قصص و روايات - نوفيلا :

رواية نجمة في سمائي للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

رواية نجمة في سمائي للكاتبة شاهندة جميع الفصول

رواية نجمة في سمائي للكاتبة شاهندة الفصل الرابع

كانت تسرع فى خطواتها، تتجه إلى حيث (يحيي)، فقد تأخرت على جلستهما التى تنتظرها كل يوم بتوق، تدرك أنها تحرز تقدما ملحوظا معه، تعلم أنها ماهرة بعملها..ولكن دون رغبته الحقيقية فى العلاج والتى لمستها فيه وإرادته الحديدية أيضا، ماإستطاعت أن تفعل له شيئا.

تعثرت فجأة وكادت أن تسقط أرضا ولكن يد قوية ظهرت فجأة من العدم و سحبتها فلم تسقط وإنما إستقرت فى حضن صاحبها، رفعت وجهها تطالع منقذها لتجده (عزام)عم(يحيي)يطالع وجهها القريب منه بنظرة تشتهيها، أدركتها جيدا فى مقلتيه فجمدت أطرافها جميعا، وأثارت قشعريرة فى جسدها بأكمله، إبتعدت عنه وهي تتنحنح قائلة:
-إحمم، شكرا لحضرتك.

مرر (عزام )لسانه على شفتيه قبل أن يقول:
-لا شكر على واجب، خدى بالك من نفسك، مش كل مرة هكون موجود وألحقك يادكتورة.
إبتسمت (ميار)إبتسامة باهتة وهي تقول:
-أكيد، عن إذنك لإنى إتأخرت، وشكرا مرة تانية.

أومأ برأسه محييا، فإنطلقت على الفور فى طريقها، تدرك من إحتراق ظهرها أنه يتابعها بنظراته، لتسرع فى خطواتها تبغى الهروب من لهيبهم.

بينما تنهد (عزام)قائلا:
-من زمان مشفتش واحدة شدتنى زيك ياميار، بتحركى مشاعر دفنتها جوايا طول العمر لإنها بتملكنى وتضعفنى، فياريت متقاومنيش لإن اللى زيك فى الآخر يابتكون لية، يابتكون للموت، وانتى خسارة أوى فى الموت يا دكتورة.
ليبتسم إبتسامة إتسعت تدريجيا لتشمل وجهه...بأكمله.

كان يمسك بهذا الكتاب القريب إلى قلبه، ليفتحه ببطئ ويحمل تلك الزهرة التى جفت بداخله بيده يتأملها بحنان، يقربها إلى أنفه، يغمض عيناه وهو يسحب نفسا عميقا لتتغلغل رائحتها فى صدره، رائحة الياسمين خاصته، مازالت بها رغم مرور كل تلك السنوات، فتح عيناه يطالعها من جديد، يقول بشغف:
-وحشتيني ياياسمينتي، وحشتيني أوى، أنا بتعالج أهو عشان أجيلك وأقعد جنبك، مش هسيبك تانى أبدا..،

أنا آسف على السنين اللى ضيعتها وأنا مستسلم لقدري، كنت بعاقب نفسي على موتك لانى كنت السبب فيه، كنت فاكر بإنى كدة بدفع التمن، بس (ميار)كان عندها حق، اللى بنحبهم يستاهلوا نبقى كويسين بس عشانهم، وأنا محبتش فى حياتى أدك إنتى وعمى، أول ماهمشى على رجلية هصفى شغلى هنا زي ماعمى كان عايزنى أعمل وأنا كنت دايما برفض، بس مش هنسافر على لندن زي ماكان عايز، لأ، هقنعه نسافر المنصورة ونشتغل هناك، فى بلدك ياحبيبتى، عشان أكون جنبك و...

قاطعه طرقة على الباب ثم دلوف (ميار)التى لمحت تلك الزهرة فى يده قبل أن يعيدها بسرعة إلى كتابه ويضعه على مكتبه وهو يستقبلها بإبتسامة، بادلته إياها على الفور وهي تقترب منه قائلة:
-صباح الخير، معلش إتأخرت عليك.

قال (يحيي)بهدوء:
-ولا يهمك، شغلت نفسي..هنكمل زي كل يوم؟

هزت رأسها نفيا قائلة:
-لا إحنا خلاص خلصنا المرحلة دى وهنبدأ النهاردة مرحلة جديدة خالص، هنبدأ نعمل تمارين للجهاز التنفسي وتمارين للدورة الدموية عشان نعزز ضخ الدم فى الجسم، وفى الفترة الجاية هنعمل تنبيه كمان للعضلات بس بطرق تانية زي ال tapping و quick stretch.

قال(يحيي)بإبتسامة:
-بالراحة يادكتورة أنا مش همشى فى يومين على فكرة.
إبتسمت وهي تقول:
-٣ شهور، فات منهم شهر، وإن فضلت بالإرادة دى والرغبة فى العلاج اللى حسيتها فيك، يبقى هم شهرين كمان وهتمشى من تانى يايحيي، أنا وعدتك وأنا أد وعدى.

إتسعت إبتسامته قائلا بحماس:
-يبقى مستنية إيه، إبدأى علطول.
إتسعت إبتسامتها، لتقترب منه على الفور وتجلس أمامه تمد يدها وتسحب قدمه، تقوم بتلك التمارين، تشعر بعضلاته تستجيب معها، لتنظر إليه بسعادة طفرت على وجهها بينما ظللت عيناه نظرة...إمتنان.

قالت (ميار):
-بيتهيألى كفاية كدة النهاردة، إنت أكيد تعبت.
تأملها (يحيي)وهو يقول:
-أبدا، متعبتش بالعكس..إنتى اللى النهاردة مش فى المود وفيه حاجة شاغلاكى، إحنا مش بقينا أصحاب، إحكيلى.

تطلعت إلى ملامحه للحظات، ليشجعها بعينيه، فتنهدت قائلة:
-الحقيقة فيه حاجة فعلا شاغلانى، بس هي متخصنيش، بتخص واحدة صاحبتى، طلبت رأيي والحقيقة مش قادرة أفيدها ومشكلتها شاغلانى شوية.
قال بهدوء:
-إحكيلى عنها، يمكن أقدر أفيدك.

تنهدت قائلة:
-الحقيقة صاحبتى بتشتغل فى شركة، وفيه واحد يعنى نقدر نقول زميلها بس أكبر منها بكتير، آخد باله منها فى الرايحة والجاية وبدأ يضايقها ويثير أعصابها بجد وهي مش عارفة تتصرف معاه.
قال (يحيي):
-بسيطة، تقول لصاحب الشركة وأكيد هيرفده أو على الأقل ينقله من المكان اللى هي فيه.

هزت رأسها قائلة:
-مش هيصدقها، أصله قريبه وبيحبه.
قال (يحيي):
-يبقى تثبتله إنه مش كويس وميستاهلش حبه ولا تقديره كمان.

عقدت حاجبيها قائلة:
-إزاي؟
هز كتفيه قائلا:
-تخليه يشوف بعنيه حقارة قريبه ده.
قالت(ميار):
-فكرت فى كدة فعلا، بس خايفة عليه من الصدمة.
طالعها (يحيي)قائلا:
-هي بتحبه؟مش كدة؟
لم تستطع أن تواجه عيناه فى تلك اللحظة فأطرقت برأسها قائلة:
-أيوة.

إبتسم (يحيي)قائلا:
-طب ومكسوفة ليه؟الحب مش عيب، بالعكس..قوليلها متخافش عليه، ولو بتحبه بجد، تشيل الغمامة اللى على عنيه وتكشفله الناس القريبين منه لو كانوا وحشين قبل مايضروه، وكفاية أوى وجودها فى حياته...هيغنيه عن كل الناس.

رفعت عيونها تطالع عيونه قائلة:
-انت شايف كدة؟
شيئ ما فى نظرة عينيها جعل خافقه يدق بقوة، ليشرد فى تلك العينين للحظات، قبل أن يشيح بناظريه عنها وهو يتنحنح قائلا:
-احمم، آه طبعا.

إبتسمت وهي تدرك أنه يحاول الهرب من مشاعره، نعم..فقد أطلت منه نظرة إليها الآن أوصلت إليها ذبذبات من المشاعر مستها على الفور، أزالت إبتسامتها وهي تقول:
-هو إحنا مش بقينا أصحاب يايحيي؟
عاد إليها بناظريه، يعقد حاجبيه بحيرة قائلا:
-أكيد طبعا.

نهضت تقترب منه ليشعر بالتوتر يسرى فى كل كيانه وهي تميل عليه، كاد أن يبتعد هاربا من تلك المشاعر التى أثارتها بخافقه، ولكنه توقف حين وجدها تسحب الكتاب من خلفه وترفعه أمامه قائلة:
-طيب مش هتقولى إيه حكاية الوردة اللى جوة الكتاب دى، واللى كل ماأدخل ألاقيك ماسكها.

سحب الكتاب من بين يديها قائلا:
-أولا دى مش وردة.
ليفتح الكتاب ويرفع تلك الزهرة يتأملها فى شرود قائلا بصوت إستشعرت الحنين فى نبراته:
-دى ياسمينة، ياسمينتي اللى بتفكرنى بأقرب الناس لية وتحسسني إنى قريب منها.

تضخمت مشاعرها فى قلبها وهي تطالعه قائلة:
-إحكيلى عنها.
أفاق من شروده وهو يضع الزهرة داخل الكتاب قائلا:
-معتقدش الحكاية دى تهمك...

قاطعته وهي تمسك بيده، تمنعه من وضع الزهرة داخل الكتاب قائلة بهمس:
-تهمني.
إرتعشت يداه بين يدها وعيناه تتطلع إلى عينيها، تنتابه مشاعر ربما تخيفه بعض الشيئ.

أراد الصراخ بها، إجبارها على الإبتعاد عنه وتركه مع ذكرياته، أراد التوسل إليها حتى أن تترك مشاعره كما هي، لحبيبته( ياسمين)، ولكن شيئ ما بداخله منعه من أن يفعل ذلك، شيئ لم يود التعمق فى فهمه، يدرك فقط أنها أصبحت شيئا ضروريا بحياته، ولا يريد الإستغناء عنها.. على الأقل، فى الوقت الحالى.

لذا تنهد وهو يشيح بناظريه عنها، يترك يدها ويمسك فقط ياسمينته، يعود بالذاكرة إلى الوراء، إلى ثلاثة سنين مضت، حين منحته حبيبته تلك الياسمينة...

كان ينتظرها كعادته فى مكانهما الذى إعتادا اللقاء به، يطالع كتابا لايرى حقا أحرفه، يشعر بأنه يفتقدها بشدة رغم أنه لم يراها فقط منذ الأمس، إبتسم حين تسلل إليه عطرها، عطر الياسمين خاصتها، أحاطت بيديها عيناه قائلة:
-حزر فزر أنا مين؟

رفع كفيها عن عينيه يقبل باطنهما ثم يقول:
-إنتى حبيبتى وقلبى وعينى وياسمينتي ياياسمين.
جلست بجواره تطالعه بعشق وهي تتنهد قائلة:
-على فكرة بقى، أنا مبقتش حمل كلامك الحلو ده ياكابتن، وياتخف منه ياتتجوزني أنا بقولك أهو.

أطلق ضحكة زادته وسامة لتبتسم بحب وهي تتطالعه قبل أن يقول:
-على فكرة بقى أنا اللى مبقتش قادر أتحمل وهتجوزك ياياسمين.
ظهرت السعادة على وجهها وهي تقول:
-بجد يا يحيي ؟

طالعها بعشق قائلا:
-بجد ياقلب يحيي، هكلم عمى ونيجى نخطبك بكرة.
طالعته بسعادة إمتزجت بالعشق ليبادلها إياه قبل أن تضرب رأسها بخفة قائلة:
-شفت بقى كنت هتنسينى.
لتخرج من حقيبتها زهرة ياسمين جميلة منحته إياها وهي تقول:
-جبتلك دى عشان تفكرك بية.

أمسك الزهرة يقربها إلى شفتيه، يقبلها ببطئ أثار كيانها، ثم قال:
-الوردة دى هحتفظ بيها جوة الكتاب لإنها منك إنتى..أي حاجة منك ببقى عايز أحطها جوة قلبى وأحتفظ بيها عمر بحاله، بس الأكيد إنى من بكرة هحتفظ بيكى إنتى شخصيا ياقلبى، بحبك ياياسمينتي.

قالت بعشق:
-بحبك يايحيي.

...عاد يحيي من ذكرياته لأرض الواقع وهو يقول بألم:
-للأسف مقدرتش أحتفظ بيها، وكل اللى فضلى منها هي الوردة دى وسلسلتها وذكرياتى معاها، بيآنسوا وحدتى ويشاركونى ليلي الطويل من غيرها، ياسمين مش بس كانت زهرة فى بستانى، لأ كمان كانت نجمة بتنور عتمة ليلي وبترشدنى وسط التوهة اللى كنت عايش فيها، يمكن دلوقتى هي نجمة فى سمايا مش قادر أوصلها بس الأكيد إن مجرد النظر ليها بيخلينى سعيد، مجرد إنى أبصلها بحس إنى إكتفيت، مش عايز من الدنيا غيرها هي وبس، نجمتى اللى فى السما.

تنهد بحزن قبل أن يرفع عيونه إليها، تجمدت أطرافه وهو يرى دموعها تتساقط على وجنتيها، تبا..تؤلمه دموعها بقوة، يدرك أن مشاعرها تجاهه هي السبب فيها، ليتأكد ظنه..هي بدورها تحمل مشاعر له، مسحت دموعها بسرعة قائلة:
-الحب الحقيقى مبيجيش فى حياتنا غير مرة واحدة بس وحبك لياسمين حقيقى والدليل هو إخلاصك لذكراها.

نظرت لساعتها قائلة:
-أنا إفتكرت مشوار مهم ومضطرة أمشى، أشوفك بكرة.
أسرعت بالرحيل تتحاشى نظراته، شعر بالحزن لإيلامها، ورغم ألمه لألمها إلا أنه يرى أن ماحدث كان للأفضل، فهو لايريد أن يعلقها بحبال الأمل الواهية، فقلبه مازال معلق بماضيه، ولا شيئ بداخله يستطيع أن يمنحها إياه، أم هناك؟!!
فى تلك اللحظة...هو ليس متأكدا من الإجابة...مطلقا.

ضرب (عزام)بقبضته سطح المكتب قائلا بغضب:
-يعنى إيه الكلام ده يامنير، كدة الصفقة راحت مننا مش كدة؟
قال (منير)بإضطراب:
-مش كدة وبس، دول كمان مسكوا رجالتنا وهم بيحاولوا يخطفوا الولد.

عقد (عزام)حاجبيه قائلا:
-والرجالة دى ممكن تتكلم، ممكن تعترف علينا؟
هز (منير)رأسه على الفور قائلا:
-لأ طبعا ياباشا، دول رجالتك ولحم كتافهم من خيرك، إحنا بس نظبط أهاليهم بالفلوس وكل شيئ هيبقى تمام.

هز (عزام)رأسه وجلس على كرسيه يستند برأسه للخلف ويظهر عليه التفكير، قال (منير)بإرتباك:
-بتفكر فى إيه ياباشا؟قصدى يعنى هنتصرف إزاي دلوقت؟
زفر(عزام)قائلا:
-مبقاش فى إيدنا حاجة دلوقت نعملها، العين هتبقى علينا وأي غلطة هتودينا فى داهية، بناقص الصفقة دى وخلاص، بس مش ده اللى شاغل بالى دلوقت.

إبتلع (منير)ريقه قائلا:
-أمال إيه اللى شاغل بالك ياباشا؟
مال (عزام)للأمام وهو ينظر إلى عينيه مباشرة:
-من الواضح كدة إن فيه حد بيدور ورانا، وعايز يكشفنا..حد آخد باله مننا وقاصد يإذينا.

عقد (منير)حاجبيه قائلا:
-والحد ده يبقى مين ؟
تنهد (عزام)قائلا:
-مش عارف، بس أكيد لازم أعرف عشان أوريه اللى يفكر بس يإذى عزام القشاش بيجراله إيه.
قال (منير):
-طب ولحد مانعرف هنعمل إيه؟

تراجع (عزام)يستند برأسه إلى الكرسي مجددا وهو يقول:
-هنعمل اللى طول عمرنا بنعمله، بس المرة دى هناخد بالنا كويس ومفيش كلمة هنقولها أنا وإنت حد تالت يعرفها، مفهوم؟
قال (منير)على الفور:
-مفهوم طبعا ياباشا.
ليهز (عزام)رأسه مستحسنا، بينما تراجع هذا الذى إستمع إلى محادثتهما وعلى شفتيه إرتسمت...إبتسامة ساخرة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة