشعر" عمر" شئ :
عيوني يا زيزو"، هجيب الماية وهحصلك، روح إنت إرتاح شوية.

حاوط "عمر" كتفي" عبد العزيز" بذراعه، ليردف بتوتر :
مالك يا حبيبي؟!!.. شكلك تعبان، أتصل بالدكتور.
حرك" عبد العزيز" رأسه نافيًا، ليردف بصوت قوي نسبيًا :
مفيش حاجة يا حبيبي... شوية إرهاق من الوقفة طول النهار.

لتتسع إبتسامة "عمر" المشاكسة، فيردف بمزاح :
إيه يا" زيزو" العضمة كبرت ولا إيه؟...
كده "نونا" تزعل.
فيجد لكمة خفيفة تهوى على كتفه، يتبعها صوت "حنان" المحذر :
إتلم يا واد إنت... وسيب بابا يدخل يرتاح، وإنت إدخل غير هدومك وذاكرلك كلمة تنفعك.

إلتقط "عمر" يد والده ليقبلها بإحترام، مردفًا:
تصبح على خير يا بابا.
وقبل رأس والدته، مردفًا بمشاكسة :
تصبحي على خير يا "نونا".
ليتجه "عمر" إلى غرفته، و"عبد العزيز " إلى غرفته، وتتجه "حنان" إلى المطبخ، محدثةً ذاتها بحزم :
حالة "عبد العزيز " ما عتش يتسكت عليها، الصبح بإذن الله نروح للدكتور عشان يعمل العملية.

إلتقطت "حنان" كأس زجاجي لتعبئه مياه، وغادرت المطبخ متجهة صوب غرفتها بإنقباضة قلب.
لتفتح باب الغرفة، فيتعالي صراخها :
"عبد العزيييييييييز"...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة