قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية نيران الحب والقسوة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس

رواية نيران الحب والقسوة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس

رواية نيران الحب والقسوة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس

اقترب منها ما إن أنهت جملتها، أربكها قربه فتراجعت قليلًا للخلف، كان يتأملها عن قرب ووجه جامد، ملامحه صلبة ايضًا، تحدث بعدما رفعت وجهها إليه فتقابلت عيناها بعينيه، أخبرها بثبات:
الست الوالدة لسة تحت لو مش عاجبك العيشة هنا تقدري تمشي معاها، هو أنا حابسك ولا مكتفك؟
صُدمت من كلامه هذا فحملقت به بحزن شديد، عاد يخبرها مجدداً:.

لا تكوني فاكرة إني ميت في جمالك ولا حاجة؟ كل شوية طلقني طلقني، أول مرة اشوف حد غلطان وكمان مستفز وبجح زيك.
لقد أوجعها بكلامه وأخرسها تماما، ماذا ستخبره الآن؟ أتخبره بأنها تريد البقاء معه وتتوسله بأن يبدأن معا من جديد أم تخبره أنها رأت معه الأمان الذي كانت تبحث عنه طيلة حياتها..

نكست رأسها قليلاً وتحاشت النظر إليه، فابتعد يزيد وقد علم أن حديثه ترك أثرا بها كما يعلم حقيقة مشاعرها تجاهه فإءن عينيها تحكيان ما لم ينطقه لسانها هو يعلم جيدًا أولها وأخرها وما تخبئه داخل قلبها المُنهك..

تمالكت الآن نفسها ورفعت رأسها ثانية فوجدته قد أبدل ملابسه وهو الآن يتجه إلى الحمام...
فأسرعت تقول في تلهف:
ممكن أسألك سؤال؟
توقف عن سيره والتفت لها متأهبًا لما ستلفظ به، فسألت فورًا لكن بخوف شديد:
أنت شوفت المحادثات والصور؟
هز رأسه مع قوله:
أيوة شوفت، كل حاجة.

أغمضت عينيها بشدة كمن سقط عليه ماء مثلج، أو كمن تلقى صفعة مفاجئة، وكان يتابع تعابير وجهها بهدوء شديد في صمت تام، انحدرت دمعة من عينها تأخذ مجراها على وجنتها لم تستطع منعها أبدا، لا ينكر أنه الآن يشفق عليها فقد تحولت بسرعة من حالتها القوية أو ما تظهره إلى حالة ضعيفة جدا هزيلة وضائعة أيضًا، مشتتة للغاية لا تعلم ماذا تفعل وتفكر ترى كيف يراها الآن؟
وناوي تسبني؟

فاجئته بسؤالها فلم يرد عليها بالطبع، ألم يعدها بأنه سيفعل ما لم يجعلها تشعر بالراحة؟
وحين طال صمته تكلمت ثانيةً:
أنت شايفني إيه دلوقتي؟
أيضاً لا رد صمت تام أهلكها، فتحركت قليلاً وتقربت منه إلى أن وقفت أمامه وقد قالت بنبرة خافتة:.

أنا مش وحشة زي ما أنت شايفني والله دا الشخص الوحيد اللي عرفته ومكنتش أعرف إنه كدا، والصور دي مكنتش بتصورها له مخصوص عادي بتصور زي أي حد وكلهم بالحجاب وأكيد أنت خدت بالك لما شوفتهم صحيح كان ليا صور معاه بس برضوه كنا بنبقى في مكان عام أنا عارفة إن دا غلط بس..
قاطعها قائلا:
وأنا مش عاوز أسمع الكلام دا، وماليش دعوة بيه أنا سبق وقولتلك مش دا سبب غضبي سبب الغضب هو الكذب..

هزت رأسها إيجابا وقد قالت بوداعة حتى إنه تعجب لذلك:
أنا آسفة، وبطلب منك السماح دلوقتي، ممكن تسامحني؟
دقات خفيفة تضرب قلبه الآن وهو يرى التغير الشديد الذي هي عليه الآن، تصاعدت دقات قلبه حين مسكت يده بين كفيها وضغطت عليها برفق في تمسك شديد، ثم أضافت وهي ترتجف:
حابة أعيش معاك ونبدأ من جديد.

شعر بكل كلمة تخرج منها، بارتجافة جسدها وصوتها وبرودة يديها الصغيرتين اللتين تمسكان بكف يده في شدة وضغطت عليها بتوسل..
بماذا يخبرها هو أيضاً الآن هل يحتويها بين ذراعيه ويتخلص من عقدته هو الآخر؟ أم يخبرها بأن شعورها هو شعوره بالضبط وقد قالت كل هي كل الذي يريده ويعجز عن قوله؟
ما هذا الذي وضعته به الآن؟

أغمض عينيه وكأنه في حرب وهو قد يُهزم بها، لا ليس بهذه السهولة، لقد سحب يده من بين يديها وذهب بسرعة إلى الحمام فأطاح بأحلامها وآمالها أرضا، تدفقت دموعها وشعرت بالخجل والإحراج الشديد أيضاً، فتراجعت بظهرها بخيبة أمل وخرجت من الغرفة، وقفت تمسح دموعها بظهر يدها وتهندم هيئتها سارت بهدوء ونزلت الدرج فوجدت أن والدتها لم تذهب بعد وتجلس بصحبة شقيقتها، تجاهلتهما وأكملت سيرها متجهة إلى الحديقة، جلست على إحدى المقاعد الرخامية بحزن وشردت قليلاً، إلى أن وجدت زهراء قد أتت بابتسامتها المعتادة..

سلامو عليكوووو
قالتها زهراء بمرح وهي تجاورها، فابتسمت رنا بإيجاز وهي ترد عليها السلام، فيما قالت زهراء بقلق:
مالك يا رنا؟ في حاجة حصلت ولا إيه؟
رنا بتهكم:
في حاجات حصلت مش حاجة واحدة يا زهراء في البيت الغريب دا..
احكيلي إيه اللي حصل؟
رنا بضيق شديد:
أخوكي مازن بهدل نورهان وضربها جامد جدا..
شهقت زهراء وهي تضع يدها على فمها قائلة:
يا خبر ضربها طب لييييه؟

معرفش جالها مكالمة ومن بعدها تعبت جدا وفجأة بدون مقدمات لقيت أخوكي داخل وعينك ما تشوف إلا النور بقى.
ليه كدا بس يا مازن طب ومحدش حاش عنها؟
رنا متابعة:
هو كان قافل الباب ورحت قولت لخالتي فرحت إنه بيضربها ويزيد مكانش موجود مقدرتش اعملها حاجة.
سالت مجدداً:
طب وهما فين دلوقتي؟
أجابت رنا:
لا هو ولا هي خرجوا من الأوضة لحد دلوقتي.
ياربي منك يا مازن معرفش ليه بيعمل كدا بجد ربنا يهديه...
صمتت قليلًا ثم قالت برفق:.

طب ويزيد عامل إيه معاكي؟
راحت تبكي وتبكي، دموعًا كثيرة وكأنها كانت تنتظر هذا السؤال، أسرعت زهراء باحتضانها وهي تسألها بلهفة:
حصل إيه بس احكيلي طيب؟
أخبرتها رنا من بين دموعها:
حاسة إني ماليش حد خالص وإن الدنيا ضاقت بيا.
يا حبيبتي إزاي تقولي كدا اومال أنا بعمل إيه؟ ويزيد كمان؟
ابتعدت عنها قليلاً وكررت الكلمة:
يزيد؟ يزيد مش هيسامحني ولا ناوي يعيش معايا أنا إتأكدت خلاص..
ليه ب...

قاطع زهراء مجيء جنات التي قالت برقة:
هاي يا عمتو.
ردت زهراء بهدوء:
حمدلله على السلامة حبيبتي.
تحركت جنات وهي ترمق رنا بنظرات ساخرة من أسفلها لأعلاها لكن رنا تجاهلت ذلك، لكن زهراء نهضت خلفها باندفاع وقالت بغضب:
أنتي يا بنت مش قلت لك كدا عيب واحترمي الناس اللي أكبر منك؟
عمتو بليز فكك مني..
زهراء بعصبية شديدة:
إيه فكك دي يا جنات خليكي مؤدبة!
كان قد حضر يزيد وتساءل على الفور قائلاً:
في إيه يا زهراء بتزعقي ليه؟

زهراء متنهدة:
مافيش كنت بتكلم مع جنات في حاجة متشغلش بالك..
بينما قالت جنات بضجر:
يا بابي عمتو زهراء مش عاجبها إسلوبي وهي دي القضية..
يزيد وقد رفع أحد حاجبيه:
القضية؟, طبيعي ميعجبهاش إسلوبك يا جنات ولا يعجب حد خالص
تأففت جنات وهي تنظر إلى الأعلى ثم تعود وتنظر إلى والدها قائلة بإيجاز:
اوكى يا بابي
تابع يزيد بجدية وهو يتحرك إلى الداخل مجددًا:
تعالي معايا، عاوزك.

ذهبت جنات معه وقد انتابها شيء من القلق، دخل إلى غرفة مكتبه وقال بصوت أجش:
اقفلي الباب وراكي.
أقفلته جنات واقترب كي تجلس على الكرسي المقابل له، بينما أشعل يزيد سيجاره وهو يسألها برفق:
كنتي فين يا جنات؟
ابتلعت ريقها وأخبرته:
مش أنا قولتلك يا بابي إني عندي درس و..
قاطعها بهدوء:.

مكرهش في حياتي قد الكذب والكذابين فبلاش يا جنات تخليني أعمل معاكي تصرفات مش هتعجبك وهتتعبيني وتتعبي نفسك معايا الصراحة أحلى وأريح صح ولا إيه؟
نكست رأسها قليلاً وأجابت:
صح.
طب قولي بقى.
لم تجد شيء تقوله سوى الحقيقة لذا قالت:
بصراحة رحت لمامي.
بس أنا حددت مواعيد وقلت هتمشي عليها أنتي وأخوكي فليه بقى تتصرفي من دماغك وكمان تروحي من غير ما أعرف؟

ضمت جنات شفتيها معا في صمت، فنهض يزيد متجها لها وأوقفها أمامه متابعا:
جنات مش حابب إنك تتغيري وتتخلي عن براءتك خليكي بنت جدعة ومؤدبة ورقيقة وكل الصفات الحلوة تكون فيكي وابعدي عن أي حاجة وأي حد يشوه دا كله، المرة دي أنا هعتبر دا محصلش ومش عاوز أخوفك مني بس أنا في الغلط مبرحمش وعقابي هيكون شديد كمان خلينا اصحاب احسن وأنا مستعد أسمعك حتى لو هتحكي إيه بالذي لكن كذب لأ يا جنات كذب لأ, تمام؟

تمام يا بابي.
كادت تتحرك لكنه أوقفها متابعا:
إسلوبك مع رنا...
تنهدت بضيق وكادت تتكلم لكنه استكمل بجدية:
يتغير، في إسلوب أحسن من اللي بتتكلمي بيه ومتخليش حد يملى دماغك بكلام فارغ تمام؟
تابعت بضجر:
تمام..

لقد غفت وهي جالسة على الأريكة، وحين فتحت عينيها وجدته نائم هو الأخر على السرير، يبدو أنه ينام يعمق شديد، قامت من مكانها واتجهت إلى الباب كي تفتح لكن وجدته مغلق منذ أن أتى، كيف ستتخلص منه الآن؟

راحت تمشي إلى بنطاله المُعلق على الشماعة وبحثت عن مفتاح الغرفة بالفعل وجدته فالتقطته بفرحة وأخذته ثم اتجهت إلى الباب كي تفتحه وتهرب حتى إنها لم تنتبه أنها بملابس البيت لكن لا يهم الآن ما يهم هو الفرار ولو كلفها الكثير..
ما أن وضعت يدها على المقبض حتى قبض هو على يدها بقوة وأرجعها للخلف فأغمضت عيناها بألم ويأس..
فقرب فمه من أذنها قائلا بوعيد:
اتقلي يا نورهان لسة التقيل جاي ورا.

دفعته بعيدًا عنها مع قولها الشرس:
ربنا ياخدني أو ياخدك عشان أرتاح.
حاسبي على لسانك بدل ما اقصه.
اعمل ما بدالك أنت ولا تفرق معايا ولا حتى اللي هتعمله، يعني هتعمل إيه أكتر من اللي عملته؟
تابع قاصدًا اهانتها:
الله يرحم أيام ما اتجوزتك مكنش ليكي صوت أنا اللي نضفتك وعملت منك هانم بس هرجعك تاني زي الخدامين.
صرخت فيه بحدة عارمة:.

اخرس أنا أنضف من ألف زيك طول عمري نضيفة وإن كنت شايفني فقيرة فأنا أهلي عمرهم ما حرموني من حاجة، يا خسارة لو كنت أعرف إنك هتعايرني في يوم من الأيام كنت سبتلك الدنيا من زمان يا مازن!

الساعة الواحدة بعد منتصف الليل..
الجو شديد البرودة وهناك أمطار خفيفة ورياح عنيفة تهب، وهي مازالت تجلس في الحديقة لا تريد الذهاب إلى غرفته، وهو بالطبع لا يريدها هكذا قالت في وليجة نفسها، وإلا لما تركها في الحديقة ونام هو بالأعلى دافئا في فراشه، كيف هانت عليه كيف تركها هكذا..

وعلى الجانب الآخر كان قد انتهى يزيد من أعماله في غرفة مكتبه وذهب إلى الغرفة بارهاق لكنه تفاجئ بأنها ليست بالحجرة، فتراجع وعاد إلى الأسفل مجددا ليبحث عنها وهو يردد بخفوت:
مجنونة..
خرج إلى الحديقة وكما توقع بالضبط ها هي تجلس وترتجف من شدة البرد!
هل فقدت عقلها هذه ام ماذا تفعل!
وقف أمامها وهو يهتف بها:
اتجننتي ولا إيه؟ إيه اللي مقعدك هنا؟
وكان ردها عليه بمثابة صدمة حين قالت:
خليك في حالك!

ضغط على نواجذه وقد شدها إليه قائلا بقسوة:
إحنا هنلعب مع بعض ولا إيه؟ ادخلي جوا.
فتابعت ببكاء شديد:
ادخل جوا فين؟ أنام فين؟ أنا مش عاوزة ادخل معاك لو سمحت سيبني في حالي.
زفر بحدة وجذبها إليه أكثر ثم سار بها إلى الداخل رغم مقاومتها، ظلت تقاومه بينما يهمس لها:
شششش اثبتي!
لو سمحت ابعد.
كشر بشدة وهو يخبرها:
أنتي فاكراني بتحايل عليكي ولا إيه؟اصحي!
تابعت بأنفاس متهدجة:.

طيب سيبني في حالي أنا عارفة إني ماليش مكان معاك أساسا.
طب امشي معايا.
صممت على رأيها بينما قالت:
مافيش حاجة إسمها امشي معايا، أنا ليا مكان معاك ولا لأ لو سمحت جاوبني!
صمت متنهدًا بعمق ومن ثم تابع بتوتر:
امشي معايا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة