قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية هدوء بعد العاصفة بقلم فاطمة حمدي و شيماء علي الفصل السابع عشر (نبضات)

رواية هدوء بعد العاصفة بقلم فاطمة حمدي و شيماء علي

رواية هدوء بعد العاصفة للكاتبتان فاطمة حمدي و شيماء علي

الفصل السابع عشر بعنوان: نبضات

جلس أمامها وتأملها عن كثب وهي تلوك الطعام في فمها ببطء بينما يظهر عليها الاعياء، لكنه ابتسم رغم غيظه الشديد من اهمالها في أخذ علاجها..
نعم كان يبتسم.. بهدوء وهو يتأملها فقط دون كلام، فرفعت عينيها الجميلتين تناظره باستغراب وهي تسأله بخجل:
-بتبص لي كدا ليه؟
فقال بلا تردد بنظرة خاصة:
-ملامحك!
فقالت بتعجب:
-مالها!
أخبرها:
-ملامح طفلة.. بريئة! ودا لمحته في أول مرة شوفتك فيها، كنت مستغرب إزاي بتقدري تقولي الكلام القاسي والتصرفات الدبش دي!

ازدردت ريقها بخجل واحمرَ وجهها جراء نظراته الغريبة التي تراها لأول مرة في عينيه، ثم قالت بنبرة متحشرجة وكأنها تقاوم بحرا من الدموع:
-أنا كان قلبي محروق..
وانفجرت انهارا صغيرة من الدموع فوق وجنتاها، فاعتدل فارس في جلسته ولا يعلم كيف يتصرف..
فقط هو مترقبًا لما ستقوله..
هو يعلم أنها لديها الكثير في قلبها فعيناها تخبرانه بقصة أليمة..

كما تخبرانه أنها تريد قصها الآن !
وهو على أتم استعداد لسماعها!
لذا مد يده لها بمنديلٍ ورقي بصمت وعيناه أرسلتا لها نظرة مطمئنة شجعتها على الحديث، فراحت تمسح عبراتها وأنفها بالمنديل قبل أن تتكلم وهي تشعر بالراحة قليلًا:
-أنا كنت بحب بابا جداً كان أغلى إنسان عندي.. وفجأة ملقتهوش ولقيت واحد تاني مكانه والواحد دا عمي وعمي اللي بحبه جدًا اللي عمري ما تخيلت إنه يكون في مكان بابا!

صمتت قليلًا تلتقط أنفاسها وتمسح على وجهها بكف يدها ثم تكمل متسائلة بضياع:
-أنت فاهمني؟
فأومأ لها بلا كلام أيضاً، فتابعت وكأنها تعرفه منذ سنوات
-أنا نفسي كنت حاسة إني غريبة عني، كنت حاسة إني مش ليلى! كنت حاسة إن فيه جزء مني مات مع بابا.. مكنتش أقصد أأذي عمي! لأن كنت بشوف عمي دا واحد غريب مجرد واحد حطني قدام أمر واقع أنا مش قادرة اتقبله..
-بس هو مطلبش منك إنك تعامليه على إنه والدك!، هو بس كان حابب إنك تقبلي العلاقة دي و...

قاطعته باكية بمرارة:
-كان صعب ولحد دلوقتي صعب.. انا اتحرمت من ابويا وفجأة جه واحد شاركني في حب أمي.. أيوة أنا موجوعة وجدا ومش عارفة هقدر اعيش في الوضع دا ولا لا!
-هتعرفي..
قال مؤكداً وهو يُخبرها:
-على فكرة مش أنتِ لوحدك اللي موجوعة كل واحد مننا عنده اللي بيوجعه..
وتنهد وقال:
-بس القوي مننا اللي يعرف يعيش ويتعايش مع وجعه ويصاحبه عشان الوجع دا على الأقل يقل.. أنا زيك على فكرة!

نظرت له بترقب وهي تمسح عبراتها بكفها، فتابع وقد أظلمت عيناه فجأة:
-أنا عشت من غير أم وأب رغم إنهم على قيد الحياة!
أمي سابتني وإتجوزت وابويا نفس الكلام.. وأظن الوجع اللي حسيت بيه كان ممكن يخليني انسان فاشل ويمكن مدمن ويمكن سوابق كمان!
بس أنا اتحديت نفسي واتحديت العالم بما فيهم ابويا وامي! أنا هبقى كويس لوحدي وبتوفيق ربنا، وبقيت زي ما أنتِ شايفة دلوقتي، أنا ماسك شركات جوا وبرا مصر وكلها ملكي.. صحيح المشوار كان طويل واتبهدلت كتير بس فخور باللي وصلتله..

أطالت النظر إليه.. يبدو قوي رغم لمعة الحزن الجلية المسيطرة على عينيه.. لذا قالت مستفسرة:
-وازاي قدرت تسامح الاتنين بعد ما وصلت للمكانة اللي أنت فيها دي لوحدك!
-عشان التسامح من صفات الانسان القوي، وعشان ربنا بيسامح وعشان لمحت في عين الاتنين نظرة احتياج ليا لما قابلتهم وانا مش من طبعي التخلي..
جدتي دايما كانت تقولي -يا بخت من قدر وعفي - أنا لو عندي صفات حلوة هي السبب فيها وبعترف إن ماحدش دعمني غيرها..
لا تنكر ليلى إنها أعجبت به فشخصيته مثيرة للاعجاب والانبهار بشدة.. كيف لانسان حُرم من أبويه دون سابق إنذار وهما على قيد الحياة أن يكون بهذا النجاح؟
وهذه القوة؟..

والتسامح؟... حقاً هو له نصيبا كبيراً من إسمه...
-ها هتختاري تكوني إيه؟
قطع شرودها في تفاصيله بسؤاله المبهم، لتنتبه له وتقول متسائلة:
-اكون ايه ازاي؟
ابتسم ابتسامة جانبية أزادت من وسامته وهو يسألها من جديد:
-قوية ولا ضعيفة؟
ابتسمت بخجل وأرجعت خلصة شعرها المتمردة على جبينها خلف أذنها لتقول بخفوت:
-قوية...

لقد أوصل الغضب داخلها إلى أشده.. خاصةً وهي تسمع تهديده الصريح:
-لو مارجعتيش بالذوق يا سهير هندمك على ابنك الحيلة دا اللي فرحانة بيه!
اتسعت عيناها بغضب عارم وطعن الخوف قلبها وهي تصيح به بشراسة:
-والله ما يكفيني فيك موتك يا سعيد لو فكرت تمس فارس ابني!
-دلوقتي بقى ابنك بعد ما بقى غني ومعاه فلوس كان فين من زمان ابنك دا؟

لقد ضغط على الجرح الملتهب بكل عنف ليذكرها بم اقترفته في حق ابنها لأجل هذا الحقير الذي يعايرها الآن!
ذاك الذي ضحت بولدها لأجله يزيد من عذابها ولم يكتفِ!
انه يهددها بلا رحمة اما أن تعود إلى جحيمه أو يؤذي فارس!
ما الذي ستفعله سهير؟
عليها التضحية وان كانت ستحترق ما إن تقترب!
لذا قالت بلا تردد وقد سالت دموعها على خديها:
-هرجع!

فضحك هازئًا وهو يخبرها:
متتأخريش!
بينما يواصل باستفزاز:
-هاتي معاك شوية فلوس من ابنك عشان الحالة مقشفرة..
اغلقت الهاتف بعنف ودفعته أرضًا وهي تصرخ بمرارة:
-ربنا ياخدك ويريحني منك ..

لا تعلم -ليلى- كم مر من الوقت وهي تتحدث بصحبة فارس.. ويتبادلان النظرات من حين لاخر، تضحك بحق!
لم تتذكر اخر مرة ضحكت بها مثل هذا الوقت..
لم تشعر بالراحة مثلما شعرت بها الآن..
كان غريبا عنها تماما.. ليصبح فجأة قريبا للغاية هكذا!
هذا الغريب القريب كما رأته هي بعينيها شكل فارقا كبيرا معها.. وبث داخلها شيئا لا تعلمه لكنه مريح.. ورائع!
نظر فارس إلى ساعته وهو يقول مندهشًا:
-ميعاد الدكتور فات!

فقالت بلا اكتراث وهي تشرد في مياه النيل مجددًا:
-مش مهم.. مش عاوزة أروح خلاص..
-ليه؟
-مش محتاجة أنا ارتحت..
ابتسم بخفة وهو يتأملها بنظرة خاصة، فالتفتت له وهمست بخجل:
-أنا ارتحت لما طلعت كل اللي جوايا.. شكرا لأنك سمعتني وإدتني جزء من وقتك..
تنهد أخذًا نفسًا عميقًا وقال:
-يعني أعتبر إن دي بداية جديدة لينا!

ثم تراجع في سرعة وهو يُخبرها:
-قصدي ليكِ..
ابتسمت وقالت:
-إن شاء الله..
مضى الوقت وعادت ليلى إلى البيت لأول مرة منذ زمن وهي تبتسم وتشعر وكأن الجبال التي كانت تحملها فوق صدرها قد تفتت..
وأن ليلى قد عادت من جديد..

فيزهر البيت وتزهر معه -نادية- فما أجمل ابتسامة ابنتها التي كالشمس الساطعة التي أشرقت أخيراً بعد طول عناء..
وذهب فارس إلى بيت جدته.. ليتفاجئ بأمه مرتدية ملابسها وتنتظره وتناظره بانكسار..
فنظر لها باستنكار دون كلام، فوقفت بوهن ؤهي تقول كلمة كانت كفيلة باشعال نيران غضبه:
-أنا هروح يا فارس..
لم يتوقع أن يكون هذا قرارها.. ورغم احتراقه من الداخل قال بنبرة ثلجية:
-مع السلامة..

ليصمت قليلا ويُخبرها بصرامة قاتلة:
-بس تنسي إن ليكِ ابن اسمه فارس...
وأردف ببطء جازا على اسنانه:
-تماما!
لتنفجر باكية وهي تتوسله:
-لا لا يا فارس ماتعملش فيا كدا بالله عليك..
رمقها مطولا ثم سألها بغضب دفين:
-هو خرج من السجن؟
فهزت راسها بإيجاب وقالت بلا اكتراث:
ايوة بس مش دا المهم...

قاطعها صائحًا:
اومال ايه المهم؟ انك ترجعي لرد السجون بتاع المخدرات اللي يا اما هيشردك انتي وعيالك يا اما هيقتلك!
-يابني سعيد بيهددني بيك آآ...
قاطعها مجددًا مع قوله الشرس:
-بيهددك بيا!
-أيوة يا ارجعله يا هيندمني عليك.. هو قالي كدا..
فضحك فارس متهكمًا وهو يقول بصرامة قاتلة:
-ضحكتيني!

ماتتحججيش بيا وقولي مش عاوزاه وانا كفيل احميكي انتي وولادك واحمي نفسي..
وجوزك دا حشرة ولا يسوى! أنا اللي هندمه..
ازدردت ريقها المرير وهي لا تعلم ماذا تفعل.. فزوجها لا يعرف الرحمة ربما يأخذ ولدها على غدر..
ويجعلها تتحسر عليه في غمضة عين..
أتذهب؟

أم تظل في حماية إبنها كما اخبرها؟
باتت في حيرة تحت نظرات فارس القاسية، لتحسم أمرها بعد صمت طويل وتقول:
_مش هرجع يا فارس...
فانصرف هو إلى غرفته تاركاً إياها تبكي من جديد..
أخذ يبدل ثيابه وهو في حالة غضب شديدة، ثم ارتمى على الفراش بانهاكٍ وأغمض عينيه لفترة طويلة، حتى سمع طرقات على باب الغرفة خاصته فلم يرد..
ففُتح الباب من قبل جدته التي ولجت تحمل صينية طعام شهي يحبه ويفضله هو، بينما تقول بنبرة حنون:
-حبيبي زعلان!

نهض فارس ببطء وقد شعر ببعض الارتياح لوجودها جواره، ثم ابتسم بالكاد وهو يقول بهدوء:
-مأقدرش أزعل وأنتِ جنبي..
جلست جواره بعدما وضعت الصينية أمامه، فانحنى يقبل يدها بحُبٍ، حيث أنها الوحيدة التي لم تنسَه قط وفي لحظاته الأليمة كانت خير رفيق دائماً..
بينما يقول بحنوٍ:
-ربنا ما يحرمني منك..
فربتت على ساقه وهي تدعه له:
-ويعطيك ويرزقك ويبعد عنك ولاد الحرام يا فارس ويديك على قد طيبتك وحنيتك مع الكل..

ابتسم لها واستند على ظهر الفراش، فقالت:
-مش هتتغدى ولا ايه؟ أنا جبتلك الاكل هنا مخصوص عشان ماحدش يزعجك وتقعد كدا وتروق دمك..
-ربنا يخليكِ ليا، بس أنا كلت برا..
-برضوه يا فارس؟ ويا ترى بقى لوحدك ولا برضوه غدا عمل؟
تنهد واعتدل في جلسته وأخبرها:
-مع ليلى!

فاتسعت ابتسامة الجدة ثم ضحكت وهي تقول:
-ممم قولتلي بقى ليلى! بقى ليلى بقى اللي مخلياك شارد كدا ومش ع طبيعتك؟
رفع حاجبه مع قوله:
-أنا شارد ومش على طبيعتي؟
-أيوة، يلا اعترفلي وقولي اخر الاخبار، بصراحة ليلى بنت حلال وياريت تبقى من نصيبك..
ضحك مقهقهًا وهو يقول من بين ضحكاته:
-حيلك حيلك عليا، مش للدرجة يعني، أنتِ هتجوزينا كمان؟

فقالت بجدية:
-وليه لأ يا حبيبي، هو أنت مش ناوي تحب وتتجوز زي خلق الله ولا إيه؟
-حب.. لا أنا مش بتاع حب..
اطالت النظر اليه، وراحت تبتسم بشقاوة دون كلام، فعاد ينظر لها قائلًا بارتباكٍ:
-إيه؟
ضحكت متابعة بمشاكسة:
-عيني في عينك كدا وقول انك مش معجب بالبنت؟
ضحك وعاد يسند ظهره على الفراش قائلًا بمراوغة:
-اه منك!

نهضت قائلة بحنان:
-شد حيلك بقى عاوزة أفرح بيك يا واد أنت..
ابتسم دون كلام، ثم قال بعد ثوان:
-خدي الاكل دا معاكِ عشان مش جعان بجد وهنام ساعتين وصحيني عشان عندي شغل..
نظرت إلى الساعة وهي تقول بضيق:
-يا فارس شغل الليل دا وحش يا حبيبي مهما كان النهار له عنين، أنا بخاف عليك..
-حاضر أوعدك هرتب مواعيدي واشتغل طول النهار..
-ربنا يحميك..
وكانت اخر جملة يسمعها قبل يغط في سبات عميق..

وبعد مرور ساعتين وأكثر...

هبط درجات البناية بعدما استيقظ واغتسل أيضاً...
بينما يتوجه نحو سيارته في السكون التام والشارع يخلو تماماً من المارة..
ليتفاجئ بثلاث أشخاص ضخام جداً..
اثنان يكبلانه تماما والاخر اخرج مدية من جيبه وراح يغرزها ببطنه في قوة وسرعة..
فصرخ من شدة الضربة وبعدها لم يدر بأي شيء حوله!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة