قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هدوء بعد العاصفة بقلم فاطمة حمدي و شيماء علي الفصل السادس عشر (هدوء)

رواية هدوء بعد العاصفة بقلم فاطمة حمدي و شيماء علي

رواية هدوء بعد العاصفة للكاتبتان فاطمة حمدي و شيماء علي

الفصل السادس عشر بعنوان: هدوء

خرجت من المشفي بعدما أستعادت عافيتها ولكنها حبست حالها في غرفتها وإنعزلت تماما عن مايدور بالخارج ! والحقيقة أنها في أشد الأحتياج لتلك العزلة لكي تعيد حساباتها من جديد ! وأن الحادثة ماهي إلا جرس إنذار لها !..

في المساء جلست الجدة "سعادة " برفقة إبنتها علي الأريكة أمام التلفاز حتي أقتحم تلك الجلسة النسائية "فارس":-
- مساء الخير !
الجدة بإبتسامة ملأت وجهها المجعمد:-
-مساء النور ياحبيبي حمد الله علي السلامه !..
-الله يسلمك !..

أردف بها وهو يلقي نفسه علي أقرب مقعد بإرهاق فتابعت الجدة بتسأل جاد:-
-ها طمني ليلي بقت كويسه وخرجت من المستشفي !..
أومأ براسه إيجابا مرتين وقال:-
-أيوة !..
تدخلت "سهير " في حديثهما بفضول:-
-ليلى مين دي ؟!..
أبتلعت الجدة ريقها وقالت بحذر:-
-بنت نادية مرات حسين !..

سهير وقد استشاطت غضبا وراحت تنقل بصرها بينهما:-
-أيه مرات حسين ؟! طب وهو ماله ومالهم ؟ .
ثم ثبتت نظرها علي إبنها وسألته:-
-أنت بتروح عندهم ولا أيه ؟!..
رمقها بقوة قبل أن يميل بجسده نحوها وقد ضيق عيناه وهتف:-
- ولنفرض،أيه ناوية تمنعيني مثلا ؟

أرتبكت ملامحها وعادت تستكين في موضعها علي الأريكة مرة أخري، فزفر بضييق قبل أن ينهض من مجلسه ويتجه لغرفته:-
-تصبحم علي خييير !..
ترددت في البداية ولكنها حسمت أمرها في النهاية ولحقت به، كان مازال واقفا يخلع ملابسه عنه فدلفت هي بعدما طرقت علي الباب ! فدخلت بإهتياااج وقد عقدت ساعديها أمام صدرها:-
-أنت هتفضل تعاملني كده كتير ؟! ..
القي قميصه الذي خلعه اللتو علي الفرأش ولم يجاوبها ! فاكملت بنزق:-
-انا أمك !..

هو بجمود:-
وأنا مش ناسي ! ..
ثم تابع بذات النبرة:-
-ومش ناسي برضه إني مديكي خيارين ولحد دلوقتي ماخدتش منك جواب !..
رمقته بصمت ثم مرت من جواره وجلست علي الفرأش بتنهيدة:-
-الموضوع مش بالسهولة دي يابني ! انا لازم افكر في ولادي قبل أي خطوة هاخدها ! وغير كده أنا هبقا مطلقة للمرة التانية الناس هتقول عليا أيه بس!..

التوي فمه بتهكم ساخر وراح يهتف:-
-انا بجد نفسي أسالك سؤال ! هو انا زمان ماكنتش ضمن حساباتك اللي تفكري فيها ؟!..
اكتسي وجهها خجلا وحزنا وقالت وهي تفرك كفيها معا:-
-انا يافارس و آآآ الله ااااا..
لم تتم جملتها حيث قطع حديثها فجاءة:-
-انا مش عاوز أسمع تبريرات زمن التبريرات أنتهي وعدي خلاص !..
فألتفت واولها ظهره ليقول بنبرة قائمة وقد أنشغل بشئ ما:-
-عالعموم انتي حره، وفكري كويس واللي أنتي شايفاه صح اعمليه ! وانا هنفذهولك !..

اعدت لها طعامها المفضل وحملته بنفسها إلي غرفتها،طرقات خفيفة علي الباب لتدخل عقبها مبأشرة ! كانت إبنتها جالسه علي الفرأش بشرود يشوبه الحزن حتي إنها لم تنتبه لدخول والدتها، جلست أمامها وقد زينت ثغرها بإبتسامه هاتفه:-
-ليلى،يلا ياحبيبتي عشان تتغدي أنا عملتلك الأكل اللي بتحبيه !...
أفاقت من شرودها علي صوت والدتها فألتفتت صوبها بصمت ! فتابعت بمرح:-
-بامية ورز بشعرية وكمان قطعتلك الفراخ عليه زي مابتحبي !...

لم تتلقي منها إجابة سوي عبرات بدأت تلمع في مقلتيها استعداد لنوبة بكاء تداهمها، أمسكت "نادية" بيد إبنتها بكلتا يديها وتنهدت بحنو:-
-ممكن ننسي اللي حصل ! ونعتبره كابوس وخلص خلاص،وترجعي تروحي مدرستك من تاني وتلتفتي لدروسك ومستقبلك ! ...
ثم تابعت بعاطفة أمومية لتبث الأطمئنان بداخلها:-
- وبعدين أنا جمبك ! أوعي تخافي أبدا !...

كانت مقلتيها قد تكدست بالعبرات فلم تجد لها ملجأ في هذا الحين سوي حضن والدتها التي إندفعت نحوه بعد هجران دام طويل! تشبثت ليلي بها وتعالت شهقاتها وبكائها بقوة ضمتها "نادية " إليها جيدا واحاطتها بذراعيها بينما يدها تربت علي ظهرها لتهدئئها وسط رفرفت قلبها فرحا!..

ولجت "نادية " بحزن إلي غرفتها فكان "حسين" قد أنتهي اللتو من أداء فريضته فنظر نحوها وسألها مبأشرة بإهتمام:-
-ها يانادية ليلي أكلت ؟! .
تهاوت علي الأريكة بعدما أومأت برأسها إيجابا وبحزن:-
يدوبك معلقتين بعد ماهريت نفسها عياط ونامت !..
نظرت نحوه وقد لمعت الدموع في مقلتيها وبإختناق:-
-بنتي إنكسرت اووي ياحسين،ليلي خلاص إنطفت خلاص ..

جلس "حسين " بجورارها وقد تنهد بجدية ليقول:-
- فارس كان عرض عليا لما كنا في المستشفي دكتور صحبه،دكتور نفسي يعني ممكن يساعدنا في حالة ليلي !.. ..
انكمشت ملامح نادية ونطقت بإستغراب:-
-دكتور نفسي !
فهزت رأسها بعدم رضا عدة مرات:-
-لالا ياحسين مش للدرجادي يعني !..

حسين:-
-لا للدرجة دي واكتر يانادية وأنتي عارفة كويس إن بنتك محتاجه لده من ساعة وفاة حسن الله يرحمه !..
نكست "نادية " رأسها ثم عادت تهتف بضييق:-
-ايوة بس ليلي عمرها ماهترضي ابدا !
حسين بلهجة جامدة:-
-لازم تحاولي تكلميها وتقنعيها ياليلي خلاص مش هنستني لحد مالبنت تضييع مننا !..

صدقت "نادية " علي حديثه بإيماءة من رأسها:-
-حاضر هكلمها وهحاول أقنعها !..
ثم همست بغيظ وغضب:-
-منه لله اللي كان السبب !..
ثم رأحت تسأله بعنف:-
-صحيح هما عملوا معاه أيه ؟!..
-اديه محبوس علي ذمة القضية وبيحققوا معاه !..

ثم تابع بعقلانية:-
-أحنا المهم دلوقت ليلي يانادية ! لازم تكلميها وانا هكلم فارس يحددلنا ميعاد مع الدكتور ده في أقرب وقت ممكن !..
-حاضر !
ثم أبتهجت ملامحها وهي تثنو في إبنه:-
-انا مش عارفة ارد لفارس جميله ده ازاي ده لوله كانت بنتي ضاعت علي يد اللي مايتسمي !..
اتسعت إبتسامة حسيين بفخر:-
-فارس رجلي يانادية اللي ربنا بعتهولي في الوقت المناسب عشان يبقي جمبي ويثبت برأءتي قدام الكل !..

خطرت في بالها فكره فأسرعت تقولها علي الفور:-
-بقولك أيه ياحسسين ! ايه رأيك نعزمه عندنا الأسبوع الجاي واهو تبقا فرصه أشكره بيها !..
حسين بحيرة:-
-مش عارف يانادية وكمان الظروف دلوقت مااا ..
قاطعته علي عجالة من أمرها:-
-اعزمه انت بس وسيب الباقي عليا انا هتصرف !..

أستجاب" فارس " لدعوة أبية ووعده بالحضور وفي ذالك اليوم وقفت" نادية " منذ الصباح الباكر في المطبخ لتعد أشهي الماكولات وتقدم أحسن مالديها من مهاراة ! وبيننما هي منشغله في ذالك دلفت " ليلي " إليها بخطوات متمهله ورغم الشحوب البادي عليها إلا انها هتفت بحذر وإرتباك:-
-ينفع أساعدك في حاجه ؟!
تهللت أسارير نادية لرؤية إبنتها أمامها ولخروجها من قوقعتها حتي لو كان مؤقتا !
:-
-طبعااااااا ينفع...

أزاحت " ليلي " خصلاتها ثم بدأت تجوب المطبخ بعينيها بحيرة ولم تدري ماذا تفعل فهي لاتجيد الطبخ مطلقا، فهمتها والدتها علي الفور وتبسمت بينها وبين نفسها ولم تعقب، فهمست ليلي بحرج:-
-ه هاقطعلك السلطه !..
ضحكت نادية بقوة ثم قالت:-
-ده كده كتير عليااااااا ا!..

أبتسمت "ليلى " ملئ شدقيها ثم تحركت لتبدأ بعملها حيث بدأت بغسل الخضروات جيدا ! وبدأت في تقطعيها بتركيز تام،فدنت منها والدتها بفرحة:-
-انا بجد مبسوطه اوووي أنك خرجتي من أوضتك والفرحة مش سيعاني والله !.
تبتسمت علي حديثها بهدوء وأيضا بصمت فأستغلت نادية الموقف وهتفت بحذر:-
-بقولك ايه ياليلى أيه رأيك لو تروحي يعني لدكتور نفسي !
تركت ليلي مافي يديها وقطبت مابين حاجبيها معا قبل أن تلفظ:-
-دكتور نفسي ! ..

فأسرعت نادية بالحديث:-
-ده مجرد اقتراح ياحبيبتي انا مش بجبرك والله كل الحكاية إني عاوزة أساعدك تلاقي اللي تتكلمي معاه ويقدر يساعدك تخرجي من أزمتك، وبعدين في الأول والأخر ده مجرد اقتراح والقرار ليكي !..
صممتت "ليلي " قليلا تفكر في حديثها فهي ربما حقا تحتاج لذلك ! فتنهدت بصوت مسموع قبل أن تستأنف عملها من جديد قائلة بدون أكتراث:-
-هفكر في الموضوع !..
نادية بإرتياح والابتسامة مازالت عالقه علي وجهها:-
-مااااشي ياحبيبتي براحتك !...

أجتمع حسين مع عائلته علي مائدة الطعام بحضور إبنه الوحيد في صورة نادرة لهما ! والأغرب من ذالك وجود تلك معهم علي المائدة فكانت تجلس بالجهة المقابلة له بجوار والدتها بهدوء علي غير المعتاد منها ! رأقب الإنطفاء البادي عليها بإشفاااق رغم عنه، فانتقل ببصره نحو والده الذي قال:-
- ايه يافارس مابتأكلش لييه ؟! خلي في علمك نادية شيف هايل وأكلها لايعلي عليه يعني ماتقلقش!..
أبتسمت "نادية " بخجل ثم هتفت:-
-مش اووي كده ياحسين !..

أبتسم لها فارس وهو يمسك بمعلقته المعدنية ويثتو برأيه:-
-لا بجد تسلم أيدك، هو مش بيبالغ ولا شهادته مجروحه ولاحاجه !..
- ربنا يخليك ياحبيبي !...
ثم أكملت بحرج وتنهيدة بعدما نظرت لإبنتها:-
-الحقيقة أنا كنت عاوزة أشكرك علي اللي أنت عملته مع بنتي يافارس والحقيقة جميلك ده فوق رأسي لولاك محدش عارف كان ممكن يحصل أيه !

تركت "ليلى " معلقتها أثر هذه السيره وكذلك فارس ليقول بخشونه:-
-انا معملتش حاجه ! واي حد مكاني كان هيعمل كده وأكتر!..
أنهي جملته وهو يثبث نظره عليها فشعرت بالإختناق يفتك بها فهمست قبل أن تنهض:-
-الحمد الله !..
ثم نهضت علي عجالة وأتجهت صوب غرفتها !..

أختفت تماما بعد الغداء فلم يلمحها في الشقة مجددا ! فأنتهز أقرب فرصة ليهرب إلي شرفة المنزل ليشعل سيجارته ! وبينما هو يزفر دخان تبغه ! تفأجي بها تدلف له علي أستحياء وتفرك كفيها معا بتوتر بالغ ! كانت تبدو جميلة ومختلفه خصلاتها الناعمة تستكين علي جانبي كتفيها وفي المقدمة رابطة رمادية ! وثوب أسود طويل منقوش وأخيرا خرج صوتها بإرتباك:-
-أنا كنت عاوزة ااا أشكرك !..
التوي فمه بسخريه وتهكم قائلا:-
-ما أنتي سبق وشكرتيني في المستشفي قبل كده !..

هزت رأسها بنفي وبخفوت:-
-مش عشان كده !...
رفع حاجبه الأيسر بإستغراب:-
-أومال ؟!..
أبتلعت ريقها بصعوبة ثم همست بإرتباك:-
-إنك مجبتش لحد ااا سيرة يعني عن اللي اا حصل مع نا ااانسي !..

أومأ برأسه إيجابا ثم أخذ نفس من سيجارته وزفره ببرووود:-
-أنا عملت كده عشان عشان خاطر أبويا ! مفيش داعي يتصدم فيكي اكتر من كده !..
لمعت عيناها بالعبرات مما جعلته يلؤم حاله وبشدة علي ماتلفظ به فنكست رأسها بخزي واستدارت لكي تغادر فسمتعته يهتف بجمود:-
-أستني !.

وقفت موضعها دون حراك، فزفر بضييق بعدما القي سيجارته ارضا وقال بجدية تامة:-
-عايزة اقولك انهم مايستاهلوش منك كده بالعكس ده أنتي عمرك ماهتلاقي اللي يحبك قدهم !ده غير إنهم مش وحششين اووي كده زي ما أنتي متصوره، أمك وكان عندها أستعداد تضحي بحته منها عشانك وعشان زعلك ومفكرتش ساعتها في نفسها ولافي جوزها ولا حتي في ابنها اللي جاي قد مافكرت فيكي وفي زعلك!..
أغمضت عيناها بألم وهي تستمع كلماته فتنهد بصوت مسموع قبل أن يكمل بعدما لانت نبرته:-
-ياريت تراجعي نفسك وبلاش تخسريهم أكتر من كده ياليلى! ...
وكأنها المرة الأولي التي ينطق بها أسمها دون القاب تثير أستفزازها ! تدحرجت دموعها علي وجنتيها وقبل أن تفر هاربه ! برح هو المكان لها !..

 

بعد مرور أيام...
_ وقف أمام سيارته ينتظر قدومها فقد أوكل أبيه إليه مهمة توصيلها إلي رفيقه الطبيب النفسي ومرافقتها لإنشغاله في زوجته التي تعاني من الحمل ! رغم أن موافقتها أثارت أستغرابهم ولكنها في الحقيقة خطوة جيدة للغاية لها ! نظر في ساعة هاتفه بنفاذ صبر من تأخرها حتي لمحها قادمة نحوه وهي مرتديه بالطو وردي اللون وقبعة قماشية من نفس اللون وخصلاتها تنسدل من أسفله كما انها تعلق حقيبة ظهر لإغراضها الصغيرة ! بدت هيئتها له وكأنها طفلة و ليست فتاة من المفترض أنها ناضجة ! ..

لم يستطع إخفاء الإبتسامة التي تكونت علي ثغره أثر هيئتها إلا حينما وقفت امامه فتنحنح بخشونه:-
-أحم أحم انا جاااي عشان بابا اااا ...
قاطعته بهدوء ونعومه:-
-عندي علم !
اوما برأسه إيجابا ثم أشار نحو سيارته:-
-تمام أتفضلي!.
سارت تستقل سيارته بجواره بعدما القت حقيبتها علي المقعد الخلفي ! واتخذ هو موضغه خلف المقود وانطلق بسيارته !..

_كان الطريق خاليا مما شجع "فارس " علي زيادة سرعة سيارته والتسابق بها لكي يقتل الوقت ! وبعد مرور برهة وبينما هو يدير رأسه نحوها لاحظ ترنج رأسه بحركة غير طبيعية بالإضافة إلي شحوب وجهها! فاوقف سيارته بقلق ودنا منها قليلا يتفحصها:-
-ليلي انتي كويسه !..
ليلى بإعياء:-
-ك كويسه كويسه بس دوخت شويه !..
فسرعان ماتذكر أمر مرضها مما جعله يمسح علي وجهه بضييق من حاله ثم سألها بإهتمام:-
-طب أنتي اخدتي دواكي ؟!

-باااين اا نسييت !..
زفر بصوت مسموع وضيق جلي علي ملامحه ثم قال:-
-طب هو معاكي !..
أومأت برأسها إيجابا وببراءة قالت:-
-اه في الشنطة بتاعتي!..
ثم اشارت إلي حقيبتها في الخلف، فجز علي اسنانه بغضب وصاح:-
-بيعمل ايه في الشنطة ؟ ها بيعمل ايه ؟ مش المفروض تاخدي ادويتك في ميعادها ؟!..

ارتجفت من صياحه المفأجي بها وأنكمشت في مقعدها! فمد يدها وتناول حقيبتها من الخلف ليلقيها علي قدميها بضجر:-
-اتفضلي سيادتك خدي علاجك !..
وقبل ان تفتح سحاب حقيبتها سمعته يهتف بنزق وقد قطب مابين حاجبيه:-
-أستني ! أنتي فطرتي الأول ؟!
توقفت عما تفعل وعضت علي شفتيها بتوتر وهلع فكيف تخبره بأنها لم تتناول شئ منذ الصباح ! ولكنها فعلت وهزت رأسها نافية ذلك !

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة